عرض مشاركة واحدة
صورة رمزية إفتراضية للعضو محمد هـادي
محمد هـادي
مشرف
°°°
افتراضي
ماذا وراء المشروع الأميركي ((الكبير))؟

البيان الإماراتية
. ٥مارس/آذار ٢٠٠٤
ابراهيم الصياد

ماذا يريد المشروع الاميركي الجديد المسمى بمشروع الشرق الاوسط الكبير من العرب؟ سؤال
اعتقد قبل الاجابة عنه لابد من قراءة لا تنقصها الشفافية للدوافع الحقيقية لإقدام الاميركيين
على اطلاق هذا المشروع او المبادرة كما يسمون. ونعود الى ما قبل ١١ سبتمبر عام ٢٠٠١ وهو
التاريخ الفاصل في توجهات واشنطن نحو المنطقة حيث كانت تؤمن الادارات الاميركية مصالحها
من منطلق عاملين اساسيين:
الاول / وجود ما يمكن ان نسميه اصدقاء مقربين للولايات المتحدة بالمنطقة والآخر قيام
الادارة الاميركية نفسها من خلال اجهزتها بالتغلغل الى المنطقة تحت مزاعم التعاون ومساعدة
المجتمعات العربية على النهوض والتنمية في شكل ما يعرف برامج المعونة الاميركية وغيرها من
اشكال التدخل المتخفي في شئون المنطقة.
وبعد وقوع احداث سبتمبر واعتقاد الاميركيين ان العرب والمسلمين وراء هذه الاحداث يمكن
القول ان واشنطن لم تعد تثق في قدرة النظام الرسمي العربي على حماية مصالحها وان تامينها
بالخارج امر لم يعد يجدي وحده فما حدث من اعتداءات في سبتمبر كان في داخل الولايات
المتحدة ومن هنا تصور الفكر الاميركي ان استراتيجية الامن القومي الاميركي يجب ان تستند
على احداث تغيير جذري في النظم التي تعتقد انها مسئولة عن تفريخ من قاموا بعمليات سبتمبر
وان الصداقة وحدها لا تكفي .

