عرض مشاركة واحدة
الصورة الرمزية النّجف الأشرف
النّجف الأشرف
عضو
°°°
افتراضي
بقية الباب الأول
فيما نذكره من الإشارة إلى أن النجوم و العلم بها من آيات مالك الجلالة و من معجزات صاحب الرسالة
و من أخبر المنجمون عن نبوته و رسالته موسى بن عمران صلوات الله على سيدنا رسول الله و على من تزيده الصلاة من خاصة رسل الله

فقد تضمنت كتب التأريخ و غيرها من المصنفات ما يغني عن جميع الروايات فمن ذلك ما رواه الثعلبي في كتاب العرائس و المجالس قال : إن فرعون رأى في منامه أن نارا قد أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر فأحرقتها و أحرقت القبط و تركت بني إسرائيل فدعا فرعون السحرة و الكهنة و المعبرين و المنجمين و سألهم عن رؤياه فقالوا له إنه يولد في بني إسرائيل غلام يسلبك ملكك و يغلبك على سلطانك و يخرجك و قومك من أرضك و يذل دينك و قد أظلك زمانه الذي يولد فيه ثم ذكر ولادة موسى و ما صنع فرعون في قتل ذكور الأولاد و ليس
[28]
في ذكر ذلك هاهنا ما يليق بالمراد .

و ذكر حكم المنجمين في ميلاد موسى و نبوته الزمخشري في كتاب الكشاف و روى حديث دلالة النجوم على ولادة موسى (عليه السلام) وهب بن منبه في الجزء الأول من كتاب المبتدأ بأبسط من رواية الثعلبي .

و حدثني بعض علمائنا المنجمين بحكم دلائل المنجمين على عيسى (عليه السلام) و لم أحفظ لفظ حديثه لأحكيه و وجدت ذلك مشروحا بالعربية في أوائل الإنجيل .

و ذكر أبو جعفر محمد بن بابويه رضوان الله جل جلاله عليه في الجزء السادس من كتاب النبوة في باب سياقة حديث عيسى ابن مريم (عليه السلام) فقال ما هذا لفظه : و قدم عليها وفد من علماء المجوس زائرين معظمين لأمر ابنها و قالوا إنا قوم ننظر في النجوم فلما ولد ابنك طلع بمولده نجم لا يفارقه حتى يرفعه إلى السماء فيجاور ربه عز و جل ما كانت الدنيا مكانها ثم يصير إلى ملك هو أطول و أبقى مما كان فيه فخرجنا من قبل المشرق حتى دفعنا إلى هذا المكان فوجدنا النجم متطلعا عليه من فوقه فبذلك عرفنا موضعه و قد أهدينا له هدية جعلناها له قربانا لم يقرب مثله لأحد قط و ذلك أنا وجدنا هذا القربان يشبه أمره و هو الذهب و المر و اللبان لأن الذهب سيد المتاع كله و كذلك هو ابنك سيد الناس ما كان حيا و لأن المر حباة الجراحات و الجنون و العاهات كلها و كذلك ابنك يعافي المرضى كلها و لأن اللبان يبلغ دخانه السماء و لن يبلغها دخان غيره و كذلك ابنك يرفعه الله إلى السماء و ليس يرفع من أهل زمانه غيره .

[29]
و وجد في كتاب دلائل النبوة جمع أبي القاسم الحسين بن محمد السكوني من نسخه عتيقة عليها سماع تاريخه يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة اثنتين و عشرين و أربعمائة و نسخ من أصل كتاب مصنفه فذكر في معرفة بعض اليهود بعلم النجوم حديث بعثة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال ما هذا لفظه : حدثني الشريف أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسين بن علي بن عبد الرحمن قال حدثنا الحسن قال حدثنا عبد الله بن غانم قال حدثنا هناد قال حدثنا يونس عن أبي إسحاق قال حدثنا صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف بن يحيى بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة قال حدثنا ابن شيث عن رجال قومه عن حسان بن ثابت قال : إني و الله لغلام يفقه ابن سبع أو ثمان سنين أعقل كلما سمعت إذ سمعت يهوديا و هو على أطمة يثرب يصيح يا معشر اليهود فاجتمعوا له و قالوا له ويلك ما لك قال طلع نجم أحمد الذي يبعث به الليلة هذا آخر لفظه و سيأتي معرفة النصارى بنبوته من طريق النجوم أيضا .

و وجدت كتابا عندنا الآن اسمه كتاب الندا الصيني الذي عمله كيشتا ملك الهند يذكر فيه : تفصيل دلالة النجوم على نبوة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و خلفائه و هو شرح طويل و قصدنا ذكر جملته دون التفصيل.

