المشاركات الجديدة
قسم الكتب و المنشورات : كتب و منشورات و مواقع في كل الميادين المرتبطة بتخصص منتديات الشامل

رسالة "كشف البراقع بشرح أبيات توضأ بماء الغيب......

افتراضي رسالة "كشف البراقع بشرح أبيات توضأ بماء الغيب......
هذه رسالة "كشف البراقع بشرح أبيات توضأ بماء الغيب إن كنت ذار سر...إلخ"، المختلف في نسبتها بين الجنيد والحاتمي قدس سرهما، للختم الأكبر الشيخ أبي الفيض محمد بن عبد الكبير الكتاني قدس سره العطر:

حمدا لمن أفاض جداول الحكمة من قاموس هيولى سائر البسائط والمركبات، ونشر بُسُط أشعة الرغبوتية على مصادر رهبوتية الاقتضاءات حتى قدر على التلقي من بحار جبروتية الصدمات، وما ذاك إلا لخيطة العين بخط أحببت المقتضية لبروز الانفعالات، فبسط براقع الرحموتية على محيا فتكات العيون النجل بإرخاء ذيول الكافور المعنوي من دولاب الشيئيات.
سبحانه عن تنزيه التشبيه وتشبيه تنزيه الهيولات، وثناء التقييد الصادر عن التقليد بانحجام القوى عن كشف فص مسميات الأسماء في بساط ارتفاع البين من البين وذوائب الكثافات. وصلاة وسلاما على من استوى برحمانية إحاطته على عروش الوحدات، وسرى بمعاني مادة إطلاق إجماله في مباني الفروق والتقييدات، فصارت مجلى لظهور انفعالات الأسماء والصفات والشؤون والمقتضيات، وحانا تصطف في أرجاء جوانبه كواعب البهنانات بسلافات الزجاجات.
صلى الله على مبدإ شجرة الكثرة، وروح روح هيولى عناصر الكليات والجزئيات، وبحر غوامض قاموس التنزلات، ونور نور الفضاء، ووسع الجمال المطلق، وإزار العظموت والكبرياء والتشكلات، وعلى آله وأصحابه المنتخبين من وحدات المراتب الكيانية والجواهر والمولدات.
أما بعد؛ فإنه لما كان مراد الحق تعالى من إبراز هذه الوحدات من عالم الطي إلى عالم النشر شيء واحد وهو معرفته تعالى بشاهد {وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون}، أي: إلا ليعرفون، فإن قلتَ: وإذا كان كذلك فلم تخلف قوم عن صف المتابعة ورجعوا بالقهقرى إلى وراء؟. قلتُ: لما لم يكن متجل في جميع ذرات الوجود إلا الوجود المطلق الساري في جميع التعينات، أعني بجمع أحدية ذاته المطلقة وهي وإن كانت هناك آلهة فإنما الهوية العارية عن النسب والإضافات، ظهرت بصورة لا إله مشهود عند أرباب التحقيق العجمي إلا الله. وعليه فالعبادة إنما هي لله شعر بذلك من شعر وذهل عنها من ذهل. وهاهنا ترنم من قال:
نار ولولا المـــــــــزج يوما ما عبدت غيرها المجوس
كأنه يشير بما ذكر إلى أنها إنما تسترت بحجب براقع عالم الحكمة الظاهر بمقتضيات الاسم الباطن والظاهر. وإلا فلو ظهرت مجردة لما جُهلت. وتذكر قول من قال:
لا تنظــر للأواني وخض بحر المعاني لعــــــلك تـــــــراني
وهذا أمر ذوقي كشفي لا مجال للعقل فيه. ويستروح هاهنا بقول من قال:
سيكفيك من ذاك المسمى إشارة ودعه مصـــــــونا بالجمال محجــــبا
على أن المقام يسع الإطناب، لكن ذلك يؤدي إلى الإسهاب فلا ينفع إلا إرخاء الحجاب وسد الباب.
وثم أمور ليس يمكن كشفها لقد قلدتني عقدهن شرائع
لكن هذا أمر لا بد لـه من واسطة، وليست إلا هيولى الإجمال والتفصيل، أعني الجناب المحمدي، فصارت هي السبب في إبرازنا من دياجي العدم والجهل إلى صبح الوجود والمعرفة، فناسب أن يعرف هو أيضا. لأنه بالضرورة كل معرف لابد لك أن تعرفه، فإذاً لا سبب لإبرازنا إلا معرفة الحضرتين: الجناب الأقدس والجناب المحمدي، أعني نعوتا مما ذكر.
وإلا؛ فالكنه قد ضرب بينهم بسور باطنه فيه العذاب وظاهره من قبله لجة العذاب. أما الجناب الحقي فضروري لدى الناس، وأما الحضرة المحمدية فكذلك عندنا لا سبيل لدرك إدراك ماهيتها. وهذا أمر عام في هذا العالم، وفي العالم البرزخي المنقول إليه، وفي حضرات الجنان. وأما قول المديح:
وكيف يدرك في الدنيا حقيقته قوم نيام تسلـــــوا عنه بالحلم؟!
