عرض مشاركة واحدة
الصورة الرمزية النّجف الأشرف
النّجف الأشرف
عضو
°°°
افتراضي
الباب الثاني فيما نذكره من الرد على من زعم أن النجوم علة موجبة أو فاعلة مختارة
أقول قد قدمت في خطبة هذا الكتاب من التنبيه على الصواب و من الجواب ما يكفي عند ذوي الألباب و أنا أزيده تفصيلا فأقول لو كانت الأفلاك و الشمس و القمر و النجوم عللا موجبات و أن كلما في العالم صادر عنها من سائر الموجودات كان قد استحال أن يوجد في العالم حيوان مختار و قد علمنا بالضرورة و البديهة عند ذوي الاعتبار أن الإنسان فاعل مختار بل علمنا كثيرا من الحيوانات أنها مختارة لأن العلل و المعلولات تضاد الأفعال المختارات و لأنا وجدنا اختيارات الحيوانات مختارات في المرادات فلو كانت صادرة عن مختار باختيار غير قادر على غيره ما أمكن وقوع الحيوانات المختلفة الاختيارات فثبت أنها صادرة عن مختار لذاته قادر على كل اختيار يقدر أن يصدر عنه .

و قال الشيخ الفقيه العالم الفاضل العارف بعلم النجوم المصنف بها عدة مصنفات أبو الفتح محمد بن عثمان الكراجكي رحمه الله في كتاب كنز الفوائد في الرد على من قال إن الشمس و القمر و النجوم علل موجبات ما هذا لفظه : اعلم أنهم سئلوا عن مسألة حيرتهم و أظهرت
[61]
عجزهم و أخرستهم فقيل لهم إذ كان سائر ما في العالم من النفع و الضرر و الخير و الشر و جميع أفعال الخلق و الشمس و القمر و النجوم واجبة و هي علته و سببه و ليس داخل الفلك غير ما أثرت و لا فعل لأحد يخرج به عما أوجبت فما الحاجة إلى الاطلاع على الأحكام و أخذ الطوالع عند المواليد و عمل الزوائج و تحويل السنين قالوا الحاجة إلى ذلك حصول العلم بما سيكون من حوادث السعود و النحوس قيل لهم و ما المنفعة بحصول هذا العلم فإن الإنسان لا يقدر أن يزيد فيه سعدا و لا ينقص منه نحسا مما أوجبه مولده فهو كائن لا مغير له فمنهم من استمر على طريقه و بنى على أصله فقال ليس في ذلك أكثر من فضيلة العلم بالحادثات قبل كونها فقيل له ما هذه الفضيلة المدعاة في علم لا ينال به مكتسبه نفعا و لا يدفع به عن نفسه و لا عن غيره ضرا و ما هذا العناء في اكتساب ما لا ثمر له و الجاهل به كالعالم في عدم المنفعة منه و سئلوا أيضا عن هذا الاكتساب و سببه و هل الفلك موجبة أو غير موجبة فلم يرد منهم ما يتشبث العاقل به و منهم من تعذر عليه عند توجه الإلزام فأنزله الإحجام درجة عن قول أصحاب الأحكام فقال بل للعلم تأثير في اكتساب نفع كثير و هو أن يتعجل الإنسان بالسعادة و يتأهب لها فيكون في ذلك مادة فيها و يتحرز من النحاسة و يتوفاها فيكون بذلك دفعا لها أو نقصا منها فقيل له ما الفرق بينك و بين من عكس عليك قولك فقال بل المضرة باكتساب هذا العلم حاصلة و الأذية إلى معتقده واصلة و ذلك أن متوقع السعادة و المسارة معه قلق
[62]
المتوقع و حرقه الانتظار ففكره متقسم و قلبه معذب يستعيد قرب الساعات و يستطيل قير الأوقات شوقا إلى ما يرد و تطلعا إلى ما وعد و في ذلك ما يقطعه عن منافعه و يقصر به عن حركاته في مطامعه اتكالا على ما يأتيه و تعويلا على ما يصل إليه و ربما أخلف الوعد و تأخر السعد فليست جميع أحكامكم تصيب و لا الغلط منكم بعجيب فتصير المضرة حسرة و المنفعة مضرة فأما متوقع المنحسة فلا شك أنه قد تعجلها لشدة رعبه بقدومها و عظم هلعه بهجومها فهو لا ينصرف بفكره عنها فيجعلها أكبر منها فحياته منغصة و نفسه متغصصة و قلبه عليل و تغممه طويل لا يهنيه أكل و لا شرب و لا يسليه عذل و لا عتب ضعيف النبضات فاتر الحركات إذا احترز لا ينفع و ربما كان احترازه لا ينتفع فهذا القول أشبه بالحق مما ذكرتم و هو شاهد يلزمكم الإقرار به إن أنصفتم و نحن الآن نعترف في مقابلتكم به و لا نطالبكم بشي‏ء من موجبة و نعود إلى دعواكم التي ذكرتموها فنقول سائلين لكم عنها أخبرونا عن هذه المسرة التي تحصل للعالم و التأهب الزائد في السعد الواصل و عن هذا الاحتراز من المنحسة و التأني من المضرة و المهلكة هل جميع ذلك مما توجبه و تقضي به الكواكب أم هو عن أحكامها خارج مضاف في الحقيقة إلى اختيار الحي القادر فرأوا أنهم إن قالوا مما توجبه الكواكب و تقضي بكونه أحكام الفلك في العالم قيل لهم فيكون ذلك سواء اطلع الإنسان على أحكام النجوم أم لم يطلع و سواء عليه اهتم لمولده و تحويل سنته أم لم يهتم فعرجوا عن هذا و قالوا إن أفعالنا
[63]
منفصلة عما يوجبه الفلك فينا فتصح بذلك الزيادة و النقص الذي قلنا قيل لهم لقد نقضتم أصولكم و خرجتم عن قوانين علمائكم فيما أقررتم به من جواز أفعال يحيط بها الفلك ليست حادثة من جهته و لا من تأثير كواكبه و ما نراكم قنعتم بهذا الإقرار حتى جعلتم الأفعال البشرية واقعة لما توجب إلا قضية النجومية و مانعة مما تؤثر الحركات الفلكية بقولكم أن الإنسان يمكن أن يحترز من المنحسة فيدفعها أو ينقص منها ما سلطته لها فلو لا أن فعله أقوى و احترازه أمضى لم يرفع عن نفسه سوءا ثم سئلوا أيضا فقيل لهم إذا سلمتم أن أفعال العباد مختصة بهم و ليست مما توجبه النجوم فيهم و أنتم مع هذا تقولون للإنسان أحذر على مالك من طروق سارق فقد أقررتم أن حذره من تأثير المختص به فأخبرونا الآن عن طروق السارق و ما الموجب له فإن قلتم النجوم رجعتم عما أعطيتم و رددتم إليها أفعال العباد و نافيتم و إن قلتم إن طروق السارق مختص به و لا موجب له غير اختياره أجبتم بالصواب و قيل لكم فما نرى للنجوم تأثيرا في هذا الباب و اعلم أيدك الله أنهم لم يبق لهم ملجأ إلا أن ينزلوا عن قول أصحابهم درجة أخرى فيقولون إن النجوم دالة و ليست بفاعلة و علامة غير ملجئة فإذا قالوا ذلك انصرفوا عمن يقول إنها موجبة قادرة و أبطلوا دعواهم أنها مدبرة و قيل لهم أ فتقولون كل أمر تدل عليه فإنه سيكون لا محالة فإن قالوا نعم نقضوا ما تقدم و إن قالوا قد يجوز أن يحرم تداولها و يحرم ما دلالته عليه مهما لم تبق بعد هذا درجة ينتهون إليها و اقتصروا على مقالة لا يضرك
[64]
مناقشتهم فيها و أنا أخبرك بعد هذا بطرق من بطلان أفعالهم و نكت من إفساد استدلالهم و الأغلاط التي تمت عليهم فاتخذوها أصولا لأحكامهم اعلم أن تسمية البروج الاثني عشر بالحمل و الثور و الجوزاء إلى آخرها لا أصل لها و لا حقيقة و إنما وضعها الراصدون لهم متعارفا بينهم و كذلك جميع الصور التي عن جنبي منطقة البروج الاثني عشر و غيرها و الجميع ثمان و أربعون صورة عندهم مشهورة و علماؤهم معترفون بأن ترتيب هذه الصور و تشبيهها و قسمة الكواكب عليها و تسميتها صنعه متقدموهم و وضعه حذاقهم الراصدون لها و قد ذكر أبو الحسين عبد الرحمن بن عمر الصوفي ذلك و هو من جلتهم و له مصنفات لم يعمل مثلها في علمهم و قد بينه في الجزء الأول من كتابه المعمول في الصور و قد ذكر رصد الأوائل منهم الكواكب و أنهم رتبوها في المقادير و العظم لست مراتب و بين أنهم الفاعلون لذلك ما أنا مبينه على حقيقة و ناقله من كتابه و هو أنهم وجدوا من هذه الكواكب التي رصدوها تسعمائة و سبعة عشر كوكبا ينتظم منها ثمان و أربعون صورة كل صورة تشتمل على كواكبها و هي الصور التي أثبتها بطليموس في كتابه المجسطي بعضها في النصف الشمالي من الكرة و بعضها على منطقة البروج التي في طريقه الشمس و القمر و الكواكب السريعة السير و بعضها في النصف الجنوبي ثم سموا كل صورة باسم الشي‏ء المشبه لها بعضها على صورة الإنسان مثل كواكب الجوزاء و كواكب
[65]
الجاثي على ركبتيه و بعضها على صورة الحيوانات البرية و البحرية مثل الحمل و الثور و السرطان و الأسد و العقرب و الحوت و الدب الأكبر و الدب الأصغر و بعضها خارج من شبه الإنسان و سائر الحيوانات مثل الإكليل و الميزان و السفينة و ليس ترتيبهم لها و تسميتهم إياها و ما فعلوه فيها لدليل و ذكر عذرهم في ذلك فقال و إنما أنهوا هذه الصور و سموها بأسمائها و ذكروا كوكبا من كل صورة ليكون لكل كوكب اسم يعرف به إذا أشاروا إليه و ذكروا موضعه من الصورة و موقعه في فلك البروج و مقدار عرضه في الشمال و الجنوب على الدائرة التي تمر بأوساط البروج لمعرفة أوقات الليل و النهار و الطالع في كل وقت و أشياء عظيمة المنفعة تعرف بمعرفة هذه الكواكب و هذا آخر الفصل من كلامه في هذا الموضع و هو دليل واضح على أن الصور و الأشكال و الأسماء و الألقاب ليست على سبيل الوجوب و الاستحقاق و إنما هي اصطلاح و اختيار و لو عزب عن ذلك إلى تشبيه آخر لأمكن و جاز ثم إنهم بعد هذا الحال جعلوا كثيرا من الأحكام مستخرجا من هذه الصور و الأشكال و منتسبا إلى الأسماء الموضوعة و الألقاب حتى أنهم على ما ذكروه على نحو واجب و دليل عقل ثابت فقالوا إن الحكم على الكسوف على ما حكاه ابن هبنتي عن بطليموس أنه إن كان البرج الذي يقع فيه الكسوف من ذوات الأجنحة
[66]
مثل العذراء و الرامي و الدجاجة و النسر الطائر و ما أشبهها فإن الحادث في الطير الذي يأكل الناس و إن كان الحيوان مثل السرطان و الدلفين فإن الحادث في الحيوانات البحرية أو النهرية و هذه فضيحة عظيمة و حال قبيحة أ فما يعلم هؤلاء القوم أنهم هم الذين جعلوا ذوات الأجنحة بأجنحة و الصور البحرية بحرية و أنهم لو لا ما فعلوه لم يكن شي‏ء مما ذكروه فكيف صارت أفعالهم التي ابتدعوها و تشبيهاتهم التي وضعوها موجبة لأن يكون حكم الكسوف مستخرجا منها و صادرا عنها و هذا يؤدي إلى أنهم المدبرون للعالم و أن أفعالهم سبب لما توجبه الكواكب .