[30]
و وجدت في كتاب درة الإكليل في تتمة التذييل تأليف محمد بن أحمد بن عمرو بن حسين بن القطيعي في الجزء الثالث منه عند قوله مفاريد الأسماء على التعبيد فذكر في ترجمة عبد الأول بن عيسى بن شعيب بن إبراهيم بن إسحاق الشجري الأصل المروي المولد الصوفي الشيخ المعمر الثقة الموقت لابن أبي عبد الله حديث دلالة النجوم عند هرقل ملك الروم على نبوة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و الحديث طويل يتضمن سؤال هرقل لبعض قريش عن صفات النبي و لفظ كتاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى هرقل ثم قال ما هذا لفظه : و كان ابن الناطور صاحب إيلياء و هرقل أشفقا على نصارى الشام فحدث أن هرقل حين فقد إيلياء أصبح يوما خبيث النفس فقال بعض بطارقته قد أنكرنا هيئتك قال ابن الناطور و كان هرقل جيد النظر في علم النجوم فقال لهم حين سألوه إني نظرت الليلة في النجوم فرأيت ملكا يظهر في من يختتن من هذه الأمة فقالوا له ليس يختتن إلا اليهود فلا يهمنك شأنهم فاكتب إلى مدائن ملكك يقتلون من فيها من اليهود فبينما هم على أمرهم إذ أتي برجل أرسل إلى هرقل من ملك غسان يخبره بخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما استخبره هرقل قال اذهبوا فانظروا أ يختتن هو أم لا فنظروه و أخبروا أنه مختتن فسألهم عن العرب فقالوا إنهم يختنون فقال هرقل هذا ملك هذه الأمة قد ظهر ثم كتب إلى صاحب رومية و كان نظيره في العلم و سار هرقل إلى حمص
[31]
حتى أتاه كتاب صاحبه يوافق رأيه على خروج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و أنه نبي فأذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة له بحمص ثم أمر بأبوابها فغلقت ثم أطلع عليهم فقال يا معشر الروم هل لكم في الفلاح و الرشد أن يثبت ملككم قالوا بلى قال بايعوا هذا النبي فحاصوا حوصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها مغلقة فلما رأى هرقل نفرتهم و آيس من الإيمان قال ردوهم فلما ردوا قال لهم إني قلت مقالتي آنفا أختبر بها شدتكم على دينكم و قد رأيت ما أعجبني فسجدوا له و رضوا عنه فكان ذلك آخر شأن هرقل أقول هذا آخر لفظ مصنف كتاب درة الإكليل و لم أذكر أسانيد هذه الرواية تخفيفا فهذا يتضمن أن النجوم دلت هرقل و صاحبه برؤيته على نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و وطئت له بلوغ الأمنية و أذلت قلوب الرومية و كان ذلك من الآيات الربانية و الدلالات الخارقة الإلهية و من فكان مطلعا على كتب الإسلام وجد دلالة النجوم واضحة معلومة للأفهام لا يمكن جحودها إلا بالعناد و تهوين آيات الله جل جلاله في العباد و تصغير عظمته تعالى شأنه و حكمته في تدبير خليقته .

