المشاركات الجديدة
مقالات عامة في علم الفلك : طرح مختلف المواضيع المهتمة بعلم الفلك

سلسلة شرح منظومة (المُقْنِع) في علم الفلك

Untitled17 سلسلة شرح منظومة (المُقْنِع) في علم الفلك
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل الشمس ضياء، والقمر نورا، وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب، وجعل الليل والنهار ءايتين، فمحى ءاية الليل وجعل ءاية النهار مبصرة، لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب، والصلاة والسلام على أفضل من قام الليل وصام النهار، وسبح بحمد ربه بالعشي والإبكار، وعلى ءاله وصحبه نجوم الأمة، ومعادن الفضائل الجمة، والتابعين ذوي الشرف والهمة، ومن تبعهم إلى معالي القمة، أما بعد:

فهذا شرح وجيز على منظومة (المُقْنع) في علم التوقيت الذي يعتبر فرعا من فروع علم الفلك، للشيخ محمد بن سعيد المِرْغْتِي السوسي (رحمه الله)، وقبل أن نشرع في الشرح، يحسن بنا أن نقدم بين يديه، مقدمة في مبادي علم الفلك، الذي هو أصل لعلم التوقيت فنقول:

1- تعريف علم الفلك هو: علم يهتم بدراسة الأجرام السماوية (النجوم والكواكب السيارة و المجرات و السدم و المذنبات والشهب والأحجار النيزكية وما يليها من مفردات سماوية) دراسة منظمة بأسس علميه،
وقد كانت العين محدودة القدرة، قبل اختراع هذه الآلات الحديثة، التي تمكننا من رؤية سطوح الكواكب السيارة والأقمار، والتي كشفت لنا الكثير من أسرار الفلك، وكانت العين تسهر الليالي والسنين في سبيل اكتشاف أمر فلكي معين، فكانت تصارع الغلاف الجوي بما فيه من تقلبات، وأما اليوم بعد اختراع التلسكوبات الفلكية وبالأخص التلسكوبات الراديو يه لم يعد هناك من صعوبة على الإنسان في اكتشاف أمر مجهول.

وموضوعه: "السّماء"، أي كلّ ما يوجد خارج الأرض من أجرام سماوية، كالكواكب و الأقمار والنجوم ... إلخ. و يدرس الأرض أيضا ولكن بنظرة إجمالية، وذلك كدراسة حركة الأرض حول نفسها، و دورانها حول الشّمس، و تفاعلها مع الكواكب الأخرى، على عكس الجيولوجيا.

وفائدته: تكمن في فهم الكون، وطريقة عمله، ومحاولة للاجابة عن الكثير من الاسئلة الرئيسية عن تكون الكون وتطور المجرات والمجموعة الشمسية، انتهاءا بتطور الحياة نفسها، وكلما زاد علمنا في الفلك ، كلما زاد علمنا عن أنفسنا وعالمنا.

ونسبته: ما كان منه من علم التوقيت، فهو من العلوم الشرعية

وفضله: ما كان منه من علم التوقيت، فهو من أشرف العلوم وأعلاها قدرا، لأنه به يهتدى إلى القبلة، وإلى أوقات العبادات، وغير ذلك مما يحسن بالطالب تحصيله، ويقبح به أن يجهله،

واضعه: يقال هو نبي الله ادريس عليه السلام، وقد اعتنى به تدريسا وتأليفا الآشريون والكلدانيون والبابليون والإغريقيون وقدماء الصينين والمصرين، وأهل الهند والأندلس والعرب في الجاهلية والإسلام.

اسمه: علم الفلك

استمداده: من النظر إلى السماء، وما يظهر فيها من التقلبات

حكمه: جائز وسائغ بلا شبهة، بل هو من العلوم المستحبة المحبذة، للإطلاع والمعرفة والتفكر، في عجائب الكون والقوانين الإلهية التي تحكمه وتنظمه، مضافاً إلى الإنتفاع به في الحياة العملية لحساب الزمن، وعمل التقاويم، ومعرفة الفصول الأربعة، والمناسبات وغير ذلك من الأمور التي تصل أهمية تعلمها إلى حد الوجوب لضرورتها وأهميتها الدينية والدنيوية في حياة الإنسان .

مسائله: مباحثه التي تذكر فيه.

هذا وقد ذكرت مباديء علم الفلك، لأنه شامل لعلم التوقيت الذي هو:
عبارة عن قواعد كلية، وقوانين عامة، يبحث بها عن النجوم وأفلاكها، ومعرفة ما بقي وما مضى من أجزاء الليل والنهار، ومعرفة أوقات العبادات، وكذلك معرفة عدد السنين والحساب، ولأن الناظم لم يقتصر على علم التوقيت، بل زاد عليه بعض المباحث الفلكية. والله أعلم.

ترجمة موجزة للمؤلف (رحمه الله):

هو شيخ الإسلام أبو عبد الله محمد بن سعيد المِرْغْتي السوسي، له اليد الطولى في علوم الحديث والسير، مع المشاركة في العلوم الأخرى، وكان يعبد ربه بجامع "المواسين"من مراكش بعد صلاة الصبح – وهو ساكن الحدقة كأنه ميت – إلى طلوع الشمس، وكانت له مشاركة في علم الطب أيضا.

ومن تآليفه:

"المقنع" وهو هذا النظم، وله عليه شرحان:
كبير سماه "الممتع في شرح المقنع"
وصغير سماه "المُطْلِع على مسائل المقنع" وقد وضع الله عليه الإقبال، فانتفع به الناس، مع أنه (رحمه الله) مزجى البضاعة في ذلك الفن،
ومنها أيضا "الإشارة الناصحة"
و"المستعان في أحكام الأذان" نظما
و"مختصر اليعمري" في السير
و"قصيدة في أكل الدجاج"
وأخرى في "الجدول"
و"فهرست" حسنة اشتملت على فوائد
و"التنبيه في مناسك الحج"
و"منظومة في التصوف"
و"منظومة في الفقه"
و"حواش على الألفية"
و"النهي عن التصريف بأسماء الله في الدنيويات"
و"مؤلف في إبطال السحر"
و"معونة الحيسوب في عمل التوقيت بالجيوب" وغيرها،
وله شعر رائق، ونظم فائق.

ولد (رحمه الله) عام (1007 هـ) بسوس، ثم انتقل مراكش، وحين علا شأنه فيها جاء إليه أهله المرغتيون، فاسترجعوه إلى بلدهم لينتفعوا بعلومه – على ما زعموا – فشارط في مدرسة "مِرْغْت" فكان من أراد أن يكتب رسما، يأتي إليه ويناديه: (يا ابن عدي) و –عدي منحوت من لفظ سعيد – يناديه يقول: أريد كاغدا لتكتب لي فيه شهادة، فعطيه من عنده الكاغد، ويكتب له مجانا، وربما ينزل عليه ضيفا، وحين أكثروا عليه بجفائهم، قال كلمته المشهورة: (يا مراكش يا كَبْدي، أما في مِرْغْتْ، فأين كاغدك يا ابن عْدي) يعني لا ينادونه (سعيد)، فأقلع إلى مراكش، وفيها توفي (رحمه الله) عام (1089 هـ) المصدر (المعسول) للمختار السوسي باختصار وتصرف، وإلى تاريخ وفاته أشار بحروف الجمل من قال:

وابن سعيد شيخنا المرغتي == في عام طفش صار للمغيث

وصلى الله وسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

يتبع .....

