المشاركات الجديدة

مخطوطة فرج الهموم بمعرفة منهج الحلال والحرام من علم النجوم

افتراضي مخطوطة فرج الهموم بمعرفة منهج الحلال والحرام من علم النجوم
ياهل الكرم ارجوا من لديه مخطوطة فرج الهموم بمعرفة منهج الحلال والحرام من علم النجوم لان الروابط التى وضعها الاخ الفلكي محجوبة وحتا في مكتبة الشامل لها نفس الروابط ورجائ تغيير هده الروابط لانني جد محتاج الى هدا المخطوط الرائع والنادر ارجوكم وجزاكم الله الف خير
غير مبريء الذمه نقل الموضوع أو مضمونه بدون ذكر المصدر: منتديات الشامل لعلوم الفلك والتنجيم - من قسم: علم النجوم


...
....
صورة رمزية إفتراضية للعضو الفلكي النصراوي
الفلكي النصراوي
عضو
°°°
افتراضي
حياك الله اخي الكريم كنت بالفعل انه من المصادر المهمة التي يعتمد عليها وكنت قد اعتمدت عليه كثيرا لاثبات حجية التنجيم وهذا الكتاب للعلامة المقدس علي بن طاووس رحمه الله قد وضعت الرابط سابقا ولكن لم يكن مخطوطا وانما كتاب بالفعل الرابط لم يعد يعمل سأحاول بأقرب وقت رفعه والله المسدد لكل صواب
نسألكم الدعاء
اخوكم من جوار العقيلة ع

صورة رمزية إفتراضية للعضو LLLL
LLLL
عضو
°°°
افتراضي
مشكورررررررررررررررررر
مشكوررررررررررررررررررررر
جزيت خيرااااااااااااااااااااااااااااااا
الله يوفق الجميع

الصورة الرمزية النّجف الأشرف
النّجف الأشرف
عضو
°°°
افتراضي
[1]
فرج ‏المهموم في تأريخ علماء النجوم
للسيد علي بن طاووس
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
قال السيد الإمام العالم الفقيه الفاضل العلامة الكامل الورع البارع رضي الدين ركن الإسلام و المسلمين افتخار آل طه و ياسين عمدة أهل بيت النبوة محمد آل الرسول شرف العترة الطاهرة ذو الحسبين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس الحسني بلغه الله غاية آماله بمحمد و آله (عليهم السلام) .

أحمد الله جل جلاله فاطر السماوات و الأرضين الذي جعلها هداة و دعاة بلسان حالها للعالمين إلى معرفة منشيها و فاطرها و آيات باهرات للناظرين في حقائق تدبيرها و جواهرها و أوضح أنها من أعظم دلالاته على مقدس ذاته فقال جل جلاله في الإنكار على من.. أعجز الحسن بن سهل في علم النجوم و كان أقوم منه بالعلم بها و رجع الحسن بن سهل إليه .

[2]
و كما رواه ابن جمهور القمي في كتاب الواحدة : أن مولانا علي بن موسى الرضا (عليه السلام) أجاب ذا الرئاستين الفضل بن سهل في علم النجوم بما لم يكن عارفا به و لا قادرا عليه.

و كما رواه الحميري الثقة المعتمد عليه رحمه الله جل جلاله عليه في الجزء الثاني من كتاب الدلائل في دلائل الصادق (عليه السلام) : أنه كان عالما بالنجوم حتى أنه لا يخفى منها شي‏ء عليه .
و كما رواه يونس بن عبد الرحمن رضي الله عنه في جامعه الصغير قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) جعلت فداك أخبرني عن علم النجوم ما هو فقال هو علم من علوم الأنبياء فقلت أ كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) خبيرا بعلمه فقال كان أعلم الناس به .

و كما رواه مصنف كتاب التجمل تاريخ كتابته سنة ثمان و ثلاثين و مائتين عن الصادق (عليه السلام) : أنه أذن لبني نوبخت في علم النجوم و قد سألوه عنه و كرروا مسألته و أطلعهم عليه و عرفهم جوازه و إباحته .

و كما رواه أبو بصير عن الصادق (عليه السلام) في حديث : معرفة آزر بعلم النجوم و تحقيق ما كان يحكم به عليه .

[3]
و كما رواه ابن أذينة عن أبي عمرو : من تصديق الصادق (عليه السلام) له في علم النجوم و تعريفه كيف يتحرز من الضرر الذي يخاف وصوله إليه .

و كما رواه صاحب التواقيع عن العبد الصالح علي بن مولانا جعفر الصادق (عليه السلام) فيما رواه عن أخيه مولانا موسى بن جعفر سلام الله جل جلاله عليه : في ترك الإنكار على خواص شيعته لما سير مولده و خاف من القطع فعرفه كيف يعمل حتى يتجاوز قطع مولده و يسلم من مضرته .

و كما رواه عبد الرحمن بن سيابة عن الصادق (عليه السلام) و إطلاقه في علم النجوم : و أنه مأذون فيه معتمد عليه و سيأتي تفصيل ذلك الذي أشرنا إليه .

و اعلم أن الأحاديث عن الأنبياء (عليهم السلام) من لدن إدريس (عليه السلام) إلى الناطق من عترة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و من لدن الملوك الذين ذكرت تواريخهم و تواريخ العلماء المترددين إليهم ما يضيق عنه مجلد
[4]
واحد من ذكر الجميع و فيهم من هو حجة و فيهم أعيان معتمد عليهم بتحقيق ما ذكرناه من أن علم النجوم دلالات و علامات و آيات لله جل جلاله باهرات و حجج على عباده ظاهرات و سأذكر تفصيل ما أجملته من الروايات إن شاء الله .

و اعلم أني كنت أحب أن لا يبلغني حديث إلا أطلع عليه و كان مما بلغني اختلاف الناس في علم النجوم و ما الذي يحرم منها و ما الذي يعتمد عليه فحضر عندي جماعة من علماء المنجمين و كاتبني بعض من كان بعيدا من العراق من علمائهم الموصوفين و رصدوا مواليد في أوقات متفرقة و سيروها و حولوا عدة سنين و حرروها فكنت أجد غلطهم و خاصة في الجزئيات أكثر من إصابتهم و أجد إصابات تقتضي أن الغلط من جهتهم ; فسألت جماعة منهم عن سبب الخطإ و الخلل فاختلفوا في العلل فقال بعضهم إن النجوم تحتاج كل مدة معينة عند أهل النجوم أن يعيدوها إلى إرصاد جديدة و أنه قد تعدد عليهم تحقيق الإرصاد فأفسد ذلك عليهم بعض الاجتهاد .

و قال آخرون إن العلماء من المنجمين القدماء اختلفوا في كيفية النجوم و أحكامها و تأثيرها فوقع الخلل من المتأخرين بحسب ما يختلفون فيه من اختلاف القدماء و تفاوت تدبيرها .

و قال بعضهم إن وقتهم لا يسع لكشف علم النجوم على التحقيق و إن علوم المتأخرين قاصرة عن علوم المتقدمين في التدقيق .

و رأيت أنا في أخبار الأئمة الأطهار الذين أطلعهم الله
[5]
جل جلاله عليه بطريق رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) على الأسرار أسبابا لغلط المنجمين غير ما ذكروه من الأعذار و سيأتي سبب غلطهم في مضمون ما نذكره من الأخبار إن شاء الله .

و من أعجب ما وجدته من تمويه المنجمين في هذه الأوقات الذي يتمشى على الملوك و الأعيان و ذوي المقامات شي‏ء ما عرفت أن أحدا سبقني إلى كشفه و ذكرت ذلك لبعضهم و لغيرهم فما رأيت لهم عذرا في التمويه الذي أشرت إلى وصفه و ذلك أنهم يكتبون تقاويم السنة نسخة واحدة في سعودها و نحوسها و ممتزجاتها فينفذون كل تقويم إلى واحد مع علمهم أن مواليد الذين ينفذون إليهم التقاويم و طوالعهم مختلفة في نحوسها و ممتزجاتها و سعاداتها فيمكن أن يكون سعود واحد نحوسا لسواه و نحوس إنسان سعودا لمن عداه و يمكن أن يكون سعود واحد و نحوسه ممتزجا خلاف من يجري مجراه فيقبل الناس التقاويم المتفقة في المواليد المختلفة منهم و تبتاع منهم و قد استمر ذلك على مدة الدهور و تسنى ما فيه من التمويه المستور حتى بعث واحد من المنجمين الأعيان إلى تقويمين و اعتد بهما فأعدتهما و عرفته ما في ذلك من التمويه بهما .

و قد كان ينبغي أن يكون تقويم كل واحد ممن يحتاج إلى التقويم على مقتضى مولده و طالعه و تحويل سنته ليكون أقرب إلى الصراط المستقيم و كان مراد المنجم من تقويمه مجرد ذكر أن في النجوم سعدا و فيها نحسا و فيها ممتزجا من غير أن يقصد انتفاع من يحمل إليه
[6]
التقويم بسعودها و اجتناب نحوسها كان قد وقع الغناء عن التقويم و كان يكفي ذكر أسماء النجوم السعيدة و النجوم النحسة و ما كان كل سنة يحتاج إلى تقويم جديد و إنما يقولون إن مرادهم انتفاع من تحمل إليه التقاويم بما فيها من السعود و النحوس ليستدل في الحركات و السكنات على سلامة النفوس و اجتلاب النفع و دفع الضرر و البؤس و هذا يدل على أنه ما يحصل ما يكون من منافعه إلا أن يكون لكل واحد تقويم على مقتضى طالعه .

و مما وجدت في خاطري مما يسأل عنه علماء المنجمين و ربما تعذر عليهم الجواب عنه على اليقين أن يقال لهم ما المقتضي لورود النوم على الإنسان من طالع ميلاده و قد يتأتى غير وقت مراده و كيف كان هذا النجم في طالع كل إنسان و أوقات الولادات عظيمة الاختلافات من زمان آدم إلى الآن و هلا صادف طالع واحد من الأنام أنه ولد في وقت لا ينام و اعلم أن هذا يدلك بغير التباس على أن وراء تدبير الناس و وراء الولادات قادرا مختارا يتصرف في ملكه و مماليكه بحسب ما يريد من الاختبارات إن شاء جعل النجوم دلالات و إن شاء أسقط دلالاتها على الحادثات .

و مما وجدته في كتب النعمان المؤرخ لسيرة خلفاء مصر ما عجز المنجمون عن جوابه قال المعز ذكر لي أن بعض المنجمين أتاه
[7]
بكتاب ألفه له يذكر فيه خلق آدم و كيف كانت الكواكب يوم خلقه الله عز و جل و ما دلت عليه مما آل أمره و أمر ذريته إليه و رأى أنه قد أتى في ذلك بعلم ما سبق إليه فلما وقفت سألته فقلت هل كان قبل آدم شي‏ء قال نعم قلت فما كان و من كان و كيف كانت هذه الكواكب قبل ذلك و ما دلت عليه فلم يحر جوابا و قال هذا شي‏ء ما ظننت أني أسأل عنه فقلت و هذا الذي عملته و جئت به ما سألت عنه أيضا .

أقول : فكل هذه الأمور دلالة باهرة عند ذوي الاعتبار أن دلائل النجوم بتدبير الفاعل المختار و أنها ليست بأنفسها فاعلة و لا علة موجبة و ذلك واضح لأولي الأبصار .

و رأيت الاستخارة أقوى في كشف بعض الأسرار و أبلغ في الإشارة و تعدد الصدقات و الدعوات دافعة لما يجمع المنجمون عليه من المحذورات و كان ما وجدته بالتجربة كما نقلته من الروايات و على مقتضى صريح مقدس كلام مالك الأسباب في قوله جل جلاله يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ .

و وجدت الناس أما معاملا لله جل جلاله في أيام حياته فإذا قطعه الموت بوفاته فقد فاته ما كان يقدر عليه من سعاداته و أما غير معامل لله جل جلاله في حياته بل يكون مشغولا بلذاته و شهواته و كان معرفة وقت الممات القاطع من السعادات أو اللذات عند الفريقين من جملة المهمات فإذا أمكن تحصيل معرفة ذلك بطرق علمية على لسان
[8]
رسول يخبره عن العلوم الإلهية و إلا فمتى قدر على طريق طبية يحترز بها من الضرر المظنون فقد أوجب العقلاء الاحتراز عن الضرر بكل طريق يمكن أو يكون و قد أطبق العقلاء على تجويز أن تكون النجوم دلالات و علامات و أمارات و نطقت بذلك الروايات من الثقات و لو أن بعض هؤلاء القائلين و الناقلين خوف إنسانا من سفر و ذكر له عند تحذيره الخطر لتوقف من السفر المذكور أو تحذر بقدر دفع المحذور فلا أقل أن يكون حكم المحترس من النجوم المذكورة كحال حكم المظنون من الأمور المحذورة فيحتاج المكلف إلى كشف طريق السلامة و الأمان لمعرفة ما يحتاج إلى معرفته بحسب الإمكان و يكون كلما ذكروا أن عليه قطعا في وقت مدته يستعد قبل حضوره للقاء الله جل جلاله بمقتضى قدرته أو يتصدق أو يدعو لدفع خطر ذلك و تحصيل الأمان من تجويز مضرته و لا يكون الإنسان على حال من الغفلة عن الاستعداد للمعاد أو انقطاع لذاته إن كان من أهله دار الفناء و النفاد فلا يحس إلا بحيطان الموت أو القواطع قد وقعت عليه فيحصل في ندم ترك الاحتياط بكل ما كان يقدر عليه و قد رأينا من يستريح إلى منامات عند الحادثات و روي ذلك فيما لا أحصيه من الروايات و ما زال الاستظهار و الاحتياط في طلب المجاب من كمال ذوي الألباب و لو كان كل علم ضل فريق من أهله مبطلا ذلك لأصله لتعذر ثبوت شي‏ء من المعلومات إذ كان وقع فيها اختلاف حتى في البديهيات
[9]
و لو كان غلط فريق من علوم التحقيق يقتضي ترك ذلك العلم بالكلية لأدى ذلك إلى ترك المعلومات العقلية و النقلية و الشرعية إذ في كل علم منها غلط في شي‏ء منه فريق من البرية و سوف أذكر في كل باب من هذا الكتاب ما يليق بالتوفيق من تحقيق الأسباب و أشرح ما تقتضي الأمانة إيضاح شرحه حتى يظهر الحق لكل ناظر إلى أفق فجره و صبحه و قد سميته فرج المهموم في معرفة نهج الحلال من علم النجوم و سوف أرتبه في الأبواب بحسب ما يدلني الله جل جلاله عليه من الصواب و ها أنا ذاكرها بابا بابا على التجميل ثم أذكرها فيما بعد على التفصيل ليعرف الناظر في تجميلها ما يريد منها و يقصده في تفصيلها و لا يحتاج إلى مطالعة جميع الأبواب و تصفح الكتاب .

الباب الأول : فيما نذكره من الإشارة إلى أن النجوم و العلم بها من آيات مالك الجلالة و من معجزات صاحب الرسالة (صلى الله عليه وآله وسلم) .

الباب الثاني : فيما نذكره من الرد على من زعم أن النجوم موجبة أو فاعلة مختارة .

الباب الثالث : فيما نذكره من أخبار من قوله حجة في العلوم في صحة علم النجوم .

الباب الرابع : فيما نذكره عن مولانا موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) في إزالة القطوع في العمر إذا دل مولد الإنسان عليه .

الباب الخامس : فيما نذكره ممن كان عالما بالنجوم من الشيعة و صنف في تلك العلوم أو خول مولده على الوجه الموسوم .

[10]
الباب السادس : فيما نذكره ممن كان عالما بالنجوم من غير الشيعة من المسلمين و صنف فيها ما يظهر صحة حكمه للحاضرين .

الباب السابع : فيما نذكره عمن صح حكمه بدلالة النجوم قبل الإسلام و لم يذكر اسمه .

الباب الثامن : فيما نذكره من الأخبار التي صح فيها الحكم على الحوادث بالنجوم ممن لم يذكر اسمه و بعض من عرف منهم بعلم النجوم و إن لم نعرف له شيئا من الأحكام و من كان عارفا بذلك من الملوك قبل الإسلام .

الباب التاسع : فيما نذكره في جواب من أنكر أن النجوم لا يصح أن تكون دلالات على الحادثات .

الباب العاشر : فيما نذكره من أخبار من كان مستغنيا عن النجوم بتعريف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و أئمة العلوم (عليه السلام)

الصورة الرمزية النّجف الأشرف
النّجف الأشرف
عضو
°°°
افتراضي
الباب الأول فيما نذكره من الإشارة إلى أن النجوم و العلم بها من آيات مالك الجلالة و من معجزات صاحب الرسالة
اعلم أن كون الأفلاك و الشمس و القمر و النجوم دلالة باهرة دالة على مالك الدنيا و الآخرة مما لا يحتاج إلى برهان لأنه موجود بالعيان و الوجدان قد تضمن القرآن الشريف تنبيه أهل التكليف على الدلالة بها و التعريف .

فأما كونها من معجزات صاحب الرسالة فقد تضمن كتاب الإهليلجة عن مولانا الصادق (عليه السلام) ما يغني عن الإطالة ; فقد قال فيه : فقلت له [يعني للهندي الذي كان يناظره ] أخبرني هل يعرف أهل بلادك من الهند علم النجوم ؟

قال : إنك لغافل عن علم أهل بلادي بالنجوم .

قلت : و ما بلغ من علمهم بها ؟

قال : أنا أخبرك عن علمهم بخصلتين تكتفي بهما عما سواها .

قلت : فأخبرني و لا تخبرني إلا بخبر صدق .

قال : أما الخصلة الأولى فإن ملوك الهند لا يتخذون إلا الخصيان منهم .

قلت : و لم ؟

قال : لأن لكل رجل منهم منجما حاسبا فإذا أصبح
[12]
أتى باب الملك فقاس الشمس و حسب فأخبره بما كان في يومه ذاك و ما حدث في ليلته التي كان فيها فإن كانت امرأة من نسائه قارفت شيئا أخبره به , و قال فلانة قارفت كذا و كذا مع فلان , و يحدث في هذا اليوم كذا و كذا .

قال : و أما الخصلة الأخرى فإن قوما بالهند بمنزلة الخناقين عندكم يقتلون الناس بلا سلاح و لا خنق و يأخذون أموالهم .

قلت : و كيف يكون هذا ؟

قال : يخرجون مع الرفقة و التجار بقدر ما فيها من الرجال فيمشون معهم أياما بلا سلاح و يحدثون الرجال و يحسبون حساب كل رجل من التجار فإذا عرف أحدهم موضع النفس من صاحبه وكز كل واحد منهم صاحبه الذي حسب له في ذلك الموضع فيقع جميع التجار موتي .

قلت : هذا أرفع من الأول إن كان ما تقول حقا .

قال : أحلف لك بديني أنه حق و لربما رأيت ببلاد الهند بعضهم قد أخذ و أمر بقتله .

قلت : فأخبرني كيف كان هذا حتى أطلع عليه .

قال : بحساب النجوم ؟

قلت : فما سمعت كهذا علما قط و ما أشك أن واضعه الحكيم العليم فأخبرني من وضع هذا العلم الدقيق الذي لا يدرك بالحواس و لا بالعقول و لا بالفكر .

قال : وضعه الحكماء و توارثه الناس فإذا سألت الرجل منهم قاس الشمس و نظر في منازل الشمس و القمر و ما الطالع من النجوم و ما الباطن من السعود ثم يحسب و لا يخطئ و يحمل إليه المولود إذا ولد فيحسب له و يخبر بكل علامة فيه و بما يصيبه إلى يوم يموت.

قلت : و كيف دخل الحساب في مواليد الناس ؟

قال : لأن جميع الناس إنما يولدون بهذه
[13]
النجوم و لو لا ذلك لم يستقم هذا الحساب فمن ثم لا يخطئ إذا علم الساعة و اليوم و الشهر و السنة التي يولد فيها المولود .

قلت : لقد وصفت علما عجيبا ليس في علم الدنيا أدق منه و لا أعظم إن كان حقا كما قلت من تعريف هذا المولود الصبي و ما فيه من العلامات و منتهى أجله و ما يصيبه في حياته أ فليس هذا حسابا يولد به جميع من في الدنيا من كان من الناس .

قال : بلى لا أشك فيه .

قلت : فتعال ننظر بعقولنا فهم علم الناس هذا و العلم به هل يستقيم أن يكون لبعض الناس إذا كان جميع الناس يولدون بهذه النجوم حتى عرفها بسعودها و نحوسها و ساعاتها و دقائقها و درجاتها و بطيئها و سريعها و مواضعها من السماء و مواضعها تحت الأرض و دلالاتها على غامض الأشياء التي وصفت في السماء و ما تحت الأرض فما يقبل عقلي أن مخلوقا من أهل الأرض قدر على هذا .

قال : و ما أنكرت من هذا ؟

قلت : لم أبدأك به إنك زعمت أن جميع أهل الأرض إنما يتولدون بهذه النجوم فأرى الحكيم الذي وضع هذا الحساب بزعمك من بعض أهل الدنيا و لا أشك إن كنت صادقا أنه ولد ببعض هذه النجوم و الساعات و الحساب الذي كان قبله إلا أن تزعم أن ذلك الحكيم لم يولد بهذه النجوم كما ولد سائر الناس .

قال : و هل هذا الحكيم إلا كسائر الناس .

قلت : أ فليس ينبغي أن يدلك عقلك على أن هذه النجوم قد خلقت قبل هذا الحكيم الذي زعمت أنه وضع هذا الحساب و قد زعمت أنه ولد ببعض هذه النجوم ؟

قال : بلى .

[14]
قلت : فكيف أهتدي لوضع هذه النجوم و العلم بها إلا من معلم كان قبله و هو الذي أسس هذا الحساب الذي زعمت أنه وضع علم النجوم و هي أساس المولود فالأساس أقدم من المولود و الحكيم الذي زعمت أنه وضع علم النجوم على هذا إنما يتبع أمر معلم أقدم منه و هو الذي خلقه مولودا ببعض هذه النجوم و هو الذي أسس هذه البروج التي ولد بها غيره من الناس فواضع الأساس ينبغي أن يكون أقدم منها و هب إن هذا الحكيم عمر مذ كانت الدنيا عشرة أضعاف هل كان نظره في هذه النجوم إلا كنظرك إليها معلقة في السماء أ و تراه قادرا على الدنو منها و هي في السماء حتى يعرف منازلها و مجاريها و سعودها و نحوسها و دقائقها و أيها تنكسف عن الشمس و القمر و أيها يولد كل مولود عليها و أيها السعد و أيها النحس و أيها السريع و أيها البطي‏ء ثم يعرف بعد ذلك سعود ساعات النهار و نحوسها و أيها السعد و أيها النحس و كم ساعة يمكث كل نجم منها تحت الأرض و في أي ساعة يغيب و أي ساعة يطلع و كم ساعة يمكث طالعا و في أي ساعة يغيب و كم استقام لرجل حكيم كما زعمت من أهل الدنيا إن يعلم علم السماء مما لا يدرك بالحواس و لا يقع عليه الفكر و لا يخطر على الأوهام و كيف اهتدى أن يقيس الشمس حتى يعرف في أي برج هي و في أي برج القمر و في أي بروج السماء هذه السبع النحوس و السعود و ما الطالع منها و الباطن و هي معلقة في السماء و هو من أهل الأرض لا ينظر إليها و قد غشيها ضوء
[15]
الشمس إلا أن تزعم أن هذا الحكيم الذي وضع هذا العلم قد رقي في السماء و أنا أشهد أن هذا العالم لم يقدر على هذا العلم إلا بمن في السماء لأن هذا ليس من علم أهل الأرض .

قال : ما بلغني أن أحدا من أهل الأرض رقي إلى السماء .

قلت : فلعل هذا الحكيم رقي إلى السماء و لم يبلغك ؟

قال : و لو بلغني ما كنت مصدقا .

قلت : فأنا أقولك قولك فهبه رقي إلى السماء فهل كان له بد من أن يجري مع كل برج من هذه البروج و نجم من هذه النجوم من حيث يطلع إلى حيث يغيب ثم يعود إلى الآخر فيفعل مثل ذلك حتى يأتي على آخرها فإن منها ما يقطع السماء في ثلاثين سنة و منها ما يقطع في أقل من ذلك و هل كان له بد من أن يجول في أقطار السماء حتى يعرف مطالع السعود منها و النحوس و البطي‏ء و السريع حتى يحصى ذلك و هبه قدر على ذلك حتى فرغ مما في السماء فهل كان يستقيم له حساب ما في السماء حتى يحكم حساب ما في الأرض و ما تحتها و أن يعرف ذلك كما عاين ما في السماء فلم يكن يقدر على حسابها و دقائقها و ساعاتها إلا بمعرفة ساعات ما في الأرض منها لأنه ينبغي أن يعرف أي ساعة من الليل يطلع طالعها و كم مكث تحت الأرض و أي ساعة من النهار يغيب غائبها لأنه لا يعاينها بالنهار و لا ما طلع منها و لا ما غاب عنها و لا بد من أن يكون العلم بها واحدا و إلا لم ينتفع بالحساب إلا أن تزعم أن ذلك الحكيم قد دخل في ظلمات الأرضين و البحار و سار مع النجوم و الشمس و القمر في مجاريها على قدر ما سار في السماء .

[16]
قال : و هل رأيتني أجيبك إلى أن أحدا من أهل الأرض قدر أن يطلع إلى السماء و قدر على ذلك فأخبرك أنه دخل في ظلمات الأرض و البحور .

قلت : و كيف وضع هذا العلم الذي زعمت و حسب هذا الحساب الذي ذكرت أن الناس ولدوا به .

قال : أ رأيت إن قلت لك إن البروج لم تزل و هي التي خلقت أنفسها على هذا الحساب ما الذي ترد به علي ؟

قلت : أسألك كيف يكون بعضها سعدا و بعضها نحسا و بعضها مضيئا و بعضها مظلما و بعضها صغيرا و بعضها كبيرا ؟

قال : كذلك أرادت أن تكون بمنزلة الناس و على حدهم فإن بعضهم جميل و بعضهم قبيح و بعضهم طويل و بعضهم قصير و بعضهم أبيض و بعضهم أسود و بعضهم صالح و بعضهم طالح .

قلت : فالعجب منك إني أريدك اليوم على أن تقر بصانع فلم تجبني إلى ذلك حتى كان الآن أقررت بأن القردة و الخنازير خلقن أنفسهن .

قال : لقد منيت منك بما لم يسمع مني الناس .

قلت : أ فمنكر أنت لذلك ؟

قال : أشد إنكار .

قلت : فمن خلق القردة و الخنازير إن كان الناس و النجوم خلقوا أنفسهم فلا بد أن تقول إنهن من خلق الناس أو تقول إنهن خلقن أنفسهن ; أ فتقول إنها من خلق الناس ؟

قال : لا .

قلت : فلا بد أن تقول إنهن خلقن أنفسهن أو لهن خالق ; فإن قلت خلقت لها خالق صدقت و ما أعرفنا به , و إن قلت إنهن خلقن أنفسهن رجعت إلى ما أنكرت .

قال : ما أجد بدا من أن أقول إنهن خلقن أنفسهن كما أقول إن البروج و الناس خلقوا أنفسهم .

[17]
قلت : فكيف لا تجد بدا من أن تقول إن السماء و الأرض و الذر خلقوا أنفسهم فقد أعطيتني فوق ما طلبت منك من الإقرار بصانع فأخبرني إذن أن بعضا قبل بعض خلقن أنفسهن أم كان في يوم واحد ؟ فإن قلت لبعضهن قبل بعض ; فأخبرني السماوات و ما فيهن قبل النجوم خلقن و قبل الأرض أم بعد ذلك ؟ فإن قلت : إن الأرض قبل فلا ترى قولك أن الأشياء لم تزل إلا قد بطل حيث كانت السماء بعد الأرض .

قال : بلى , و لكني أقول خلقن جميعا معا .

قلت : قد أقررت أنها لم تكن شيئا قبل أن خلقت و قد أذهبت حجتك في الأزلية .

قال : إني على حد وقوف لا أدري ما أجيبك به لأني أعلم أن الصانع إنما سمي صانعا لصناعته و الصناعة غير الصانع و الصانع غير الصناعة لأنه يقال للرجل الباني لصناعته البناء و البناء غير الباني و الباني غير البناء و كذلك الحارث غير الحرث و الحرث غير الحارث .

قلت : فأخبرني عن قولك أن الناس خلقوا أنفسهم أ فبكمالهم خلقوها لأرواحهم و أجسادهم و صورهم و أنفاسهم أم خلق بعض ذلك غيرهم ؟

قال : بكمالهم لم يخلق ذلك و لا شيئا منه غيرهم .

قلت :فأخبرني الحياة أحب إليهم أم الموت ؟

قال : أ و تشك أنهم لا شي‏ء أحب إليهم من الحياة و لا أبغض إليهم من الموت ؟

قلت : فأخبرني من خلق الموت الذي يخرج أنفسهم التي زعمت أنهم خلقوها فإنك لا تنكر أن الموت غير الحياة و أنه هو الذي يذهب بالحياة فإن قلت إن الذي خلق الموت غيرهم ؟ فإن الذي خلق الموت هو الذي خلق الحياة لهم فإن قلت هم الذين خلقوا الموت لأنفسهم فإن هذا محال من القول و كيف خلقوا
[18]
لأنفسهم ما يكرهون إن كانوا كما زعمت خلقوا أنفسهم هذا ما يستنكر من ضلالك أن تزعم أن الناس قدروا على خلق أنفسهم بكمالهم و أن الحياة أحب إليهم من الموت و أنهم خافوا ما يكرهون لأنفسهم .

قال : ما أجد واحدا من القولين ينقاد لي و لقد قطعته علي من قبل الغاية التي أريدها .

قلت : دعني من الدخول في أبواب الجهالات و ما لا ينقاد من الكلام و إنما أسألك عن معلم هذا الحساب الذي علم أهل الأرض علم هذه النجوم المعلقة في السماء فلا بد أن تقول إن هذا الحكيم علمه حكيم في السماء .

قال : إن قلت هذا فقد أقررت لك بإلهك الذي تزعم أنه في السماء .

قلت : أما أنت فقد أعطيتني أن حساب هذه النجوم حق و أن جميع الناس ولدوا بها .

قال : أ تشك في غير هذا ؟

قلت : و كذلك أعطيتني أن أحدا من أهل الأرض لم يرقى إلى السماء فيعرف مجاري هذه النجوم و حسابها .

قال : لو وجدت السبيل إلى أن لا أعطيك ذلك لفعلت .

قلت : و كذلك أعطيتني أن أحدا من أهل الأرض لا يقدر أن يغيب مع هذه النجوم و الشمس و القمر في المغرب حتى يعرف مجاريها و يطلع منها إلى المشرق .

قال : الطلوع إلى السماء دون هذا .

قلت : فلا أراك تجد بدا من أن تزعم أن المعلم لهذا من أهل السماء .

قال : لئن قلت لك إنه ليس لهذا الحساب معلم لقد علمت إذن غير الحق و لئن زعمت أن أحدا من أهل الأرض علم علم ما في السماء و ما تحت الأرض لقد أبطلت لأن أهل الأرض لا يقدرون على علم ما وصفت من هذه النجوم و البروج بالمعاينة فأما الدنو منها فلا يقدرون عليه
[19]
لأن علم أهل الدنيا لا يكون عندنا إلا بالحواس و لا يدرك علم هذه النجوم بالحواس لأنها معلقة في السماء و ما زادت الحواس على النظر إليها حيث تطلع و حيث تغيب فأما حسابها و دقائقها و سعودها و نحوسها و بطيئها و سريعها و خنوسها و رجوعها فأنى يدرك بالحواس أو يهتدى إليه بالقياس .

قلت : فأخبرني لو كنت واصفا معلم هذا الحساب و واضع هذه الأشياء من أهل الأرض أحب إليك أم من أهل السماء ؟

قال : من أهل السماء إذ كانت هذه النجوم في السماء حيث لا يعلم أهل الأرض .

قلت : فافهم و أدق النظر و ناصح نفسك أ لست تزعم أن جميع أهل الدنيا إنما يولدون بهذه النجوم و أنهن على ما وصفت من السعود و النحوس و أنهن كن قبل الناس ؟

قال : ما امتنع من أن أقول هذا .

قلت : أ فليس ينبغي لك أن تعلم أن قولك أن الناس لا يزالون و ما زالوا قد أنكر عليك حيث كانت النجوم قبل الناس فما تجد بدا من القول بأن الأرض خلقت قبلهم .

قال : و لم تقول إن الأرض خلقت قبل الناس ؟

قلت : أ ليس تعلم أنه لو لم تكن الأرض التي جعلها الله لخلقه فراشا و مهادا ما استقام الناس و لا غيرهم من الخلق و لا قدروا أن يكونوا في الهواء إلا أن تكون لهم أجنحة .

قال : و ما تغني الأجنحة إذا لم تكن لهم معيشة .

قلت : ففي شك أنت أن الناس خلقوا بعد الأرض و البروج .

قال : لا , و لكن على اليقين من ذلك .

قلت :آتيك أيضا بما تبصره .

قال : ذلك أنفى للشك عني .

قلت : أ لست تعلم أن الذي تدور عليه هذه النجوم و الشمس و القمر هو هذا الفلك .

قال : بلى .

قلت : أ فليس كان أساسا لهذه النجوم ؟

قال : بلى .

قلت : فما أرى أن
[20]
هذه النجوم التي زعمت أن مواليد الناس بها إلا و قد وضعت بعد هذا الفلك لأنه به تدور البروج و يسفل مرة و يصعد أخرى .

قال : قد جئت بأمر واضح لا يشكل على ذي عقل إن الفلك الذي يدور بالنجوم هو أساسها الذي وضع لها لأنها إنما جرت به .

قلت : فقد أقررت أن خالق النجوم التي يولد الناس بها سعودهم و نحوسهم هو خالق الأرض لأنه لو لم يكن خلقها لم يكن ذر.

قال : ما أجد بدا من إجابتك إلى ذلك .

قلت : أ فليس ينبغي أن يدلك عقلك على أنه لا يقدر على خلق السماء إلا الذي خلق الأرض و الذر و الشمس و القمر و النجوم و أنه لو لا السماء و ما فيها لهلك ذرا الأرض .