و أما دلالة النجوم لكسرى ملك الفرس على نبوة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و توطئة النبوة بما دلت عليه النجوم بتدبير الله جل جلاله لها فهو مذكور في كتب التواريخ يطول كتابنا بإيراد كلما وقفنا عليه و لكنا نذكر ما يكون تنبيها على ما أشرنا إليه و من
[32]
أراد استيفاء ذلك فلينظره في كل تاريخ اشتمل عليه و نحن نقتصر على ما ذكره الطبري في تاريخه فهو تاريخ مشهور ذكر الطبري في تاريخه عن معرفة كسرى بالمنجمين و غيرهم بنبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بما يأتي ذكره بلفظه و هو ذكر الخبر عن الأسباب التي حدثت من أراده الله تعالى إزالة ملك فارس من أهل فارس فوطأ بها للعرب ما أكرمهم به نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من النبوة و الخلافة و الملك و السلطان في أيام كسرى أبرويز فمن ذلك ما روى وهب بن منبه و هو ما حدثنا به ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال : كان من حديث كسرى ما حدثني به بعض أصحابي عن وهب بن منبه أن كسرى كان سكن دجلة العوراء و أنفق عليها من الأموال ما لا يدرى ما هو و كان طاق مجلسه قد بني بنيانا لم ير مثله و كان يعلق به تاجه فيجلس فيه إذا جلس للناس و كان عنده ستون و ثلث مائة رجل من الخراة و الخراة العلماء ما بين كاهن و منجم و ساحر و كان فيهم رجل من العرب يقال له السائب يعتاف اعتياف العرب فلما يخطئ بعثه إليه بأذان من اليمن و كان كسرى إذا ضربه أمر جميع كهانه و سحرته و منجميه فقال انظروا في هذا الأمر ما هو فلما أن بعث الله نبيه محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) أصبح كسرى ذات غد و قد انقصمت طاق ملكه من وسطها من غير نقل و انخرقت دجلة العوراء فلما رأى ذلك حزن و قال طاق ملكي انقصمت من غير ثقل و انخرقت دجلة
[33]
العوراء شاه بشكسته يقول الملك انكسر و جمع الكهان و السحرة و المنجمين و دعا السائب معهم فقال انظروا في هذا الأمر ما هو فخرجوا من عنده و نظروا في الأمر فأخذ عليهم بأقطار السماء و ضاقت عليهم الأرض و تسكعوا بعلمهم فلا يمضي لساحر سحره و لا لكاهن كهانته و لا يستقيم لمنجم علم نجومه و بات السائب في ليلة ظل فيها على ربوة من الأرض يرمق برقا نشأ من الحجاز ثم استطار حتى بلغ المشرق فلما أصبح ذهب ينظر إلى ما تحت قدميه فإذا روضة خضراء فقال فيما يعتاف لئن صدق ما أرى ليخرجن من الحجاز سلطان يبلغ المشرق و تخصب به الأرض كأفضل ما أخصبت من ملك كان قبله فلما خلص الكهان و المنجمون بعضهم إلى بعض رأوا ما أصابهم و رأى السائب ما قد رأى قال بعضهم لبعض تعلمون و الله ما حيل بينكم و بين علمكم إلا لأمر جاء من السماء و إنه لنبي قد بعث أو هو مبعوث يسلب هذا الملك و يكسره و لئن بنيتم لكسرى خراب ملكه ليقتلنكم فأقيموا بينكم أمرا تلقونه فيه حتى تؤخروا أمره إلى آخر ساعة فجاءوا إلى كسرى فقالوا قد نظرنا في هذا الأمر فوجدنا بناءك الذي وضعته على الحساب قد أخطئوا فيه فوضعوا طاق الملك و سكور دجلة على النحوس فلما اختلف عليه الليل و النهار وقعت النحوس على مواقعها فدك كل ما وضع عليها و إنا سنحسب حسابا تضع عليه بنيانا لا يزول قال فاحسبوا فحسبوا ثم قالوا ابن فبنى فعمل في دجلة ثمانية أشهر و أنفق فيها من الأموال ما لا يدرى ما هو حتى
[34]
إذا فرغ قال لهم أجلس على سورها قالوا نعم فأمر بالبسط و الفرش و الرياحين فوضعت عليها و أمر بالمرازبة فجمعوا و اجتمع إليه النقابون ثم خرج حتى جلس عليها فبينا هو هناك إذ انتسفت دجلة البنيان من تحته فلم يخرج إلا بآخر رمق و لما أخرجوه جمع كهانه و سحرته و منجميه فقتل منهم قريبا من مائة فقال لهم سميتكم و أدنيتكم دون الناس و أجريت عليكم أرزاقي و تلعبون بي فقالوا أيها الملك أخطأنا كما أخطأ من قبلنا و لكنا سنحسب حسابا نبينه حتى نضعه على الوفاق من السعود قال لهم انظروا ما تقولون قالوا فإنا نفعل قال فاحسبوا فحسبوا له ثم قالوا له ابن فبنى و أنفق من الأموال ما لا يدرى ما هو ثمانية أشهر كذي قبل فقالوا قد فرغنا فقال أخرج و أقعد عليها قالوا نعم فهاب الجلوس عليها و ركب برذونا و خرج يسير عليها فبينا هو يسير فوقها إذ انتسفت دجلة بالبنيان فلم يخرج إلا بآخر رمق فدعاهم و قال و الله لآتين على آخركم و لأنزعن أكتافكم و لأطرحنكم تحت أيدي الفيلة أو لتصدقوني ما هذا الأمر الذي تلفقونه علي قالوا لا نكذبك أيها الملك أمرتنا حين انخرقت دجلة و انقصمت طاق المجلس من غير ثقل إن ننظر في علمنا لم ذلك فنظرنا فأظلمت علينا أقطار السماء فتردى علمنا و سقط في أيدينا فلا يستقيم لساحر سحر و لا لكاهن كهانة و لا لمنجم علم نجوم فعلمنا أن هذا أمر حدث من السماء و أنه قد بعث نبي أو هو مبعوث فحيل بيننا و بين علمنا لأجله و خشينا أن نعينا إليك ملكك إن تقتلنا فكرهنا من الموت ما يكره
[35]
الناس و عللناك على أنفسنا بما رأيت قال ويحكم فهلا بينتم لي هذا لأرى فيه رأيي قالوا منعنا من ذلك ما تخوفنا منك فتركهم ولها عن دجلة حتى علم ذلك .

و ذكر علي بن المرتضى في أواخر الجزء الثالث من ديوان النسب : ما ذكر أنه من التوراة في دلالة النجوم على نبوة سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في زمن كسرى المشار إليه مثله .

أقول و هلك كسرى هذا في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و أما كسرى الذي خرج الملك عنه إلى المسلمين فسنذكر ما ذكره الطبري من دلالة النجوم على ما آل حاله إليه فيمنطو عليه فنقول :

و أما دلالة النجوم على ظهور المسلمين على ملوك الفرس فالأخبار بها كثيرة فمن ذلك ما ذكره الطبري في تاريخه فقال : و لما أمر يزدجرد رستم بالخروج من ساباط بعث إلى أخيه بنحو من الكتاب الأول و زاد فيه فإن السمكة قد كدرت و النعائم قد حبست و حسنت الزهرة و اعتدل الميزان و ذهب بهرام و لا أرى هؤلاء القوم إلا سيظهرون علينا و يستولون على ما بأيدينا و إن أشد ما رأيت أن الملك قال لتسيرن إليهم أو لأسيرن أنا بنفسي و أنا سائر إليهم و كان الذي جرا يزدجرد على إرسال رستم غلام جاه‏بان منجم كسرى و كان من أهل قراب باد قلي فأرسل إليه ما ترى في مسير رستم لحرب العرب فكذبه خوفا و كان رستم يعلم نحوا من علم ذلك المنجم فثقل عليه سيره و خف على الملك
[36]
لمشاغرة به و قال له إني أحب أن تخبرني بشي‏ء أراه فاطمئن به إلى قولك فقال الغلام لدرنابند الهندي سلني فسأله فقال الغلام أيها الملك يقبل طائر فيقع على إيوانك و يقع منه ما في فيه هاهنا و خط دائره فقال العبد صدق و الطائر غراب و الذي في فيه درهم و بلغ جابان أن الملك طلبه فأقبل فسأله عما قاله غلامه فحسب و قال صدق و لم يصب هو عقعق في فيه درهم يقع منه على هذا المكان و كذب درنابند في مكان الدرهم بل هاهنا و دور دائرة أخرى فأقاموا حتى وقع على الشرفات عقعق فسقط منه درهم فوقع في الخط الأول و تدهده حتى صار في الخط الآخر و نافر الهندي جابان حيث خطاه فأتي ببقرة نتوج فقال الهندي سخلتها غبراء سوداء فقال جابان كذبت بل سوداء سفعاء فنخرت البقرة و استخرجت سخلتها فإذا ذنبها أبيض فقال جابان من هاهنا أتى درنابند و شجعاه على إخراج رستم فأمضاه ثم قال الطبري ما معناه أن جابان كتب إلى من يشفق عليه من العسكر يأمره بالدخول معهم فيما يريدون و أن ملك الفرس ذهب فقبل منه فكان الأمر على ما اقتضاه دلالة النجوم على ظهور العرب على الفرس .