غير مبريء الذمه نقل الموضوع أو مضمونه بدون ذكر المصدر: منتديات الشامل لعلوم الفلك والتنجيم - من قسم: مقالات عامة في علم الفلك


...
....
صورة رمزية إفتراضية للعضو باعمران
باعمران
عضو
°°°
افتراضي
جزاك الله الف خير شيخنا الفاضل
ميرغت توجدم بين مدينة تيزنيت وثلاثاء الاخصاص
واهلها يلقبون بابناء الجنية
شكرا على الموضوع القيم

صورة رمزية إفتراضية للعضو الفقيه السوسي
الفقيه السوسي
عضو
°°°
Oo5o.com (19) تتـــــــــــــمــــــــــــــة: الدرس الثاني
شكرا لك شيخ باعمران

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا ومباركا فيه، والصلاة والسلام على نبينا محمد من أعلى الله قدره وبارك فيه، وعلى آله وصحبه ما سار كل كوكب في فلكه ودار فيه، أما بعد: فهذا هو الدرس الثاني من سلسلة شرح منظومة (المُقْنِع) في علم الفلك، وقد شرحنا في هذا الدرس بعون الله وتوفيقه، مقدمة الناظم، قال (رحمه الله):

يقول بعد حمد مُجري الفلك ... ثم على محمد الهادي الزاكي
أزكى الصلاة وعلى الأشراف ... آل النبي وكل ذي إنصاف
محمد نجل سعيد السوســي ... المرتجي مغفرة القـدوس

الشرح: (يقول) فاعله محمد الآتي في البيت الثالث، وهو اسم المؤلف، (بعد حمد مجري الفلك) الحمد لغة :هو الوصف بالجميل على جهة التعظيم والتبجيل، سواء تعلق بالفضائل أو بالفواضل، والفضائل : جمع فضيلة وهي صفات ذات، والفواضل: جمع فاضلة وهي صفات فعل، وجمعها بعضهم في بيتين فقال:

فضائل صفات ذات يا فتى == فواضل صفات فعل قد أتى
مفرد الأول أتى فضيلــة == والثاني فاضلة خذ الوسيلة

وأما مورده فاللسان فقط، ومتعلقه الإحسان والكمال.
و أركانه خمسة، الصيغة، والحامد، والمحمود، والمحمود به، والمحمود عليه، وقد جمعها سيدي محمد الإلغي في بيتين من البسيط فقال :

*الحمد أركانه المحمود والحامد *** وصيغة ما عليه أو به حصلا *
*وقد يرى ذان ذاتا واحدا كالذي *** جاد فقلت جواد فاضل مثــلا *

وأما الحمد عرفا فهو: فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعما، ومورده اللسان والجنان والأركان، ومتعلقه الإحسان فقط، وبين الحمد اللغوي والحمد العرفي عموم وخصوص وجهي لصدقهما بالثناء باللسان في مقابلة الإحسان، وينفرد الحمد العرفي بصدقه بغير اللسان في مقابلة الإحسان، وينفرد الحمد اللغوي بالثناء باللسان لأجل الكمال .
وأما الشكرلغة : مثل الحمد عرفا أي فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعما، فبينه وبين الحمد العرفي الترادف، وبينه وبين الحمد اللغوي، عموم وخصوص وجهي .
والشكر عرفا :صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه من سمع وبصر وغير ذلك إلى ما خلق من أجله : وهو إفراد الخالق جل وعلا بالعبادة ، فبين الشكر العرفي و الحمد اللغوي، عموم وخصوص مطلق لشمول متعلق الحمد لله تعالى ولغيره، واختصاص متعلق الشكر بالله تعالى، وبينه وبين الحمد العرفي عموم وخصوص مطلق، وقد جُمعت كل هذه المعاني في أبيات :

الحمد في اللغة لا في العـــرف == الوصف بالجميل دون خلف
لتعظيم الممدوح يا صديـــــق == مورده اللسان بالتحقيـق
علق بالنعمة أو سواهـــــــا == حقيقة العرفي لا تنساها
بتعظيم المنعم فعل يخبــــر == من اللسان والجنان يصـدر
وسائر الأركان مما علــــقا == بنعمة لا غيرها فحقــقا
والشكر في اللغة مثل وذا ومـا == بينهما من الترادف اعلـما
وبين كل منهما وبينــــــما == يدعى بحمد لغة فحتــما
هو العموم والخصوص في النظام == يجتمعان في اللسان والنعام
والحمد في اللغة أفرد باللســان == من دونها وغيره بكالجنـان
بإزاء النعم قل لمن طلــــب == فهذه ثلاثة من النســــب
والشكر في اصطلاح وهو العرف == صرفك للجميع فافهم وصفي
فبينه وبين ما تقدمـــــــا == من الثلاثة عموم وُســـما
كذلك الخصوص بالإطـــلاق == لم ينفرد عنهما بالإتفـــاق
فهذه نسابها الست التـــــي == سألتها فادع لنا بالرحـــمة

و(مُجري) اسم فاعل من أجرى الشيء يجريه، إذا صيره جاريا، و(الفلك) تقدم الكلام عليه في المقدمة، وفي هذا براعة الإستهلال، وهي: الدلالة عند ابتداء أول الكلام، على المقصود به، (ثم) يحتمل أن تكون للإستئناف، ويحتمل أن تكون للعطف، وعلى الثاني فيحتمل أن تكون للترتيب الذكري، أو للترتيب الرتبي، لأن رتبة ما يتعلق بالمخلوق من الثناء، متأخرة ومتراخية عن رتبة ما يتعلق بالخالق من الثناء الواجب له تعالى، (على محمد) محمد اسم من أسماء نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) وهو مشتق من الحمد أو من اسمه تعالى المحمود ولهذا كان أبو طالب يقول كما روى عنه البخاري في تاريخه :

* وشق له من اسمه ليجله *** فذو العرش محمود وهذا محمد *

قال ابن القيم : وهو علم وصفة واجتمعا في حقه ( صلى الله عليه وسلم ) وإن كان علما محضا في حق من تسمى به غيره اهـ . وهو منقول من اسم مفعول حُمِّد بصيغة المبني للمفعول بتشديد الميم ،سماه بهذا الإسم جده عبد المطلب بإلهام من الله ،رجاء أن يكثر حمد الخلق له لكثرة خصاله المحمودة، (الهادي) من أسماء نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) كذلك (الزكي) أي الطاهر من العيوب،

قوله: (أزكى الصلاة) أي أكثر وأنمى وأعظم الصلاة، والصلاة لغة :الدعاء ، واصطلاحا :فإن كانت من الله ، فهي ثناء الله عليه في الملإ الأعلى ،قاله أبوالعالية ،ومن غيرالله عز وجل كالملائكة والجن والإنس طلب الثناء عليه من الله أو الإستغفار، وهي واجبة مرة في العمر، و (الأشراف) جمع شريف على غير قياس، وفسره بقوله: (آل النبي) - صلى الله عليه وسلم – أي أهل بيته وهم بنو هاشم، و(وكل ذي إنصاف) وهو الذي يتبع الحق، ويرجع إليه.

قوله: (محمد) هذا هو اسم الناظم (رحمه الله)، و (نجل) أي الولد ولابن، (سعيد السوسي) نسبة إلى سوس، وهو سوسان: أدنى وأقصى،
فالأدنى: من وادي العبيد، إلى سجلماسة، إلى وادي درعة، إلى مراكش مع الجانب الذي يليه من جبل ذرنة، إلى حاحة إلى دكالة إلى أم الربيع.
والأقصى: ما بعد ذلك إلى الساقية الحمراء من ناحية الصحراء، وإلى البحر من ناحية ماسة وجبل تانسيفت ومدينة ردانة مع الجانب الذي يليها من جبل ذرنة، وهو بلد المؤلف من أعمال ماسة، و (المرتجي) أي الراجي (مغفرة القدوس) أي ستر الله للذنوب، وعدم المؤاخذة، والقدوس: من صيغ المبالغة، واسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه: النزاهة والطهارة، أي البليغ في النزاهة عما يوجب نقصاناً ما أو أي عيب كيف ما كان، ثم قال:

يا سائلي مختصرا يكون في ... نظم أبي مِقْرَعٍ المؤلِّف
خذه بعون القادر المهيمن ... كما أردت وبه فاستعـن

قوله: (يا سائلي) من هنا إلى آخر الرجز، كله محكي بقوله: (يقول) الذي يبتديء به أول النظم، وهو نداء لمن سأل المؤلف أن يختصر نظم أبي مِقْرَع، وهذا السائل هو: صاحبه أبو العباس أحمد بن عبد الصادق الفِرَكْلي – بكسر الفاء وسكون الكاف – نسبة إلى فِرَكْله، اسم بلدة بسوس، (مختصرا) هو ما جُمع فيه كلام قليل الألفاظ مع كثرة معانيه، (يكون في نظم) بمعنى منظوم، كالضرب بمعنى: المضروب، والنظم في اللغة: هوالجمع، (أبي مِقْرَع) هو: عبد الله بن محمد بن عبد الحق بن علي البطيوي، وسمي أبا مقرع، لأنه كان لا يفارقه المقرع في أسفاره غالبا، وهو صاحب النظم المشهور في التوقيت، قال المؤلف في شرحه: ولا شك أن نظمه المذكور طويل، ولذلك اختصرناه للطالبين لهذا النظم، (المؤلِّف) نعت لأبي مقرع.

