عرض مشاركة واحدة
صورة رمزية إفتراضية للعضو adel67
adel67
عضو
°°°
افتراضي
مرحبا.

تحية طيبة لكلّ الإخوة.

ما هو مثلّث العطب؟

له ثلاثة أركان، و هو خالي الوسط، أو إن شئتَ قُل هو مملوء الوسط، مُلئَ بالصّمتِ و الإسكات. و يجمع بين أركانه مفهوم المقدّس أو المحرّم. هذا هو عطب الأمة اليوم.

1) القداسة السّياسية: أو المحرّم السّياسي. ينُصّ الدستور المغربي على أنّ (شخص الملك مقدّس لا تنتهك حرمته فإذا كُنتَ بالمغرب أخي القديمي فالزم الصّمت، و إيّاك ثم إيّاك و الإعتراض على قرارات الملك، لا في مجلس النّواب و لا في الصّحف و لا المجلاّت و لا في الشوارع، بل و لا حتّى في بيتك أصلا، و هنا تنضاف للملك خصوصية ثانية، و هي قداسة الدّين، فهو من آل البيت. فعندما كان المغربي يتذمّر من الوضع السّياسي و يتكلّم في الممنوعات، كانت أمّه تنهره خوفاً عليه من لعنة السّماء، و تذكّره قائلة له (أسكت، فإنّه شريف، أي من آل البيت).

و قد إعترفت الدّولة مؤخّراً أن ما فعله الحسن الثاني رحمه الله لم يكن دائما شريفا، و عوّضت الدّولة ضحايا ما يسمّى سنوات الرّصاص (الخطف، القتل، التعذيب، السجن من غير محاكمة...).

فهذه هي ضريبة السّكوت التي تريدنا أن نلتزم به، سكوت القداسة الدّينية لمن لا قداسة له!!!

يُروى أنّ أبا بكر الصدّيق قال حين تولّى الخلافة: (وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني..).
بل رسول الله صلّى الله عليه سلّم راجعوه كثيرا ما لم يكن الأمر وحيا، حتّى قيل له (أهو الوحي أم الرأي و الحرب و المكيدة ؟ فقال لهم (لا ، بل هو الرأي و الحرب و المكيدة). و قال له الله تعالى (و شاورهم في الأمر).


2) قداسة الأولياء: إذا كان الوهّابية ينزلون علينا بسيف الفقهاء، فأخي القديمي ينزل علينا بقداسة الأولياء، و قصيدتك ترجمان للإرهاب الفكري الذي حاربه الغزالي.

و مُقتضى كلامك: أن نسكتَ عن الأولياء كأشخاص و كعلوم، و نلتزم التّسليم، فلحومهم مسمومة و علومهم معصومة!

فلم تفرّق سيّدي القديمي بين محبّة الولي كشخص أحبّ الله و أحبّه، و بين البحث في علومه و فنونه. ثمّ حسبتَ الإختلاف مع الولي موجبٌا للنّقمة، و الأصل عندنا أنّ (الإختلاف رحمة).

غاب عنك أنّ الوليّ غير معصوم، و غاب عنك أنّ علم الباطن حجّة على الولي، و ليس حجّة علينا.

الإمام الحجّة خالف الأشعري و هو شيخ مذهبه في الكلام، و خالف الشّافعي و هو شيخ مذهبه في الفقه، بل و قال في الحلاّج و هو شهيد الصّوفية (إنّ قتله خيرٌ من إحياء عشرة من المسلمينفهل تُراه هنا يأكل في لحم مسموم!!!

أنظر معي إلى عمر بن الخطّاب، تواضع و قال (صدقت امرأة و أخطأ عمر لماذا لم يقل (أنا الفاروق صاحب رسول الله و من المبشّرين بالجنّة، كيف تعترضين عليّ يا امرأة، أسكتي فلحمي مسموم و قولي معصوم!!!).