قال : أشهد أن الخالق واحد غير ذي شك لأنك أتيتني بحجة بهرت عقلي فانقطعت بها حجتي و ما أراه يستقيم أن يكون واضع هذا الحساب و معلم هذه النجوم واحدا لا من أهل الأرض لأنها في السماء و لا يعرف مع ذلك ما تحت الأرض منها إلا من يعرف ما في السماء و لا أدري كيف سقط أهل الأرض على هذا العلم الذي هو في السماء حتى اتفق على ما رأيت من الدقة و الصواب فإني لو لم أعرف من هذا الحساب ما أعرف لأنكرته و لأخبرتك أنه باطل في بدء الأمر و كان أهون علي .

أقول ثم إن مولانا الصادق (عليه السلام) ابتدأ في الاستدلال على الهندي بإثبات الله جل جلاله بطريق إهليلجة كانت في يده و كشف الدلالة حتى أقر بذلك بعد مجاحدات من الهندي و إطالة و قد تضمن كتاب الإهليلجة شرح ذلك على التفصيل و إنما كان مرادنا هاهنا ما يتعلق بالنجوم و أنها
[21]
صادرة من قدرة الله و أنه جل جلاله هو الذي أطلع عباده على أسرارها و كشف لهم عن دلالاتها و آثارها ثم ذكر أن الصادق (عليه السلام) بلغ من الاستدلال مع الهندي إلى أن قال له الهندي معترفا لله بما دل عليه ما هذا لفظه ; و أنه واضع هذه النجوم و الدال على سعودها و نحوسها و ما يكون في المواليد بها و أن التدبير واحد لم يختلف متصل فيما بين السماء و الأرض و ما فيهما و ما بقي لي أمر أذعه و لا شي‏ء أنظر فيه هذا آخر ما أردنا من ذكره مما يتعلق بالنجوم من كتاب الإهليلجة عن الصادق (عليه السلام) .

و أقول فانظر إلى ما تضمنه كلام مولانا الصادق (عليه السلام) فإنه ما أبطل هذا العلم بالكلية و لا طعن فيه بوجه من الوجوه الدينية و لا الدنيوية بل جعل الطريق إليه تعريف الله جل جلاله الأنبياء (عليهم السلام) بالوحي و بما دلهم عليه و أصحاب النجوم على اختلاف طبقاتهم اتفقوا في رواياتهم بأن هذا العلم عن إدريس (عليه السلام) و من يجري مجراه .

و روى الشيخ الفاضل محمد بن إبراهيم الثعلبي في كتاب العرائس في المجالس و يواقيت التيجان في قصص القرآن في قصة إدريس (عليه السلام) تصديق ذلك فقال : و إنما سمي إدريس لكثرة درسه للكتب و صحف آدم و شيث و ابنه أنوش و كان إدريس أول من خط بالقلم و أول من
[22]
خاط الثياب و لبس المخيط و أول من نظر في علم النجوم و الحساب انتهى .

و ذكر علي بن المرتضى في كتاب ديوان النسب في آخر الجزء الثالث منه عن إدريس : أنه أول من خط بالقلم و أول من حسب حساب النجوم هذا لفظه فيما حكاه من التوراة .

و رأيت في رسالة أبي إسحاق الطرسوسي إلى عبد الله بن مالك في باب معرفة أصل العلم ما هذا لفظه : إن الله تبارك و تعالى أهبط آدم من الجنة و عرفه علم كل شي‏ء فكان مما عرفه النجوم و الطب .

و وجدت في كتاب المنتخب من طريق أصحابنا في دعاء كل يوم من رجب : و معلم إدريس عدد النجوم و الحساب و السنين و الشهور و الأيام .

و ذكر عبد الله بن محمد بن طاهر الطربثي في كتاب لطائف المعارف ما هذا لفظه : أول من أظهر علم النجوم و دل على ترتيبها و قدر مسير الكواكب و كشف عن وجوه تأثيرها هرمس و هو إدريس .

أقول و وجدت في كتاب عتيق عن عطاء قال : قيل لعلي بن أبي طالب هل
[23]
كان للنجوم أصل قال نعم نبي من الأنبياء قال له قومه لا نؤمن لك حتى تعلمنا بدء الخلق و آجالها فأوحى الله عز و جل إلى غمامة فأمطرتهم و استنقع ما حول الجبل ماء صافيا ثم أوحى الله عز و جل إلى الشمس و القمر و النجوم أن تجري في ذلك الماء ثم أوحى تعالى إلى ذلك النبي أن يرتقي هو و قومه على ذلك الجبل فارتقوا و أقاموا على الماء حتى عرفوا بدء الخلق و آجالهم بمجاري الشمس و القمر و النجوم و ساعات الليل و النهار فكان أحدهم يعرف متى يمرض و متى يموت و من الذي يولد له و من الذي لا يولد له فبقوا كذلك برهة من دهرهم ثم إن داود قاتلهم على الكفر فأخرجوهم إلى داود في القتال من لم يحضر أجله و أخروا من حضر أجله في بيوتهم فكان يقتل من أصحاب داود و لا يقتل من هؤلاء أحد فقال داود ربي أقاتل على طاعتك و يقاتل هؤلاء على معصيتك فيقتل أصحابي و لا يقتل من هؤلاء أحد فأوحى الله عز و جل إليه أني كنت علمتهم بدء الخلق و آجاله و إنما أخرجوا إليك من لم يحضر أجله و من حضر أجله خلفوه في بيوتهم فمن ثم يقتل من أصحابك و لا يقتل منهم أحد فقال داود يا رب على ما ذا علمتهم قال على مجاري الشمس و القمر و النجوم و ساعات الليل و النهار فدعا الله عز و جل فحبس الشمس عليهم فزاد الوقت و اختلط الليل بالنهار فاختلط حسابهم .

قال علي (عليه السلام) : فمن ثم كره النظر في علم النجوم .

و رويت بعدة طرق إلى يونس بن عبد الرحمن في جامعه الصغير و هو ممن أثنى المعصوم عليه رضوان الله جل جلاله عليه بإسناده قال :
[24]
قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) جعلت فداك أخبرني عن علم النجوم ما هو فقال هو علم الأنبياء قلت أ كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) يعلمه فقال كان أعلم الناس به .

و وجدت في أصل من أصول أصحابنا اسمه كتاب التجمل : تاريخ مقابلته يوم الأربعاء لسبع بقين من شعبان سنة ثمان و ثلاثين و مائتين في باب النجوم.

بإسناده عن جميل بن دراج عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قد كان علم نبوة نوح بالنجوم .

أقول قد تضمن هذا الحديث أن نبوة نوح عرفها من كان عارفا بالنجوم و طريقها فكان في علم النجوم دلالة على نبوته و منواة لحجته .

و أما دلالة النجوم على أن إبراهيم (عليه السلام) نبي فمنقولة عند علماء الإسلام ظاهرة بين الأنام فمن ذلك ما رواه صاحب الأصل المذكور الذي تاريخه سنة ثمان و ثلاثين و مائتين .

قال : إن آزر أبا إبراهيم كان منجما لنمرود و لم يكن يصدر إلا عن أمره فنظر ليلة في النجوم فأصبح و هو يقول لنمرود لقد رأيت الليلة في النجوم عجبا قال ما هو قال رأيت مولودا يولد في زماننا يكون هلاكنا على يديه و لا نلبث إلا قليلا حتى يحمل به فتعجب من ذلك و قال هل حملت به النساء قال لا بعد فحجب الرجال عن النساء فلم يدع امرأة إلا جعلها في المدينة لم يخلص بعلها إليها فوقع آزر على أهله فحملت بإبراهيم فظن أنه صاحبه فأرسل إلى قوابل ذلك الزمن و كن أعلم الناس بالجنين فلا يكون في الرحم شي‏ء إلا
[25]
عرفنه و علمنه فنظرن فلزم ما في الرحم الظهر فقلن ما نرى في بطنها شيئا قال و كان مما أوتي من العلم أن المولود سيحرق بالنار و لم تؤثر به و أن الله سينجيه منها .

أقول و رويت هذا الحديث عن إبراهيم الخزاز عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) من أصل قرئ على هارون بن موسى التلعكبري رحمه الله .

و أقول و قد روى هذا الحديث علي بن إبراهيم رضوان الله عليه في كتاب تفسير القرآن في تفسير قوله جل جلاله فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ في سورة الأنعام بأبسط من هذه الرواية فقال ما هذا لفظه .

و كان من خبره أن آزر أباه كان منجما لنمرود بن كنعان فقال لنمرود إني أرى في حساب النجوم أنه يجي‏ء في هذا الزمان رجل ينسخ هذا الدين و يدعو إلى دين آخر فقال له نمرود في أي بلاد يكون قال آزر في هذه البلاد فقال نمرود أ فولد و خرج إلى الدنيا قال لا قال فينبغي أن يفرق بين الرجال و النساء ففرق و حملت أم إبراهيم بإبراهيم و لم يبن
[26]
حملها فلما حان ولادتها قالت لآزر إني عليلة و أريد أن أعتزل عنك و كانت المرأة في ذلك الزمن إذا اعتلت اعتزلت زوجها فخرجت و اعتزلت في غار فوضعت إبراهيم فهيأته و قمطته و رجعت إلى منزلها و سدت باب الغار بالحجارة و أجرى الله تعالى لإبراهيم لبنا من إبهامه و كان نمرود يقتل كل ذكر يولد فما زال إبراهيم في الغار و كان يشب في اليوم كما يشب غيره في الأسبوع حتى أتي له ثلاث عشرة سنة فزارته أمه فلما أرادت أن تفارقه تشبث بها فقالت يا بني إن الملك إذا علم أنك قد ولدت في هذا الزمان قتلك فأبى عليها و خرج من الغار فلما خرج و كانت الشمس قد غابت رأى الزهرة في السماء فقال هذا ربي فلما غابت قال لو كان هذا ربي ما تحرك و ما برح ثم قال لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ الآفل الذي يغيب فلما كان بعد ذلك اطلع فرأى القمر المشرق فقال إبراهيم هذا ربي هذا حسن فلما تحرك قال لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فلما أصبح و طلعت الشمس و رأى ضوءها و قد أضاءت الدنيا بطلوعها قال هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فلما تحركت و زالت قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فكشف له عن السماوات حتى رأى العرش و ما فوقه و ما تحته و نظر إلى ملكوت السماوات و الأرض .

قال العالم (عليه السلام) لما رأى إبراهيم ملكوت السماوات و الأرض التفت فرأى رجلا يزني فدعا عليه فمات ثم رأى آخر فدعا عليه فمات حتى دعا على
[27]
ثلاثة فماتوا فأوحى الله إليه يا إبراهيم إن دعوتك مجابة فلا تدع على عبادي فإني لو شئت لم أخلقهم إني خلقت خلقي على ثلاثة أصناف صنف يعبدني و لا يشرك بي شيئا فأثيبه و صنف يعبد غيري فلن يفوتني و أعذبه و صنف يعبد غيري فأخرج من صلبه من يعبدني فلن يفوتني هو .

و رواه أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في الجزء الأول من تاريخه و رواه سعيد بن هبة الله الراوندي رحمه الله في كتاب قصص الأنبياء و رواه أيضا الثعلبي في كتاب العرائس و المجالس في قصص القرآن .

و رواه غيرهم من العلماء فلا حاجة إلى الإطالة بروايتهم و يكفي التنبيه عليها للاعتناء .

الصورة الرمزية النّجف الأشرف
النّجف الأشرف
عضو
°°°
افتراضي
بقية الباب الأول
فيما نذكره من الإشارة إلى أن النجوم و العلم بها من آيات مالك الجلالة و من معجزات صاحب الرسالة
و من أخبر المنجمون عن نبوته و رسالته موسى بن عمران صلوات الله على سيدنا رسول الله و على من تزيده الصلاة من خاصة رسل الله

فقد تضمنت كتب التأريخ و غيرها من المصنفات ما يغني عن جميع الروايات فمن ذلك ما رواه الثعلبي في كتاب العرائس و المجالس قال : إن فرعون رأى في منامه أن نارا قد أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر فأحرقتها و أحرقت القبط و تركت بني إسرائيل فدعا فرعون السحرة و الكهنة و المعبرين و المنجمين و سألهم عن رؤياه فقالوا له إنه يولد في بني إسرائيل غلام يسلبك ملكك و يغلبك على سلطانك و يخرجك و قومك من أرضك و يذل دينك و قد أظلك زمانه الذي يولد فيه ثم ذكر ولادة موسى و ما صنع فرعون في قتل ذكور الأولاد و ليس
[28]
في ذكر ذلك هاهنا ما يليق بالمراد .

و ذكر حكم المنجمين في ميلاد موسى و نبوته الزمخشري في كتاب الكشاف و روى حديث دلالة النجوم على ولادة موسى (عليه السلام) وهب بن منبه في الجزء الأول من كتاب المبتدأ بأبسط من رواية الثعلبي .

و حدثني بعض علمائنا المنجمين بحكم دلائل المنجمين على عيسى (عليه السلام) و لم أحفظ لفظ حديثه لأحكيه و وجدت ذلك مشروحا بالعربية في أوائل الإنجيل .

و ذكر أبو جعفر محمد بن بابويه رضوان الله جل جلاله عليه في الجزء السادس من كتاب النبوة في باب سياقة حديث عيسى ابن مريم (عليه السلام) فقال ما هذا لفظه : و قدم عليها وفد من علماء المجوس زائرين معظمين لأمر ابنها و قالوا إنا قوم ننظر في النجوم فلما ولد ابنك طلع بمولده نجم لا يفارقه حتى يرفعه إلى السماء فيجاور ربه عز و جل ما كانت الدنيا مكانها ثم يصير إلى ملك هو أطول و أبقى مما كان فيه فخرجنا من قبل المشرق حتى دفعنا إلى هذا المكان فوجدنا النجم متطلعا عليه من فوقه فبذلك عرفنا موضعه و قد أهدينا له هدية جعلناها له قربانا لم يقرب مثله لأحد قط و ذلك أنا وجدنا هذا القربان يشبه أمره و هو الذهب و المر و اللبان لأن الذهب سيد المتاع كله و كذلك هو ابنك سيد الناس ما كان حيا و لأن المر حباة الجراحات و الجنون و العاهات كلها و كذلك ابنك يعافي المرضى كلها و لأن اللبان يبلغ دخانه السماء و لن يبلغها دخان غيره و كذلك ابنك يرفعه الله إلى السماء و ليس يرفع من أهل زمانه غيره .

[29]
و وجد في كتاب دلائل النبوة جمع أبي القاسم الحسين بن محمد السكوني من نسخه عتيقة عليها سماع تاريخه يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة اثنتين و عشرين و أربعمائة و نسخ من أصل كتاب مصنفه فذكر في معرفة بعض اليهود بعلم النجوم حديث بعثة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال ما هذا لفظه : حدثني الشريف أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسين بن علي بن عبد الرحمن قال حدثنا الحسن قال حدثنا عبد الله بن غانم قال حدثنا هناد قال حدثنا يونس عن أبي إسحاق قال حدثنا صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف بن يحيى بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة قال حدثنا ابن شيث عن رجال قومه عن حسان بن ثابت قال : إني و الله لغلام يفقه ابن سبع أو ثمان سنين أعقل كلما سمعت إذ سمعت يهوديا و هو على أطمة يثرب يصيح يا معشر اليهود فاجتمعوا له و قالوا له ويلك ما لك قال طلع نجم أحمد الذي يبعث به الليلة هذا آخر لفظه و سيأتي معرفة النصارى بنبوته من طريق النجوم أيضا .

و وجدت كتابا عندنا الآن اسمه كتاب الندا الصيني الذي عمله كيشتا ملك الهند يذكر فيه : تفصيل دلالة النجوم على نبوة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و خلفائه و هو شرح طويل و قصدنا ذكر جملته دون التفصيل.

[30]
و وجدت في كتاب درة الإكليل في تتمة التذييل تأليف محمد بن أحمد بن عمرو بن حسين بن القطيعي في الجزء الثالث منه عند قوله مفاريد الأسماء على التعبيد فذكر في ترجمة عبد الأول بن عيسى بن شعيب بن إبراهيم بن إسحاق الشجري الأصل المروي المولد الصوفي الشيخ المعمر الثقة الموقت لابن أبي عبد الله حديث دلالة النجوم عند هرقل ملك الروم على نبوة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و الحديث طويل يتضمن سؤال هرقل لبعض قريش عن صفات النبي و لفظ كتاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى هرقل ثم قال ما هذا لفظه : و كان ابن الناطور صاحب إيلياء و هرقل أشفقا على نصارى الشام فحدث أن هرقل حين فقد إيلياء أصبح يوما خبيث النفس فقال بعض بطارقته قد أنكرنا هيئتك قال ابن الناطور و كان هرقل جيد النظر في علم النجوم فقال لهم حين سألوه إني نظرت الليلة في النجوم فرأيت ملكا يظهر في من يختتن من هذه الأمة فقالوا له ليس يختتن إلا اليهود فلا يهمنك شأنهم فاكتب إلى مدائن ملكك يقتلون من فيها من اليهود فبينما هم على أمرهم إذ أتي برجل أرسل إلى هرقل من ملك غسان يخبره بخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما استخبره هرقل قال اذهبوا فانظروا أ يختتن هو أم لا فنظروه و أخبروا أنه مختتن فسألهم عن العرب فقالوا إنهم يختنون فقال هرقل هذا ملك هذه الأمة قد ظهر ثم كتب إلى صاحب رومية و كان نظيره في العلم و سار هرقل إلى حمص
[31]
حتى أتاه كتاب صاحبه يوافق رأيه على خروج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و أنه نبي فأذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة له بحمص ثم أمر بأبوابها فغلقت ثم أطلع عليهم فقال يا معشر الروم هل لكم في الفلاح و الرشد أن يثبت ملككم قالوا بلى قال بايعوا هذا النبي فحاصوا حوصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها مغلقة فلما رأى هرقل نفرتهم و آيس من الإيمان قال ردوهم فلما ردوا قال لهم إني قلت مقالتي آنفا أختبر بها شدتكم على دينكم و قد رأيت ما أعجبني فسجدوا له و رضوا عنه فكان ذلك آخر شأن هرقل أقول هذا آخر لفظ مصنف كتاب درة الإكليل و لم أذكر أسانيد هذه الرواية تخفيفا فهذا يتضمن أن النجوم دلت هرقل و صاحبه برؤيته على نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و وطئت له بلوغ الأمنية و أذلت قلوب الرومية و كان ذلك من الآيات الربانية و الدلالات الخارقة الإلهية و من فكان مطلعا على كتب الإسلام وجد دلالة النجوم واضحة معلومة للأفهام لا يمكن جحودها إلا بالعناد و تهوين آيات الله جل جلاله في العباد و تصغير عظمته تعالى شأنه و حكمته في تدبير خليقته .

و أما دلالة النجوم لكسرى ملك الفرس على نبوة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و توطئة النبوة بما دلت عليه النجوم بتدبير الله جل جلاله لها فهو مذكور في كتب التواريخ يطول كتابنا بإيراد كلما وقفنا عليه و لكنا نذكر ما يكون تنبيها على ما أشرنا إليه و من
[32]
أراد استيفاء ذلك فلينظره في كل تاريخ اشتمل عليه و نحن نقتصر على ما ذكره الطبري في تاريخه فهو تاريخ مشهور ذكر الطبري في تاريخه عن معرفة كسرى بالمنجمين و غيرهم بنبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بما يأتي ذكره بلفظه و هو ذكر الخبر عن الأسباب التي حدثت من أراده الله تعالى إزالة ملك فارس من أهل فارس فوطأ بها للعرب ما أكرمهم به نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من النبوة و الخلافة و الملك و السلطان في أيام كسرى أبرويز فمن ذلك ما روى وهب بن منبه و هو ما حدثنا به ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال : كان من حديث كسرى ما حدثني به بعض أصحابي عن وهب بن منبه أن كسرى كان سكن دجلة العوراء و أنفق عليها من الأموال ما لا يدرى ما هو و كان طاق مجلسه قد بني بنيانا لم ير مثله و كان يعلق به تاجه فيجلس فيه إذا جلس للناس و كان عنده ستون و ثلث مائة رجل من الخراة و الخراة العلماء ما بين كاهن و منجم و ساحر و كان فيهم رجل من العرب يقال له السائب يعتاف اعتياف العرب فلما يخطئ بعثه إليه بأذان من اليمن و كان كسرى إذا ضربه أمر جميع كهانه و سحرته و منجميه فقال انظروا في هذا الأمر ما هو فلما أن بعث الله نبيه محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) أصبح كسرى ذات غد و قد انقصمت طاق ملكه من وسطها من غير نقل و انخرقت دجلة العوراء فلما رأى ذلك حزن و قال طاق ملكي انقصمت من غير ثقل و انخرقت دجلة
[33]
العوراء شاه بشكسته يقول الملك انكسر و جمع الكهان و السحرة و المنجمين و دعا السائب معهم فقال انظروا في هذا الأمر ما هو فخرجوا من عنده و نظروا في الأمر فأخذ عليهم بأقطار السماء و ضاقت عليهم الأرض و تسكعوا بعلمهم فلا يمضي لساحر سحره و لا لكاهن كهانته و لا يستقيم لمنجم علم نجومه و بات السائب في ليلة ظل فيها على ربوة من الأرض يرمق برقا نشأ من الحجاز ثم استطار حتى بلغ المشرق فلما أصبح ذهب ينظر إلى ما تحت قدميه فإذا روضة خضراء فقال فيما يعتاف لئن صدق ما أرى ليخرجن من الحجاز سلطان يبلغ المشرق و تخصب به الأرض كأفضل ما أخصبت من ملك كان قبله فلما خلص الكهان و المنجمون بعضهم إلى بعض رأوا ما أصابهم و رأى السائب ما قد رأى قال بعضهم لبعض تعلمون و الله ما حيل بينكم و بين علمكم إلا لأمر جاء من السماء و إنه لنبي قد بعث أو هو مبعوث يسلب هذا الملك و يكسره و لئن بنيتم لكسرى خراب ملكه ليقتلنكم فأقيموا بينكم أمرا تلقونه فيه حتى تؤخروا أمره إلى آخر ساعة فجاءوا إلى كسرى فقالوا قد نظرنا في هذا الأمر فوجدنا بناءك الذي وضعته على الحساب قد أخطئوا فيه فوضعوا طاق الملك و سكور دجلة على النحوس فلما اختلف عليه الليل و النهار وقعت النحوس على مواقعها فدك كل ما وضع عليها و إنا سنحسب حسابا تضع عليه بنيانا لا يزول قال فاحسبوا فحسبوا ثم قالوا ابن فبنى فعمل في دجلة ثمانية أشهر و أنفق فيها من الأموال ما لا يدرى ما هو حتى
[34]
إذا فرغ قال لهم أجلس على سورها قالوا نعم فأمر بالبسط و الفرش و الرياحين فوضعت عليها و أمر بالمرازبة فجمعوا و اجتمع إليه النقابون ثم خرج حتى جلس عليها فبينا هو هناك إذ انتسفت دجلة البنيان من تحته فلم يخرج إلا بآخر رمق و لما أخرجوه جمع كهانه و سحرته و منجميه فقتل منهم قريبا من مائة فقال لهم سميتكم و أدنيتكم دون الناس و أجريت عليكم أرزاقي و تلعبون بي فقالوا أيها الملك أخطأنا كما أخطأ من قبلنا و لكنا سنحسب حسابا نبينه حتى نضعه على الوفاق من السعود قال لهم انظروا ما تقولون قالوا فإنا نفعل قال فاحسبوا فحسبوا له ثم قالوا له ابن فبنى و أنفق من الأموال ما لا يدرى ما هو ثمانية أشهر كذي قبل فقالوا قد فرغنا فقال أخرج و أقعد عليها قالوا نعم فهاب الجلوس عليها و ركب برذونا و خرج يسير عليها فبينا هو يسير فوقها إذ انتسفت دجلة بالبنيان فلم يخرج إلا بآخر رمق فدعاهم و قال و الله لآتين على آخركم و لأنزعن أكتافكم و لأطرحنكم تحت أيدي الفيلة أو لتصدقوني ما هذا الأمر الذي تلفقونه علي قالوا لا نكذبك أيها الملك أمرتنا حين انخرقت دجلة و انقصمت طاق المجلس من غير ثقل إن ننظر في علمنا لم ذلك فنظرنا فأظلمت علينا أقطار السماء فتردى علمنا و سقط في أيدينا فلا يستقيم لساحر سحر و لا لكاهن كهانة و لا لمنجم علم نجوم فعلمنا أن هذا أمر حدث من السماء و أنه قد بعث نبي أو هو مبعوث فحيل بيننا و بين علمنا لأجله و خشينا أن نعينا إليك ملكك إن تقتلنا فكرهنا من الموت ما يكره
[35]
الناس و عللناك على أنفسنا بما رأيت قال ويحكم فهلا بينتم لي هذا لأرى فيه رأيي قالوا منعنا من ذلك ما تخوفنا منك فتركهم ولها عن دجلة حتى علم ذلك .

و ذكر علي بن المرتضى في أواخر الجزء الثالث من ديوان النسب : ما ذكر أنه من التوراة في دلالة النجوم على نبوة سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في زمن كسرى المشار إليه مثله .

أقول و هلك كسرى هذا في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و أما كسرى الذي خرج الملك عنه إلى المسلمين فسنذكر ما ذكره الطبري من دلالة النجوم على ما آل حاله إليه فيمنطو عليه فنقول :

و أما دلالة النجوم على ظهور المسلمين على ملوك الفرس فالأخبار بها كثيرة فمن ذلك ما ذكره الطبري في تاريخه فقال : و لما أمر يزدجرد رستم بالخروج من ساباط بعث إلى أخيه بنحو من الكتاب الأول و زاد فيه فإن السمكة قد كدرت و النعائم قد حبست و حسنت الزهرة و اعتدل الميزان و ذهب بهرام و لا أرى هؤلاء القوم إلا سيظهرون علينا و يستولون على ما بأيدينا و إن أشد ما رأيت أن الملك قال لتسيرن إليهم أو لأسيرن أنا بنفسي و أنا سائر إليهم و كان الذي جرا يزدجرد على إرسال رستم غلام جاه‏بان منجم كسرى و كان من أهل قراب باد قلي فأرسل إليه ما ترى في مسير رستم لحرب العرب فكذبه خوفا و كان رستم يعلم نحوا من علم ذلك المنجم فثقل عليه سيره و خف على الملك
[36]
لمشاغرة به و قال له إني أحب أن تخبرني بشي‏ء أراه فاطمئن به إلى قولك فقال الغلام لدرنابند الهندي سلني فسأله فقال الغلام أيها الملك يقبل طائر فيقع على إيوانك و يقع منه ما في فيه هاهنا و خط دائره فقال العبد صدق و الطائر غراب و الذي في فيه درهم و بلغ جابان أن الملك طلبه فأقبل فسأله عما قاله غلامه فحسب و قال صدق و لم يصب هو عقعق في فيه درهم يقع منه على هذا المكان و كذب درنابند في مكان الدرهم بل هاهنا و دور دائرة أخرى فأقاموا حتى وقع على الشرفات عقعق فسقط منه درهم فوقع في الخط الأول و تدهده حتى صار في الخط الآخر و نافر الهندي جابان حيث خطاه فأتي ببقرة نتوج فقال الهندي سخلتها غبراء سوداء فقال جابان كذبت بل سوداء سفعاء فنخرت البقرة و استخرجت سخلتها فإذا ذنبها أبيض فقال جابان من هاهنا أتى درنابند و شجعاه على إخراج رستم فأمضاه ثم قال الطبري ما معناه أن جابان كتب إلى من يشفق عليه من العسكر يأمره بالدخول معهم فيما يريدون و أن ملك الفرس ذهب فقبل منه فكان الأمر على ما اقتضاه دلالة النجوم على ظهور العرب على الفرس .

فيما نذكره من دلالة النجوم على مولانا المهدي بن الحسن العسكري (صلى الله عليه وآله وسلم) ذكرها بعض أصحابنا في كتاب الأوصياء و هو كتاب معتمد عند الأولياء وجدته في أصل عتيق لعله كتب في زمان مصنفه و قد دثر تاريخه فيه دلالات الأئمة و ولادة المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم) رواه الحسن بن جعفر الصيمري و مؤلفه علي بن محمد بن زياد الصيمري
[37]
و كانت له مكاتبات إلى الهادي و العسكري و جوابهما إليه و هو ثقة معتمد عليه فقال ما هذا لفظه :

حدثني أبو جعفر القمي ابن أخي أحمد بن إسحاق بن مصقلة : أنه كان بقم منجم يهودي موصوفا بالحذق في الحساب فأحضره أحمد بن إسحاق و قال له قد ولد مولود في وقت كذا و كذا فخذ الطالع و اعمل له ميلادا فأخذ الطالع و نظر فيه و عمل عملا له فقال لأحمد لست أرى النجوم تدلني على شي‏ء لك من هذا المولود بوجه الحساب أن هذا المولود ليس لك و لا يكون مثل هذا المولود إلا لنبي أو وصي نبي و أن النظر فيه يدلني على أنه يملك الدنيا شرقا و غربا و برا و بحرا و سهلا و جبلا حتى لا يبقى على وجه الأرض أحد إلا دان له و قال بولايته يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس و هذا من آيات الله الباهرة و حججه على من عرفه بالعين الباصرة فإن أحمد بن إسحاق ستر المولود على المنجم المذكور فدله الله جل جلاله بدلالة النجوم على ما جعل فيه من السر المستور و قد كنت أشرت إلى قدامة بن الأحنف البصري المنجم ليحقق طالع ولادة المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم) و لم أكن وقفت على هذا الحديث المشار إليه فذكر أنه حقق طالعه و أحضر زائجته و كما سبقنا راوي هذا الحديث إليه فصار ذلك إجماعا منهما عليه .

فيما نذكره من كلام الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان رضوان الله عليه و هو الذي انتهت رئاسة الإمامية في وقته إليه و ذلك فيما رويناه عنه في كتاب المقالات : أنه لا مانع من أن يكون الله أعلم
[38]
بالنجوم بعض أنبيائه و جعلها علما على صدقه من بعض المعجزات فقال ما هذا لفظه و أقول إن الشمس و القمر و سائر النجوم أجسام نارية لا حياة لها و لا موت خلقها الله لينتفع بها عباده و جعلها زينة لسماواته و آية من آياته كما قال سبحانه هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً وَ قَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ و كما قال تعالى هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ و كما قال عز و جل وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ و كما قال تبارك اسمه وَ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ فأما الأحكام على الكائنات بدلالتها و الكلام على مدلول حركاتها فإن العقل لا يمنع منه و لسنا ندفع أن يكون الله تعالى أعلمه بعض أنبيائه و جعله علما له على صدقه غير أنا لا نقطع عليه و لا نعتقد استمراره في الناس إلى هذه الغاية فأما ما نجده من أحكام المنجمين في هذا الوقت و إصابة بعضهم فيه فإنه لا ينكر أن يكون ذلك بضرب من التجربة و بدليل عادة و قد يختلف أحيانا و يخطئ المعتمد عليه كثيرا و لا تصح إصابته فيه أبدا لأنه ليس بجار مجرى دلائل العقول و لا براهين الكتاب و لا أخبار الرسول و هذا مذهب جمهور متكلمي أهل العدل و إليه ذهب بنو نوبخت رحمهم الله من الإمامية و أبو القاسم و أبو علي من المعتزلة أقول فانظر إلى قوله رحمه الله فأما الأحكام على الكائنات بدلالتها و الكلام على مدلول حركاتها فإن العقل لا يمنع منه فهذا تصريح صحيح أن العقول السليمات
[39]
لا تمنع أن تكون النجوم دلائل على الكائنات و انظر قوله رحمه الله و لسنا ندفع أن يكون الله سبحانه أعلمه بعض أنبيائه و جعله علما على صدقه فهذا توفيق منه رحمه الله و تحقيق أنه لا يدفع أن يكون الله تعالى علمه بعض أنبيائه و جعله علما على صدقه فهل تقبل العقول أن يكون الله تعالى أعلم أنبيائه بما يكون تعليمه و العلم به حراما و نقصانا لمن علمه و تعلمه و هل يمكن أن يجعل الله جل جلاله علما على صدق نبي من أنبيائه ما يكون كذبا و جهلا و بهتانا و ضلالا و انظر قوله رحمه الله غير أنا لا نقطع عليه و لا نعتقد استمراره إلى هذه الغاية فإنه ذكر أنه ما نقطع عليه و لو كان هذا العلم باطلا و تعليمه و العلم به ضلالا كان قد قطع على أن الله لا يعلمه أنبيائه و لا يكون علما على صدقهم و أما قوله إنا لا نعتقد استمراره في الناس إلى هذه الغاية فلقد صدق رحمه الله لأن استمراره على الوجه الذي يمكن من تعليم الله تعالى بعض أنبيائه آية على صدقهم ما هو مستمر لعدم النبي الذي يمكن تعليم الله جل جلاله له و عدم الحاجة الآن إلى أن يكون علم النجوم علما على صدق نبي من الأنبياء (عليهم السلام) و انظر قوله رحمه الله و أما ما نجده من أحكام المنجمين في هذا الوقت و إصابة بعضهم فيه فإنه لا يكون ذلك بضرب من التجربة أو بدليل عادة فهل تراه رحمه الله أحال إصابتهم و أبطلها و ذكر تحريم التصديق بها و أهملها و إنما تأول الإصابات بأنها يمكن أن تكون للتجارب و دلائل العادات و اعلم أن جماعة من علماء المنجمين من المؤمنين و المسلمين حضروا عندنا و وقفنا على تسييرهم و تحاويلهم و جربنا كثيرا من أقاويلهم و عرفنا أنهم ما يذكرون دلائل هذه
[40]
النجوم من طريق تجربة و لا عادة بل على ما يبلغه علمهم من تدبير الله تعالى لها دلائل على المدلولات كما يعتمد أصحاب كل علم لما يقتضيه علمهم من العبادات .