قوله: (خذه) الضمير عائد على المختصر (بعون الله) أي توفيق الله تعالى، وهو خلق القدرة في القلب على الطاعة، (القادر) اسم فاعل من قدر، وهو صفة مشبهة، واسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه: الذي لا يعجزه شيء، (المهيمن) اسم فاعل من هيمن يهيمن، إذا كان رقيبا على الشيء، وهو صفة مشبهة، واسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه: الشاهد على خلقه بأعمالهم، والرقيب عليهم، وقيل غير هذا، (كما أرت وبه فاستعن) الكاف: اسمية بمعنى مثل، وما: مصدرية حرفية، والضمير في (به) يحتمل أنه عائد على القادر المهيمن، ويحتمل أنه عائد على المختصروهو الظاهر، ثم قال:

فالإختصار كان صعب الفهم ... على العقــول سيــما النظـم
لكن سر الله في صدق الطلب ... كم ريء في أصحابه من العجب

قوله: (فالإختصار) الفاء يحتمل أنها تعليلية، أو استئنافية، وقد تقدم الكلام على الإختصار(كان) أي الإختصار، على حذف مضاف، أي كان الكلام المختصر (صعب) أي عسير (الفهم) أي الإدراك (على العقول) جمع عقل، وهو شيء غريزي وضعه الله في من شاء من عباده، (سيما) بتشديد الياء، أي أولى وأحرى، (بالنظم) الباء ظرفية، (لكن سر الله) أي أمر الله (في صدق الطلب) أي طلب العلم بنية صادقة، وفيه تورية بيانية، (ريء) بكسر الراء ممدودة، على وزن جيء: فعل ماض مبني للمفعول من راء، على وزن جاء، لغة في "رأى" ومعناه: شوهد (في أصحابه) جمع صاحب على غير قياس، (من العجب) وهو ما خالف المعتاد من كل شيء، ثم قال:

زدت له فوائدا وربما ... أخرت ما كان به مقدما
وأسأل الذي به استعنت ... عليه أن يتم ما أردت

قوله: (زدت له) الضمير عائد على المختصر (فوائدا) جمع فائدة، وهي في الأصل: ما استفيد من علم أو مال، مشتقة من الفيد، أي استحداث المال والخير، وقيل هي اسم فاعل من فئدته، أي أصبت فؤاده، قال الخفاجي:

من الفؤاد اشتقت الفائدة == والنفس يا صاح بذا شاهدة
لذا ترى أفئدة الناس قد == مالت لمن في قربه فائـدة

والمراد بها هنا مسائل هذا الفن، (وربما) حرف جر كفته ما عن العمل، وهيأت له الدخول على الفعل، ومعناها: التكثير كثيرا، أو التقليل قليلا (أخرت) في الترتيب (ما) الشيء الذي (كان به) الباء ظرفية، والضمير فيها عائد على نظم أبي مقرع، (مقدما) في الترتيب كذلك، ثم قال: (وأسأل) أطلب الله (الذي به استعنت) أي طلبت منه الإعانة (عليه) الضمير عائد على المختصر (أن يتم) يكمل (ما) الشيء الذي (أردت) أي قصدت تأليفه، فالله هو المعين على إتمام الأمور، ولله در القائل:

إذا لـم يعنك الله فيـما تريـده ... فليس لمخلوق عليه سبيـل
وإن هو لم يرشدك في كل مسلك ... ضللت ولو أن السِّماك دليل

وصلى الله وسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

يتبـــــــــــــــــــــــــــع ..........

صورة رمزية إفتراضية للعضو الفقيه السوسي
الفقيه السوسي
عضو
°°°
Oo5o.com (19) تتمــــــــــــــــــــــة : الدرس الثالث
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا ومباركا فيه، والصلاة والسلام على نبينا محمد من أعلى الله قدره وبارك فيه، وعلى آله وصحبه ما سار كل كوكب في فلكه ودار فيه، أما بعد: فهذا هو الدرس الثالث من سلسلة شرح منظومة (المُقْنِع) في علم الفلك.

بِكَ اسْتَعَنْتُ إِلهِي عَاجِزاً فَأَعِنْ ... أَبْغِي رِضَاكَ فَأَسْعِفْنِي بِأَطْيَبِهِ
فَإِنْ تُعِنْ ثَعْلَباً يَسْطُو عَلَى أَسَدٍ ... أَوْ تَخْذِلِ اللَّيْثَ لاَ يَقْوَى لِثَعْلَبِهِ
وَإِنَّنِي عَالِمٌ ضَعْفِي وَ لاَ عَمَلٌ ... عِنْدِي يُفِيدُ وَلاَ عِلْمٌ أَصُولُ بِهِ

قال الناظم (رحمه الله): (أيام العام العربي والمهمات منه)، أي هذا بيان عدد أيام العام المنسوب إلى العرب والأيام التي تقصد منه، ويسمى القمري، لأنه على حساب سير القمر، ثم قال:

أيامه (سُِنْدٌ) وزيد الخمس ... والسدس منه يكون الكبس

الهاء في (أيامه) عائدة على العام المذكور في الترجمة، و(سند:354) كناية عن عدد أيام العام العربي بحساب الجمل –بضم الجيم وتشديد الميم المفتوحة- وهو -أي حساب الجمل-: أبجد، هوز، حطي، كلمن، صعفض، قرست، ثخذ، ظغش.
هذا هو المشهور في المدارس المغربية، أما في الشرق فعندهم كلمة: صعفض= سعفص، وكلمة: قرست= قرشت، وكلمة: ظغش= ضظغ.

فعلى الأول: :[أ=1]، [ب=2]، [ج=3]، [د=4]، [هـ=5]، [و=6]، [ز=7]، [ح=8]، [ط=9]، [ي=10]، [ك=20]، [ل=30]، [م=40]، [ن=50]، [ص=60]، [ع=70]، [ف80]، [ض=90]، [ق=100]، [ر=200]، [س300]، [ت400]، [ث500]، [خ=600]، [ذ=700]، [ظ=800]، [غ900]، [ش=1000] .

وعلى الثاني:[أ=1]، [ب=2]، [ج=3]، [د=4]، [هـ=5]، [و=6]، [ز=7]، [ح=8]، [ط=9]، [ي=10]، [ك=20]، [ل=30]، [م=40]، [ن=50]، [س=60]، [ع=70]، [ف=80]، [ص=90]، [ق=100]، [ر=200]، [ش=300]، [ت=400]، [ث500]، [خ=600]، [ذ=700]، [ض=800]، [ظ=900]، [غ=1000] .

إذاً فالسين من (سند) بثلاثمائة، والنون بخمسين، والدال بأربعة، أي أن عدد أيام العام العربي: ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما.

تنبيه: فليحفظ الطالب الحساب الأول من الجمل ليسهل عليه فهم هذا المتن، لأن أغلب أبياته لا تخلوا من حساب الجمل، والله الموفق.

ثم قال: (وزيد الخمس والسدس) أي يزاد عليها خمس يوم وسدسه، وذلك أحد عشر جزءا من ثلاثين جزءا،: الخارجة من ضرب خمسةٍ، إمام الخُمس، في ستةٍ، إمام السُّدس، وقوله: (منهما) أي من الخمس والسدس المذكورين: ينشأ (الكبس) في العام العربي، وهو زيادة يوم في آخر العام الكبيس، فيكون ثلاثمائة وخمسة وخمسين يوما، وهو يقع في كل ثلاثة أعوام، وسكن ميم الخمس ودال السدس للوزن، ويجوز في الإختيار أيضا.