ولكن السؤال كيف يمكن احداث التغيير المطلوب؟

بالفعل اخذت دوائر صنع القرار الاميركي على عاتقها اتباع طريقين الاول استخدام القوة
العسكرية والغزو والاحتلال كما حدث في افغانستان والعراق وهو وسيله تضمن اسقاط النظم
المارقة بالقوة المسلحة وتولية نظم مروضه ومبرمجه وفق ما تراه واشنطن.
اما الطريق الثاني / التهديد بالتغيير على غرار ما حدث في السنوات الثلاث الماضية ونرى ان
الطريق الاول قد نجح في احداث التغيير وفق النهج الاميركي ولكن يظل مرتبطا واقعيا باستمرار
الاحتلال العسكري او استخدام القوة وفشل الطريق الثاني لان النظام الرسمي العربي لم يتخل
مطلقا عن ورقة الشارع العربي بغض النظر عن اتفاقه او اختلافه مع ما تريده الجماهير الرافضة
للسياسات الاميركية والتي تراها السبب الحقيقي وراء زلزال سبتمبر الذي عصف باركان القوة
الاميركية الاقتصادية والعسكرية متمثلة في برجي مركز التجارة العالمي ومقر وزارة الدفاع
البنتاغون.
وعليه ارتأت الادارة الاميركية ان افضل وسيله هي الضرب على وتر الاصلاح الشامل السياسي
والاقتصادي والاجتماعي في مجتمعات يعتقد الاميركيون انها في حالة ظمأ ديمقراطي ولكن
الاصلاح في الدول العربية بعينها فقط قد يحافظ على الهوية المرتبطة بهم وهي العروبة
والاسلام التي تعتبر العامل الذي يثير القلق دائما لهم.
ولذلك كان من الضروري توسيع دائرة التغيير بضم دول غير عربية وغير اسلامية للخروج من
المأزق القومي بالحديث عن تطوير لشكل اقليمي جديد يضم الدول العربية الاثنتين والعشرين
بالاضافة الى اربع دول اخرى كل منها لها خصوصية في حال اندماجها في الشرق الاوسط الكبير.
الدولة الاولى تركيا باعتبارها النموذج المسلم ديانه والعلماني سياسة ونمط حياة وان تركيا قد
تكون الشكل الافضل لما تريده اميركا من نمط سائد او مثالي لكل دول المنطقة وتحديدا الدول
العربية ثم اسرائيل باعتبارها نموذجا غير مسلم يعبر عن لسان حال السياسة الاميركية وتعد
الحليف الاستراتيجي لواشنطن بالمنطقة وبالتالي ان وجودها داخل منظومة الشرق الاوسط
الكبير سيقطع الطريق على اي محاولات عربية لتعريب واسلمة هذه المنظومة خاصة ان العرب
هم المقصودون من التغيير وليست تركيا او اسرائيل.
اما الدولة الثالثة ايران التي تمثل الصداع الدائم لاي ادارة اميركية منذ عام ١٩٧٩ في منطقة
الخليج وعليه يصبح احتواؤها مطلبا استراتيجيا للسياسة الاميركية اما كيف سيتم هذا الاحتواء؟
اعتقد انه سيظل رهنا بما تبديه طهران من تجاوب او رفض للمشروع الاميركي.
ومن هنا سوف تتحدد الوسيلة الامثل للتعامل مع ايران لضمها لحظيرة الشرق الاوسط الكبير
وان كنت ارى ان نتائج الانتخابات التشريعية الاخيرة ستقطع على اميركا الطريق في احتمال
حدوث تغييرات مهمة في السياسة الايرانية تجاه واشنطن وبالتالي يصبح ضمها لمنظومة الشرق
الاوسط الكبير امرا غير وارد على الاقل في المدى المنظور.
وتبقى الدولة الرابعة وهي افغانستان التي لن يختلف اثنان على انها الان آداة طيعة بأيدي
الاميركان وان نظامها الحالي يعد النظام المطلوب حسب الرؤية الاميركية وفي الوقت نفسه تأتي
افغانستان لتنضم للشرق الاوسط كي يتسع مداه جغرافيا بعد ان اتسع سياسيا وهو امر تعتقد
واشنطن انه سيساعد في تنفيذ مشروعها الكبير.
مما سبق يتضح ان التغيير المطلوب هو بالدرجة الاولى لتأمين المصالح الاميركية واجتثاث ما
تراه واشنطن مصدرا لتفريخ الكوادر الارهابية ولذلك عملت على الترويج للمشروع من خلال طرح
افكار ذات جاذبية مثل التنمية الشاملة والرفاهة الاقتصادية وتوفير فرص عمل للعاطلين وتطبيق
الديمقراطية والتحرر والانعتاق من حالات القهر والقمع السياسي وتشجيع منظمات المجتمع
المدني غير الحكومية على التمرد بشكل او باخر على النظم السياسية القائمة تحت دعاوي
الحرية وفق المنظور الاميركي.
ومن خلال رصد اعتمادات مالية طائله من ميزانية البيت الابيض لدعم انشطة هذه المنظمات
التي يفترض في هذه الحالة انها لن تعارض اي توجهات اميركية وحشدت الادارة الاميركية ابواق
دعايتها ومن بينها قناة الحرة الفضائية من واشنطن التي جاءت في توقيت ملائم كما ان
تصريحات رموز الادارة الاميركية تنصب على التبشير بالشرق الاوسط الكبير الذي سيأتي بالخير
الوفير لابنائه الذين عليهم مهمة ارتداء العباءة الاميركية بكل الوانها السياسية والاقتصادية
والثقافية وهنا ارى مكمن الخطورة !! .