و قد قدمنا في مناظرة الصادق (عليه السلام) للهندي أنها لا تعرف بالتجربة و العادة كما أشرنا إليه ثم أقول و انظر إلى قول المفيد رحمه الله عن أحكام النجوم و قد تختلف أحيانا و يخطئ المعتمد عليه كثيرا و لا تصح إصابة فيه أبدا لأنه ليس بجار مجرى دلائل العقول و لا براهين الكتاب و لا أخبار الرسول أ فلا تراه صدق بعض ما يحكم به المنجمون من دلائلها على الحادثات و إنما قال قد تختلف أحيانا و يخطئ المعتمد عليه كثيرا و أنهم لا يستمرون على الإصابات أقول و أي علم من العلوم العقلية و النقلية يستمر أصحابها على الإصابة فيها و لا يختلفون و لا يخطئون كثيرا بما تقتضيها و انظر قوله رحمه الله أنه ليس بجار مجرى دلائل العقول و لا براهين الكتاب و لا أخبار الرسول فهل تراه أنكر هذه الأحكام أو رآها محرمة في شرائع الإسلام و إنما ذكر أنها لا تجري مجرى غيرها من الدلالات و لقد قال حقا و هو المؤيد بالعنايات ثم انظر قوله و هذا مذهب جمهور متكلمي أهل العدل و إليه ذهب بنو نوبخت رحمهم الله من الإمامية و أبو القاسم و أبو علي من المعتزلة كيف ذكر أن هذا مذهب جمهور متكلمي أهل العدل فمن ذا يرغب بنفسه عن مذهب أهل العدل إلا سقيم العقل بعيد من الفضل و انظر قوله و إليه ذهب بنو نوبخت رحمهم الله من الإمامية فلم ينكر عليهم بل ترحم عليهم و بنو نوبخت من أعيان هذه الطائفة المحقة المرضية و منهم وكيل مولانا المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم) أبو القاسم
[41]
الحسين بن روح رضوان الله جل جلاله عليه .

و من أعظم من يعتقد فيه أنه ينكر دلالة النجوم على الحادثات من أصحابنا المتكلمين تغمدهم الله بالرحمات السيد المرتضى رضي الله عنه و أبلغ ما وقفت عليه من كلماته في ذلك في جملة مسائل سأله عنها تلميذه سلار رحمه الله و إذا اعتبر الناظر فيها ما ذكره في أواخر جوابه عنها وجده يقول إن اتصال الكواكب و انفصالها و تسييرها لها أصول صحيحة و قواعد سديدة و هذا من أعظم الموافقة على ما ذكرناه من صحة دلالة النجوم و إنما ينكر رحمه الله أن النجوم فاعله و ذلك منكر و كفر كما دللنا على فساده و منكر أن تكون النجوم مؤثرة في أجسامنا و نحن على اعتقاده .

و اعلم أنني لو وجدته رحمه الله مانعا بالكلية من صحة دلالة النجوم على الوجه الذي أشرنا إليه فإنني لا أرضى بالتقليد لمن يجوز الاشتباه عليه و لو قلد هذا السيد المعظم في كل ما دخل فيه من الدول و الولايات كان قد دخل غيره فيها و اعتذر بنحو ما اعتذر به و اعتمد عليه و لقد وثق غيره بمن انبسط إليه فهدده بما لا صبر عليه من المؤاخذة و الذل و كلمه من الاقتداء به و التقليد له و آثر الله جل جلاله عند الكل .

و من وقف على ما اشتبه على هذا السيد المعظم قدس الله روحه وجد في بعض كتبه من المسائل العقلية التي انفرد بها عن شيخه المفيد و جملة من علماء الإمامية عرف أنه لا يجوز تقليد من يجوز الخطإ عليه فيما لا يسوغ شرعا تقليده فيه و قد ذكر الراوندي رحمه الله نحو تسعين
[42]
مسألة بل أكثر أصولية خالف فيها المرتضى شيخه المفيد و هي عندنا الآن بتفصيلها و من أعجبها إثبات الجوهر في العدم فإن شيخه المفيد استعظم في العيون و المحاسن الاعتقاد بصحتها و المرتضى في كثير من كتبه عضدها و انتصر لها و هي خطأ بجملتها .

و كذلك من وقف على ما اشتبه على هذا السيد العالم رضي الله عنه في مسائل كثيرة شرعية مثل أن الشيعة لا تعمل بأخبار الآحاد في المسائل الدينية و هي من العلوم التي كان شغولا بها فلا عجب أن يشتبه عليه شي‏ء من علوم النجوم الذي ما هو معروف بها و لا يكاد تعجبي ينقضي كيف اشتبه عليه أن الشيعة لا تعمل بأخبار الآحاد في الأمور الشرعية و من اطلع على التواريخ و الأخبار و شاهد عمل ذوي الاعتبار وجد المسلمين و المرتضى و علماء الشيعة الماضين عاملين بأخبار الآحاد بغير شبهة عند العارفين كما ذكر محمد بن الحسن الطوسي في كتاب العدة و غيره من المشغولين بتصفح أخبار الشيعة و غيرهم من المصنفين و قد ذكرنا في كتاب غياث سلطان الورى لسكان الثرى صحة العمل
[43]
بأخبار الآحاد و أوضحنا العمل به في سائر البلاد و بين كافة العباد .

و أبلغ ما رأيت من كلام المرتضى رضي الله عنه في أحكام النجوم في المسائل السالارية و هي الثمان مسائل التي أشرنا إليها و كان سلار الفقيه عزيزا عليه و هو الذي تولى تغسيله مع غيره رضوان الله عليه و أول هذه المسائل سؤال السائلين عن الجوهر و أنه جوهر بالفاعل و قد منع المرتضى رحمه الله من ذلك غاية المنع و نرجو أن يكون رجع عن هذا الدفع إلى مذهب شيخه المفيد و غيره من أن الجوهر بالفاعل فمن أعجب العجب اشتباه ذلك على أهل التأييد فلا عجب إذن ممن اشتبه عليه أن الجوهر بالفاعل و هو من علوم العقل إن تشتبه عليه مسألة في علم النجوم الذي هو ليس من علوم العقل بل طريقة صادرة عن النقل و العقل أظهر و النقل أخفى و أستر .

فقال السائل للمرتضى رحمهما الله و كيف تقول إن المنجمين حادسون مع أنه لا يفسد من أقوالهم إلا القليل .

فقال المرتضى في الجواب ما نذكر منه الذي نحتاج إلى الجواب عنه دون التطويل فذكر إبطال أن النجوم فاعلة مختارة و قد كنا نبهنا على بطلانه فلا حاجة الآن إلى ذكر برهانه ثم قال ما هذا لفظه ما وقفنا عليه : و أما الوجه الآخر و هو أن يكون الله سبحانه أجرى العادة بأن يفعل أفعالا مخصوصة عند طلوع كوكب أو غروبه و اتصاله أو مفارقته فقد بينا أن ذلك ليس مذهب المنجمين البتة و إنما يحتملون الآن بالنظائر و إنه قد كان جائزا أن
[44]
يجري الله تعالى العادة بذلك لكن لا طريق إلى العلم بأن ذلك قد وقع و ثبت و من أين لنا طريق أن الله تعالى أجرى العادة بأن يكون زحل أو المريخ إذا كان في درجة الطالع كان نحسا و أن المشتري إذا كان كذلك كان سعدا و أي سمع مقطوع جاء به شي‏ء من ذلك و أي نبي خبر به و استفيد من جهته و الجواب أما قوله رحمه الله أن ذلك ليس بمذهب المنجمين البتة فسيأتي في أواخر جوابه عن هذه المسائل أن اتصال الكواكب و انفصالها أصول صحيحة و قواعد سديدة و يأتي أيضا في كتابنا هذا في باب علماء المنجمين من الشيعة و في باب علماء المنجمين من غير الشيعة قبل وجود المرتضى بأوقات كثيرة ممن كان يتعبد بالإسلام أن دلالة النجوم صادرة من الله جل جلاله و هذا لا يليق إنكاره و جحوده ثم كان خلق عظيم يعتقدون أن الأصنام فاعلة و رجعوا عنها و لم يكن ذلك الاعتقاد الأول حجة و لا الرجوع عنها نقصا بل زيادة في سعادة فكذا يجوز أن يكون حال من ذكره من المنجمين و أما قوله قد كان جائزا أن يجري الله تعالى العادة بذلك لكن لا طريق إلى العلم بأن ذلك وقع و ثبت فالجواب أن هذا موافقة منه أن العقول لا تمنع من جواز ذلك فأما كونه ذكر أنه لا طريق إلى العلم بأن ذلك وقع و ثبت فهذا مما يصعب الاعتذار له فيه لأنه إن كان يريد أنه لا طريق أصلا في نفس الأمر فعظيم فإنه كان يحسن أن يقول يمكن أن يكون هناك طريق إلى العلم لكن ما عرفتها إلى الآن فإن كثيرا من المسائل عرفها بعد أن لم يكن عارفا بها و تصانيفه تتضمن
[45]
أنه رحمه الله رجع عن مسائل كان قائلا بها و معتقدا لها و هذا شاهد عليه بجواز وجود الطريق فيما بعد إلى العلم بذلك و أما قوله و من أين أن الله تعالى أجرى العادة فهو استبعاد منه لوجود الدلالة و ما هو نفي لها و لا إحالة و قد اعترف بصحته في أواخر جواب مسألته و سوف نورد في كتابنا هذا من الأخبار المروية من علماء الفرقة المحقة المرضية الذي ثبت بأمثالها بعض الأحكام الشرعية ما يقتضي وجود الطريق إلى التحقيق بأن دلالة النجوم صحيحة عند أهل التوفيق و أما قوله و أي نبي خبر به و استفيد من جهته فقد ذكرنا بعض من أورد إلينا أنه نقل عن الأنبياء (عليهم السلام) و سنذكر بعد في هذا الكتاب من أشرنا إليهم و إذا علمنا بالتجربة التي تنبت بمثلها المعلومات طريقا واضحة من دلالات النجوم كالكسوفات كان ذلك كافيا و شافيا في أن هذا العلم صادر عن أهل النبوات و إن لم نعلمه بالروايات كما ذكره الصادق (عليه السلام) في مناظرته للهندي و قد قدمنا .

ثم قال رحمه الله تعالى في تمام كلامه ما هذا لفظ ما وقفنا عليه : فإن عولوا في ذلك على التجربة فإنا جربنا ذلك و من كان قبلنا فوجدناه على هذه الصفة و إذا لم يكن موجبا فيجب أن يكون معتادا قلنا لهم و من سلم لكم هذه التجربة و انتظامها و اطرادها و قد رأينا خطاكم فيها أكثر من صوابكم و صدقكم أقل من كذبكم فإلا نسبتم الصحة إذا اتفقت منكم إلى الاتفاق الذي يقع من المخمن و المترجم فقد رأينا من يصيب من هؤلاء أكثر ممن يخطئ و هم على غير أصل معتمد و لا قاعدة صحيحة
[46]
فإذا قلتم أن سبب خطإ المنجم زلل دخل عليه من أخذ الطالع أو تسيير الكواكب قلنا و لم لا كانت إصابته سببها اتفاق للمنجمين و إنما يصح لكم هذا التأويل و التخريج لو كان على صحة أحكام النجوم دليل قاطع من غير إصابة المنجم فأما إذا كان دليل صحة الأحكام الإصابة فإلا كان دليل فسادها الخطأ فما أحدهما إلا في مقابلة صاحبه فالجواب إن الجحود بالإصابة في الخسوفات و الكسوفات و ما جرى مجراهما من الدلالات لا يليق بمثل من كان دونه في المقامات العاليات و قد وافق على أن هذه الطرق الواضحة عرفت بالحساب و ستأتي موافقته في آخر الجواب و هو كاف في دلالة النجوم و صحتها لذوي الألباب و لو كان خطأ العالم في بعض علمه قادحا في كله ما ثبت علم من العلوم إذ كلها وقع في بعضها خطأ و غلط كما قدمنا فأما قوله أن الإصابة تحتمل الاتفاق فقد ذكرنا عن الصادق (عليه السلام) في كتاب الإهليلجة و غيره فيما أسندناه إليه أنه يستحيل أن تكون دلالة النجوم بالاتفاق و بالتجربة أيضا و إنما هي معروفة من جانب الله جل جلاله و أما قوله أن صدقهم أقل من كذبهم و أن المخمن و المترجم صوابهم أكثر من خطاهم فما أعلم من أين اعتقد رحمه الله تعالى أن المخمن و المترجم من طريق يسلك فيها إلى تخمينه و ترجيمه وجد صوابه أكثر من خطاه و إن أصحاب الحساب المبني على علم المعقول المستند أصله إلى علوم الأنبياء يكون دون المخمن و المترجم هذا مما لا أحتاج إلى الجواب عنه و جوابه منه و أما قوله رحمه الله في جوابهم أن الغلط يكون من المنجم
[47]
عند أخذ الطالع بأنهم يحتاجون إلى دلالة من غير ذلك فأقول في الجواب سوف تأتي الدلالة المحوجة إلى أن يكون الغلط من المنجم كما أحوجت الدلالة على صحة المذاهب المحقة الإلهية و النبوية و ظهر أن الغلط كان منهم في ترتيب الأدلة فالحالة واحدة و أما قوله رحمه الله أن الغلط في مقابلة الإصابة فما أحدهما إلا في مقابلة صاحبه فهذا ما يرد عليهم في دلالة الكسوفات و الخسوفات و لا في ذكرهم لأهله الشهور و ما يناسبها من كليات الأمور فلا ينبغي إطلاق القول المذكور و قد تقدم في السؤال أن السائل ذكر أنه لا يفسد من أقوالهم إلا القليل و هو شاهد لهم جليل مشهود له بالتعديل فتقابل دعواه بدعوى سائله رحمه الله .

قال رحمه الله مما أفحم به القائلون بصحة الأحكام و لم يحصل عنه منهم جواب : أنهم إن قيل لهم في شي‏ء بعينه خذوا الطالع و احكموا هل يؤخذ أو يترك فإن حكموا بالأخذ أو بالترك و فعل خلاف ما حكموا به فقد أخطئوا و قد أعضلتهم هذه المسألة و التعريف فالجواب إن هذه المسألة إنما تلزم من يقول إن النجوم علة موجبة فأما من يقول إنها ليست بفاعل مختار بل وراءها فاعل مختار قادر على خراب الفلك إذا شاء و على أن يمحو ما يثبت و يثبت ما محا فإنه لا يلزمهم لأنهم يمكنهم أن يقولوا إن النجوم و إن دلت على فعل فإن الله فاعل مختار قادر على الترك و الفعل لا يطلع على ما يريده سبحانه أحدا على ما ستر من أسراره فلا يحكم عليه بأنه جل جلاله يلزمه الاستمرار على فعله أو تركه بل يقولون هذا الفعل
[48]
يقع بشرط الاختيار و الله سبحانه عكس دلالته و هذا الأمر يترك بشرط الاختيار و الله تعالى عكس علامته كما نسخ الفاعل المختار الشرائع و محا و أثبت و كان ذلك حكمة و صوابا .

و أما من يقول إن النجوم دلالات و أن العبد فاعل مختار فإنه يقول يحتمل أنها تارة تدل بالله جل جلاله الفاعل المختار على شروط لا يطلع غيره على أسرارها و تارة تدل بغير شروط فالدلاله في نفسها صحيحة لكن وراءها العبد و هو قادر على ترك الاستمرار عليها فلا يلزمهم إن ما أخبروا بفعله أنه يستحيل تركه من العبد و لا ما أخبروا بتركه أنه يستحيل فعله من العبد لتجويز شروط منها أن لا يكون العبد المختار يختار خلاف ما دلت عليه و هذا وجه يدفع الشبهة التي ذكرها رحمه الله .

ثم ذكر حكاية جرت له مع بعض الوزراء الذين يقولون بصحة دلالات النجوم و أنه رحمه الله قال للوزير ما معناه : أن النجوم لو كانت تدل على الإصابة لكان المنجمون سالمين من الآفات و كان الجاهلون بالنجم حاصلين في المخافات و كانوا كبصير و أعمى إذا سلكا في الطريق و الجواب أن يقال ليس كل من عرف علما عمل بعلمه و خلص نفسه من الردى قال الله جل جلاله وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى ثم يقال له لو أن قائلا قال لك لو كان العقل موجودا مع الموصوفية من بني آدم لكان السالمون به من الآفات أضعاف الهالكين به من الدواب و الحيوانات المختارة التي ليس معها عقول و نحن نرى الآفات
[49]
تجري على الفريقين على المقارنة و المناسبة بل لعل هلاك العقلاء بعقولهم أكثر من هلاك الحيوان المختار من غير عقل بما هو عليه من الجهل و يقال له لو كان في علوم بني آدم بديهيات لقد كان يتعذر على أحد منهم الخلاف فيها و قد اختلفوا فيها و يقال له لو كان العلم ثابتا بأنا فاعلون ضرورة لكان السالم منه أكثر من الهالك و نحن نرى ثلاثا و سبعين فرقة من الأمة المرحومة جهلتها أكثر من الفرقة الناجية في كل وقت من الأوقات و مع ذلك ما دل هذا الاختلاف على بطلان العلم بأنا فاعلون بالضرورة و قد تركنا معارضات كثيرة .

ثم قال رحمه الله عن شخص غير منجم سماه الشعراني له إصابات عظيمة بعضها وقعت بحضوره من إخباره بالغائبات فقال كان لنا صديق يقول أبدا من أدل دليل على بطلان علم النجوم إصابة الشعراني و الجواب : إن الذين يذهبون إلى أن الولادة في وقت معين دالة من طوالع النجوم فيقولون إن طالع هذا الشعراني اقتضى تعريف الله تعالى له بهذه الإصابات و هم يجعلون هذا من حججهم إن النجوم دلالات من آيات فاطر الأرضين و السماوات و لو كان هذا الشعراني يصيب من مجرد عقله لاشترك في إصابته كل من له عقل مثله و خاصة كان يلزم ذلك من يقول إن العقول متساوية و حكى مجلسا جرى له مع منجم ذكر نحو ما ذكرناه ثم اعترض عليه بأن قال و إذا كانت الإصابة بالمواليد فالنظر في علم النجوم عبث و تعب لا يحتاج إليه و الجواب أن يقال له رحمه الله إذا كانت الإصابة في
[50]
أحكام النجوم بالمواليد على شروط تعلم الطريق و قد دلت الولادة على تعلمها لمن كانت ولادته مقتضية لذلك فكيف يقال مع هذا أن النظر في علم النجوم عبث و تعب لا يحتاج إليه و أين حجته فيما ذكره و اعتمد عليه .

الصورة الرمزية النّجف الأشرف
النّجف الأشرف
عضو
°°°
افتراضي
معجزات الأنبياء (عليهم السلام) إخبارهم بالغيوب فكيف يقدر عليها غيرهم ؟
=================
ثم قال رحمه الله ما معناه : أن معجزات الأنبياء (عليهم السلام) إخبارهم بالغيوب فكيف يقدر عليها غيرهم فيصير ذلك مانعا من أن يكون معجزا لهم ؟

و الجواب : إنا نقول هذا قول من بعد ما شهده من الشعراني من أنه كان يخبر بالغيوب و أنه شاهد ذلك منه فمهما أجاب به عن الشعراني في أن إخباره بالغائبات لا يقدح بالمعجزات فهو جواب المنجمين فأما قوله كيف يقدر عليها غيرهم فالجواب عنه إذا كان الله جل جلاله هو الذي جعل النجوم دلالات و كانت من معجزات إدريس (عليه السلام) فجوابه عنه هو جوابه عن الأنبياء و يقال له إن الأنبياء ادعوا تصديق الله جل جلاله لهم بالمعجزات فصدقهم تعالى مع حكمته و عدله فلا يشبه ذلك منجم لا يدعي لقوله تصديقا و ينسب دلالة النجوم إلى الله تعالى .

و قد وجدنا في التواريخ كثيرا من المسلمين و المعتبرين ذكروا في معجزات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبار سطيح و غيره من الكهنة و المنجمين بغائبات أخبروا بها و وقعت و لم يكن ذلك قادحا في معجزات الأنبياء فيما أخبروا به من الغائبات لأجل اختلاف الأنبياء و الكهنة في صفات تعريفهم بالغائبات و الحادثات لأن الأنبياء يخبرون
[51]
بالغيب من غير سبب من البشر و غيرهم يخبر بأسباب من توصله بالبشر .

و ذكروا أيضا من أخبار الجن و التوابع لجماعة من الجاهلية و المسلمين بغائبات ما لو أردنا ذكرها بلغنا حد الإطالة بل فيها ما جعله جماعة من المسلمين معجزة لصاحب النبوة حيث أخبرت الجن بنبوته و أسلم ذلك الذي أخبروه برسالته و لم يكن ذلك الإخبار بالغيوب قادحا في معجزات الأنبياء (عليهم السلام) .

و لو لم يكن إلا ما يأتي في المنامات التي لا يليق جحودها و لا يحسن إنكارها بشي‏ء من المكابرات و لم يقدح ذلك في معجزات الأنبياء بتعريف الغائبات فلدلالة النجوم أسوة بهذه الدلالات و أين تعريف الأنبياء بالحادثات من تعريف المنجمين و غيرهم من سائر المخبرين لأن أخبار الأنبياء كما ذكرنا من حيلة و لا توصل منهم و لا خطأ و لا غلط أبدا صدر عنهم و ستأتي في تضاعيف هذا الكتاب أيضا زيادة دلالات في الفرق بين الأنبياء و بين المنجمين و غيرهم في تعريفهم بالغائبات و لقد تعجبت كيف اشتبه الأمر بينهما على ذوي البصائر و العارفين بالدلالات .

ثم ذكر المرتضى رحمه الله على عادته في كثير من مسائله و جوابهما إن الإجماع عليه و قد قدمنا قول شيخه المفيد بخلاف ما اعتمد المرتضى عليه فإنه قال فيه مذهب جمهور متكلمي أهل العدل و إليه ذهب بنو نوبخت من الإمامية و أبو القاسم و أبو علي من المعتزلة فكيف يقول إن الإجماع عليه و هذا قول شيخه المفيد رحمه الله كما تراه ممن ذكرهم على
[52]
القول بخلافه و سوف نذكر أيضا من علماء المنجمين و من علماء المسلمين و علماء العقلاء من الماضين و الباقين و استعمالهم لذلك أجمعين ما يقتضي أن الإجماع على خلاف السيد المرتضى مما لم نذكر قوله فيه شفقة عليه .

و قد وجدت في عدة كتب روينا بعضها : أن المرتضى رحمه الله أخذ غيره طالعه و عملت زائجته و أن طالعه الجوزاء و أن ولده الآخر المسمى بمحمد و المكنى بأبي جعفر أخذ طالعه و عملت زائجته فكان بالأسد و في رواية أخرى أن طالعه بالعقرب و وجدت أيضا أن أخاه الرضي رحمه الله أخذ طالعه و عملت زائجته فكان طالعه بالجوزاء و أن ولد الرضي المسمى بعدنان أخذ طالعه و عملت زائجته فكان طالعه بالميزان و في رواية أخرى بالجوزاء فمن ذكر ذلك بعض ولد السيد المرتضى في كتاب ديوان النسب و في كتاب عندنا عتيق يتضمن طوالع خلق عظيم من الخلفاء و الوزراء و الملوك و الفقهاء و العلماء .

أقول فهل يقبل العقل أن طالع المرتضى و أخيه الرضي رحمهما الله أخذا بغير علم والدهما المعظم الذي لا يطعنان عليه و هل يكون طوالع أولادهما أخذت و حضر الراصدون عند نسائهم وقت ولادتهن بغير علم من المرتضى و الرضي و عملت زوائجهم و هما منكران لذلك فلا ريب أن استعمال الأعمال أرجح من إنكارها بالأقوال و هو مما ينبه أن النجوم عندهم دلالات و أمارات و أنها مستعملة و مباحات على اختلاف الأوقات .

ثم قال المرتضى ما هذا لفظ ما وقفنا عليه : و أما إصابتهم
[53]
بالإخبار عن الكسوفات و ما مضى في أثناء المسألة من طلب الفرق بين ذلك و بين سائرها يخبرون به من تأثير الكواكب في أجسامنا فالفرق بين الأمرين أن الكسوفات و اقترانات الكواكب و انفصالها طريقة الحساب و تسيير الكواكب و له أصول صحيحة و قواعد سديدة و ليس كذلك ما يدعونه من تأثيرات الكواكب الخير و الشر و النفع و الضر و لو لم يكن الفرق بين الأمرين إلا الإصابة الدائمة المتصلة في الكسوفات و ما يجري مجراها و لا يكاد يقع فيها خطأ البتة فإنما الخطأ المعهود الدائم إنما هو في الأحكام الباقية حتى أن الصواب هو العزيز فيها و ما لعله يتفق فيها من إصابة فقد يتفق من المخمنين أكثر منه فحمل الأمرين على الآخرين قلة دين و حياء هذا آخر لفظ الجواب منه رحمه الله و الجواب أنه قد اعترف بصحة ما استند إلى الحساب من الكسوفات و غيرها مما يجري مجراها و هذه موافقة واضحة لما دللنا عليه و اعتراف بصحة ما ذهبنا إليه و نحن ما نخالف أن الصحيح من دلالات النجوم ما دل عليه حساب العلماء منهم دون ما يقال عنهم بتجربة أو تخمين و يكفي تصديقه أن اقترانات الكواكب و انفصالاتها و تسييراتها له أصول صحيحة و قواعد سديدة فإذن قد ظهر اتفاق من قد ذكرناه من العلماء من أصحابنا المعظمين تغمدهم الله جل جلاله بالرحمات على ما حررناه و نحرره في النجوم بالحساب و أنها دلالات على الحادثات واضحات .

[54]
قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) علي أقضاكم
و وجدت في مجلد كبير فيه مسائل و تصانيف للمفيد و المرتضى قدس الله روحيهما أول مسألة منه في قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) علي أقضاكم .

و فيه جواب جملة من مسائل المرتضى و قد أجاز و أورد الدلالة بالسمع على أن النجوم دلائل على الحادثات ثم ذكر ما هذا لفظ ما وقفنا عليه : و على هذه الطريقة قلنا إن الذي جاء بعلم النجوم من الأنبياء هو إدريس (عليه السلام) و إنما علم من جهته على الحد الذي ذكرناه و اعلم أنا لا نجوز كونها دلالة إلا على هذا الوجه فقط لأن النبي إنما يدل على هذا الحد على الوجه الذي يدل الدليل العقلي عليه و قد بينا العذر في النجوم فلم يبق إلا ما ذكرناه و القطع على أن كيفية دلالتها معلوم إلا أنه الآن غير ممكن لأن شريعة إدريس و ما علم من قبله كالمندرس فلا يعلم الحال فيه فإن كان بعض تلك العلوم قد بقي محفوظا عند قوم تناقلوه و تداولوه لم نمنع أن يكون معلوما لهم إذا اتصل التواتر و إذا لم يكن كذلك لم نمنع أن يكون العلم و إن بطل و زال يمكن أن تكون آيات تقتضي غالب الظن عند كثير منهم و هذا هو الأقرب فيما تمسك به أهل النجوم لأنهم إذا تدبرت أحوالهم وجدتهم غير واثقين بما يتقدم أحدهم في ذلك العلم كتقدم الطبيب في الطب المبني على الأمارات التي يقتضيها التجارب و غالب الظن كذلك القول في علم النجوم إلا في أمور مخصوصة يمكن أن تعلم بضروب من الأخبار أقول هذا كما تراه تأييد لما دللنا عليه و تشييد فيما أشرنا إليه و دافع لما يحكى عنه فيما يخالف معناه و شاهد أن إنكاره إنما هو أن تكون النجوم علة موجبة أو فاعلة مختارة أو مؤثرة بأنفسها كما
[55]
أبطلنا الذي أبطله من هذا و أوضحناه و معاذ الله أنه كان يستمر على ذلك السيد الفاضل إنكاره لما هو معلوم من صحة دلالات النجوم في أصل الأمر كما روينا و ذكرناه هاهنا .

و قد وقفت بعد جميع ما ذكرته من مسألة سلار للسيد المرتضى قدس الله روحيهما و ما أجبت و اعتذرت له على تعليقه بخط الصفي محمد بن معد الموسوي رضي الله عنه في مجلد عندنا الآن فيه عدة مصنفات أكثرها بخطه و أول المجلد كتاب العلل تأليف أبي الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمي (رهـ) فقال في تعليقه ما هذا لفظه : و كان يقرأ على المرتضى علوم كثيرة منها النجوم و حكى أن في بعض السنين أصاب الناس قحط شديد و أن رجلا يهوديا توصل في تحصيل قوت يحفظ به نفسه فحضر مجلس المرتضى ليقرأ عليه النجوم فاستأذن فأذن له فأجرى له في كل يوم جرابة فقرأ عليه برهة و أسلم بعد ذلك .

أقول هذا يقتضي أن المرتضى قدس الله روحه كان اعتقاده على ما ذكره في آخر جوابه لسلار (رهـ) من التصديق بما يقتضيه الحساب من علم النجوم و أنه صحيح و له أصول صحيحة و قواعد سديدة و أنه قد كان عالما بهذا العلم و قائلا بصحته و مفتيا بصواب التعلم له و إنما كان ينكر ما أنكرناه من أن تكون النجوم علة موجبة أو فاعلة مختارة و مؤثرة و إنما هي دلالات على الحادثات كما قال الحمصي و غيره و قلناه .

و قد استظرفنا ما أظفرنا الله تعالى به من أن السيد المرتضى كان منجما و أستاذا في علم النجوم و معاذ الله أن يكون منكرا لما يشهد العقل و النقل بصحته من سائر العلوم .

[56]
يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس : و قد تضمنت خطبة الأشباح المذكورة في نهج البلاغة المروية عن مسعدة بن صدقة عن الصادق (عليه السلام) عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) التي ما يحتاج لفظها الباهر و معناها الظاهر إلى إسناد متواتر بل هي شاهدة لنفسها أنها من كلام مولانا (عليه السلام) و من شريف أنفاسه المكملة في قدسها ما يقتضي تصديق ما رويناه من علمه بالنجوم و تصديق ما ذكرناه عن الذين قولهم حجة في العلوم فقال (عليه السلام) في صفة السماء و جعل شمسها آية مبصرة لنهارها و قمرها آية ممحوة من ليلها و أجراها في مناقل مجراهما و قدر مسيرهما في مدارج درجهما ليميز بين الليل و النهار و يعلم عدد السنين و الحساب بمقاديرهما ثم علق في جوفهما فلكها و ناط به رتقها من خفيات دراريها و مصابيح كواكبها و رمى مسترق السمع بثواقب شهبها و أجراها على إدلال تسجرها من إثبات ثابتها و مسير سائرها و هبوطها و صعودها و نحوسها و سعودها .

أقول فانظر إلى قوله (عليه السلام) و نحوسها و سعودها فإنك تعرف منه تصديق دلالة النجوم في النحوس و السعود و لو كانت النجوم مخلوقة في السماء على السواء و ليس فيها دلالة على الأشياء ما كان لوصفها بالسعود و النحوس معنى عند العقلاء و أقول و فيها إشارات و تنبيهات منها وصف السماء بالضوء و تخوف الساعة التي من سار فيها حاق به السوء .

فأما ما روي أنه (عليه السلام) عارضه منجم في سفر النهروان
[57]
و قال له لا : يصلح لك الركوب في هذا الوقت فقال له (عليه السلام) من صدقك بهذا فقد كذب القرآن و استغنى عن الاستعانة بالله في نيل المحبوب و دفع المكروه و ينبغي في قولك للعامل بأمرك أن يوليك الحمد دون ريبة فإنك بزعمك هديته إلى الساعة التي فيها النفع و دفع الضرر ثم أقبل على الناس فقال أيها الناس إياكم و تعلم النجوم إلا ما يهتدى به في بر أو بحر فإنها تدعو إلى الكهانة و المنجم كالكاهن و الساحر في النار سيروا على اسم الله فأقول بالله جل جلاله و لله إني رأيت فيما وقفت عليه في كتاب عيون الجواهر تأليف أبي جعفر محمد بن بابويه رضوان الله عليه حديث المنجم الذي عرض لمولانا علي (عليه السلام) عند مسيره للنهروان مسندا و في رجال روايته من لا يليق في منزلته العمل به و الالتفات إليه فقال ما هذا لفظه :

حدثني محمد بن علي بن ماجيلويه رضي الله عنه قال حدثني محمد بن أبي القاسم عن محمد بن علي القرشي عن نصر بن مزاحم المنقري عن عمر بن سعد عن يوسف بن يزيد عن مينا عن وجز بن الأحمر قال : لما أراد أمير المؤمنين المسير إلى النهروان أتاه منجم ثم ذكر حديثه .

أقول في هذا الحديث عدة رجال لا يعول علماء أهل البيت على روايتهم .

و يمنع من يجوز العمل بأخبار الآحاد من العمل بأخبارهم و شهادتهم منهم عمر بن سعد بن سعد بن أبي وقاص قاتل الحسين (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن أخباره و رواياته مهجورة و لا يلتفت عارف بحاله إلى ما يرويه أو يسند إليه و قد أورد ابن بابويه رحمه الله أخبارا في هذه الطرق و طعن فيها و ظهر
[58]
منه أن المقصود بروايتها غير العمل بها و كان هذا الإسناد و هذا الطعن مغنيا عن زيادة عليه و لكنا نستظهر في تفصيل الجواب فأقول بالله و لله جل جلاله إنني رأيت فيما وقفت عليه أيضا أن المنجم الذي قال لمولانا علي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو عفيف بن قيس أخو الأشعث بن قيس ذكر ذلك المبرد و أعلم أنه لو كانت هذه الرواية صحيحة على ظاهرها لكان مولانا علي (عليه السلام) قد حكم في هذا على صاحبه الذي قد شهد مصنف نهج البلاغة أنه من أصحابه أيضا بأحكام الكفار إما بكونه مرتدا من الفطرة فيقتله في الحال أو برده إن كان عن غير الفطرة و يتوبه أو يمتنع فيقتله .

لأن الرواية قد تضمنت أن المنجم كالكافر أو كان يجري عليه أحكام الكهنة و السحرة لأن الرواية تضمنت أنه كالكاهن و الساحر و ما عرفنا إلى وقتنا هذا أنه (عليه السلام) حكم على هذا المنجم صاحبه بأحكام الكفار و لا السحرة و لا الكهنة و لا أبعده و لا عزره بل قال سيروا على اسم الله تعالى و المنجم من جملتهم لأنه صاحبه و هذا يدلك على تباعد الرواية من صحة النقل أو يكون لها تأويل على غير ظاهرها موافق للعقل .