اِعلم أيها الطالب لهذا الفن: أن العام اثنا عشر شهرا كما قال تعالى: { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ } [التوبة: 36] وأسماء هذه الشهور معروفة وهي على الترتيب: محرم، الصفر، ربيع الأول، ربيع الثاني، جمادى الأولى، جمادى الثانية، رجب، شعبان، رمضان، شوال، ذو القعدة، ذو الحجة، وهذه الشهور يبدأ أول يوم من كل منها بعد غروب الشمس و رؤية الهلال، فتكون تلك الليلة محسوبة في ذلك الشهر الجديد، واليوم عند العرب من غروب الشمس إلى غروبها من الغد، ومقدار ذلك أربعة وعشرون ساعة وهو مقدار الليل والنهار، فيكون الليل في الإعتدال اثني عشر ساعة، وكذلك النهار، أما في غير الإعتدال فإنهما يختلفان في المقدار، فإذا نقص النهار زاد الليل، وإذا نقص الليل زاد النهار، فيدخل بعضهم في بعض كما قال تعالى: { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } [الحج:61]

وعبرنا بالعام ولم نعبر بالسنة، لأن السنة في الأصل للعام العجمي الذي هو أطول من العام العربي بإحدى عشر يوما تقريبا، ولذلك كانت العرب تسمي عام الجدب سنة فيقال: أصابتنا سنة، أي أن ذلك العام لشدته طويل حتى استحق أن يسمى سنة، قال تعالى: { وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ } [الحج: 47] فالسنة في الآية، المراد بها العام، وعبر عنها بالسنة لشدة ذلك اليوم، وأيام الشدة طويلة على النفوس كما قال امرؤ القيس:

ولَيْلٍ كَمَوْجِ البَحْرِ أَرْخَى سُدُوْلَهُ ... عَلَيَّ بِأَنْوَاعِ الهُمُوْمِ لِيَبْتَـــلِي
فَقُلْتُ لَهُ لَمَّا تَمَطَّى بِصُلْبـــهِ ... وأَرْدَفَ أَعْجَازاً وَنَاءَ بِكَلْكَــلِ
ألاَ أَيُّهَا اللَّيْلُ الطَّوِيْلُ ألاَ انْجَلِي ... بِصُبْحٍ، وَمَا الإصْبَاحُ منِكَ بِأَمْثلِ

وأيام الشهور العربية: إما ثلاثون أو تسعة وعشرون، فالفرد - كالمحرم-، ثلاثون، والزوج - كصفر-، تسعة وعشرون، ويرمزون إلى ذلك بهذه الجملة: [تهجد يحيا بليل] فالمنقوط ثلاثون، وغير المنقوط تسعة وعشرون.

والحقيقة: أن الشهور متساوية، ففي كل شهر تسعة وعشرون يوما و واحد وثلاثون دقيقة و خمسون ثانية وخمس ثوالث فلكية، ويرسم جدولها هكذا:

الأيام 29 الدقائق 31 الثواني50 الثوالث05

تنبيه: الدقيقة عند الفلكيين هي: 24 دقيقة في عصرنا وعرفنا، ودقيقتان ونصف دقيقة فلكية تساوي: ساعة واحدة في عصرنا وعرفنا، والثانية الفلكية هي: جزء من 60 جزءا من الدقيقة الفلكية، والثالثة هي: جزء من 60 جزءا من الثانية الفلكية .

إذا فالعام بالمفهوم العام: 354 يوما و8 ساعات و48 دقيقة عصرية على التقريب – أي بالمفهوم العصري- وأما بالمفهوم الفلكي فهي: 354 يوما و22 دقيقة فلكية على التقريب أيضا.

تنبيه آخر: لم يتعرض الناظم لبيان معرفة اليوم الأول من كل عام عربي في النظم، وإنما تعرض لذلك في الشرح، وذكر قاعدة لاستخراج مدخل المحرم صعبة، خصوصا على المبتدإ، ولذلك أضربت عنها وسأذكر قاعدة جدولية سهلة يؤمن معها الغلط إن شاء الله، وهي للشيخ العلامة الفلكي السوسي سيدي صالح الإلغي، قال:
"إذا أردت مدخل المحرم، فاقسم أعوام الهجرة بإدخال العام المطلوب أوله على ثمانية، فإن انكسر لك واحد فمدخله الإثنين، وإن انكسر اثنان فالجمعة، وإن انكسر ثلاثة أو ستة فالثلاثاء، أو أربعة فالأحد، أو خمسة فالخميس، أو سبعة فالسبت، وإن لم ينكسر شيء فالأربعاء.
وإن أردت ترتيب الأيام قلت: مدخل المحرم بالأحد إن انكسرت أربعة، وبالإثنين إن انكسر واحد، وبالثلاثاء إن انكسر ثلاثة أو ستة، وبالأربعاء إن لم ينكسر شيء، وبالخميس إن انكسرت خمسة، وبالجمعة إن انكسر اثنان، وبالسبت إن انكسرت سبعة، والله أعلم.

وهاك الجدول، الذي تفهم منه الأولى:

01 الجمعة 31اربعاء 61اثنين 91السبت 121الخميس 151الثلاثاء 181الاحد
02الثلاثاء 32احد 62الجمعة 92الاربعاء 122اثنين 152السبت 182الخميس
03الاحد 33الجمعة 63اربعاء 93الاثنين 123السبت 153الخميس 183الثلاثاء
04الخميس 34ثلاثاء 64الاحد 94الجمعة 124اربعاء 154الاثنين 184السبت
05الاثنين 35السبت 65الخميس 95الثلاثاء 125الاحد 155الجمعة 185اربعاء
06السبت 36الخميس 66ثلاثاء 96الاحد 126الجمعة 156اربعاء 186الاثنين
07اربعاء 37اثنين 67السبت 97الخميس 127الثلاثاء 157الاحد 187الجمعة
08اثنين 38السبت 68الخميس 98الثلاثاء 128الاحد 158الجمعة 188اربعاء
09الجمعة 39اربعاء 69الاثنين 99السبت 129الخميس 159الثلاثاء 189الاحد
10الثلاثاء 40احد 70الجمعة 100اربعاء 130اثنين 160السبت 190الخميس
11الاحد 41الجمعة 71الاربعاء 101اثنين 131السبت 161الخميس 191الثلاثاء
12الخميس 42ثلاثاء 72الاحد 102الجمعة 132اربعاء 162الاثنين 192السبت
13اثنين 43السبت 73الخميس 103الثلاثاء 133الاحد 163الجمعة 193اربعاء
14السبت 44الخميس 74الثلاثاء 104الاحد 134الجمعة 164اربعاء 194اثنين
15اربعاء 45اثنين 75السبت 105الخميس 135الثلاثاء 165الاحد 195الجمعة
16الاحد 46الجمعة 76الاربعاء 106اثنين 136السبت 166الخميس 196الثلاثاء
17الجمعة 47اربعاء 77الاثنين 107السبت 137الخميس 167الثلاثاء 197الاحد
18ثلاثاء 48الاحد 78الجمعة 108اربعاء 138الاثنين 168السبت 198الخميس
19الاحد 49الجمعة 79الاربعاء 109اثنين 139السبت 169الخميس 199الثلاثاء
20الخميس 50ثلاثاء 80الاحد 110الجمعة 140اربعاء 170الاثنين 200السبت
21الاثنين 51السبت 81الخميس 111الثلاثاء 141الاحد 171الجمعة 201اربعاء
22السبت 52الخميس 82الثلاثاء 112الاحد 142الجمعة 172اربعاء 202اثنين
23اربعاء 53اثنين 83السبت 113الخميس 143الثلاثاء 173الاحد 203الجمعة
24احد 54الجمعة 84الاربعاء 114اثنين 144السبت 174الخميس 204الثلاثاء
25الجمعة 55اربعاء 85الاثنين 115السبت 145الخميس 175الثلاثاء 205الاحد
26ثلاثاء 56الاحد 86الجمعة 116اربعاء 146الاثنين 176السبت 206الخميس
27احد 57الجمعة 87الاربعاء 117اثنين 147السبت 177الخميس 207الثلاثاء
28الخميس 58ثلاثاء 88الاحد 118الجمعة 148اربعاء 178اثنين 208السبت
29اثنين 59السبت 89الخميس 119الثلاثاء 149الاحد 179الجمعة 209اربعاء
30السبت 60الخميس 90الثلاثاء 120الاحد 150الجمعة 180اربعاء 210الاثنين

وبيانها: أن مداخل الأعوام العربية تدور أبدا على 210 ابتداء من العام الهجري .

