عرض مشاركة واحدة
الصورة الرمزية النّجف الأشرف
النّجف الأشرف
عضو
°°°
افتراضي
الباب السادس فيمن كان عالما بالنجوم من غير الشيعة من المسلمين
فيمن كان عالما بالنجوم من غير الشيعة من المسلمين و بعضهم من الشيعة أو من بعض فرقها المختلفين و صنف فيها أو ظهر صحة حكمه للحاضرين فمن العلماء من أهل الإسلام المعروفين في علم النجوم و علم الكلام :

أبو علي الجبائي فذكر المحسن بن علي التنوخي في كتاب نشوار المحاضرة و أخبار المذاكرة في الجزء الحادي عشر منه و قد ضمن في خطبة كتابه هذا أنه تحقق ما يوجد فيه عنده قال حدثني الحسن بن الأزرق قال كان أبو هاشم بن أبي علي الجبائي لما قدم بغداد يخبرنا أن أباه أبا علي كان كثير الإصابة في علم النجوم و يحدثنا من ذلك بأحاديث كثيرة و أخبرنا أنه حكم له أن يعيش نيفا و سبعين سنة شمسية فكنا لإصابة أبي علي في الأحكام طياب النفوس بهذا الحكم فلما اعتل أبو هاشم علته التي مات فيها ببغداد جئت إليه عائدا فوجدت أخته ابنة أبي علي قلقة عليه فأخذت أطيب نفسها حتى قلت أ ليس قد حكم أبوه أنه يعيش نيفا و سبعين سنة شمسية قالت بلى و لكن على شرط قلت ما هو قالت إنه قال إن أفلت من السنة السادسة و الأربعين و قد اعتل هذه
[155]
العلة الصعبة فيها فقلقي عليه لذلك خوفا من أن يصح الحكم الأول قال الحسن فمات في تلك العلة .

و من إصابات أبي علي الجبائي في أحكام النجوم ما رواه أيضا في نشوار المحاضرة قال حدثني أبو القاسم بن بدر الرامهرمزي و كان يخلفني على العيار في دار الضرب قال حدثنا أبو محمد عبد الله بن عباس قال : كنت مع أبي علي الجبائي في عسكر مكرم فاجتاز بدار فسمع فيها ضجة بولادة فقال إن صح ما يقول المنجمون فهذا المولود ذو عاهة فدققت الباب فخرجت امرأة فسألتها الخبر فجمجمت ثم خرج رجل كهل فحين رآه أبو علي قال هذه دارك قال نعم قال فكيف هو يعني المولود قال أحنف فأخذ أبو علي يطيب نفسه فقال تتفضل يا أبا علي فتدخل تحنكه و تؤذن في أذنه فلعل الله يجعله مباركا فدخل و حنكه و أذن في أذنه و رأينا و هو أحنف .

و من إصابات أبي علي في النجوم ما حكاه التنوخي في كتاب نشوار المحاضرات أيضا قال : سمعت أبا أحمد بن مسلمة بن الشاهد العسكري المعتزلي الحنفي و كان شيخ بلده يحكي عن رجل من أهل عسكر مكرم وثقه و عظمه قال كنت مع أبي علي الجبائي جالسا في داره في عسكر مكرم فدخل إليه بعض غلمانه فقال له اجلس قال لي زوجة تطلق و أريد الرجوع إليها لحاجة طلبتها فقال أبو علي لبعض من حضر امض معه فإذا ولدت امرأته فخذ الارتفاع و جئني به ففعل فلما كان في غد قال
[156]
لنا أبو علي إن صح حكم التنجيم فإن هذا الولد يموت بعد خمسة عشر يوما فلما كان اليوم السادس عشر و كنا جلوسا ندرس على أبي علي إذ دخل الرجل فقال إن فلانا قد مات يعني ولده فقال أبو علي قوموا فأحضروه و وفوه حقه .

و من إصابات أبي علي ما ذكره التنوخي أيضا في كتابه المذكور قال حدث أبو هاشم بن أبي علي الجبائي قال : كان أبو علي أحذق الناس في علم النجوم فولد في جواره مولود فقالت أمه لأبي علي إني أحب أن تأخذ طالعه و كان ليلا فأخذ الأسطرلاب و عمل مولده و حكم بأشياء صحت كلها بعد ذلك أقول و هذا الحديث غير الحديث الأول لأن ذاك أتاه حين ولادته و هو يدرس نهارا و أمر هو من غير أن يطلب الوالد عمل طالع للولد و حكم بوفاته و هذا الحديث يتضمن أن الولادة كانت ليلا و أن والدة الصبي طلبت أخذ طالعه و لم يذكر حكم لهذا المولود بوفاة .

و من أخبار أبي علي الجبائي بالاعتذار عن العمل بأحكام النجوم ما ذكره التنوخي أيضا قال أخبرني غيرs واحد من أصحابنا أن عبد الله بن عباس الرامهرمزي المتكلم أخبره قال : أردت الانصراف من محل أبي علي الجبائي إلى بلدي فجئته مودعا فقال يا أبا محمد لا تخرج اليوم فإن المنجمين يقولون من سافر هذا اليوم في سفينة غرق فأقم إلى يوم كذا و كذا فإنه محمود عندهم فقلت أيها الشيخ مهما تعتقده في قولهم كيف تجيبني بهذا فقال يا أبا محمد لو أخبرنا مخبر و نحن في طريق بأن فيه سبعا أ ليس
[157]
أن يجب في الحكم علينا أن لا نسلك ذلك الطريق إذا قدرنا على سلوك غيره و إن كان المخبر ممن يجوز عليه الكذب فقلت نعم قال فهذا مثله و قد يجوز أن يكون الله تعالى أجرى العادات بأن تكون الكواكب إذا نزلت هذه المواضع حدث كذا فلا جرم أن الحزم أولى قال فأخرت خروجي إلى اليوم الذي ذكر .

و من المشهور بعلم النجوم من المسلمين الذين هم قدوة في هذا العلم أبو معشر فقد قال التنوخي في كتاب النشوار المذكور حدثني أبو الحسن بن أبي بكر الأزرق قال : كان في نواحي القفص ضيعة نفيسة لعلي بن يحيى المنجم و قصر جليل فيه خزانة كتب عظيمة يسميها خزانة الحكمة يقصدها الناس من كل بلد يقيمون بها و يتعلمون صنوف العلم و الكتب مبذولة في ذلك لهم و الضيافة مشتملة عليهم و النفقة في ذلك من مال علي بن يحيى فقدم أبو معشر المنجم من خراسان يريد الحج و هو إذ ذاك لا يحسن كثيرا من علم النجوم فوصفت له الخزانة فمضى وراءها فهاله أمرها فأقام بها و أعرض عن الحج و تعلم النجوم و أغرب فيها .