فهو في عهدته، لأنا إذا قلنا مفهوم الدنيا الآخرة، عكر عليه ما قدمنا المشار لـه بقولـه تعالى: {قل الروح من أمر ربي}، إذ ليس المراد بالروح عند الله هاهنا إلا الروح الكلية، الهيولى القابلة لارتسام جميع الأشكال والصور السارية في جزئيات النواسيت، من أمر ربي أي: العلم المختص بربي، وهو المشار لـه بقوله: "يا عمر؛ والله ما عرفني حقيقة غير ربي"، يعني في الحال والماضي والاستقبال، إذ الأزمنة في حقه تعالى سواء. وإذا نفي العلم عن غيره تعالى استبد بإدراك ومعرفة الكنه الأحمدي فلا يشارك. وإذا قلنا لا مفهوم للدنيا عكر عليه قوله: قوم نيام، لأن الناس إذا ماتوا انتبهوا، فدونك هذا التحقيق فما طرق سمعك فيما أظن، والمنة للبرزخيات الثلاث. على أن ما أذكره في هذا الكتاب لا أستند فيه إلى نقل ولا إلى عقل، بل لما يلقيه العقل الأول على العقل الجزئي.
نكتة:
إذا بدلت صفات الهياكل الظلمانية بانبعاث أشعة إطلاقية نورانية بحيث وصل إلى مقام: كنته على سبيل التحقيق هل يصح لـه إدراك كنه بحتية صرافة الأحمدية أم لا؟ قلت: هذا أمر توارى العلم به بحجب أنافت على الحصر والتعداد إذ هو صلى الله عليه وسلم نسخة الوجود المطلق، ولا يتم لـه اسم الخلافة إلا بإفراغ جميع حلل الأسماء والصفات الذاتية عليه، أعني بحيث يصير ذلك خلقا لـه على سبيل السرمدية. بل نقول نحن: تخلق أيضا حتى بالاسم الأحد وباسم الهوية. إذ لما تخلق بهذا الاسم صار مجهولا أعني على سبيل اللونية، وباسم الغني عن العالمين كما بسطته في ختمة الأجرومية. هذا الحق عند الله فانظرها.
وعن هذا الذوق أفصحت الصديقية العظمى لما سئلت كيف كان خلقه صلى الله عليه وسلم قالت: كان خلقه القرآن، أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن أبي شيبة. قلت: والمراد بالقرآن هاهنا الجمع المعبر عنه بأحدية الكل الجمعي، وجميع التعينات هاهنا بحكم البطون الحكمي لا العيني على ما هو الحق عندنا، فتكون الأحدية استوت بصرافتها على جميع الشؤون والمقتضيات. وهاهنا ترجم الروح الكلي حيث قال :
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا أحمد المتردي بأردية الكبرياء وأشعة الفردانية، الملثم بمعاني عظمة سرادقات غيب الهوية، المتأحد في عين الكثرة، المتكثر في عين الوحدة، الملتحف بوحدات الذات، المستوي بقدم الأحدية على عرش الصفات، المثنى عليه بلسان جمع الجمع في مهامه الغارات، على خط قوس لسان الأزلي، بمحو الذات بالذات للذات في الذات. {الحمد لله رب العالمين. الرحمن الرحيم. ملك يوم الدين}. خط الدائرة ونقطة البروج، دفتر المثاني وقهرمان العروج، العبد الحقاني، المنفرد بليس كمثله شيء الأحد الثاني، المتلو عليه بلسان الجمع في حضرات جمع جمعه: {وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم}. {هيهات هيهات وما يعقلها إلا العالمون}. وآله وصحبه وسلم.
فاستواءه على ما ذكر حتى صار متخلقا بما دل عليه لفظ القرآن إذ يريدون به الجمع وبالفرقان الفرق هو المعنون بخلقه القرآن، ثم إن هذا أمر لا مرمى دون مرماه، ولا كشف لأحد عن باطن ظاهر محياه، حتى للأنبياء والرسل عليهم من ربهم السلام، فإنما لهم الاطلاع على غيوب ستة، وأما الغيب السابع فانفرد الحق بمعرفته على سبيل الإجمال والتفصيل لما اقتضاه وجوب العلم الذاتي، وهذا المشار لـه بالروح في الآية المتقدمة وغيرها. ومجموع هذا هو المشار له بقولـه صلى الله عليه وسلم: "أنزل القرآن على سبعة أحرف"، فيما أخرجه الإمام أحمد والترمذي عن أبي بن كعب، والإمام أحمد عن حذيفة.
والمراد بالقرآن هاهنا بطريق مراده صلى الله عليه وسلم: حقيقة الحقائق، أحدية الكل الجمعي المطلق السارية في جميع المقتضيات والتعينات. والمراد بالأحرف الحضرات الواقع فيها الظهور للأثرات الكيانية على سبيل النشر التفصيلي من الكنزية في صرافة البحتية، ثم عين الماهية، ثم غيب الغيب، ثم غيب السر، ثم سر الغيب، ثم العما، ثم الأحدية أعني بحسب التدلي، وفيها ظهور حكمي للأحمدية الصرفة أعني حين كانت في جوهرية العما. وقد أشير لذلك بقول القرآن {الذي يريك حين تقوم وتقلبك في السجدين} تفهم جدا.
فالمراد بالأحرف هاهنا الحضرات الواقع فيها مقتضيات الاسم الظاهر بالنسبة لذاته بذاته، والمراد بالنزول الظهور الحكمي المفضي إلى الانتشار الكلي وأوله الواحدية ثم أمهات الوجود المعلومة المشار لها بقول التنزيل {وعنده مفاتح الغيب} إلى أن انتهى الدور لآخر أمهات الوجود وهي الرحمانية المشار لها بقول الله {ورحمتي وسعت كل شيء} هكذا نختار في معنى الحديث وهو مراده صلى الله عليه وسلم بطريق بواطن غيوباته. ولا نقول كما قال أهل الحديث حتى انتهوا إلى أربعين قولا، كل ذلك من عدم الاطلاع على مراد الإنسان الكامل، وخصوص السبب لا يأبى عموم الحكم تفهم.