فيما نذكره من دلالة النجوم على مولانا المهدي بن الحسن العسكري (صلى الله عليه وآله وسلم) ذكرها بعض أصحابنا في كتاب الأوصياء و هو كتاب معتمد عند الأولياء وجدته في أصل عتيق لعله كتب في زمان مصنفه و قد دثر تاريخه فيه دلالات الأئمة و ولادة المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم) رواه الحسن بن جعفر الصيمري و مؤلفه علي بن محمد بن زياد الصيمري
[37]
و كانت له مكاتبات إلى الهادي و العسكري و جوابهما إليه و هو ثقة معتمد عليه فقال ما هذا لفظه :

حدثني أبو جعفر القمي ابن أخي أحمد بن إسحاق بن مصقلة : أنه كان بقم منجم يهودي موصوفا بالحذق في الحساب فأحضره أحمد بن إسحاق و قال له قد ولد مولود في وقت كذا و كذا فخذ الطالع و اعمل له ميلادا فأخذ الطالع و نظر فيه و عمل عملا له فقال لأحمد لست أرى النجوم تدلني على شي‏ء لك من هذا المولود بوجه الحساب أن هذا المولود ليس لك و لا يكون مثل هذا المولود إلا لنبي أو وصي نبي و أن النظر فيه يدلني على أنه يملك الدنيا شرقا و غربا و برا و بحرا و سهلا و جبلا حتى لا يبقى على وجه الأرض أحد إلا دان له و قال بولايته يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس و هذا من آيات الله الباهرة و حججه على من عرفه بالعين الباصرة فإن أحمد بن إسحاق ستر المولود على المنجم المذكور فدله الله جل جلاله بدلالة النجوم على ما جعل فيه من السر المستور و قد كنت أشرت إلى قدامة بن الأحنف البصري المنجم ليحقق طالع ولادة المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم) و لم أكن وقفت على هذا الحديث المشار إليه فذكر أنه حقق طالعه و أحضر زائجته و كما سبقنا راوي هذا الحديث إليه فصار ذلك إجماعا منهما عليه .