و نحن نذكر فيما بعد حديث المنجم الذي عرض لمولانا (عليه السلام) : أنه من دهاقين المدائن لما توجه إلى الخوارج و أنه لما ظهر له منه (عليه السلام) المعرفة بعلم النجوم التي لم يدركها أهل العلوم أسلم الدهقان و صار من أصحابه و هي موافقة لما ذكرنا من الحجج المعقول و المنقول و معارضة لهذه الرواية البعيدة من كلامه الباهر للعقول .

[59]
و مما نذكره من التنبيه على بطلان ظاهر هذه الرواية بتحريم علم النجوم .

قول مولانا علي (عليه السلام) من صدقك فقد كذب القرآن و استغنى عن الاستعانة بالله .

فيعلم منه أن الطلائع في الحروب يدلون على السلامة من هجوم الجيوش و كثير من النحوس و يبشرون بالسلامة و ما لزم من ذلك ابتغاء أن يوليهم الحمد على دربتهم و أمثال ذلك كثير فيكون لدلالة النجوم أسوة بما ذكرناه من الدلالات على كل معلوم يقول أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس مصنف هذا الكتاب فأين هذه الرواية الضعيفة من احتجاجات مولانا علي (عليه السلام) الشريفة التي يضيق مجال الاعتراض عليها و تقصر علوم العلماء غير النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الاهتداء إليها .

و من التنبيه المظنون على بطلان ظاهر هذه الرواية أنا وجدنا في الدعوات الكثيرة التعوذ من الكهانة و السحر فلو كان المنجم مثلهم كان قد تضمن بعض الأدعية التعوذ منه و ما عرفنا في الأدعية تعوذا من المنجم إلى وقتنا هذا .

و من التنبيه المظنون على بطلان ظاهر هذه الرواية أن الدعوات تضمن كثير منها و من غيرها في صفات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه لم يكن كاهنا و لا ساحرا و ما وجدنا إلى الآن فيها و ما كان عالما بالنجوم فلو كان المنجم كالكاهن و الساحر ما كان يبعد أن تتضمنه بعض الدعوات و الروايات في ذكر الصفات و يكفي ما ذكرنا أولا من الاعتراضات و الدلالات لأهل الديانات
[60]

الصورة الرمزية النّجف الأشرف
النّجف الأشرف
عضو
°°°
افتراضي
الباب الثاني فيما نذكره من الرد على من زعم أن النجوم علة موجبة أو فاعلة مختارة
أقول قد قدمت في خطبة هذا الكتاب من التنبيه على الصواب و من الجواب ما يكفي عند ذوي الألباب و أنا أزيده تفصيلا فأقول لو كانت الأفلاك و الشمس و القمر و النجوم عللا موجبات و أن كلما في العالم صادر عنها من سائر الموجودات كان قد استحال أن يوجد في العالم حيوان مختار و قد علمنا بالضرورة و البديهة عند ذوي الاعتبار أن الإنسان فاعل مختار بل علمنا كثيرا من الحيوانات أنها مختارة لأن العلل و المعلولات تضاد الأفعال المختارات و لأنا وجدنا اختيارات الحيوانات مختارات في المرادات فلو كانت صادرة عن مختار باختيار غير قادر على غيره ما أمكن وقوع الحيوانات المختلفة الاختيارات فثبت أنها صادرة عن مختار لذاته قادر على كل اختيار يقدر أن يصدر عنه .

و قال الشيخ الفقيه العالم الفاضل العارف بعلم النجوم المصنف بها عدة مصنفات أبو الفتح محمد بن عثمان الكراجكي رحمه الله في كتاب كنز الفوائد في الرد على من قال إن الشمس و القمر و النجوم علل موجبات ما هذا لفظه : اعلم أنهم سئلوا عن مسألة حيرتهم و أظهرت
[61]
عجزهم و أخرستهم فقيل لهم إذ كان سائر ما في العالم من النفع و الضرر و الخير و الشر و جميع أفعال الخلق و الشمس و القمر و النجوم واجبة و هي علته و سببه و ليس داخل الفلك غير ما أثرت و لا فعل لأحد يخرج به عما أوجبت فما الحاجة إلى الاطلاع على الأحكام و أخذ الطوالع عند المواليد و عمل الزوائج و تحويل السنين قالوا الحاجة إلى ذلك حصول العلم بما سيكون من حوادث السعود و النحوس قيل لهم و ما المنفعة بحصول هذا العلم فإن الإنسان لا يقدر أن يزيد فيه سعدا و لا ينقص منه نحسا مما أوجبه مولده فهو كائن لا مغير له فمنهم من استمر على طريقه و بنى على أصله فقال ليس في ذلك أكثر من فضيلة العلم بالحادثات قبل كونها فقيل له ما هذه الفضيلة المدعاة في علم لا ينال به مكتسبه نفعا و لا يدفع به عن نفسه و لا عن غيره ضرا و ما هذا العناء في اكتساب ما لا ثمر له و الجاهل به كالعالم في عدم المنفعة منه و سئلوا أيضا عن هذا الاكتساب و سببه و هل الفلك موجبة أو غير موجبة فلم يرد منهم ما يتشبث العاقل به و منهم من تعذر عليه عند توجه الإلزام فأنزله الإحجام درجة عن قول أصحاب الأحكام فقال بل للعلم تأثير في اكتساب نفع كثير و هو أن يتعجل الإنسان بالسعادة و يتأهب لها فيكون في ذلك مادة فيها و يتحرز من النحاسة و يتوفاها فيكون بذلك دفعا لها أو نقصا منها فقيل له ما الفرق بينك و بين من عكس عليك قولك فقال بل المضرة باكتساب هذا العلم حاصلة و الأذية إلى معتقده واصلة و ذلك أن متوقع السعادة و المسارة معه قلق
[62]
المتوقع و حرقه الانتظار ففكره متقسم و قلبه معذب يستعيد قرب الساعات و يستطيل قير الأوقات شوقا إلى ما يرد و تطلعا إلى ما وعد و في ذلك ما يقطعه عن منافعه و يقصر به عن حركاته في مطامعه اتكالا على ما يأتيه و تعويلا على ما يصل إليه و ربما أخلف الوعد و تأخر السعد فليست جميع أحكامكم تصيب و لا الغلط منكم بعجيب فتصير المضرة حسرة و المنفعة مضرة فأما متوقع المنحسة فلا شك أنه قد تعجلها لشدة رعبه بقدومها و عظم هلعه بهجومها فهو لا ينصرف بفكره عنها فيجعلها أكبر منها فحياته منغصة و نفسه متغصصة و قلبه عليل و تغممه طويل لا يهنيه أكل و لا شرب و لا يسليه عذل و لا عتب ضعيف النبضات فاتر الحركات إذا احترز لا ينفع و ربما كان احترازه لا ينتفع فهذا القول أشبه بالحق مما ذكرتم و هو شاهد يلزمكم الإقرار به إن أنصفتم و نحن الآن نعترف في مقابلتكم به و لا نطالبكم بشي‏ء من موجبة و نعود إلى دعواكم التي ذكرتموها فنقول سائلين لكم عنها أخبرونا عن هذه المسرة التي تحصل للعالم و التأهب الزائد في السعد الواصل و عن هذا الاحتراز من المنحسة و التأني من المضرة و المهلكة هل جميع ذلك مما توجبه و تقضي به الكواكب أم هو عن أحكامها خارج مضاف في الحقيقة إلى اختيار الحي القادر فرأوا أنهم إن قالوا مما توجبه الكواكب و تقضي بكونه أحكام الفلك في العالم قيل لهم فيكون ذلك سواء اطلع الإنسان على أحكام النجوم أم لم يطلع و سواء عليه اهتم لمولده و تحويل سنته أم لم يهتم فعرجوا عن هذا و قالوا إن أفعالنا
[63]
منفصلة عما يوجبه الفلك فينا فتصح بذلك الزيادة و النقص الذي قلنا قيل لهم لقد نقضتم أصولكم و خرجتم عن قوانين علمائكم فيما أقررتم به من جواز أفعال يحيط بها الفلك ليست حادثة من جهته و لا من تأثير كواكبه و ما نراكم قنعتم بهذا الإقرار حتى جعلتم الأفعال البشرية واقعة لما توجب إلا قضية النجومية و مانعة مما تؤثر الحركات الفلكية بقولكم أن الإنسان يمكن أن يحترز من المنحسة فيدفعها أو ينقص منها ما سلطته لها فلو لا أن فعله أقوى و احترازه أمضى لم يرفع عن نفسه سوءا ثم سئلوا أيضا فقيل لهم إذا سلمتم أن أفعال العباد مختصة بهم و ليست مما توجبه النجوم فيهم و أنتم مع هذا تقولون للإنسان أحذر على مالك من طروق سارق فقد أقررتم أن حذره من تأثير المختص به فأخبرونا الآن عن طروق السارق و ما الموجب له فإن قلتم النجوم رجعتم عما أعطيتم و رددتم إليها أفعال العباد و نافيتم و إن قلتم إن طروق السارق مختص به و لا موجب له غير اختياره أجبتم بالصواب و قيل لكم فما نرى للنجوم تأثيرا في هذا الباب و اعلم أيدك الله أنهم لم يبق لهم ملجأ إلا أن ينزلوا عن قول أصحابهم درجة أخرى فيقولون إن النجوم دالة و ليست بفاعلة و علامة غير ملجئة فإذا قالوا ذلك انصرفوا عمن يقول إنها موجبة قادرة و أبطلوا دعواهم أنها مدبرة و قيل لهم أ فتقولون كل أمر تدل عليه فإنه سيكون لا محالة فإن قالوا نعم نقضوا ما تقدم و إن قالوا قد يجوز أن يحرم تداولها و يحرم ما دلالته عليه مهما لم تبق بعد هذا درجة ينتهون إليها و اقتصروا على مقالة لا يضرك
[64]
مناقشتهم فيها و أنا أخبرك بعد هذا بطرق من بطلان أفعالهم و نكت من إفساد استدلالهم و الأغلاط التي تمت عليهم فاتخذوها أصولا لأحكامهم اعلم أن تسمية البروج الاثني عشر بالحمل و الثور و الجوزاء إلى آخرها لا أصل لها و لا حقيقة و إنما وضعها الراصدون لهم متعارفا بينهم و كذلك جميع الصور التي عن جنبي منطقة البروج الاثني عشر و غيرها و الجميع ثمان و أربعون صورة عندهم مشهورة و علماؤهم معترفون بأن ترتيب هذه الصور و تشبيهها و قسمة الكواكب عليها و تسميتها صنعه متقدموهم و وضعه حذاقهم الراصدون لها و قد ذكر أبو الحسين عبد الرحمن بن عمر الصوفي ذلك و هو من جلتهم و له مصنفات لم يعمل مثلها في علمهم و قد بينه في الجزء الأول من كتابه المعمول في الصور و قد ذكر رصد الأوائل منهم الكواكب و أنهم رتبوها في المقادير و العظم لست مراتب و بين أنهم الفاعلون لذلك ما أنا مبينه على حقيقة و ناقله من كتابه و هو أنهم وجدوا من هذه الكواكب التي رصدوها تسعمائة و سبعة عشر كوكبا ينتظم منها ثمان و أربعون صورة كل صورة تشتمل على كواكبها و هي الصور التي أثبتها بطليموس في كتابه المجسطي بعضها في النصف الشمالي من الكرة و بعضها على منطقة البروج التي في طريقه الشمس و القمر و الكواكب السريعة السير و بعضها في النصف الجنوبي ثم سموا كل صورة باسم الشي‏ء المشبه لها بعضها على صورة الإنسان مثل كواكب الجوزاء و كواكب
[65]
الجاثي على ركبتيه و بعضها على صورة الحيوانات البرية و البحرية مثل الحمل و الثور و السرطان و الأسد و العقرب و الحوت و الدب الأكبر و الدب الأصغر و بعضها خارج من شبه الإنسان و سائر الحيوانات مثل الإكليل و الميزان و السفينة و ليس ترتيبهم لها و تسميتهم إياها و ما فعلوه فيها لدليل و ذكر عذرهم في ذلك فقال و إنما أنهوا هذه الصور و سموها بأسمائها و ذكروا كوكبا من كل صورة ليكون لكل كوكب اسم يعرف به إذا أشاروا إليه و ذكروا موضعه من الصورة و موقعه في فلك البروج و مقدار عرضه في الشمال و الجنوب على الدائرة التي تمر بأوساط البروج لمعرفة أوقات الليل و النهار و الطالع في كل وقت و أشياء عظيمة المنفعة تعرف بمعرفة هذه الكواكب و هذا آخر الفصل من كلامه في هذا الموضع و هو دليل واضح على أن الصور و الأشكال و الأسماء و الألقاب ليست على سبيل الوجوب و الاستحقاق و إنما هي اصطلاح و اختيار و لو عزب عن ذلك إلى تشبيه آخر لأمكن و جاز ثم إنهم بعد هذا الحال جعلوا كثيرا من الأحكام مستخرجا من هذه الصور و الأشكال و منتسبا إلى الأسماء الموضوعة و الألقاب حتى أنهم على ما ذكروه على نحو واجب و دليل عقل ثابت فقالوا إن الحكم على الكسوف على ما حكاه ابن هبنتي عن بطليموس أنه إن كان البرج الذي يقع فيه الكسوف من ذوات الأجنحة
[66]
مثل العذراء و الرامي و الدجاجة و النسر الطائر و ما أشبهها فإن الحادث في الطير الذي يأكل الناس و إن كان الحيوان مثل السرطان و الدلفين فإن الحادث في الحيوانات البحرية أو النهرية و هذه فضيحة عظيمة و حال قبيحة أ فما يعلم هؤلاء القوم أنهم هم الذين جعلوا ذوات الأجنحة بأجنحة و الصور البحرية بحرية و أنهم لو لا ما فعلوه لم يكن شي‏ء مما ذكروه فكيف صارت أفعالهم التي ابتدعوها و تشبيهاتهم التي وضعوها موجبة لأن يكون حكم الكسوف مستخرجا منها و صادرا عنها و هذا يؤدي إلى أنهم المدبرون للعالم و أن أفعالهم سبب لما توجبه الكواكب .

و لم يقنع ابن هبنتي بهذه الجملة حتى قال في كتابه المعروف بالمغني و هو كتاب نفيس عندهم قد جمع فيه عيون أقوال علمائهم و ذوي الفضيلة منهم رأيته بدار العلم في القاهرة بخط مصنفه قال فيه : إن وقع الكسوف في المثلث في أي الدرج التي تحتوي عليه دل ذلك على فساد أصحاب الهندسة و العلوم اللطيفة و هذا المثلث أيدك الله هو من كواكب على شكل مثلث لأن في السماء عدة مثلثات و مربعات مما هو داخل في الصورة التي ألفوها و خارج عنها فكيف صار الحكم مختصا هذا دونها و ما نرى العلة فيه إلا تسميتهم له بذلك فكان سببا لوقوع أهل الهندسة في المهالك قال ابن هبنتي و إن كان الكسوف في الكأس دل على فساد الأشربة و هذا أعجب من الأول و ذلك أن الكأس عندهم من سبعة كواكب شبهوها بالكأس و بالباطية أيضا فإن كان الحكم الذي ذكروه إنما
[67]
اختص بذلك من أجل التشبيه و التسمية فإن هذه الكواكب بأعيانها قد شبهتها بالمعلف و سميتها بهذا الاسم فكيف صار تشبيه المنجمين و تسميتهم لها بالكأس أولى من أن يكون تشبيه العرب لها بالمعلف و تسميتهم لها بهذا الاسم موجبا لانصراف الحكم فيها إلى الدواب اللهم إلا أن يقولوا إن المعول على تشبيهها للمنجمين دونهم فلا اعتراض قال ابن هبنتي و قد شاهدنا بعض الحذاق من أهل هذه الصناعة قد نظر في مولد إنسان من الأصاغر فوجد النسر الطائر في درجة وسط السماء فقال يكون بإزاء دار الملك و زعم أن الأمر كما ذكر و هذا يؤكد ما ذكرناه من تعويلهم على الأسماء و الصور المعروفة من اصطلاح البشر .

و قد أطلعت أنا في مولد فوجدت فيه الكواكب التي يقولون إنها النسر الطائر في وسط السماء فلم يدل من حال صاحبه على نظيرها قال ابن هبنتي : و كان هذا الرجل فقيرا فأثري و لم أره قط إلا ماقتا لأنواع الطير غير معتبر لشي‏ء منها في حالتي الفقر و الغنى فإن صدق ابن هبنتي فيما ذكر فما هو إلا عن شي‏ء لا أصل له يصح بعضه فيوافق الظنون و يبطل بعضه فلا يكون فإن كان اختلافه في حال لا يدل على بطلان حكمهم فاتفاقه في حال أخرى لا يدل على صحة حكمهم و جزمهم و من هذيانهم أيضا الموجود في عيون كتبهم و المأثور من أحكامهم قولهم إن الحمل و الثور يدلان على الوحوش و كل ذي ظلف و الجدي مشترك بينهما و الأسد و النصف الأول من القوس يدلان على كل ذي ناب
[68]
و مخلب و إنما ذكروا نصف القوس لأن صورته التي ألفوها و شبهوها صورة دابة و إنسان فجعلوا النصف الأول للوحوش و النصف الآخر للناس قالوا و السرطان و العقرب يدلان على حشرات الأرض و الثور للغرس و السنبلة للبذر و هذا كله قياس على الصور و الأسماء التي لم يوجبها العقل و لا أتاهم بها خبر من الله تعالى في شي‏ء من النقل و إنما هو من اختيارهم و قد كان يمكن غيره و يجوز خلافه و تركه قالوا و من يولد برأس الأسد يكون فتن الغم فمن شبه تلك الكواكب بصورة الأسد غيركم و من سماها بهذا الاسم سواكم و كيف لم تقولوا إنها الكلب أو تشبهوها بغير ذلك من دواب الأرض هذا أيدك الله و الصور عندهم لا تثبت في مواضعها و لا تستقر على إقامتها فصورة الحمل التي يقولون إنها أول البروج قد تنتقل إلى أن تصير البرج الثاني و يصير البرج الأول الحوت و هذا عندهم هو القول الصحيح لأن الكواكب عندهم كلها تتحرك إلى جهة المشرق بخلاف ما يتحرك بها الفلك و الخمسة المضافة إلى الشمس و القمر هي السريعة السير و حركاتها مختلفة في الإبطاء و السرعة و بقية الكواكب متحرك عندهم بحركة واحدة خفيفة بطيه و لخفاء حركتها سموها الثابتة و هي على رأي بطليموس و من قبله في كل مائة سنة تتحرك درجة واحدة و على رأي أصحاب سمين و من رصد في أيام المأمون و حسب في كل ست و ستين سنة درجة و الصوفي يقول في كتاب الصور إن مواضع هذه الصور التي كانت على منطقه فلك البروج كانت منذ
[69]
ثلاثة آلاف سنة على غير هذه الأجسام و إن صورة الحمل كانت في القسم الثاني عشر و صورة الثور كانت في القسم الأول و كان يسمى القسم الأول من البروج الثور و الثاني الجوزاء و الثالث السرطان و لما جددت الإرصاد في أيام طيموخارس وجدوا صورة الحمل قد انتقلت إلى القسم الأول من القسم الثاني عشر الذي هو بعد منطقة التقاطع فغيروا أسماءها فسموا القسم الأول الحمل و الثاني الثور و الثالث الجوزاء قال و لا يخالفنا أحد في أن هذه الصور تنتقل بحركاتها على مر الدهور من أماكنها حتى تصير صورة الحمل في القسم السابع الذي للميزان و الميزان في القسم الأول الذي هو للحمل فيسمى أول البروج الميزان و الثاني العقرب ثم مر في كلامه موضحا عما ذكرناه من تنقلها الموجب لتغير أسماء بروجها و هم مجمعون على أن الكوكبين المتقاربين المعروفين بالشرطين على قرني الحمل هما أول منازل القمر فيجب أن يكون أول البروج الاثني عشر و من امتحنهما في وقتنا هذا و هو سنة ثمان و عشرين و أربع مائة للهجرة الموافقة لسنة ألف و ثلاث مائة و ثمان و أربعين لذي القرنين وجد أحدهما في عشرين درجة من الحمل و الآخر في إحدى و عشرين منه أعني من البرج الأول و يعرف ما ذكرته من كانت له خبرة و عناية بهذا الأمر فأي برج من البروج الاثني عشر يبقى على صورة واحدة و كيف ثبت الحكم الأول بأنه دال على الوحوش و على كل ذي ظلف و قد انتقلت إليه أكبر صورة الحوت و كذلك حال جميع البروج فافهم هذا فإنه طريف .

[70]
و من عجيب غلطهم في الأسماء الدالة على عدم معرفتهم بمعانيها أنهم سمعوا العرب التي تسمي الكواكب التي عن جنوب التوأمين الجوزاء فلم يفهموا هذا الاسم و ظنوا أنه مشتق من الجوز الذي يؤكل فرأوا من الرأي أن يسموا النسر الواقع مع الكواكب الغربية من اللوز قياسا على الجوزاء و هذا من الغاية في الجهل و العناد و ليس تقوله إلا شيوخهم و مصنفو الكتب منهم و من اطلع في ذكرهم الصور الثمان و الأربعين وقف على صحة ما حكيته عنهم فهل سمع أحد قط بأعجب من هذا الأمر .

و إنما سمت العرب هذه الكواكب بالجوزاء لتوسطها إذا ارتفعت أو لأنها تشبه رجلا في وسطه منطقة فاشتقوا لها اسما من التوسط يقولون جوز الفلا يعنون وسطه و من قولهم الدال على فساد أحكامهم أن كل درجة من درج الفلك ستون دقيقة و كل دقيقة ستون ثانية و كل ثانية ستون ثالثة و هكذا إلى ما لا نهاية له و لكل جزء من هذه الأجزاء التي لم تنحصر حكم مختص به و لا ينضبط فكيف يصح الحكم على هذا الأصل و ليس في أيديهم إلا الجمل التي تفاضلها يختلف .

و قد ولد لي ولدان توأمان ليس بين ظهورهما من الفرق و الزمان بقدر ما يبين الأسطرلاب فاشتركا في درجة واحدة من طالع واحد في نصبه و لم يدرك فيهما التغيير و لو قلت إنهما اشتركا في الدقيقة لصدقت فلما رأيت ذلك قلت هذه حالة في الجملة قد اتفقت فيها النصبة و في غاية ما يمكن إدراكه بالآلة فإن الحكم على الحمل يوجب أن تكون حالة هذين المولودين متماثلة فلا و الله
[71]
ما تماثلت صورتهما و لا أحوالهما و لا صحتهما من سقمهما و لقد مات أحدهما بعد ولادته بأيام و مات الآخر و امتدت بعمره الأعوام أسأل الله السعد التام .

و لقد سألت بعضهم عن هذا الحال فقال لي النمودار يخرج لك الفرق بين المولودين فقلت له الذي عرفت من علمائكم أنهم لا يقولون على النمودار إلا عند عدم الرصد فمتى حصل الرصد أغني عنه و يوضح ذلك أنكم تقولون في عمل النمودار خذ ساعات الحزر و لا يكون الحزر إلا عند عدم الرصد و إذا كان الرصد هاهنا لم يخط الحقيقة و لا أتاه الفرق فبان بأن لا يعطيه النمودار بعد الرصد .

و قلت له أيضا : لست أشك في كثرة الاختلاف بينكم في كل أصل و فرع و على كل وجه فإنما يعمل النمودار بين الساعات سواء كانت عند رصد أو حزر و قد كانت ولادة هذين التوأمين في ساعة واحدة لم يصح فيها الفرق فما الحيلة في هذا الأمر فخلط في ذلك و لم يأت بشي‏ء يفهم .

و اعلم أيدك الله أن نمودار واليس يخالف نمودار بطليموس و نمودار الفرس يخالفهما جميعا و ليس في ذلك ما يتفق عليه و لا يؤدي إلى أمر متفق و لا يدل على صحة واحد منها العقل و جميعها دعاوي لا يعلم لها أصل و لو تتبعت مواضع اختلاطهم و ذكرت ما أعرفه من تناقض أصولهم المبطلة لأحكامهم لخرجت عن الغرض في الاختصار و فيما أوردته غنى عن الإكثار .

[72]
و أنا أذكر لك بعد هذا مقالتنا في النجوم و ما نعتقده فيها لتعرف الطريقة في ذلك فتعتمد عليها اعلم أيدك الله أن الشمس و القمر و النجوم أجناس محدثة من جنس هذا العالم مؤلفه من أجزاء تحلها الأعراض و ليست فاعلة في الحقيقة و لا ناطقة و لا حية قادرة و قال شيخنا المفيد رضوان الله عليه أنها أجسام نارية فأما حركاتها فهي فعل الله تعالى فيها و هو المحرك لها و هي من آيات الله الباهرة لخلقه و زينة في سمائه و فيها منافع لعباده لا تحصى و بها يهتدي السائرون برا و بحرا قال الله تعالى وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ و فيها للخلق مصالح لا يعلمها إلا الله تعالى فأما التأثير المنسوب إليها فإنا لا ندفع كون الشمس و القمر مؤثرين في العالم و نحن نعلم أن الأجسام و إن كان لا يؤثر أحدها بالآخر إلا مع مماسة بينهما بأنفسهما أو بواسطة فإن للشمس و القمر شعاعا متصلا بالأرض و ما عليها يقوم مقام المماسة و تصح به التأثيرات الحادثة و من ذا الذي ينكر تأثير الشمس و القمر و هو مشاهد و إن كان تأثير الشمس أظهر للحس و أبين من تأثير القمر في الأزمان و البلدان و النبات و الحيوان و أما غيرهما من الكواكب فلسنا نجد لها تأثيرا يحس و لا نقطع على وجوبه بالعقل و هو أيضا ليس من الممتنع المستحيل بل هو من الجائز في العقول لأن لها شعاعا متصلا في الأرض و إن كان من دون شعاع الشمس و القمر فغير منكر أن يكون لها تأثير خفي على الحس خارج عن أفعال الخلق فإن كان لها تأثير كما يقال فتأثيرها مع تأثير الشمس و القمر في الحقيقة من أفعال الله
[73]
تعالى و ليس يصح إضافته إليها إلا على وجه التوسع و التجوز كما نقول أحرقت النار و برد الثلج و قطع السيف و شج الحجر و كذلك قولنا أحمت الشمس الأرض و نفعت الزرع و في الحقيقة أن الله أحمى لها و نفع و مما يدل على أن الله تعالى يشغل شيئا بشي‏ء قوله سبحانه هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ و ليس فيما ذكرناه رجوع إلى قول أصحاب الأحكام و لا قول بما أنكرناه عليهم في متقدم الكلام لأنا أنكرنا عليهم إضافة تأثيرات الشمس و القمر إليهما من دون الله سبحانه و قطعهم على ما جوزناه من تأثيرات الكواكب بغير حجة عقلية و لا سمعية و إضافتهم إليها جميع الأفعال في الحقيقة مع دعواهم لها الحياة و القدرة و أنكرنا أن تكون الشمس أو القمر أو شي‏ء من الكواكب موجبا لشي‏ء من أفعالنا بشهادة العقل الصحيح فإن أفعالنا لو كانت مخترعة فينا أو كانت عن سبب أوجبها من غيرنا لم تصح بحسب قصودنا و إراداتنا و لا كان فرق بينها و بين جميع ما يفعل فينا من صحتنا و سقمنا و تأليف أجسامنا و حصول الفرق لكل دلالة على اختصاصها بنا و برهان واضح بأنها حدثت من قدرتنا و أنه لا سبب لها غير اختيارنا و أنكرنا عليهم قولهم أن الله تعالى لا يفعل في العالم فعلا إلا و الكواكب دالة عليه فإن كل شي‏ء يدل عليه لا بد من كونه و هذا باطل يثبت لها تأثيرا أو دلالة فإن الله أجرى تلك
[74]
العادة و ليس يستحيل منه تغير تلك العادة لما يراه من المصلحة و قد يصرف الله تعالى السوء عن عبده بدعوة و يزيد في أجله بصلة رحم أو صدقة فهذا الذي ثبتت لنا عليه الأدلة و هو الموافق للشريعة و ليس هو بملائم لما يدعيه المنجمون و الحمد لله و أنكرنا عليهم اعتمادهم في الأحكام على أصول مناقضة و دعاوي مظنونة متعارضة و ليس على شي‏ء منها بينة فإن كان لهذا العلم أصل صحيح على وجه يسوغ في العقل و يجوز فليس هو ما في أيديهم و لا من جملة دعاويهم و قد قال شيخنا المفيد رضوان الله عليه إن الاستدلال بحركات النجوم على كثير مما سيكون ليس يمتنع العقل منه و لا يمنع أن يكون الله عز و جل علمه بعض أنبيائه و جعله علما على صدقه هذا آخر ما ذكره الكراجكي رضوان الله عليه في كتابه و نعتقد أنه اعتمد عليه و قد قدمنا نحن فصلا منفردا حكينا فيه كلام الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان رضوان الله جل جلاله عليه في كتابه المسمى كتاب أوائل المقالات و نبهنا على ما فيه الموافقة لنا على أن النجوم يصح أن تكون دلالة على الحادثات و أنها من المعلوم المباحات .

يقول أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس مصنف هذا الكتاب و من أبلغ ما وقفت عليه في معارضة المنجمين في تصانيف متأخري علماء الأصحاب ما ذكره شيخ المتكلمين في زمانه محمود بن علي الحمصي رضوان الله عليه و هو ممن وصل العراق
[75]
للحج و ألزمه جدي ورام بن أبي فراس قدس الله روحه و نور ضريحه بالإقامة سنة و قرأ عليه و بالغ في الإحسان إليه و كلامه عندنا الآن في مجلد فيه مهمات مسائل قد سأله عنها جملة من الأعيان و عليها خطه رحمه الله بأنها قرأت عليه و قد اعترف أيضا بما يتعلق في النجوم من جهة الحساب و أنكر كون النجوم علة موجبة أو فاعلة مختارة أو مؤثرة كما قررناه سواء فقال في صحة حساب النجوم ما هذا لفضه : و أقول إنا لا نرد عليهم فيما يتعلق في الحساب من تسيير النجوم و اتصالاتها التي يذكرونها فإن ذلك مما لا يهمنا و لا هو مما يقابل بإنكار ورود أقول أنا فهذا منه رحمه الله بأن حسابها لا يقابل بإنكار ورود ثم قال لما انتهى إلى إبطال أن النجوم علة أو مختارة و ذكر وجوها صحيحة لكنها على طريقة المتكلمين في إطالة الألفاظ و التعقيد على السامعين و الذي ذكرناه في كتابنا هذا من إبطال كونها علة أو مختارة واضح للخواص و العوام قريب إلى الأفهام و زاد في إبطال كون النجوم علة ما معناه إن قال و يبطل بكل ما يبطل دعوى المجبرة بأننا غير مختارين و ذكر من جواباته هو و طرقه في أن النجوم ما هي علة موجبة و لا فاعلة مختارة ما لا حاجة إلى ذكره و الذي ذكرناه ما يحتاج إلى تعب عند العارفين ثم لما أبطل أحكام النجوم بكونها علة و مختارة سأل نفسه فقال ما هذا لفظه فإن قيل كيف تنكرون و قد علمنا أنهم يحكمون بالكسوف و الخسوف و رؤية الأهلة و يكون الأمر على ما يحكمون في ذلك و كذا يخبرون عن أمور مستقبلة تجري على الإنسان
[76]
فتجري تلك الأمور على ما أخبروا عنها فمع الوضوح للأمر الذي ذكرناه كيف تدفع الأحكام .
ثم قال رحمه الله في الجواب ما هذا لفظه قلنا إن إخبارهم في الكسوف و الخسوف و رؤية الأهلة ليس من باب الأحكام و إنما هو من باب الحساب لأنهم يعلمون من طريق الحساب أن الشمس متى يكون هذا باجتماعها مع القمر في موضع إحدى العقدتين الرأس و الذنب يرتفع هنالك العرض بينهما فتتوسط الأرض بينهما فينقطع نور الشمس عنه فيبقى بلا ضوء إذ هو يستمد الضوء و النور من الشمس و ذلك هو الخسوف و يعلمون من طريق الحساب أيضا مقدار أقل الإبعاد بين الشمس و القمر عند انصرافه عن المحاق الذي يكون القمر معه مرئيا و لا يكون بدونه مرئيا فيخبرون به و هذا من باب الحساب لا من باب الحكم إنما الحكم أن يقولوا إن كان كسوف أو خسوف كان من الحوادث كذا و كذا أقول لعل الشيخ العالم الحمصي رحمه الله اكتفى بهذا الكلام بما قدمناه و إلا فكيف يقول مثله مع فضله إن هذا ليس من هذا الباب و قد قال حكموا في حسابهم بالكسوف و الخسوف و رؤية الأهلة في وقت معين يصح الحكم بذلك و أما قوله إنما الحكم أن يقولوا إذا كان كسوف أو خسوف كان من الحوادث كذا و كذا فأقول إن هذا الذي ذكره يكون حكمه حكم الأول و فرعا عليه و كلاهما يسمى حكما عند الإنصاف مع أنهم يحكمون بحوادث عند الكسوف و الخسوف فلا أرى كلامه في هذا الباب متناسبا لما كان عليه من العلوم المشهورة بين ذوي الألباب

[77]
إلا أن يكون له كلام و لم نره و ما ذكرناه هاهنا فليس بصواب ثم قال الحمصي رحمه الله ما هذا لفظه فأما الأمور المستقبلة التي يخبرون عنها فأكثرها لا يقع على ما يقولون منها و إنما يقع قليل منه بالاتفاق و مثل ذلك يقع لأصحاب الفأل و الزجر الذين لا يعرفون النجوم بل للعجائز اللاتي يتناقلن بالأحجار و الذي قد يخبر به المصروع و كثير من ناقصي العقول عن أشياء فيتفق وقوع ما يخبرون عنه أقول و هذا أيضا يستحيل أن يكون ذكره معتقدا أنه كاف في الرد عليهم لأن المنجمين من معلوم حالهم أن الذي يخبرون عنه في المستقبل إنما هو بالحساب على نحو الطريق الواجبة في الكسوف و الخسوف فكيف ينسب بعضها إلى التحقيق و الوفاق و بعضها إلى الاتفاق كما يتفق للمصروع و للناقصي العقول و هذا ما لا يرتضي من يعرفه أن ينسب إليه و لعله رحمه الله قاله لعذر أو غلط ناسخه و قد تقدم فيما حكيناه عن كتاب الإهليلجة عن مولانا الصادق (عليه السلام) أن علم النجوم يستحيل أن يكون عن تجربة أو عادة و لا يصح أن يكون تعليمه من غير الله تعالى على لسان أنبيائه (عليهم السلام) .