ولك أن تقول: المراد بالقرآن مجلى الجناب الأقدس كما في قول الصديقية كان خلقه القرآن، والمراتب المتقدمة كذلك تأتي هاهنا.ولولا تنزله في تلك الحضرات ما عرف لـه الاسم فأحرى المسمى، ومع تنزله فلا يعرف إلا على قدر الاستغراق والاستهلاك فيه. وهاهنا ترجمت في بعض الصلوات: "الذي هام الكل في مهامه بداية نقط دوائر هياكل آدميته، ووله الكل في هيمنة محيط عرش ظهور عوالم إنسانيته، فلا يعرف إلا على قدر قابلية الكمال المنبسطة منه إليه في بين الدقائق المحوية في بحر قاموس حسن مفاوز سلطنة الهوية الأحمدية المحمدية الملكية..الخ". ودونك ألواح التفلك والفلك.
هذا؛ والمقصود بهذا المرقوم: إبداء كلمات روحية ونفحات قدسية وعواطف برهوتية وعوارف لاهوتية ونسمات توتية ومنازلات صمدانية على الأبيات السنية
توضأ بماء الغيب إن كنت ذا سر وإلا تيمم بالصعـــــــــــــــيد أو الصخر
وقد إماما كــــــــــنت أنت إمــــامه وصل صلاة الفجـــــــر في أول العصر
فهــــــــــــذي صلاة العــارفين بربهم فإن كنت منهم فانضـــــــح البر بالبحر
لكن لابد قبل الشروع في المقصود من تقديم مقدمات بين يدي نجوى محمد بن عبد الكبير الكتاني نسبا وطريقة الأحمدي.
المقدمة الأولى:
اعلم أن التوحيد الذي هو فناء النواسيت شعور شعشعانية الماهية الذاتية المطلقة على مراتب:
 الأولى: التوحيد النظري إن علم بالاستدلال أو التقليد، أي إن اعتقد بمجرد تصديق المخبر الصادق وسلم القلب من الشبهة والحيرة وهو أن يعتقد أن الله منفرد بوصف الألوهية متوحد باستحقاق العبدية.
 الثانية: التوحيد العملي وهو أن يصير العبد بخروجه عن قيد تقييد أوصافه وانسلاخه عن لباس الاختيار حيران في فضاء عظمة أنوار الجبروتية، فيعرف أن الموجود الحقيقي والمؤثر المطلق هو الله وحده، أعني استبدادا، وأن كل ذات وعنصر فرع من نور ذاته، وكل صفة من علم وقدرة وإرادة وسمع وبصر عكس من أنوار صفاته واثر من آثار أفعاله. وهاهنا ربما يدعى مذهب الجبرية وهو أن العبد كالميت بين يدي غاسله، لا حركة ولا تدبير ولا اختيار، فكأنه آلة والمحرك واحد من شدة ما يغامره من شهود أنوار مقتضيات الأسماء والصفات والأفعال، أعني انفعالاتها. فربما ينكر وجود القدرة الحادثة لاستهلاكه في فضاء الوجود المطلق، وانتفاء التغيير المأخوذ من الأمانة التكليفية {قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا}.
لكن يا عارف كتب في ديوانة الأزل أن هذه الوحدات التعددية لا تخرج عن حكم القبضتين السعادة والشقاوة، الاتصال والانفصال، الائتلاف والاختلاف، التقييد والإطلاق، الظلمة والنور وهلم جرا. فقبضة السعادة متعلقها الجنة بسبب الذهاب على السنن المستقيم، وقبضة الشقاوة متعلقها النيران بسبب الانحراف عن النهج القويم {ولن تجد لسنة الله تبديلا}، "هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي وهؤلاء إلى النار ولا أبالي".
فإن تلك النشأة العنصرية تجتمع منها أبخرة منعقدة هي المعبر عنها بالكثافة الظلمانية وهي منشأ القبضة النارية، وعنصرها وأساسها الكسب الشرعي المضاف إلينا على سبيل الاستمداد وهي القدرة الحادثة التي لسنا بها نقدر وإنما القادر حقيقة {القائم على كل نفس بما كسبت}، فنحن مجبورون في قالب مختار، فليس لقدرتنا الحادثة تأثير أصلا بشاهد {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى}. أي: وما رميت حقيقة إذ رميت صورة، فالنفي هاهنا مسلط على أصل الفعل وعلى وصفه.
وأما ما نقل عن الأستاذ من أن المؤثر في الفعل مجموع القدرتين قدرة الله وقدرة العبد، وأنه جوز اجتماع مؤثرين على أثر واحد على أن تعلق قدرة الحق بأصل الفعل وقدرة العبد بوصفه بأن تجعله موصوفا بكونه طاعة أو معصية فهو بريء منه لأنه لا تأثير لشيء من الكائنات في أثر ما عموما.
وأما قول المعتزلة أن العبد يخلق أفعال نفسه فهم ينظرون إلى أن المؤثر في المسببات العادية هو قدرة العبد الحادثة، لكن بقوة أودعت فيه لا بالطبع. وعليه فهم عصاة لا كفار.
فالآية هاهنا جمعت بين مقامات الفرق والجمع والتشبيه والأدب والنسبة الكسبية المشار لها بآية {وعليها ما اكتسبت}، وسلب تأثير القدرة الحادثة المكتسبة والمستندة إلى وسع القدرة الذاتية، وفيها اتصال بحر الناسوتية بخيضم اللاهوتية. وعليه فقوله تعالى {إياك نعبد}؛ أي: بالنسبة الكسبية المرتبطة بالقدرة الحادثة.
