عرض مشاركة واحدة
صورة رمزية إفتراضية للعضو علي العذاري
علي العذاري
انتقل لرحمة الله
°°°
افتراضي
والدرهم الذي أقضيه عما يلزمني في كراء بيتي وموضع عملي، والدرهم الذي أسلفه
هو الذي أنفقه على ولدي لينفقه علي إذا كبرت
قال أفلا تنفق ذلك على أصحابك؟ قال هم لا يحتاجون إلى ذلك، وأنا
لا أحتاج إليه، وانما يحتاج إلى ذلك من لا ينصف عن نفسه، فأما من انصف
منها فلا يحتاج إلى شئ!
فعجب ذو القرنين من حكمهم وانصرف عنهم
ذكر آدم عليه السلام وولده
أجمع أهل الأثر أن آدم عليه السلام خلق يوم الجمعة، لست خلون من
نسيان وكساه الله لباسا من ظفره، وأسجد له ملائكته فسجدوا إلا إبليس
وكان ملكا على الأرض يصعد إلى السماء متى شاء فأبى من السجود لآدم، وقال
أنا كنت خليفتك على الأرض وهو من تراب كنت أطؤه، وأنا من نار وهو من
طين، فلي عليه الفضل من كل جانب، وأفضله بالأجنحة التي أغشى بها أقطار
الأرض في أقل من لمح البصر، فلما امتنع من السجود أبلسه الله ولعنه.
وخلق حواء وألبسها لباسه وأسكنها الجنة لثلاث ساعات مضت من ذلك
اليوم وأباحهما جميع ما في الجنة الا الشجرة التي نهاهما عنها، وهي على قول
أكثر أهل العلم البر، وكانت الحبة بقدر الأترجة فألقتهما الحية، وكانت من
أحسن دواب الجنة، وكانت ذات قوائم.
ولما رأى آدم ما أعطيه من الكرامة اشتاق إلى الخلود فطمع فيه إبليس،
فاحتال حتى أدخله الجنة.
فخاطب حواء فيها وقال (ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة الا ان تكونا
(٧١)
[ملكين أو تكونا] من الخالدين، وقاسمهما اني لكما لمن الناصحين) ولم يزل
بحواء حتى اكلت من الشجرة وأطعمت منها لآدم فأكل، فلما أكلا منها
انكشف لباسهما عنهما إلى أطراف أصابعهما وبدت لهما سوآتهما، وهرب آدم
في الجنة يمينا وشمالا لا يدري ما يصنع، فتعلقت به شجرة الا ترج وحبسته
بناصيته ومعه حواء، فطفقا يأخذان من ورق الجنة ويستتران بها فقال الله
عز وجل قد جعلت هذه الشجرة غذاء لكما ولذريتكما، يعني الشجرة التي
اكلا منها عاصيين فاهبطوا جميعا أنتما وإبليس والحية فان بعضكم لبعض عدو.
ونزع الله من الحية قوائمها فهبطوا، فكان مقام آدم في الجنة مع حواء
ثلاث ساعات، مقدار مائتين وخمسين سنة من أيام الدنيا، وهو ربع يوم من
أيام الآخرة الذي هو ألف سنة.
فأهبط آدم على جبل سرنديب وعليه الورق المخصوف من الجنة، فلما
جف الورق وذهبت رطوبته تقطع وسقط فنسفته الريح وطرحته إلى كل جهة
فنبت منه بأرض الهند أنواع الطيب والأفاويه، والتمر الذي لا يوجد إلا
هناك، وفيه العود ودواب المسك، وحوله أصناف اليواقيت والماس، وفي
بحره مغايص اللؤلؤ.
وسمى الله آدم عبد الله وكناه أبا محمد وكان طويلا جعد الشعر أحسن
من خلق الله تعالى، فلما نزل إلى الأرض نقص من لونه وحسنه وطوله.
وكان يتكلم بالعربية فحول الله عز وجل لسانه إلى السريانية، وانتزع
منه ما علمه ثم رده الله سبحانه وتعالى بعد توبته إليه.