و ذكر محمد بن إسحاق النديم في الجزء الرابع من كتاب الفهرست ما هذا لفظه : أبو معشر جعفر بن محمد البلخي كان أولا من أصحاب الحديث فنزل بالجانب الغربي بباب خراسان من بغداد و كان يضاغن الكندي و يغري به العامة و يشنع عليه بعلوم الفلاسفة فدس إليه الكندي من حسن له النظر في علم الحساب و الهندسة فدخل في ذلك
[158]
فلم يكمل له فعدل إلى علم النجوم فانقطع شره عن الكندي لعلمه أن هذا العلم من جنس علوم الكندي و يقال إنه تعلم النجوم بعد سبع و أربعين سنة من عمره و كان فاضلا حسن الإصابة ضربه المستعين أسواطا لأنه أصاب في شي‏ء و أخبر به قبل وقته و كان يقول أصبت فعوقبت و توفي أبو معشر و قد جاوز المائة بواسط يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من شهر رمضان سنة اثنتين و سبعين و مائتين ثم ذكر محمد بن إسحاق تصانيف أبي معشر .

فمن إصابات أبي معشر في أحكام النجوم ما ذكره التنوخي في النشوار قال حدثني أبو الحسين قال حدثني أبو القاسم سليمان بن مخلد قال : لما بعد أبي إلى مصر اجتذبت البحتري و أبا معشر و كنت آنس بهما لوحدتي و ملازمتي البيت فكانا في أكثر الأوقات عندي فحدثاني يوما أنهما أصابتهما إضاقة شديدة و كانا مصطحبين فخطر لهما أن يلقيا المعتز و هو محبوس و يتردد إليه فلقياه في حبسه فنذكر نحن ما يختص بأبي معشر من الحديث قال أبو معشر و كنت قد أخذت مولده و عرفت عقد البيعة للمستعين و وقت البيعة من المتوكل بالعهد للمعتز و نظرت بها و صححت النظر و حكمت له بالخلافة بعد فتنة و حروب و حكمت على المستعين بالخلع و القتل فسلمت ذلك إليه و انصرفنا و ضربت الأيام ضربها فصح الحكم بأسره فدخلنا جميعا إلى المعتز و هو خليفة و قد خلع المستعين و كان المجلس حافلا قال أبو معشر فقال لي المعتز لم أنسك و قد صح حكمك و قد أجريت لك مائة دينار في كل شهر رزقا و ثلاثين دينارا نزلا و جعلتك
[159]
رئيس المنجمين في دار الخلافة و أمرت لك عاجلا بألف دينار صلة قال فقبضت ذلك كله عاجلا في يومي و روى هذا الحديث مصنف الفرج بعد الشدة .

و من إصابات أبي معشر و منجم آخر معه ما ذكره التنوخي في كتابه نشوار المحاضرة قال حدثني أبو أحمد عبد الله بن عمر بن الحارث الحارثي قال حدثني أبي قال : كنت أحد من يعمل في إحدى خزائن السلاح للمعتمد و كنت قائما بحضرة الموفق في عسكره لقتال الزنج و بحضرته أبو معشر و منجم آخر سماه لي و أنسيته فقال لهما خذا الطالع في شي‏ء قد أضمرته أنا البارحة لأسألكما عنه و أمتحنكما فيه فأخرجا ضميري فأخذا الطالع و عملا زائجته و قالا معا تسألنا عن حمل غير أنسي فقال هو كذلك فما هو ففكرا طويلا ثم قالا حمل بقرة قال هو كذلك فما تلد قالا ثورا قال فما صفته فقال أبو معشر أسود في جبهته بياض و قال الآخر أسود في ذنبه بياض فقال الموفق للناس سأختبر هؤلاء أحضروا البقرة فأحضرت و هي مقربة فقال اذبحوها فذبحت و شق بطنها فأخرج منها ثور صغير أسود أبيض طرف الأنف و قد التف ذنبه فصا على وجهه فتعجب الموفق و من حضر من ذلك عجبا شديدا و أسنى جائزتهما .

و من إصابات أبي معشر و رفيقه ما رواه التنوخي في ذلك الكتاب قال حدثني أبي قال : كنت بحضرة الموفق فأحضر أبا معشر و هذا المنجم فقال لهما في كمي شي‏ء فما هو فقال أحدهما بعد ما أخذ الطالع و عمل
[160]
الزائجة و فكر هو شي‏ء من الفاكهة و قال أبو معشر هو شي‏ء من الحيوان فقال الموفق للآخر أصبت و قال لأبي معشر أخطأت و رمى من يده تفاحة و أبو معشر واقف فتحير و عاود النظر في الزائجة ساعة ثم سعر نحو التفاحة حتى أخذها و كسرها فإذا هي تنتثر دودا فقال أنا أبو فلان فهال الموفق ما رآه منهما في الإصابة و أمر لهما بجائزة .

و من إصابات أبي معشر ما ذكره الزمخشري في ربيع الأبرار فقال ما هذا لفظه ا: فتقدت امرأة بعض الكتاب خاتما فوجهت إلى أبي معشر فسألته فقال : خاتم أخذه الله تعالى فعجبت من قوله ثم وجدته في أثناء ورق المصحف .

و من إصابات أبي معشر ما ذكره أبو حيان علي بن محمد التوحيدي في الجزء الثالث من البصائر فقال ما هذا لفظه : و مر في الكتاب ذكر أبي معشر قال حضرت و سلمة و الزيادي و الهاشمي عند الموفق و كان الزيادي أستاذ أهل زمانه في النجوم فأضمر الموفق ضميرا فقال الزيادي أضمر الأمير رئاسة و سلطانا فقال كذبت فقال سلمة بل أضمر الأمير أمرا جليلا رفيعا فقال و كذبت فقال الهاشمي لست أعرف ما قالا الرأس وسط السماء و صاحب الطالع ناظر إليه و الكواكب ساقطة عنه فقال و كذبت أيضا ثم قال لي هات ما عندك من شي‏ء فقلت أضمر الأمير الله عز و جل فقال لي أحسنت و الله ويلك أنى لك هذا قلت الرأس يرى فعله و لا يرى نفسه كان في رابع درجة من الفلك و لا أعرف له مثلا
[161]
إلا الله عز و جل فهو فوق كل ذي عز و سلطان و ليس فوقه شي‏ء .