و لم يقنع ابن هبنتي بهذه الجملة حتى قال في كتابه المعروف بالمغني و هو كتاب نفيس عندهم قد جمع فيه عيون أقوال علمائهم و ذوي الفضيلة منهم رأيته بدار العلم في القاهرة بخط مصنفه قال فيه : إن وقع الكسوف في المثلث في أي الدرج التي تحتوي عليه دل ذلك على فساد أصحاب الهندسة و العلوم اللطيفة و هذا المثلث أيدك الله هو من كواكب على شكل مثلث لأن في السماء عدة مثلثات و مربعات مما هو داخل في الصورة التي ألفوها و خارج عنها فكيف صار الحكم مختصا هذا دونها و ما نرى العلة فيه إلا تسميتهم له بذلك فكان سببا لوقوع أهل الهندسة في المهالك قال ابن هبنتي و إن كان الكسوف في الكأس دل على فساد الأشربة و هذا أعجب من الأول و ذلك أن الكأس عندهم من سبعة كواكب شبهوها بالكأس و بالباطية أيضا فإن كان الحكم الذي ذكروه إنما
[67]
اختص بذلك من أجل التشبيه و التسمية فإن هذه الكواكب بأعيانها قد شبهتها بالمعلف و سميتها بهذا الاسم فكيف صار تشبيه المنجمين و تسميتهم لها بالكأس أولى من أن يكون تشبيه العرب لها بالمعلف و تسميتهم لها بهذا الاسم موجبا لانصراف الحكم فيها إلى الدواب اللهم إلا أن يقولوا إن المعول على تشبيهها للمنجمين دونهم فلا اعتراض قال ابن هبنتي و قد شاهدنا بعض الحذاق من أهل هذه الصناعة قد نظر في مولد إنسان من الأصاغر فوجد النسر الطائر في درجة وسط السماء فقال يكون بإزاء دار الملك و زعم أن الأمر كما ذكر و هذا يؤكد ما ذكرناه من تعويلهم على الأسماء و الصور المعروفة من اصطلاح البشر .

و قد أطلعت أنا في مولد فوجدت فيه الكواكب التي يقولون إنها النسر الطائر في وسط السماء فلم يدل من حال صاحبه على نظيرها قال ابن هبنتي : و كان هذا الرجل فقيرا فأثري و لم أره قط إلا ماقتا لأنواع الطير غير معتبر لشي‏ء منها في حالتي الفقر و الغنى فإن صدق ابن هبنتي فيما ذكر فما هو إلا عن شي‏ء لا أصل له يصح بعضه فيوافق الظنون و يبطل بعضه فلا يكون فإن كان اختلافه في حال لا يدل على بطلان حكمهم فاتفاقه في حال أخرى لا يدل على صحة حكمهم و جزمهم و من هذيانهم أيضا الموجود في عيون كتبهم و المأثور من أحكامهم قولهم إن الحمل و الثور يدلان على الوحوش و كل ذي ظلف و الجدي مشترك بينهما و الأسد و النصف الأول من القوس يدلان على كل ذي ناب
[68]
و مخلب و إنما ذكروا نصف القوس لأن صورته التي ألفوها و شبهوها صورة دابة و إنسان فجعلوا النصف الأول للوحوش و النصف الآخر للناس قالوا و السرطان و العقرب يدلان على حشرات الأرض و الثور للغرس و السنبلة للبذر و هذا كله قياس على الصور و الأسماء التي لم يوجبها العقل و لا أتاهم بها خبر من الله تعالى في شي‏ء من النقل و إنما هو من اختيارهم و قد كان يمكن غيره و يجوز خلافه و تركه قالوا و من يولد برأس الأسد يكون فتن الغم فمن شبه تلك الكواكب بصورة الأسد غيركم و من سماها بهذا الاسم سواكم و كيف لم تقولوا إنها الكلب أو تشبهوها بغير ذلك من دواب الأرض هذا أيدك الله و الصور عندهم لا تثبت في مواضعها و لا تستقر على إقامتها فصورة الحمل التي يقولون إنها أول البروج قد تنتقل إلى أن تصير البرج الثاني و يصير البرج الأول الحوت و هذا عندهم هو القول الصحيح لأن الكواكب عندهم كلها تتحرك إلى جهة المشرق بخلاف ما يتحرك بها الفلك و الخمسة المضافة إلى الشمس و القمر هي السريعة السير و حركاتها مختلفة في الإبطاء و السرعة و بقية الكواكب متحرك عندهم بحركة واحدة خفيفة بطيه و لخفاء حركتها سموها الثابتة و هي على رأي بطليموس و من قبله في كل مائة سنة تتحرك درجة واحدة و على رأي أصحاب سمين و من رصد في أيام المأمون و حسب في كل ست و ستين سنة درجة و الصوفي يقول في كتاب الصور إن مواضع هذه الصور التي كانت على منطقه فلك البروج كانت منذ
[69]
ثلاثة آلاف سنة على غير هذه الأجسام و إن صورة الحمل كانت في القسم الثاني عشر و صورة الثور كانت في القسم الأول و كان يسمى القسم الأول من البروج الثور و الثاني الجوزاء و الثالث السرطان و لما جددت الإرصاد في أيام طيموخارس وجدوا صورة الحمل قد انتقلت إلى القسم الأول من القسم الثاني عشر الذي هو بعد منطقة التقاطع فغيروا أسماءها فسموا القسم الأول الحمل و الثاني الثور و الثالث الجوزاء قال و لا يخالفنا أحد في أن هذه الصور تنتقل بحركاتها على مر الدهور من أماكنها حتى تصير صورة الحمل في القسم السابع الذي للميزان و الميزان في القسم الأول الذي هو للحمل فيسمى أول البروج الميزان و الثاني العقرب ثم مر في كلامه موضحا عما ذكرناه من تنقلها الموجب لتغير أسماء بروجها و هم مجمعون على أن الكوكبين المتقاربين المعروفين بالشرطين على قرني الحمل هما أول منازل القمر فيجب أن يكون أول البروج الاثني عشر و من امتحنهما في وقتنا هذا و هو سنة ثمان و عشرين و أربع مائة للهجرة الموافقة لسنة ألف و ثلاث مائة و ثمان و أربعين لذي القرنين وجد أحدهما في عشرين درجة من الحمل و الآخر في إحدى و عشرين منه أعني من البرج الأول و يعرف ما ذكرته من كانت له خبرة و عناية بهذا الأمر فأي برج من البروج الاثني عشر يبقى على صورة واحدة و كيف ثبت الحكم الأول بأنه دال على الوحوش و على كل ذي ظلف و قد انتقلت إليه أكبر صورة الحوت و كذلك حال جميع البروج فافهم هذا فإنه طريف .

[70]
و من عجيب غلطهم في الأسماء الدالة على عدم معرفتهم بمعانيها أنهم سمعوا العرب التي تسمي الكواكب التي عن جنوب التوأمين الجوزاء فلم يفهموا هذا الاسم و ظنوا أنه مشتق من الجوز الذي يؤكل فرأوا من الرأي أن يسموا النسر الواقع مع الكواكب الغربية من اللوز قياسا على الجوزاء و هذا من الغاية في الجهل و العناد و ليس تقوله إلا شيوخهم و مصنفو الكتب منهم و من اطلع في ذكرهم الصور الثمان و الأربعين وقف على صحة ما حكيته عنهم فهل سمع أحد قط بأعجب من هذا الأمر .

و إنما سمت العرب هذه الكواكب بالجوزاء لتوسطها إذا ارتفعت أو لأنها تشبه رجلا في وسطه منطقة فاشتقوا لها اسما من التوسط يقولون جوز الفلا يعنون وسطه و من قولهم الدال على فساد أحكامهم أن كل درجة من درج الفلك ستون دقيقة و كل دقيقة ستون ثانية و كل ثانية ستون ثالثة و هكذا إلى ما لا نهاية له و لكل جزء من هذه الأجزاء التي لم تنحصر حكم مختص به و لا ينضبط فكيف يصح الحكم على هذا الأصل و ليس في أيديهم إلا الجمل التي تفاضلها يختلف .

و قد ولد لي ولدان توأمان ليس بين ظهورهما من الفرق و الزمان بقدر ما يبين الأسطرلاب فاشتركا في درجة واحدة من طالع واحد في نصبه و لم يدرك فيهما التغيير و لو قلت إنهما اشتركا في الدقيقة لصدقت فلما رأيت ذلك قلت هذه حالة في الجملة قد اتفقت فيها النصبة و في غاية ما يمكن إدراكه بالآلة فإن الحكم على الحمل يوجب أن تكون حالة هذين المولودين متماثلة فلا و الله
[71]
ما تماثلت صورتهما و لا أحوالهما و لا صحتهما من سقمهما و لقد مات أحدهما بعد ولادته بأيام و مات الآخر و امتدت بعمره الأعوام أسأل الله السعد التام .

و لقد سألت بعضهم عن هذا الحال فقال لي النمودار يخرج لك الفرق بين المولودين فقلت له الذي عرفت من علمائكم أنهم لا يقولون على النمودار إلا عند عدم الرصد فمتى حصل الرصد أغني عنه و يوضح ذلك أنكم تقولون في عمل النمودار خذ ساعات الحزر و لا يكون الحزر إلا عند عدم الرصد و إذا كان الرصد هاهنا لم يخط الحقيقة و لا أتاه الفرق فبان بأن لا يعطيه النمودار بعد الرصد .

و قلت له أيضا : لست أشك في كثرة الاختلاف بينكم في كل أصل و فرع و على كل وجه فإنما يعمل النمودار بين الساعات سواء كانت عند رصد أو حزر و قد كانت ولادة هذين التوأمين في ساعة واحدة لم يصح فيها الفرق فما الحيلة في هذا الأمر فخلط في ذلك و لم يأت بشي‏ء يفهم .

و اعلم أيدك الله أن نمودار واليس يخالف نمودار بطليموس و نمودار الفرس يخالفهما جميعا و ليس في ذلك ما يتفق عليه و لا يؤدي إلى أمر متفق و لا يدل على صحة واحد منها العقل و جميعها دعاوي لا يعلم لها أصل و لو تتبعت مواضع اختلاطهم و ذكرت ما أعرفه من تناقض أصولهم المبطلة لأحكامهم لخرجت عن الغرض في الاختصار و فيما أوردته غنى عن الإكثار .