فيما نذكره من كلام الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان رضوان الله عليه و هو الذي انتهت رئاسة الإمامية في وقته إليه و ذلك فيما رويناه عنه في كتاب المقالات : أنه لا مانع من أن يكون الله أعلم
[38]
بالنجوم بعض أنبيائه و جعلها علما على صدقه من بعض المعجزات فقال ما هذا لفظه و أقول إن الشمس و القمر و سائر النجوم أجسام نارية لا حياة لها و لا موت خلقها الله لينتفع بها عباده و جعلها زينة لسماواته و آية من آياته كما قال سبحانه هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً وَ قَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ و كما قال تعالى هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ و كما قال عز و جل وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ و كما قال تبارك اسمه وَ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ فأما الأحكام على الكائنات بدلالتها و الكلام على مدلول حركاتها فإن العقل لا يمنع منه و لسنا ندفع أن يكون الله تعالى أعلمه بعض أنبيائه و جعله علما له على صدقه غير أنا لا نقطع عليه و لا نعتقد استمراره في الناس إلى هذه الغاية فأما ما نجده من أحكام المنجمين في هذا الوقت و إصابة بعضهم فيه فإنه لا ينكر أن يكون ذلك بضرب من التجربة و بدليل عادة و قد يختلف أحيانا و يخطئ المعتمد عليه كثيرا و لا تصح إصابته فيه أبدا لأنه ليس بجار مجرى دلائل العقول و لا براهين الكتاب و لا أخبار الرسول و هذا مذهب جمهور متكلمي أهل العدل و إليه ذهب بنو نوبخت رحمهم الله من الإمامية و أبو القاسم و أبو علي من المعتزلة أقول فانظر إلى قوله رحمه الله فأما الأحكام على الكائنات بدلالتها و الكلام على مدلول حركاتها فإن العقل لا يمنع منه فهذا تصريح صحيح أن العقول السليمات
[39]
لا تمنع أن تكون النجوم دلائل على الكائنات و انظر قوله رحمه الله و لسنا ندفع أن يكون الله سبحانه أعلمه بعض أنبيائه و جعله علما على صدقه فهذا توفيق منه رحمه الله و تحقيق أنه لا يدفع أن يكون الله تعالى علمه بعض أنبيائه و جعله علما على صدقه فهل تقبل العقول أن يكون الله تعالى أعلم أنبيائه بما يكون تعليمه و العلم به حراما و نقصانا لمن علمه و تعلمه و هل يمكن أن يجعل الله جل جلاله علما على صدق نبي من أنبيائه ما يكون كذبا و جهلا و بهتانا و ضلالا و انظر قوله رحمه الله غير أنا لا نقطع عليه و لا نعتقد استمراره إلى هذه الغاية فإنه ذكر أنه ما نقطع عليه و لو كان هذا العلم باطلا و تعليمه و العلم به ضلالا كان قد قطع على أن الله لا يعلمه أنبيائه و لا يكون علما على صدقهم و أما قوله إنا لا نعتقد استمراره في الناس إلى هذه الغاية فلقد صدق رحمه الله لأن استمراره على الوجه الذي يمكن من تعليم الله تعالى بعض أنبيائه آية على صدقهم ما هو مستمر لعدم النبي الذي يمكن تعليم الله جل جلاله له و عدم الحاجة الآن إلى أن يكون علم النجوم علما على صدق نبي من الأنبياء (عليهم السلام) و انظر قوله رحمه الله و أما ما نجده من أحكام المنجمين في هذا الوقت و إصابة بعضهم فيه فإنه لا يكون ذلك بضرب من التجربة أو بدليل عادة فهل تراه رحمه الله أحال إصابتهم و أبطلها و ذكر تحريم التصديق بها و أهملها و إنما تأول الإصابات بأنها يمكن أن تكون للتجارب و دلائل العادات و اعلم أن جماعة من علماء المنجمين من المؤمنين و المسلمين حضروا عندنا و وقفنا على تسييرهم و تحاويلهم و جربنا كثيرا من أقاويلهم و عرفنا أنهم ما يذكرون دلائل هذه
[40]
النجوم من طريق تجربة و لا عادة بل على ما يبلغه علمهم من تدبير الله تعالى لها دلائل على المدلولات كما يعتمد أصحاب كل علم لما يقتضيه علمهم من العبادات .

و قد قدمنا في مناظرة الصادق (عليه السلام) للهندي أنها لا تعرف بالتجربة و العادة كما أشرنا إليه ثم أقول و انظر إلى قول المفيد رحمه الله عن أحكام النجوم و قد تختلف أحيانا و يخطئ المعتمد عليه كثيرا و لا تصح إصابة فيه أبدا لأنه ليس بجار مجرى دلائل العقول و لا براهين الكتاب و لا أخبار الرسول أ فلا تراه صدق بعض ما يحكم به المنجمون من دلائلها على الحادثات و إنما قال قد تختلف أحيانا و يخطئ المعتمد عليه كثيرا و أنهم لا يستمرون على الإصابات أقول و أي علم من العلوم العقلية و النقلية يستمر أصحابها على الإصابة فيها و لا يختلفون و لا يخطئون كثيرا بما تقتضيها و انظر قوله رحمه الله أنه ليس بجار مجرى دلائل العقول و لا براهين الكتاب و لا أخبار الرسول فهل تراه أنكر هذه الأحكام أو رآها محرمة في شرائع الإسلام و إنما ذكر أنها لا تجري مجرى غيرها من الدلالات و لقد قال حقا و هو المؤيد بالعنايات ثم انظر قوله و هذا مذهب جمهور متكلمي أهل العدل و إليه ذهب بنو نوبخت رحمهم الله من الإمامية و أبو القاسم و أبو علي من المعتزلة كيف ذكر أن هذا مذهب جمهور متكلمي أهل العدل فمن ذا يرغب بنفسه عن مذهب أهل العدل إلا سقيم العقل بعيد من الفضل و انظر قوله و إليه ذهب بنو نوبخت رحمهم الله من الإمامية فلم ينكر عليهم بل ترحم عليهم و بنو نوبخت من أعيان هذه الطائفة المحقة المرضية و منهم وكيل مولانا المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم) أبو القاسم
[41]
الحسين بن روح رضوان الله جل جلاله عليه .

و من أعظم من يعتقد فيه أنه ينكر دلالة النجوم على الحادثات من أصحابنا المتكلمين تغمدهم الله بالرحمات السيد المرتضى رضي الله عنه و أبلغ ما وقفت عليه من كلماته في ذلك في جملة مسائل سأله عنها تلميذه سلار رحمه الله و إذا اعتبر الناظر فيها ما ذكره في أواخر جوابه عنها وجده يقول إن اتصال الكواكب و انفصالها و تسييرها لها أصول صحيحة و قواعد سديدة و هذا من أعظم الموافقة على ما ذكرناه من صحة دلالة النجوم و إنما ينكر رحمه الله أن النجوم فاعله و ذلك منكر و كفر كما دللنا على فساده و منكر أن تكون النجوم مؤثرة في أجسامنا و نحن على اعتقاده .