فمن أراد مدخل عام عربي بالعلامة، فليقسم أعوام الهجرة بعامه المطلوب على 210، وما بقي منكسرا غير مقسوم ، فلا بد أن يكون مثله في هذا الجدول، فليبحث عنه فيه، فإذا وجده نظر إلى اليوم الذي قدامه، فإنه هو مدخل عامه المطلوب، وإن لم ينكسر شيء – كما هو الشأن في 1260 – فمدخله يوم الاثنين آخر الجدول.
وإذا أراد مدخل غير المحرم من بقية الشهور، فليحسب له من مدخل المحرم بهذه الحروف: [ أجد، وزب، جهو، أبد، ] مرتبا الشهور على ترتيبها: فالهمزة للمحرم، والجيم لصفر....إلى أن يكون الدال الأخير لذي الحجة، ومعناه أن صفر يدخل في ثالث مدخل المحرم، وربيع الأول في رابعه، وهكذا." اهـ

وصلى الله وسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

صورة رمزية إفتراضية للعضو الفقيه السوسي
الفقيه السوسي
عضو
°°°
Oo5o.com (19) تتـــــــــــــمــــــــــــــة: الدرس الرابع
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المخلوقين ،نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد : قال الناظم (رحمه الله):

أفضل ما في العام مولد النبي ... صلى عليه الله ليلةُ يَبِ
من يوم الاثنين ربيع الأول ... فيه أتى يثرب خير مرسل
وموته فيها كذا الاســراء ... ويا محرمك عاشــوراء
أو تاسع والصوم والإنفـاق ... فيه تزيد بهـما الأرزاق

قوله: (أفضل ما في العام ) العربي (مولد) بفتح الميم وكسر اللام، اسم زمان من ولد، وكذا اسم المكان واسم المصدر(النبي) لغة: مشتق من النَّبْوة أي الرفعة فيكون فعيل بمعنى مفعول ،وقيل مشتق من النبإ فيكون فعيل بمعنى فاعل، وهو: من يخبر عن الغيبيات.
واصطلاحا: إنسان أوحي إليه بشرع ولم يأمر بتبليغه ، هذا هو المشهور.
(صلى عليه الله) أي أثنى عليه في الملأ الأعلى، (ليلةُ) بالرفع خبر مبتدإ محذوف تقديره هو، (يب) رمز بحروف الجمل إلى اثني عشر، أي ليلة الثاني عشر (من) للتبعيض (يوم الاثنين ربيع الأول) منصوب بإسقاط الخافض، أي في ربيع الأول، هذا هو المشهور، وقيل غير ذلك (فيه) الضمير عائد على ربيع الأول وهو أحسن، ويحتمل عوده على يوم الإثنين (طيبة) اسم لمدينة النبي – صلى الله عليه وسلم- سماها به جبريل عليه السلام لأن جدرانها يشم منها الطيب، وقد كانت تسمى في الجاهلية: يثرب، فكره ذلك النبي – صلى الله عليه وسلم- لأن هذا الإسم مشتق من التثريب الذي هو: الخسارة، ومن قال يثرب فكفارته أن يقول طيبة ثلاث مرات (خير) أي أفضل (مرسل) اسم مفعول، من الإرسال، والمقصود به: النبي – صلى الله عليه وسلم- (وموته) الضمير عائد على النبي – صلى الله عليه وسلم- والموت ضد الحياة، والمراد: خروج الروح من الجسد (فيه) الضمير عائد على ما عاد عليه الأول (كذا الإسراء) أي كذلك أسري به في هذا الشهر من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، والإسراء: مصدر أسرى إذا سار في الليل، وأما قصة الإسراء والمعراج فهي مشهورة في كتب السير ، فمن أرادها فلينظرها فيها، لأن فيها أبحاث طويلة ليس هذا موضع ذكرها، إنما أشار الناظم إلى زمانها فقط، ثم قال:

(و) عدد (يا) بالجمل وهو: عشرة من (محرمك) أي اليوم العاشر من المحرم هو: يوم (عاشوراء) بألف بعد العين المهملة والمد في آخره، وقد يقصر وقد تحذف الألف بعد العين، ممنوع من الصرف لألف التأنيث (أو تاسع) أي وقيل: اليوم التاسع من المحرم، ويسمى: تاسوعاء على وزن "فاعولاء" وقدم عاشوراء مع أن تاسوعاء مقدم عليه في الوجود لأنه أفضل من تاسوعاء.

ويستحب صيامه لقوله عليه الصلاة والسلام "صيام يوم عاشوراء احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله" رواه مسلم وغيره قال ابن حبيب: ويقال فيه تيب على آدم عليه الصلاة والسلام واستوت السفينة على الجودي وفلق البحر لموسى عليه الصلاة والسلام وأغرق فرعون وولد عيسى عليه الصلاة والسلام وخرج يونس عليه الصلاة والسلام من جوف الحوت وخرج يوسف عليه الصلاة والسلام من الجب وتاب الله سبحانه فيه على قوم يونس وفيه تكسى الكعبة كل عام.

قال في المقدمات: واختلف فيه فقيل العاشر وقيل التاسع فمن أراد أن يتحرى صامهما انتهى.

وقد ذكروا فيما يفعل يوم عاشوراء اثني عشر خصلة وهي الصلاة والصوم والصدقة والاغتسال والاكتحال وزيارة عالم وعيادة المريض ومسح رأس اليتيم والتوسعة على العيال وتقليم الأظفار وقراءة سورة الإخلاص ألف مرة وصلة الرحم وقد نظمها بعضهم فقال:

في يوم عاشوراء عشر تتصــل ... بها اثنتان ولها فضل نقــــل
صُمْ صَلِّ صِلْ زُرْ عَالِمًا ثُمَّ اغْتَسِلْ ... رَأْسَ الْيَتِيمِ امْسَحْ تَصَدَّقْ وَاكْتَحِلْ
وَسِّعْ عَلَى الْعِيَالِ قَلِّمْ ظُفــــْرًا ... وَسُورَةَ الْإِخْلَاصِ أَلْفًا تقــــرا

وذيله شيخ شيوخنا النور الأجهوري بقوله:

ولم يرد من ذي سوى الصوم كذا ... توسعة وغير هذا فانبذا

ولهذا قال الناظم: (والصوم والإنفاق) أي الصوم كما في الحديث المتقدم، والانفاق أي التوسعة لحديث ابن عباس عن النبي – صلى الله عليه وسلم -: " من وسع على نفسه وعياله يوم عاشوراء وسع الله عليه في رزقه ذلك العام" قوله: (فيه) الضمير عائد على عاشوراء (تزيد بهما) الضمير عائد على الصوم والانفاق (الأرزاق) المراد أرزاق الدنيا والآخرة، فأرزاق الدنيا تزيد بالانفاق، وأرزاق الآخرة تزيد بالصوم.اهـ

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى ءاله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين

صورة رمزية إفتراضية للعضو الفقيه السوسي
الفقيه السوسي
عضو
°°°
Oo5o.com (19) تتـــــــــــــمــــــــــــــة: الدرس الخامس
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المخلوقين ،نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد : قال الناظم (رحمه الله):

وقى إلهنا الكريم بوسى ... فيه الخليل والكليم موسى
آدم داوود ابنـه إدريـسا ... أيوب يونس ونوحا عيسى

قوله: (وقى) أي: حفظ ونجى (إلهنا) معبودنا (الكريم) صفة للإله، وهو لغة: الصفوح، والجواد، والسخي، والمعطاء، قال الغزالي:
هو الذي إذا قدر عفا وإذا وعد وفى وإذا أعطى زاد على منتهى الرجاء ولا يبالي كم أعطى ولمن أعطى وإن رفعت حاجة إلى غيره لا يرضى وإذا جفي عاتب وما استقصى ولا يضيع من لاذ به والتجأ ويغنيه عن الوسائل والشفعاء فمن اجتمع له جميع ذلك لا بالتكلف فهو الكريم المطلق وذلك لله سبحانه وتعالى .اهـ
قوله: (بُوسى) بفوقية موحدة وتخفيف الهمزة والقصر على وزن فُعلى كحُبلى، من بَئِسَ، كسَمِعَ، بُؤْساً وبُؤُوساً وبَأساً، وبُؤْسَى وبَئِيسَى: وهي الشدة والحاجة والبلاء، ضد النعمى، قال تأبط شرا:

قد ضقت من حبها ما لا يضيقني...حتى عددت من البوس المساكين.