و مما يدل على موافقته لنا و أن هذه المسألة ذكرها على نحو ما سأل السائل المرتضى رضي الله عنه في النجوم ما ذكره في الجزء الثاني من التعليق العراقي عند ذكره معجزات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بتعريفه بالغائبات فقال محمود بن علي بن الحسن الحمصي فيما يذكره مما يختص
[78]
بالنجوم و نذكره بلفظه فإن قيل أ ليس المنجم يخبر عن أمور فتوجد تلك الأمور على ما يخبر بها ثم قال في الجواب : قلنا المنجم يقول ما يقول و لا يخبر عما يخبر عنه إلا عن طريق و ذلك لأنه تعالى جعل اتصالات النجوم و حركاتها دلالات على ما يحدث فمن أحكم العلم بها أمكنه الوقوف عليها إما بعلم أو ظن و ليس هذا من الإخبار عن الغيوب و معلوم من حال رسولنا (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه ما كان تعلم من هذا العلم شيئا و لا أهم به و لا رأى كتبه قط يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس و هذا الذي ذكره الحمصي صورة ما حققناه و هذا كتاب التعليق العراقي صنفه أيام مقامه في خدمة جدي ورام بن أبي فراس قدس الله روحه ليكون بدلا عن صاحبه رضي الله عنه إذا توجه إلى وطنه في بلد العجم و سمعت من اعتمد عليه يقول إنه ما ذكر فيه إلا ما كان جدي معتقدا له و لذلك كلفني جدي ورام رضي الله عنه بحفظ هذا الكتاب المشار إليه فأما قول الحمصي رضي الله عنه و معلوم من حال رسولنا (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه ما كان تعلم شيئا فلعله بالتاء فوقها نقطتان فإن علمه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان من الله عز و جل و لعل الناسخ سقط من لفظه كلمة قبل تعلم من هذا العلم شيئا و هو قد أو نحوها و إلا فقد كان نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) عالما بجميع علوم الأنبياء و المرسلين بغير خلاف فيما أعلم من المسلمين و هذا علم النجوم أهله مجمعون أنه من علوم إدريس و جماعة من الأنبياء (عليهم السلام) و قد روينا نحن و غيرنا بعض ما وقفنا عليه و إنما معجزة
[79]
نبينا أنه علم بذلك العلم و غيره من علوم الأنبياء بغير تعليم أحد من البشر بل من سلطان الأرض و السماء فعلى ما ذكرنا عنه بلفظه في مسألته يكون له عذر يليق بما حكيناه عنه في التعليق في عقيدته و قال رحمه الله في تمام المسألة المذكورة في غير التعليق و من جيد ما يبطل به قولهم أن تقول لأهل الأحكام خذ الطالع و أحسب و أنعم النظر فيه و أحكم أ أفعل هذا أم لا أفعله تشير بذلك إلى أي شي‏ء يعرض لك فإن حكم أنك تفعله فلا تفعله أو أنك لا تفعله فافعله فتخالفه .

أقول أنا : و هذا أيضا قد استعظمت قدره أن يعتقد جودة هذا القول في الرد على جميع أصحاب الأحكام و إنما هذا يرد على من يدعى أن النجوم علة موجبة و أما من يقول إن النجوم جعلها الله المختار لذاته دلائل على السعود و النحوس و الحوادث فإنه يقول لشيخنا الحمصي زيادة عما قدمناه من جواب المرتضى قدس الله روحه أن حكمه بأنك إن فعلت أمرا كان سعادة لك لا يمنع أنك تخالفه و يكون نحوسا لك كما أن الله جل جلاله دل على طاعته و هي سعادة لعباده فاختار خلق منهم النحوس لمخالفته و يكون المنجم قد اطلع بمقدار علمه على ما حكم به و لم يطلع على حده و قد تقدم تمام هذا الجواب في جوابنا للمرتضى تغمده الله برحمته و اعلم أنه يقتضي لهذا الشيخ المعظم الحمصي رضوان الله عليه أنه معتقد لصحة النجوم و الحساب و هذه موافقة لما حررناه و دللنا عليه في هذا الكتاب و هو من أواخر من تخلف من العلماء الموصوفين و أفضل من انتفع بالقراءة عليه أهل العراق من المتكلمين .

[80]
و كان جدي ورام قدس الله روحه و نور ضريحه يرجحه على غيره من العلماء و يفضل تصنيفه على من لا يجري مجراه من الفضلاء و قد كان تحقيقه لهذه المسألة في علم النجوم في الجزء الثاني من التعليق العراقي كما حكيناه عن لفظ تحقيقه في حياة جدي ورام في دار ضيافته تغمده الله برحمته دليلا على أن جدي ورام رضوان الله عليه كان قائلا به و معتقدا لما أشار الحمصي إليه لأنه لم يصنف بالعراق ما يخالف جدي فيه و خاصة في علم النجوم الذي صار من مهمات ما ينبغي كشفه و الدلالة عليه كما تقدم في إشارتنا إليه .

و أقول : و أما قوله رحمه الله أن أكثر ما يحكمون به في المستقبل لا يقع فإن الحساب يختلف حاله عند ذوي الألباب فأول مراتبه سهل على الحاسبين فإذا ارتفع الحاسب في طرق الحساب أمكن الغلط فيه و ذلك بخلاف أوائل مراتبه و هذا لا يخفى التفاوت فيه على من أنصف في الجواب أ ما ترى الفرائض إذا كان مسائلها في أوائل حسابها سهل ذلك على الناظرين في أبوابها و إذا تناسخت و ارتفعت سهام الوارثين أمكن غلط الحاسبين و احتاجت إلى الماهرين في علم الفرائض و الناقدين فكذا حال ما دل عليه حساب النجوم و يسهل القريب منه فيدل على التحقيق باليقين و يصعب البعيد منه فيقع فيه الغلط على الحاسبين و قد ذكرنا في كتابنا هذا وجوهات أسباب غلطهم و أوضحنا جوابهم عن ذلك للمنصفين .

و قال رحمه الله في بعض كلامه ما معناه : أنه قد يولد مولودان
[81]
في وقت واحد و درجة واحدة و يختلف حالهما في السعود و النحوس .

فأقول أيضا : و هذا مما أستبعده أن يكون ذكره معتقدا لثبوت الدلالة به على من يقول إن النجوم جعلها الله الفاعل المختار دلالات لأن من يقول بصحة أحكام النجوم يقول هذا التقدير لا يكون و أما من يقول منهم كما قلنا بأنها دلالات و أن فاعل هذه الدلائل مختار قادر لذاته يقول إن القادر لذاته يصح منه مع تساوي وقت الولادة في الدرجة أن يخالف بين المولودين في السعود و النحوس و تكون الدلائل مشروطة دلالتها إذا لم يرد القادر غيرها و أقول فقد ظهر أن الذي منع العقل و النقل منه أن تكون النجوم علة موجبة للحادثات أو فاعلة مختارة للكائنات و لم يمنع العقل و النقل من أن تكون النجوم علامات للحادثات و قد تركنا ما كنا نقدر أن نورده من خواطرنا من زيادات في الاحتجاج على من زعم أنها علل و معلولات لئلا يكون كتابنا مطولا يتضجر من يقف عليه لكثرة الدلالات .

و أما من زعم أنها فاعلة مختارة فقد نبهنا في خطبة هذا الكتاب على بطلان هذه الدعوى بوجوه من الصواب و نزيد على الفريقين على ما قدمنا أننا سنريك بعض ما ذكره الحمصي رضوان الله عليه فنقول كل من القرآن و العقل و النقل دل على بطلان قول المجبرة فهو دليل على بطلان قول من قال إننا صادرون عن علة موجبة و إننا غير مختارين و نقول كل دليل دل على الوحدانية من المعقول و المنقول فهو دليل على بطلان قول من قال إن النجوم تفعل كفعل الله جل جلاله و تلك الأدلة في مواضعها مذكورة مشروحة واضحة لذوي العقول .

[82]
و مما نذكره في أن النجوم فاعلة مختارة ما ذكره أبو معشر في كتاب أسرار النجوم و هو من أعلم علماء هذا العلم الموسوم فقال ما هذا لفظه : الأغلب على طبعي أن هذه النجوم غير مستطيعة و لا مختارة لأن الفرق بين المستطيع و غير المستطيع ظاهر بل الأظهر أن المستطيع لفعل يفعل ضده و يقدر أن يمسك عن الفعلين جميعا فلا يكون منه أحدهما و الذي لا يستطيع إنما يجري على طبع واحد و الكواكب حركتها واحدة و لا تمسك عنها في حال و لا تنتقل إلى غيرها أقول إن هذا قول الخبير بها المطلع على أسرارها و قوله كالحجة على المدعين لاختيارها و قد قدمت في الخطبة أنها لو كانت مختارة بطل الحتم بالحكم على شي‏ء من النجوم لجواز أن يحكم المنجم بحكم محتوم فيرى المنجم المختار باختياره غير ما رآه ذلك المنجم فيبطل ذلك الحكم و يحكم بضده أو بغيره فكان قد انسد باب الدعوى للعلم بأحكام النجوم و هذا جواب واضح معلوم .

مع أن الأنبياء (عليهم السلام) بعثوا ببطلان أن الأفلاك و الشمس و القمر و النجوم علل و معلولات و فاعلات مختارات و ثبتت أقوالهم بالآيات و المعجزات و البراهين الخارقات للعادات ثم جاءوا بالشرائع المختلفات و كان اختلافهم بالشرائع دليلا على أن باعثهم مختار من غير علة و لا عامل بالطبائع و كان تصديقهم بالآيات و البراهين الخارقة لعقول المكلفين دليلا على أن النجوم ليست كاملة و لا مختارة و كيف تكون كاملة الاختيار و الصفات و هي تصدق
[83]
بالآيات الخارقات من يدعي أنها غير مختارات و لا فاعلات فكانت النجوم تكون من أسفه و أنقص و أرذل الفاعلين و كان قد انتثر نظام الفلك و فسد جميع العالمين بتصديقها من لا يصدقها و يبطل فضلها و يزيل محلها فقد ثبت بطلان قول من ادعى أن النجوم علة و أنها فاعلة و كل حديث ورد بالنهي عن تصديق النجوم و تحريمها و المنع من معرفتها و ورود الأخبار بذلك فمحول على هذين القسمين اللذين ثبت بطلانهما و تحريم التصديق بهما و إنما صح من علم النجوم القول بأنها : دلالات و علامات على الحادثات بقدرة الفاطر لها الآمر بها في الدلالات كما جعل قلب ابن آدم و عقله و نظره دلائل على التصديق بأمور حاظرات مع تباعدها عما يحيط بعلمه في المسافات و الجهات ; و سوف نورد من أخبار من قوله حجة في العلوم بما ذكرناه من تحقيق هذا القسم الثالث من علم النجوم و قد قدمنا ما فيه كفاية لمن طلب التوفيق و شرفه الله جل جلاله بالظفر في التحقيق و صانه عن جحود الآيات الدالة عليه جل جلاله و على رسله (عليهم السلام) بمعرفة أسرار دليل النجوم الموصوفة و ما أبانه بالهداية به من آياته المكشوفة و لعل السبب في توقف قوم من الضعفاء عن العلوم بهذه الأشياء خوفهم أن يشتبه الحال بين المنجمين و بين الأنبياء فيما أخبروا به من الغائبات و أين حديث المنجمين المستضعفين الذين يشهد عليهم لسان حالهم و بيان مقالهم باستحالة الدعوى بالمعجزات و الآيات من مقام الأنبياء عليهم أفضل الصلوات الذين لم يعرف لهم أستاذ منجم و لا كاهن و لا قائف و لا من
[84]
أخذوا العلوم منه و لا من رواها عنه فكان مجرد إحاطتهم بالعلوم من غير أستاذ ينسبون إليه و يقرءون عليه معجزة من الله جل جلاله في تصديقهم و تحقيقهم و ثبوت طريقهم و ليس كذلك علماء المنجمين فإن كل واحد منهم معروف الأستاذ الذي قرأ عليه و مشهور بالكتب الذي أخذ عنها علمه الذي أشير إليه .

و قد كنا قدمنا أنه لو كان كل طريق حصل منه تعريف بالغائبات طعنا في معجزات الأنبياء (عليهم السلام) و قدحا في إخبارهم بالحوادث المستقبلات لكان الذي تضمنته كتب التأريخ من أصحاب الرياضيات بإخبارهم عن الغائبات و من أهل الحق بإخبارهم عن الحادثات و كان حكم المنامات الصادقات التي تقتضي التعريف بالحادثات طعنا في النبوات و لكن هذه و أمثالها لا قدح بها على المعجزات و كذلك ما جعل الله جل جلاله من دلائل النجوم على الكائنات .

و اعلم أن أهل المعقول و المنقول ذكروا أن موسى (عليه السلام) لما كثر في زمانه السحر احتج الله جل جلاله عليهم بما لم يبلغه علمهم من عصا موسى تلقفت حبالهم و عصيهم و أن عيسى (عليه السلام) لما كثر الطب في زمانه احتج الله جل جلاله عليهم بما لم يبلغه علمهم من إحياء الموتى و إبراء الأكمه و الأبرص على يد عيسى و لما كثرت الفصاحة في زمن نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) احتج الله جل جلاله عليهم بفصاحة القرآن الشريف على لسان رسوله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي لا يعرف في ذلك
[85]
الحال خطأ و لا قراءة كتاب فكانت معجزات الأنبياء حجة على العباد لأجل ما أتوا به من الزيادة على العلوم التي كانت في زمانهم خارقة للمعتاد فكذلك يكون تعريف الأنبياء و الأوصياء بالغائبات بغير أستاذ و لا آلات حجة على المنجمين و غيرهم خارقة للعادات الباب الثالث فيما نذكره من أخبار من قوله حجة في العلوم على صحة علم النجوم فأقول إن الأخبار عن الذين قولهم حجة في العالمين صلوات الله عليهم أجمعين في صحة علم النجوم كثيرة يعرفها من كان كثير الاطلاع على العلوم و إنما أذكر هاهنا من الأحاديث ما لا يضجر المطلع عليه و يكفي المنصف في الهداية إليه .

الحديث الأول : فيما روي عمن قوله حجة في العلوم أنه لا يضر في الدين علم النجوم روينا بإسنادنا إلى الشيخ المتفق على عدالته و فضله و أمانته محمد بن يعقوب الكليني في كتاب الروضة ما هذا لفظه قال عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن ابن فضال عن الحسن بن
[86]
أسباط عن عبد الرحمن بن سيابة قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) جعلت لك الفداء إن الناس يقولون إن النجوم لا يحل النظر فيها و هي تعجبني فإن كانت تضر بديني فلا حاجة لي بشي‏ء يضر بديني و إن كانت لا تضر بديني فو الله إني لأشتهيها و أشتهي النظر فيها فقال (عليه السلام) ليس كما يقولون لا تضر بدينك ثم قال إنكم تنظرون في شي‏ء منها كثيره لا يدرك و قليله لا ينتفع به تحسبون على طالع القمر ثم قال أ تدري كم بين المشتري و الزهرة من دقيقة قلت لا و الله قال أ تدري كم بين الزهرة و القمر من دقيقة قلت لا و الله قال أ تدري كم بين الشمس و السنبلة من دقيقة قلت لا و الله ما سمعته من أحد من المنجمين قط فقال أ فتدري كم بين السنبلة و بين اللوح المحفوظ من دقيقة قلت لا و الله ما سمعته من منجم قط قال ما بين كل واحد منهما إلى صاحبه ستون دقيقة أو سبعون دقيقة الشك من عبد الرحمن ثم قال يا عبد الرحمن هذا حساب إذا حسبه الرجل و وقع عليه عرف القصبة التي في وسط الأجمة و عدد ما عن يمينها و عدد ما عن يسارها و عدد ما خلفها و عدد ما أمامها حتى لا تخفى عليه من قصب الأجمة واحدة أقول و قد روى هذا الحديث من أصحابنا في المصنفات و الأصول و الروايات جملة من الثقات فممن رواه محمد بن أبي عبد الله في أماليه رأيته في نسخة تاريخها سنة تسع و ثلاث مائة و محمد بن يحيى أخو فعلس عن حماد بن عثمان وجدته في كتاب أصل لعله كتب في مدة حياته .

الحديث الثاني : فيما روى عمن قوله حجة في العلوم بصحة أهل علوم النجوم .

[87]
ما رويناه بإسنادنا إلى محمد بن يعقوب الكليني في كتاب تفسير الرؤيا بإسناده عن محمد بن غانم قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) عندنا قوم يقولون النجوم أصح من الرؤيا فقال (عليه السلام) كان ذلك صحيحا قبل أن ترد الشمس على يوشع بن نون و على أمير المؤمنين فلما رد الله تعالى الشمس عليهما ضل علماء النجوم فمنهم مصيب و منهم مخطئ .

الحديث الثالث : فيما روي عمن قوله حجة في العلوم بصحة أصل علم النجوم .

ما رويناه بإسنادنا إلى محمد بن يعقوب الكليني في كتاب الروضة من كتاب الكافي عن علي بن إبراهيم عن ابن عمير عن جميل بن صالح عمن أخبره عن أبي عبد الله (عليه السلام) : أنه سئل عن علم النجوم فقال ما يعلمها إلا أهل بيت من العرب و أهل بيت في الهند .

و حدثني بعض علماء المنجمين : أن الذين يعلمون النجوم بالهند أولاد وصي إدريس (عليه السلام) .

و روينا هذا الحديث بإسنادنا إلى محمد بن أبي عمير من كتاب أصله عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ذكرت النجوم فقال ما يعلمها إلا أهل بيت بالهند و أهل بيت بالعرب .

و أقول إن مفهوم الأخبار الواردة بأن النجوم لا يعرفها إلا أهل بيت بالهند و أهل بيت بالعرب لعله لا يعلمها على أبلغ الغايات و لا يدركها إدراكا لا يخطئ أبدا في الإصابات أو لا يعلمها بغير أستاذ و آلات إلا أهل بيت من العرب و أهل بيت من الهند لأننا قد ذكرنا و نذكر وجود من يعلم كثيرا من أحكام النجوم و تحصل له إصابات و إن كثيرا من المنجمين يذكرون أنهم عرفوا علم النجوم من إدريس النبي (عليه السلام)
[88]
و من أهل الهند الذين اقتضت الأخبار أنهم عالمون بها و على كل حال فإن علمهم و علم أهل بيت من العرب بالنجوم دليل على أنه علم صحيح في نفسه جليل لاختصاصهم و مشروع لأنه من جملة فضائلهم .

الحديث الرابع : فيما روي عمن قوله حجة في العلوم بصحة أصل علم النجوم .

ما رويناه بإسنادنا عن محمد بن يعقوب الكليني في كتاب الروضة أيضا عن أحمد بن علي و أحمد بن محمد جميعا عن علي بن الحسين الميثمي عن محمد بن الواسطي عن يونس بن عبد الرحمن عن أحمد بن عمر الحلبي عن حماد الأزدي عن هاشم الخفاف قال : قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) كيف بصرك بالنجوم فقلت ما خلفت بالعراق أبصر في النجوم مني قال كيف دوران الفلك عندكم قال فأخذت قلنسوتي من رأسي فأدرتها و قلت هكذا فقال لو كان الأمر على ما تقول فما بال بنات النعش و الجدي و الفرقدين لا تدور يوما من الدهر في القبلة قلت هذا و الله شي‏ء لا أعرفه و لا سمعت أحدا من أهل الحساب يذكره فقال كم للسكينة من الزهرة جزءا في ضوئها فقلت و هذا و الله نجم ما عرفته و لا سمعت أحدا يذكره فقال سبحان الله أ فأسقطتم نجما بأسره فعلى ما تحسبون ثم قال كم للزهرة من القمر جزءا في الضوء قلت هذا شي‏ء لا يعلمه إلا الله قال فكم للقمر جزءا في ضوئها قلت ما أعرف هذا قال صدقت ثم قال (عليه السلام) ما بال العسكرين يلتقيان في هذا حاسب و في هذا حاسب فيحسب هذا لصاحبه بالظفر و يحسب هذا لصاحبه بالظفر ثم يلتقيان فيهزم أحدهما الآخر فأين كانت
[89]
النحوس فقلت لا و الله لا أعلم ذلك قال صدقت إن أصل الحساب حق و لكن لا يعلم ذلك إلا من علم مواليد الخلق كلهم .

الحديث الخامس : فيما روي عمن قوله حجة في العلوم أن آزر كان عالما بالنجوم .

روينا بإسنادنا إلى محمد بن يعقوب الكليني في كتاب الروضة عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : إن آزر أبا إبراهيم (عليه السلام) كان منجما لنمرود و لم يكن يصدر إلا عن أمره فنظر ليلة في النجوم فأصبح و هو يقول لنمرود لقد رأيت عجبا قال و ما هو قال رأيت مولودا يولد بأرضنا يكون هلاكنا على يديه فلا يلبث إلا قليلا حتى يحمل به قال فتعجب من ذلك و قال هل حملت به النساء فقال لا قال فحجب الرجال عن النساء و لم يدع امرأة إلا جعلها في المدينة لا يخلص إليها بعلها و وقع آزر على أهله فحملت بإبراهيم (عليه السلام) فظن أنه صاحبه الذي يكون الهلاك على يده فأرسل على نساء من القوابل عارفات في ذلك الزمان لا يكون شي‏ء في الرحم إلا علمن به في البطن فألزم الله عز و جل ما في بطنها في الظهر فقلن ما نرى في بطنها شيئا و كان فيما أوتي من العلم أنه سيحرق بالنار و لم يؤت من العلم إن الله سينجيه منها أقول ثم ذكر كيف حفظ الله جل جلاله إبراهيم و كيف جرت أموره و هذا الحديث قد قدمنا معناه في أن للنجوم دلالة على نبوة إبراهيم و إنما ذكرناه هاهنا في باب صحة علم النجوم عن الصادق المعصوم بصحة ما كان لآزر من صحة علم النجوم
[90]
و لاختلاف طرق الرواية و لأن محمد بن يعقوب أبلغ فيما يرويه و أصدق في الدراية .

الحديث السادس : فيما روي عمن قوله حجة في العلوم بتدبير ما ذكره في النجوم روينا بإسنادنا عن محمد بن يعقوب الكليني في كتاب الروضة عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن مالك بن عطية عن سليمان بن خالد قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحر و البرد مم يكونان فقال لي يا أبا أيوب إن المريخ كوكب حار و زحل كوكب بارد فإذا بدأ المريخ في الارتفاع انحط زحل و ذلك في الربيع فلا يزالان كذلك كلما ارتفع المريخ درجة انحط زحل درجة ثلاثة أشهر حتى ينتهي المريخ في الارتفاع و ينتهي زحل في الهبوط فيلحق المريخ فلذلك يشتد الحر فإذا كان في آخر الصيف و أول الخريف بدأ زحل في الارتفاع و بدأ المريخ في الهبوط فلا يزالان كذلك كلما ارتفع زحل درجة انحط المريخ درجة حتى ينتهي المريخ في الهبوط و ينتهي زحل في الارتفاع فيلحق زحل و ذلك في أوان الشتاء و آخر الصيف فلذلك يشتد البرد و كلما ارتفع هذا هبط هذا و كلما هبط هذا ارتفع هذا فإذا كان في الصيف يوم بارد فذلك الفعل من القمر و إذا كان في الشتاء يوم حار فذلك الفعل من الشمس و كل بتقدير العزيز العليم و أنا عبد رب العالمين .

الحديث السابع : فيما روي عمن قوله حجة في العلوم فيما ذكره من صحة علم النجوم روينا بإسنادنا إلى محمد بن يعقوب الكليني أيضا في كتاب
[91]
الروضة قال عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن الحسن بن علي بن عثمان قال حدثني أبو عبد الله المدائني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : إن الله تعالى خلق زحل في الفلك السابع من ماء بارد و خلق سائر النجوم الست الجاريات من ماء حار و هو نجم الأنبياء و الأوصياء و هو نجم أمير المؤمنين (عليه السلام) يأمر بالخروج من الدنيا و الزهد فيها و يأمر بافتراش التراب و توسد اللبن و أكل الجشب و ما خلق الله تعالى نجما أقرب إليه منه سبحانه.

الحديث الثامن : فيما روي عمن قوله حجة في العلوم بتصديق ما ذكره من علم النجوم روينا بإسنادنا إلى محمد بن يعقوب في كتاب الروضة قال عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن علي بن أسباط عن إبراهيم بن خيران عن عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : من سافر أو تزوج و القمر في العقرب لم ير الحسنى .

الحديث التاسع : فيما روي عمن قوله حجة في العلوم بشهادته في تحقيق علم النجوم ما رواه معاوية بن حكيم عن محمد بن زياد عن محمد بن يحيى الخثعمي قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن النجوم أ حق هي قال نعم فقلت أ و في الأرض من يعلمها قال نعم في الأرض من يعلمها .

الحديث العاشر : فيما نذكره عمن قوله حجة في العلوم في صحة علم النجوم .

روينا بإسنادنا عن معاوية بن حكيم عن كتاب أصله حدثنا آخر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : في السماء أربعة نجوم ما يعلمها إلا أهل بيت
[92]
من العرب و أهل بيت من الهند يعرفون منها نجما واحدا فلذلك قام حسابهم .

الحديث الحادي عشر : فيما روي من تصديق من قوله حجة في العلوم بعلم النجوم وجدت في كتاب قالبه قطع نصف الورقة عتيق بخزانة مولانا علي (عليه السلام) يتضمن فضائله (عليه السلام) تأليف أبي القاسم علي بن عبد العزيز بن محمد النيشابوري ما هذا لفظه علي بن أحمد قال حدثني إبراهيم بن فضل عن أبان بن تغلب قال : كنت عند أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) إذ دخل إليه رجل من أهل اليمن فسلم عليه فرد عليه السلام ; و قال ما جاء بك يا سعيد ؟

فقال : هذا الاسم سمتني به أمي و ما أقل من يعرفني به .

فقال : صدقت يا سعيد المزني .

فقال الرجل : جعلت فداك و بهذا كنت ألقب .

فقال (عليه السلام) : لا خير في اللقب إن الله عز و جل يقول في كتابه وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ ; يا سعيد المزني ما صناعتك ؟

فقال له الرجل : جعلت فداك أنا رجل معروف من أهل بيت تنظر في النجوم و لا أعلم في اليمن أحدا أعلم منا بالنجوم .

فقال (عليه السلام) له : فأنا أسألك .

فقال اليماني : سل ما شئت من النجوم جعلت فداك فأنا أجيبك بعلم .

فقال (عليه السلام) : أخبرني كم لضوء القمر على ضوء الزهرة من درجة ؟

قال : لا أدري .

فقال (عليه السلام) : فكم لضوء الزهرة على ضوء المريخ من درجة ؟

قال : لا أدري .

قال : فكم لضوء الزهرة على ضوء المشتري من درجة ؟

قال : لا أدري .

فقال (عليه السلام) : صدقت لا تدري ; فكم لضوء المشتري على ضوء عطارد من درجة ؟

قال : لا أدري .

قال (عليه السلام) : فما اسم النجوم التي إذا طلعت هاجت الإبل ؟

[93]
قال : لا أدري .

قال (عليه السلام) : فما اسم النجوم التي إذا طلعت هاجت الكلاب ؟

قال : لا أدري .

قال (عليه السلام) : فما اسم النجوم التي إذا طلعت هاجت البقر ؟

قال : لا أدري .

فقال (عليه السلام) : صدقت في قولك لا تدري ; فما عندكم زحل ؟

قال : نجم النحوس .

فقال (عليه السلام) : لا تقل هذا فإنه نجم أمير المؤمنين و هو نجم الأوصياء و هو النجم الثاقب الذي ذكره الله تعالى في كتابه .

فقال : ما معنى الثاقب ؟

فقال (عليه السلام) : إن مطلعه في السماء السابعة و إنه يثقب بضوئه حتى يصير في السماء الدنيا فمن ذلك سماه الله تعالى النجم الثاقب ; يا أخا أهل اليمن هل عندكم علماء ؟

قال : نعم جعلت فداك , إن باليمن قوما ليسوا كأحد من الناس في علمهم .

فقال (عليه السلام) : و ما بلغ من علم عالمهم ؟

قال : إن عالمهم ليزجر الطير و يقفو الأثر في ساعة واحدة مسيره شهر للراكب المجد .

فقال (عليه السلام) : إن عالم المدينة أعلم من عالم اليمن .

قال : جعلت فداك , ما بلغ من عالم المدينة ؟

فقال (عليه السلام) : إن عالم المدينة لا يقفو الأثر و لا يزجر الطير و ينتهي في اللحظة إلى علم مسيره الشمس اثني عشر برا و اثني عشر بحرا و اثني عشر عالما .

قال : جعلت فداك ; ما ظننت أحدا يعلم هذا أو يدرى ما كنهه .

فقال : صدقت لا تدري ثم قام الرجل اليماني فخرج .

و رويت هذا الحديث بأسانيد إلى أبان بن تغلب عن الصادق (عليه السلام) من كتاب عبد الله بن القاسم الحضرمي من كتاب أصله و في إحدى الروايتين زيادة على الأخرى .

الحديث الثاني عشر : فيما روى من تصديق من قوله حجة في العلوم بعلم النجوم .

وجدت في كتاب نوادر الحكمة تأليف محمد بن أحمد بن
[94]
عبد الله القمي و هو جليل القدر بين علماء الشيعة رواه عن الرضا (عليه السلام) قال : قال أبو الحسن (صلى الله عليه وآله وسلم) للحسن بن سهل كيف حسابك للنجوم قال ما بقي شي‏ء إلا تعلمته فقال أبو الحسن (عليه السلام) له كم لنور الشمس على نور القمر فضل درجة و كم لنور القمر على نور المشتري فضل درجة و كم لنور المشتري على نور الزهرة فضل درجة فقال لا أدري فقال (عليه السلام) ليس في يدك شي‏ء إن هذا أيسره .

و وجدت في كتاب مسائل الصباح بن نضر الهندي لمولانا علي بن موسى الرضا (عليه السلام) رواية أبي العباس بن نوح و أبي عبد الله بن محمد بن أحمد الصفواني من أصل كتاب عتيق لنا الآن ربما كان كتب في حياتهما بالإسناد المتصل فيه عن الريان بن الصلت و ذكر اجتماع العلماء بحضرة المأمون و ظهور حجة الرضا (عليه السلام) على جميع العلماء و حضور الصباح بن النضر الهندي عند مولانا الرضا (عليه السلام) و سؤاله إياه عن مسائل كثيرة منها سؤاله عن علم النجوم فقال ما هذا لفظه : هو علم في أصل صحيح ذكروا أن أول من تكلم في النجوم إدريس و كان ذو القرنين به ماهرا و أصل هذا العلم من الله تعالى و يقال إن الله تعالى بعث المنجم الذي هو المشتري إلى الأرض في صورة رجل فأتى بلد العجم فعلمهم في حديث طويل فلم يستكملوا ذلك فأتى بلد الهند فعلم رجلا منهم فمن هناك صار علم النجوم بالهند و قال قوم هو من علم الأنبياء و خصوا به لأسباب شتى فلم يدرك المنجمون الدقيق منها فشابوا الحق بالكذب هذا آخر لفظ مولانا علي
[95]
بن موسى (عليه السلام) في هذه الرواية الجليلة الإسناد و قوله (عليه السلام) حجة على العباد فأما قوله فيها ذكروا و يقال فإن عادتهم (عليه السلام) عند التقية و لدى المخالفين من العامة يقولون نحو هذا الكلام تارة و تارة كان أبي يقول و تارة روى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

الحديث الثالث عشر : فيما روي من شهادة من قوله حجة في العلوم بصحة حساب النجوم أرويه بأسانيدي إلى أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر النعماني الثقة في كتاب الدلائل في الجزء التاسع فيما فيه من دلائل مولانا أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) قال حدثنا محمد بن همام قال حدثني محمد بن موسى بن عبيد بن يقطين قال حدثنا إبراهيم بن محمد اليقطيني المعروف بطلل قال حدثني ابن ذي العلمين قال : كنت واقفا بين يدي ذي الرئاستين بخراسان في مجلس المأمون و قد حضره أبو الحسن الرضا (عليه السلام) فجرى ذكر الليل و النهار و أيهما خلق قبل الآخر فخاضوا في ذلك و اختلفوا ثم إن ذا الرئاستين سأل الرضا (عليه السلام) عن ذلك و عما عنده فيه فقال (عليه السلام) أ تحب أن أعطيك الجواب من كتاب الله عز و جل أو من حسابك فقال أريده أولا من جهة الحساب فقال له أ لستم تقولون إن طالع الدنيا السرطان و إن الكواكب كانت في شرفها قال نعم قال فزحل في الميزان و المشتري في السرطان و المريخ في الجدي و الزهرة في الحوت و القمر في الثور و الشمس في وسط السماء بالحمل و هذا لا يكون إلا نهارا قال نعم و في كتاب الله قال (عليه السلام) قوله
[96]
عز و جل لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَ لَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ أي النهار يسبقه .

الحديث الرابع عشر : فيما روي عمن قوله حجة في العلوم من تصديق حساب النجوم روي أيضا من طريق آخر معاضد لحديث محمد بن إبراهيم .

رويناه بعدة أسانيد عن ابن جمهور القمي و كان عالما فاضلا في كتاب الواحدة في أخبار مولانا الرضا (عليه السلام) قال و من مسائل ذي الرئاستين للرضا (عليه السلام) : أن الناس تذاكروا بين يدي المأمون في خلق الليل و النهار فقال بعض خلق الله النهار قبل الليل و قال بعض خلق الله الليل قبل النهار فرجعوا بالسؤال إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فقال إن الله عز و جل خلق النهار قبل الليل و خلق الضياء قبل الظلمة فإن شئتم أوجدتكم ذلك من النجوم و إن شئتم من القرآن فقال ذو الرئاستين أوجدنا من الجهتين جميعا فقال (عليه السلام) أما من النجوم فقد علمت أن طالع العالم السرطان و لا يكون ذلك إلا و الشمس في شرفها في نصف النهار و أما من القرآن فاستمع قوله تعالى فيه لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَ لَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ .

أقول و روى ابن جمهور القمي في كتاب الواحدة في أوائل أخبار مولانا الحسن بن علي (عليه السلام) في خطبة له في صفة النجوم ما هذا لفظه ثم أجرى في السماء مصابيح ضوءها في حندسها و جعلها من حرسها من النجوم الدراري المضيئة التي لو لا ضوءها ما نفذت أبصار العباد في ظلم الليل المظلم بمغالسه
[97]
المدلهم بحنادسه و جعل فيها أدلة على منهاج السبل لما أحوج الخليقة من التحول و الانتقال و الإدبار و الإقبال .

و هذا عام موافق لما نقلنا عنهم (عليهم السلام) من الأخبار .

أقول و من كتاب ابن جمهور القمي بإسناده أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لما صعد المنبر و قال سلوني قبل أن تفقدوني قام إليه رجل فسأله عن السواد الذي في القمر فقال أعمى سأل عن عمياء أ ما سمعت أن الله عز و جل يقول فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً فالمحو السواد الذي تراه في القمر إن الله تعالى خلق من نور عرشه شمسين و أمر تعالى جبرائيل فأمر جناحه بالذي سبق من علمه جلت عظمته لما أراد أن يكون من اختلاف الليل و النهار و الشمس و القمر و عدد الساعات و الأيام و الشهور و السنين و الدهور و الارتحال و النزول و الإقبال و الإدبار و الحج و العمرة و محل الدين و أجر الأجير و عدة أيام الحمل و المطلقة و المتوفى عنها زوجها و ما أشبه ذلك .

الحديث الخامس عشر : فيما روي عمن قوله حجة في العلوم من شهادته بتصديق علم النجوم روينا بأسانيد جماعة عن الشيخ الثقة الفقيه الفاضل الحسين بن عبد الله الغضائري و نقلته من خطه في الجزء الثاني من كتاب الدلائل تأليف أبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري الذي قال فيه جدي أبو جعفر الطوسي في الفهرست أنه ثقة و قال النجاشي في كتاب أسماء المصنفين أنه شيخ القميين و وجههم بإسناده عن بياع السابري قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إن لي في نظر النجوم لذة و هي معيبة عند الناس
[98]
فإن كان فيها إثم تركت ذلك و إن لم يكن فيها إثم فإن لي فيها لذة فقال تعد الطوالع قلت نعم و عددتها فقال كم تسقي الشمس من نورها القمر قلت هذا شي‏ء لم أسمعه قط فقال و كم تسقي الزهرة الشمس من نورها قلت و لا هذا فقال و كم تسقي الشمس من اللوح المحفوظ نورا قلت و هذا شي‏ء لم أسمعه قط فقال هذا شي‏ء إذا علمه الرجل عرف أوسط قصبة في الأجمة ثم قال ليس يعلم النجوم إلا أهل بيت من قريش و أهل بيت من الهند .

الحديث السادس عشر : فيما روي عمن قوله حجة في العلوم بمعاضدة الحديث الحادي عشر في النجوم .

روينا بأسانيد جماعة إلى الشيخ العظيم الشأن أبي جعفر بن بابويه القمي رضوان الله عليه فيما ذكره بكتاب الخصال في الجزء الثاني من أصل مجلدين قال حدثنا موسى بن المتوكل رضوان الله عليه قال حدثني علي بن الحسين السعدآبادي عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه و غيره عن محمد بن سليمان الصنعاني عن إبراهيم بن الفضل عن أبان بن تغلب قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخل عليه رجل من أهل اليمن فسلم عليه فقال مرحبا بك يا سعيد فقال الرجل هذا الاسم سمتني به أمي و ما أقل من يعرفني به فقال له أبو عبد الله صدقت يا سعيد المزني فقال الرجل جعلت فداك و بهذا كنت ألقب فقال له أبو عبد الله (عليه السلام) لا خير في اللقب إن الله تعالى يقول وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ ما صناعتك يا سعيد قال جعلت فداك إنا أهل بيت ننظر في النجوم و لم يكن باليمن أحد أعرف بالنجوم منا فقال
[99]
له أبو عبد الله (عليه السلام) كم ضوء الشمس يزيد على ضوء القمر درجة فقال اليماني لا أدري قال صدقت في قولك لا تدري فما زحل عندكم في النجوم فقال نجم نحس فقال لا تقل هذا فإنه نجم أمير المؤمنين (عليه السلام) و هو نجم الأوصياء (عليه السلام) و هو النجم الثاقب الذي قال الله عز و جل في كتابه فقال اليماني ما معنى الثاقب قال إن مطلعه في السماء السابعة و إنه ثقب بضوئه حتى أضاء في السماء الدنيا فمن ثم سماه الله تعالى النجم الثاقب يا أخا اليمن أ عندكم علماء قال نعم جعلت فداك إن باليمن قوما ليسوا كأحد من الناس في علمهم فقال (عليه السلام) و ما يبلغ من علم عالمهم قال إن عالمهم ليزجر الطير و يقفو الأثر في الساعة الواحدة مسيرة شهر للراكب المجد فقال (عليه السلام) إن عالم المدينة ينتهي إلى حيث لا يقفى الأثر و لا يزجر الطير و يعلم في اللحظة الواحدة مسيرة الشمس تقطع اثني عشر برجا و اثني عشر برا و اثني عشر بحرا و اثني عشر عالما فقال اليماني جعلت فداك ما ظننت أن أحدا يعلم هذا أو يدري ما كنهه قال ثم قام و خرج .

الحديث السابع عشر : فيما روي عمن قوله حجة في العلوم في التصديق بصحة علم النجوم .

رويناه بإسنادنا إلى محمد بن يحيى الخثعمي من غير كتاب معاوية بن حكيم المقدم ذكره قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن النجوم أ حق هي قال لي نعم قلت و في الأرض من يعلمها قال نعم و في الأرض من يعلمها.

الحديث الثامن عشر : فيما روي عمن قوله حجة في العلوم بتصديق معرفة علم النجوم وجدنا في أصل عتيق اسمه كتاب التجمل تاريخ
[100]
مقابلته سنة ثمان و ثلاثين و مائتين قال أبو أحمد عن حفص بن البختري و قد ذكر النجاشي أنه ثقة قال : ذكرت النجوم عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال ما يعلمها إلا أهل بيت بالهند و أهل بيت من العرب .

الحديث التاسع عشر : فيما روي عمن قوله حجة في العلوم من إباحة النظر في علم النجوم و هو ما وجدناه في كتاب التجمل المقدم ذكره عن محمد و هارون ابني أبي سهل : أنهما كتبا إلى أبي عبد الله (عليه السلام) أن أبانا و جدنا كانا ينظران في علم النجوم فهل يحل النظر فيه فكتب نعم .

الحديث العشرون : فيما روي عمن قوله حجة في العلوم في الفتوى بتحليل علم النجوم وجدنا أيضا في كتاب التجمل المقدم ذكره عن محمد و هارون ابني أبي سهل قالا : كتبنا إليه (عليه السلام) نحن ولد نوبخت المنجم و قد كنا كتبنا إليك هل يحل النظر في علم النجوم فكتبت نعم و المنجمون يختلفون في صفة الفلك فبعضهم يقول إن الفلك فيه النجوم و الشمس و القمر معلق بالسماء و هو دون السماء و هو الذي يدور بالنجوم و الشمس و القمر فإنها لا تتحرك و لا تدور و بعضهم يقول إن دوران الفلك تحت الأرض و إن الشمس تدور مع الفلك تحت الأرض فتغيب في المغرب تحت الأرض و تطلع من الغداة من المشرق فكتب (عليه السلام) نعم يحل ما لم يخرج من التوحيد .

الحديث الحادي و العشرون : فيما روي عمن قوله حجة في العلوم في تفسير نحو من النجوم من كتاب التجمل أيضا أبو محمد عن الحسن بن عمر عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله عز و جل يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ قال : كان القمر منحوسا بزحل .

[101]
الحديث الثاني و العشرون : فيما روينا من اطلاع من قوله حجة في العلوم على الملكوت و علمه منه ما علمه مالك الجبروت .

روينا بعدة أسانيد إلى أبي جعفر محمد بن بابويه رضوان الله عليه فيما رواه في كتاب الخصال و هو الثقة في المقال في أحاديث تسع خصال بإسناده في حديث إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال سمعته يقول قال أمير المؤمنين (عليه السلام) و الله لقد أعطاني الله تبارك و تعالى تسعة أشياء لم يعطها أحدا قبلي خلا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لقد فتحت لي السبل و علمت الأسباب و أجرى لي السحاب و علمت المنايا و البلايا و الخطاب و لقد نظرت في الملكوت فأذن لي ربي جل جلاله فما غاب عني ما كان قبلي و ما يأتي بعدي و إن بولايتي أكمل الله لهذه الأمة دينهم و أتم عليهم النعمة و رضي إسلامهم إذ يقول سبحانه يوم الولاية لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يا محمد أخبرهم أني أكملت لهم دينهم و رضيت الإسلام لهم دينا و أتممت عليهم نعمتي كل ذلك من الله تعالى من به علي فله الحمد.

هذا آخر الحديث بلفظه : و كان المراد منه أن نظره في الملكوت يعلم منه ما مضى و ما يأتي .

أقول :

و روى معنى هذا الحديث و زيادة فيه سليمان بن صالح و نقلته من نسخة مقروءة على هارون بن موسى التلعكبري رضوان الله جل جلاله عليه قال ما هذا لفظه عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ قال :
[102]
كشط له ما في السماوات السبع و في الأرضين السبع حتى رأى العرش و ما عليه و كان يرى الناس على مكاسبهم و صنع ذلك برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و صنع ذلك بالأئمة (عليهم السلام) من بعده .

قال الهيثم و سمعت هاشما يروي عن مفضل قال : كان محمد بن علي (عليه السلام) يقول إني أرى ما في السماوات و الأرض كما أرى راحتي هذه .

الحديث الثالث و العشرون : في احتجاج من قوله حجة في العلوم على صحة علم النجوم و هو ما رويناه بإسنادنا عن الشيخ السعيد محمد بن رستم بن جرير الطبري الإمامي رضوان الله عليه في الجزء الثاني من كتاب دلائل الإمامة قال أخبرني أبو عبد الله الحسين بن عبد الله الحربي و أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى بن أحمد التلعكبري قالا حدثنا أبو محمد هارون بن موسى بن أحمد التلعكبري رضي الله عنه قال حدثنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن مخزوم المقري مولى بني هاشم قال حدثنا أحمد بن القاسم البري قال حدثنا يحيى بن عبد الرحمن عن علي بن حي بن صالح الكوفي عن زياد بن المنذر عن قيس بن سعد قال : كنت أساير أمير المؤمنين (عليه السلام) كثيرا إذا سار إلى وجه من الوجوه فلما قصد أهل النهروان و صرنا بالمدائن و كنت يومئذ مسايرا له إذ خرج إلينا قوم من أهل المدائن من دهاقينهم معهم براذين قد جاءوا بها هدية إليه فقبلها و كان فيمن تلقاه دهقان من دهاقين المدائن يدعى سرسفيل و كانت الفرس تحكم برأيه فيما يعني و ترجع إلى قوله فيما سلف فلما بصر بأمير المؤمنين (عليه السلام)
[103]
قال يا أمير المؤمنين تناحست النجوم الطوالع فنحس أصحاب السعود و سعد أصحاب النحوس و لزم الحكيم في مثل هذا اليوم الاختفاء و الجلوس و إن يومك هذا يوم مميت قد اقترن فيه كوكبان قتالان و شرف فيه بهرام في برج الميزان و اتقدت من برجك النيران و ليس لك الحرب بمكان فتبسم أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم قال أيها الدهقان المنبئ بالأخبار و المحذر من الأقدار أ تدري ما نزل البارحة في آخر الميزان و أي نجم حل السرطان قال سأنظر ذلك و أخرج من كمه أسطرلابا و تقويما فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) أنت مسير الجاريات قال لا قال أ فتقضي على الثابتات قال لا قال فأخبرني عن طول الأسد و تباعده عن المطالع و المراجع و ما الزهرة من التوابع و الجوامع قال لا علم لي بذلك قال فما بين السواري إلى الدراري و ما بين الساعات إلى الفجرات و كم قدر شعاع المدارات و كم تحصيل الفجر في الغدوات قال لا علم لي بذلك قال هل علمت يا دهقان أن الملك اليوم انتقل من بيت إلى بيت في الصين و تغلب برج ماجين و احترقت دور بالزنج و طفح جب سرنديب و تهدم حصن الأندلس و هاج نمل السيح و انهزم مراق الهند و فقد ربان اليهود بإيلة و جدم بطريق الروم برومية و عمي راهب عمورية و سقطت شرافات القسطنطينية أ فعالم أنت بهذه الحوادث و ما الذي أحدثها شرقها و غربها من الفلك قال لا علم لي بذلك قال فبأي الكواكب تقضي في أعلى القطب و بأيها تنحس من تنحس قال لا علم لي بذلك قال فهل علمت
[104]
أنه سعد اليوم اثنان و سبعون عالما في كل عالم سبعون عالما منهم في البر و منهم في البحر و بعض في الجبال و بعض في الغياض و بعض في العمران فما الذي سعدهم قال لا علم لي بذلك قال يا دهقان أظنك حكمت على اقتران المشتري و زحل لما استنارا لك في الغسق و ظهر تلألؤ المريخ و تشريقه في السحر و قد سار فاتصل جرمه بنجوم تربيع القمر و ذلك دليل على استخلاف ألف ألف من البشر كلهم يولدون اليوم و الليلة و يموت مثلهم و يموت هذا و أشار إلى جاسوس في عسكره لمعاوية فلما قال ذلك ظن الرجل أنه قال خذوه فأخذه شي‏ء في قلبه و تكسرت نفسه في صدره فمات لوقته فقال للدهقان أ لم أرك عين التقدير في غاية التصوير قال بلى يا أمير المؤمنين فقال يا دهقان أنا مخبرك أني و صحبي هؤلاء لا شرقيون و لا غربيون إنما نحن ناشئة القطب و ما زعمت البارحة أنه انقدح من برج الميزان فقد كان يجب أن يحكم معه لي لأن نوره و ضياءه عندي فلهبه ذهب عني يا دهقان هذه قضية عيص فاحسبها و ولدها إن كنت عالما بالأكوار و الأدوار و لو علمت ذلك لعلمت أنك تحصي عقود القصب في هذه الأجمة و مضى أمير المؤمنين (عليه السلام) فهزم أهل النهروان و قتلهم فعاد بالغنيمة و الظفر فقال الدهقان ليس هذا العلم بأيدي أهل زماننا هذا علم مادته من السماء .

الحديث الرابع و العشرون : في رواية حديث الدهقان مع أمير المؤمنين (عليه السلام) بإسناد و تفصيل غير الأول و هو أطول
[105]
و أكمل رويناه بإسناد متصل إلى الأصبغ بن نباتة قال : لما رحل أمير المؤمنين (عليه السلام) من نهر براثا إلى النهروان و قد قطع جسرها و سمرت سفنها فنزل و قد سرح الجيش إلى جسر بوران و معه رجل من أصحابه قد شك في قتال الخوارج فإذا رجل يركض فلما رأى أمير المؤمنين (عليه السلام) قال البشرى يا أمير المؤمنين .

قال : و ما بشراك ؟

قال : لما بلغ الخوارج نزولك البارحة نهر براثا ولوا هاربين.

فقال له علي (عليه السلام) : أنت رأيتهم حين ولوا ؟

قال : نعم .

قال : كذبت , لا و الله ما عبروا النهروان و لا تجازوا الأثيلات و لا النخيلات حتى يقتلهم الله عز و جل على يدي عهد معهود و قدر مقدور لا ينجو منهم عشرة و لا يقتل منا عشرة .

فبينا هو كذلك إذ أقبل إليه رجل يقتدى برأيه في حساب النجوم لمعرفته بالطوالع و المراجع و تقويم القطب في الفلك و معرفته بالحساب و الضرب و التجزئة و الجبر و المقابلة و تاريخ السندآباد و غير ذلك فلما بصر بأمير المؤمنين (صلى الله عليه وآله وسلم) نزل عن فرسه و سلم عليه و قال : يا أمير المؤمنين لترجعن عما قصدت إليه ; و كان الرجل دهقانا من دهاقين المدائن و اسمه سرسفيل سوار .

فقال (عليه السلام) له : و لم يا سرسفيل سوار ؟

فقال : تناحست النجوم السعدات و تساعدت النجوم النحسات فلزم الحكيم في مثل هذا اليوم الاختفاء و القعود و يومك هذا يوم مميت تغلب فيه برجان و انكسف فيه الميزان و اقتدح زحل بالنيران و ليست الحرب لك بمكان .

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) له : أخبرني يا دهقان عن قصة الميزان و في أي مجرى كان برج السرطان ؟

[106]
قال : سأنظر لك ; فضرب بيده على كمه و أخرج زيجا و أسطرلابا .

فتبسم أمير المؤمنين (عليه السلام) و قال له : يا دهقان أنت مسير الثابتات ؟

قال : لا .

قال : أ فأنت تقضي على الحادثات ؟

قال : لا .

قال : يا دهقان فما ساعة الأسد من الفلك ؟ و ما له من المطالع و المراجع ؟ و ما الزهرة من التوابع و الجوامع ؟

قال : لا أعلم يا أمير المؤمنين .

قال : فعلى أي الكواكب تقضي على القطب ؟ فما هي الساعات المتحركات ؟ و كم قدر الساعات المدبرات ؟ و كم تحصيل المقدرات ؟

قال : لا علم لي بذلك يا أمير المؤمنين .

قال : يا دهقان صح لك علمك إن البارحة انقلب بيت في الصين ; و انقلب آخر بدمانسين ; و احترقت دور الزنج أو تحطم منار الهند ; و طفح جب سرنديب ; و هلك ملك إفريقية ; و انقض حصن الأندلس ; و هاج نمل السيح ; و فقد ربان اليهود بإيلة ; و جذم بطريق النصارى بإرمينية ; و عمي راهب عمورية ; و سقطت شرفات القسطنطينية ; و هاجت سباع البر على أهلها ; و رجعت رجال النوبة للراهج ; و التقت الزرف مع الفيلة ; و طار الوحش إلى العلقين ; و هاجت الحيتان إلى الحضرين ; و اضطربت الوحوش بالأنقلين ; أ فأنت عالم بهذه الحوادث ؟ و ما أحدثها من الفلك شرقية أم غربية ؟ و أي برج أسعد صاحب النحس ؟ و أي برج أنحس صاحب السعد ؟

قال : لا علم لي بذلك .

قال (عليه السلام) : فهل دلك علمك أن اليوم سعد فيه سبعون عالما في كل عالم سبعون ألف عالم منهم في البحر و منهم في البر و منهم في الجبال و منهم في السهل و الغياض و الخراب و العمران ; فأبن لنا ما الذي من الفلك أسعدهم ؟

فقال : لا علم لي بذلك يا أمير المؤمنين .

قال : يا دهقان فأظنك
[107]
حكمت على اقتران المشتري بزحل حين لاحا لك في الغسق قد شارفهما و اتصل جرمه بجرم القمر و ذلك استخلاف مائة ألف من البشر كلهم يولدون في يوم واحد و استهلاك مائة ألف من البشر كلهم يموتون الليلة و غدا و هذا منهم - و أشار بيده إلى سعد بن مسعود الحارثي - و كان في عسكره جاسوسا للخوارج فظن أن عليا (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول خذوا هذا فقبض على فؤاده و مات من وقته ; ثم قال (عليه السلام) له : ألم أرك عين التوفيق أنا و أصحابي هؤلاء لا شرقيون و لا غربيون إنما نحن ناشئة القطب و أعلام الفلك فأما ما زعمت أن البارحة اقتدح في برجي النيران فقد كان يجب عليك أن تحكم به لي فإن ضياءه و نوره عندي و حرقه و لهبه ذاهب عني فهذه قضية عقيمة فاحسبها إن كنت حاسبا و اعرفها إن كنت عارفا بالأكوار و الأدوار و لو علمت ذلك لعلمت عدد كل قصبة في هذه الأجمة و أشار إلى أجمة قصب كانت عن يمينه .

فتشهد الدهقان و قال : يا مولاي إن الذي فهم إبراهيم و موسى و عيسى و محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) فهمكها و هو الله تعالى يا أمير المؤمنين لا أثر بعد عين مد يدك ; فأنا : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله و أنك الإمام و الوصي المفترض الطاعة .

الحديث الخامس و العشرون : فيما روي عمن قوله حجة في العلوم بصحة علم النجوم نقلناه من كتاب نزهة الكرام و بستان العوام تأليف محمد بن الحسين الرازي و هذا الكتاب خطه بالعجمية فكلفنا
[108]
من نقله إلى العربية فذكر في أواخر المجلد الثاني منه ما هذا لفظ من عربه .

و روي : أن هارون الرشيد أنفذ إلى موسى بن جعفر (عليه السلام) من أحضره فلما حضر قال له إن الناس ينسبونكم يا بني فاطمة إلى علم النجوم و إن معرفتكم بها جيدة و فقهاء العامة يقولون إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال إذا ذكر أصحابي فاسكتوا و إذا ذكر القدر فاسكتوا و إذا ذكر النجوم فاسكتوا و أمير المؤمنين علي كان أعلم الخلائق بعلم النجوم و أولاده و ذريته التي تقول الشيعة بإمامتهم كانوا عارفين بها .

فقال له الكاظم (عليه السلام) : هذا حديث ضعيف و إسناده مطعون فيه و الله تبارك و تعالى قد مدح النجوم فلو لا أن النجوم صحيحة ما مدحها الله عز و جل و الأنبياء (عليهم السلام) كانوا عالمين بها قال الله عز و جل في إبراهيم خليله (عليه السلام) وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ و قال في موضع آخر فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ فلو لم يكن عالما بالنجوم ما نظر فيها و لا قال إني سقيم و إدريس (عليه السلام) كان أعلم أهل زمانه بالنجوم و الله عز و جل قد أقسم فيها بكتابه في قوله تعالى فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ وَ إِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ و في قوله بموضع آخر فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً يعني بذلك اثني عشر برجا و سبع سيارات و الذي يظهر في الليل و النهار هي بأمر الله تعالى و بعد علم القرآن لا يكون أشرف من علم النجوم و هو علم الأنبياء و الأوصياء و ورثة الأنبياء الذين قال الله تعالى فيهم وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ و نحن نعرف هذا العلم و ما ننكره .

[109]
فقال هارون : بالله عليك يا موسى هذا العلم لا تظهروه عند الجهال و عوام الناس حتى لا يشيعوه عنكم و تنفس العوام به و غط هذا العلم و ارجع إلى حرم جدك ; ثم قال هارون بقيت مسألة أخرى بالله عليك أخبرني بها .

قال : سل .

قال : بحق القبر و المنبر و بحق قرابتك من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنت تموت قبلي أم أنا أموت قبلك فإنك تعرف هذا من علم النجوم .

فقال له موسى : آمني حتى أخبرك .

فقال : لك الأمان .

قال : أنا أموت قبلك : ما كذبت و لا أكذب ; و وفاتي قريب .

قال : قد بقيت لي مسألة تخبرني بها و لا تضجر .

قال : سل .

قال : أخبروني أنكم تقولون إن جميع المسلمين عبيدنا و إماؤنا و أنكم تقولون من يكون لنا عليه حق و لا يوصله لنا فليس بمسلم .

فقال موسى : كذب الذين زعموا أنا نقول ذلك ; و إذا كان كذلك فكيف يصح البيع و الشراء عليهم و نحن نشتري عبيدا و جواري و نعتقهم و نقعد معهم و نأكل معهم و نشتري المملوك و نقول له يا بني و للجارية يا بنية و نقعدهم يأكلون معنا تقربا إلى الله تعالى فلو أنهم عبيدنا و إماؤنا ما صح البيع و الشراء و قد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما حضرته الوفاة الله الله في الصلاة و ما ملكت أيمانكم يعني واظبوا على الصلاة و أكرموا مماليككم من العبيد و الإماء فنحن نعتقهم فهذا الذي سمعته كذب من قائله و دعوى باطلة و لكن نحن ندعي أن ولاء جميع الخلائق لنا ; نعني ولاء الدين و هؤلاء الجهال يظنون ولاء الملك حملوا دعواهم على ذلك ; و نحن ندعي ذلك لقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم غدير خم : من كنت مولاه فعلي مولاه يعني بذلك ولاء الدين و الذي يوصلونه
[110]
إلينا من الزكاة و الصدقة فهو حرام علينا مثل الميتة و الدم و لحم الخنزير فأما الغنائم و الخمس من بعد موت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد منعونا ذلك و نحن إليه محتاجون إلى ما في أيدي بني آدم الذين هم لنا ولاؤهم ; ولاء الدين لا ولاء الملك فإن أنفذ إلينا أحد هدية و لا يقول إنها صدقة نقبلها لقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لو دعيت إلى كراع لأجبت -و كراع اسم قرية - و لو أهدي إلي كراع لقبلت - الكراع يد الشاة - و ذلك سنة إلى يوم القيامة و لو حملوا إلينا زكاة و علمنا أنها زكاة لرددناها فإن كانت هدية قبلناها .

ثم إن هارون أذن له في الانصراف فتوجه إلى الرقة .

ثم تقولوا عليه أشياء فاستعاذه و أطعمه السم فتوفي (عليه السلام) .

الحديث السادس و العشرون : في شهادة من يروي عن المعصوم تعظيم علم النجوم وجدت في كتاب عتيق بإسناد متصل إلى الوليد بن جميع قال : إن رجلا سأله عن حساب النجوم فجعل الرجل يتحرج أن يخبر فقال قال عكرمة سمعت ابن عباس يقول عجز الناس عنه و وددت أني علمته .

و مما رأيت و رويت عن ابن عباس في النجوم ما رويته عن شيخ المحدثين ببغداد محمد بن النجار في المجلد الحادي و العشرين من تذييله على تاريخ الخطيب في ترجمة علي بن طراد .

بإسناده إلى عكرمة قال : قيل لابن عباس إن هاهنا رجلا يهوديا يتكهن و يخبر فبعث عبد الله بن عباس إليه فجاءه فقال له يا يهودي بلغني أنك تخبر بالغيب قال أما الغيب فلا يعلمه إلا الله و لكن إن شئت أخبرتك قال هات قال لك ولد له عشر سنين يختلف إلى الكتاب
[111]
قال نعم قال فإنه يأتي غدا محموما من الكتاب و يموت يوم العاشر و أما أنت فلا تخرج من الدنيا حتى يذهب بصرك فقال هذا ما أخبرتني به عن ابني و نفسي فأخبرني عن نفسك قال أموت رأس السنة قال عكرمة فجاء ابن ابن عباس محموما من الكتاب و مات في اليوم العاشر فلما كان رأس السنة قال ابن عباس يا عكرمة انظر ما فعل اليهودي فأتيت أهله فقالوا مات أمس ثم ما خرج ابن عباس من الدنيا حتى ذهب بصره .

الصورة الرمزية النّجف الأشرف
النّجف الأشرف
عضو
°°°
افتراضي
في مدح مولانا علي بن الحسين (عليه السلام) المنجم بعد ظهور الحجة عليه
ذكر محمد بن علي مؤلف كتاب الأنبياء و الأوصياء من آدم إلى المهدي (عليه السلام) في حديث ما هذا لفظه : و روي أن رجلا أتى علي بن الحسين (عليه السلام) و عنده أصحابه فقال (عليه السلام) من الرجل ؟

قال : أنا منجم قائف عراف .

فنظر إليه ثم قال : هل أدلك على رجل قد مر منذ دخلت علينا في أربعة آلاف عالم ؟

قال : من هو ؟

قال : أما الرجل فلا أذكره , و لكن إن شئت أخبرتك بما أكلت و ادخرت في بيتك .

قال : أخبرني .

فقال (عليه السلام) : أكلت في بيتك هذا اليوم حيسا ; و ادخرت عشرين دينارا ; منها ثلاثة دنانير وازنة .

فقال الرجل : أشهد أنك الحجة العظمى و المثل الأعلى و كلمة التقوى .

فقال (عليه السلام) له : و أنت صديق امتحن الله قلبك بالإيمان فأثبت .

قلت : لعل قوله (عليه السلام) مر في أربعة آلاف عالم أنه قد جعل الله نورا يشاهد هذه العوالم كما يطلع النائم في نومه على الجهات الكثيرة في نوم ساعة واحدة و لعله عنى بالرجل نفسه (عليه السلام) .

[112]
الحديث السابع و العشرون : في تزكية حديث ابن عباس بطريق آخر مشهور بين الناس وجدته في كتاب ربيع الأبرار تأليف أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري في الجزء الأول قال ما هذا لفظه .

الوليد بن جميع : رأيت عكرمة سأل رجلا عن علم النجوم و الرجل يتحرج أن يخبره فقال عكرمة سمعت ابن عباس يقول علم عجز الناس عنه و وددت لو أني علمته .

الحديث الثامن و العشرون : في رواية ابن عباس في صحة علم النجوم و أنها من العلم المرسوم من كتاب ربيع الأبرار للزمخشري من الجزء الأول أيضا عند ذكره علم النجوم قال ما هذا لفظه : و عن ابن عباس أنه علم من علم النبوة و ليتني كنت أحسنه .

الحديث التاسع و العشرون : فيما نرويه عن المعصوم من تعظيم علم النجوم من كتاب ربيع الأبرار من الجزء الأول أيضا قال .

و عن علي (عليه السلام) : من اقتبس علما من علم النجوم من حملة القرآن ازداد به إيمانا و يقينا ثم تلا إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ ...الآية .

الحديث الثلاثون : فيما روى عمن جرت عادته في الروايات عن المعصوم في صحة علم النجوم و من كتاب ربيع الأبرار من الجزء الأول أيضا قال و عن ميمون بن مهران : إياكم و التكذيب في علم النجوم فإنه علم من علوم النبوة .

الحديث الحادي و الثلاثون : في رواية الزمخشري عن المعصوم في تحذير ما يتعلق بعلم النجوم و هو ما وجدناه في الجزء الأول من
[113]
ربيع الأبرار قال ما هذا لفظه :

علي (عليه السلام) يكره أن يسافر الرجل أو يتزوج في محاق الشهر و إذا كان القمر في العقرب .

و ذكر الخطيب في تاريخ بغداد عند ذكره الحسن بن الحسين العسكري النحوي حديثا أسنده إلى تميم بن الحرث عن أبيه عن علي (عليه السلام) : أنه كان يكره أن يتزوج الرجل أو يسافر إذا كان القمر في محاق الشهر أو العقرب أقول و قد قدمنا كراهية التزويج و السفر في برج العقرب و ما كان فيه كراهية في محاق الشهر .

الحديث الثاني و الثلاثون : في تأكيد كراهية السفر في المحاق عن المشهود له بالسباق و الكمال في الأخلاق .

قال الزمخشري في ربيع الأبرار فيما رواه عن مولانا علي (عليه السلام) : و يروى أن رجلا قال له إني أريد الخروج في تجارة لي و ذلك في محاق الشهر فقال (عليه السلام) له أ تريد أن يمحق الله تجارتك استقبل الشهر بالخروج.

الحديث الثالث و الثلاثون : عليفي رواية عن علماء بني إسرائيل في صحة علم النجوم بطريق أهل العلوم ما ذكرها الزمخشري في ربيع الأبرار فقال ما هذا لفظه : و كان من علماء بني إسرائيل من يسترون من العلوم علمين علم النجوم و علم الطب فلا يعلمونهما لأولادهم لحاجة الملوك إليها لئلا يكون سببا لصحبة الملوك و الدنو منهم فيضمحل دينهم .

الحديث الرابع و الثلاثون : علييتضمن أن النبي سيد كل معصوم ذكر مولده الشريف بمقتضى علم النجوم مما ذكره الزمخشري في ربيع الأبرار
[114]
فقال : قال بعض المنجمين أن مواليد الأنبياء السنبلة أو الميزان .

و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) ولدت بالسماك .

و حساب أهل النجوم أنه السماك الرامح فكان في ثاني طالعه زحل فلم يكن له ملك و لا عقار .


الباب الرابع - فيما نذكره عن مولانا موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) - في إزالة القطوع في العمر
إزالة القطوع في العمر إذا دل مولد الإنسان عليه ; من ذلك :

ما رواه عبد الله بن الصلت في كتاب التواقيع من أصول الأخبار قال : حملت الكتاب و هو الذي نقلته من العراق كتب مصقلة بن إسحاق إلى علي بن جعفر رقعة يعلمه فيها أن المنجم كتب ميلاده و وقت عمره وقتا و قد قارب ذلك الوقت و خاف على نفسه فأحب أن يسأله أن يدله على عمل يعمله يتقرب به إلى الله عز و جل فأوصل علي بن جعفر رقعته التي كتبها إلى موسى بن جعفر (عليه السلام) فكتب إليه بسم الله الرحمن الرحيم متعني الله بك قرأت رقعة فلان فأصابني و الله إلى ما أخرجني إلى بعض لائمتك سبحان الله أنت تعلم حاله منا و في طاعتنا و أمورنا فما منعك من نقل الخبر إلينا ليستقبل الأمر ببعض
[115]
السهولة حتى لو نقلت أنه رأى رؤيا في منامه أو بلغ سن أبيه أو أنكر شيئا من نفسه فكان الأمر يخف وقوعه و يسهل خطبه و يحتسب هذه الأمور عند الله عز و جل بالأمس تذكره في اللفظ بأن ليس أحد يصلح لنا غيره و اعتمادنا عليه على ما تعلم فليحمد الله كثيرا و يسأله الإمتاع بنعمته و ما أصلح المولى و أحسن الأعوان عونا برحمته و مغفرته مر فلانا لا فجعنا الله به بما يقدر عليه من الصيام كل يوم أو يوما و يوما أو ثلثه في الشهر و لا يخلي كل يوم أو يومين من صدقة على ستين مسكينا و ما يحركه عليه النسبة و ما يجري ثم يستعمل نفسه في صلاة الليل و النهار استعمالا شديدا و كذلك في الاستغفار و قراءة القرآن و ذكر الله تعالى و الاعتراف في القنوت بذنوبه و الاستغفار منها و يجعل أبوابا في الصدقة و العتق و التوبة عن أشياء يسميها من ذنوبه و يخلص نيته في اعتقاد الحق و يصل رحمه و ينشر الخير فيها فنرجو أن ينفعه الله عز و جل لمكانه منا و ما وهب الله تعالى من رضانا و حمدنا إياه فلقد و الله ساءني أمره فوق ما أصف و أنا أرجو أن يزيد الله في عمره و يبطل قول المنجم فيما أطلعه على الغيب و الحمد لله و قد رأيت هذا الحديث في كتاب التوقيعات لعبد الله بن جعفر الحميري رحمه الله و قد رواه عن أحمد بن محمد بن عيسى بإسناده إلى الكاظم (عليه السلام) .