و من إصابات أبي معشر ما حكاه أبو سعيد شاذان بن بحر عنه في كتاب الأسرار قال : نزلت في خان ببعض قرى الري و في الخان كاتب بريد العراق قد آنست به و آنس بي و قد نظر في شي‏ء من النجوم فقال لي القمر أين هو فقلت له هل تقيم غدا فإن القمر في تربيع المريخ قال نعم هذا إن ساعدنا المكارون على ذلك فكلمناهم حتى أجابوا على أن نعطيهم العلوفة و سألنا أهل القافلة أن يقيموا فأقبلوا يسخرون منا و ينكرون ما قلنا فأقمنا و ارتحلوا فصعدت إلى سطح الخان و أخذت الارتفاع فإذا الطالع لمسيرهم الثور و فيه المريخ و القمر في الأسد فقلت الله الله في أنفسكم فامتنعوا أن يجيبوا إلى المقام و مضوا فقلت للكاتب أما هؤلاء فأهلكوا أنفسهم فجلسنا و أكلنا و جعلنا نشرب فعاد جماعة من أهل تلك القافلة مجروحين قد قطع عليهم الطريق على فرسخين من الموضع و قتل بعضهم و أخذ ما كان معهم فلما رأوني أخذوا الحجارة و العصا و قالوا يا ساحر يا كافر أنت قتلتنا و قطعت علينا الطريق و تناولوني ضربا و ما خلصت منهم إلا بعد جهد و عاهدت الله أن لا أكلم أحدا من السوقة في شي‏ء من هذا العلم و أنا على العهد أبدا و أرجو أن لا أدعه حتى أموت .

و من إصابات أبي معشر و إبراهيم الحاسب بالبصرة حكمهما لعلي بن محمد صاحب الزنج الخارج بالبصرة على مولده و قد ذكر ذلك محمد بن عبد الملك الهمداني في المجلد الثاني من تاريخه فقال ما هذا لفظه :
[162]
قال عبد الله بن إبراهيم القمي كنت عند إبراهيم الحاسب بالبصرة فحضر عنده شاب حسن الهيئة لا يتكلم و لا يخوض معنا فيما نتذاكره فلما قام الناس عرض عليه إبراهيم إن كانت حاجة له فذكر له أنه من آل أبي طالب و أنه شخص من قم قاصدا إليه و الذي قصد له مكتوم ثم أخرج له صورة مولده و أنه يحتاج إلى موافقة عليه فلما نظره أنكره و استعظمه و قال لست أقدم على الحكم عليه حتى أكتب لأبي معشر جعفر بن محمد البلخي لتثق بما حكمنا به عليه و كتب له و مضى فأتى الجواب يا أبا عمران كان هذا المولد صحيحا فإنه الرجل الذي ذكر ما شاء الله في كتاب الدول و سيكون من أمر هذا الفتى شي‏ء عظيم من إقدامه على الدماء و إخرابه المدن فشخص في المحرم سنة ست و أربعين و مائتين فاتفق حكمه و حكم إبراهيم بذلك و خرج إلى البصرة في رجب سنة تسع و أربعين و مائتين و هي الدفعة الثالثة من خروجه إليها ثم شرح ما جرى عليه و له من حاله .

و من إصابات أبي معشر في انقضاء أمر صاحب الزنج علي بن محمد بن عبد الله و وقت وفاته ما ذكره محمد بن عبد الملك الهمداني في تاريخه عن الليلة التي انقضى أمره فيها فقال حكى لي بعض أصحابه عنه أنه قال : إن مضت هذه الليلة بقيت الأربع عشرة سنة أخرى غير الأربع عشرة الماضية و جعل كل ساعة يقول كم مضى من الليل حتى قلت ساعة فقال في هذه أخاف و كان يقول ذلك من طريق النجوم التي علمها من أبي معشر فهلك في تلك الساعة
[163]
و من إصابات أبي معشر مناظرته للسلماني المنجم في عمره حيث سأله عن القطع الذي يخافه و ما بينه في الجواب عليه و ظهور حجته على السلماني المذكور و قد ذكرنا معاني هذه المناظرة لأنها تتضمن كلاما في النجوم لا فائدة في شرحه بلفظه .

و من إصابات أبي معشر ما أخبر بالمولد الذي حمل إليه من ابن ملك الهند و جوابه لتلميذه شاذان بن بحر لما اعترضه في الحكم الذي حكم به و ظهور حجة أبي معشر و قد حكينا معنى هذا دون لفظه لأنه كانت مناظرته في النجوم موضع قائمة .

و من آيات الله جل جلاله في تعجيز أبي معشر عن تدبير نفسه و خلاصها من مرض مرض به مع علمه بالنجوم و دلائلها و اطلاعه على دقائق معانيه و جلائها قال شاذان : كان أبو معشر على علمه و فهمه و تقدمه في هذه الصناعة يصيبه الصرع عند امتلاء القمر في كل شهر مرة و كان لا يعرف لنفسه مولدا و لكن كان قد عمل مسألة عن عمره و أحواله و سأل فيها الزيادي المنجم ليكون أصح دلالة إذا اجتمع عليها طبيعتان طبيعة السائل و طبيعة المسئول فخرج طالعه تلك المسألة السنبلة و القمر في العقرب في مقابلة الشمس و المريخ ناظر إلى القمر في بيت الولد و هذه الصورة توجب الصرع .

و من إصابات المنجمين المعروفين بأسمائهم عند أبي معشر ما ذكره التوحيدي في الجزء الثالث من البصائر فقال ما هذا لفظه
[164]
أخبرني محمد بن موسى المنجم الجليس و ليس هو الخوارزمي قال حدثني يحيى بن أبي منصور قال : دخلت أنا و جماعة من المنجمين إلى المأمون و عنده إنسان قد تنبأ و نحن لا نعلم و قد دعا بالقضاة و لم يجيئوا بعد فقال لي و لمن حضر من المنجمين اذهبوا فخذوا طالعا لدعوى رجل في شي‏ء يدعيه و عرفوني ما يدل عليه الفلك من صدقه أو كذبه و لم يعلمنا المأمون أنه متنبئ فجئنا إلى بعض تلك الغرف فأحكمنا الطالع و صورناه فوقع الشمس و القمر في دقيقة واحدة و سهم السعادة و سهم الغيب في دقيقة الطالع و الطالع الجدي و المشتري في السنبلة ينظر إليه و الزهرة و عطارد في العقرب ينظران إليه فقال كل من حضر غيري كل ما يدعيه صحيح و له حجة زهرية و عطاردية فقلت أنا هو في طلب تصحيح و تصحيح الذي يطلبه لا يتم و لا ينتظم فقال من أين قلت لأن صحة الدعاوي من المشتري في تثليث الشمس و تسديسها إذا كانت الشمس غير منحوسة و هذا يخالف هبوط المشتري و المشتري ينظر إليه نظر موافقة إلا أنها فاسدة بهذا البرج و البرج كاره له فلا يتم التصديق و التصحيح و الذي قالوا من حجة عطاردية و زهرية إنما هو ضرب من التحسين و التزويق و الخداع فتعجب المأمون و قال لله درك ثم قال أ تدرون من الرجل قلنا لا قال هذا و يزعم أنه نبي فقلت يا أمير المؤمنين أ فمعه شي‏ء يحتج به فسأله فقال نعم معي خاتم ذو فصين ألبسه فلا يتغير مني شي‏ء و يلبسه غيري فيضحك و لا يتمالك من الضحك حتى ينزعه و معي قلم آخذه فأكتب فيه و يأخذه غيري فلا تنطلق إصبعه
[165]
فقلت يا سيدي هذه الزهرة و عطارد زور عمله بهما فأمره المأمون أن يفعل ما كان ففعل فعلم أنه علاج من الطلسمات فما زال به المأمون أياما كثيرة حتى تبرأ من دعوى النبوة و وصف الحيلة التي احتالها في الخاتم و القلم فوهب له ألف دينار ثم أتيناه بعد فإذا هو أعلم الناس بالنجوم قال أبو معشر و هو الذي عمل طلاسم الخنافس في ديور كثيرة و قال أبو معشر في كتاب الأسرار لو كنت مكان القوم فقد ذهبت عليهم أشياء كثيرة لكنت أقول أول الدعوى باطلة لأن البرج منقلب و المشتري في الوبال و القمر في المحاق و الكوكبان ناظران إلى الطالع في برج كذاب مزور و هو العقرب .