و اعلم أنني لو وجدته رحمه الله مانعا بالكلية من صحة دلالة النجوم على الوجه الذي أشرنا إليه فإنني لا أرضى بالتقليد لمن يجوز الاشتباه عليه و لو قلد هذا السيد المعظم في كل ما دخل فيه من الدول و الولايات كان قد دخل غيره فيها و اعتذر بنحو ما اعتذر به و اعتمد عليه و لقد وثق غيره بمن انبسط إليه فهدده بما لا صبر عليه من المؤاخذة و الذل و كلمه من الاقتداء به و التقليد له و آثر الله جل جلاله عند الكل .

و من وقف على ما اشتبه على هذا السيد المعظم قدس الله روحه وجد في بعض كتبه من المسائل العقلية التي انفرد بها عن شيخه المفيد و جملة من علماء الإمامية عرف أنه لا يجوز تقليد من يجوز الخطإ عليه فيما لا يسوغ شرعا تقليده فيه و قد ذكر الراوندي رحمه الله نحو تسعين
[42]
مسألة بل أكثر أصولية خالف فيها المرتضى شيخه المفيد و هي عندنا الآن بتفصيلها و من أعجبها إثبات الجوهر في العدم فإن شيخه المفيد استعظم في العيون و المحاسن الاعتقاد بصحتها و المرتضى في كثير من كتبه عضدها و انتصر لها و هي خطأ بجملتها .

و كذلك من وقف على ما اشتبه على هذا السيد العالم رضي الله عنه في مسائل كثيرة شرعية مثل أن الشيعة لا تعمل بأخبار الآحاد في المسائل الدينية و هي من العلوم التي كان شغولا بها فلا عجب أن يشتبه عليه شي‏ء من علوم النجوم الذي ما هو معروف بها و لا يكاد تعجبي ينقضي كيف اشتبه عليه أن الشيعة لا تعمل بأخبار الآحاد في الأمور الشرعية و من اطلع على التواريخ و الأخبار و شاهد عمل ذوي الاعتبار وجد المسلمين و المرتضى و علماء الشيعة الماضين عاملين بأخبار الآحاد بغير شبهة عند العارفين كما ذكر محمد بن الحسن الطوسي في كتاب العدة و غيره من المشغولين بتصفح أخبار الشيعة و غيرهم من المصنفين و قد ذكرنا في كتاب غياث سلطان الورى لسكان الثرى صحة العمل
[43]
بأخبار الآحاد و أوضحنا العمل به في سائر البلاد و بين كافة العباد .

و أبلغ ما رأيت من كلام المرتضى رضي الله عنه في أحكام النجوم في المسائل السالارية و هي الثمان مسائل التي أشرنا إليها و كان سلار الفقيه عزيزا عليه و هو الذي تولى تغسيله مع غيره رضوان الله عليه و أول هذه المسائل سؤال السائلين عن الجوهر و أنه جوهر بالفاعل و قد منع المرتضى رحمه الله من ذلك غاية المنع و نرجو أن يكون رجع عن هذا الدفع إلى مذهب شيخه المفيد و غيره من أن الجوهر بالفاعل فمن أعجب العجب اشتباه ذلك على أهل التأييد فلا عجب إذن ممن اشتبه عليه أن الجوهر بالفاعل و هو من علوم العقل إن تشتبه عليه مسألة في علم النجوم الذي هو ليس من علوم العقل بل طريقة صادرة عن النقل و العقل أظهر و النقل أخفى و أستر .

فقال السائل للمرتضى رحمهما الله و كيف تقول إن المنجمين حادسون مع أنه لا يفسد من أقوالهم إلا القليل .

فقال المرتضى في الجواب ما نذكر منه الذي نحتاج إلى الجواب عنه دون التطويل فذكر إبطال أن النجوم فاعلة مختارة و قد كنا نبهنا على بطلانه فلا حاجة الآن إلى ذكر برهانه ثم قال ما هذا لفظه ما وقفنا عليه : و أما الوجه الآخر و هو أن يكون الله سبحانه أجرى العادة بأن يفعل أفعالا مخصوصة عند طلوع كوكب أو غروبه و اتصاله أو مفارقته فقد بينا أن ذلك ليس مذهب المنجمين البتة و إنما يحتملون الآن بالنظائر و إنه قد كان جائزا أن
[44]
يجري الله تعالى العادة بذلك لكن لا طريق إلى العلم بأن ذلك قد وقع و ثبت و من أين لنا طريق أن الله تعالى أجرى العادة بأن يكون زحل أو المريخ إذا كان في درجة الطالع كان نحسا و أن المشتري إذا كان كذلك كان سعدا و أي سمع مقطوع جاء به شي‏ء من ذلك و أي نبي خبر به و استفيد من جهته و الجواب أما قوله رحمه الله أن ذلك ليس بمذهب المنجمين البتة فسيأتي في أواخر جوابه عن هذه المسائل أن اتصال الكواكب و انفصالها أصول صحيحة و قواعد سديدة و يأتي أيضا في كتابنا هذا في باب علماء المنجمين من الشيعة و في باب علماء المنجمين من غير الشيعة قبل وجود المرتضى بأوقات كثيرة ممن كان يتعبد بالإسلام أن دلالة النجوم صادرة من الله جل جلاله و هذا لا يليق إنكاره و جحوده ثم كان خلق عظيم يعتقدون أن الأصنام فاعلة و رجعوا عنها و لم يكن ذلك الاعتقاد الأول حجة و لا الرجوع عنها نقصا بل زيادة في سعادة فكذا يجوز أن يكون حال من ذكره من المنجمين و أما قوله قد كان جائزا أن يجري الله تعالى العادة بذلك لكن لا طريق إلى العلم بأن ذلك وقع و ثبت فالجواب أن هذا موافقة منه أن العقول لا تمنع من جواز ذلك فأما كونه ذكر أنه لا طريق إلى العلم بأن ذلك وقع و ثبت فهذا مما يصعب الاعتذار له فيه لأنه إن كان يريد أنه لا طريق أصلا في نفس الأمر فعظيم فإنه كان يحسن أن يقول يمكن أن يكون هناك طريق إلى العلم لكن ما عرفتها إلى الآن فإن كثيرا من المسائل عرفها بعد أن لم يكن عارفا بها و تصانيفه تتضمن
[45]
أنه رحمه الله رجع عن مسائل كان قائلا بها و معتقدا لها و هذا شاهد عليه بجواز وجود الطريق فيما بعد إلى العلم بذلك و أما قوله و من أين أن الله تعالى أجرى العادة فهو استبعاد منه لوجود الدلالة و ما هو نفي لها و لا إحالة و قد اعترف بصحته في أواخر جواب مسألته و سوف نورد في كتابنا هذا من الأخبار المروية من علماء الفرقة المحقة المرضية الذي ثبت بأمثالها بعض الأحكام الشرعية ما يقتضي وجود الطريق إلى التحقيق بأن دلالة النجوم صحيحة عند أهل التوفيق و أما قوله و أي نبي خبر به و استفيد من جهته فقد ذكرنا بعض من أورد إلينا أنه نقل عن الأنبياء (عليهم السلام) و سنذكر بعد في هذا الكتاب من أشرنا إليهم و إذا علمنا بالتجربة التي تنبت بمثلها المعلومات طريقا واضحة من دلالات النجوم كالكسوفات كان ذلك كافيا و شافيا في أن هذا العلم صادر عن أهل النبوات و إن لم نعلمه بالروايات كما ذكره الصادق (عليه السلام) في مناظرته للهندي و قد قدمنا .