قال الشارح: وهو "مفعول ثاني مقدم على المفعول الأول وهو الخليل" اهـ وقوله: (فيه) الضمير عاد على عاشوراء و(الخليل) هو أبو الأنبياء، سيدنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ تَارَحَ بن ناخور بن ساروع بن أوغو بْنِ فَالِغَ بْنِ عَابِرَ بْنِ شَالِخَ بْنِ أَرْفَخْشَدَ بْنِ سام بن نوح (النبي) على نبينا وعليهما السلام، نجاه الله من نار النمروذ (عليه لعنة الله)
وقوله: (والكليم موسى) معطوف على الخليل، وموسى هو النبي: موسى بن قاهث بن عازر بن لاوى بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم على نبينا وعليهم السلام، نجاه الله من فرعون وجنوده، وأغرقهم في بحر (القلزم) وهو الذي يسمى الآن بالبحر الأحمر.
وقوله: (آدم) وهو النبي أبو البشر، معطوف بحذف حرف العطف، وهذا هو إعراب ما بعده من الأسماء الآتية، تاب الله عليه، ونجاه من العذاب.
وقوله: (داوود) هكذا في الأصل بإثبات الواو الثانية، ويجوز حذفها للتخفيف، قال بعضهم من الطويل:

لقد ظلموا داود في أخذ واوهِ...وقالوا بها إصلاحُ رسمٍ إلى عمرِو
فما زال داود بحسـرةِ واوهِ ... يسلِّطُ زيداً يضربنه أبد الدهرِ. اهـ

وهو: نبي الله داود بن إيشا بن عويد بن عابر بن سلمون بن نحشون بن عويناذب بن ارم بن حصرون بن فارص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل على نبينا وعليهم السلام، تاب الله عليه من خطيئته بعد استغفاره.
قوله: (ابنه) الضمير عائد على داود المتقدم، وهو نبي الله سليمان على نبينا وعليه السلام، رد الله عليه ملكه بعدما سلب منه.
قوله: (إدريسا) بألف الإطلاق، هو نبي الله إدريس بن يارد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم أبي البشر، واسمه عند العبرانيين (خنوخ) وفي الترجمة العربية (أخنوخ)، رفعه الله من الدنيا الدنية.
قوله: (أيوب) وهو نبي الله أيوب بن موص بن رزاح بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل على نبينا وعليهم السلام، كشف الله عنه الضر حين ناداه.
قوله: (يونس) هو نبي الله يونس بن متّى وينتهي نسبه إلى يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل على نبينا وعليهم السلام، نجاه الله من بطن الحوت.
قوله: (ونوحاً) بالتنوين اسم أعجمي صرف لأن العجمة سبب ضعيف فلا تؤثر في الثلاثي المذكر مطلقا، لقول ابن مالك:
والعَجَميُّ الوضع والتعريف مع ... زيد على الثلاث صرفه امتنع.

وقال سيبويه: ( وأما نوحٌ وهودٌ ولوطٌ فتنصرف على كل حال لخفتها )اهـ وهو: نبي الله نوح بن لامك بن متوشلخ بن خنوخ - وهو إدريس – كما سبق، على نبينا وعليهما السلام، نجاه الله من الطوفان.
وقوله: (عيسى) وهو نبي الله وكلمته عيسى بن مريم بنت عمران بن ماتان بن اليعازر بن اليود بن أجبن بن صادوق بن عيازور بن الياقيم بن أيبود بن زربائيل بن شالتان بن يوحنيا بن برستيا بن آمون بن ميشا بن حزقيل بن أجاز بن يوثام بن عزريا بن بورام بن بوسافاط بن أسا بن أبيا بن رخيعم بن سليمان بن داود على نبينا وعليهم السلام، نجاه الله من اليهود الذين أرادوا قتله، فرفعه الله إليه وألقى الشبه على "برجيس" الذي دلهم على مكانه، فقتلوه صلبا ظنا منهم أنه هو عيسى، (عليهم من الله ما يستحقون) .

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى ءاله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

صورة رمزية إفتراضية للعضو الفقيه السوسي
الفقيه السوسي
عضو
°°°
Oo5o.com (19) تتـــــــــــــمــــــــــــــة: الدرس السادس
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المخلوقين ،نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد : قال الناظم (رحمه الله):

في صوم ثالث المحرم ارغب ... وحاءِ حجة وكزٍّ رجب

وكهّ قعدة ويوم عرفة ... ونصف شعبان روى ذو المعرفة

لما ذكر الناظم – رحمه الله – أن يوم عاشوراء مرغب في صومه؛ استطرد في ذكر الايام السبعة التي ورد الفضل في صومها.

منها: يوم عاشوراء وقد تقدم ذكره.

ومنها: يوم ثالث المحرم، دعا فيه سيدنا زكريا على نبينا وعليه الصلاة والسلام ربه أن يرزقه غلاما فاستجيب له، وإليه أشار الناظم بقوله: (في صوم ثالث المحرم ارغب) .

ومنها: ثامن ذي الحجة وإليه أشار بقوله: ( وحا حجة) لان نقط الحاء يساوي ثمانية بحساب الجمل، وهو يوم منى عند المغاربة أو يوم التروية عند المشارقة - مشتق من الري لأن الناس يعدون فيه الماء ليوم عرفة -، وقيل في قوله تعالى: {وليال عشر} [الفجر: 2] أنها عشر ذي الحجة.
قال ابن يونس والقرافي وابن رشد وتبعه الحطاب : ورد أنه كصيام سنة، وقال في التوضيح: روى ابن حبيب في واضحته، عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه قال: «صوم يوم التروية كصوم سنة».

تنبيـــــــه : قد وهم العلامة سيدي محمد بن عرفة الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير في قوله: " وفي الحطاب أن صومه يكفر شهرا " فالذي في شرح الحطاب والمقدمات المراد به هو : بقية الايام التسع من ذي الحجة من غير الثامن والتاسع، والدليل على ذلك أن العلامة الخرشي قال في شرحه على سيدي خليل:
"واختلف في صيام كل يوم من العشر المذكورة هل يعدل شهرا أو شهرين أو سنة ؟ وهذا ما عدا الثامن والتاسع، أما الأول فيعدل سنة، وأما الثاني فيعدل سنتين". انتهى


والعجيب أن العلامة سيدي محمد عليش وغيره من المتأخرين تبع ابن عرفة الدسوقي في ذلك، فتأمل.
ويكره صوم يوم التروية للحاج، وقال أشهب وابن وهب وابن حبيب: فطره أفضل للحاج ليتقوى على الدعاء .

قلت: ولأنه - صلى الله عليه وسلم - «أفطره في حجة الوداع » .

وقال في المتيطية: ويكره للحاج أن يصوم بمنى وعرفة متطوعا، وهو حسن لغير الحاج؛ لأن بالحاج حاجة شديدة إلى تقوية جسمه لصعوبة العمل وكثرته في ذلك الموقف، وربما ضعف بالصوم فقصر عن بعضه، فلذلك كره، انتهى.

ومنها: السابع والعشرون من شهر رجب، وإليه أشار بقوله: ( وكز رجب ) لان الكاف عشرون والزاي سبعة، قال في التوضيح: واستحب ابن حبيب وغيره صوم السابع والعشرين من رجب لأن فيه بعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - . انتهى

ومنها: الخامس والعشرون من ذي القعدة، وإليه أشار بقوله: ( وكه قعدة ) لان الكاف عشرون والهاء خمسة، قيل: لان فيه أنزلت الكعبة على آدم - عليه الصلاة والسلام - ومعها الرحمة .

ومنها: ( يوم عرفة )، وهو تاسع ذي الحجة، ولم يضبطه بالعدد لشهرته، ويستحب صوم يوم عرفة لغير الحاج، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده» ، رواه مسلم، وأبو داود، قال الأقفهسي معناه إن وجد شيئا في التي بعده يكفره وإلا حصل الثواب.انتهى
وأما الحاج فيكره له صومه لحديث أبي داود: «نهى - عليه الصلاة والسلام - عن صيام عرفة بعرفة» ؛ ولأنه صح أنه - عليه الصلاة والسلام - كان فيه مفطرا، قال في المتيطية: ويكره للحاج أن يصوم بمنى وعرفة متطوعا، وهو حسن لغير الحاج؛ لأن بالحاج حاجة شديدة إلى تقوية جسمه لصعوبة العمل وكثرته في ذلك الموقف، وربما ضعف بالصوم فقصر عن بعضه، فلذلك كره، انتهى.
وقيل في قوله تعالى: {والشفع والوتر} [الفجر: 3] أن الشفع يوم النحر، وأن الوتر يوم عرفة. وفي قوله: {وشاهد ومشهود} [البروج: 3] أن الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة.انتهى

ومنها: الخامس عشر من شعبان، واليه اشار بقوله: ( ونصف شعبان ) لمن أراد الإقتصار على هذا اليوم، وقيل في ليلة النصف من شعبان يبرم أمر السنة وينسخ الأحياء في الأموات ويكتب الحاج فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أحد، روي ذلك عن علي بن ابي طالب وأبي هريرة وعكرمة وعطاء بن يسار وعائشة وغيرهم : وقيل أن المرادة بقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)} [الدخان: 3، 4]، ليلة النصف من شعبان، وذهب الجمهور: أن المراد بالآية ليلة القدر، والذي ينبغي المصير اليه هو الجمع بين هذه الاقوال، فقد روى أبو الشيخ، بسند صحيح، عن ابن عباس رضي الله عنه فى قوله: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ قال: «ليلة النصف من شعبان، يُدبر أمر السنة، فيمحو ما يشاء ويُثبت غيره الشقاوة والسعادة، والموت والحياة» . قال السيوطي: سنده صحيح لا غُبار عليه ولا مطعن فيه. اهـ. ورُوي عن ابن عباس: قال: إن الله يقضي الأقضية كلها ليلة النصف من شعبان، ويسلمها إلى أربابها ليلة القدر. وفي رواية: ليلة السابع والعشرين من رمضان، فبهذا يرتفع الخلاف أن الأمر يبتدأ في ليلة النصف من شعبان، ويكمل في ليلة السابع والعشرين من رمضان، والله تعالى أعلم.