و من العلماء المذكورين بعلم النجوم محمد بن عبد الله بن طاهر قال أبو معشر في كتاب الأسرار و حكاه أيضا التوحيدي في كتاب البصائر ما هذا لفظه : قال أبو معشر زعم محمد بن عبد الله بن طاهر أن فيما وقع إليه من أسرار علم النجوم أن عطارد مع الرأس في أوجه يدل على شي‏ء من النبوة و قد قال الأوائل إن الكوكب مع أوجه يكون أقوى له و لكن البنوة لم أسمع بها إلا من محمد بن عبد الله بن طاهر .

و من المعروفين بعلم النجوم و الإصابة فيها هو ولد يحيى بن يعقوب فمن حكايته في ذلك ما ذكره التنوخي في كتابه قال حدثني أبو الحسين قال حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج النحوي قال : كنت أؤدب القاسم بن عبيد الله و كان أبوه إذ ذاك يحضر الديوان فلما
[166]
أخرجه من المكتب كنت معه في الديوان ببادوريا و هو معه فيه و له من العمر ست عشرة سنة و أبوه متعطل و ذلك في وزارة إسماعيل بن بلبل للموفق و المعتمد و كان معه في ذلك الديوان جماعة من أولاد الكتاب و فيهم فتى نجيب من ولد يعقوب بن فرازون النصراني و كان يفهم النجوم فقال له ذلك الفتى يا سيدي أرى فيك نجابة و صناعة و لك حظ في الرئاسة و قد رأيت مولدك و هو يدل على أنك تتقلد الوزارة و تطول أيامك فيها فاكتب لي خطا يكون معي تذكر فيه اجتماعنا و تضمن لي أن يكون لي حظ منك إذ ذاك حق بشارتي لك قال فأخذ القرطاس و كتب فيه بحسن خطه ليلقني فلان إذا بلغني الله ما أحب لأبلغه ما يحب إن شاء الله فحدثت أباه في ذلك ففرح و قال قد و الله سررتني بذلك و أحضر المنجمين و أخرج مولده فحكموا له بالوزارة و أنه يتقلدها سنة ثمان و سبعين فخلف أباه على وزارة المعتضد في إمارته و دامت إياه إلى أن مات فقال لي الزجاج لما ولي القاسم الوزارة بعد موت أبيه و دخل داره وقفت في صحن الدار لينصرف الناس و دخل هو ليستريح فيخرج للناس فلا أنسى هيبتي عند غلمانه حيث دخلت عليه فلم أمنع فوجدته قد صلى و سلم و هو يدعو الله في خلوته و ليس بحضرته أحد فلما رآني قام إلي فانكببت على رجله فقال لي يا سيدي يا أبا إسحاق أنت أستاذي و هذا الذي أعتقده في إكرامك و كان في نفسي أن أعاملك قبل أن تشرفني عند حضور الناس و توقير مجلس الخلافة و إذا فعلت ذلك فهو حقك علي و إذا لم أفعله فهو
[167]
نقص حق العلم و العمل قال ثم ما أنكرت منه شيئا في عشرة و لا مخاطبة عما كان يعاملني به إلى أن مات .

و من المشهورين بعلم النجوم من المسلمين و بمعرفتها و صحة الحكم فيها محمد بن علي التنوخي والد مصنف نشوار المحاضرة فقال ولده في الجزء السادس من كتابه المذكور : كان أبي يحفظ للطالبين سبعمائة قصيدة و مقطوعة سوى ما لغيرهم من المحدثين و المخضرمين و الجاهلية و لقد رأيت له دفترا بخط يده يحتوي على رءوس ما حفظه و هو عندي الآن في نيف و ثلاثين ورقة أثمان منصوري لطاف و كان يحفظ من اللغة و النحو شيئا عظيما و مع ذلك كان علم الفقه و الفرائض و الشروط و المحاضرة و السجلات رأس ماله و كان يحفظ منه ما قد اشتهر به و كان يحفظ من الكلام و المنطق و الهندسة الكثير و كان في علم النجوم و الأحكام و الهيئة قدوة و كذلك في علم العروض و له فيها و في الفقه و غيره عدة كتب مصنفة و كان مع ذلك يحفظ و يحدث فوق عشرين ألف حديث و ما رأيت أحدا أحفظ منه و لو لا أن حفظه متفرق في هذه العلوم لكان أمرا هائلا فمن إصاباته ما قال ولده كان أبي حول مولد نفسه في السنة التي مات فيها فقال لنا هذه سنة قطع على مذهب المنجمين و كتب بذلك إلى بغداد إلى الحسن بن البهلول القاضي ينعى نفسه إليه و يوصيه فلما اعتل أدنى علة قبل أن تتحكم أخرج التحويل و نظر فيه طويلا و أنا حاضر فبكى و أطبقه و استدعى كاتبه و أملى عليه وصيته التي مات عنها و أشهد فيها من يومه فجاء أبو القاسم
[168]
غلام زحل المنجم فأخذ يطيب نفسه و يورد عليه شكوكا فقال يا أبا القاسم ليس يخفى عليك فأنسبك إلى غلط و لا أنا ممن يجوز عليه هذا فتستغفلني ثم جلس فأوقفه على الموضع الذي خافه و أنا حاضر ثم قال له دعني من هذا لست أشك إذا كان يوم الثلاثاء العصر لسبع بقين من الشهر فهي ساعة قطع عندهم فأمسك أبو القاسم غلام زحل لأنه كان خادما لأبي فبكى أبي بكاء طويلا و قال يا غلام ائتني بتحويل مولدي فجاء به ففتل التحويل و قطعه و ودع أبا القاسم توديع مفارق فلما كان ذلك اليوم بعينه العصر مات كما قال .

