الموضوع: محاكمة سقراط
عرض مشاركة واحدة
صورة رمزية إفتراضية للعضو المشترى فى البيت السابع
المشترى فى البيت السابع
عضو
°°°
افتراضي
العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط..

العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط..

تمثل الحقبة التي عاش فيها سقراط نهاية المرحلة الثانية من تطور الفلسفة اليونانية وإنتهاء عصر السوفسطائيين؛ وقد افتتح سقراط بفلسفته مرحلة جديدة في ازدهار الفلسفة اليونانية، ومهَّد لتلميذه أفلاطون تطوير هذه الفلسفة الى مجالات واسعة، انتهت إلى ذروتها على يد تلميذ الأخير أرسطو.

حياته (469-399 ق.م):

سقراط بن سفرنيقوس، ولد في أثينا حـوالي469 ق. م، كـان والـده يشـتغل فـي صـناعة التماثيل، اشتغل سقراط في صباه بصناعة والده، ثم توجه إلـى الفكـر الذي أغرم به، واشتغل بالجدل والحوار، وإثارة المشاكل الفكرية، والشكوك في نفـوس الناس حول القضايا التي أثارها السوفسطائيون.

وقد كان سقراط حكيمًا، امتاز بسرعة الفهم وحدة الذهن، وحضور البديهة والبراعة في إخفاء سخريته، وطبع بمزيج غريب من الـتحكم فـي الـنفس، والمهـارة والحماس وبراعته في المناقشات، والدقة في كشف خداع الناس له.

ولقد ذاع صيت سقراط، واشتهر أمره في زمانه، ورغم ذلك تألَّب الناس عليه لأنه نهى الرؤساء في زمانه عن الشرك وعبادة الأوثان، فاتهموه بالإلحـاد وإنكـار آلهـة اليونان، والدعوة إلى آلهة جدد، وإفساد عقول الشباب، نتيجة ذلك قُدِّم للمحاكمة؛ فحكـم عليه بالإعدام بسقايته سم الشوكران، مات وعمـره سبعين سـنة 399 ق.م.

فلسفة سقراط:

تدور فلسفة سقراط حول موضوع واحد هو الإنسان، وإذا ما تناولـت الكـون الطبيعي وموجوداته الحسية وظواهره؛ فإنما لكونها مركز الإنسان وبيئته، ومكان نشأته ونموه، ويمكن القول بأن الأساسين الكبيرين لكل آرائه هما:

1- اعتقاده بوجود الحقيقة، وبإمكان معرفتها.

2- ربطه العمل بالعلم، أي جعله المعرفة أساسًا للسلوك.

والذي يهمنا من فلسفة سقراط أمران، وهما اللذان يمثلان الصورة المتباينة عن فلسفة السوفسطائيين[1]:

الأول: تحديده لمنهج المعرفة لما يترتب عليه من تحول كبيـر فـي موضـوع الفلسـفة ومنهجها في تاريخ الفكر اليوناني.

الثاني: تحديده لمفهوم الفضيلة لما يترتب عليها من وجهة نظره الأخلاقية.



أولًا: المعرفة:

كان السوفسطائيون يرون أن المعرفة مقصورة على الإحسـاس، وهـي لـذلك تختلف باختلاف الأشخاص، فما يراه الشخص حقًا فهو عنده حـق، وإن رآه الآخـرون بخلافه، لأن الإحساسات تختلف باختلاف الناس.

فلما جاء سقراط أنكر قولهم في المعرفة، وأثبت أن العلم إنما هو في المدركات العقلية، وأن المعرفة تتكون من حقائق كلية، يستخلصـها العقـل لا الحـواس مـن الجزئيات المتغيرة، ولما كان العقل عنصًرا مشتركاً؛ لزم أن تكون الحقيقة عنـد شـخص معين هي نفسها الحقيقة عند شخص آخر، وهكذا.

ثانيًا: الفضيلة:

قال سقراط أن الفضيلة أمر بديهي في أساس تكوين الإنسان، لكن الإنسان حين يخطـيء معاينة الفضيلة يظن الباطل حقًا والشر فضيلة؛ لهذا فإن الحقيقة التي يراها سقراط أنه على الناس إعادة فحص ما هم متيقنون من معرفته.