ثم قال رحمه الله تعالى في تمام كلامه ما هذا لفظ ما وقفنا عليه : فإن عولوا في ذلك على التجربة فإنا جربنا ذلك و من كان قبلنا فوجدناه على هذه الصفة و إذا لم يكن موجبا فيجب أن يكون معتادا قلنا لهم و من سلم لكم هذه التجربة و انتظامها و اطرادها و قد رأينا خطاكم فيها أكثر من صوابكم و صدقكم أقل من كذبكم فإلا نسبتم الصحة إذا اتفقت منكم إلى الاتفاق الذي يقع من المخمن و المترجم فقد رأينا من يصيب من هؤلاء أكثر ممن يخطئ و هم على غير أصل معتمد و لا قاعدة صحيحة
[46]
فإذا قلتم أن سبب خطإ المنجم زلل دخل عليه من أخذ الطالع أو تسيير الكواكب قلنا و لم لا كانت إصابته سببها اتفاق للمنجمين و إنما يصح لكم هذا التأويل و التخريج لو كان على صحة أحكام النجوم دليل قاطع من غير إصابة المنجم فأما إذا كان دليل صحة الأحكام الإصابة فإلا كان دليل فسادها الخطأ فما أحدهما إلا في مقابلة صاحبه فالجواب إن الجحود بالإصابة في الخسوفات و الكسوفات و ما جرى مجراهما من الدلالات لا يليق بمثل من كان دونه في المقامات العاليات و قد وافق على أن هذه الطرق الواضحة عرفت بالحساب و ستأتي موافقته في آخر الجواب و هو كاف في دلالة النجوم و صحتها لذوي الألباب و لو كان خطأ العالم في بعض علمه قادحا في كله ما ثبت علم من العلوم إذ كلها وقع في بعضها خطأ و غلط كما قدمنا فأما قوله أن الإصابة تحتمل الاتفاق فقد ذكرنا عن الصادق (عليه السلام) في كتاب الإهليلجة و غيره فيما أسندناه إليه أنه يستحيل أن تكون دلالة النجوم بالاتفاق و بالتجربة أيضا و إنما هي معروفة من جانب الله جل جلاله و أما قوله أن صدقهم أقل من كذبهم و أن المخمن و المترجم صوابهم أكثر من خطاهم فما أعلم من أين اعتقد رحمه الله تعالى أن المخمن و المترجم من طريق يسلك فيها إلى تخمينه و ترجيمه وجد صوابه أكثر من خطاه و إن أصحاب الحساب المبني على علم المعقول المستند أصله إلى علوم الأنبياء يكون دون المخمن و المترجم هذا مما لا أحتاج إلى الجواب عنه و جوابه منه و أما قوله رحمه الله في جوابهم أن الغلط يكون من المنجم
[47]
عند أخذ الطالع بأنهم يحتاجون إلى دلالة من غير ذلك فأقول في الجواب سوف تأتي الدلالة المحوجة إلى أن يكون الغلط من المنجم كما أحوجت الدلالة على صحة المذاهب المحقة الإلهية و النبوية و ظهر أن الغلط كان منهم في ترتيب الأدلة فالحالة واحدة و أما قوله رحمه الله أن الغلط في مقابلة الإصابة فما أحدهما إلا في مقابلة صاحبه فهذا ما يرد عليهم في دلالة الكسوفات و الخسوفات و لا في ذكرهم لأهله الشهور و ما يناسبها من كليات الأمور فلا ينبغي إطلاق القول المذكور و قد تقدم في السؤال أن السائل ذكر أنه لا يفسد من أقوالهم إلا القليل و هو شاهد لهم جليل مشهود له بالتعديل فتقابل دعواه بدعوى سائله رحمه الله .