و من الموصوفين بعلم النجوم من المسلمين أبو القاسم غلام زحل و قد حكى الشيخ الفاضل المحسن بن علي التنوخي في الجزء السادس من نشوار المحاضرة عنه جملا و ذكر طرفا من فضله و إصابته في الأحكام بالنجوم فقال : و من العجيب حكمه في قتل أبي يوسف فإنه قد كان يخدمه في النجوم أبو القاسم غلام زحل المنجم و هو الآن شيخ من شيوخ المنجمين في الأحكام و كان أبي يقدمه في هذه الصناعة و يستخدمه فيها و يسلم إليه سني تحويل مولده و مولدي إذا قطعه قاطع من عملها بيده لأنه كان قلما يأخذ تحاويلنا بيده بل يولي ذلك غيره و أبو القاسم الآن مقيم بخدمة الأمير عضد الدولة بشيراز فقال أبو القاسم هذا لأبي يوسف البريدي في اليوم الذي عزم فيه الركوب إلى الإيلة ليسلم فيه على أخيه أبي عبد الله أيها الأستاذ لا تركب فإن هذا اليوم يوجب تحويلك فيه
[169]
عليك قطعا بالحديد فقال يا فاعل إنما أركب إلى أخي فممن أخاف و خرج بالطيارة فعاد غلام زحل فأخرج جميع ما كان له في الدار من أثاث و ذهب لينصرف فقال له الحجاب إلى أين قال أهرب لأن الدار بعد ساعة تنهب و مضى أبو يوسف إلى أبي عبد الله فقتله في ذلك اليوم و كان هذا الخبر مشهورا عن أبي القاسم غلام زحل نقله أبي و شهد بصحته و كان يحكي ذلك في تلك الأيام و أنا صبي فأسمع ذلك و كان يعده من إصابات غلام زحل .

و من إصابات التنوخي ما حكاه ولده في الجزء الرابع من النشوار قال حدثني أبي قال : كنت أتقلد القضاء بالكرخ و كان بوابي بها رجلا من أهل الكرخ و له ابن سنه نحو اثنتي عشرة سنة و كان يدخل داري بلا إذن و يمزح مع غلماني و أهب له في الأوقات الدراهم و الثياب كما يفعل الناس بأولاد الغلمان ثم خرجت من الكرخ و رحلت و لم أعرف للرجل البواب و لا لابنه خبرا و مضت على ذلك السنون فأنفذني أبو عبد الله البريدي من واسط برسالة إلى ابن بويه فلقيته بدير العاقول و انحدرت أريد واسطا فقيل إن بالطريق لصا يعرف بالكرخي مستفحل الأمر و كنت خرجت بطالع اخترته على موجب تحويل مولدي لتلك السنة فاستظهرت به عند نفسي و كفاني الله أمر اللص و ذلك أني لما عدت من دير العاقول خرج علينا اللصوص في عدة سفن بقسي و نشاب و سلاح شاك و هم نحو مائة نفس كالعسكر العظيم و كان معي غلمان يرمون فحلفت أن من رمى منهم ضربته إذا صرنا في البلد
[170]
مائتي مقرعة ثم بادرت فأخذت ذلك السلاح الذي معهم و رميته في الماء و ذلك أني خفت أن يقصدنا اللصوص فلا يرضون إلا بقتلي و استسلمت للأمر طلبا للسلامة في نفسي و جعلت أفكر في الطالع الذي خرجت فيه فإذا ليس فيه ما يوجب القطع علي و الناس قد أبرزوا إلى الشط و أنا في جملتهم و هم يفرغون السفن و ينقلون ما فيها إلى الشط و يشلحون و يقطعون و كنت في وسط المكان فلما انتهى إلي الأمر جعلت أعجب من حصولي في الخوف و الطالع لا يوجبه و ليس أتهم عملي في هذا فأنا كذلك إذا سفينة فيها رئيسهم قد طرح علي كما كان يطرح على سفن الناس ليشرف على ما يوجد فحين رآني منع أصحابه من انتهاب مالي أو شي‏ء من سفينتي و صعد وحده إلى أن صار قدامي و تأملني طويلا ثم انكب يقبل يدي و كان متلثما فلم أعرفه فعجبت و قلت يا هذا ما لك فأسفر و قال أ ما تعرفني يا سيدي فتأملته و أنا جزع فلم أعرفه فقلت لا و الله قال بلى أنا عبدك ابن فلان بوابك الكرخي هناك و أنا الصبي الذي ربيت في دارك فبررتني فتأملته فإذا الخلقة خلقته إلا أن اللحية قد غيرته في عيني فسكن روعي قليلا و قلت في الحال يا هذا كيف بلغت إلى هذا الحال قال سيدي نشأت فلم أتعلم غير معالجة السلاح و جئت إلى بغداد أطلب الديوان فما طلبني أحد إلى هذا الحال فطلبت قطع الطريق فلو كان أنصفني السلطان و أنزلني بحيث أستحق من الشجاعة ما فعلت هذا بنفسي فأقبلت أعظه و أخوفه الله ثم خشيت أن يشق ذلك عليه فتفسد رعايته لي فاقتصرت فقال يا سيدي لا يكون بعض هؤلاء أخذ منك شيئا قلت لا
[171]
ما ذهب منا إلا السلاح رميته أنا في الماء و شرحت له القصة فضحك و قال و الله قد أصاب القاضي فمن بالمكان ممن يعني به فقلت كلهم عندي بمنزلة واحدة في الغم بهم فلو فرجت عن الجميع فقال و الله لو لا أن أصحابي تفرقوا بما أخذوا لفعلت ذلك و لكنهم لا يطيعون إلى رده و لكن ما بقي من السفن في المكان الذي لم يؤخذ بعد فلا يمسه أحد فجزيته الخير فصعد إلى الشط و أصعد أصحابه و منع أن يؤخذ شي‏ء مما في السفن الباقية فما تعرضها أحد و رد على القوم أشياء كثيرة مما أخذت منهم و أطلق الناس و سار معي في أصحابه إلى أن أوصلني إلى المأمن ثم ودعني و رجع .

و من المعروفين بعلم النجوم و الإصابة في الحكم عبد الله بن محمد بن عبد الله بن طاهر ذكر ذلك المعافي بن زكريا في كتاب الجليس الصالح و الأنيس الناصح فقال في إسناده : أن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن طاهر كان مولده في السرطان فلما كان ذات ليلة و هو عند أهله قال إن مولدي في السرطان و إن طالع السنة السرطان و إن القمر الليلة يكسف في السرطان و هي الساعة الأخيرة فإن نجوت الليلة فسأبقي إلى سنين و إن كانت الأخرى فإني ميت لا محالة فقالوا له بل يطيل الله عمرك فلما كانت الليلة دعا غلاما له و كان قد علمه النجوم فأصعده قبة له و أعطاه بنادق و أسطرلابا و قال له خذ الطالع فكلما مضى من انكساف القمر دقيقة فارم بندقة فلما انكسف من القمر ثلاثة قال لأصحابه ما تقولون في رجل قاعد معكم يقضي و يمضي و قد ذهب ثلث عمره فقالوا بل يطيل الله عمرك أيها الأمير فلما انكسف من
[172]
القمر ثلثاه عمد إلى جواريه فأعتق منهن من أحب و إلى ضياعه فوقف منها ما وقف و قال لأصحابه ما تقولون في رجل بينكم يقضي و يمضي و قد ذهب من عمره ثلثاه فقالوا بل يطيل الله بقاء الأمير فلما انقضى من الثلث الثالث دقيقتان قال لهم إذا استغرق القمر فامضوا إلى أخي عبيد الله ثم قام فاغتسل و لبس أكفانه و تحنط و دخل إلى بيت الله و رد عليه الباب و اضطجع فلما استغرق القمر في الانكساف فاضت نفسه فدخلوا عليه فإذا هو ميت فانطلقوا إلى عبيد الله أخيه ليعلموه فإذا عبيد الله في طيارة قد سبقهم فقال لهم مات أخي قالوا نعم فقال لهم ما زلت آخذ الطالع حتى استغرق القمر في الخسوف فعلمت أنه قد قبض ثم دخل فانكب على أخيه باكيا طويلا ثم خرج و هو يقول شعرا فيه من جملته هد ركن الخلافة الموطود زال عنها السرادق الممدودحط فسطاطها المحيط عليها ملن أطنابها فمال العمودكسف البدر و الأمير جميعا فانجلى البدر و الأمير عميدعاود البدر نوره فتجلى و نور الأمير ليس يعود.