[72]
و أنا أذكر لك بعد هذا مقالتنا في النجوم و ما نعتقده فيها لتعرف الطريقة في ذلك فتعتمد عليها اعلم أيدك الله أن الشمس و القمر و النجوم أجناس محدثة من جنس هذا العالم مؤلفه من أجزاء تحلها الأعراض و ليست فاعلة في الحقيقة و لا ناطقة و لا حية قادرة و قال شيخنا المفيد رضوان الله عليه أنها أجسام نارية فأما حركاتها فهي فعل الله تعالى فيها و هو المحرك لها و هي من آيات الله الباهرة لخلقه و زينة في سمائه و فيها منافع لعباده لا تحصى و بها يهتدي السائرون برا و بحرا قال الله تعالى وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ و فيها للخلق مصالح لا يعلمها إلا الله تعالى فأما التأثير المنسوب إليها فإنا لا ندفع كون الشمس و القمر مؤثرين في العالم و نحن نعلم أن الأجسام و إن كان لا يؤثر أحدها بالآخر إلا مع مماسة بينهما بأنفسهما أو بواسطة فإن للشمس و القمر شعاعا متصلا بالأرض و ما عليها يقوم مقام المماسة و تصح به التأثيرات الحادثة و من ذا الذي ينكر تأثير الشمس و القمر و هو مشاهد و إن كان تأثير الشمس أظهر للحس و أبين من تأثير القمر في الأزمان و البلدان و النبات و الحيوان و أما غيرهما من الكواكب فلسنا نجد لها تأثيرا يحس و لا نقطع على وجوبه بالعقل و هو أيضا ليس من الممتنع المستحيل بل هو من الجائز في العقول لأن لها شعاعا متصلا في الأرض و إن كان من دون شعاع الشمس و القمر فغير منكر أن يكون لها تأثير خفي على الحس خارج عن أفعال الخلق فإن كان لها تأثير كما يقال فتأثيرها مع تأثير الشمس و القمر في الحقيقة من أفعال الله
[73]
تعالى و ليس يصح إضافته إليها إلا على وجه التوسع و التجوز كما نقول أحرقت النار و برد الثلج و قطع السيف و شج الحجر و كذلك قولنا أحمت الشمس الأرض و نفعت الزرع و في الحقيقة أن الله أحمى لها و نفع و مما يدل على أن الله تعالى يشغل شيئا بشي‏ء قوله سبحانه هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ و ليس فيما ذكرناه رجوع إلى قول أصحاب الأحكام و لا قول بما أنكرناه عليهم في متقدم الكلام لأنا أنكرنا عليهم إضافة تأثيرات الشمس و القمر إليهما من دون الله سبحانه و قطعهم على ما جوزناه من تأثيرات الكواكب بغير حجة عقلية و لا سمعية و إضافتهم إليها جميع الأفعال في الحقيقة مع دعواهم لها الحياة و القدرة و أنكرنا أن تكون الشمس أو القمر أو شي‏ء من الكواكب موجبا لشي‏ء من أفعالنا بشهادة العقل الصحيح فإن أفعالنا لو كانت مخترعة فينا أو كانت عن سبب أوجبها من غيرنا لم تصح بحسب قصودنا و إراداتنا و لا كان فرق بينها و بين جميع ما يفعل فينا من صحتنا و سقمنا و تأليف أجسامنا و حصول الفرق لكل دلالة على اختصاصها بنا و برهان واضح بأنها حدثت من قدرتنا و أنه لا سبب لها غير اختيارنا و أنكرنا عليهم قولهم أن الله تعالى لا يفعل في العالم فعلا إلا و الكواكب دالة عليه فإن كل شي‏ء يدل عليه لا بد من كونه و هذا باطل يثبت لها تأثيرا أو دلالة فإن الله أجرى تلك
[74]
العادة و ليس يستحيل منه تغير تلك العادة لما يراه من المصلحة و قد يصرف الله تعالى السوء عن عبده بدعوة و يزيد في أجله بصلة رحم أو صدقة فهذا الذي ثبتت لنا عليه الأدلة و هو الموافق للشريعة و ليس هو بملائم لما يدعيه المنجمون و الحمد لله و أنكرنا عليهم اعتمادهم في الأحكام على أصول مناقضة و دعاوي مظنونة متعارضة و ليس على شي‏ء منها بينة فإن كان لهذا العلم أصل صحيح على وجه يسوغ في العقل و يجوز فليس هو ما في أيديهم و لا من جملة دعاويهم و قد قال شيخنا المفيد رضوان الله عليه إن الاستدلال بحركات النجوم على كثير مما سيكون ليس يمتنع العقل منه و لا يمنع أن يكون الله عز و جل علمه بعض أنبيائه و جعله علما على صدقه هذا آخر ما ذكره الكراجكي رضوان الله عليه في كتابه و نعتقد أنه اعتمد عليه و قد قدمنا نحن فصلا منفردا حكينا فيه كلام الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان رضوان الله جل جلاله عليه في كتابه المسمى كتاب أوائل المقالات و نبهنا على ما فيه الموافقة لنا على أن النجوم يصح أن تكون دلالة على الحادثات و أنها من المعلوم المباحات .

يقول أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس مصنف هذا الكتاب و من أبلغ ما وقفت عليه في معارضة المنجمين في تصانيف متأخري علماء الأصحاب ما ذكره شيخ المتكلمين في زمانه محمود بن علي الحمصي رضوان الله عليه و هو ممن وصل العراق
[75]
للحج و ألزمه جدي ورام بن أبي فراس قدس الله روحه و نور ضريحه بالإقامة سنة و قرأ عليه و بالغ في الإحسان إليه و كلامه عندنا الآن في مجلد فيه مهمات مسائل قد سأله عنها جملة من الأعيان و عليها خطه رحمه الله بأنها قرأت عليه و قد اعترف أيضا بما يتعلق في النجوم من جهة الحساب و أنكر كون النجوم علة موجبة أو فاعلة مختارة أو مؤثرة كما قررناه سواء فقال في صحة حساب النجوم ما هذا لفضه : و أقول إنا لا نرد عليهم فيما يتعلق في الحساب من تسيير النجوم و اتصالاتها التي يذكرونها فإن ذلك مما لا يهمنا و لا هو مما يقابل بإنكار ورود أقول أنا فهذا منه رحمه الله بأن حسابها لا يقابل بإنكار ورود ثم قال لما انتهى إلى إبطال أن النجوم علة أو مختارة و ذكر وجوها صحيحة لكنها على طريقة المتكلمين في إطالة الألفاظ و التعقيد على السامعين و الذي ذكرناه في كتابنا هذا من إبطال كونها علة أو مختارة واضح للخواص و العوام قريب إلى الأفهام و زاد في إبطال كون النجوم علة ما معناه إن قال و يبطل بكل ما يبطل دعوى المجبرة بأننا غير مختارين و ذكر من جواباته هو و طرقه في أن النجوم ما هي علة موجبة و لا فاعلة مختارة ما لا حاجة إلى ذكره و الذي ذكرناه ما يحتاج إلى تعب عند العارفين ثم لما أبطل أحكام النجوم بكونها علة و مختارة سأل نفسه فقال ما هذا لفظه فإن قيل كيف تنكرون و قد علمنا أنهم يحكمون بالكسوف و الخسوف و رؤية الأهلة و يكون الأمر على ما يحكمون في ذلك و كذا يخبرون عن أمور مستقبلة تجري على الإنسان
[76]
فتجري تلك الأمور على ما أخبروا عنها فمع الوضوح للأمر الذي ذكرناه كيف تدفع الأحكام .
ثم قال رحمه الله في الجواب ما هذا لفظه قلنا إن إخبارهم في الكسوف و الخسوف و رؤية الأهلة ليس من باب الأحكام و إنما هو من باب الحساب لأنهم يعلمون من طريق الحساب أن الشمس متى يكون هذا باجتماعها مع القمر في موضع إحدى العقدتين الرأس و الذنب يرتفع هنالك العرض بينهما فتتوسط الأرض بينهما فينقطع نور الشمس عنه فيبقى بلا ضوء إذ هو يستمد الضوء و النور من الشمس و ذلك هو الخسوف و يعلمون من طريق الحساب أيضا مقدار أقل الإبعاد بين الشمس و القمر عند انصرافه عن المحاق الذي يكون القمر معه مرئيا و لا يكون بدونه مرئيا فيخبرون به و هذا من باب الحساب لا من باب الحكم إنما الحكم أن يقولوا إن كان كسوف أو خسوف كان من الحوادث كذا و كذا أقول لعل الشيخ العالم الحمصي رحمه الله اكتفى بهذا الكلام بما قدمناه و إلا فكيف يقول مثله مع فضله إن هذا ليس من هذا الباب و قد قال حكموا في حسابهم بالكسوف و الخسوف و رؤية الأهلة في وقت معين يصح الحكم بذلك و أما قوله إنما الحكم أن يقولوا إذا كان كسوف أو خسوف كان من الحوادث كذا و كذا فأقول إن هذا الذي ذكره يكون حكمه حكم الأول و فرعا عليه و كلاهما يسمى حكما عند الإنصاف مع أنهم يحكمون بحوادث عند الكسوف و الخسوف فلا أرى كلامه في هذا الباب متناسبا لما كان عليه من العلوم المشهورة بين ذوي الألباب

[77]
إلا أن يكون له كلام و لم نره و ما ذكرناه هاهنا فليس بصواب ثم قال الحمصي رحمه الله ما هذا لفظه فأما الأمور المستقبلة التي يخبرون عنها فأكثرها لا يقع على ما يقولون منها و إنما يقع قليل منه بالاتفاق و مثل ذلك يقع لأصحاب الفأل و الزجر الذين لا يعرفون النجوم بل للعجائز اللاتي يتناقلن بالأحجار و الذي قد يخبر به المصروع و كثير من ناقصي العقول عن أشياء فيتفق وقوع ما يخبرون عنه أقول و هذا أيضا يستحيل أن يكون ذكره معتقدا أنه كاف في الرد عليهم لأن المنجمين من معلوم حالهم أن الذي يخبرون عنه في المستقبل إنما هو بالحساب على نحو الطريق الواجبة في الكسوف و الخسوف فكيف ينسب بعضها إلى التحقيق و الوفاق و بعضها إلى الاتفاق كما يتفق للمصروع و للناقصي العقول و هذا ما لا يرتضي من يعرفه أن ينسب إليه و لعله رحمه الله قاله لعذر أو غلط ناسخه و قد تقدم فيما حكيناه عن كتاب الإهليلجة عن مولانا الصادق (عليه السلام) أن علم النجوم يستحيل أن يكون عن تجربة أو عادة و لا يصح أن يكون تعليمه من غير الله تعالى على لسان أنبيائه (عليهم السلام) .

و مما يدل على موافقته لنا و أن هذه المسألة ذكرها على نحو ما سأل السائل المرتضى رضي الله عنه في النجوم ما ذكره في الجزء الثاني من التعليق العراقي عند ذكره معجزات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بتعريفه بالغائبات فقال محمود بن علي بن الحسن الحمصي فيما يذكره مما يختص
[78]
بالنجوم و نذكره بلفظه فإن قيل أ ليس المنجم يخبر عن أمور فتوجد تلك الأمور على ما يخبر بها ثم قال في الجواب : قلنا المنجم يقول ما يقول و لا يخبر عما يخبر عنه إلا عن طريق و ذلك لأنه تعالى جعل اتصالات النجوم و حركاتها دلالات على ما يحدث فمن أحكم العلم بها أمكنه الوقوف عليها إما بعلم أو ظن و ليس هذا من الإخبار عن الغيوب و معلوم من حال رسولنا (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه ما كان تعلم من هذا العلم شيئا و لا أهم به و لا رأى كتبه قط يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس و هذا الذي ذكره الحمصي صورة ما حققناه و هذا كتاب التعليق العراقي صنفه أيام مقامه في خدمة جدي ورام بن أبي فراس قدس الله روحه ليكون بدلا عن صاحبه رضي الله عنه إذا توجه إلى وطنه في بلد العجم و سمعت من اعتمد عليه يقول إنه ما ذكر فيه إلا ما كان جدي معتقدا له و لذلك كلفني جدي ورام رضي الله عنه بحفظ هذا الكتاب المشار إليه فأما قول الحمصي رضي الله عنه و معلوم من حال رسولنا (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه ما كان تعلم شيئا فلعله بالتاء فوقها نقطتان فإن علمه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان من الله عز و جل و لعل الناسخ سقط من لفظه كلمة قبل تعلم من هذا العلم شيئا و هو قد أو نحوها و إلا فقد كان نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) عالما بجميع علوم الأنبياء و المرسلين بغير خلاف فيما أعلم من المسلمين و هذا علم النجوم أهله مجمعون أنه من علوم إدريس و جماعة من الأنبياء (عليهم السلام) و قد روينا نحن و غيرنا بعض ما وقفنا عليه و إنما معجزة
[79]
نبينا أنه علم بذلك العلم و غيره من علوم الأنبياء بغير تعليم أحد من البشر بل من سلطان الأرض و السماء فعلى ما ذكرنا عنه بلفظه في مسألته يكون له عذر يليق بما حكيناه عنه في التعليق في عقيدته و قال رحمه الله في تمام المسألة المذكورة في غير التعليق و من جيد ما يبطل به قولهم أن تقول لأهل الأحكام خذ الطالع و أحسب و أنعم النظر فيه و أحكم أ أفعل هذا أم لا أفعله تشير بذلك إلى أي شي‏ء يعرض لك فإن حكم أنك تفعله فلا تفعله أو أنك لا تفعله فافعله فتخالفه .