نكتة:
اعلم أن قدرته تعالى عبارة عن مقتضى ذاتي يبرز المعلومات الحكمية في نفسها إلى البساط العيني. ثم إن جميع شؤونه تعالى قديمة بقدم الذات، لها الأزلية المنزهة عن الأولية المنسوبة إلى الأزمنة إذ هي بالنسبة إليه سواء.
ومن جملة شؤونه: محبته المثبوتة للفروع الجامعة بين الإطلاق والتقييد وهي قديمة بقدم الذات. وقد قال "ولا زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنته" المراد هاهنا الشعور لا غير وإلا فالكنتية قديمة، تفهم.
وعليه؛ فقدرته الذاتية الواجبة لـه بمقتضى الذات عين قدرة الحروف المنقوشة في جوهرية العما الأزلي والأبدي، إنما سبحان من ستر المعاني بالمباني توهما للفرق. فكذلك النقط المرقومة في لوح الإطلاق هي بلونه وما ذاك إلا للوجود المطلق الساري في سائر جزئيات العالم الكوني والغيبي. بيد أن نسبتها إليه قدرة قدسية استبدادية أوجبها لـه الوجوب الذاتي، ونسبتها إليهم قدرة استمدادية لذلك تحجم في بعض الأوقات لأنها ليست بذاتية لاستيلاء أحكام العناصر على العوالم المركب منها الهيكل.
فلما يريد الله نفوذ أحكام القبضة الظلمانية يسلبه عقل التمييز حتى يقع فيما يقع لنفوذ الأحكام الإلهية. وإلا لو كان العبد لا حكم لـه أصلا حتى بالنسبة الكسبية لما كان تصييرنا إلى النار عدلا بل جورا وتعالى وتقدس {وما ربك بظلام للعبيد}.
فتلك النسبة هي التي أثبتت الشرائع. وهذه القدرة الثابتة لنعوت التعينات هي المشار لها بقولـه: {لقد خلقنا الإنسان}، أي: عنصره وأساسه وأسه، أي: منقوشا في طي التعين الأول {في أحسن تقويم}، أي: روحا جزئية متصلة بالكلية. وليس هناك إلا اتصال السر بالسر في مقام المعاينة والاصطحاب، لأن الغيرة تأبى انفصال المحب عن المحبوب أعني ولو عينا، وإلا فالاتصال الحكمي هو المعبر عنه بالمعية. ثم لما أرادت مرتبة المحبية الظهور تدفقت وانتشرت الشؤون الإلهية.
ثم اقتضى ما سطر أن لون الماء لون إنائه وكان العالم الحال فيه مرصعا بأنواع الكثافات والتغيرات الآتية من جهة حمل الأمانة قال: {ثم رددناه أسفل سافلين} بنسجنا عليه أردية مقتضيات العناصر، وأزر شؤون الطبائع، ومجموع ذلك تحدث منه أبخرة تنسحب على سباك الهيكل فيصير محجوبا عن الأصل، ضرب بينه وبينه بسور فهذا أسفل سافلين. لكن هناك أرباب الإيمان أعني المرتبة الثالثة فيه إذ فيه مراتب:
الأولى: العوام يعلمون أن المعطي والمحيي والمميت هو الله.
الثانية: يعلمون أن الكون كله ظلمة وإنما أناره ظهور نور الحق فيه.
الثالثة: يشهدون أن ليس في الكون إلا حقائق {واعلموا أن فيكم رسول الله}، ورقائق {فأينما تولوا فثم وجه الله}، وهذه المقصودة هاهنا، وهم المشار لهم بقولـه: {رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه}. أي: في عالم الذر المسموع فيه الخطاب الثالث. فهم أجابوا على بساط اللطافة ولا زالوا على العهد القديم.
ومن ذلك أيضا: ما يسمعه أرواحهم وعقولهم وأسرارهم من نغمات الألحان والأوتار والأصوات الحسية في العالم الكوني لأنهم عاهدوا الله على الصوت القديم الغير المتحيز فلا زالوا يسمعونه بأرواحهم في رتبة الفضاء الآن، وهم أنواع، وتلك الأمور الحسية تذكرهم المنازل والخيام. على أن فيهم من يرى أن المحرك للأوتار والمسموع من الأصوات وهلم أنامل مقتضيات القدرة، فالحركات الحسية آلات والمؤثر هو: {القائم على كل نفس بما كسبت}. فلا اعتراض على أهل الله في سماعهم الآلات.
لكن الشرط؛ وهو: قولـه {صدقوا}. ولما آثر القرآن التعبير بالفعل المجهول في قولـه: {وإذا قرئ القران فاستمعوا لـه وأنصتوا لعلكم ترحمون}؛ علمنا أن القراءة ولو سمعها المحقق الأحمدي من الحق، فواجب أن يستمع بشاهدة الأمر وهو للوجوب حقيقة عند طائفة من الأصوليين، بل أمرين؛ فتأكد الوجوب فلابد من الاستماع حالة سماعه القرآن من صاحبه. وهذا من أنواع المكالمة، وهي واقعة بشاهد {وما كان لبشر أن يكلمه الله}. فالنفي منصب على عنوان البشرية. والكلام إذا قيد بقيد فروح الكلام هو ذلك القيد وإليه يتوجه النفي والإثبات كما هو قاعدة من علم المعاني.
