nahid.fs
26-12-2010, 10:20 AM
الوفاء والفضل والمعروف عند بعض الكرماء :
حكي انه بينما كان عمر بن الخطاب جالسا في بعض الايام وعنده اكابر الصحابة . وأهل الرأي والإهابة . وهو في القضايا . يحكم بين الرعايا . إذ أقبل شاب من أحسن الشباب . نظيف الأثواب . يكتنفه شابّان من أحسن الشباب أيضا . وقد جذباه وسحباه .وأوقفاه بين يدي أمير المؤمنين ولبّـباه . فلما وقفوا بين يديه . نظر إليهما وإليه . فقالا : يا أمير المؤمنين نحن أخوان شقيقان . جديران باتباع الحق حقيقان . كان لنا أب شيخ كبير . حسن التدبير . معظم في قبائله . منزه عن رذائله . معروف بفضائله . ربّانا صغارا . وأولانا مننا غزارا . كما قيل في المعنى :
لنا والدٌ لو كان للناس مثله ... أب آخر أغناهمُ بالمناقبِ
فخرج اليوم إلى حديقة له يتنزه في أشجارها . ويقتطف يانع أثمارها . فقتله هذا الشاب . وعدل عن طريق الصواب . فنسألك القصاص عما جناه . والحكم فيه بما أمرك الله . قال الراوي : فنظر عمر إلى الشاب . وقال له : قد سمعت فما الجواب . والغلام مع ذلك ثابت الجنان . خال عن الاستيحاش . قد خلع ثياب الهلع . ونزع لباس الجزع . فتبسم عن مِثْل الجُمان . وتكلم بأفصح لسان . وحيّا بكلمات حسان . ثم قال : يا أمير المؤمنين والله لقد وَعَيَا . فيما ادّعَيَا . وصدقا فيما نطقا . وأخبرا بما جرى . وعبّرا عما طرا . وسأنهي قصتي بين يديك . والأمر فيها إليك . إعلم أني عريم من العرب العرباء نبتُّ في منازل البادية . وصَبَحَتْ علي أسُودُ السنين العادية . فأقبلت إلى ظاهر البلد . بالأهل والمال والولد . فأفْضَتْ بي بعض طرائقها . إلى المسير بين حدائقها . بنِياقٍ إليّ حبيبات . علي عزيزات . بينهن فحل كريم الاصل . كثير النسل . مليح الشكل . حسن النتاج . يمشي بينهن كأنه ملك عليه تاج . فدنت النوق إلى حديقة قد ظهر من الحائط شجرها . فتناولْتها بمشفرها . فطردتها عن تلك الحديقة فإذا شيخ قد ظهر . وتسور الحائط وزفر . وفي يده اليمنى حجر . يتمادى كالليث إذا خطر . فضرب الفحل سقط لجنبه وانقلب . توقدت فيَّ جمرات الغضب . فتناولت ذلك الحجر بعينه فضربته به . فكان سبب حينه ولقي سوء منقلبه . والمرء مقتول بما قتل به . بعد ان صاح صيحة عظيمة . وصرخ صرخة أليمة . فأسرعت هاربا من مكاني . فلم أكن أسرع من هذين الشابين فأمسكاني كما تراني . قال عمر : قد اعترفت . بما اقترفت . وتعذر الخلاص . ولات حين مناص . فقال الشاب : سمعا وطوعا لما حكم الامام . ورضيت بما اقتضته شريعة الاسلام . ولكن لي أخ صغير . كان له أب خبير . خصه قبل وفاته بمال جزيل . وذهب جلبل . وأحضره بين يدي . وسلم الأمر إلي . وأشهد الله علي . وقال : هذا لأخيك عندك . فاحفظه جهدك . فاتخذت لذلك مدفنا . ووضعته فيه ولا يعلم به أحد إلا أنا . فإن حكمت الآن بقتلي ذهب الذهب . وكنت أنت السبب . وطالبك الصغير بحقه . يوم يقضي الله بين خلقه . وإن أنظرتني ثلاثة أيام . أقمت من يتولّى الغلام . وعدت وافيا بالذمام . ولي من يضمنني على هذا الكلام . فأطرق عمر ساعة ثم نظر . إلى من حضر . وقال : من يقوم على ضمانه . والعود إلى مكانه . قال : فنظر الغلام إلى وجوه أهل المجلس الناظرين . وأشار إلى أبي ذر دون الحاضرين . وقال : هذا يكفلني . وهو الذي يضمنني . فقال عمر : أتضمنه يا أبا ذرعلى هذا الكلام . قال : نعم أضمنه إلى ثلاثة أيام . فرضي الشابان بضمان أبي ذر . وأنظراه ذلك القدر . فلما انقضت مدة الإمهال . وكاد وقتها يزول أو زال . حضر الشابان إلى مجلس عمر . والصحابة حوله كالنجوم حول القمر . وأبو ذر قد حضر . والخصم ينتظر . فقالا : أين الغريم يا أبا ذر . وكيف يرجع من قد فر . فلا نبرح من مكاننا . حتى تفي بضماننا . فقال أبو ذر : وحق الملك العلام . إن انقضى تمام الأيام . ولم يحضر الغلام . وفيت بالضمان . وأسلمت نفسي وبالله المستعان . فقال عمر : والله إن تأخر الغلام . لأمضين في أبي ذر ما اقتضته شريعة الإسلام . فهملت عبرات الحاضرين . وارفضت زفرات الناظرين . وعظم الضجيج . وتزايد النشيج . فعرض كبار الصحابة على الشابين أخذ الدية . واغتنام الأثنية . فأصرا على عدم القبول . وأبيا إلا الأخذ بثار المقتول . فبينما الناس يموجون تلهفا لما مر . ويصيحون تأسفا على أبي ذر . إذ
يتبع ...