وأهبط حواء على جدة وبيدها قبضة من جوهر الجنة فتناثر منه من يدها
شئ فكانت الجواهر منه، ونقص أيضا من حسنها وبهائها
وأهبط إبليس ومعه قبضة من النار وعصا من بعض شجر الجنة يقال إنه
(٧٢)
العوسج ويقال إنها كانت من آس الجنة، وهي التي صارت إلى موسى عليه
السلام
وأنزل معه ثلاثين قضيبا من ثمار الجنة وجعلها إكليلا على رأسه، منها
عشرة ظاهرة القشور وهي: الجوز واللوز والبندق والفستق والخشخاش
والبلوط والقسطل وجوز الهند والرمان والموز
وعشرة لها نوي وهي الخوخ والمشمش والإجاص والتمر والزعور والغبيرا
والقراصيا والشاه بلوط والنبق والمقل
وعشرة لا قشور لها نوى وهي، التفاح والسفرجال والكمثري والعنب
والتوت والأترج والخرنوب والخيار والبطيخ والبر ( ١) وكان أول ما خلق الله
تعالى في الأرض الكمثرى
وتاب الله سبحانه وتعالى على آدم عليه السلام بعد مائة سنة: أتاه جبريل
عليه السلام وعلمه الكلمات، وهي لا إله إلا أنت عملت سوءا فاغفر لي وأنت
خير الغافرين
وقيل في طوله إنه كان يبلغ السماء فلما أهبط إلى الأرض. جعل طوله
مائتين وسبعين ذراعا، وعلم استخراج الحديد وسبكه وعمل الزبدة والمطرفة
والكلاليب والمدية وآلات الأرض وما يحتاج إليه من جميع الآلات.
وعلم ما يأكله من دواب الأرض، وما يجتنبه وأمر بالمسير إلى مكة،
وكان موضع قدمه عمرا وما بينهما مفاوز، وأتى جدة فوجد بها حواء
.( تبكي فقال لها هذا عملك ( ٢
وقيل له إيت الكعبة فطفت بها، فمشى إليها فتلقته الملائكة بالأبطح فقالوا
له حياك الله يا آدم، لقد طفنا قبلك هذا البيت بألفي عام ولسنا بأول من
حجه وعلمه جبريل عليه السلام المناسك، وأنزلت عليه إحدى عشرون
--------------------
١) في الأصول: والتبر. )
٢) في الأصول: عملكي. )
(٧٣)
صحيفة، وفرض عليه الصلاة والزكاة والاغتسال من الجنابة والوضوء، وزرع،
وحصد، وطحن، وخبز، ثم قيل هذا دأبك أنت وذريتك، فقال يا رب
ما بلغت هذا إلا بشق النفس فقيل له هذا بخطيئتك.
وعوقبت حواء بعشر خصال، وجع العذرة، ووجع الولاة، وطول
الحمل والحيض، وحزن الموت، وقناع الرأس، وملكة الرجال للنساء،
وأن تكن تحت الرجل عند الجماع، والولولة عند المصيبة، ورقة القلب عند
الحزن - جمع بين آدم وحواء بجمع وتعارفا
وعوقب آدم بنقصان طوله، وتغير حسنه، وخوفه من السباع، وكانت
تخافة، وحتم عليه وعلى ذريته بالموت، و حفظت عليه أعماله، وكلف النظر
في رزقه والتعب فيه.
وعوقبت الحية بقص جناحيها وعدم يديها ورجليها ومشيها على بطنها
وشق لسانها، وخوفها من الناس وعدواتهم لها، وجعل من التراب غذاؤها،
وإن طلبت أن تقتل أخرجت للناس لسانها.
وإن آدم غشي حواء فولدت له قابيل وتوأمته قليما، وكان كذلك يولد له
توأمين في كل بطن.