قال رحمه الله مما أفحم به القائلون بصحة الأحكام و لم يحصل عنه منهم جواب : أنهم إن قيل لهم في شي‏ء بعينه خذوا الطالع و احكموا هل يؤخذ أو يترك فإن حكموا بالأخذ أو بالترك و فعل خلاف ما حكموا به فقد أخطئوا و قد أعضلتهم هذه المسألة و التعريف فالجواب إن هذه المسألة إنما تلزم من يقول إن النجوم علة موجبة فأما من يقول إنها ليست بفاعل مختار بل وراءها فاعل مختار قادر على خراب الفلك إذا شاء و على أن يمحو ما يثبت و يثبت ما محا فإنه لا يلزمهم لأنهم يمكنهم أن يقولوا إن النجوم و إن دلت على فعل فإن الله فاعل مختار قادر على الترك و الفعل لا يطلع على ما يريده سبحانه أحدا على ما ستر من أسراره فلا يحكم عليه بأنه جل جلاله يلزمه الاستمرار على فعله أو تركه بل يقولون هذا الفعل
[48]
يقع بشرط الاختيار و الله سبحانه عكس دلالته و هذا الأمر يترك بشرط الاختيار و الله تعالى عكس علامته كما نسخ الفاعل المختار الشرائع و محا و أثبت و كان ذلك حكمة و صوابا .

و أما من يقول إن النجوم دلالات و أن العبد فاعل مختار فإنه يقول يحتمل أنها تارة تدل بالله جل جلاله الفاعل المختار على شروط لا يطلع غيره على أسرارها و تارة تدل بغير شروط فالدلاله في نفسها صحيحة لكن وراءها العبد و هو قادر على ترك الاستمرار عليها فلا يلزمهم إن ما أخبروا بفعله أنه يستحيل تركه من العبد و لا ما أخبروا بتركه أنه يستحيل فعله من العبد لتجويز شروط منها أن لا يكون العبد المختار يختار خلاف ما دلت عليه و هذا وجه يدفع الشبهة التي ذكرها رحمه الله .

ثم ذكر حكاية جرت له مع بعض الوزراء الذين يقولون بصحة دلالات النجوم و أنه رحمه الله قال للوزير ما معناه : أن النجوم لو كانت تدل على الإصابة لكان المنجمون سالمين من الآفات و كان الجاهلون بالنجم حاصلين في المخافات و كانوا كبصير و أعمى إذا سلكا في الطريق و الجواب أن يقال ليس كل من عرف علما عمل بعلمه و خلص نفسه من الردى قال الله جل جلاله وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى ثم يقال له لو أن قائلا قال لك لو كان العقل موجودا مع الموصوفية من بني آدم لكان السالمون به من الآفات أضعاف الهالكين به من الدواب و الحيوانات المختارة التي ليس معها عقول و نحن نرى الآفات
[49]
تجري على الفريقين على المقارنة و المناسبة بل لعل هلاك العقلاء بعقولهم أكثر من هلاك الحيوان المختار من غير عقل بما هو عليه من الجهل و يقال له لو كان في علوم بني آدم بديهيات لقد كان يتعذر على أحد منهم الخلاف فيها و قد اختلفوا فيها و يقال له لو كان العلم ثابتا بأنا فاعلون ضرورة لكان السالم منه أكثر من الهالك و نحن نرى ثلاثا و سبعين فرقة من الأمة المرحومة جهلتها أكثر من الفرقة الناجية في كل وقت من الأوقات و مع ذلك ما دل هذا الاختلاف على بطلان العلم بأنا فاعلون بالضرورة و قد تركنا معارضات كثيرة .

ثم قال رحمه الله عن شخص غير منجم سماه الشعراني له إصابات عظيمة بعضها وقعت بحضوره من إخباره بالغائبات فقال كان لنا صديق يقول أبدا من أدل دليل على بطلان علم النجوم إصابة الشعراني و الجواب : إن الذين يذهبون إلى أن الولادة في وقت معين دالة من طوالع النجوم فيقولون إن طالع هذا الشعراني اقتضى تعريف الله تعالى له بهذه الإصابات و هم يجعلون هذا من حججهم إن النجوم دلالات من آيات فاطر الأرضين و السماوات و لو كان هذا الشعراني يصيب من مجرد عقله لاشترك في إصابته كل من له عقل مثله و خاصة كان يلزم ذلك من يقول إن العقول متساوية و حكى مجلسا جرى له مع منجم ذكر نحو ما ذكرناه ثم اعترض عليه بأن قال و إذا كانت الإصابة بالمواليد فالنظر في علم النجوم عبث و تعب لا يحتاج إليه و الجواب أن يقال له رحمه الله إذا كانت الإصابة في
[50]
أحكام النجوم بالمواليد على شروط تعلم الطريق و قد دلت الولادة على تعلمها لمن كانت ولادته مقتضية لذلك فكيف يقال مع هذا أن النظر في علم النجوم عبث و تعب لا يحتاج إليه و أين حجته فيما ذكره و اعتمد عليه .