أقول أنا : و هذا أيضا قد استعظمت قدره أن يعتقد جودة هذا القول في الرد على جميع أصحاب الأحكام و إنما هذا يرد على من يدعى أن النجوم علة موجبة و أما من يقول إن النجوم جعلها الله المختار لذاته دلائل على السعود و النحوس و الحوادث فإنه يقول لشيخنا الحمصي زيادة عما قدمناه من جواب المرتضى قدس الله روحه أن حكمه بأنك إن فعلت أمرا كان سعادة لك لا يمنع أنك تخالفه و يكون نحوسا لك كما أن الله جل جلاله دل على طاعته و هي سعادة لعباده فاختار خلق منهم النحوس لمخالفته و يكون المنجم قد اطلع بمقدار علمه على ما حكم به و لم يطلع على حده و قد تقدم تمام هذا الجواب في جوابنا للمرتضى تغمده الله برحمته و اعلم أنه يقتضي لهذا الشيخ المعظم الحمصي رضوان الله عليه أنه معتقد لصحة النجوم و الحساب و هذه موافقة لما حررناه و دللنا عليه في هذا الكتاب و هو من أواخر من تخلف من العلماء الموصوفين و أفضل من انتفع بالقراءة عليه أهل العراق من المتكلمين .

[80]
و كان جدي ورام قدس الله روحه و نور ضريحه يرجحه على غيره من العلماء و يفضل تصنيفه على من لا يجري مجراه من الفضلاء و قد كان تحقيقه لهذه المسألة في علم النجوم في الجزء الثاني من التعليق العراقي كما حكيناه عن لفظ تحقيقه في حياة جدي ورام في دار ضيافته تغمده الله برحمته دليلا على أن جدي ورام رضوان الله عليه كان قائلا به و معتقدا لما أشار الحمصي إليه لأنه لم يصنف بالعراق ما يخالف جدي فيه و خاصة في علم النجوم الذي صار من مهمات ما ينبغي كشفه و الدلالة عليه كما تقدم في إشارتنا إليه .

و أقول : و أما قوله رحمه الله أن أكثر ما يحكمون به في المستقبل لا يقع فإن الحساب يختلف حاله عند ذوي الألباب فأول مراتبه سهل على الحاسبين فإذا ارتفع الحاسب في طرق الحساب أمكن الغلط فيه و ذلك بخلاف أوائل مراتبه و هذا لا يخفى التفاوت فيه على من أنصف في الجواب أ ما ترى الفرائض إذا كان مسائلها في أوائل حسابها سهل ذلك على الناظرين في أبوابها و إذا تناسخت و ارتفعت سهام الوارثين أمكن غلط الحاسبين و احتاجت إلى الماهرين في علم الفرائض و الناقدين فكذا حال ما دل عليه حساب النجوم و يسهل القريب منه فيدل على التحقيق باليقين و يصعب البعيد منه فيقع فيه الغلط على الحاسبين و قد ذكرنا في كتابنا هذا وجوهات أسباب غلطهم و أوضحنا جوابهم عن ذلك للمنصفين .

و قال رحمه الله في بعض كلامه ما معناه : أنه قد يولد مولودان
[81]
في وقت واحد و درجة واحدة و يختلف حالهما في السعود و النحوس .

فأقول أيضا : و هذا مما أستبعده أن يكون ذكره معتقدا لثبوت الدلالة به على من يقول إن النجوم جعلها الله الفاعل المختار دلالات لأن من يقول بصحة أحكام النجوم يقول هذا التقدير لا يكون و أما من يقول منهم كما قلنا بأنها دلالات و أن فاعل هذه الدلائل مختار قادر لذاته يقول إن القادر لذاته يصح منه مع تساوي وقت الولادة في الدرجة أن يخالف بين المولودين في السعود و النحوس و تكون الدلائل مشروطة دلالتها إذا لم يرد القادر غيرها و أقول فقد ظهر أن الذي منع العقل و النقل منه أن تكون النجوم علة موجبة للحادثات أو فاعلة مختارة للكائنات و لم يمنع العقل و النقل من أن تكون النجوم علامات للحادثات و قد تركنا ما كنا نقدر أن نورده من خواطرنا من زيادات في الاحتجاج على من زعم أنها علل و معلولات لئلا يكون كتابنا مطولا يتضجر من يقف عليه لكثرة الدلالات .

و أما من زعم أنها فاعلة مختارة فقد نبهنا في خطبة هذا الكتاب على بطلان هذه الدعوى بوجوه من الصواب و نزيد على الفريقين على ما قدمنا أننا سنريك بعض ما ذكره الحمصي رضوان الله عليه فنقول كل من القرآن و العقل و النقل دل على بطلان قول المجبرة فهو دليل على بطلان قول من قال إننا صادرون عن علة موجبة و إننا غير مختارين و نقول كل دليل دل على الوحدانية من المعقول و المنقول فهو دليل على بطلان قول من قال إن النجوم تفعل كفعل الله جل جلاله و تلك الأدلة في مواضعها مذكورة مشروحة واضحة لذوي العقول .

[82]
و مما نذكره في أن النجوم فاعلة مختارة ما ذكره أبو معشر في كتاب أسرار النجوم و هو من أعلم علماء هذا العلم الموسوم فقال ما هذا لفظه : الأغلب على طبعي أن هذه النجوم غير مستطيعة و لا مختارة لأن الفرق بين المستطيع و غير المستطيع ظاهر بل الأظهر أن المستطيع لفعل يفعل ضده و يقدر أن يمسك عن الفعلين جميعا فلا يكون منه أحدهما و الذي لا يستطيع إنما يجري على طبع واحد و الكواكب حركتها واحدة و لا تمسك عنها في حال و لا تنتقل إلى غيرها أقول إن هذا قول الخبير بها المطلع على أسرارها و قوله كالحجة على المدعين لاختيارها و قد قدمت في الخطبة أنها لو كانت مختارة بطل الحتم بالحكم على شي‏ء من النجوم لجواز أن يحكم المنجم بحكم محتوم فيرى المنجم المختار باختياره غير ما رآه ذلك المنجم فيبطل ذلك الحكم و يحكم بضده أو بغيره فكان قد انسد باب الدعوى للعلم بأحكام النجوم و هذا جواب واضح معلوم .

مع أن الأنبياء (عليهم السلام) بعثوا ببطلان أن الأفلاك و الشمس و القمر و النجوم علل و معلولات و فاعلات مختارات و ثبتت أقوالهم بالآيات و المعجزات و البراهين الخارقات للعادات ثم جاءوا بالشرائع المختلفات و كان اختلافهم بالشرائع دليلا على أن باعثهم مختار من غير علة و لا عامل بالطبائع و كان تصديقهم بالآيات و البراهين الخارقة لعقول المكلفين دليلا على أن النجوم ليست كاملة و لا مختارة و كيف تكون كاملة الاختيار و الصفات و هي تصدق
[83]
بالآيات الخارقات من يدعي أنها غير مختارات و لا فاعلات فكانت النجوم تكون من أسفه و أنقص و أرذل الفاعلين و كان قد انتثر نظام الفلك و فسد جميع العالمين بتصديقها من لا يصدقها و يبطل فضلها و يزيل محلها فقد ثبت بطلان قول من ادعى أن النجوم علة و أنها فاعلة و كل حديث ورد بالنهي عن تصديق النجوم و تحريمها و المنع من معرفتها و ورود الأخبار بذلك فمحول على هذين القسمين اللذين ثبت بطلانهما و تحريم التصديق بهما و إنما صح من علم النجوم القول بأنها : دلالات و علامات على الحادثات بقدرة الفاطر لها الآمر بها في الدلالات كما جعل قلب ابن آدم و عقله و نظره دلائل على التصديق بأمور حاظرات مع تباعدها عما يحيط بعلمه في المسافات و الجهات ; و سوف نورد من أخبار من قوله حجة في العلوم بما ذكرناه من تحقيق هذا القسم الثالث من علم النجوم و قد قدمنا ما فيه كفاية لمن طلب التوفيق و شرفه الله جل جلاله بالظفر في التحقيق و صانه عن جحود الآيات الدالة عليه جل جلاله و على رسله (عليهم السلام) بمعرفة أسرار دليل النجوم الموصوفة و ما أبانه بالهداية به من آياته المكشوفة و لعل السبب في توقف قوم من الضعفاء عن العلوم بهذه الأشياء خوفهم أن يشتبه الحال بين المنجمين و بين الأنبياء فيما أخبروا به من الغائبات و أين حديث المنجمين المستضعفين الذين يشهد عليهم لسان حالهم و بيان مقالهم باستحالة الدعوى بالمعجزات و الآيات من مقام الأنبياء عليهم أفضل الصلوات الذين لم يعرف لهم أستاذ منجم و لا كاهن و لا قائف و لا من
[84]
أخذوا العلوم منه و لا من رواها عنه فكان مجرد إحاطتهم بالعلوم من غير أستاذ ينسبون إليه و يقرءون عليه معجزة من الله جل جلاله في تصديقهم و تحقيقهم و ثبوت طريقهم و ليس كذلك علماء المنجمين فإن كل واحد منهم معروف الأستاذ الذي قرأ عليه و مشهور بالكتب الذي أخذ عنها علمه الذي أشير إليه .

و قد كنا قدمنا أنه لو كان كل طريق حصل منه تعريف بالغائبات طعنا في معجزات الأنبياء (عليهم السلام) و قدحا في إخبارهم بالحوادث المستقبلات لكان الذي تضمنته كتب التأريخ من أصحاب الرياضيات بإخبارهم عن الغائبات و من أهل الحق بإخبارهم عن الحادثات و كان حكم المنامات الصادقات التي تقتضي التعريف بالحادثات طعنا في النبوات و لكن هذه و أمثالها لا قدح بها على المعجزات و كذلك ما جعل الله جل جلاله من دلائل النجوم على الكائنات .

و اعلم أن أهل المعقول و المنقول ذكروا أن موسى (عليه السلام) لما كثر في زمانه السحر احتج الله جل جلاله عليهم بما لم يبلغه علمهم من عصا موسى تلقفت حبالهم و عصيهم و أن عيسى (عليه السلام) لما كثر الطب في زمانه احتج الله جل جلاله عليهم بما لم يبلغه علمهم من إحياء الموتى و إبراء الأكمه و الأبرص على يد عيسى و لما كثرت الفصاحة في زمن نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) احتج الله جل جلاله عليهم بفصاحة القرآن الشريف على لسان رسوله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي لا يعرف في ذلك
[85]
الحال خطأ و لا قراءة كتاب فكانت معجزات الأنبياء حجة على العباد لأجل ما أتوا به من الزيادة على العلوم التي كانت في زمانهم خارقة للمعتاد فكذلك يكون تعريف الأنبياء و الأوصياء بالغائبات بغير أستاذ و لا آلات حجة على المنجمين و غيرهم خارقة للعادات الباب الثالث فيما نذكره من أخبار من قوله حجة في العلوم على صحة علم النجوم فأقول إن الأخبار عن الذين قولهم حجة في العالمين صلوات الله عليهم أجمعين في صحة علم النجوم كثيرة يعرفها من كان كثير الاطلاع على العلوم و إنما أذكر هاهنا من الأحاديث ما لا يضجر المطلع عليه و يكفي المنصف في الهداية إليه .