ثم ولدت له هابيل وتوأمته لبوذا فشغل قابيل بالحرث، وشغل هابيل
برعي الغنم، ثم أمره أن يزوج هابيل من أخت قابيل فضربها وقال أنا أحق
بأختي منه، فأمرهما أبوهما أن يقربا قربانا فأيهما تقبل قربانه كان أحق بأخت
قابيل، فرضيا بذلك. وقرب هابيل أسمن كبش كان عنده، وقرب قابيل
من أرذل ما كان عنده من الغنم وكان ذلك بينهما يوم الجمعة، وجاءت النار
إلى القربان، وأخذت الكبش الذي كان لهابيل، وحملته ولم تقبل قربان
قابيل، فأغضبه ذلك وعزم على قتل أخيه بعد منصرفهما من منى، فلم يدر
(٧٤)
كيف يقتله فتصور له إبليس لعنه الله في صوره إنسان، وأخذ طائرا ففشخ
رأسه بحجر فقتله، وحمله معه حتى غاب عن عينه فاغتفل قابيل هابيل حتى
نام عند غنمه، وهي ترعى فحمل حجرا فطرحه على رأسه فقتله فأصبح من
النادمين، وطال تحسر آدم عليه السلام على ابنه هابيل وعلى الجنة فأنزل الله
تعالى له خيمة من خيام الجنة من ياقوتة حمراء وضعت مكان الكعبة
ولمائتين وثلاثين سنة من مهبط آدم ولد له شيث وهو هبة الله وتوأمته،
فتقول أصحاب التواريخ: إنه ولد له مائة وعشرون بطنا، وأمر آدم عليه
السلام بكتب الصحف، وعلم اللغات كلها، وعلم الأسماء التي قهر بها الجان
والشياطين وعلم حساب الأزمنة وسير الكواكب
وسأل ربه أن يريه الدنيا وما يكون فيها من خير وشر، فمثلت له برا
وبحرا فنظر إليها والى ملوكها وسكانها من ولده، وصور الأنبياء وما يكون
في العالم ويدور فيه من خير وشر إلى انقضائه
ولما كثر ولده وولد ولده بعثه الله إليهم وأمره أن يأمرهم بما أمره الله به
وينهاهم عما نهاه عنه، ويقال إنه أرسل وهو ابن تسعمائة سنة وسبعين سنة.
ولما أراد الله سبحانه وتعالى أن يتوفاه أمره ان يسند وصيته إلى ابنه
شيث ويعلمه جميع العلوم التي علم بها ففعل، وكان سبب وفاته عليه السلام
أنه انصرف من الفلاحة موعوكا ( ١) فحم ومرض إحدى وعشرين يوما
والملائكة تختلف إليه.
ويقال إنه اشتهى قطفا من عنب الجنة فوجه بعض ولده يسأل له ذلك
ممن لقيه من الملائكة، فلقيه جبريل عليه السلام فعزاه في أبيه وقال ارجع
فان أباك قد مات. وكان سنه يومئذ تسعمائة وثلاثين سنة، وقالوا تسعمائة
--------------------
١) في ب: مدعوكا وهو خطأ. )
(٧٥)
وخمسين سنة بعد ما وهب لداود منها خمسين سنة وأتاه جبريل عليه السلام
بكفن وحنوط من الجنة
وعلم شيث كيف يغسله ويكفنه، وقيل هذه سنة لكم في موتاكم بعده،
وحمل إلى غار الكنز في جبل أبي قبيس فدفن فيه، وكانت وفاته عليه
السلام يوم الجمعة، ومات وولده وولد ولده أربعون ألف بيت ورفعت مع
موته الخيمة الياقوت التي كانت بموضع الكعبة.
وحزنت عليه حواء حزنا شديدا وبقيت بعده سنة ثم ماتت، عليه
السلام والرحمة، وصلى عليها شيث ودفنها إلى جانب آدم صلى الله عليه وسلم وعلى
جميع
النبيين والمرسلين.
ذكر شئ من أخبار ولده
كان قابيل ولد آدم عليه السلام، وأول من عصا وقتل وكفر ولما قتل
أخاه هرب عن ذلك الجبل بأخته وبنى قرية يقال لها خلوا وسكنها، وقابيل
أول من عبد النار، وقيل إنه أشقى البرية وإن عليه نصف عذاب الخلق، وقيل إنه متى
سفك دم بغير وجه حق كان شريكا لصاحبه فيه.
شيث بن آدم بعثه الله إلى ولد أبيه وأنزل عليه سبعا وعشرين صحيفة
عليه وعلى أبيه، وأمره ببناء البيت هو وولده بالحجاز، وأمره بالحج
والعمرة، وكان أول من اعتمر، وأمر بجهاد ولد قابيل إلا أنه لا يبرح بين
تهامة ومكة.
وولد الانوش بن شيث عليها السلام وهو بكره ووصيه، ومن ولد
أتركين ( ١) ابن شيث يغوث ويعوق ونسر وسواع وود، فكان هؤلاء النفر
--------------------
١) لعل الصواب انوش. )
(٧٦)
قوما صالحين، فلما ماتوا حزن عليهم أبناؤهم حزنا شديدا فتمثل لهم إبليس
وصور لهم صورهم من المرمر، وجعلها في بيوتهم ليتذكروا ( ١) بها ويتأنسوا
ويخف حزنهم عليهم، فلما ملكوا ونشأ غيرهم صور عندهم إبليس أنها آلهة
وأن آباءهم كان يعبدونها واستهواهم فعبدوها، وكان عمر شيث سبعمائة سنة
واثنا ( ٢) عشرة سنة، وولد له وهو ابن مائة وخمسين سنة.