فإذا غابت مقتضيات البشرية وأحكامها وبقيت عينها قائمة تجوهر الهيكل فيكلم من حيث كلمت الروح، ومن جهل شيئا عاداه. بل صرحت الآية بأن الاستماع لا يكفي، فلابد من الإنصات المؤذن بإثبات العين في عين انمحاقها، ولولا وجودها ما صح استماع فأحرى الإنصات كأن الآية تقول لا يكفيه الاستماع بأن تنحل تراكيبه وجزئياته ويلتحق بالأعدام الغير الثابتة فيكون جامعا للضدين في عين إثباته، لاشك أن جواهر الهيكل بعد انعدامها تسمع بسماع حقيقي لا مجازي لأنها شيء والقرآن يقول: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده}. بل لابد من الإنصات، كأن هذا حض من الحق على إثبات العين في بساط الرسوخ والتمكين لا في بساط الانمحاق، فما ثم لذة في هذا المشهد أصلا.
لأجل هذا ورد في الحديث: "سؤر المومن شفاء"، والمومن من أسماء الحق وسؤره عبارة عن الانفعالات الصادرة من المكالمة في بساط التجريد شفاء من داء التقييد، فيسقى من هذا السؤر فتنفى عنه حلة غير الصدق وتنشر عليه ألوية: {رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه}، فيحيى بحياة حقانية أبدية "خلق الله آدم على صورته" وهذا هو المعبر عنه بماء الحياة، وكم شربنا من عذب معينه. وفي الحديث "الحمد لله الذي جعله عذبا فراتا برحمته ولم يجعله ملحا أجاجا بذنوبنا"، وهو قول القرآن: {ثم رددناه أسفل سافلين}.
فإذا فعل ما ذكر؛ كسي حلة {لعلكم ترحمون}؛ بالرحمة الإطلاقية التي منها السقي بسؤر المؤمن وهو أثر المكالمة والمحادثة إذ لابد من أثر، وهاهنا عبر القرآن: {وإنك لعلى خلق عظيم}، بقراءة الإضافة بدون تنوين، فالخلق العظيم من آثار "سؤر المومن شفاء" فلم يؤثر فيهم العالم ولا مقتضياته لأنهم صدقوا، وفيهم قال: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات}، أي: الأمور المنخرطة في سلك الصدق وهو أن لا يسمعه في جهة أو يفتر عنه ذلك، بل السرمدية أزلية وهي عين الأبدية، إذ الأزلية عين الآخرية وهكذا. وإنما سماه عملا؛ لأنهم لما تمكنوا في المقام صاروا كأنهم كلهم عمل تفهم.
وهؤلاء: {فلهم أجر} على الصدق المطلق {غير ممنون} عليهم بل هو من حقائق مكامن أسوار القدرة المذكورة فليس بممنون عليهم، بل لازالوا على ما كانوا في الكنزية مع إقامة رتب الشرائع على ما ينبغي لصاحب القوة من الجهتين وهو مقام غريب جدا.
وما كنت في إبراز هذه النكتة من أولها إلا كالمجبور، فدعها في خدرها إن وصلتها وإلا فسلم لأقوام قالوا:

تركنا البحار الزاخــــرات وراءنا فمن أين يدري الناس أنى توجهنا؟
ثم إن منشأ هذه الرتبة الثانية: المراقبة فدونكها.
 الثالثة: التوحيد الحالي وهو أن يصير التوحيد وصفا لازما لذات الموحد بحيث تتلاشى ظلمات الحدثان من باصر بصيرته إلا مقتضيات البقية الظلمانية فإنها ترق ولا تنقطع، {بقية الله خير لكم إن كنتم مومنين}، وبإثباتها صح مقتضى القبضة الظلمانية وإثبات العدو، وإلا أين هو العدو من الصديق، وفي الحديث: "وأعوذ بك من شماتة الأعداء"، وفي الحديث أيضا: "وأعوذ بك من غلبة الرجال"، وفي الآية: {فلا تشمت بي الاعداء}... وهلم جرا.
فلابد من إثبات البقية، وبعد إثباتها ظلمانية لا نورانية وإلا لما بقي لها أثر ولا فائدة في إبقاءها. ويدلك على إثبات البقية في الهيكل الإنساني بعد انعدام عينه ورسمه ووسمه ونعته وفناء وجوده المقيد وشهوده الوجود المطلق، لأن لكل أحد ربية منطوية في وجوده، ولا يزال الحق يبرز لها منها شيئا فشيئا إلى أن يصل لرتبة "من عرف نفسه عرف ربه". فالمحقق من ذهل عن ربيته وانتقل وزج به إلى ربية رب العالمين صدر ديباجة القرآن: {الحمد لله رب العلمين} تفهم وجود الظلية منه حالة مشيه في الشمس، فلولا أن البقية فيه ما أثرت الظلية في شعاع الشمس.
ويدلك - أيضا - على إثباتها وجود الداعية للأكل والشرب والجماع وغير ذلك من الملاذ من المركوبات والمشمومات والملبوسات والمنكوحات والمطعومات والمشروبات وهذه ملاذ الدنيا.
ولما كان هكذا؛ قال من نطق الحق على لسانه: "والله يا رسول الله ما أكلت إلا لنا ولا شربت إلا لنا ولا بسطت إلا لنا"، تفهم.
ويدلك - أيضا - على وجودها: إظهار الضعف وحالة الافتقار، ولو دام ذلك المشهد ظاهرا وباطنا، عينا وحكما ما أظهر إلا انفعالات القوة الجمعية التي اكتنفها من سر الخلافة، تفهم.