الحديث الأول : فيما روي عمن قوله حجة في العلوم أنه لا يضر في الدين علم النجوم روينا بإسنادنا إلى الشيخ المتفق على عدالته و فضله و أمانته محمد بن يعقوب الكليني في كتاب الروضة ما هذا لفظه قال عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن ابن فضال عن الحسن بن
[86]
أسباط عن عبد الرحمن بن سيابة قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) جعلت لك الفداء إن الناس يقولون إن النجوم لا يحل النظر فيها و هي تعجبني فإن كانت تضر بديني فلا حاجة لي بشي‏ء يضر بديني و إن كانت لا تضر بديني فو الله إني لأشتهيها و أشتهي النظر فيها فقال (عليه السلام) ليس كما يقولون لا تضر بدينك ثم قال إنكم تنظرون في شي‏ء منها كثيره لا يدرك و قليله لا ينتفع به تحسبون على طالع القمر ثم قال أ تدري كم بين المشتري و الزهرة من دقيقة قلت لا و الله قال أ تدري كم بين الزهرة و القمر من دقيقة قلت لا و الله قال أ تدري كم بين الشمس و السنبلة من دقيقة قلت لا و الله ما سمعته من أحد من المنجمين قط فقال أ فتدري كم بين السنبلة و بين اللوح المحفوظ من دقيقة قلت لا و الله ما سمعته من منجم قط قال ما بين كل واحد منهما إلى صاحبه ستون دقيقة أو سبعون دقيقة الشك من عبد الرحمن ثم قال يا عبد الرحمن هذا حساب إذا حسبه الرجل و وقع عليه عرف القصبة التي في وسط الأجمة و عدد ما عن يمينها و عدد ما عن يسارها و عدد ما خلفها و عدد ما أمامها حتى لا تخفى عليه من قصب الأجمة واحدة أقول و قد روى هذا الحديث من أصحابنا في المصنفات و الأصول و الروايات جملة من الثقات فممن رواه محمد بن أبي عبد الله في أماليه رأيته في نسخة تاريخها سنة تسع و ثلاث مائة و محمد بن يحيى أخو فعلس عن حماد بن عثمان وجدته في كتاب أصل لعله كتب في مدة حياته .

الحديث الثاني : فيما روى عمن قوله حجة في العلوم بصحة أهل علوم النجوم .

[87]
ما رويناه بإسنادنا إلى محمد بن يعقوب الكليني في كتاب تفسير الرؤيا بإسناده عن محمد بن غانم قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) عندنا قوم يقولون النجوم أصح من الرؤيا فقال (عليه السلام) كان ذلك صحيحا قبل أن ترد الشمس على يوشع بن نون و على أمير المؤمنين فلما رد الله تعالى الشمس عليهما ضل علماء النجوم فمنهم مصيب و منهم مخطئ .

الحديث الثالث : فيما روي عمن قوله حجة في العلوم بصحة أصل علم النجوم .

ما رويناه بإسنادنا إلى محمد بن يعقوب الكليني في كتاب الروضة من كتاب الكافي عن علي بن إبراهيم عن ابن عمير عن جميل بن صالح عمن أخبره عن أبي عبد الله (عليه السلام) : أنه سئل عن علم النجوم فقال ما يعلمها إلا أهل بيت من العرب و أهل بيت في الهند .

و حدثني بعض علماء المنجمين : أن الذين يعلمون النجوم بالهند أولاد وصي إدريس (عليه السلام) .

و روينا هذا الحديث بإسنادنا إلى محمد بن أبي عمير من كتاب أصله عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ذكرت النجوم فقال ما يعلمها إلا أهل بيت بالهند و أهل بيت بالعرب .

و أقول إن مفهوم الأخبار الواردة بأن النجوم لا يعرفها إلا أهل بيت بالهند و أهل بيت بالعرب لعله لا يعلمها على أبلغ الغايات و لا يدركها إدراكا لا يخطئ أبدا في الإصابات أو لا يعلمها بغير أستاذ و آلات إلا أهل بيت من العرب و أهل بيت من الهند لأننا قد ذكرنا و نذكر وجود من يعلم كثيرا من أحكام النجوم و تحصل له إصابات و إن كثيرا من المنجمين يذكرون أنهم عرفوا علم النجوم من إدريس النبي (عليه السلام)
[88]
و من أهل الهند الذين اقتضت الأخبار أنهم عالمون بها و على كل حال فإن علمهم و علم أهل بيت من العرب بالنجوم دليل على أنه علم صحيح في نفسه جليل لاختصاصهم و مشروع لأنه من جملة فضائلهم .

الحديث الرابع : فيما روي عمن قوله حجة في العلوم بصحة أصل علم النجوم .

ما رويناه بإسنادنا عن محمد بن يعقوب الكليني في كتاب الروضة أيضا عن أحمد بن علي و أحمد بن محمد جميعا عن علي بن الحسين الميثمي عن محمد بن الواسطي عن يونس بن عبد الرحمن عن أحمد بن عمر الحلبي عن حماد الأزدي عن هاشم الخفاف قال : قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) كيف بصرك بالنجوم فقلت ما خلفت بالعراق أبصر في النجوم مني قال كيف دوران الفلك عندكم قال فأخذت قلنسوتي من رأسي فأدرتها و قلت هكذا فقال لو كان الأمر على ما تقول فما بال بنات النعش و الجدي و الفرقدين لا تدور يوما من الدهر في القبلة قلت هذا و الله شي‏ء لا أعرفه و لا سمعت أحدا من أهل الحساب يذكره فقال كم للسكينة من الزهرة جزءا في ضوئها فقلت و هذا و الله نجم ما عرفته و لا سمعت أحدا يذكره فقال سبحان الله أ فأسقطتم نجما بأسره فعلى ما تحسبون ثم قال كم للزهرة من القمر جزءا في الضوء قلت هذا شي‏ء لا يعلمه إلا الله قال فكم للقمر جزءا في ضوئها قلت ما أعرف هذا قال صدقت ثم قال (عليه السلام) ما بال العسكرين يلتقيان في هذا حاسب و في هذا حاسب فيحسب هذا لصاحبه بالظفر و يحسب هذا لصاحبه بالظفر ثم يلتقيان فيهزم أحدهما الآخر فأين كانت
[89]
النحوس فقلت لا و الله لا أعلم ذلك قال صدقت إن أصل الحساب حق و لكن لا يعلم ذلك إلا من علم مواليد الخلق كلهم .

الحديث الخامس : فيما روي عمن قوله حجة في العلوم أن آزر كان عالما بالنجوم .

روينا بإسنادنا إلى محمد بن يعقوب الكليني في كتاب الروضة عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : إن آزر أبا إبراهيم (عليه السلام) كان منجما لنمرود و لم يكن يصدر إلا عن أمره فنظر ليلة في النجوم فأصبح و هو يقول لنمرود لقد رأيت عجبا قال و ما هو قال رأيت مولودا يولد بأرضنا يكون هلاكنا على يديه فلا يلبث إلا قليلا حتى يحمل به قال فتعجب من ذلك و قال هل حملت به النساء فقال لا قال فحجب الرجال عن النساء و لم يدع امرأة إلا جعلها في المدينة لا يخلص إليها بعلها و وقع آزر على أهله فحملت بإبراهيم (عليه السلام) فظن أنه صاحبه الذي يكون الهلاك على يده فأرسل على نساء من القوابل عارفات في ذلك الزمان لا يكون شي‏ء في الرحم إلا علمن به في البطن فألزم الله عز و جل ما في بطنها في الظهر فقلن ما نرى في بطنها شيئا و كان فيما أوتي من العلم أنه سيحرق بالنار و لم يؤت من العلم إن الله سينجيه منها أقول ثم ذكر كيف حفظ الله جل جلاله إبراهيم و كيف جرت أموره و هذا الحديث قد قدمنا معناه في أن للنجوم دلالة على نبوة إبراهيم و إنما ذكرناه هاهنا في باب صحة علم النجوم عن الصادق المعصوم بصحة ما كان لآزر من صحة علم النجوم
[90]
و لاختلاف طرق الرواية و لأن محمد بن يعقوب أبلغ فيما يرويه و أصدق في الدراية .

الحديث السادس : فيما روي عمن قوله حجة في العلوم بتدبير ما ذكره في النجوم روينا بإسنادنا عن محمد بن يعقوب الكليني في كتاب الروضة عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن مالك بن عطية عن سليمان بن خالد قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحر و البرد مم يكونان فقال لي يا أبا أيوب إن المريخ كوكب حار و زحل كوكب بارد فإذا بدأ المريخ في الارتفاع انحط زحل و ذلك في الربيع فلا يزالان كذلك كلما ارتفع المريخ درجة انحط زحل درجة ثلاثة أشهر حتى ينتهي المريخ في الارتفاع و ينتهي زحل في الهبوط فيلحق المريخ فلذلك يشتد الحر فإذا كان في آخر الصيف و أول الخريف بدأ زحل في الارتفاع و بدأ المريخ في الهبوط فلا يزالان كذلك كلما ارتفع زحل درجة انحط المريخ درجة حتى ينتهي المريخ في الهبوط و ينتهي زحل في الارتفاع فيلحق زحل و ذلك في أوان الشتاء و آخر الصيف فلذلك يشتد البرد و كلما ارتفع هذا هبط هذا و كلما هبط هذا ارتفع هذا فإذا كان في الصيف يوم بارد فذلك الفعل من القمر و إذا كان في الشتاء يوم حار فذلك الفعل من الشمس و كل بتقدير العزيز العليم و أنا عبد رب العالمين .

الحديث السابع : فيما روي عمن قوله حجة في العلوم فيما ذكره من صحة علم النجوم روينا بإسنادنا إلى محمد بن يعقوب الكليني أيضا في كتاب
[91]
الروضة قال عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن الحسن بن علي بن عثمان قال حدثني أبو عبد الله المدائني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : إن الله تعالى خلق زحل في الفلك السابع من ماء بارد و خلق سائر النجوم الست الجاريات من ماء حار و هو نجم الأنبياء و الأوصياء و هو نجم أمير المؤمنين (عليه السلام) يأمر بالخروج من الدنيا و الزهد فيها و يأمر بافتراش التراب و توسد اللبن و أكل الجشب و ما خلق الله تعالى نجما أقرب إليه منه سبحانه.

الحديث الثامن : فيما روي عمن قوله حجة في العلوم بتصديق ما ذكره من علم النجوم روينا بإسنادنا إلى محمد بن يعقوب في كتاب الروضة قال عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن علي بن أسباط عن إبراهيم بن خيران عن عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : من سافر أو تزوج و القمر في العقرب لم ير الحسنى .

الحديث التاسع : فيما روي عمن قوله حجة في العلوم بشهادته في تحقيق علم النجوم ما رواه معاوية بن حكيم عن محمد بن زياد عن محمد بن يحيى الخثعمي قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن النجوم أ حق هي قال نعم فقلت أ و في الأرض من يعلمها قال نعم في الأرض من يعلمها .

الحديث العاشر : فيما نذكره عمن قوله حجة في العلوم في صحة علم النجوم .

روينا بإسنادنا عن معاوية بن حكيم عن كتاب أصله حدثنا آخر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : في السماء أربعة نجوم ما يعلمها إلا أهل بيت
[92]
من العرب و أهل بيت من الهند يعرفون منها نجما واحدا فلذلك قام حسابهم .

الحديث الحادي عشر : فيما روي من تصديق من قوله حجة في العلوم بعلم النجوم وجدت في كتاب قالبه قطع نصف الورقة عتيق بخزانة مولانا علي (عليه السلام) يتضمن فضائله (عليه السلام) تأليف أبي القاسم علي بن عبد العزيز بن محمد النيشابوري ما هذا لفظه علي بن أحمد قال حدثني إبراهيم بن فضل عن أبان بن تغلب قال : كنت عند أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) إذ دخل إليه رجل من أهل اليمن فسلم عليه فرد عليه السلام ; و قال ما جاء بك يا سعيد ؟

فقال : هذا الاسم سمتني به أمي و ما أقل من يعرفني به .

فقال : صدقت يا سعيد المزني .