وأوصى إلى ابنه قينان وقد كان علمه الصحف وبين له قسمة الأرض،
وما يكون فيها، وأمره بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والحج، وبجهاد ولد
قابيل ففعل ما أمره به أبوه، ومات قينان وله سبعمائة سنة وعشرون سنة.
وأوصى إلى ابنه مهلايل ووصاه بما أوصاه به، وكان عمر مهلايل ثمانمائة
سنة وخمسة وسبعين سنة.
وأوصى إلى ابنه بوارد وعلمه الصحف وعلمه قسمة الأرض، وما يحدث
في العالم ودفع إليه كتاب سر الملكوت الذي علمه مهلاييل ( ٣) الملك لآدم
عليهما السلام وكانوا يتوارثونه مختوما لا ينظرون فيه.
وولد لبوادر وهو ابن مائة سنة ابنه خنوخ، ويقول بعض أهل التاريخ
إنه تم للعالم في وقته ألفان وستمائة سنة وأربع سنين.
وخنوخ هو إدريس النبي عليه السلام ونبأه الله تعالى وسمي إدريس لكثرة
درسه لكتاب الله عز وجل، وسنن الدين وأنزل الله سبحانه وتعالى عليه
ثلاثين صحيفة فكملت الصحف المنزلة يومئذ ثلاثين صحيفة، وعهد بوارد إلى
خنوخ ورفع إليه وصية أبيه وعلمه العلوم التي كانت عنده ودفع إليه مصحف
السر فلم يدفعه بعد شيث غير إدريس عليهما السلام.
وفي بعض الاخبار انه أول من كتب [من ولد] آدم عليه السلام.
وقال آخرون إنه لم يخل قط جيل ولا أمة من الكتابة لان إدريس بدت
--------------------
١) ليتذكرون. )
٢) ب: واثني. )
٣) في ب: وابيل. )
(٧٧)
فيه النبوة وعلم عدة خطوط وامر بجمع المصاحف وتركها في الهيكل وامر بني
آدم وغيرهم بدرسها، وفي بعض الاخبار انهم كانوا يلبسون القمص من فاخر
الحرير والخز وغيرهما من الملونات والمنسوجات بالذهب والمنظومات بالجوهر
ويلبسون التيجان.
وقد كانت حواء أمرت بالنسج والمغزل، فغزلت القطن والكتان والوبر
ونسجت وكست أولادها، وقد لبس آدم عليه السلام من غزل حواء.
ويقال إنه لما ولد إدريس عليه السلام ضعف أمر عبادة الأصنام من أولاد
قابيل، وسقط عظيم من أصنامهم الذين كانوا يعبدونه ويعتكفون عليه
ويذبحون، وكان ملكهم يومئذ يمحويل، فاجتمعوا إليه ليتداولوا فيما ظهر
لهم، فجاءهم إبليس في صورة شيخ قد كثر شيبه، وكان الشيب عندهم عجيبا
لأنهم لم يكونوا رأوه، إذ لم يكن قبل ذلك شيب ولا ظهر لهم إلا بعد نوح
عليه السلام بعد الطوفان.
وقيل أول من شاب إبراهيم عليه السلام، فقال يا رب ما هذا؟ قال وقار،
قال اللهم زدني وقارا.
ويقال إنه أتاهم إبليس في صورة روحاني له جناحان، فقال لملكهم يمحويل
إنه قد ولد الآن لمهلاييل ولد يكون عدوا للآلهة وعدوا للملك، وسبب
فسادها ولذلك أصابكم ما أنتم به مشغولون، فقال يمحويل فهل تقدر على
هلاكه؟ قال سأحرص على ذلك. فوكل الله بإدريس ملائكة يحفظونه، فإذا
أتاهم إبليس ومن معه من جنوده منعوهم منه
وظهر في وقته كوكب من كواكب الذوائب أقام ظاهرا نيفا وثلاثين
يوما، فجعله أبوه سالما الهيكل، وعلمه الصحف، وكان حريصا على دراستها
وعلى الصوم والصلاة حتى شب فنبأه الله عز وجل على رأس أربعين سنة،
فأتاه وراييل الملك يعلمه علم الفلك والكواكب وسعودها ونحوسها وصور
الدرج والبروج
(٧٨)
وقيل إنه أول من نظر في النجوم بعد آدم عليه السلام.
وفي التوراة ان إدريس عليه السلام أحسن خدمة الله فرفعه الله
تعالى إليه.