ويدلك - أيضا - على إثباتها: أن الأصل في هذه الأعيان الثابتة هو العدم المحض، وهو ظلمة في المعنى: {أولا يذكر الانسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا}. فامتن الحق بحالة ظهور الأشعة النورانية على حالة كمون الظلمة في الظلمة. فإذا الظلمة المعبر عنها بالعدم الساذج سابقة، والأصل أن يبقى ما كان على ما كان فلا يتغير.
وتذكر سر قول القرآن: {وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه}. لا يخفى أنا مستخلفون في مرتبتي الإطلاق والتقييد، لكن عالم الشهادة هو المنوط به التكليف فهو المستخلف فيه نحن {إني جاعل في الأرض}، ولم يقل: في السماء؛ لأنها محل اللطافة فآثر التعبير بجانب ما يقتضي الكثافة، فنحن مأمورون بالإنفاق من جنس ما استخلفنا فيه وليس إلا مقتضى العناصر الظلمانية المركب منها الهيكل فهذا سر غامض في الآية تفهمه يا ولي.
وهاهنا قال القرآن: {وآية لهم اليل نسلخ منه النهار}، فلاشك أن المنسلخ فرع عن المنسلخ عنه والمنسلخ منه أصل للمنسلخ عنه والليل هاهنا هو المنسلخ عنه فهو أصل فيبقى أثره في الذات الترابية بعد انفصام عراها، وهذه آية عظمى لأجل ذلك عقبها بقولـه: {فإذا هم مظلمون}، الجمع بين الضدين إذ لاشك أن الليل في حالة ليليته جامع للنهارية وهل الجمع بين الظلمة والنور إلا جمع بين الضدين.
نكتة:
تقرر عندنا أن كل من دك طوره فقد قامت قيامته لكنها تختلف، ولاشك أن الهياكل الجسمانية إذا عدمت يبقى فيها عجب الذنب كما ورد وهو إحدى المستثنيات، كذلك إذا وقع التبديل المعبر عنه بالموت يصير إلى مرتبة يكون الرائي هو المرئي، ومع ذلك هل انفصلت عنه البقية فهي عجب ذنب هذا الموت أيضا، تفهم. فيصير صاحب هذه المرتبة الثالثة في غلبة إشراق نور التوحيد، لا ينظر للأغيار بحيث لا يظهر عنده شهود إلا الذات الواحد، ويرى التوحيد صفة الواحد لا صفته.
وعلامته أن لا ينسب إلى نفسه ولو في العبارة فعلا أو وصفا أو نسبة أو أثرا أو إضافة أو انفعالا، فلا يقول: أكلت أو شربت أو نمت أو قعدت أو خرجت أو نكحت، فلا يسند إلى نفسه شيئا ولو مجازا، لأنه يرى التوحيد صفة الحق وكيف ينازعه فيها.
وهاهنا قال القرآن: {وما يومن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون}؛ فلا يخفى أن الإشراك والإيمان لا يجتمعان لأنهما ضدان، ومع ذلك أخبرت الآية بوقوعه فما بقي إلا أن يحمل على الإشراك في نسبة الفعل إلى نفسك مع الغيبة عن الظاهر في قواك الحسية والمعنوية بشاهد: {إن ربهم بهم}، فهو متجل في جميع جزئيات جزئياتك فهو الفاعل {وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا}.
فانظر يا ولي كيف صرحت الآية بالجمع بين الضدين فعليه أن يتلطف حتى في العبارة لأن ما في الباطن يظهر مقتضياته على أرجاء الظواهر كأن يقول أطعمَني سقاني أخرجني أقعدني حركني وقس، اللهم إلا في المساوئ فيضيفها إلى نفسه تنزيها لساحة الربوبية: {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك}. وفي الحديث "أدبني ربي فأحسن تأديبي"، يشير إلى قول القرآن: {الحمد لله رب العلمين}، أي: مربي العالمين، ومنهم: هو؛ تفهم.
وتذكر قول الخليل أرباب الأدب المطلق عليهم الصلاة والسلام: {الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي}...
نكتة:
قد يكون صاحب هذا المقام في بساط الجمع فينسب الأمور لنفسه ولا بدع في ذلك {إنا جعلناك خليفة في الأرض} فإياك والالتباس وفرق بين مقامات الناس فإن الناقد بصير. وهاهنا قال الكليم {هي عصاي}، بإضافة العصا إلى نفسه فلولا أنه في هذا المقام ما ساغ لـه أن يفوه بمثل هذه الإضافة لأن فيها ادعاء الشركة معه في الملكية، {ولله ما في السماوات وما في الارض}، فهو من قبيل: {إن الله اشترى من المومنين أنفسهم وأموالهم}.
في بساط التحقيق: ليست لنا أنفس ولا أموال حتى تضاف إلينا لكن لولا نسبتها إلينا ما صحت نسبة مناط التكليف المشار لها بالأمانة في الآية التي عجزت السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وما هذا إلا لوفور علمها بالله فعلمت أن ما خلق لـه النوع الإنساني شيء عظيم: {أفحسبتم انما خلقناكم عبثا}، {وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون}، والعبادة لا تقوم إلا بدعائم صعبة المسالك تحتاج لأسس وقواعد وجدران ومعالم ورسوم، فأبى من ذكر عنه الإباء لما ذكر وهو بساط مدح بشاهد وأشفقن منها، والإشفاق لا يكون إلا من شيء ثقيل، والانخراط فيه لا يصح إلا من في مقام الانبساط والدلال.