وذهب سـقراط إلـى الربط بين الفضيلة والمعرفة، فالإنسان الذي يرغب أن يكون فاضلًا فلا بـد أن يكـون عارفًا، وبمقدار ما يتحصل المرء من المعرفة؛ معرفة عن نفسه وما تشتمل عليـه مـن مَلَكات وقوى، ومعرفة عن الكون؛ بمقدار ما يكون المرء فاضلًا.

وذلك لأن معرفة الخير ستدفع إلى فعله، ومعرفة الشر تحض المرء على تركه، والإنسان يبتعد عن فعل الخير ويسـلك الشر لأنه جاهل بالخير والشر.

ويرى سقراط أن الإنسان روح وعقل يُسيِّر الجسم ويدبره، ولـيس مركبـًا مـن الهوى والشهوة كما ذهب السوفسطائيون، وذهب إلى أن القوانين العادلة لا مصدر لها إلا العقل، وهي متفقة مع القوانين غير المكتوبة التي رسمتها الآلهة في قلوب البشر، فمـن يحترم القوانين العادلة إنما هو في الواقع يحترم العقل والنظام الإلهي.

بحثه فيما وراء الطبيعة:

بحث سقراط فيما وراء الطبيعة، فذهب إلى أن النفس ليست مجرد مبدأ الحيـاة، بل هي أهم من ذلك، هي" الذات الأخلاقية"، وقال بخلود النفس، وأقام الأدلة على وجـود الإله، وهو في نظره إله خير لا يدركه العقل، ولا يحيط به الوصف، ولا يصـدر عنه إلا كل صلاح، ولا يشبه الحوادث في قول أو فعل، وأنه واحد لا يتغير ولا يتبدل، والواجب على الإنسان أن يطيع أوامره مهما كلفه من مشقة وتعب[2].

وكان سقراط يتحدث كثيرًا عن "الإله "المفرد أو عن الألوهية، مخالفًا ما يتحـدث به الآخرون بلفظ الجمع" الآلهة"، وكان ينهى عن عبادة الأصنام، وشدد في نهيـه علـى الملك، وقال له: ( إن عبادة الأصنام نافعة للملك ضارة لسقراط، لأن الملك يصلح بها رعيته ويستخرج بها خراجه، وسقراط يعلم أنها لا تضره، ولا تنفعه، إذا كان مُقرًّا بأن له خالقًا يرزقه، وجازيه بما قدم من سيئ أو حسن )[3].

منهجه في البحث والتفكير:

ابتدع سقراط منهجًا جديدًا في التفكير والمحاورة يقوم على أمرين:

-1 التهكم: بناه على تصنُّع الجهـل، والتظـاهر بالتسـليم لوجهـة نظـر الخصوم، ثم الانتقال إلى إثارة الشكوك حولها، ثم يستخلص من آراء الخصوم لوازم لا يستطيعون الالتزام بها، لكونها متناقضة مع آرائهم ومعتقداتهم، وبذلك يوقعهم فـي الحرج والتناقض، وكان قصد سقراط من هذا تنقية أذهان النـاس مـن المعلومـات الفاسدة، وتطهيرها من القضايا الكاذبة والمعارف الخاطئـة التـي ورثوهـا عـن السوفسطائيين.

-2التولد: أي تولد الحقيقة من نفوس الخصوم، من خلال استنباطها عن طريق توجيـه الأسئلة إليهم في نسق منطقي وترتيب فكري، ولم يكن حـواره ينتهـي إلـى نتيجـة معينة، وإنما كان القصد منه تنبيه الأذهان إلى ضرورة التزام الدقة في اختيـار الألفـاظ، وإلى أن المعاني موجودة في النفس، ولا سبيل إلى استخراجها إلا بالحوار.


سقراط والحب والجمال

المكان : أثينا القديمة

الزمان : العام 407 ق.م
المناسبة : مأدبة أقامها الشاعر الأثيني أجاثون لأخلص أصدقائه إحتفالاً بفوزه بالجائزة الأولى لتأليف الدراما المسرحية
بين أحاديث السمر وتبادل الأنخاب ، إنتقلت دفة النقاش إلى موضوع من أحب الموضوعات التي يحلو فيها الحديث للسامرين (الحب) ، فبدأ كل يدلي برأيه فيه وفق فلسفته الخاصة


قال فيدراس الحب هو أقدم الألهة وواحداً من أقواها وأعظمها نفوذاً ، إنه يخلق من الأفراد العاديين أبطالاً بدافع خجل العاشق من إظهار الجبن في حضرة محبوبته .. فلتعطوني جيشاً من العاشقين وأنا الكفيل بأن أغزو به العالم