ولما رأى إدريس بني قابيل في المعاصي وعبادة الأصنام سأل الله ان يرفعه
إليه، وان يطهره من خطاياه فأجابه إلى ذلك، وأوحى الله إليه ان يلازم
الهيكل هو وشيعته أربعين يوما وأوصى إدريس إلى ابنه متوشلخ لان الله
أوحى إليه ان اجعل الوصية في ابنك متوشلخ فاني سأخرج من ظهره نبيا
يرتضي فعله.
فقيل انه رفع إلى السماء السابعة، وقيل إنه كانت له قصة مع ملك
الموت، وقد سأل الله ان يذيقه طعم الموت، ثم سأل الله ان يريه رضوانا
ويدخله الجنة، ففعل. ولم يخرج من الجنة، ورفعه الله وهو ابن مائة
وخمسين سنة.
وأما متوشلخ فأقام مع أخوته وبني أخيه، أمام الهيكل يعبدون الله
تعالى والنقباء السبعون معهم
ولما رفع الله تعالى إدريس عليه السلام كثر الاختلاف بعده والتنازع وأشاع
عليه إبليس أنه هلك، وأنه كان كاهنا أراد الصعود إلى الفلك فأحرق،
وحزن عليه ولد آدم المتمسكون بدينه حزنا شديدا، وأظهر ان صنمهم
الأكبر أهلكه فزاد في عبادة الأصنام وتحليتها والذبائح لها، وعملوا عيدا لم
( يبق أحد إلا حضره وكانت لهم يومئذ سبعة أصنام يغوث ويعوق ونسر ( ١
وود وسواع ومزية وضمر، وسنذكرها عند ذكر المتعبدات.
وانقطع الوحي بعد إدريس عليه السلام، ومات أولئك النقباء، فكلما
مات واحد منهم صور بنوه وأهله صورته في بيت لهم ليذكروه ويستغفروا
--------------------
١) في ب: ونسرا وودا وسواعا. )
(٧٩)
له، وكان متوشلخ أراد فساد تلك الصور فامتنعوا عليه، فلما حضرته الوفاة
أوصى إلى ابنه لمك ومعنى لمك الجامع، وعهد إليه أبوه ودفع إليه الصحف
والكتب المختومة التي كانت لإدريس عليه السلام، وكان عمر متوشلخ
تسعمائة سنة.
وانتقلت الوصية إلى لمك وهو أبو نوح عليهما السلام، وقد كان رأى أن
نارا أخرجت من فيه، فأحرقت العالم ورأى وقتا آخر كأنه على شجرة في
وسط بحر لا غير.
ولما ولد له نوح عليه السلام ذكر العلماء والكهان ذلك ليمحويل الملك
وعرفوه أن العالم يهلك في زمانه وأنه يكون طويل العمر.
وقد كانوا رأوا أنه طوفان يغرق الأرض، فأمر يمحويل أن يبنيا له
المعاقل على رؤوس الجبال، بنيانا عاليا ليتحصنوا بها، فعملوا منها سبعة
معاقل بعدة الأصنام التي كانت لهم وعلى أسمائها، وزبروا عليها شيئا من علومهم
ويقال إن الملك عملها لنفسه خاصة.
وكبر نوح عليه السلام فنبأه الله عز وجل وهو ابن خمسين سنة وأرسله إلى
قومه، وكان من نعته أنه آدم رقيق البشرة، في رأسه طول، عظيم العينين رقيق
الساعدين والساقين، كثير لحم الفخذين طويل اللحية عريضها، طويل، جسيم
وكان حيا بعد إدريس عليهما السلام، وهو من أهل العزم من الرسل.
وفي بعض الاخبار أن عمره ألف ومائتين وخمسين سنة، وأنه لبث في
قومه يدعوهم إلى الايمان ألف سنة إلا خمسين عاما كما قال الله تعالى، وقال من
ينكر طول الأعمار على مذهب الفلاسفة ان حياته لبنيه، وكانت شريعته
التوحيد والصلاة والصيام والحج ومجاهدة أعداء الله من ولد قابيل، وأمر بالحلال
ونهى عن الحرام، ولم يكن فرضت عليه احكام ولا مواريث ولا حدود،
وأمر أن يدعو الناس إلى الله تعالى، ويحذرهم عذابه، ويذكرهم آلاءه.