وأخرج ابن ماجة والبيهقي في شعب الإيمان عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول ألا مستغفر فأغفر له ألا مسترزق فأرزقه ألا مبتلى فأعافيه ألا سائل فأعطيه ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر.انتهى

وقوله: ( روى ذو المعرفة ) أي ذو علم بالآثار والأحاديث، وقد نظم بعضهم هذه الايام السبعة في بحر من الطويل فقال:

أيا راغــبــا أجــر الصــيــام تــطــوعـا ... عــلــيــك بـأيــام روتـهـا الأوائـل

وعدتــهــا ســبــع مـــن الـعــام كــلــــه ... وفي صومها للصائمين فضائـــل

ففي رجـــب مــن بعــد عشريــن سابـع ... بــه كــل بـــر معـتـن مـتـشــاغل

وفي النصف من شعبان جاءت عجائب ... من الخير والإحسان فهى تواصل

فمــن قامــه ليــلا واصــبــح صــائــمـا ... تلــقى امـانـا لـم تصبــه الــغـوائل

ومــن قعـــدة خمــس وعشرين فاحتفظ ... بــه إنــه يــوم عــظــيــم وفاضـل

وفي حــجــة يــوم أتــى وهــــــــو أول ... وتــاســعــة أيضــا كـذلـك فاضل

وثــــالــــث أيــــام الــمــحــــرم إنـــــه ... جــلــيــل وعـاشـوراء فـيـه أقاول.

وجعل بعضهم بدل أول يوم من الحجة السادس منه وبعضهم الثالث من رجب، وفي حاشية ابن الحاج على ميارة أبيات شبيهة بهذه وهي قوله:

وهـــاك سـبــعــة مــن الأيــــام ... نــص عـلـيـها الشــرع بالصــيـام

فثــالــث المحــرم اسمــع جــاء ... وعــنــه أيـضـا يـوم عـاشــــوراء

وثــالــث من رجـب المعــظـــم ... والسبــع والعشــرون منــه فاعلـم

كذاك من شعبان يوم النصــــف ... والخمس والعشرون فافهم وصفي

من شهر ذي القعدة كذاك التاسع ... من شهر ذي الحجة بلا منــــازع.

ويجعل بعضهم بدل ثالث رجب؛ أول يوم من ذي الحجة، وبعضهم سادس ذي الحجة أيضا، وبعضهم ثامنها وهو يوم التروية. انتهى

ثم قال الناظم (رحمه الله):

ذو قعدة ذو حجة محرم ... ورجب الفرد شهور حرم .

قوله: (ذو قعدة ) بكسر القاف على ما وجدت في النسخ، ضرب من القعود، وبالفتح المرة الواحدة منه، قال في المصباح: وَذُو الْقَعْدَةِ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْكَسْرُ لُغَةٌ شَهْرٌ وَالْجَمْعُ ذَوَاتُ الْقَعْدَةِ وَذَوَاتُ الْقَعَدَاتِ وَالتَّثْنِيَةُ ذَوَاتَا الْقَعْدَةِ وَذَوَاتَا الْقَعْدَتَيْنِ فَثَنَّوْا الِاسْمَيْنِ وَجَمَعُوهُمَا وَهُوَ عَزِيزٌ لِأَنَّ الْكَلِمَتَيْنِ بِمَنْزِلَةِ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا تَتَوَالَى عَلَى كَلِمَةٍ عَلَامَتَا تَثْنِيَةٍ وَلَا جَمْعٍ. انتهى

وهو الحادي عشر من الشهور العربية، سمي بذلك لأن العرب كانت تقعد فيه عن الغزو تعظيماً له؛ لانه من الاشهر الحرم، وقيل: لقُعُودهم فيه في رحالهم وأوطانهم، ويقولون في ذي القعدة ايضا: ورنة والواو فيه منقلبة عن همزة أخذا من أرن إذا تحرّك لأنه الوقت الذي يتحرّكون فيه إلى الحج، أو من الأرون وهو الدنوّ لقربه من الحج ويجمع على ورنات ووران كجفان.

قوله: (ذو حجة) بكسر الحاء على ما وجدت في النسخ، المرة الواحدة من الحج، وهو شاذ لوروده على خلاف القياس؛ لأن القياس في المرة هو الفتح في كل فعل ثلاثي، كما أن القياس فيما يدل على الهيئة الكسر، كذا صرح به ثعلب في الفصيح، وقلده الجوهري والفيومي والمصنف وغيرهم.
وفي اللسان: روي عن الأثرم وغيره: ما سمعنا من العرب: حججت حَجة، ولا رأيت رأية، وإنما يقولون: حججت} حِجة.
وقال الكسائي: كلام العرب كله على فعلت فَعلة إلا قولهم: حججت حِجة، ورأيت رؤية فتبين أن الفعلة للمرة تقال بالوجهين: الكسر على الشذوذ - وقال القاضي عياض: ولا نظير له في كلامهم - والفتح على القياس.

ونقل القزاز في غريب البخاري: وأما ذو الحجة للشهر الذي يقع فيه الحج فالفتح فيه أشهر، والكسر قليل، ومثله في مشارق عياض، ومطالع ابن قرقول، قال الامام النووي في شرح مسلم: أما ذو القعدة فبفتح القاف وذو الحجة بكسر الحاء هذه اللغة المشهورة ويجوز في لغة قليلة كسر القاف وفتح الحاء. انتهى وأنشد بعضهم:

وفتح قاف قعدة قد رجحوا ... وكسر حاء حجة قد صححوا

وجمع ذو الحجة؛ ذَواتُ الحِجَّةِ، ولم يقولوا: ذوو على واحده، وهو الثاني عشر والأخير من الشهور العربية، سمي بذلك للحج فيه، وكان العرب يحجون ويلبون في حجهم في الجاهلية، وكانوا يسمونه ايضا: برك، وهو غير مصروف لأنه معدول عن بارك، أو على التكثير كما يقال: رجل حكم وهو مأخوذ من البركة لأن الحج فيه، أو من برك الجمل لأنه الوقت الذي تبرك فيه الإبل للموسم، ويجمع على بركان مثل نغر ونغران.

قوله: ( محرم ) بضم الميم وفتح الحاء وتشديد الراء: اسم فاعل من حرَّمَ يحرِّم، تحريمًا، فهو مُحرِّم، وجمع محرَّمات ومَحارِمُ ومَحاريمُ، وهو الشّهر الأوَّل من شهور العام الهجري العربي، سمي بذلك لتحريم القتال فيه، وكان العرب يقولون أيضا في المحرّم: المؤتمر أخذا من أمر القوم إذا كثروا بمعنى أنهم يحرّمون فيه القتال فيكثرون. وقيل أخذا من الائتمار بمعنى أنه يؤتمر فيه بترك الحرب، ويجمع على مؤتمرات ومآمر ومآمير.