يقول أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس فلو كان القول بعلم النجوم محالا ما كان مولانا الكاظم (صلى الله عليه وآله وسلم) قد اهتم بتدبير زواله بما أشار إليه و لا كان بلغ الأمر في استعمال صاحب القطع
[116]
نفسه في صلاة الاستيجار و كثرة الاستغفار و العتق و الصدقة مما يدفع به الأخطار .

و ذكر مصنف كتاب إخوان الصفا في المجلد الأول منه في فضل فوائد علم النجوم فقال ما هذا لفظه : و اعلم أيها الأخ أيدك الله و إيانا بروح منه أن في معرفة علم النجوم فوائد كثيرة فيما يكون في الحادث المستقبل و الكائن من بعد أيام فإنه إذا علم الإنسان ما يكون أمكنه حينئذ أن يدفعه عن نفسه أو بعضه لا بأن يمنع كونه و لكن يتحرز منه و يستعد له كما يستعد سائر الناس لدفع برد الشتاء بجمع الدثار و لحر الصيف باتخاذ الأماكن و للغلاء باتخاذ الغلات و الادخار و لخوف العين بالصرف منها و للمخاوف و ما شاكل هذه الأمور مع علمهم بأنهم لا يصيبهم إلا ما كتب الله عليهم .

و شي‏ء آخر و هو أنه متى علم الناس الحوادث قبل كونها أمكنهم أن يدفعوها قبل نزولها بالدعاء و التضرع إلى الله تعالى و التوبة بالإنابة إليه و بالصوم و الصلاة و الفرائض و النذور و السؤال من الله تعالى أن يدفع عنهم المحذور و يصرف ما يخافونه من الأمور .

و اعلم أيها الأخ أيدك الله و إيانا بروح منه أنك إذا نظرت أسرار النواميس الإلهية و تأملت السنن الشرعية و تبينت أغراض واضعي النواميس كان هذا الذي ذكرت لك و ذلك أن موسى بن عمران (عليه السلام) أوصى بني إسرائيل فقال احفظوا شرائع التوراة و اعملوا بوصاياها فإن الله يستجيب دعاءكم و يرخص أسعاركم و يخصب بلادكم
[117]
و يكثر أموالكم و أولادكم و يكف عنكم أعداءكم و متى خفتم حوادث الدهر و مصائب الأيام فتوبوا إلى الله و استغفروا و صلوا و ادعوه أن يصرف عنكم ما تخافون و يدفع عنكم شر ما تحذرون و يكشف عنكم شر ما يكون من محن الدنيا و مصائبها و حوادث الأيام و نواكبها و على هذا المنوال كانت وصية عيسى (عليه السلام) لصحابته و وصية سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لأمته .

و قد روينا بعدة أسانيد عن الأئمة الأطهار : أن القطع بالموت في الأعمار يزول بالصدقة و المبار فمن ذلك .

ما ذكره الشيخ الثقة محمد بن يعقوب الكليني في كتاب الكافي بإسناده رحمه الله إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الصدقة تدفع ميتة السوء .

و من ذلك ما ذكره أيضا في الكافي بإسناده إلى أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال : البر و الصدقة ينفيان الفقر و يزيدان في العمر و يدفعان ميتة السوء .

و من ذلك ما ذكره أيضا بإسناده إلى الصادق (عليه السلام) قال : مر يهودي بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له السام عليكم فقال له و عليك فقال أصحابه عليه السام إنما السام الموت فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و كذلك رددته عليه ثم قال إن هذا اليهودي يعقبه أسود في قفاه فيقتله قال فذهب اليهودي فحطب حطبا كثيرا و احتمله ثم لم يلبث أن انصرف فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ضعه فوضعه فإذا فيه أسود عاض فقال يا يهودي أي شي‏ء
[118]
عملت اليوم قال ما عملت إلا عملا حطبي احتطبته و احتملته و جئت به و كان معي قرصان أكلت واحدا و تصدقت على مسكين بواحد فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بها دفع الله عنك أن الصدقة تدفع ميتة السوء عن الإنسان .

و من ذلك ما رويناه عن محمد بن يعقوب أيضا في كتابه المشار إليه بإسناده عن أبي الحسن (عليه السلام) أنه قال : كان رجل من بني إسرائيل و لم يكن له ولد فولد له غلام فقيل له إنه يموت ليلة عرسه فمكث الغلام فلما كان ليلة عرسه نظر إلى شيخ كبير ضعيف فرحمه و دعاه فأطعمه فقال له أحييتني أحياك الله فأتى أباه آت في النوم فقال له سل ابنك ما صنع فسأله فأخبره ثم أتاه مرة أخرى في النوم فقال له إن الله أحيا ابنك بما صنع مع الشيخ .

و من ذلك ما ذكره سعيد بن هبة الله الراوندي رحمه الله في كتاب قصص الأنبياء قال : إن عيسى (عليه السلام) مر بقوم معرسين فسأل عنهم فقيل له إن بنت فلان تهدي إلى فلان فقال إن صاحبتهم ميتة من ليلتهم فلما كان من الغد قيل له إنها حية فجاء بالناس إلى دارها فخرج إليه زوجها فقال (عليه السلام) سل زوجتك ما فعلت البارحة فقالت ما فعلت شيئا إلا أن سائلا كان يأتيني كل ليلة جمعة فأنيله شيئا و أنه جاء ليلتنا فهتف ثم قال عز علي أن لا يسمع صوتي و عيالي يبقون الليلة جياعا فقمت متنكرة و أنلته
[119]
ما كنت أنيله فيما مضى فقال عيسى (عليه السلام) تنحى عن مجلسك فتنحت فإذا بفراشها أفعي عاض على ذنبه فقال لها بما صنعت صرف عنك هذا .

و من ذلك ما رواه أبو العباس عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب الدلائل في دلائل الصادق (عليه السلام) بإسناده إلى ميسر قال : قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) يا ميسر قد حضر أجلك غير مرة و يؤخره الله تعالى بصلتك رحمك و برك قرابتك .

و أما دفع البلاء و القضاء بالدعاء فأنا ذاكر من الدعوات في الرخاء و البلاء عدة مقامات تكون عند كل مسلم من أعظم الشهادات منها مقام الأنبياء (عليهم السلام) في الرخاء و الرجاء دعاء زكريا (عليه السلام) فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا فقال جل جلاله يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا و منها دعاء الأنبياء عند الابتلاء دعاء أيوب (عليه السلام) رب إني مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فقال جل جلاله فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَ آتَيْناهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَ ذِكْرى لِلْعابِدِينَ و منها دعاء الأنبياء عند النصر على الأعداء دعاء نوح (عليه السلام) رب إني مغلوب فانتصر فأجابه الله جل جلاله فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ و منها دعاء الأنبياء فيما يخافون به ما يقضي على الحياة دعاء يونس (عليه السلام) لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فقال جل جلاله وَ نَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَ كَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ و منها مقامات الأولياء كأصحاب طالوت في الدعاء رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَ ثَبِّتْ أَقْدامَنا وَ انْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ
[120]
فقال جل جلاله فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَ قَتَلَ داوُدُ جالُوتَ و منها دعاء أصحاب الكهف حين دعوا فقالوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَ هَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً فقال جل جلاله فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً ثُمَّ بَعَثْناهُمْ و منها مقامات النساء في الدعاء كدعاء امرأة فرعون إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَ نَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَ عَمَلِهِ وَ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ فروي في الأحاديث إجابة سؤالها و منها مقامات العصاة في الدعاء كقوم إدريس (عليه السلام) فإنه دعا عليهم أن يحبس عنهم الغيث فبقوا عشرين سنة لم يمطروا فدعوا الله جل جلاله فأجاب سؤالهم و كقوم يونس (عليه السلام) فإنه دعا عليهم فدعوا الله تعالى فرحمهم و عكس في الظاهر على نبيهم و بلغتهم آمالهم و منها الأمم الهالكون في العذاب فقد بينهم الله جل جلاله في الكتاب و ذكر لعل المراد منه أنهم لو دعوه لزالت كروبهم قال سبحانه فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَ لكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ و منها دعاء أعظم الجناة في حال إصراره و استكباره إبليس إذ قال اجعلني من المنظرين فأجابه الله جل جلاله بقوله فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ أقول فهل بقيت شبهة أن الدعاء دافع للبلاء عند العقلاء .

[121]

الصورة الرمزية النّجف الأشرف
النّجف الأشرف
عضو
°°°
افتراضي
الباب الخامس فيما نذكره ممن كان عالما بالنجوم من الشيعة أو حول مولده الموسوم
أقول قد تقدم في الكتاب أن جماعة من بني نوبخت و هم أعيان الشيعة كانوا علماء في هذا الباب و وقفت على عدة مصنفات لهم في النجوم و أنها دلالات على الحادثات و كان الحسن بن موسى أبو محمد النوبختي عارفا بعلم النجوم و قدوة في تلك العلوم و صنف كتابا استدرك فيه على أبي علي الجبائي لما رد على المنجمين و قد وقفت على كتاب أبي محمد و ما فيه من موضع يحتاج إلى زيادة تبين و قد ذكره النجاشي في فهرست مصنفي الشيعة فقال الحسن بن موسى أبو محمد النوبختي شيخنا المبرز على نظرائه في زمانه قبل الثلاث مائة و بعدها له على مذهب الأوائل كتب كثيرة منها كتاب الآراء و الديانات كتاب كبير حسن يحتوي على علوم كثيرة قرأت هذا الكتاب على شيخنا أبي عبد الله رحمه الله أقول إن هذا الكتاب المسمى الآراء و الديانات عندنا الآن و وقفت على معرفته فيه بعلم النجوم و ما اختاره و ما رده على أهل الأديان ثم ذكر النجاشي في كتبه كتاب الرد على أبي علي الجبائي في رده على المنجمين و قال شيخنا أبو جعفر الطوسي عن الحسن بن موسى النوبختي أنه كان إماميا حسن الاعتقاد أقول و قال الشيخ الطوسي في كتاب الرجال الحسن بن موسى النوبختي ابن أخت أبي سهل أبو محمد متكلم فقيه
[122]
و أقول وصل إلينا من كتبه أيضا كتاب الرصد على بطليموس في هيئة الفلك و الأرض .

و من علماء المنجمين الشيخ الفاضل أحمد بن خالد بن عبد الرحمن البرقي و قد نص عليه شيخنا أبو جعفر الطوسي في كتاب الفهرست و الشيخ أحمد بن العباس النجاشي فقالا : كان ثقة في نفسه و ذكرا أسماء كتبه و أنه صنف كتابا في علم النجوم .

و من العلماء بالنجوم الشيخ الفاضل أحمد بن محمد بن طلحة أبو عبد الله و هو ابن أخي أبي الحسن علي بن عاصم المحدث يقال له العاصمي و قد أثنى عليه شيخنا أبو جعفر الطوسي و الشيخ أحمد بن العباس النجاشي في كتابيهما في فهرست أسماء المصنفين من الشيعة و قالا : إنه ثقة و ذكرا في كتبه كتاب النجوم .

و ممن وقفت على تصنيفه من الشيعة فيما يتعلق بالنجوم الشيخ أحمد بن العباس النجاشي مؤلف كتاب فهرست المصنفين و ذكر فيه أن كتابا صنفه أسماه كتاب مختصر الأنوار في مواضع النجوم .

و من المذكورين بعلم النجوم و المصنفين فيها الجلودي من أصحابنا في البصرة فيما صنفه أبو العباس مؤلف كتاب فهرست كتب المصنفين فإنه لما ذكر مصنفاته قال و فضل ثواب الأعمال و الطب و النجوم.

و من العلماء بالنجوم من الشيعة علي بن محمد العدوي الشمشاطي
[123]
و قد أثنى عليه أبو العباس النجاشي في كتابه فقال عنه كان شيخنا بالجزيرة فاضل أهل زمانه و أديبهم و ذكر في تصانيفه رسالة في إبطال أحكام النجوم أقول قوله في إبطال أحكام النجوم لعلة في إبطال أن تكون النجوم علة فاعلة أو مختارة و هما باطلان و لم أقف على رسالته هذه إلى الآن .

و من العلماء بالنجوم من الشيعة و المصنفين فيها علي بن محمد بن العباس بن فسابخس قال أحمد بن العباس النجاشي كان عالما بالأخبار و الأشعار و السير و الآثار ما رئي في زمانه مثله و ذكر في تصانيفه كتاب الرد على المنجمين و كتاب الرد على أهل المنطق و كتاب الرد على الفلاسفة .

و من العلماء بالنجوم من الشيعة محمد بن أبي عمير و هو من أعلم أهل زمانه علما و فضلا و ورعا و نبلا عند المؤالف و المخالف و قد بالغ شيخنا أبو جعفر الطوسي و النجاشي في الثناء عليه .

و من ذلك و روى الشيخ أبو جعفر بن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه ما هذا لفظه :و روي عن ابن أبي عمير قال : كنت أنظر في علم النجوم و أعرفها و أعرف الطالع فتداخلني من ذلك شي‏ء فشكوت ذلك إلى أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام)
[124]
فقال إذا وقع في نفسك شي‏ء فتصدق على أول مسكين ثم امض فإن الله تعالى يدفع عنك .

أقول و روينا هذا الحديث أيضا من كتاب التجمل الذي تاريخه سنة ثلاث و ثلاثين و مائتين فقال في باب الفأل و الطيرة ما هذا لفظه محمد بن أذينة عن ابن أبي عمير قال : كنت أنظر في النجوم و أعرف الطالع فيدخلني من ذلك شي‏ء فشكوت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فقال إذا وقع في نفسك شي‏ء من ذلك فخذ شيئا و تصدق به على أول مسكين تلقاه فإن الله تعالى يدفع عنك .

أقول و لو لم يكن في الشيعة عارفا بالنجوم إلا محمد بن أبي عمير لكان حجة في صحتها و إباحتها لأنه من خواص الأئمة (عليه السلام) و الحجج في مذاهبها و رواياتها .

و من العارفين بالنجوم من الشيعة و المصنفين فيها الشيخ المعظم عند كافتهم و المتفق على عدالته و جلالته عند خاصتهم و عامتهم محمد بن مسعود بن محمد بن عياش و قد أثنى عليه محمد بن إسحاق النديم و شيخنا أبو جعفر الطوسي و أحمد بن العباس النجاشي و بالغوا في الثناء عليه رضوان الله عليهم و عليه و ذكروا له كتابا في النجوم .

و من العلماء بالنجوم المصنفين فيه الشيخ الفاضل محمد بن علي الكراجكي رحمه الله وقفت له على تصنيفين فيها و في صحة أنها دلالات على الحادثات و تضمن فهرست كتبه تصانيف فيها غير ما أشرت إليه و لم أقف عليه و لقد كان فاضلا في العلم فيها معتمدا عليه .

[125]
و من العلماء بالنجوم من الشيعة الإمامية المشهورين بعلمها و المصنفين في فضلها موسى بن الحسن بن عباس بن إسماعيل بن نوبخت قال أحمد بن العباس النجاشي كان حسن المعرفة بالنجوم و له فيها كلام كثير و كان مقوما عالما و كان مع هذا متدينا حسن الاعتقاد و العبادة و له مصنفات في النجوم و كان مع حسن معرفته بعلم النجوم حسن الدين و العبادة .

و من العلماء بالنجوم من الشيعة الفضل بن أبي سهل بن نوبخت وصل إلينا من تصانيفه كتاب في المساءلة و ابتداء الأعمال المعروف بالسجل و هو كتابه الثاني يدل على قوة معرفته بعلم النجوم و أنه قدوة في هذه العلوم .

و من علماء النجوم و المصنفين فيها السيد الفاضل أبو القاسم علي بن أبي الحسن العلوي الحسيني المعروف بابن الأعلم قال العمري النسابة في كتاب الشافي منهم صاحب الزيج ابن الأعلم و كان مقدما في صناعته و هو أبو القاسم علي بن أبي الحسن علي بن أبي المجيب علي بن جعفر بن محمد الأعلم و رأيت جماعة يثنون على علمه وصل إلينا من تصانيفه هذا الزيج المشار إليه و هو في معناه معتمد عند جماعة عليه و ذكر العمري النسابة في سابع المبسوط ما هذا لفظه و أبا القاسم عليا المنجم الحاذق ببغداد صاحب الزيج و وجدت في كتاب عندنا الآن فيه مواليد الخلفاء و الملوك و كثير من العلماء ذكر فيه ما هذا لفظه ولد أبو القاسم علي بن
[126]
محمد بن الأعلم العلوي المنجم بالكوفة يوم الثلاثاء ثالث عشر ربيع الآخر سنة أربع و عشرين و ثلاث مائة و ذكر زائجته و أن طالع مولده الميزان .

و من المذكورين بعلم النجوم من العلويين من ذكره العمري في كتاب الشافي في النسب عند ذكر أبي الحسن النقيب الملقب أبا قيراط أبي عبد الله المحدث و أولاده فقال العمري ما هذا لفظه و منهم أبو الحسن المنجم المبجل مات دارجا .

و من الموصوفين بعلم النجوم الشيخ الفاضل الشيعي علي بن الحسين بن علي المسعودي مصنف كتاب مروج الذهب له تصانيف جليلة و منزلته في العلوم و التواريخ و الرئاسة كبيرة .

و من أولئك من حدثني به الحسين بن الدورقي و قال إن الشيخ الفقيه أبا القاسم بن مانع من أصحابنا الشيعة كان قريبا من زقاقنا و كان ممن يقرأ عليه في الفقه و علم الكلام و كان عارفا بعلم النجوم معروفا بذلك .

و ممن أدركته من علماء الشيعة العارفين بالنجوم و عرفت بعض إصاباته العالم الزاهد الملقب بخطير الدين محمود بن محمد و كان قد أوصى إلي حين ورد العراق و هو إذ ذاك بمشهد موسى بن جعفر (صلى الله عليه وآله وسلم) و أنا في تلك الأوقات مقيم ببغداد و قد مرض في سنة اقتضت دلالة النجوم أن عليه قطعا و عرفني موضع القطع عليه منها و قال تعاهدني فإني إذا تجاوزته بقيت عشر سنين و إلا فإنه مخوف فمات
[127]
رحمه الله في الوقت الذي ذكره لي أقول و من إصابته أننا قد توصلنا إليه و للشيخ الصالح بدر الأعجمي في رسمين في أيام المستنصر لكل واحد خمسون دينارا فسعى بهذا الشيخ محمود إلى المستنصر بأنه غير محتاج إلى الرسم و أن بدرا الأعجمي فقير مستحق لذلك فاعتبر الشيخ محمود بن محمد وقتا عرفه بالنجوم و قصد لأخذ رسمه و قد تقدم بقطعه فسلموه إليه و جاء بعده بدر فمنع مع ظهور فقره فبقينا مدة نجتهد لبدر حتى استدركنا إعادة رسمه و توفي رحمه الله في تلك السنة .

و ممن اشتهر بعلم النجوم بدقة رأيه من علماء الشيعة الشيخ الفاضل نصر بن الحسن القمي وصل إلينا من تصانيفه كتاب المدخل في علم النجوم .

و ممن اشتهر بعلم النجوم و قيل إنه من علمائه أبو سعيد أحمد بن محمد بن عبد الجليل السنجري وصل إلينا من تصانيفه كتاب سني المواليد و كان والده محمد بن عبد الجليل السنجري من الفضلاء في علم النجوم وصل إلينا من تصانيفه كتاب الزيجات في استخراج الهيلاج و الكدخدا و مقالة في فتح الباب .

و ممن اشتهر بعلم النجوم و قيل إنه من الشيعة الشيخ الفاضل أبو الحسن علي بن أحمد العمراني وصل إلينا من تصانيفه كتاب المواليد و الاختيارات قال محمد بن إسحاق النديم في كتاب الفهرست إنه من أهل
[128]
الموصل و كان فاضلا تقصده الناس من المواضع البعيدة لتقرأ عليه .

و ممن اشتهر بعلم النجوم من بني العباس الشريف الفاضل أبو علي محمد بن عبد العزيز الهاشمي وصل إلينا من تصانيفه كتاب الجوابات الحاضرة في علاج عبد الله بن أحمد بن الحسن .

و ممن اشتهر بعلم النجوم من بني العباس أيضا الشريف الفاضل أبو القاسم علي بن القاسم القصري وصل إلينا من تصانيفه كتاب ترتيب حساب دساتر الكواكب السبعة .

و ممن ظهر عليه علم النجوم من الشيعة إبراهيم الفزاري صاحب القصيدة في النجوم و كان منجما للمنصور في زمنه.

و ممن اشتهر بعلم النجوم من الشيعة أحمد بن يوسف بن إبراهيم المصري كان منجما لآل طولون وصل إلينا من تصانيفه كتاب تفسير الثمرة لبطليموس .

و ممن اشتهر بعلم النجوم من علماء الشيعة الشيخ الفاضل محمد بن عبد الله بن عمر البازيار القمي تلميذ أبي معشر وصل إلينا من تصانيفه كتاب القرانات و الدول و الملل .

و ممن اشتهر بعلم النجوم و قيل إنه من علماء الشيعة الشيخ الفاضل إسحاق بن يعقوب الكندي وصل إلينا من تصانيفه رسالته في علم النجوم خمسة أجزاء و ذكر محمد بن إسحاق النديم في الجزء الرابع من الفهرست نسب الكندي و أنه من ولد محمد بن الأشعث بن قيس
[129]
و قال إنه فاضل دهره في علومه واحد عصره في نجومه ثم ذكر له أحد و ثلاثين كتابا و رسالة في دلالة علوم الفلاسفة على مذهب الإسلام و علوم النبوة و أحد عشر كتابا في الحسابيات و ثمانية كتب في الكريات و سبعة كتب في الموسيقات و تسعة و عشرين كتابا في النجوميات منها كتاب أن رؤية الهلال لا تضبط على الحقيقة و إنما القول فيها بالتقريب و اثنين و عشرين كتابا في الهندسة و ستة عشر كتابا في الفلك و اثنين و عشرين كتابا في الطب و تسعة كتب في أحكام النجوم و ستة عشر كتابا في الجدل و خمسة كتب في النفس و أحد عشر كتابا في السياسة و أربعة عشر كتابا في الأحداث و ثمانية كتب في الإبعاد و ستة و ثلاثين كتابا في التقدميات و وصف محمد بن إسحاق كل كتاب من جميع ما ذكرناه بأسمائها فأوردت الأسماء لتعلم مواهب الله جل جلاله و عنايته به .

و ممن اشتهر في علم النجوم من فضلاء الشيعة الشيخ الفاضل أبو الحسين بن أبي الخصيب القمي صاحب كتاب كار مهتر و له عدة تصانيف و كان مقيما بالكوفة .

و ممن كان قائلا بصحة النجوم و أنها دلالات الشيخ المتفق على علمه و عدالته أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه فإننا روينا عنه في كتاب الخصال صحة ذلك و قد تضمن في خطبة كتاب من لا يحضره الفقيه أنه لا يذكر فيه إلا ما يفتي فيه و يحكم بصحته و يعتقد أنه حجة بينه و بين الله جل جلاله .

[130]
و وجدت في بعض ما وقفت عليه : أن والده المعظم علي بن الحسين بن بابويه رضي الله عنه كان ممن أخذ طالعه في النجوم و أن ميلاده بالسنبلة و علي بن بابويه كانت له مكاتبة إلى مولانا المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم) على يد أبي القاسم الحسين بن روح رضوان الله عليه و اجتمع به على يد علي بن جعفر بن الأسود و هو الذي سأله أن يرزقه الله الولد فيما كتبه إلى مولانا المهدي سلام الله عليه فكتب إليه قد دعونا الله تعالى لك بذلك و سترزق ولدين ذكرين خيرين و ذكر جماعة أنهم كانوا عند أبي الحسن علي بن محمد السمري رحمه الله فقال رحم الله علي بن الحسين بن بابويه فقيل له إنه حي فقال إنه مات في يومنا هذا فكتب فجاء الخبر بأنه مات في ذلك اليوم و قد ذكر هذه المعاني أبو العباس النجاشي في فهرست كتب الشيعة .

و رويت في كتاب اختيار جدي أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي رحمه الله من كتاب أبي عمرو محمد بن عمرو بن عبد العزيز الكشي ما يقتضي : أن الطوسي كان يختار التصديق بحكم النجوم و لا ينكر ذلك و نحن نذكر ما روي عنه في أول اختياره و لم ننقل الحديث بذلك من خطه قدس سره فأما ما ذكرنا عنه في خطبة اختياره لكتاب الكشي فهذا لفظ ما وجدناه أملى علينا الشيخ الجليل الموفق أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي أدام الله علوه و كان ابتداء إملائه يوم الثلاثاء السادس و العشرين من صفر سنة ست و خمسين
[131]
و أربعمائة في المشهد الشريف المقدس الغروي على ساكنه السلام قال هذه الأخبار اختصرتها من كتاب الرجال لأبي عمرو محمد بن عمرو بن عبد العزيز و اخترت ما فيها أقول فأنظر قوله و اخترت ما فيها .

فأما حديث الحكم بالنجوم فيما اختاره الطوسي فهذا لفظ ما رويناه من خطه رضي الله عنه ما روي في أبي خالد السجستاني حمدويه و إبراهيم قالا حدثنا أبو خالد السجستاني : أنه لما مضى أبو الحسن (عليه السلام) وقف عليه ثم نظر في نجومه فعلم أنه قد مات و قطع على موته و خالف أصحابه .

قلت أنا في هذه عدة فوائد منها أن هذا أبا خالد كان واقفيا يعتقد أن أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) ما مات فدله الله تعالى بعلم النجوم على موته و كان هذا سبب هدايته و منها أنه كان من أصحاب موسى بن جعفر (عليه السلام) و لم يبلغنا أنه أنكر عليه النجوم و منها أنه لو علم أبو خالد أن علم النجوم منكر عند إمامه لما اعتمد عليه في عقيدته و منها اختيار جدي الشيخ الطوسي رضوان الله عليه لهذا الحديث و تصحيحه و قد تقدم ثناؤه قدس سره على جماعة من العلماء بالنجوم .

و ممن اشتهر في علم النجوم من بني نوبخت عبد الله بن أبي سهل و ذكر الزمخشري من أحاديثه في كتاب ربيع الأبرار ما هذا لفظه لما قدم المأمون بغداد وصل الناس على مراتبهم و أغفل عن عبد الله بن أبي سهل بن نوبخت المنجم فقال .

أصبت و أخطأ قبل كل منجم *** فقرب من أخطأ و كنت المبعدا
[132]
فلو أنهم كانوا أصابوا لما قضوا *** و كنت الذي أخطأ القضاء لما عدا

أقول و قد قدمنا ذكر جماعة من بني نوبخت و عملهم بالنجوم بإذن الصادق (عليه السلام) لمن استأذنه منهم و كانوا من أعيان الشيعة .

و من مدائحهم بعلم النجوم ما مدحهم به ابن الرومي الشيعي و أفرط على عادة الشعراء فقال .

أعلم الناس بالنجوم بنو نوبخت *** علما لم يأتهم بالحساب

‏بل بأن شاهدوا السماء علوا *** يترقى في المكرمات الصعاب

‏ساوروها بكل علياء حتى *** بلغوها مفتوحة الأبواب

و من المعلومين بعلم النجوم و المصنفين فيها من أتباع بعض أهل البيت (عليهم السلام) من ذكره محمد بن إسحاق النديم في الجزء الرابع من الفهرست فقال ما هذا لفظه ابن قرة و يكنى أبا علي كان منجما للعلوي المصري و ذكر كتبا من تصانيفه .

و من المذكورين بالتصنيف في علم النجوم الحسن بن أحمد بن محمد بن عاصم المعروف بالعاصمي المحدث الكوفي ثقة سكن بغداد ذكره ابن شهرآشوب في كتاب معالم العلماء .

و ممن اشتهر بعلم النجوم من المنسوبين إلى مذهب الإمامية الفضل بن سهل وزير المأمون الذي تعصب لمولانا الرضا (صلى الله عليه وآله وسلم) أبلغ العصبية و قد ذكره جدي أبو جعفر الطوسي في كتاب الرجال من أصحاب الرضا (عليه السلام) و قد ذكرنا فيما تقدم ما يدل على علمه بها
[133]
و نزيد هاهنا ما يدل على بعض إصاباته في أحكامها و دلائلها فنقول قد روى صاحب التأريخ محمد بن عبدوس الجهشياري و غيره ما معناه أنه لما وقع بين الأمين و المأمون ما وقع و اضطربت خراسان و طلب جند المأمون أرزاقهم و توجه علي بن عيسى بن ماهان من العراق لحرب المأمون و صعد المأمون إلى منظرة للخوف على نفسه من جنده و معه الفضل و قد ضاق عليه مجال التدبير و عزم على مفارقة ما هو فيه أخذ الفضل طالعه و رفع أسطرلابه فقال له ما تنزل هذه المنزلة إلا خليفة غالبا لأخيك الأمين فلا تعجل و ما زال يسكنه و يثبته حتى ورد عليهم في تلك الساعة رأس ابن ماهان و قد قتله طاهر و ثبت ملكه و زال ما كان يخافه و ظفر بالأمان .

و من إصابات الفضل بن سهل ما ذكره الطبري و ابن مسكويه في تاريخهما فقالا في أخبار المأمون ما هذا معناه : إن المأمون لما استشار الفضل بن سهل في أمر الأمين و كان الفضل ينظر في النجوم و كان جيد المعرفة بأحكامها فرأى الغلبة لعبد الله المأمون و العاقبة له عرف المأمون بذلك فوطن نفسه على محاربة الأمين و مناجزته .

و ممن كان عالما بالنجوم من المنسوبين إلى الشيعة الحسن بن سهل و قد ذكره جدي أبو جعفر الطوسي في كتاب الرجال من أصحاب الرضا (عليه السلام) و قد تقدم ما ينبه على علمه بها فمن إصاباته فيها ما ذكره أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه في كتاب عيون أخبار الرضا (عليه السلام) فقال بإسناده إلى ياسر خادم الرضا (عليه السلام) قال ورد على الفضل
[134]
كتاب من أخيه الحسن بن سهل إني نظرت في تحويل هذه السنة في حساب النجوم فوجدت أنك تذوق في شهر كذا يوم الأربعاء حر الحديد و حر النار و أرى أنك تدخل أنت و الرضا و أمير المؤمنين الحمام في هذا اليوم و تحتجم و تصب الدم على بدنك ليزول نحسه عنك فكتب الفضل بذلك إلى المأمون و سأله أن يدخل الحمام معه و سأل أبا الحسن الرضا ذلك و كتب المأمون إلى الرضا ذلك و سأله فكتب إليه الرضا لست بداخل الحمام غدا و لا أرى لك يا أمير المؤمنين أن تدخل الحمام غدا و لا أرى للفضل أن يدخل الحمام غدا فأعاد إليه الرقعة مرتين فكتب إليه أبو الحسن الرضا (عليه السلام) لست بداخل الحمام غدا فإني رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذه الليلة في النوم يقول لي يا علي لا تدخل الحمام غدا فكتب إليه المأمون يقول صدقت يا سيدي و صدق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أنا لست بداخل غدا الحمام و الفضل فهو أعلم و ما يفعل قال ياسر فلما أمسينا و غابت الشمس قال لنا الرضا (عليه السلام) قولوا نعوذ بالله من شر ما ينزل في هذه الليلة فأقبلنا نقول ذلك فلما صلى الرضا (عليه السلام) الصبح قال لنا قولوا نعوذ بالله من شر ما ينزل في هذا اليوم فما زلنا نقول ذلك فلما كان قريبا من طلوع الشمس قال الرضا (عليه السلام) لي اصعد السطح و أصغ هل تسمع شيئا فلما صعدت سمعت الصيحة و النحيب و كثرة ذلك و إذا بالمأمون قد دخل من الباب الذي كان من داره إلى دار أبي الحسن الرضا (عليه السلام) و هو يقول آجرك الله
[135]
يا أبا الحسن بالفضل كان دخل الحمام فدخل عليه قوم بالسيوف و قتلوه هذا مرادنا من الحديث .

أقول : و ما يخفى على من يفهم أن امتناع الرضا (عليه السلام) من دخوله الحمام و إشارته إلى المأمون أن لا يدخل هو و لا الفضل الحمام في ذلك الوقت و تعوذ جماعة الرضا (عليه السلام) من شر تلك الليلة و ذلك اليوم و أمر ياسر بصعود السطح في وقت القتل يدل على أن الله جل جلاله كان قد أطلعه على تفصيل ما يجري على الفضل .