فقال المتحدث الثاني بوسانياس معلقاً .. هذا صحيح لكن ينبغي أن نفرق بين الحب الأرضي والحب السماوي .. بين الجاذبية بين جسدين من ناحية ، والتجاوب بين روحين من ناحية أخرى ، فعندما تذبل زهرة الشباب يتخذ الحب الجسماني الزائل لنفسه أجنحة ويطير إلى غير رجعة ، أما حب الروح النبيل فهو باق ودائم


وهنا يدخل الشاعر الفكه أريستوفان في الحديث فيأتي بنظرية جديدة في الحب إذ يقول .. في سالف الزمان كان الجنسان متحدين في جسم واحد ، مستدير كالكرة وله أربع أياد وأربع أقدام ووجهان ، وكان هذا الجسم سريع الحركة إلى درجة خارقة ، حيث يستخدم أطرافه الثمانية في الدوران الدائب كالعجلة ، وكان قوته رهيبة وطموحه لا يحد ، فبدأ يدبر الخطة لمحاصرة السموات ومهاجمة الألهة !! لكن زيوس كبير آلهة جبال الأوليمب أحس بالخطر المقترب ففكر في أن يشطر ذلك الجنس إلى شطرين .. إلى رجل وإمرآة كي تضعف قوته وينشغل كل نصف بالسعي إلى نصفه الآخر ! وقد كان ، ومنذ ذلك اليوم صار يلهب كلا من الشطرين شوق مضن إلى الإندماج في شطره الثاني ، وهذا الشوق الذي يجذب كل من الجنسين نحو الجنس الآخر هو ما نسميه الحب


وتلت هذا التفسير الهزلي للحب أراء وتعريفات أخرى لطيفة حتي سئل ضيف الشرف سقراط أن يدلي بدلوه في النقاش فقال .. بعد كل هذه الفصاحة لا أجد ما أقوله إذ كيف يتأتى لغبائي أن يحاجج مثل هذه الحكمة ؟ ، وبعد أن يلقى سقراط عن كاهله العبء بهذا التمهيد المنطوي على تواضع ساخر يستأنف حديثه لينسف بغبائه كل حكمة القوم ويمزق حججهم الواهية بسلسلة من أسئلته المحيرة التي لا جواب لها والتي كان أول من إبتدعها في المناقشة وبرع فيها ، فصارت اليوم أساساً من أسس التربية والتعليم ، وبعد أن يتم له هدم بنائهم المتداعي يشرع في التشييد والبناء على أنقاضه فيطلع على مجالسيه بهذه النظرية الجدية في الحب إذ يقول :


الحب هو جوع النفس البشرية للجمال الألهي ، فالعاشق لا يشتاق فقط إلى العثور على الجمال وإنما يشتاق أيضاً إلى خلقه ومواصلته ببذر بذرة الخلود في الجسد الفاني ، وهذا هو سر حب كل من الجنسين للأخر ، لرغبتهما في إعادة إنتاج نفسيهما من جديد ، وإطالة فسحة الزمن أمامهما إلى الأبد ، وهذا هو أيضاً سر حب الأباء لأطفالهم ، فكما يستمرىء جسم الوالد خلق طفله ، تستمرىء روحه متعة خلق روح جديدة تواصل بعدها حمل مشعل البحث الخالد عن الجمال


ويستطرد سقؤاط متسائلاً .. ما هو هذا الجمال الذي نسعى جميعاً إلى إستمراره عن طريق الحب ؟ إنه الحكمة والفضيلة والشرف والشجاعة والعدل والإيمان ، وبالإختصار فإن الجمال هو الحق ، والحق يقود رأساً إلى الله


وهنا يصفق الحضور للفيلسوف الحافي القديمين ويستمر برنامج سهرتهم حتى الصباح ثم يخرج سقراط ليبدأ جولته اليومية لنشر الحكمة بين أهل أثينا