فلما حمل السرير أنشأ أخوه يقول.

تداولت الأكف على سرير *** ألا لله ما حمل السرير

أكف لو تمد إليه حيا *** إذن رجعت و أطولها قصير

تباشرت القبور به و أضحى *** تبكيه الأرامل و الفقير

[173]
و ممن اشتهر بعلم النجوم من ملوك المسلمين جماعة من الخلفاء المصريين المنسوبين إلى إسماعيل ابن مولانا الصادق (عليه السلام) فرأيت في كتاب قد صنفه النعمان المؤرخ لفضائلهم يقول في بعض كلامه ما يحكيه عن المسمى بالمعز ما هذا لفظه : و لقد كان المنصور أعلم الناس بالنجوم و لقد قال غير مرة ما نظرت و الله فيها إلا طلبا لعلم توحيد الله تعالى و تأثير قدرته و عجائب خلقته و قد عانيت ما عانيت بالحروف و غيرها فما عملت في شي‏ء من اختيار النجوم و لا التفت إليه و من ذلك ما ذكره النعمان هذا في وصفه المعز أيضا بعلم النجوم فقال ما هذا لفظه و أما الطب و الهندسة و علم النجوم و الفلسفة فالنقاد من أهلها عيال عليه و بين يديه و كلهم كل عليه و من ذلك ما حكاه النعمان عنه أيضا فقال ما هذا لفظه و ذكر المعز يوما أن رجلا قد ورد عليه من المغرب يعني بعلم النجوم فأحسن أمير المؤمنين منزله و كساه و حمله و أجرى عليه جراية من كان مثله ممن بعدت رحلته إليه و لم يلبث قليلا حتى سأل الإذن في الانصراف فأذن له فكنا نتعجب من ذلك و نسأل عنه فقال المعز يوما و أنا بين يديه أ لا أخبرك بسبب انصرافه قلت يفعل ذلك أمير المؤمنين إذا رأى قال إن هذا الرجل لما وفد علينا و صار إليه من دخلنا ما صار إليه حسده بعض أهل صنعته ممن أولع بالشناعة علينا فذكر له مولدا من المواليد و قال له ما ترى لمن ولد بهذا المولد فقال له إن النحوس تداخلته و لا أشك أن أيامه انقضت قال له فذلك الذي أنت في منزله و قصدك إليه بعينه و هذا مولده فرأى للضعيف العقل أن انصرافه منا بما قال ذلك غنيمة فسأل الإذن و قد انتهى إلينا ما قيل له فأذنا له
[174]
فانصرف و لقد دفع إلينا في حال انصرافه رقعة يعرض فيها بالصلة و قد كنت قبل ذلك أمرت له بمائتي دينار فصرت في صرة و كنت على البعثة بها إليه ثم نظرت إلى وقت وقع فرأيته وقت سعد فقلت لا أظن إلا أنه قد تحرى لدفع رقعته هذا السعد و لكن و الله لا يصدق ذلك عنده فتركتها على أن نعطيها له في وقت آخر على غير سؤاله فأنسيتها و خرج محروما .

و من ذلك حكاية ذكرها النعمان تتعلق بالمعز نذكر ما نحتاج إليه من لفظها و معناها : ذكر أنه لما أراد المعز بناء قصره المعروف بقصر البحر كان يحتاج أن يكون الابتداء بعد شهر فرأى في نومه كان رجلا دخل عليه و قال له قد أتيتك لأسألك عما تريد أن تصنع قال قلت فمن أنت قال بطليموس قلت أي بطليموس أنت قال بطليموس المعروف المذكور قلت صاحب الحساب و التنجيم قال نعم قلت و صاحب كتاب المجسطي قال نعم قلت فما كان دينك و مذهبك قال توحيد الله قلت فما ذا صرت إليه قال إلى خير بحمد الله ثم قال ابتدئ في القصر يوم الثلاثاء قلت أي يوم الثلاثاء قال هذا الآتي قلت سبحان الله ما يتهيأ لي أن أقيس الموضع في هذه المدة فضلا عن أن أدبر ما أردته فقال ابدأ فيه يوم الثلاثاء على كل حال بما أمكن من العمل فإنه يوم صالح فانتبهت و قلت لأنظرن في قول أهل النجوم في الاختيار و في هذا اليوم الذي قاله فنظرت فلم أر يوما على ما قالوه إلى مدة أحسن في الاختيار عندهم من اليوم الذي قاله هو أعني يوم الثلاثاء فابتدأت به أقول قد اقتصرت على بعض ما روي عن خلفاء مصر من علم النجوم
[175]
لشهرته حتى قيل إن علمهم بذلك سبب توصلهم إلى خلافتهم و الله سبحانه العالم بذلك .

و وجدت في كتاب سير الفاطمي الذي ملك طبرستان الحسن بن علي المعروف بالناصر للحق لا يستبعد أن يكون الذي بسط آماله في طلب ذلك معرفته بالنجوم و دلالتها على ما انتهت حاله إليه فقال فيه ما لا يحضرني في ذكر كلما أعتمد عليه لكن أذكر رواية مختصرة بمعرفته بعلم النجوم المشار إليه فقال ما هذا لفظه : قال أبو الحسن الآملي رحمه الله سمعت حمزة بن علي العلوي الآملي رحمه الله يقول ما كان من العلوم علم إلا و الناصر للحق كان أعلم به من علمائه ثم ذكر العلوم من كل فن حتى الطب و النجوم و ذكر أيضا مصنف الكتاب المذكور و هو إسفنديار بن مهرنوش النيشابوري و عندي منه الآن نسختان عتيقة و جديدة فقال ما هذا لفظه سمعت أبا الحسن الزاهد الخطيب يقول ما دخل طبرستان من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) مثل الحسن بن علي الناصر للحق قط و لا كان في زمانه في سائر الآفاق مثله ظاهرا و لقد كان طالبا لهذا الأمر إلا أنه وجده عند الكبر و ما كان يفارق العلم و الكتب مع قيامه بهذا الأمر و كثرة اشتغاله حيث كان و أنى كان و لقد كان عالما بكل فن من فنون العلم حتى الطب و النجوم و الشعر و لو كنت قائلا بالتزيد لقلت بإمامته أقول إن المراد من ذكر حديثه أنه كان عالما بالنجوم و هذا المصنف يذكر في خطبة كتابه أن معرفته بعلوم هذا السيد التي اكتسبها
[176]
من الناس المعروفين و من كتب المصنفين هدته إلى القول بإمامته فتعجبت من ضلال الناس عن أئمة الهدى (عليهم السلام) فإن جميع ما سمع منهم و نقل عنهم من العلوم لم يعرف لهم فيها أستاذ و لا رآهم عدو و لا ولي يقرءون على عالم و لا يدرسون في كتب العلماء .

