عرض مشاركة واحدة
افتراضي النفس والشرع والفلك
كأي طالب كسول نادرا ما يفتح كتابه ويقرأ , الا انني اليوم فتحت للبيروني كتابا وهو "التفهيم ... " . نظرت الى الجدول التالي لأبي القاسم الفلسفي :
العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط..


فرأيت في ذلك امرا من الامور الجميلة , بالاضافة الى ما ضم من امور فضيلة , رايت امرا يتعلق بربط معاني جوهرية علمية جليلة , فرحت أستحضر من الشريعة الغراء , ومن الفلسفة الزهراء , مما وعى وعائي الصغير , وحين تفقدته وجدته لم يبق به من ذلك الا النزر اليسير , وهو على وشك ان يتبخر ويطير . فاستغللت الفرصة لانتفع بما تبقى من تلك الحصة .
وذلك لاخلط وامزج مما جاء هنا عن ابي القاسم الفلسفي , مع ما تبقى عندي من ذلك النقد المصرفي , راجيا ان يكون لذلك رصيد , لدى كل لوذعي رشيد .
فأتيت بالمواد والمنخل وهاون الطحن , وبدأ الخلط والعجن . وكان من بين المواد المجلوبة , وللغرض مطلوبة , الكواكب السبعة المعروفة , وصنوف النفس الثلاثة "المذمومة واللوامة والمطمئنة" والتي هي بهذا مشهورة وموصوفة .
واستحضرت قولا في هذا الصدد جاء في احدى تاسوعات افلوطين الحكيم " الحكمة الطبيعية هي الوجه الادنى للنفس الكونية . وليست النجوم الا وسائط طبيعية تنقل بها القوى العليا الى العالم " .
والنفس عند الفلاسفة صورة روحانية تعكس ما حواه الوجود العلوي والسفلي "أتزعم انك جرم صغير ... وفيك انطوى العالم الاكبر" .

ان لأقانيم النفس الثلاثة , وجوارح الفلك السبعة , ارتباطات عضوية , وعلاقات سببية , فانهم كالجسد الواحد وفيه قلب واحد يرتبط بشرايين توزع الدم لتغذية الجسد , لكي تتمكن النفس من حمله لتدبره وتقوده حسب القوانين المرعية من طبية وشرعية وغير ذلك , الى ما يصونه ويحفظه جوهرا وبقاء .
فقوى النفس التي هي :
الارادة والغضب والشهوة , يجسدها فلكيا كواكب ذات همة ومروءة ونخوة . فعطارد يجسد الارادة والنفس الناطقة , والمريخ يجسد الغضب والنفس الحيوانية , والزهرة تجسد الشهوة والنفس النباتية
اذا استطاعت هذه الكواكب ان تمازج السعود وتتحد بها كما يجب , تكون قد توسطت في امورها واستقرت على ما تشتهي وتحب , وهذا الوسط هو "الوسط الذهبي" كما عبر عنه ارسطو الحكيم
وإذ ذاك تكون قد وصلت الى رضى ربها ومولاها لانه تعالى يريدها لا مذمومة ولا لوامة بل مطئنة , راضية مرضية .

فالاصلاح والتنظيم يقودان للخير والسعادة , لذلك قال افلاطون الحكيم "رتب بيتك " وذكر كيفية ذلك في مكان اخر قائلا " سلط الغضب على الشهوة " فبذلك التسليط تستقيم بادارة عطارد وتنجز ما اوكل اليها من مهام حياتية طبيعية وشرعية جسيمة ملقاة على عاتقها . والفلكي لكي يحد من افراط طبيعة الزهرة يقابلها بالمريخ كضد يحد من غلوائها , فتقف عند حدها ولا تتجاوز طورها , و"رحم الله امرءا عرف قدر نفسه ووقف بها عند حدها" . ولولا ذلك لكان الشطط رمى بها في الخطأ والغلط . وايضا ان افرط المريخ بانفعالاته يقابله بالزهرة لتفرمله وتحد من غلوائه . ففي ذلك الوصول الى الاعتدال في مملكة النفس , وحينها تتمكن من ادراك "الوسط الذهبي" ومن ادرك فقد عرف – كما قيل .
كل شخص في هذا الوجود يحب ان يرتب بيته بعد ان يعمره بالمواد اللازمة , ومواد الترتيب غير مواد العمران . فياتي بالدهان الجذاب , والفرش الخلاب , وما الى هنالك . هذا جميل , لكن هذا الترتيب لا يحتاج للحث عليه لبداهته . اما الترتيب المقصود فهو بتزيين النفس بالجواهر الروحانية , الخالدة الابدية , والتي لا توجد وتشترى من الاسواق بالاموال كالتحف والجواهر الجسمانية .