سُقـــــــــراط
469 – 399 ق م


مازال سقراط، الذي يمكن اعتباره أبا الفلسفة الغربية، شخصية يكتنفها الغموض بشكل عام؛ وذلك عائد، ربما، إلى أنه لم يترك لنا أيَّ أثر مكتوب. فقد عرفناه إما من خلال المشنِّعين عليه كأرستوفانِس في كتابه السحب
Les Nuées
الذين صوَّروه كشخص مثير للسخرية أو كسفسطائي خطير، أو من خلال أتباعه المتحمِّسين.. ككسينوفانِس وأفلاطون وأرسطو، الذين صوَّروه، وفق المنقول المعروف، كـموقظ استثنائي للنفوس وللضمائر
لذلك نرى أفلاطون.. الذي كان تلميذه.. طارحًا عقيدته على لسانه؛ فسقراط كان بطل معظم حوارات هذا الأخير
من تلك الحوارات الأفلاطونية نذكِّر تحديدًا بدفاع سقراط وفيذون، اللذين تَرِدُ فيهما كلُّ المعلومات المتعلقة بحياة أبِ الفلسفة وموته
ونتذكَّر هنا، للطرافة، ما جاء على لسان ألكبياذِس في نهاية محاورة المأدبة، حين قارن بين قبح سحنة سقراط العجوز وبين جمال أخلاقه، مشبهًا إياه بالتمثال المضحك لسيليني الذي كان يتوارى خلفه أحد الآلهة
**********
ولد سقراط في أثينا من أب نحَّات وأمٍّ قابلة؛ وقد مارس في البداية مهنة والده، مكتفيًا بالعيش عيشة بسيطة برفقة كسانتيبي، زوجته التي لا تطاق، حتى وقع ذلك الحدث الذي أيقظ موهبته الفلسفية، حين أخبرت البيثيا، كاهنة هيكل ذلفُس، أحدَ أصدقائه ذات يوم بأن سقراط هو أكثر البشر حكمةً؛ الأمر الذي دفع به، وقد بدا مشكِّكًا في ذلك بادئ الأمر، لأن يندفع في محاولة تلمُّس أبعاد تلك الكلمات التي حدَّدتْ مسار حياته
وهكذا بدأ مسيرته، متلمسًا طريقه من خلال مواطنيه، محاولاً استكشاف مكامن تفوُّقه المفترَض – ذلك المسار الذي أوصله إلى تلك النتيجة التي مفادها أن: كل ما أعرفه هو أني لا أعرف شيئًا، بينما يعتقد الآخرون أنهم يعرفون ما لا يعلمون

تلك الحقيقة التي جعلت من فكره الثاقب أمرًا مزعجًا، حينما يقارَن بالامتثالية الفكرية للكثير من معاصريه.. فقد كانت نقاشاته التي لا تنتهي تلقى اهتمامًا كبيرًا من قبل الشبيبة، مما أثار قلق أولياء الأمور، الذين سرعان ما اتَّهموه بالإلحاد وبالتجديف وبإفساد أبنائهم؛ الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى محاكمته والحكم عليه بالموت – تلك المحاكمة الشهيرة التي حاول سقراط عبثًا الدفاع عن نفسه خلالها
**********
كانت فلسفة سقراط، أولاً وقبل كلِّ شيء، إجابة على طروحات أناكساغوراس، الذي كان يعتقد بأن فطنة الإنسان إنما تعود فقط لامتلاكه يدين.. أدوات عمل
أما سقراط فقد كان يعتقد بأن فطنة الكائن البشري إنما علَّتُها تلك الروح العاقلة القوَّامة على الجسد، والتي تشارك الإله في طبيعته. انطلاقًا من هذه القناعة ومن هذا الاعتقاد انبثق العديد من تعاليمه؛ لأنه إن كانت نفس الإنسان ذات أصل إلهي
ونشير هنا إلى أن سقراط، خلافًا للمعتقدات السائدة، لم يكن يعتقد بأن الآلهة تعاني من انفعالات بشرية، فإنه يصير بوسعنا قبول ذلك المفهوم الداعي إلى ضرورة تفهُّم أفضل للنفس، أي: اعرف نفسك، العبارة المنحوتة على واجهة هيكل ذلفُس، التي اتخذها سقراط شعارًا: حياة لا يُفحَص عنها لا تستحق أن تعاش.. لأن أكثر ما يشدِّد العزيمة، حينما يتعلق الأمر بفناء الجسد، هو الإيمان بخلود الروح
ونشير هاهنا، بالإضافة إلى ما سبق، إلى شجاعة سقراط وهدوئه قبل أن يجرع كأس السمِّ الذي وضع حدًّا لحياته؛ ونستذكر أقواله حين قارن نفسه بالبجعة التي تغني قبل أن تموت، ليس لأنها تخاف الموت، وإنما بدافع ما تتطلَّع إليه من سعادة ومن أمل