و ممن قال بصحة أحكام النجوم أبو حامد الغزالي مصنف كتاب الإحياء فإنه قال في كتاب التبر المسبوك في نصيحة الملوك في الباب الأول عند ذكر الملوك ما هذا لفظه : و من بعده جاماسب الحكيم و كان صاحب علم النجوم و له فيها الأحكام الصحيحة و ملك سنة و ستة أشهر .

و ممن وصف بعلم النجوم سهلون و يزدجرد من علماء الإسلام فيما ذكره التنوخي في أربع أجزاء النشوار فقال ما هذا لفظه حدثني أبو عبد الله محمد الحارثي قال : كان ببغداد في أيام المقتدر إخوان كهلان فاضلان و عندهما من كل فن مليح و هما من أحرار فارس قد نشئا ببغداد و تأدبا بها و تعلما علوما كثيرة يقال لأحدهما سهلون و للآخر يزدجرد ابنا مهمندار الكسروي و يعرفان بذلك لانتسابهما إلى الأكاسرة و كانا ذوي نعمة قديمة و حالة ضخمة و كنت ألزمهما على طريق الأدب و كان ليزدجرد منهما كتاب حسن ألفه في صفة بغداد و عدد سككها و حماماتها و شوارعها و ما يحتاج إليه في كل يوم من الأقوات و الأموال و ما تحتوي عليه من الناس و عدة كتب أدبية و فلسفية قرأت أكثرها عليه و كان هو و أخوه ينشدان الشعر الجيد لأنفسهما و سهلون بن مهمندار كان لزم
[177]
بعض الرؤساء و عمل له رسائل و قصائد ثم ذكر التنوخي من شعر سهلون ما يقتضي علمه بالنجوم فقال أنشد من شعره :

تعففت عن أخذ الدراهم و البر *** ليمسك من سري فبالغت بالسبر

و لم ير ميلي للجين و للسبر *** و لكن لإكرامي و إن يعرفوا قدري‏

و لست أسوم الناس صعبا من الأمر *** و لا عابني حال من العسر و اليسر

و لا أنا ممن يمدح الناس بالشعر *** و لا أنا من يهجو بشعر و لا نثر

و لكنني رب العلوم و ذو الأمر *** بنظم تغليه الجواري على الدر

و لي دربة طالت على كل عالم *** إذا أعوز الإنسان علم بما يدري‏

من الطب و التنجيم من بعد منطق *** و لا علم إلا ما أحاط به صدري‏

و ها أنا سيف الله علما بدينه *** أذب عن التوحيد في أمم الكفر

ثم ذكر تمام الأبيات و المراد منها ما ذكره عن نفسه في علم النجوم .

و ممن كان عالما عارفا بعلم النجوم و صحة حكمه بها الصاحب إسماعيل بن عباد الطالقاني المعدود من الإفراد في السعادة و العلم و ثناء العباد : فمن ذلك ما وجدته في مجموع عتيق قالبه أكبر من الربع أوله حديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : العلماء في الأرض مثل النجوم في السماء فقال في هذا المجموع :

إن الصاحب كان يتعصب للأمير بدر بن حسنويه و كان يلقى الصاحب في كل عام مرة واحدة بالري و يعرض عليه حوائجه فيقضيها و إذا أراد الانصراف أحسن خلعه و صرفه أحسن صرف فلما انتهى عمره نظر الصاحب بالمولد و علم أن العمر
[178]
تناهي و أن الأجل تداعى و الأمل تواهى أرسل إلى بدر بن حسنويه و استدعاه إليه و قضى كل حاجة كانت له و كانت العادة جرت أن كل ما أراد الانصراف حضر عند الصاحب و قبل يده و خرج منصرفا و لما كانت هذه الكرة الأخيرة خرج الصاحب إلى ظاهر الري و كان الفصل خريفا فوقف وسط قراح قد بذر خريفيا و سقى فحضر بدر بن حسنويه على العادة دار الصاحب ليقبل يده و ينصرف فقيل له إن الصاحب قد خرج بشغل فبادر إليه و توحل و جعل يعالج وحل القراح بالخفين و الجوربين حتى وصل إلى الصاحب و أهوى ليقبل يده فامتنع و قال له أ تدري أيها الأمير لم خرجت و سقيت قال لا قال لأنها آخر الالتقاء بيننا فإن إسماعيل بن عباد يموت بعد مائة و ثلاثة أيام فإذا قضى فإن الشاهنشاه سيجزع جزعا شديدا و يجلس في العزاء سبعة أيام ثم إن أعداء الصاحب سيشيرون عليه بأن يستوزر أبا العباس الضبي فإذا بلغك أيها الأمير أرشدك الله أنه قد قبض عليه ففض ختم هذه الأنبوبة و افتحها و اقض حق إسماعيل بن عباد في العمل بما فيها و أعطاه أنبوبة فضية ثم بكى بكاء شديدا و قال هذا آخر العهد منا و تفرقا فلما انقضت مائة و ثلاثة أيام قضى الصاحب نحبه فجزع عليه فخر الدولة ابن بويه جزعا شديدا و جلس في العزاء سبعة أيام ثم إن وجوه الدولة ساروا إليه و سألوه الخروج من العزاء فقال لهم كيف السبيل إلى ذلك و أنا لا أقر في قرار و الدولة ليس لها نظام و لا استقرار بفقد كافي الكفاة فقالوا عن بكرة أبيهم أيها الشاهنشاه الجزع
[179]
بفقد الصاحب لا يغني و لا يجدي و لكن ولده و معشوقه أبو العباس الضبي لا يقصر عنه أصلا و فصلا و سدادا و فضلا و له في التصرف أثبت قدم و في كيس الرأي أطول يد فاستوزره فإنه خريجه الكافي الوافي فقبل هذا الرأي منهم و أرسل إلى أصفهان و استحضر أبا العباس الضبي فولاه الوزارة و قلده الولاية فلما مضى عليه سنة مشى الأعداء و سعوا فيه فقبض عليه و اتصل الخبر ببدر بن حسنويه ففض ختم تلك الأنبوبة و فتحها فوجد فيها رقعة مكتوبة بخط الصاحب بن عباد نسختها بسم الله الرحمن الرحيم أيا الأمير الوفي أبو النجم بدر بن حسنويه أعزك الله أن أعادي إسماعيل بن عباد أرادوا أن يشمتوا و يشنعوا لعداوتهم أبا العباس الضبي خلصه الله و حماه و أبقاه فقد قبض عليه و إسماعيل عالم عارف أن بدرا يستعان به بعد إسماعيل و كذلك سائر أصحاب الأطراف و المرغوب إلى همة الأمير أبي النجم أن يخلص أبا العباس بروحه و أصحابه و يقضي فيه حق إسماعيل فقد علم أنه لا يتعذر على غرمه ذلك إن شاء الله فأرسل بدر الجواسيس إلى الري و كان قد استقصى و كذلك صاحب طبرستان و غيره فأخبره الجواسيس أن أبا العباس قد استقصي ماله و هو مطالب بروحه محبوس فركب بعسكره حتى أصبح الري فدخلها نهارا جهارا و كسر الحبس و أخرج أبا العباس الضبي و أركبه حصانا و حمله معه إلى نعمته و ذكر بعد هذه الحكاية شعرا مليحا في مدح الصاحب بن عباد و رثائه منه للرضي الموسوي رضي الله عنه قوله :