أقول : و كنت لما وجدت الأخبار متظافرة بمعرفة الفضل بن سهل في النجوم أتعجب كيف ما دلته معرفته على ما يحذر عليه من القطع و القتل و كيف احتاج إلى تعريف أخيه الحسن بالقطع عليه حتى رأيت بعد ذلك في كتاب الوزراء جمع عبد الرحمن بن المبارك ما هذا لفظه و : ذكر أبو عيسى محمد بن سعيد أنه وجد على كتاب من كتب ذي الرئاستين بخطه هذه السنة الفلانية التي تكون فيها النكبة و إلى الله نرغب في دفعها و إن صح من حساب الفلك فيها شي‏ء فالأمر واقع لا محالة و نسأل الله أن يختم لنا بخير بمنه تعالى و كان يعمل لذي الرئاستين تقويم في كل سنة يوقع عليه هذا يوم يصلح لكذا و يجتنب فيه كذا فلما كان في السنة التي قتل فيها عرض عليه التقويم فجعل يوقع فيه ما يصلح و ما يجتنب حتى انتهى إلى اليوم الذي قتل فيه قال أف لهذا اليوم ما أشره ثم قال عبد الرحمن بعد أحاديث ذكرها عن أخت الفضل قالت دخل الفضل إلى أمه في الليلة التي قتل في صبيحتها فقعد إلى جانبها
[136]
و جعل يعظها و يعزيها عن نفسه و يذكرها حوادث الدهر ثم قبل صدرها و ثدييها و ودعها وداع المفارق ثم قام فخرج قلقا منزعجا لما دخل عليه من الحساب و جعل ينتقل من موضع إلى موضع و من مجلس إلى مجلس و امتنع عليه النوم فلما كان في السحر قام إلى الحمام و قدر غمتها و حرارتها و كربها هو الذي دلت عليه النجوم فقدمت له بغلة فركبها و كانت الحمام في آخر البستان فكبت به البغلة فسره ذلك و قدر أنها هي النكبة التي كان يتخوفها ثم مشى إلى الحمام و لم يزل ماشيا حتى دخل الحمام فاغتسل فيها فقتل .

يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس مصنف هذا الكتاب اعلم أن تعريف الله جل جلاله بدلالة النجوم للعلم بها على موضع القطوع و ستره جل جلاله للكيفية و النكبات و تغطيتها عنهم من أي الجهات شهادات واضحات على أنه فاعل مختار يظهر من اختياره و تدبيره ما شاء و لو كانت النجوم علة موجبة أو مختارة لانتصب الكشف بالكلية و لو كان الفضل بن سهل غير متعلق بالأمور الدنيوية لكان قد قبل نهي مولانا الرضا (عليه السلام) عن دخول الحمام في ذلك الوقت أو كان عوض التنقل من موضع إلى موضع قد صانع الله الفاعل المختار بالصدقات يقدمها عن نفسه و لو شيئا بعد شي‏ء أو بالدعوات كما ذكر مولانا الكاظم (عليه السلام) في إزالة القطع كما قدمناه و أقول قد ذكر محمد بن عبدوس الجهشياري عند ذكر الفضل بن سهل نحو ما ذكره عبد الرحمن بن المبارك من معرفة الفضل بنكبته و العقوبة له و حديثه مع والدته .

[137]
و من المذكورين بعلم النجوم و صحة الحكم بها بوران بنت الحسن بن سهل و قد وجدت من حديثها في مجموع عتيق ما هذا لفظه : كانت بوران بالمنزلة العليا بأصناف العلوم لا سيما في علم النجوم فإنها برعت في درايته و بلغت أقصى غايته و كانت ترفع الأسطرلاب كل وقت و تنظر إلى مولد المعتصم فعثرت يوما يقطع عليه سببه الخشب ; فقالت لوالدها الحسن انصرف إلى أمير المؤمنين و عرفه أن الجارية فلانة قد نظرت إلى المولد و رفعت الأسطرلاب فدل الحساب و الله أعلم على أن قطعا يلحق أمير المؤمنين بالخشب في الساعة الفلانية من يوم عينته .

فقال لها الحسن : يا قرة العين و سيدة الحرائر ; إن أمير المؤمنين قد تغير علينا و ربما أصغى إلى شي‏ء بغير ما تقتضيه المشورة و النصيحة .

قالت : يا أبة ; و ما عليك من نصيحة إمامك لأنه خطر بروح لا عوض لها فإن قبلها و إلا فقد أديت المفروض عليك .

فجاء الحسن إلى المعتصم و أخبره بما قالت ابنته بوران .

فقال المعتصم للحسن : أحسن الله جزاءك و جزاء ابنتك , انصرف إليها و خصها عني بالسلام و سلها ثانيا و احضر عندي في اليوم الذي عينته و لازمني حتى ينصرم اليوم و يذهب فلست أشاركك في هذه المشورة و التدبير بأحد من البشر .

قال : فلما كان صباح ذلك اليوم دخل عليه الحسن فأمر المعتصم كل من كان في المجلس بالخروج و خلا به فأشار عليه أن ينتقل من المجلس السقفي إلى مجلس أزجي لا يوجد فيه وزن درهم واحد من الخشب و ما زال الحسن يحدثه و المعتصم يمازحه و ينشطه حتى أظهر النهار و ضربت نوبة
[138]
الصلاة فقام المعتصم ليتوضأ فقال الحسن له : لا يخرج أمير المؤمنين من هذا الموضع و ليكن الوضوء و الصلاة و ما يريده فيه حتى ينصرم الوقت .

فجاء خادم و معه المشط و المسواك فقال الحسن للخادم : امتشط بالمشط و استك بالمسواك .

فقال : و كيف أتناول آلة أمير المؤمنين ؟

فقال المعتصم : ويلك امتثل قول الحسن و لا تخالفه .

ففعل , فسقطت ثناياه و انتفخ دماغه و خر مغشيا عليه و رفع ميتا .

فقام الحسن ليخرج فاستدعاه المعتصم إليه و احتضنه و لم يفارقه حتى قبل عينيه و رد على بوران أملاكا و ضياعا كان ابن الزيات سلبها منها .

أقول و رأيت هذا الحكم من بوران في المجلد الرابع من أخبار الوزراء و الكتاب تأليف أبي عبد الله محمد بن عبدوس الجهشياري فذكرته من الكتاب بلفظه قال حدثنا علي بن محمد بن العباس قال : كان المعتصم منحرفا عن الحسن بن سهل و أصحابه و قد كان حاز كثيرا من أملاكهم فقالت بوران لأبيها الحسن بن سهل إني نظرت في حساب المعتصم فوجدته يدل على شي‏ء يجب أن يحذر عنه في الوقت الذي ينكب من جهته و هو الخشب فاجتمع معها على النظر في ذلك فوجد الأمر على ما قالت فقال لها لست آمن مع انحرافه عنا أن لا يقع منه هذا موقعه فقالت اقض ما عليك و هو أعلم و ما يختار فصار إلى باب المعتصم فاستأذن استئذان من يريد أن ينهى شيئا لما قيل قد انحرف فاستقبله على كره فلما وصل قدم تقدمه بذكرها يلزمه من النصح و الصدق عما يقف عليه و عرفه ما وقف عليه من الحكم في النجوم فقلق المعتصم بذلك فقال له تأذن لي أن
[139]
ألزمك إلى انقضاء الوقت فقال افعل فلزمه يومه و ليلته إلى آخرها فلم يحدث شي‏ء ينكره فلما كان وقت الصبح أقبل الخادم بالماء و الوضوء و المسواك فنهض الحسن و قبض على المسواك فمنعه الخادم منه فقال الحسن ليس بد من أخذه فارتفع الكلام بينهما إلى أن سمعه المعتصم فقال أعطه المسواك فدفعه إليه فقال تقدم يا أمير المؤمنين لهذا الخادم أن يستاك بهذا المسواك ففعل فلما استاك به وقعت ثنيتاه و أسنانه و سقط ميتا من وقته و إذا المسواك مسموم فحمل بدفع ذلك عند المعتصم و كان ذلك سبب رجوعه إلى الحسن و أهله و ذكر في أخبار المأمون أن بوران لقب فارسي و أن اسمها خديجة .

و مما يقتضي أن الحسن بن سهل كان من الموالين و كان علمه بالنجوم ما يضره في الدنيا و لا في الدين وصف شخص لإمام زمانه أنه من مواليه و سؤاله عن مهمات شأنه كما ذكره محمد بن الحسن بن الوليد الثقة الأمين و رواه عنه بإسناده محمد بن بابويه رضوان الله عليه في كتاب الجامع فقال حدثنا محمد بن الحسن الصفار و عبد الله بن جعفر الحميري عن محمد بن عيسى بن عبيد عن هشام بن إبراهيم العباسي قال : قلت للرضا (عليه السلام) أمرني بعض مواليك أن أسألك عن مسألة .

قال : و من هو ؟

قلت : الحسن بن سهل أخو الفضل بن سهل ذي الرئاستين .

قال : في أي شي‏ء المسألة ؟

قلت : في التوحيد .

قال : في أي التوحيد ؟

قلت : يسألك عن الله تعالى جسم أو ليس بجسم ؟

فقال : إن الناس في التوحيد ثلاثة فمذهب إثبات تشبيهه ; لا يجوز .

[140]
و مذهب النفي ; لا يجوز .

فلا محيص عن المذهب الثالث ; إثبات بلا تشبيه .

أقول : المراد من هذا الحديث أنه سمي الحسن بن سهل أنه من مواليه (عليه السلام) و أن الحسن عدل عن العلماء و خص مولانا الرضا (عليه السلام) بهذا السؤال و أن الرضا ما أنكر قوله أنه من مواليه و لا توقف عن جوابه بجواب شاذ يرتضيه و ممن ذكر هذه الحكاية أبو عبد الله محمد بن عبدوس الجهشياري في كتاب الوزراء و قال لما ذكره بان البشر في وجهه و انتفض عليه سروره عند ذكره .

و قد ذكر محمد بن عبدوس الجهشياري في كتاب الوزراء أحاديث عن يحيى بن خالد تقتضي أن يحيى كان عارفا بالنجوم فقال ما هذا لفظه : قال إسماعيل بن صبيح كنت يوما أكتب بين يدي يحيى بن خالد فدخل عليه جعفر بن يحيى فأشاح بوجهه عنه و قطب و كره رؤيته فلما انصرف قلت له أطال الله بقاءك أ تفعل هذا بابنك و حاله عند أمير المؤمنين حال لا يقدم عليه أحدا والدا و لا ولدا فقال إليك عني أيها الرجل فو الله لا يكون هلاك هذا البيت إلا بسببه فلما كان بعد مدة من ذلك دخل إليه جعفر أيضا و أنا بحضرته ففعل مثل فعله الأول فكررت عليه القول فقال ادن مني الدواة فأدنيتها فكتب كلمات يسيرة في رقعة و ضمها و دفعها إلي و قال لتكن عندك فإذا دخلت سنة سبع و ثمانين و مائة و مضى المحرم فانظر فيها فلما كان في صفر الذي أوقع الرشيد بهم فيه نظرت في الرقعة فكان في الوقت الأمر الذي ذكر قال إسماعيل بن صبيح و كان يحيى بن خالد أعلم الناس بالنجوم .

[141]
و ذكر محمد بن عبدوس الجهشياري أيضا في كتاب الوزراء من أخبار يحيى بن خالد في معرفة النجوم ما هذا لفظه قال موسى بن نصير الوصيف حدثني أبي قال : غدوت إلى يحيى بن خالد في آخر أمرهم أريد عيادته من علة كان يجدها فوجدت في دهليزه بغلا مسرجا فدخلت إليه و كان يأنس بي و يفضي إلي بسره فوجدته مفكرا مهموما و رأيته مستخليا مشتغلا بحساب النجوم ينظر فيه فقلت له إني لما رأيت بغلا مسرجا سررت لأني قدرت إيقاف البغلة أوان عزمك الركوب ثم غمني ما أراه من غمك فقال إن لهذا قصة إني رأيت البارحة في النوم كأني راكبها حتى وافيت الجسر من الجانب الأيسر فوقفت و إذا صائح يصيح من الجانب الآخر .

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا *** أنيس و لم يسمر بمكة سامر

قال فضربت بيدي على قربوس السرج و قلت :

بلى نحن كنا أهلها فأبادنا *** صروف الليالي و الجدود العواثر

ثم انتبهت فلم أشك إنا أردنا بالمعنى فلجأت إلى أخذ الطالع فأخذته و ضربت الأمر ظهرا لبطن فوقفت على أنه لا بد من انقضاء مدتنا و زوال أمرنا فما كاد يفرغ من كلامه حتى دخل عليه مسرور الخادم و أتى بجونة مغطاة و فيها رأس جعفر بن يحيى و قال له يقول لك أمير المؤمنين كيف رأيت نقمة الله في الفاجر فقال له يحيى قل له يا أمير المؤمنين أرى أنك أفسدت عليه دنياه و أفسد عليك آخرتك أقول أنا و هذا غاية المعرفة بالنجوم
[142]
و ممن كان عارفا بالنجوم من الشيعة أخو الفضل بن سهل النوبختي الذي قدمنا ذكره في بعض فصول هذا الباب و قد ذكر معرفته بدلالتها أبو جعفر محمد بن بابويه رحمه الله في الجزء الثاني من عيون أخبار الرضا فقال ما هذا لفظه قال الصولي و قد صح عندي ما حدثني به أحمد بن عبد الله من جهات منها أن عون بن محمد حدثني عن الفضل بن سهل عن أخ له قال لما عزم المأمون على عقد عهد الرضا (عليه السلام) قلت و الله لأعرفن ما في نفس المأمون من هذا الأمر أ يحب إتمامه أم يتصنع به فكتبت إليه على يد خادم له كان يكاتبني بأسراره على يده أنه قد عزم ذو الرئاستين على عقد العهد و الطالع السرطان و فيه المشتري و السرطان و إن كان شرف المشتري و لكنه برج منقلب لا يتم أمر يعقد فيه و مع هذا فإن المريخ في الميزان في بيت العاقبة و هذا يدل على نكبة المعقود له عرفت أمير المؤمنين ذلك لئلا يعتب علي إذا وقف على هذا من غيري فكتب إلي إذا قرأت جوابي إليك فاردده مع الخادم إلي و نفسك أن يقف أحد على ما عرفتنيه و أن يرجع ذو الرئاستين عن عزمه ألحقت الذنب بك و علمت أنك سببه قال فضاقت علي الدنيا و تمنيت أني ما كتبت إليه ثم بلغني أن الفضل قد تنبه على الأمر و رجع عن عزمه و كان حسن العلم بالنجوم فخفت و الله على نفسي و ركبت إليه فقلت له أ تعلم في السماء نجما أسعد من المشتري قال لا قلت أ فتعلم أن الكواكب تكون أسعد منها في شرفها قال لا قلت فامض العزم على رأيك إن
[143]
كنت تعتقد أن الفلك في أسعد حالاته فأمضى الأمر على ذلك فما علمت أني من أهل الدنيا حتى وقع العقد فزعا من المأمون .

و من المعروفين في علم النجوم من الشيعة أبو جعفر السقاء المنجم الأحول ذكر ذلك جدي أبو جعفر الطوسي في كتاب الرجال في باب الكنى فقال ما هذا لفظه : و كان لقي الرضا (عليه السلام) رآه التلعكبري بدسكرة الملك سنة أربعين و ثلاث مائة و وصف له الرضا و حكى حكايته هذا آخر لفظ الطوسي رحمه الله .

و من الإصابات بدلالات النجوم من امرأة منجمة دخلت في دين يوشع بن نون مما رواه محمد بن خالد البرقي في قصص الأنبياء فقال ما هذا لفظه : عبد الله بن سنان عن عمار بن معاوية قال : و فتحت مدائن الشام على يد يوشع بن نون حين انتهى إلى البلقاء فوجد فيها رجلا يقال له بالق و به سميت البلقاء فجعلوا يخرجون يقاتلونه فلا يقتل منهم رجل فسأله يوشع عن ذلك فقيل له إن في مدينته امرأة منجمة تستقبل الشمس ببرجها ثم تحسب فتعرض عليها الخيل فلا تخرج يومئذ رجلا حضر أجله فصلى يوشع ركعتين و دعا ربه أن يؤخر الشمس فاضطرب عليها الحساب فقالت لبالق انظر ما يفرضون عليك فأعطهم فإن حسابي هذا قد اختلط علي قال فتصفحي الخيل فأخرجي فإنه لا يكون إلا بقتال فتصحفت و أخرجت فقتلوا قتلا لم يقتله قوم فسألوا يوشع الصلح فأبى حتى تدفع إليه المرأة فأبى بالق أن يدفعها فقالت المرأة له ادفعني و صالحه فدفعها إليه فقالت هل
[144]
تجد فيما أوحى إلى صاحبك قتل النساء قال لا قالت أ ليس إنما تدعوني إلى دينك قال بلى قالت فإني قد دخلت في دينك هذا آخر لفظه في حديثه .

و من العارفين بالنجوم من الشيعة و المصنفين فيها محمد بن أحمد بن سليم الجعفي مصنف كتاب الفاخر المختصر من كتاب تحبير الأحكام الشرعية .

و من العلماء بالنجوم من الشيعة فيما ذكره الشيخ الفاضل محمد بن شهرآشوب رضي الله عنه في كتاب معالم العلماء فقال في بعض الشعراء لأهل البيت (عليه السلام) و هم على أربع طبقات المجاهرون و المقتصدون و المتقون و المتكلفون ثم ذكر رحمه الله من جملة المجاهرين بالتشيع ما هذا لفظه أبو الفتح محمود بن الحسين بن السندي بن شاهك المعروف بكشاجم و كان شاعرا أديبا منجما متكلما .

و ممن رأيت ذكره من علماء النجوم مردويه بن إبراهيم بن السندي كان خطيبا ناسبا فقيها و كان منجما طبيبا و كان من رؤساء المتكلمين و كان عالما بالدولة و كان أحفظ الناس لما يسمع .

و من العلماء بالنجوم من الشيعة عفيف بن قيس الكندي أخو الأشعث بن قيس الكندي ذكره المبرد و رأيت في بعض حديثه أنه كان من أصحاب مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) لما صار إلى حرب الخوارج و قد تقدم فيما ذكرناه عن نهج البلاغة .

و من العلماء بالنجوم عضد الدولة بن بابويه و كان منسوبا
[145]
إلى التشيع و لعله كان يرى مذهب الزيدية فممن ذكر معرفته بعلم النجوم الخطيب من تاريخ بغداد في الجزء الحادي و الخمسين عند ذكر الحسن بن أحمد بن عبد الغفار بن سلمان المعروف بأبي علي الفارسي النحوي و قد مدحه الخطيب مع أنه كان فاضلا فقال ما هذا لفظه قال التنوخي ولد أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي النحوي بفارس و قدم بغداد فاستوطنها و سمعنا منه في رجب سنة خمس و سبعين و ثلاث مائة و علت منزلته في النحو حتى قال قوم من تلامذته هو فوق المبرد و أعلم منه صنف كتبا عجيبة حسنة لم يسبق إلى مثلها و اشتهر ذكره في الآفاق و برع له غلمان حذاق مثل عثمان بن جني و علي بن عيسى الشيرازي و غيرهما و خدم الملوك و تقدم عند عضد الدولة و سمعت أبي يقول سمعت عضد الدولة يقول أنا غلام أبي علي النحوي في النحو و غلام أبي الحسين الصوفي في النجوم ثم ذكر أن وفاة أبي علي الفارسي كانت يوم الأحد السابع عشر من ربيع الأول سنة سبع و سبعين و ثلاث مائة .

و من القائلين بصحة علم النجوم و أنها دلالات على الحادثات الشيخ المعظم محمود بن علي الحمصي قدس الله روحه كما حكيناه عنه في هذا الكتاب من كلامه في الجزء الثاني من كتاب التعليق العراقي و يسمى كتاب المرشد إلى التوحيد و المنقذ من التقليد و قد صرح فيه أن النجوم دلالات على الحادثات و أن من أحكم العلم بها أمكنه الوقوف عليها بعلم أو ظن و قد قدمنا ألفاظه بذلك عند ذكر مسألة وجدناها له يحسبها
[146]
من وقف عليها أنه قد ناقض بين قوليه و اعتذرنا له و كان جدي ورام بن أبي فراس قدس الله روحه و نور ضريحه من أورع من رأيناه عارفا بأصول الدين و أصول الفقه و الفقه و تاركا ما تقتضيه الرئاسة الدنيوية بالكلية و كان معظما للحمصي و لكتابه التعليق العراقي فأما تعظيمه للحمصي فإن جدي وراما ما عرفت أنه كان يلقب أحدا و رأيت خطه على هذا الجزء الثاني بما هذا لفظه تأليف الشيخ المفيد العالم الأجل الأوحد سديد الدين ظهير الإسلام لسان المتكلمين أسد المناظرين محمود بن علي بن الحسن الحمصي رضي الله عنه و رحمه و أرضاه و حشره مع الأئمة الطاهرين المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين انتهى و أما تعظيم جدي لهذا الكتاب التعليق فإنه أشار علي بحفظه و أحضره بيده من خزانته و مدح هذا الكتاب مدحا كثيرا و كان عمري إذ ذاك نحو ثلاث عشرة سنة .

و ممن وقفت على كتاب منسوب إليه من علماء الشيعة جابر بن حيان من أصحاب الصادق (صلى الله عليه وآله وسلم) يسمى الفهرست و النجاشي ذكر جابر بن حيان و ذكر في باب الأشربة ما هذا لفظه أن الطالع في الفلك لا يكذب في الدلالة على ما يدل أبدا هذا آخر لفظه في المعنى ثم شرح ما يدل على فضله في علم النجوم و غيرها و قد ذكره ابن النديم في رجال الشيعة و أن له تصانيف على مذهبنا .

و قد تقدم في جواب مولانا علي بن موسى الرضا (عليه السلام) للصباح بن نصر الهندي أن ذا القرنين كان ملهما بعلم النجوم أقول
[147]
و هذا ذو القرنين و إن لم يكن يذكر دخوله في الشيعة فهو ممن اتفق أهل الإسلام كافة على صلاحه و اختصاصه بالله جل جلاله و اطلاعه على أسراره تعالى و إذا كان ملهما بعلمها فهو أيضا مما يمكن أن يكون من أسباب ثبوتها في الدلالة و تعليمها للعباد لأنه لا يمكن معرفته أصولها إلا من جانب الله جل جلاله.

و من جوابي ما ذكرته لبعض من حكم بدلالة النجوم على منعي من حركة عزمت عليها بتدبير العالم بكل معلوم و هي انتقالنا إلى بغداد في سنة اثنتين و خمسين و ستمائة إن قلت ما معناه نحن أبناء قوم حكموا برتب الفلك على الفلك ففرج لجدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الطرق في السماوات لما أسري به إلى غاية مقامات العنايات و انشق القمر لأجله و سقط في دار جدنا المعظم علي إظهارا لفضله و أعيدت الشمس لأجل صلاته و جعلت النجوم جندا تمنع الشياطين إكراما لولادة جدنا و تعظيما لمقاماته فنحن إن سلكنا في تلك الطرائق ظافرون بما يقتضيه فضل ربنا علينا من الوراثة لنصيبنا من تركه أهل الحقائق و ما أحضركم مرة حذرني المنجمون من حركة لي فأقدمت و أمروا بالحركات فأحجمت كل ذلك بتدبير من عليه توكلت و إليه فوضت و هو حسبي و نعم الوكيل .

و ممن ذكر بعلم النجوم وزير المنصور أبو أيوب سليمان بن محمد المورياني و هو منسوب إلى قرية من قرى الأهواز يقال لها الموريان فذكر عبد الرحمن بن المبارك في الجزء الأول من تاريخ الوزراء بخط
[148]
المصنف في ذكر أبي أيوب الوزير فقال ما هذا لفظه و كان قد أخذ من كل شي‏ء طرفا و كان يقول ليس من شي‏ء إلا و قد نظرت فيه إلا الفقه فإني لم أنظر فيه و نظرت في الكيمياء و الطب و النجوم و الحساب ثم شرح اختصاصه بالمنصور إلى غاية عظيمة و أنه أول وزير كان له .

و ممن ظهر له عند العمل بالنجوم دلالتها في دولة الرشيد البرامكة فقد ذكر عبد الرحمن بن المبارك في الجزء الثاني من أخبار الوزراء ما هذا لفظه : أن جعفر البرمكي لما عزم على الانتقال إلى قصره الذي بناه جمع المنجمين لاختيار وقت ينتقل فيه فاختاروا له وقتا من الليل فلما حضر الوقت خرج على حمار من الموضع الذي كان ينزله إلى قصره و الطرق خالية و الناس ساكنون فلما وصل إلى سوق يحيى رأى رجلا ينشد شعرا .

يدبر بالنجوم و ليس يدري *** و رب النجم يفعل ما يريد.

فاستوحش و وقف و دعا بالرجل فقال له أعد ما قلت فأعاده فقال ما أردت بهذا فقال و الله ما أردت بهذا معنى من المعاني لكنه شي‏ء عرض لي و جرى على لساني فأمر له بدنانير .

و لقد وجدت فيما أشرنا من الكتب كتابا يدل على اهتمام الخلفاء و الملوك و الأمراء و العلماء و اعتمادهم على العمل بدلالات النجوم
[149]
و ذكر زرائجهم على الوجه الموسوم فذكر فيه ما اشتمل عليه من طوالع الخلفاء من بني العباس و طوالع الملوك من بني بويه و طوالع السلطان محمود و السلطان مسعود و طوالع الوزراء من يحيى بن خالد إلى أيام الطائع و يتضمن مواليد أعيان الدولتين بني حمدان و بني دبيس و من العلماء جماعة منهم السيد المرتضى و زائجة مولده و قد كان العقرب درجة و طالع ولده الأطهر أبي محمد بن المرتضى و هو الجوزاء و طالع ولده الآخر أبي عبد الله الحسين بن المرتضى هو الأسد و مولد محمد بن الحسين الرضي الموسوي و طالعه الجوزاء و مولد أبي أحمد و طالعه الميزان و قدمنا ذكر ذلك و مولد أبي علي عمر بن محمد بن عمر العلوي و طالعه السرطان و مولد محمد بن عمر و طالعه الدلو و غيرهم ممن يطول ذكر مواليدهم و طوالعهم و شرح زوائجهم مطبقين متفقين على استعمال ذلك و إثباته في التذاكر و التظاهر به و ذكر صاحب ديوان النسب في المجلد الأول مولد المرتضى و مولد أخيه الرضي و مواليد أولادهما و طوالعهم و زوائجهم رضوان الله عليهم كما أشرنا إليه و هذا يدل المصنف العارف به على صواب القول بأن النجوم دلالات و علامات على الحادثات و أن استعمال ذلك من المباحات الجائزات و المهمات لأجل ما يستعمل عليه و اعتبارها في معرفة القواطع المخوفات فيدفع خطرها بما قدمنا ذكره من الصدقات و الصلوات و الدعوات و تنبيهها أيضا على أوقات الممات ليستعد الإنسان لما بين يديه مما يحتاج إليه من الوصايا و أداء الجنايات و استدراك المفروضات و اغتنام تحصيل السعادات و الباقيات .

[150]
يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس : فلما رأيت ذلك بما وهبني الله جل جلاله من أنوار عقل و شرفني من أبصار نقل أنه لا يمتنع أن تكون النجوم دلالات على الحادثات و وجدت النقل الموافق للعقل كما قلناه قد ورد بجواز ذلك و العمل عليه عمن أوجب الله طاعته و الركون إليه و وجدت صرف محذوراته بدلالة النجوم و الأفلاك ممكنا دفعها و صرف خطرها بصوم أو صدقه أو ما ذكرناه من الاستدراك و وجدت التحرز من الضرر المظنون واجبا في حكم أولي الألباب و أرباب العقول تخاطر بأنفسها و بالأصحاب في تحصيل نفع مظنون يئول أمره إلى الفناء و الذهاب و تركب في تحصيله مطايا الأخطار و تحتمل لأجله أهوال البحار في الأسفار حولت مولدي عند ثلاثة من المنسوبين إلى علم النجوم ببغداد يعتمد كثير من الناس عليهم و عند أربعة من أهل الموصل بعثت مولدي إليهم و عند من كان منسوبا إلى ذلك من أهل البلاد الحلية و شافهت من حضرني غيرهم بما تدل عليه الأسرار الربانية و لم أقتصر على من كان منهم على عقيدة واحدة بل عند أصحاب العقائد المتباعدة و عند بعض أهل الذمة و أريت ذلك من الأمور المهمة لأكون على قدم الاستظهار للخروج من دار الاغترار كما يراد من الاستعداد للمعاد و لقد جربت في عمري من صحة دلالات النجوم الكليات شيئا كثيرا تصديقا لما نقل في الروايات و ما رأيت عقلي يوافقني على الإهمال لهذه الأحوال و التغافل عما بين يدي من الأهوال مع التمكن بكشفها بعلم
[151]
أو ظن و استدراكها بما يدلني الله جل جلاله عليه فلا أقل من أن يكون المحصول منه كقول القائل إن إنسانا تخيل أن بين يديه خطرا يوجب أن يتحرز منه و لا يتهجم عليه ره و قد قال أكثرهم إن عمري يتسع إلى خمس و سبعين شمسية و قال آخر إلى أربع و سبعين شمسية و قال اثنان يزيد على ثمانين سنة و أنا على قدم التحرز و الاستظهار الزائد عند كل سنة مخوفة بزيادة على عوائد الاستظهارات المألوفة و لو لا وجوب التفويض إلى مالك الأشياء لأحببت سؤاله عز و جل في تعجيل مفارقة دار الفناء خوفا من الشواغل عما يريده جل جلاله من عمارة دار البقاء و من شرف حبه و تحف قربه و طلب رضاه و لكني فوضت لما يختاره جل جلاله و يراه و حسب المحب أن يسلم زمام مطلوبه إلى محبوبه .

و وجدت في كتاب ريحان المجالس و تحفة المؤانس تأليف أحمد بن الحسين بن علي الرخجي و سمعت من يذكر أنه من مصنفي الإمامية و عندنا الآن تصنيف له آخر اسمه أنس الكريم و قد كان يروي عن المرتضى رضي الله عنه ما هذا لفظه حدثني أبو الحسن الهيثم : أن الحكماء العلماء الذين أجمع الخاصة و العامة على معرفتهم و حسن أفهامهم و لم يتطرق الطعن عليهم في علومهم مثل هرمس المثلث بالحكمة و هو إدريس النبي (عليه السلام) و معنى المثلث أن الله أعطاه علم النجوم و الطب و الكيمياء و مثل أبرخسي و بطلميوس و يقال إنهما كانا من بعض الأنبياء و أكثر الحكماء كذلك و إنما التبس على الناس أمرهم لعلة أسمائهم
[152]
باليونانية و مثل نظرائهم ممن صدر عنهم العلم و الحكمة المفضلين الذين مسحوا الأرض و رصدوا الفلك و أفنوا في علمها أموالهم و أعمارهم حتى عرفوا منه و رسموه لنا و أخبرونا به ثم ذكر مصنف ريحان المجالس ما صرحه هؤلاء العلماء من حديث الكواكب و أسرارها ما لا حاجة لنا إلى ذكر ما شرحه من وصف اختبارها .

و ذكر أيضا في كتاب ريحان المجالس ما لفظه : و جرى ذلك بحضرة والدي الوزير الرخجي رضي الله عنه و بين يديه جماعة من أعيان الزمان و فضلائهم مثل أبي الحسن علي بن عيسى الربعي النحوي و أبي القاسم بن مهر بسطام و أبي القاسم المكي الرملي المنجم و أبي علي الحسن بن الهيثم و أبي القاسم الخاقاني و أبي الفتح بن المقدر النحوي و رؤساء ذلك الزمان في وقتهم و تفاوضوا في فنون من العلم و انجر الحديث إلى ذكر النجوم فقال ابن الهيثم لابن مهر بسطام كيف بمن لا يعلم ارتفاع الشمس من المشرق و المغرب في كل وقت من اليوم و لا يعلم ما يطلع من المشرق و يغرب في المغرب من البروج في كل يوم و لا يعلم ما يمضي من النهار و الليل من الساعات المستويات و الساعات المعوجات أو لا يعلم امتحان ذات الصفا أعني الأسطرلاب على خطإ عمل أو على صواب أو علم قوس النهار في كل يوم أو علم قوس الليل أو علم مطالع كل بلد أو علم درجة الشمس و درجة القمر في كل يوم أو علم عروض الكواكب الثابتة و أطوالها أو علم درج البروج أو علم الدرج التي طلعت معها
[153]
الكواكب أو علم ارتفاع نصف نهار الكواكب أو علم بعد الكواكب من خط الاستواء أو علم سير الكواكب أو علم الظل أو علم ارتفاع الكواكب في كل وقت من النهار أو علم ما دار من الفلك من كل ساعة أو علم السمت للساعات أو علم وقت طلوع القمر على كم من ساعة يطلع و على كم من ساعة يغرب أو علم اتصال القمر بالكواكب و انصرافه عنها أو علم منازل القمر التي ذكرها الله تعالى في كتابه ما أسماؤها أو علم دخول شهور الفرس و شهور الروم و شهور القبط أو علم أعياد الملل أو علم الأهلة أو علم تواريخ الملوك من العرب و الفرس و الروم و القبط أو علم مجاري النجوم طولا و عرضا أو علم ظهور الكواكب و استتارها ثم ذكر من علوم النجوم التي يحتاج إلى معرفتها زيادة على ما ذكرناه أكثر من ثلاث قوائم مما لا ضرورة إلى ذكر جميعه هنا و شرح بعد ذلك اتفاق الشيخ علي بن عيسى الربعي النحوي و ابن الهيثم و والده الوزير على تصديق علم النجوم و صحته و الازدراء على من يجحد ذلك لجهله بحقيقته و لم نذكر نحن ذلك لطوله و ذكر في تضيعه عدة مواضع تتعلق بالنجوم لم نذكرها نحن لأن مقصودنا ذكر أسماء من ذكرهم من علماء النجوم المتقدمين و استعمال ذلك بين العلماء الفاضلين و أن هذا المصنف كان من الإمامية و هؤلاء الرخجيون كان فيهم جماعة من الشيعة و لهم خصائص مرضية مع مولانا علي بن محمد الهادي (صلى الله عليه وآله وسلم) و بعضهم مخالفون و قد وقفنا على كثير من أخبار الفريقين منهم رحم الله أهل الحق منهم و رضي عنهم .

[154]
و هذا مصنف ريحان المجالس ممن لقي المرتضى الموسوي و روى عنه .


مواقع النشر (المفضلة)
مخطوطة فرج الهموم بمعرفة منهج الحلال والحرام من علم النجوم

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع
المواضيع المتشابهه
الموضوع
كتاب فرج الهموم في تاريخ علماء النجوم
مخطوطة فرج الهموم بمعرفة منهج الحلال والحرام من علم النجوم
كتاب فرج الهموم في علم النجوم
مخطوطة فرج الهموم بمعرفة منهج الحلال والحرام من علم النجوم
علم التنجيم بين ( الحلال والحرام ) .....!!!

الساعة الآن 05:34 PM.