**********
يعتقد سقراط أن الكرامة الحقيقية للنفس إنما تنبثق من العلم الذي هو ميراثها الحق. لكن العلم الذي يعتقد به لم يكن يرتكز، كما هي حالنا اليوم، على ظواهر العالم الخارجي
فقد اتخذ سقراط، منذ البداية، موقفًا معارضًا من منظِّري الطبيعة لافتقارهم إلى الحسَّ الإنساني؛ واتخذ أيضًا، في الوقت نفسه، موقفًا معارضًا من مذهب السفسطائيين، الذين لا يمتلكون موهبة الحسِّ العلمي
فقد جمع سقراط بين المبادئ المقبولة للفيزياء وبين إتقان الجدل – جمع ما بين الشكل العلمي للمذهب الأول وبين الهمِّ الإنساني للثاني – جاعلاً من علم الأخلاق في القلب من مسعاه الفلسفي.. لأنه، وفق مفهومه، بات يجب على الروح، التي تخلَّت عن محاولة فهم الكون، الهبوطُ إلى أعماق نفسها، كي تستنبط الحقائق الأساسية الكامنة في تلك الأعماق على شكل حالات بالقوَّة.. الأمر الذي يجعل النفس قادرة على الإحاطة بالمعرفة، بدون أن تقع أسيرة للأشياء الخارجية.. وهذا ما سيبرهن عليه لاحقًا كلٌّ من ديكارت وكانت.. إذ إنه أضحى من واجب العلم الرافض للانفعالات البشرية أن يركِّز على ماهية المعاني المجردة
concepts
التي كان سقراط أول من اكتشف مفهومها. فعن طريق السكينة والاستقرار الداخليين، نتوصل إلى استنباط جوهر الأشياء، ونتمكَّن من التعبير عنه بواسطة التعريفات
وكان هذا ما فعله سقراط – ممهدًا بذلك الطريق للنظرية الأفلاطونية التي ستليه – حين حاول، على سبيل المثال، تعريف مفهومي: الشجاعة والصداقة

lysis ; lachès
**********

وبما أن موهبة فنَّ العيش السليم، كطريق إلى السعادة.. والخير هو السعادة وفق المأثور القديم، مرتبطة بمعرفة النفس، فإنها، متجاوزةً حذاقة السفسطائيين، تكشف ضلال البشر الذين لا يهتمون، في معظم الأحوال، إلا بالأشياء التافهة الزائلة.. كالثروة، والسمعة، إلخ، ويتجاهلون ما هو أساسي، أي الحقيقة الكامنة في نفوسهم
وتبدأ المعرفة، بحسب سقراط، بفعل تطهُّر.. سبق أن دعا إليه الأورفيون والفيثاغوريون، يُظهِر، من خلال التخلُّص من الأفكار المسبقة بإظهار بطلانها، مختلف الخصال الحميدة.. كالاعتدال، والعدالة، إلخ؛ تلك التي، إنْ أحسن المرء استعمالها، تتحول إلى فضائل؛ إذ: لا أحد شرير باختياره، وإنما بسبب الجهل
هذا وترفض طريقة سقراط لبلوغ المعرفة كلَّ وحي يتجاوز العقل – فـ"شيطان" سقراط هو في المقدرة على الإقناع، وليس في الإبداع – وتعتمد الجدلية

dialectique
لأن هذه الأخيرة، عِبْر مرحلتيها اللتين هما التهكُّم والتوليد.. الذي هو، على طريقة سقراط، استيلاد الحقيقة من النفس
maïeutique
تسمح – وسط أجواء من الصداقة – باستخلاص نقاط التلاقي بين المتحاورين، أي الحقائق الكونية المتعارَف عليها وفق متطلَّبات المنطق

**********

لقد كان سقراط بحق مؤسِّس فلسفة الأخلاق وأول منظِّر للعقلانية.. الأمر الذي سيُكسِبُه عداء نيتشه
كما كان داعية إلى حرية الرأي والتفكير الفردي؛ مما جعل منه، بالتالي، مثالاً يُحتذى في كلِّ موروث فلسفي لاحق


**********

عن قاموس ناثان الفلسفي
تأليف جيرار دوروزوي وأندريه روسيل
تعريب: أكرم أنطاكي