فبإثبات ما ذكر إلينا صحت إضافة الأعمال إلينا {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت}، فأراد الحق بذلك إقامة الحجة علينا من جميع الجهات، وإلا فلو أضافها إلى نفسه ثم أرسل عليها رياح التكاليف ووكلها إلى ما عندها فالبديهة تعجز وليس هذا من شأن الحكماء وهو حكيم، فإذا أقام الحجة وجدت المحل عندنا بعقولنا فما أبدع إتقانه.
نكتة:
مَن الأولى للمحقق الأحمدي أن يثني على الحق تعالى بلسان الجمع أم بلسان الفرق؟.
الذي يعطيه الذوق الكشفي: أنه في مقام قاب قوسين المتعلق بسلطان العوالم، أعني القلب، أعني في مقام كشف المعية الخاصة بالأحمدي وهذا مقامه السرمدي لا يزايله، ولو بان عنه في بساط من البسط لا يستحق التسمية بهذا الاسم.
وما كل إنسان بواديها يسرح
وإذا كان كذلك؛ فقول الفارضي:
ولو خطرت لي في ســــــــواك إرادة على خاطري سهوا قضيت بردتي
صحيح لا امتراء فيه. فالخطور لا يحصل فالمسبب عنه ممنوع لأنه معلق عليه، فلا يخرج قلب المحقق الأحمدي من التعلق بأستار كعبة التحقيق لا في النوم فأحرى في اليقظة. كيف وموروثه يقول "تنام عيني ولا ينام قلبي" ولوارثه حظ.
فيؤخذ من قولـه: "علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل" المراد بالعلماء العلماء بالله لا بأحكامه وبينهما بون كبير؛ {تسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الاكل}. إن من العلماء بالله من يكون معصوما كالأنبياء لا يخطر على قلبه غير الله في سائر اللحظات والحضرات والنوم والغفلة؛ لأنهم: {على صلاتهم دائمون} كما في القرآن.
ومطلق الناس مطالب بالحضور مع الله على قدر ما لـه، وهؤلاء صلاتهم مؤبدة. كيف والمصطفى صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يقبل من صلاة أحدكم إلا ما عقل منها" أي: باعتبار الأصالة لا باعتبار الكمالية. اللهم باعتبار قوم قالوا: {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به}، ومنه: دوام الحضور مع الله خصوصا في الصلاة، وما أمروا بالاستعاذة حتى قبل منهم ما ألهموا لطلبه، والقرآن يقول في حق الحرم الشريف: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب اليم}، علق إذاقة العذاب بالإرادة القلبية فأحرى بالعمل، وهذا خاص بمكة، وأما غيرها؛ فقال في الحديث: "إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به نفسها ما لم تعمل به". لكن هذا في غير مكة.
لكن لا يخفى أن القرآن صرح بهذا وسيدنا صلى الله عليه وسلم يقول: "وجعلت لي الأرض مسجدا". فانظر - يا ولي - كيف لم يحصر المسجد في بقعة معينة، بل أطلق ولم يقيد وفصَّل والقرآن أجمل والسنة مبينة للقرآن: {لتبين للناس ما نزِّل اليهم}، وقد بين أن الأدب اللائق بالحق في المسجد ليس خاصا بذوات الجدران بل جميع كرة الأرض مسجدك.
وتذكر قولـه في الحديث: "إن الله في قبلة أحدكم" وفي القرآن: {وأنت على كل شيء شهيد}، والكلية كلية جميعية لا مجموعية. فهو حتى في المواطن المنهي عنها من الكنائس ودور النصارى وغيرهم مما نهي عنه في ظاهر الشريعة: {فأينما تولوا فثم وجه الله}. فتفهم يا ولي فيما أشرت إليك به وكن ممن قيل فيهم: {وأخذوا من مكان قريب}، لا من قوم قيل فيهم: {أولئك ينادون من مكان بعيد}.
فعليه أن يثني بلسان الإجمال أعني بما يثني به على نفسه ذوقا وحالا لا كشفا فقط، فتستوي عليه الرحمانية فتعِيره حللا من الإطلاق وتزيل بينه من بينه فيثني عليه بالثناء المثني به على نفسه ولا يفتر كما تقدم، وهو غريب جدا. وأما باللسان الشهادي فلا يليق به إلا الثناء بلسان التفصيل، أعني في نفسه ونيابة عن أجزائه الحسية والملكية والنفسانية والحيوانية.
وتذكر أحواله صلى الله عليه وسلم. نظير قراءة القرآن فإن الكامل لا يقرأ من حيث دلالته على المعارف والعوارف والقصص والأخبار واستنباط الأحكام أو رؤيتها بل من حيث كونه كلام الله، أعني في بعض الحضرات، وفي غيرها لما ذكر.

نكتة:
وقد ينتقل بعضهم إلى أن يصير هو المتكلم به فيأمر وينهى من حيث تجلى لـه المظاهر فيصير يخاطبها. وقد رأيتني وأنا بمكناسة الزيتون كأني أخاطب الأثرات الكيانية من حيث هي هي من الجن والإنس والملائكة والشياطين والأنبياء والرسل والصحابة والروح الكلية وسائر أطوار الولاية وأنا في هذه الحالة معدوم العين والأثر مجهول الأين والرسم، محيت أطواري وكلياتي وجزئياتي في الوجود المطلق فصرت أنا هو. وهاهنا قال في الحديث: "ولا زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنته". وفي مقابلة الحديث: ولا زال عبدي يتقرب إلي بالفرائض حتى يحبني فإذا أحبني كانني فكان سمعي وبصري. وهاهنا قال في حديث "الصحيح" عن الرجل الذي وجد دابته بعد شرودها فحصل له طرب فقال: "اللهم أنت عبدي وأنا ربك". وهذا المناط يسمى بالتبديل؛ تــَفــَهَّم، ولازلت في هذا المقام ثلاثة أيام مع قيام العين وانمحاقها.