فوظيفة كل اقنوم حسب المهام الموكلة اليه , وافضلها حفظ جوهر الشخص وبقائه , فالشهوة وظيفتها جلب النافع الملائم , والغضب وظيفته دفع الضار المخالف , والارادة وظيفتها الامر والارشاد وفق قوانين ارضية وسماوية .
فاذا كان كل واحد من الاقانيم يقوم بعمله على الوجه الاكمل , فيكون قد انتج فضيلة تتعلق به , ففضيلة الارادة هي الحكمة , وفضيلة الغضب هي الشجاعة , وفضيلة الشهوة هي العفاف . وفي الوصول الى الفضائل الثلاثة تلك , وصول الى العدالة المنشودة . اما ان انفلت زمام امورها وخرجت عن مكانها الاكمل , فتقع في المحظور وهو ما يسمى شرعا وفلسفة بالرذائل وهي الاطراف المذمومة لكل فضيلة من الفضائل , ويتجسد ذلك بالوجه المقابل للعدالة وهو التعدي .

وبالمقابل , ان كل كوكب له وظيفة يؤديها لغرض افضل لذلك حركته دائبة وعمله متواصل , فاذا استطاع ذلك , فتلك فضيلته وهو ما يسمى فلكيا بالسعود , وان قصر عن القيام بذلك لعلة تنتابه تدعى فلكيا بالنحوس
وان السعود خيرات , والنحوس شرور . وان السعود قبول وطاعات , و النحوس تمرد وعصيان .

ولما كان في الشرع التخيير مطلوب , والاكراه مرفوض (لا اكراه في الدين) للوصول الى رضى الله تعالى , كان فرع الاختيارات الفلكية من اجل الفروع الفلكية حيث توصل الى السلامة بسلوك الطرق المعبدة , والبعد عن الطرق الوعرة . كأن نختار وقتا للزواج مثلا , تكون الزهرة في غاية سعودها ليهنأ الزوجان في حياة سعيدة لا يتخللها الخلاف وعدم التوفيق .

يستعين كل كوكب بآلات وادوات واصدقاء واعداء ومساعدون يخدمونه فيما يريد ويرغب , لكي يصل الى الغرض المنشود والمأرب . فوصول زحل الى مبتغاه من الاضرار بالمشتري يكون بواسطة وآلة , فالواسطة هي الزهرة , والالة هي المريخ . وغاية ذلك الوصول هو السيطرة على المشتري واخضاعه لما يهوى ويريد وذلك حقيقة القتل , حيث ان الصراع بين الاعداء هو صراع ارادات , فمن يستطيع كسر ارادة عدوه فقد قتله رغم بقائه حيا . فزحل بما يملكه من حقد وحسد وغيرة لا يقبل المشتري المحب الوفي العادل , ولا يقبل بمساكنته , وما مثلهما الا كمثل الوحش والخاروف , فلن يهدأ بال الوحش ويطمئن الا في الوثوب على الخاروف وقتله ليعيش على جثته , ولا يكتفي او يقنع بكسر ارادة الخاروف والهيمنة عليها وحسب , والتوحش والوداعة دائما على طرفي نقيض .

فمضاددة زحل مع الشمس والقمر ليست مضاددة طبع , فزحل ذو طبيعة ترابية وهذه الطبيعة غير متضاددة مع الطبيعة النارية للشمس , ولا مع الطبيعة المائية للقمر . وانما المضاددة سياسية , فالشمس والقمر لهما الحكم والقيادة والسيطرة , ولما كانت طبيعة زحل العناد وعدم الخضوع لاحد فضاددهما لانه يريد الرئاسة لنفسه عليهما , ولما كانا (النيران) يؤيدان قاضي القضاة السيد المشتري لاقامة العدالة ونبذ التعدي والتخلص منه . لذلك اراد زحل بالاضافة الى السيطرة على السلطة التنفيذية (النيران) , الحاق الضرر بالسلطة القضائية ممثلة بالمشتري ليخرجه من العدل الى التعدي والجور .

وغاية زحل في ذلك دعم زوجته وولي عهده السيد المريخ , مستعملا الخداع من خلال الشهوات والفنون القائدة الى المجون ممثلة بالسيدة الزهرة لايقاع النفوس في الجب والحفرة . ومن اتبع الشهوات ليس له في الجنة مبات – كما قال احد الصوفية . وقال افلاطون الحكيم " الملك الاعظم من يغلب شهواته " .

فزحل لا يستطيع الافساد في مملكة الشمس بوسيلة كوسيلة الفوضى الخلاقة التي ينشرها من خلال الشهوات الحالة لالوان واصباغ الانظمة والقوانين الموصلة الى الاخلاق الفاضلة المتمثلة بالقيم والمثل العليا , حيث يصبح كل شيء مباح وحلال . فاذا تحقق له ذلك يحبه مواطنو المملكة لما في نفوسهم من ميل للهوى , فينسون النظام لانه يخضع لقوانين , والقوانين تفرض الطاعة على المواطنين , ويشق على النفس الطاعة ولو لساعة . وحين يتسنى لزحل ذلك , ينهض المريخ بحركته الشوقية لتجسيد ارادة سيده زحل لاكمال مسرحية الفوضى الخلاقة في العالم .

غير مبريء الذمه نقل الموضوع أو مضمونه بدون ذكر المصدر: منتديات الشامل لعلوم الفلك والتنجيم - من قسم: مقالات عامة في علم التنجيم


....