(٨٠)
وعلى رأس مائتي ( ١) سنة من عمره هلك يمحويل ملك الكفرة وملك بعده
ابنه الدرمشيل، فشدد في عبادة الأصنام، وأعلى أمرها، وجمع الناس إليها،
وأخذهم بالتعبد لها، فأظهر نوح عليه السلام دين الله عز وجل، وكان يدور
[في] محالهم وأسواقهم وهيا كلهم يدعوهم إلى الله تعالى وكانوا ( ٢) يطوون ذلك
عن مليكهم، ويزجرون مع ذلك نوحا ويهددونه، ويهولون عليه، إلى أن
جلت قصته، وعظم أمره، وتحاماه الناس، وتخاطبوا في أمره، إلى أن اتصل
ذلك بمليكهم ( ٣) فأحضره وانتهره، وتقدم إليه أن لا يعاود.
ويقال إن الذي فعل هذا يمحويل، وإنه حبسه، وبعد ثلاث سنين من
حبسه هلك يمحويل.
وولي الدرمشيل، فأخرجه من الحبس، وتقدم إليه أن ينتهى عن إفساد
الدين وسب الآلهة، فكان لكل صنم من أصنامهم الكبار عيد في وقت من
أوقات السنة يحضرون وينحرون له ويطوفون به، فحضر عيد يغوث،
فاجتمع الناس إليه من كل مكان، فأتاهم نوح عليه السلام، فقام في وسطهم
وناداهم أن قولوا لا إله إلا الله، فوضعوا أصابعهم في آذانهم، وأدخلوا
رؤوسهم تحت ثيابهم وسقطت الأصنام عند ندائه عن كراسيها، فوثبوا عليه
فضربوه وشجوه، حتى سقط على وجهه وسحبوه إلى قصر الملك حتى ادخلوه
عليه، وكان في مجلس مزخرف بأنواع الألوان، وبدائع التصاوير والأصباغ،
مفروش برفيع الحرير، على سرير مصفح بالذهب، منظوم بالجوهر.
فلما مثل بين يديه قال له: ألم أعهد إليك وأنهك عن التعرض لشئ من
أمور الآلهة، و [ان] تدعوهم إلى ما لا يعرفونه، وزاد امرك حتى سجدت
--------------------
١) في ب: مائتين. )
٢) في ب: وكان. )
٣) في ب: لميلكهم. )
(٨١)
الآلهة، وألقيتها عن كراسيها، ومواضع شرفها وعزها؟ من علمك ذلك؟
ومن أين وصل إليك؟
فقال له نوح عليه السلام وهو مخضوب بدمائه: لو كانت آلهة لما سقطت،
فاتق الله يا درمشيل، ولا تشرك بالله فإنه يراك! فقال له الملك، فكيف
قدرت أن تخاطبني بهذا الخطاب! فأمر بحبسه إلى أن يحضر عيد الصنم الآخر،
فيذبحه له تقربا به إليه، وأمر برد الأصنام على كراسيها.
وأن الدرمشيل رأى رؤيا هالته في أمر نوح عليه السلام، فأمر باخراجه
وتخلية سبيله، وأخبرهم أنه مجنون لا حرج عليه.
وكان في زمانه سويدين الكاهن فعرفهم بأمر الطوفان، وقرب زمانه،
وكان يأمر بقتل نوح عليه السلام والله يعصمه منهم.
فولد لنوح بعد خمسمائة سنة من عمره سام وبعده حام وبعده يام وبعده
يافث، وطال أمر نوح معهم فلم يؤمن به إلا نفر يسير من العالم، وقيل له
.( أنؤمن بك، واتبعك الأرذلون ( ١
وقيل كانوا من أهل صنعته، وكان صلى الله عليه وسلم نجارا، ومضت لهم ثلاثة
قرون، قرن بعد قرن، ونوح عليه السلام يذكرهم ويدعوهم إلى الله تعالى
فلا يزدادون إلا طغيانا وعتوا و تجبرا واستكبارا، وقتل من كان اتبعه فكان
يدعوهم إلى الله سبحانه فأوحى الله إليه (إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد
آمن) فحينئذ يئس منهم ودعا عليهم، فقال (رب لا تذر على الأرض من
الكافرين ديارا).
وأمر نوح عليه السلام بعمل السفينة وقد قطع الله عن قومه النسل، وكثر
عليهم القحط، وقلت عمارتهم وكانوا يستعينون على عبادتهم بأصنامهم ولا
تنفعهم.
--------------------
١) في الأصل: الازلون، وقد رسمناها كما وردت في القرآن الكريم. )
(٨٢)