[180]
أ كذا المنون تقطر الأبطالا *** أ كذا الزمان يقرب الآجالا

أ كذا تغيض الزاخرات و قد طغت *** لحججا و أوردت الظماء زلالا

أ كذا يقام عن الفرائس بعد ما *** ملأت هماهمها الورى أوجالا

يا طالب المعروف حلق نجمه *** حط الرحال و عطل الإجمالا

و أقم على يأس فقد ذهب الذي *** كان الأنام على نداه عيالا

أقول و رأيت في الجزء الثالث من كتاب يتيمة الدهر تأليف عبد الملك بن محمد بن إسماعيل النيشابوري عند ذكر أبي القاسم إسماعيل بن عباد رحمه الله ما يقتضي أن اعتقاده في النجوم على ما دللنا عليه و أنها دلالات و علامات على ما جعلها الله جل جلاله دالة عليه كما أشرنا إليه فقد قال مؤلف الكتاب عن أبي القاسم إسماعيل بن عباد ما هذا لفظه و لما كنى المنجمون عما هو يعرض في سنة موته قال في ذلك :

يا مالك الأرواح و الأجسام و خالق النجوم و الأحكام

‏مدبر الضياء و الظلام *** لا المشتري أرجوه للإنعام

‏و لا أخاف الضر من بهرام *** فإنما النجوم كالأعلام‏

و العلم عند الملك العلام *** يا رب فاحفظني من الأسقام‏

و وقني حوادث الأيام *** و هجنة الأوزار و الآثام

‏هبني لحب المصطفى الخيتام *** و صنوه و آله الكرام

أقول و مما ينبه على أن أبا القاسم إسماعيل بن عباد رحمه الله كان يعتقد أن ربه تعالى كان يمحو ما يشاء و يثبت لا أحكام النجوم زيادة على
[181]
ما تضمنه شعره الذي أشرنا إليه ما ذكره مؤلف كتاب اليتيمة من أبيات شعر له أيضا فقال ما هذا لفظه و كتب على تحويل السنة التي دلت أحكامها على انقضاء عمره هذه الأبيات

أرى سنتي قد ضمنت بعجائب *** و ربي يكفيني جميع النوائب‏

و يدفع عني ما أخاف بمنه *** و يؤمن ما قد خوفوا من عواقب

‏إذا كان من أجرى الكواكب أمره *** معيني فما أخشى صروف الكواكب

‏عليك أيا رب السماء توكلي *** فحطني من شر الخطوب اللوازب

‏و كم سنة حذرتها فتزحزحت *** بخير و إقبال و جد مصاحب‏

و من أضمر اللهم سوءا لمهجتي *** فرد عليه الكيد أخيب خائب

‏فلست أريد السوء بالناس إنما *** أريد لهم خيرا مريع الجوانب‏

و أدفع عن أموالهم و نفوسهم *** بجدي و جهدي باذلا للمواهب‏

و من لم يسعه ذاك مني فإنني *** سأكفاه إن الله أغلب غالب

ثم ذكر أن وفاته كانت ليلة الجمعة الرابعة و العشرين من صفر سنة خمس و ثمانين و ثمان مائة .

و من الذين عرفوا النجوم العالم فإنه سأله المرتضى عن مناظرة وقعت له مع منجم فقال المرتضى رضي الله عنه في الجواب : إنما يناظرك من يقول إن في النجوم دلالات على الحادثات فإن ثبت قوله أن النجوم دلالات كانت هذه الشبهة واردة عليك و عليه و إن بطل قوله أن النجوم دلالات فقد استغنيت عن هذه الشبهة فالمهم النظر منكما هي دلالات
[182]
أم لا فيقال له رحمه الله إن قال لك المنجم إن هذه الشبهة على تقدير محال فلا يلزم الجواب عنها لأنه إذا كانت النجوم دلالات على الحادثات فلا بد أن تدل على ذلك الشي‏ء المفروض إما أن يقع أو لا و يقال له أيضا ما تقول لو قال نبي من الأنبياء لرجل قد أوحى إلي ربك أن تسافر غدا و يفرض أن يقول مخالف الإسلام أترك السفر و أبطل بذلك نبوته فمهما أجبت عن هذا فهو جواب المنجم الذي يقول إن الله جعل النجوم دلالات على الحادثات .

و مما يعارض هذه الشبهة التي ذكر المرتضى أن يتعذر الجواب عنها أن يقال إنما وجدنا العلماء بالعلوم العقلية يزدادون في أنفسهم علوما و تفضيلا فيما لم يكونوا محيطين بها و بعضهم يزداد على بعض في العلوم العقلية و هذه معلومة منهم لا يحسن الجحود بها فما المانع أن يكون المخبر من المنجمين علمه و حكمه أحاط بأنه يكون و لم يحط بالعكس عليه كما أحاط علم يونس بعذاب قومه فوعدهم به و لم يحط بنجاتهم منه و كما أحاط علم موسى (عليه السلام) بأن ميقات قومه ثلاثين ليلة فأخبرهم بها و لم يحط علما بإتمام الثلاثين حتى صارت أربعين ليلة و كما روينا أن منجم النمرود أخبره بأن إبراهيم (عليه السلام) يحرق بالنار و كان عالما بإلقائه فيها و لم يكن أوتي العلم بأنه ينجو منها و قد ذكرنا فيما تقدم من كتابنا هذا من رواه عن الصادق (عليه السلام) و لم يجعل الصادق ذلك طعنا على بطلان علم النجوم فهذا الأصح لأهل العلوم
[183]

....