فقال الرجل : جعلت فداك و بهذا كنت ألقب .

فقال (عليه السلام) : لا خير في اللقب إن الله عز و جل يقول في كتابه وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ ; يا سعيد المزني ما صناعتك ؟

فقال له الرجل : جعلت فداك أنا رجل معروف من أهل بيت تنظر في النجوم و لا أعلم في اليمن أحدا أعلم منا بالنجوم .

فقال (عليه السلام) له : فأنا أسألك .

فقال اليماني : سل ما شئت من النجوم جعلت فداك فأنا أجيبك بعلم .

فقال (عليه السلام) : أخبرني كم لضوء القمر على ضوء الزهرة من درجة ؟

قال : لا أدري .

فقال (عليه السلام) : فكم لضوء الزهرة على ضوء المريخ من درجة ؟

قال : لا أدري .

قال : فكم لضوء الزهرة على ضوء المشتري من درجة ؟

قال : لا أدري .

فقال (عليه السلام) : صدقت لا تدري ; فكم لضوء المشتري على ضوء عطارد من درجة ؟

قال : لا أدري .

قال (عليه السلام) : فما اسم النجوم التي إذا طلعت هاجت الإبل ؟

[93]
قال : لا أدري .

قال (عليه السلام) : فما اسم النجوم التي إذا طلعت هاجت الكلاب ؟

قال : لا أدري .

قال (عليه السلام) : فما اسم النجوم التي إذا طلعت هاجت البقر ؟

قال : لا أدري .

فقال (عليه السلام) : صدقت في قولك لا تدري ; فما عندكم زحل ؟

قال : نجم النحوس .

فقال (عليه السلام) : لا تقل هذا فإنه نجم أمير المؤمنين و هو نجم الأوصياء و هو النجم الثاقب الذي ذكره الله تعالى في كتابه .

فقال : ما معنى الثاقب ؟

فقال (عليه السلام) : إن مطلعه في السماء السابعة و إنه يثقب بضوئه حتى يصير في السماء الدنيا فمن ذلك سماه الله تعالى النجم الثاقب ; يا أخا أهل اليمن هل عندكم علماء ؟

قال : نعم جعلت فداك , إن باليمن قوما ليسوا كأحد من الناس في علمهم .

فقال (عليه السلام) : و ما بلغ من علم عالمهم ؟

قال : إن عالمهم ليزجر الطير و يقفو الأثر في ساعة واحدة مسيره شهر للراكب المجد .

فقال (عليه السلام) : إن عالم المدينة أعلم من عالم اليمن .

قال : جعلت فداك , ما بلغ من عالم المدينة ؟

فقال (عليه السلام) : إن عالم المدينة لا يقفو الأثر و لا يزجر الطير و ينتهي في اللحظة إلى علم مسيره الشمس اثني عشر برا و اثني عشر بحرا و اثني عشر عالما .

قال : جعلت فداك ; ما ظننت أحدا يعلم هذا أو يدرى ما كنهه .

فقال : صدقت لا تدري ثم قام الرجل اليماني فخرج .

و رويت هذا الحديث بأسانيد إلى أبان بن تغلب عن الصادق (عليه السلام) من كتاب عبد الله بن القاسم الحضرمي من كتاب أصله و في إحدى الروايتين زيادة على الأخرى .

الحديث الثاني عشر : فيما روى من تصديق من قوله حجة في العلوم بعلم النجوم .

وجدت في كتاب نوادر الحكمة تأليف محمد بن أحمد بن
[94]
عبد الله القمي و هو جليل القدر بين علماء الشيعة رواه عن الرضا (عليه السلام) قال : قال أبو الحسن (صلى الله عليه وآله وسلم) للحسن بن سهل كيف حسابك للنجوم قال ما بقي شي‏ء إلا تعلمته فقال أبو الحسن (عليه السلام) له كم لنور الشمس على نور القمر فضل درجة و كم لنور القمر على نور المشتري فضل درجة و كم لنور المشتري على نور الزهرة فضل درجة فقال لا أدري فقال (عليه السلام) ليس في يدك شي‏ء إن هذا أيسره .

و وجدت في كتاب مسائل الصباح بن نضر الهندي لمولانا علي بن موسى الرضا (عليه السلام) رواية أبي العباس بن نوح و أبي عبد الله بن محمد بن أحمد الصفواني من أصل كتاب عتيق لنا الآن ربما كان كتب في حياتهما بالإسناد المتصل فيه عن الريان بن الصلت و ذكر اجتماع العلماء بحضرة المأمون و ظهور حجة الرضا (عليه السلام) على جميع العلماء و حضور الصباح بن النضر الهندي عند مولانا الرضا (عليه السلام) و سؤاله إياه عن مسائل كثيرة منها سؤاله عن علم النجوم فقال ما هذا لفظه : هو علم في أصل صحيح ذكروا أن أول من تكلم في النجوم إدريس و كان ذو القرنين به ماهرا و أصل هذا العلم من الله تعالى و يقال إن الله تعالى بعث المنجم الذي هو المشتري إلى الأرض في صورة رجل فأتى بلد العجم فعلمهم في حديث طويل فلم يستكملوا ذلك فأتى بلد الهند فعلم رجلا منهم فمن هناك صار علم النجوم بالهند و قال قوم هو من علم الأنبياء و خصوا به لأسباب شتى فلم يدرك المنجمون الدقيق منها فشابوا الحق بالكذب هذا آخر لفظ مولانا علي
[95]
بن موسى (عليه السلام) في هذه الرواية الجليلة الإسناد و قوله (عليه السلام) حجة على العباد فأما قوله فيها ذكروا و يقال فإن عادتهم (عليه السلام) عند التقية و لدى المخالفين من العامة يقولون نحو هذا الكلام تارة و تارة كان أبي يقول و تارة روى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

الحديث الثالث عشر : فيما روي من شهادة من قوله حجة في العلوم بصحة حساب النجوم أرويه بأسانيدي إلى أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر النعماني الثقة في كتاب الدلائل في الجزء التاسع فيما فيه من دلائل مولانا أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) قال حدثنا محمد بن همام قال حدثني محمد بن موسى بن عبيد بن يقطين قال حدثنا إبراهيم بن محمد اليقطيني المعروف بطلل قال حدثني ابن ذي العلمين قال : كنت واقفا بين يدي ذي الرئاستين بخراسان في مجلس المأمون و قد حضره أبو الحسن الرضا (عليه السلام) فجرى ذكر الليل و النهار و أيهما خلق قبل الآخر فخاضوا في ذلك و اختلفوا ثم إن ذا الرئاستين سأل الرضا (عليه السلام) عن ذلك و عما عنده فيه فقال (عليه السلام) أ تحب أن أعطيك الجواب من كتاب الله عز و جل أو من حسابك فقال أريده أولا من جهة الحساب فقال له أ لستم تقولون إن طالع الدنيا السرطان و إن الكواكب كانت في شرفها قال نعم قال فزحل في الميزان و المشتري في السرطان و المريخ في الجدي و الزهرة في الحوت و القمر في الثور و الشمس في وسط السماء بالحمل و هذا لا يكون إلا نهارا قال نعم و في كتاب الله قال (عليه السلام) قوله
[96]
عز و جل لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَ لَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ أي النهار يسبقه .

الحديث الرابع عشر : فيما روي عمن قوله حجة في العلوم من تصديق حساب النجوم روي أيضا من طريق آخر معاضد لحديث محمد بن إبراهيم .

رويناه بعدة أسانيد عن ابن جمهور القمي و كان عالما فاضلا في كتاب الواحدة في أخبار مولانا الرضا (عليه السلام) قال و من مسائل ذي الرئاستين للرضا (عليه السلام) : أن الناس تذاكروا بين يدي المأمون في خلق الليل و النهار فقال بعض خلق الله النهار قبل الليل و قال بعض خلق الله الليل قبل النهار فرجعوا بالسؤال إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فقال إن الله عز و جل خلق النهار قبل الليل و خلق الضياء قبل الظلمة فإن شئتم أوجدتكم ذلك من النجوم و إن شئتم من القرآن فقال ذو الرئاستين أوجدنا من الجهتين جميعا فقال (عليه السلام) أما من النجوم فقد علمت أن طالع العالم السرطان و لا يكون ذلك إلا و الشمس في شرفها في نصف النهار و أما من القرآن فاستمع قوله تعالى فيه لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَ لَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ .

أقول و روى ابن جمهور القمي في كتاب الواحدة في أوائل أخبار مولانا الحسن بن علي (عليه السلام) في خطبة له في صفة النجوم ما هذا لفظه ثم أجرى في السماء مصابيح ضوءها في حندسها و جعلها من حرسها من النجوم الدراري المضيئة التي لو لا ضوءها ما نفذت أبصار العباد في ظلم الليل المظلم بمغالسه
[97]
المدلهم بحنادسه و جعل فيها أدلة على منهاج السبل لما أحوج الخليقة من التحول و الانتقال و الإدبار و الإقبال .

و هذا عام موافق لما نقلنا عنهم (عليهم السلام) من الأخبار .

أقول و من كتاب ابن جمهور القمي بإسناده أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لما صعد المنبر و قال سلوني قبل أن تفقدوني قام إليه رجل فسأله عن السواد الذي في القمر فقال أعمى سأل عن عمياء أ ما سمعت أن الله عز و جل يقول فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً فالمحو السواد الذي تراه في القمر إن الله تعالى خلق من نور عرشه شمسين و أمر تعالى جبرائيل فأمر جناحه بالذي سبق من علمه جلت عظمته لما أراد أن يكون من اختلاف الليل و النهار و الشمس و القمر و عدد الساعات و الأيام و الشهور و السنين و الدهور و الارتحال و النزول و الإقبال و الإدبار و الحج و العمرة و محل الدين و أجر الأجير و عدة أيام الحمل و المطلقة و المتوفى عنها زوجها و ما أشبه ذلك .

الحديث الخامس عشر : فيما روي عمن قوله حجة في العلوم من شهادته بتصديق علم النجوم روينا بأسانيد جماعة عن الشيخ الثقة الفقيه الفاضل الحسين بن عبد الله الغضائري و نقلته من خطه في الجزء الثاني من كتاب الدلائل تأليف أبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري الذي قال فيه جدي أبو جعفر الطوسي في الفهرست أنه ثقة و قال النجاشي في كتاب أسماء المصنفين أنه شيخ القميين و وجههم بإسناده عن بياع السابري قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إن لي في نظر النجوم لذة و هي معيبة عند الناس
[98]
فإن كان فيها إثم تركت ذلك و إن لم يكن فيها إثم فإن لي فيها لذة فقال تعد الطوالع قلت نعم و عددتها فقال كم تسقي الشمس من نورها القمر قلت هذا شي‏ء لم أسمعه قط فقال و كم تسقي الزهرة الشمس من نورها قلت و لا هذا فقال و كم تسقي الشمس من اللوح المحفوظ نورا قلت و هذا شي‏ء لم أسمعه قط فقال هذا شي‏ء إذا علمه الرجل عرف أوسط قصبة في الأجمة ثم قال ليس يعلم النجوم إلا أهل بيت من قريش و أهل بيت من الهند .

الحديث السادس عشر : فيما روي عمن قوله حجة في العلوم بمعاضدة الحديث الحادي عشر في النجوم .