قوله: ( رجب ) بفتح الجيم: مصدر رجَِب كفرح ونصر يرجَُب رَجَباً، والجمع رجبات وأرجاب وأرجُب وأرجِبة ورِجاب ورُجوب، والتَّرْجِيبُ: التعظيمُ، وهو الشّهر السّابع من شهور العام الهجري العربي، وفي الحديث: [ رجب مضر الذي بين جمادى وشعبان ]؛ قوله: بين جمادى وشعبان، تأكيد للبيان وإيضاح له، لأنهم كانوا يؤخرونه من شهر إلى شهر، فيتحول عن موضعه الذي يختص به، فبين لهم أنه الشهر الذي بين جمادى وشعبان، لا ما كانوا يسمونه على حساب النسيء، وإنما قيل: رجب مضر، إضافة إليهم، لأنهم كانوا أشد تعظيما له من غيرهم، فكأنهم اختصوا به، و يقولون: هذا رجب، فإذا ضموا له شعبان، قالوا: رجبان.
وقيل سمي بذلك، لأن العرب كانوا يعظمونه في الجاهلية، ولا يستحلون فيه القتال، وقيل: لأن الملائكة تترجب للتسبيح والتحميد فيه، ويسمى ايضا عندهم بأسماء منها: الأصم ، لأن السلاح يغمد فيه فلا يسمع وقع الحديد بعضه على بعض، ومنصل الأسنة، لأنه كانت تنزع فيه الأسنة للأمن والكف عن القتال، و شهر الله، ورجب مضر كما تقدم، والأصب، ومنفس، ومطهر، ومعلي، ومقيم، وهرم، ومقشقش، ومبريء، وفرد وغيرها.
ووصفه الناظم بـ (الفرد) لأن الثلاثة الأشهر الأولى المتقدمة سرد أي متتابعة، ورجب انفرد عنهم، يتقدمه جمادى وياتي بعده شعبان .

قوله: (شهور) جمع شهر قيل: معرب، وقيل: عربي، مأخوذ من الشهرة وهي الانتشار، وقيل: الشهر الهلال، سمي به لشهرته ووضوحه، ثم سميت الأيام به، ويجمع أيضا على أشهر، قاله في المصباح، وقال الليث: الشهر والأشهر عدد، والشهور: جماعة.
قوله: (حرم) بضم الحاء والراء: جمع حرام، وهو سماعي لأن فعلا بضم الفاء والعين إنما ينقاس في الاسم الرباعي ذي مد زائد، وهو صفة لشهور، وهذه الاشهر الحرم هي التي ذكرها الله في قوله: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36] وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - إجمال هذه الآية في خطبة حجة الوداع في الحديث الذي رواه مسلم وغيره: عن أبي بكرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب شهر مضر الذي بين جمادى وشعبان". انتهى

قال الامام النووي في شرح مسلم:
قال العلماء معناه أنهم في الجاهلية يتمسكون بملة إبراهيم صلى الله عليه وسلم في تحريم الأشهر الحرم وكان يشق عليهم تأخير القتال ثلاثة أشهر متواليات فكانوا إذا احتاجوا إلى قتال أخروا تحريم المحرم إلى الشهر الذي بعده وهو صفر ثم يؤخرونه في السنة الأخرى إلى شهر آخر وهكذا يفعلون في سنة بعد سنة حتى اختلط عليهم الأمر وصادفت حجة النبي صلى الله عليه وسلم تحريمهم وقد تطابق الشرع وكانوا في تلك السنة قد حرموا ذا الحجة لموافقة الحساب الذي ذكرناه فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الاستدارة صادفت ما حكم الله تعالى به يوم خلق السماوات والأرض وقال أبو عبيد كانوا ينسئون أي يؤخرون وهو الذي قال الله تعالى فيه إنما النسيء زيادة في الكفر فربما احتاجوا إلى الحرب في المحرم فيؤخرون تحريمه إلى صفر ثم يؤخرون صفر في سنة أخرى فصادف تلك السنة رجوع المحرم إلى موضعه.انتهى

وتحريم هذه الأشهر الأربعة مما شرعه الله لسيدنا إبراهيم عليه السلام لمصلحة الناس، وإقامة الحج، كما قال تعالى: جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام [المائدة: 97] .

واعلم : أن تفضيل الأوقات والبقاع يشبه تفضيل الناس، فتفضيل الناس بما يصدر عنهم من الأعمال الصالحة، والأخلاق الكريمة، وتفضيل غيرهم مما لا إرادة له بما يقارنه من الفضائل، الواقعة فيه، أو المقارنة له. فتفضيل الأوقات والبقاع إنما يكون بجعل الله تعالى بخبر منه، أو بإطلاع على مراده، لأن الله إذا فضلها جعلها مظان لتطلب رضاه، مثل كونها مظان إجابة الدعوات، أو مضاعفة الحسنات، كما قال تعالى: ليلة القدر خير من ألف شهر [القدر: 3] أي من عبادة ألف شهر لمن قبلنا من الأمم.

واعلم : ان العام الهجري هو مقدار زمني معروف ينقسم
الى اثني عشر شهرا، وكل شهر الى تسعة وعشرين يوما وإحدى وثلاثين دقيقة وخمسين ثانية وخمس ثوالث، وكل يوم الى ستين دقيقة، قال في الشرح الكبير:
والعام العربي عند المنجمين هو: مدة اجتماع القمر مع الشمس في الفلك اثنتي عشرة مرة مع ما بين الاخيرة والثالثة عشرة. انتهى
قال سيدي صالح الالغي: وذلك اثنا عشر شهرا، الشهر الاول: يبتدئ بعد الاجتماع الاول؛ وينتهي عند الاججتماع الثاني، وهكذا الى ان ينتهي الشهر الحادي عشر عند اجتماع الثاني عشر، وينتهي الشهر الثاني عشر – الذي هو تمام العام – عند الاجتماع الثالث عشر، وهذا معنى قوله: (مع ما بين الاخيرة ...).انتهى
والشهور العربية مشهورة وهي مع اسمائها:

المُحَرَّمُ: ويقال له المُؤْتَمِرُ، وصَفَرٌ: ويقال له ناجِرٌ، وربيعٌ الأَوَّلُ: ويقال له خَوَّانٌ وخُوَّانٌ وخَوَان، وربيعٌ الآخِرُ: ويقال له وَبْصان، وحُكِيَ لنا: بُصَانٌ أيضاً، وجُمادَى الأولى: ويقال له الحَنِينُ، وحُكِيَت الحُنَيْن، وجُمادَى الآخِرة: ويقال له رُبَّى والرُبَّةُ، ورَجَبٌ: ويقال له الأَصَمُّ، وشَعْبان: ويقال له عاذِلٌ، ورمضان: ويقال له ناتِقٌ، وشَوَّالٌ: ويقال له وَعِلٌ، وذو القَعْدةِ: ويقال له وَرْنَة، وذو الحِجَّةِ: ويقال له بُرَكٌ.انتهى

ونظمها بعضهم فقال:

أردت شهور العرب في جاهليّة ... فخذها على سرد المحرّم يشترك

فهو تمر يأتي ومن بعد ناجر ... وخوّان مع وبصان يجمع في شرك

حنين ورني والأصم وعاذل ... وناتق مع وعل وورنة مع برك

وفي هذا القدر كفاية، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى ءاله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

صورة رمزية إفتراضية للعضو باعمران
باعمران
عضو
°°°
افتراضي
إذا لـم يعنك الله فيـما تريـده ... فليس لمخلوق عليه سبيـل
وإن هو لم يرشدك في كل مسلك ... ضللت ولو أن السِّماك دليل

مجهود كبير رحم الله والديك ومن علمك ياشيخنا الفاضل

صورة رمزية إفتراضية للعضو الفقيه السوسي
الفقيه السوسي
عضو
°°°
افتراضي
وانت كذلك الشيخ باعمران السوسي بارك الله فيك، ونفع بك
وترقبوا الدرس السابع ان شاء الله قريبا ....
تحيااااتي للجميع

الصورة الرمزية ragui brahim
ragui brahim
عضو
°°°
Oo5o.com (14)
شكرا كتيرا اخي الفقيه السوسي.لو تكرمتم وقمتم بانزال المقنع بالامازيغية كما يدرسه الحاج الطيب لخاصة الخاصة من طلابه.مع بعض التطبيقات الروحانية.واجركم على الله.


مواقع النشر (المفضلة)
سلسلة شرح منظومة (المُقْنِع) في علم الفلك

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع
المواضيع المتشابهه
الموضوع
منظومة الاستغفار للنابلسي
شرح منظومة طمطم
شرح منظومة ابن الحاج في علم الكاف
شرح منظومة كشف الران في الزايرجة
مخطوط منظومة فى منازل القمر & منظومة فى الفلك

الساعة الآن 08:32 PM.