وفي مثلنا قال القرآن: {ولا تستفت فيهم منهم أحدا}، فأخذ من الآية أن من هو منهم لا يسأل عنهم ولا يستفتي فيهم لأن كمالات الحق في كل محقق لا تحصى: {ولا يحيطون بشيء من علمه}. {ولا تستفت فيهم منهم}. فمن جهل نفسه كيف لا يجهل عند من هو في أقصى حضيرة الغيوبات. فقد يطلع الإنسان العبدي الحقاني على المكامن وسائر ما في الجيوب ولا يعثر على ما في جيبه وراثة ممن قال: "والله ما عرفني حقيقة غير ربي"، وهو نفسه داخل في عموم لفظة ما فلا يعرفها بألفاظ القرآن اتقوا صلوا زكوا وهلم جرا.
وهذا مقام غريب جدا فلا أدري هل له ذائق أم لا، أعني ذوقا لا علما ولا كشفا. وعلامة من وصل لهذا المقام: يرى متخلقا بأخلاق الله من الرحمة والشفقة على العصاة وأرباب الجور. وهاهنا قال في الحديث: "خيركم من إذا رئي ذكر الله".
ولاشك أن الجبابرة والظلمة وأرباب الظلم والعدوان هم نسخة الحق من حيث ظهر فيهم مقتضيات الجبارية والقهارية والعزيزية والمهيمنية والباطشية والمتكبرية وليس لـه هو في نفسه اختيار ولا تدبير، بل مجبور بشاهد: "فإذا أحببته كنت سمعه وبصره ولسانه ويده ورجله". ولاشك أن المحبة قديمة بقدم الذات، وعليه فالكنتية قديمة أيضا.
فإذا؛ الحق هو الفاعل بمقتضى: {والله خلقكم وما تعملون}. و"ما" نافية، دل عليها: "فإذا أحببته كنته". فمن خفيت عليه مسألة الكسب؛ فليستنبط مخارجها من هذه الآية والحديث فهما أوضح من شمس الظهيرة.
وإذا كان كذلك؛ فأرباب الجور من الولاة هم خير باعتبار كون من يراهم وتمكنهم من البطش، يتذكر بذلك بطش الحق: {إن بطش ربك لشديد}، فهم من الذين إذا رؤوا ذكر الله باعتبار ما له من الصفات الجلالية وقد ظهرت فيهم، والواحد بالشخص لـه جهات، و{كل حزب بما لديهم فرحون}، وهؤلاء حزب، وليس من شأن الكريم الترح بعد الفرح، {ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك}، {فاعف عنهم واستغفر لهم}، {لعلك باخع – أي: قاتل – نفسك على ءاثارهم إن لم يومنوا بهذا الحديث اسفا}، {فقولا لـه قولا لينا لعله يتذكر او يخشى}.
ومجموع هذا كله: هو المشار لـه بالمرتبة الرابعة: التوحيد الإلهي، أعني: توحيده بما حمد به نفسه إما أزلا وإما أبدا؛ أعني: بلسان المظاهر.
المقدمة الثانية:
اعلم أن التوحيد على قسمين:
• توحيد أهل الدليل والبرهان؛ وهم الذين يستدلون على وجود الوجود المطلق بوجود العوالم، وهل المخلوقات دالة على وجود الله من جهة إمكانها أو وجودها أو هما معا آراء، ويبرهنون عن ما ذكر بما عندهم.
• وتوحيد أهل الشهود والعيان، وجل وتقدس على أن يدل عليه شيء.
لقد ظهرت فلا تخفى على أحد إلا على أكمه لا يبصــــر القمرا
وهذا التحقيق، وإلا؛ لبطلت جهة الباطن وانهد ما عليه أهل الله. وقد أساء الحافظ بن حجر في "فتح الباري"، وسعد الدين في "شرح المقاصد" فأبطلا توحيد أهل الله. ويستروح هاهنا بقول من قال:
سارت مشرقة وجئت مغربا شــتان بين مشــــــــرق ومغرب
ولولا الإسهاب؛ لأطرينا في هذا الجناب، ولصحة توحيدهم قال: توضأ بماء.. الخ.




انتهى ما وجد من كتاب "كشف البراقع، بشرح أبيات: توضأ بماء الغيب..." لحجة الإسلام أبي الفيض محمد بن عبد الكبير الكتاني رضي الله عنه.



manqool

غير مبريء الذمه نقل الموضوع أو مضمونه بدون ذكر المصدر: منتديات الشامل لعلوم الفلك والتنجيم - من قسم: قسم الكتب و المنشورات


...
....

مواقع النشر (المفضلة)
رسالة "كشف البراقع بشرح أبيات توضأ بماء الغيب......

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
الانتقال السريع
المواضيع المتشابهه
الموضوع
"""اللغة السريانية""""
جفرية الاسقاط الطبعي"أول الغيث"
هديه لا تقدر بمال
أبحاث تتعلق بالملائكة
"الطاير" "غسان" "مناضل" وكل ال

الساعة الآن 08:25 AM.