روينا بأسانيد جماعة إلى الشيخ العظيم الشأن أبي جعفر بن بابويه القمي رضوان الله عليه فيما ذكره بكتاب الخصال في الجزء الثاني من أصل مجلدين قال حدثنا موسى بن المتوكل رضوان الله عليه قال حدثني علي بن الحسين السعدآبادي عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه و غيره عن محمد بن سليمان الصنعاني عن إبراهيم بن الفضل عن أبان بن تغلب قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخل عليه رجل من أهل اليمن فسلم عليه فقال مرحبا بك يا سعيد فقال الرجل هذا الاسم سمتني به أمي و ما أقل من يعرفني به فقال له أبو عبد الله صدقت يا سعيد المزني فقال الرجل جعلت فداك و بهذا كنت ألقب فقال له أبو عبد الله (عليه السلام) لا خير في اللقب إن الله تعالى يقول وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ ما صناعتك يا سعيد قال جعلت فداك إنا أهل بيت ننظر في النجوم و لم يكن باليمن أحد أعرف بالنجوم منا فقال
[99]
له أبو عبد الله (عليه السلام) كم ضوء الشمس يزيد على ضوء القمر درجة فقال اليماني لا أدري قال صدقت في قولك لا تدري فما زحل عندكم في النجوم فقال نجم نحس فقال لا تقل هذا فإنه نجم أمير المؤمنين (عليه السلام) و هو نجم الأوصياء (عليه السلام) و هو النجم الثاقب الذي قال الله عز و جل في كتابه فقال اليماني ما معنى الثاقب قال إن مطلعه في السماء السابعة و إنه ثقب بضوئه حتى أضاء في السماء الدنيا فمن ثم سماه الله تعالى النجم الثاقب يا أخا اليمن أ عندكم علماء قال نعم جعلت فداك إن باليمن قوما ليسوا كأحد من الناس في علمهم فقال (عليه السلام) و ما يبلغ من علم عالمهم قال إن عالمهم ليزجر الطير و يقفو الأثر في الساعة الواحدة مسيرة شهر للراكب المجد فقال (عليه السلام) إن عالم المدينة ينتهي إلى حيث لا يقفى الأثر و لا يزجر الطير و يعلم في اللحظة الواحدة مسيرة الشمس تقطع اثني عشر برجا و اثني عشر برا و اثني عشر بحرا و اثني عشر عالما فقال اليماني جعلت فداك ما ظننت أن أحدا يعلم هذا أو يدري ما كنهه قال ثم قام و خرج .

الحديث السابع عشر : فيما روي عمن قوله حجة في العلوم في التصديق بصحة علم النجوم .

رويناه بإسنادنا إلى محمد بن يحيى الخثعمي من غير كتاب معاوية بن حكيم المقدم ذكره قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن النجوم أ حق هي قال لي نعم قلت و في الأرض من يعلمها قال نعم و في الأرض من يعلمها.

الحديث الثامن عشر : فيما روي عمن قوله حجة في العلوم بتصديق معرفة علم النجوم وجدنا في أصل عتيق اسمه كتاب التجمل تاريخ
[100]
مقابلته سنة ثمان و ثلاثين و مائتين قال أبو أحمد عن حفص بن البختري و قد ذكر النجاشي أنه ثقة قال : ذكرت النجوم عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال ما يعلمها إلا أهل بيت بالهند و أهل بيت من العرب .

الحديث التاسع عشر : فيما روي عمن قوله حجة في العلوم من إباحة النظر في علم النجوم و هو ما وجدناه في كتاب التجمل المقدم ذكره عن محمد و هارون ابني أبي سهل : أنهما كتبا إلى أبي عبد الله (عليه السلام) أن أبانا و جدنا كانا ينظران في علم النجوم فهل يحل النظر فيه فكتب نعم .

الحديث العشرون : فيما روي عمن قوله حجة في العلوم في الفتوى بتحليل علم النجوم وجدنا أيضا في كتاب التجمل المقدم ذكره عن محمد و هارون ابني أبي سهل قالا : كتبنا إليه (عليه السلام) نحن ولد نوبخت المنجم و قد كنا كتبنا إليك هل يحل النظر في علم النجوم فكتبت نعم و المنجمون يختلفون في صفة الفلك فبعضهم يقول إن الفلك فيه النجوم و الشمس و القمر معلق بالسماء و هو دون السماء و هو الذي يدور بالنجوم و الشمس و القمر فإنها لا تتحرك و لا تدور و بعضهم يقول إن دوران الفلك تحت الأرض و إن الشمس تدور مع الفلك تحت الأرض فتغيب في المغرب تحت الأرض و تطلع من الغداة من المشرق فكتب (عليه السلام) نعم يحل ما لم يخرج من التوحيد .

الحديث الحادي و العشرون : فيما روي عمن قوله حجة في العلوم في تفسير نحو من النجوم من كتاب التجمل أيضا أبو محمد عن الحسن بن عمر عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله عز و جل يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ قال : كان القمر منحوسا بزحل .

[101]
الحديث الثاني و العشرون : فيما روينا من اطلاع من قوله حجة في العلوم على الملكوت و علمه منه ما علمه مالك الجبروت .

روينا بعدة أسانيد إلى أبي جعفر محمد بن بابويه رضوان الله عليه فيما رواه في كتاب الخصال و هو الثقة في المقال في أحاديث تسع خصال بإسناده في حديث إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال سمعته يقول قال أمير المؤمنين (عليه السلام) و الله لقد أعطاني الله تبارك و تعالى تسعة أشياء لم يعطها أحدا قبلي خلا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لقد فتحت لي السبل و علمت الأسباب و أجرى لي السحاب و علمت المنايا و البلايا و الخطاب و لقد نظرت في الملكوت فأذن لي ربي جل جلاله فما غاب عني ما كان قبلي و ما يأتي بعدي و إن بولايتي أكمل الله لهذه الأمة دينهم و أتم عليهم النعمة و رضي إسلامهم إذ يقول سبحانه يوم الولاية لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يا محمد أخبرهم أني أكملت لهم دينهم و رضيت الإسلام لهم دينا و أتممت عليهم نعمتي كل ذلك من الله تعالى من به علي فله الحمد.

هذا آخر الحديث بلفظه : و كان المراد منه أن نظره في الملكوت يعلم منه ما مضى و ما يأتي .

أقول :

و روى معنى هذا الحديث و زيادة فيه سليمان بن صالح و نقلته من نسخة مقروءة على هارون بن موسى التلعكبري رضوان الله جل جلاله عليه قال ما هذا لفظه عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ قال :
[102]
كشط له ما في السماوات السبع و في الأرضين السبع حتى رأى العرش و ما عليه و كان يرى الناس على مكاسبهم و صنع ذلك برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و صنع ذلك بالأئمة (عليهم السلام) من بعده .

قال الهيثم و سمعت هاشما يروي عن مفضل قال : كان محمد بن علي (عليه السلام) يقول إني أرى ما في السماوات و الأرض كما أرى راحتي هذه .

الحديث الثالث و العشرون : في احتجاج من قوله حجة في العلوم على صحة علم النجوم و هو ما رويناه بإسنادنا عن الشيخ السعيد محمد بن رستم بن جرير الطبري الإمامي رضوان الله عليه في الجزء الثاني من كتاب دلائل الإمامة قال أخبرني أبو عبد الله الحسين بن عبد الله الحربي و أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى بن أحمد التلعكبري قالا حدثنا أبو محمد هارون بن موسى بن أحمد التلعكبري رضي الله عنه قال حدثنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن مخزوم المقري مولى بني هاشم قال حدثنا أحمد بن القاسم البري قال حدثنا يحيى بن عبد الرحمن عن علي بن حي بن صالح الكوفي عن زياد بن المنذر عن قيس بن سعد قال : كنت أساير أمير المؤمنين (عليه السلام) كثيرا إذا سار إلى وجه من الوجوه فلما قصد أهل النهروان و صرنا بالمدائن و كنت يومئذ مسايرا له إذ خرج إلينا قوم من أهل المدائن من دهاقينهم معهم براذين قد جاءوا بها هدية إليه فقبلها و كان فيمن تلقاه دهقان من دهاقين المدائن يدعى سرسفيل و كانت الفرس تحكم برأيه فيما يعني و ترجع إلى قوله فيما سلف فلما بصر بأمير المؤمنين (عليه السلام)
[103]
قال يا أمير المؤمنين تناحست النجوم الطوالع فنحس أصحاب السعود و سعد أصحاب النحوس و لزم الحكيم في مثل هذا اليوم الاختفاء و الجلوس و إن يومك هذا يوم مميت قد اقترن فيه كوكبان قتالان و شرف فيه بهرام في برج الميزان و اتقدت من برجك النيران و ليس لك الحرب بمكان فتبسم أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم قال أيها الدهقان المنبئ بالأخبار و المحذر من الأقدار أ تدري ما نزل البارحة في آخر الميزان و أي نجم حل السرطان قال سأنظر ذلك و أخرج من كمه أسطرلابا و تقويما فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) أنت مسير الجاريات قال لا قال أ فتقضي على الثابتات قال لا قال فأخبرني عن طول الأسد و تباعده عن المطالع و المراجع و ما الزهرة من التوابع و الجوامع قال لا علم لي بذلك قال فما بين السواري إلى الدراري و ما بين الساعات إلى الفجرات و كم قدر شعاع المدارات و كم تحصيل الفجر في الغدوات قال لا علم لي بذلك قال هل علمت يا دهقان أن الملك اليوم انتقل من بيت إلى بيت في الصين و تغلب برج ماجين و احترقت دور بالزنج و طفح جب سرنديب و تهدم حصن الأندلس و هاج نمل السيح و انهزم مراق الهند و فقد ربان اليهود بإيلة و جدم بطريق الروم برومية و عمي راهب عمورية و سقطت شرافات القسطنطينية أ فعالم أنت بهذه الحوادث و ما الذي أحدثها شرقها و غربها من الفلك قال لا علم لي بذلك قال فبأي الكواكب تقضي في أعلى القطب و بأيها تنحس من تنحس قال لا علم لي بذلك قال فهل علمت
[104]
أنه سعد اليوم اثنان و سبعون عالما في كل عالم سبعون عالما منهم في البر و منهم في البحر و بعض في الجبال و بعض في الغياض و بعض في العمران فما الذي سعدهم قال لا علم لي بذلك قال يا دهقان أظنك حكمت على اقتران المشتري و زحل لما استنارا لك في الغسق و ظهر تلألؤ المريخ و تشريقه في السحر و قد سار فاتصل جرمه بنجوم تربيع القمر و ذلك دليل على استخلاف ألف ألف من البشر كلهم يولدون اليوم و الليلة و يموت مثلهم و يموت هذا و أشار إلى جاسوس في عسكره لمعاوية فلما قال ذلك ظن الرجل أنه قال خذوه فأخذه شي‏ء في قلبه و تكسرت نفسه في صدره فمات لوقته فقال للدهقان أ لم أرك عين التقدير في غاية التصوير قال بلى يا أمير المؤمنين فقال يا دهقان أنا مخبرك أني و صحبي هؤلاء لا شرقيون و لا غربيون إنما نحن ناشئة القطب و ما زعمت البارحة أنه انقدح من برج الميزان فقد كان يجب أن يحكم معه لي لأن نوره و ضياءه عندي فلهبه ذهب عني يا دهقان هذه قضية عيص فاحسبها و ولدها إن كنت عالما بالأكوار و الأدوار و لو علمت ذلك لعلمت أنك تحصي عقود القصب في هذه الأجمة و مضى أمير المؤمنين (عليه السلام) فهزم أهل النهروان و قتلهم فعاد بالغنيمة و الظفر فقال الدهقان ليس هذا العلم بأيدي أهل زماننا هذا علم مادته من السماء .

الحديث الرابع و العشرون : في رواية حديث الدهقان مع أمير المؤمنين (عليه السلام) بإسناد و تفصيل غير الأول و هو أطول
[105]
و أكمل رويناه بإسناد متصل إلى الأصبغ بن نباتة قال : لما رحل أمير المؤمنين (عليه السلام) من نهر براثا إلى النهروان و قد قطع جسرها و سمرت سفنها فنزل و قد سرح الجيش إلى جسر بوران و معه رجل من أصحابه قد شك في قتال الخوارج فإذا رجل يركض فلما رأى أمير المؤمنين (عليه السلام) قال البشرى يا أمير المؤمنين .

قال : و ما بشراك ؟

قال : لما بلغ الخوارج نزولك البارحة نهر براثا ولوا هاربين.