أنظر إلى مالك، لو كان بيننا و قلنا له إنّ العلم يقول أنّ الجنين لا يرقد في بطن أمّه، فماذا تقول؟ لن يقول لك مالك المتواضع إلاّ (كلٌّ منا يؤخذ منه ويرد إليه إلا صاحب هذا القبر).

هل كان لحم الغزالي مسموما حين ردّ عليه أهل العلم كلّ باختصاصه؟ هل أكلَ علماء الحديث لحم الغزالي حين أخذوا عليه تضمينه لإحياء علوم الدّين من الأحاديث موضوعها و ضعيفها!!!
طيّب ما رأيك أن الغزالي اعترف و قال: (بضاعتي في الحديث مزجاة).

هل أكل لحمه أصحاب الكلام حين عارضوه في قوله (ليس في الإمكان أبدع ممّا كان
هل أكل ابن رشد لحمه حين ردّ عليه، و أحيانا بعنف الكلام، ردّ عليه تهافته؟
هل أكل لحمه أصحاب اللّغة حين لاحظوا عليه ضعف النّحو لديه، مع أنّ عباراته و أساليبه يعزُّ وجودها؟
و هل، و هل، و هل...

إنّ كلام اللّه و هو أشرف كلام، لا يدعوك الله للتّسليم له فقط، إنّما يدعوك لتدبّره و الغوص في أعماقه و فكّ معانيه و رموزه (أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها).

قد تقول لي أخي القديمي أنّ ما أوردته من الشّواهد تنطبق على الشّاهد لا الغائب، تنطبق على علم الظاهر لا الباطن.

هنا نُطالب بالدّليل على عصمة الولي الباطنية، فالقياس يقول أنّ من لم يعصمه الله بالظاهر فلا عصمة له بالباطن، و إلاّ لحِقَ النبوّة بباطنيته!!

مثال: خذ معي فكرة ختم الأولياء. ظهرت مع الحكيم الترمذي إذ ادّعى أنّه خاتم الأولياء، ثمّ جاء من بعده ابن عربي فلمّح إلى أنّه هو خاتم الأولياء، و أخيرا جاء التيجاني و قال أنّه هو خاتم الأولياء؟
فلمن الختم يا ترى؟ لو عُصموا لاتّفقوا على قول واحد!!! و الشّعراني يعترف باختلاف الأولياء في مسائل من علومهم، و لا حرج في ذلك.

ما أُريد قوله: الولي نحبّه و نتّبع سيرته و نقدّر مجاهداته و صلاحه و لا نتكلّم فيه إلاّ بخير و نحسن الظن فيه، لكن لا حرج في البحث في علومه و التّعمّق فيها، بل و الإختلاف معها لأنّها ليست نبوّة.

3) قداسة الموروثات: هنا أنزلنا الموروث بمنزلة القرآن، فأصبح للطبري و القرطبي و ابن كثير و أقوال علماء العصور سلطة علمية إذا أحتجّ بها رفعت الأقلام و جفّت الصّحف، حتّى أصبح الموروث حجابا بيننا و بين المنبع الصّافي و هو كلام الله و سنّة نبيّه، فأصبحنا لا نشرب من هذا المنبع إلاّ بكؤوس القرون الوسطى، لا بعقول العلم الحديث.
هذا باخصار شديد.

و إن شاء الله تعالى سأنقل لكم مقاطع من كلام الغزالي في رفض التّقليد الأعمى و الدّعوة إلى الإستقلال بالرّأي و الحث على معرفة الرّجال بالحق، لا العكس، و إعمال العقل، و التّحرّر من المسلّمات، و الغوص في أعماق شتّى العلوم، و اتّباع منهج الشّك....
فكلامه في هذه المسائل يُكتب بمداد من ذهب...تلك الكلمات التي سننقلها قد تكون هي مثلث الغزالي الحقيقي الذي يجب أن ينجّم في عطارد العقرب.

ملاحظة: كلّ ما ورد ما هي إلاّ أفكار تستحقّ التّخطيء قبل التّصديق.