وقد جاءت اميركا الى منطقة الشرق الاوسط بكل قوتها السياسية والاقتصادية والعسكريه
والثقافية والاجتماعية لتقوم باعادة صياغه للمنطقة من منطلق ان شعوبها العربية المسلمة
على وجه التحديد لا تتمتع باي اهلية وغير مؤهلة للدخول الى اي عمليات تطوير او تحديث
وبالتالي تحتاج لوصي او اوصياء يتولى او يتولون عنها القيام بهذه المهمة!! .
ويمكن القول ان العرب والمسلمين عندما رفضوا وأدانوا اعتداءات سبتمبر لم يكن ذلك لابعاد
الشبهة عنهم ولكن كان ذلك من اقتناعهم ان الارهاب ظاهرة دولية يجب التعامل معها بشكل
جماعي لأن بعضهم قد عانى وما زال من ويلاتها وليس مطلوبا ان تستغل حجة الحرب على
الارهاب لكي تكون ذريعة لاملاء توجهات بعينها عليها.
واعتقد ان المشروع الاميركي اذا قدر له ان ينفذ كما يقولون اعتبارا من شهر يونيو المقبل
سيؤدي الى اشعال ما يجب تجنبه وهو الصراع بين الحضارات تلك الفكرة التي حاول البعض
الترويج لها في اعقاب اعتد اءات سبتمبر واستطاع العرب والمسلمون نزع فتيلها بفضح مروجيها
وانه ليس من مصلحة العالم المتحضر ان يتحول حوار وتفاعل الحضارات الى صراع يريدون له ان
يتحول الى مواجهة بين الاديان وليس سرا القول ان الصهاينة داخل وخارج اسرائيل يقفون وراء
هذه الحملة المشبوهة.
ان دعوة المشروع الاميركي الى ضرورة اعادة النظر في مناهج التعليم بالدول العربية خاصة
مناهج التربية الدينية اكبر دليل على ان مبادرة الشرق الاوسط الكبير تريد الخوض في مستنقع
حتما سوف يفجر معارضة غير محمودة العواقب لان المساس بالدين يعتبر امرا غير مقبول عند
العرب والمسلمين.
ومن هنا تأتي خطورة المضي في خطوات تدشين المشروع الاميركي بفرضه على الشعوب
العربية مهما كانت العباءة التي يحاول ان يرتديها فالشارع العربي قد تجاوز مرحلة الوصاية ولن
يقبل ان يتم التعامل معه على انه ناقص الاهلية ولا أعتقد ان الديمقراطية مهما كانت الحاجة
اليها ملحة يمكن ان تفرض على الشعوب فانماط الحياة السياسية هي جزء من رصيد وتراث
حضاري يحدد ما يتلاءم مع كل دولة وفق ظروفها وخصوصيتها ففرض الاصلاح السياسي وفق
نماذج سابقة التجهيز يعد تدخلا مشينا في الشؤون الداخلية للدول ولا أظن ان النظم العربية
القائمة ولا الشعوب يمكن ان تقبله.
وسوف أستند الى فهم التاريخ لتفسير مبادرة الشرق الاوسط الكبير، ولكن لتأكيد ان ما يحاك
للعرب والمسلمين الآن ارادوه من قبل عندما ظهر الوجه العروبي القومي لثورة الثالث والعشرين
من يوليو عام ١٩٥٢ فاعتبره الغرب تهديدا لمصالحه في المنطقة فكان العدوان الثلاثي الغاشم
عام ١٩٥٦ ثم محاولة جر الدول العربية الى الحلف المركزي المشبوه الذي عرف كذلك بحلف
بغداد وفي عام ١٩٦١ كانت نكسة الانفصال بين مصر وسوريا بعد وحدة لم يطل عمرها ولم تمض
. سوى سنوات قليلة وحطت بالامة نكسه اخرى اشد وطأة ومرارة تمثلت في عدوان يونيو عام ١٩٦٧
وبعد اكثر من اربعين عاما يحاول البعض اليوم ممارسة نفس اللعبة مهما اختلفت المداخل
والاشكال في محاولة جلية لاختراق الشرق الاوسط اجمالا والامة العربية تخصيصا... فماذا نحن
فاعلون؟ هل نقبل الاندماج فيما يسمى بالشرق الاوسط الجديد والكبير؟ ام نتمسك بما نراه نحن
العرب والمسلمين صالحا لامتنا ومستقبل ابنائنا؟ .
إذن القضية مطروحة على بساط البحث وندعو بشكل عاجل الى مناقشتها في حوار قومي واسع
يشارك فيه كل رموز وقادة الفكر العربي والاسلامي بكل توجهاتهم الفكرية والسياسية من خلال
وسائل الاعلام المختلفة لا سيما القنوات الفضائية خاصة ونحن نمر بظروف غاية في الصعوبة
والخطورة فنجد اسرائيل ماضية في عدوانها اليومي على الشعب الفلسطيني دون ضابط او رابط
والعراق مازال محتلا يدخل رويدا رويدا الى نفق مظلم كان الاحتلال مقدمة طبيعية له ولنهج
يمارس الان بمنتهى الوضوح في المنطقة.
كما ان القضية مطروحة ايضا على اولي الامر في قمتهم المرتقبة في تونس من باب المسؤولية
القومية فقد بلغ العرب سن الرشد واعتقد انهم قادرون على تسييس امورهم وتقرير مصيرهم كما
يرونها هم وليس كما يراها الآخرون.
وخلاصة القول:ان الجميع الآن في خندق واحد و عليهم النهوض من سباتهم كي يعلنوا
رفضهم للمبادرة الواضحة اهدافها وضوح الشمس بكشف جوانبها واستشراف تداعياتها المتوقعة
ومحاولة قراءة متأنية لما بين سطورها حتى لا نصل الى وقت نصبح فيه غير قادرين على فعل
شيء اي شيء!

يتبع . . .