فقال له علي (عليه السلام) : أنت رأيتهم حين ولوا ؟

قال : نعم .

قال : كذبت , لا و الله ما عبروا النهروان و لا تجازوا الأثيلات و لا النخيلات حتى يقتلهم الله عز و جل على يدي عهد معهود و قدر مقدور لا ينجو منهم عشرة و لا يقتل منا عشرة .

فبينا هو كذلك إذ أقبل إليه رجل يقتدى برأيه في حساب النجوم لمعرفته بالطوالع و المراجع و تقويم القطب في الفلك و معرفته بالحساب و الضرب و التجزئة و الجبر و المقابلة و تاريخ السندآباد و غير ذلك فلما بصر بأمير المؤمنين (صلى الله عليه وآله وسلم) نزل عن فرسه و سلم عليه و قال : يا أمير المؤمنين لترجعن عما قصدت إليه ; و كان الرجل دهقانا من دهاقين المدائن و اسمه سرسفيل سوار .

فقال (عليه السلام) له : و لم يا سرسفيل سوار ؟

فقال : تناحست النجوم السعدات و تساعدت النجوم النحسات فلزم الحكيم في مثل هذا اليوم الاختفاء و القعود و يومك هذا يوم مميت تغلب فيه برجان و انكسف فيه الميزان و اقتدح زحل بالنيران و ليست الحرب لك بمكان .

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) له : أخبرني يا دهقان عن قصة الميزان و في أي مجرى كان برج السرطان ؟

[106]
قال : سأنظر لك ; فضرب بيده على كمه و أخرج زيجا و أسطرلابا .

فتبسم أمير المؤمنين (عليه السلام) و قال له : يا دهقان أنت مسير الثابتات ؟

قال : لا .

قال : أ فأنت تقضي على الحادثات ؟

قال : لا .

قال : يا دهقان فما ساعة الأسد من الفلك ؟ و ما له من المطالع و المراجع ؟ و ما الزهرة من التوابع و الجوامع ؟

قال : لا أعلم يا أمير المؤمنين .

قال : فعلى أي الكواكب تقضي على القطب ؟ فما هي الساعات المتحركات ؟ و كم قدر الساعات المدبرات ؟ و كم تحصيل المقدرات ؟

قال : لا علم لي بذلك يا أمير المؤمنين .

قال : يا دهقان صح لك علمك إن البارحة انقلب بيت في الصين ; و انقلب آخر بدمانسين ; و احترقت دور الزنج أو تحطم منار الهند ; و طفح جب سرنديب ; و هلك ملك إفريقية ; و انقض حصن الأندلس ; و هاج نمل السيح ; و فقد ربان اليهود بإيلة ; و جذم بطريق النصارى بإرمينية ; و عمي راهب عمورية ; و سقطت شرفات القسطنطينية ; و هاجت سباع البر على أهلها ; و رجعت رجال النوبة للراهج ; و التقت الزرف مع الفيلة ; و طار الوحش إلى العلقين ; و هاجت الحيتان إلى الحضرين ; و اضطربت الوحوش بالأنقلين ; أ فأنت عالم بهذه الحوادث ؟ و ما أحدثها من الفلك شرقية أم غربية ؟ و أي برج أسعد صاحب النحس ؟ و أي برج أنحس صاحب السعد ؟

قال : لا علم لي بذلك .

قال (عليه السلام) : فهل دلك علمك أن اليوم سعد فيه سبعون عالما في كل عالم سبعون ألف عالم منهم في البحر و منهم في البر و منهم في الجبال و منهم في السهل و الغياض و الخراب و العمران ; فأبن لنا ما الذي من الفلك أسعدهم ؟

فقال : لا علم لي بذلك يا أمير المؤمنين .

قال : يا دهقان فأظنك
[107]
حكمت على اقتران المشتري بزحل حين لاحا لك في الغسق قد شارفهما و اتصل جرمه بجرم القمر و ذلك استخلاف مائة ألف من البشر كلهم يولدون في يوم واحد و استهلاك مائة ألف من البشر كلهم يموتون الليلة و غدا و هذا منهم - و أشار بيده إلى سعد بن مسعود الحارثي - و كان في عسكره جاسوسا للخوارج فظن أن عليا (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول خذوا هذا فقبض على فؤاده و مات من وقته ; ثم قال (عليه السلام) له : ألم أرك عين التوفيق أنا و أصحابي هؤلاء لا شرقيون و لا غربيون إنما نحن ناشئة القطب و أعلام الفلك فأما ما زعمت أن البارحة اقتدح في برجي النيران فقد كان يجب عليك أن تحكم به لي فإن ضياءه و نوره عندي و حرقه و لهبه ذاهب عني فهذه قضية عقيمة فاحسبها إن كنت حاسبا و اعرفها إن كنت عارفا بالأكوار و الأدوار و لو علمت ذلك لعلمت عدد كل قصبة في هذه الأجمة و أشار إلى أجمة قصب كانت عن يمينه .

فتشهد الدهقان و قال : يا مولاي إن الذي فهم إبراهيم و موسى و عيسى و محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) فهمكها و هو الله تعالى يا أمير المؤمنين لا أثر بعد عين مد يدك ; فأنا : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله و أنك الإمام و الوصي المفترض الطاعة .

الحديث الخامس و العشرون : فيما روي عمن قوله حجة في العلوم بصحة علم النجوم نقلناه من كتاب نزهة الكرام و بستان العوام تأليف محمد بن الحسين الرازي و هذا الكتاب خطه بالعجمية فكلفنا
[108]
من نقله إلى العربية فذكر في أواخر المجلد الثاني منه ما هذا لفظ من عربه .

و روي : أن هارون الرشيد أنفذ إلى موسى بن جعفر (عليه السلام) من أحضره فلما حضر قال له إن الناس ينسبونكم يا بني فاطمة إلى علم النجوم و إن معرفتكم بها جيدة و فقهاء العامة يقولون إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال إذا ذكر أصحابي فاسكتوا و إذا ذكر القدر فاسكتوا و إذا ذكر النجوم فاسكتوا و أمير المؤمنين علي كان أعلم الخلائق بعلم النجوم و أولاده و ذريته التي تقول الشيعة بإمامتهم كانوا عارفين بها .

فقال له الكاظم (عليه السلام) : هذا حديث ضعيف و إسناده مطعون فيه و الله تبارك و تعالى قد مدح النجوم فلو لا أن النجوم صحيحة ما مدحها الله عز و جل و الأنبياء (عليهم السلام) كانوا عالمين بها قال الله عز و جل في إبراهيم خليله (عليه السلام) وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ و قال في موضع آخر فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ فلو لم يكن عالما بالنجوم ما نظر فيها و لا قال إني سقيم و إدريس (عليه السلام) كان أعلم أهل زمانه بالنجوم و الله عز و جل قد أقسم فيها بكتابه في قوله تعالى فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ وَ إِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ و في قوله بموضع آخر فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً يعني بذلك اثني عشر برجا و سبع سيارات و الذي يظهر في الليل و النهار هي بأمر الله تعالى و بعد علم القرآن لا يكون أشرف من علم النجوم و هو علم الأنبياء و الأوصياء و ورثة الأنبياء الذين قال الله تعالى فيهم وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ و نحن نعرف هذا العلم و ما ننكره .

[109]
فقال هارون : بالله عليك يا موسى هذا العلم لا تظهروه عند الجهال و عوام الناس حتى لا يشيعوه عنكم و تنفس العوام به و غط هذا العلم و ارجع إلى حرم جدك ; ثم قال هارون بقيت مسألة أخرى بالله عليك أخبرني بها .

قال : سل .

قال : بحق القبر و المنبر و بحق قرابتك من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنت تموت قبلي أم أنا أموت قبلك فإنك تعرف هذا من علم النجوم .

فقال له موسى : آمني حتى أخبرك .

فقال : لك الأمان .

قال : أنا أموت قبلك : ما كذبت و لا أكذب ; و وفاتي قريب .

قال : قد بقيت لي مسألة تخبرني بها و لا تضجر .

قال : سل .

قال : أخبروني أنكم تقولون إن جميع المسلمين عبيدنا و إماؤنا و أنكم تقولون من يكون لنا عليه حق و لا يوصله لنا فليس بمسلم .

فقال موسى : كذب الذين زعموا أنا نقول ذلك ; و إذا كان كذلك فكيف يصح البيع و الشراء عليهم و نحن نشتري عبيدا و جواري و نعتقهم و نقعد معهم و نأكل معهم و نشتري المملوك و نقول له يا بني و للجارية يا بنية و نقعدهم يأكلون معنا تقربا إلى الله تعالى فلو أنهم عبيدنا و إماؤنا ما صح البيع و الشراء و قد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما حضرته الوفاة الله الله في الصلاة و ما ملكت أيمانكم يعني واظبوا على الصلاة و أكرموا مماليككم من العبيد و الإماء فنحن نعتقهم فهذا الذي سمعته كذب من قائله و دعوى باطلة و لكن نحن ندعي أن ولاء جميع الخلائق لنا ; نعني ولاء الدين و هؤلاء الجهال يظنون ولاء الملك حملوا دعواهم على ذلك ; و نحن ندعي ذلك لقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم غدير خم : من كنت مولاه فعلي مولاه يعني بذلك ولاء الدين و الذي يوصلونه
[110]
إلينا من الزكاة و الصدقة فهو حرام علينا مثل الميتة و الدم و لحم الخنزير فأما الغنائم و الخمس من بعد موت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد منعونا ذلك و نحن إليه محتاجون إلى ما في أيدي بني آدم الذين هم لنا ولاؤهم ; ولاء الدين لا ولاء الملك فإن أنفذ إلينا أحد هدية و لا يقول إنها صدقة نقبلها لقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لو دعيت إلى كراع لأجبت -و كراع اسم قرية - و لو أهدي إلي كراع لقبلت - الكراع يد الشاة - و ذلك سنة إلى يوم القيامة و لو حملوا إلينا زكاة و علمنا أنها زكاة لرددناها فإن كانت هدية قبلناها .

ثم إن هارون أذن له في الانصراف فتوجه إلى الرقة .

ثم تقولوا عليه أشياء فاستعاذه و أطعمه السم فتوفي (عليه السلام) .

الحديث السادس و العشرون : في شهادة من يروي عن المعصوم تعظيم علم النجوم وجدت في كتاب عتيق بإسناد متصل إلى الوليد بن جميع قال : إن رجلا سأله عن حساب النجوم فجعل الرجل يتحرج أن يخبر فقال قال عكرمة سمعت ابن عباس يقول عجز الناس عنه و وددت أني علمته .

و مما رأيت و رويت عن ابن عباس في النجوم ما رويته عن شيخ المحدثين ببغداد محمد بن النجار في المجلد الحادي و العشرين من تذييله على تاريخ الخطيب في ترجمة علي بن طراد .

بإسناده إلى عكرمة قال : قيل لابن عباس إن هاهنا رجلا يهوديا يتكهن و يخبر فبعث عبد الله بن عباس إليه فجاءه فقال له يا يهودي بلغني أنك تخبر بالغيب قال أما الغيب فلا يعلمه إلا الله و لكن إن شئت أخبرتك قال هات قال لك ولد له عشر سنين يختلف إلى الكتاب
[111]
قال نعم قال فإنه يأتي غدا محموما من الكتاب و يموت يوم العاشر و أما أنت فلا تخرج من الدنيا حتى يذهب بصرك فقال هذا ما أخبرتني به عن ابني و نفسي فأخبرني عن نفسك قال أموت رأس السنة قال عكرمة فجاء ابن ابن عباس محموما من الكتاب و مات في اليوم العاشر فلما كان رأس السنة قال ابن عباس يا عكرمة انظر ما فعل اليهودي فأتيت أهله فقالوا مات أمس ثم ما خرج ابن عباس من الدنيا حتى ذهب بصره .