حكي انه بينما كان عمر بن الخطاب جالسا في بعض الايام وعنده اكابر الصحابة . وأهل الرأي والإهابة . وهو في القضايا . يحكم بين الرعايا . إذ أقبل شاب من أحسن الشباب . نظيف الأثواب . يكتنفه شابّان من أحسن الشباب أيضا . وقد جذباه وسحباه .وأوقفاه بين يدي أمير المؤمنين ولبّـباه . فلما وقفوا بين يديه . نظر إليهما وإليه . فقالا : يا أمير المؤمنين نحن أخوان شقيقان . جديران باتباع الحق حقيقان . كان لنا أب شيخ كبير . حسن التدبير . معظم في قبائله . منزه عن رذائله . معروف بفضائله . ربّانا صغارا . وأولانا مننا غزارا . كما قيل في المعنى :
لنا والدٌ لو كان للناس مثله ... أب آخر أغناهمُ بالمناقبِ
فخرج اليوم إلى حديقة له يتنزه في أشجارها . ويقتطف يانع أثمارها . فقتله هذا الشاب . وعدل عن طريق الصواب . فنسألك القصاص عما جناه . والحكم فيه بما أمرك الله . قال الراوي : فنظر عمر إلى الشاب . وقال له : قد سمعت فما الجواب . والغلام مع ذلك ثابت الجنان . خال عن الاستيحاش . قد خلع ثياب الهلع . ونزع لباس الجزع . فتبسم عن مِثْل الجُمان . وتكلم بأفصح لسان . وحيّا بكلمات حسان . ثم قال : يا أمير المؤمنين والله لقد وَعَيَا . فيما ادّعَيَا . وصدقا فيما نطقا . وأخبرا بما جرى . وعبّرا عما طرا . وسأنهي قصتي بين يديك . والأمر فيها إليك . إعلم أني عريم من العرب العرباء نبتُّ في منازل البادية . وصَبَحَتْ علي أسُودُ السنين العادية . فأقبلت إلى ظاهر البلد . بالأهل والمال والولد . فأفْضَتْ بي بعض طرائقها . إلى المسير بين حدائقها . بنِياقٍ إليّ حبيبات . علي عزيزات . بينهن فحل كريم الاصل . كثير النسل . مليح الشكل . حسن النتاج . يمشي بينهن كأنه ملك عليه تاج . فدنت النوق إلى حديقة قد ظهر من الحائط شجرها . فتناولْتها بمشفرها . فطردتها عن تلك الحديقة فإذا شيخ قد ظهر . وتسور الحائط وزفر . وفي يده اليمنى حجر . يتمادى كالليث إذا خطر . فضرب الفحل سقط لجنبه وانقلب . توقدت فيَّ جمرات الغضب . فتناولت ذلك الحجر بعينه فضربته به . فكان سبب حينه ولقي سوء منقلبه . والمرء مقتول بما قتل به . بعد ان صاح صيحة عظيمة . وصرخ صرخة أليمة . فأسرعت هاربا من مكاني . فلم أكن أسرع من هذين الشابين فأمسكاني كما تراني . قال عمر : قد اعترفت . بما اقترفت . وتعذر الخلاص . ولات حين مناص . فقال الشاب : سمعا وطوعا لما حكم الامام . ورضيت بما اقتضته شريعة الاسلام . ولكن لي أخ صغير . كان له أب خبير . خصه قبل وفاته بمال جزيل . وذهب جلبل . وأحضره بين يدي . وسلم الأمر إلي . وأشهد الله علي . وقال : هذا لأخيك عندك . فاحفظه جهدك . فاتخذت لذلك مدفنا . ووضعته فيه ولا يعلم به أحد إلا أنا . فإن حكمت الآن بقتلي ذهب الذهب . وكنت أنت السبب . وطالبك الصغير بحقه . يوم يقضي الله بين خلقه . وإن أنظرتني ثلاثة أيام . أقمت من يتولّى الغلام . وعدت وافيا بالذمام . ولي من يضمنني على هذا الكلام . فأطرق عمر ساعة ثم نظر . إلى من حضر . وقال : من يقوم على ضمانه . والعود إلى مكانه . قال : فنظر الغلام إلى وجوه أهل المجلس الناظرين . وأشار إلى أبي ذر دون الحاضرين . وقال : هذا يكفلني . وهو الذي يضمنني . فقال عمر : أتضمنه يا أبا ذرعلى هذا الكلام . قال : نعم أضمنه إلى ثلاثة أيام . فرضي الشابان بضمان أبي ذر . وأنظراه ذلك القدر . فلما انقضت مدة الإمهال . وكاد وقتها يزول أو زال . حضر الشابان إلى مجلس عمر . والصحابة حوله كالنجوم حول القمر . وأبو ذر قد حضر . والخصم ينتظر . فقالا : أين الغريم يا أبا ذر . وكيف يرجع من قد فر . فلا نبرح من مكاننا . حتى تفي بضماننا . فقال أبو ذر : وحق الملك العلام . إن انقضى تمام الأيام . ولم يحضر الغلام . وفيت بالضمان . وأسلمت نفسي وبالله المستعان . فقال عمر : والله إن تأخر الغلام . لأمضين في أبي ذر ما اقتضته شريعة الإسلام . فهملت عبرات الحاضرين . وارفضت زفرات الناظرين . وعظم الضجيج . وتزايد النشيج . فعرض كبار الصحابة على الشابين أخذ الدية . واغتنام الأثنية . فأصرا على عدم القبول . وأبيا إلا الأخذ بثار المقتول . فبينما الناس يموجون تلهفا لما مر . ويصيحون تأسفا على أبي ذر . إذ
يتبع ...