عرض مشاركة واحدة
الصورة الرمزية الجدار
الجدار
مشرف
علوم الطاقة والمارائيات
°°°
افتراضي رد: مفهوم للعناصر الأربعة
كتاب المدخل الصغير إلى علم الطب للرازي:
وقد كتب أبو بكر محمد بن زكريا الرازي، أحد أشهر أطباء المسلمين وأعلاهم قدرا، كتابا صغيرا سماه (المدخل الصغير إلى علم الطب) (1) وهو كتاب لا بد لمن يريد أن يتعلم الطب في تلك الأزمنة من قراءته وفهمه وتدبره.
وقد لخص فيه الرازي تلخيصا جيدا النظريات الفلسفية الإغريقية في خلق العالم واتبع في ذلك فلسفة أرسطو وأفلاطون واهتم بصفة خاصة بنظرية الفيض التي جاء بها أفلوطين.
خلاصة النظرية اليونانية في خلق العالم وتكوين العناصر بعد تعديلها لتوائم التفكير الاسلامي:
وخلاصة هذه النظرية أن الله سبحانه وتعالى خلق الأشياء على مراحل متعددة (فأول ما أبدع الباري عز وجل الأنوار المضيئة وهي الجواهر البسيطة والأنوار الروحانية التي هي أول الحركات وعنصر الكائنات).
والنور ينقسم إلى قسمين: بسيط لا تدركه الحواس، مخصوص بأعلى العالم. ومركب وهو محسوس وموجود في أسفل العالم.
ومن النور البسيط الذي لا تدركه الحواس خلق الله العقل ومن العقل خلق النفس الناطقة ومن النفس الناطقة خلق النفس الحيوانية ومن الحيوانية خلق النفس الطبيعية الخامدة، وصارت جسما!!.
ومن النفس الطبيعية الخامدة خلق المولى تبارك وتعالى الطبائع البسيطة الأربع وهي: الحرارة والبرودة، والرطوبة واليبوسة. وهي أصل تكوين كل

الأشياء الجسمانية. وأبدع المولى من هذه الطبائع البسيطة الأربع، العناصر الأربعة وهي مركبة هكذا.
1 - ازدوج البرد مع الرطوبة فصار ماء. ولذا كان الماء أول المخلوقات الجسمانية والعناصر الأرضية.
2 - ازدوجت الحرارة مع اليبوسة فصارت نارا.
3 - وارتفعت النار لخفتها ورسب الماء لثقله سفلا فصار بينهما تضاد وتباعد ونتج عن هذا التضاد والتباعد الهواء.
4 - وحرك الباري الهواء بقدرته فصار ريحا. وحرك الريح الماء حتى تلاطمت أمواجه وأرغى زبده. وصار الزبد طبقات بعضها فوق بعض، فجمد بالقدرة وصار ترابا وأرضا.
فهذه هي العناصر الأربعة: الماء والنار والهواء والتراب، ولكل منها صفات:
فالماء بارد رطب ثقيل سيال، والنار حارة يابسة خفيفة، والهواء حار رطب لطيف والتراب (الأرض) بارد يابس ثقيل.
الأمزجة الأربعة في جسم الانسان:
وفي جسم الانسان تمثيل لهذه الطبائع الأربع والعناصر الأربعة، وهي الأمزجة الأربعة: الدم والبلغم والمرة الصفراء والمرة السوداء. ولكل واحد منها صفات ومكان ينبع منه ولها تأثير على مزاج الانسان وحركته وسكونه.
ونفصل ذلك فيما يلي:
1 - الدم: وهو سكن الرطوبة والحرارة وينبوعه الكبد. ومكانه العروق (الأوعية الدموية) وسلطانه في سطح البدن ومقدم الرأس. والذي يلحق النفس من أعراضه: قوة الشهوة للنساء مع غزارة الجماع وغزارة الشعر ونعومته، وكثرة الدم، وخاصية طبعه في المعدة سرعة الهضم وسهولته ونفوذ الغذاء وتغيره وإجادته وإحالته إلى جوهر الدم واللحم.
وصاحب الطبع الدموي Sanguineous Temperament قوي الشكيمة، كثير الحركة، سريع الغضب. وخلق الله عز وجل كما يقول الرازي اللحم والدم والعصب والعروق والقلب والصدر والكلى والأنثيين (الخصيتين) والعضلات واللسان واللوزتين واللهاة من جوهر الدم. وكذلك ما كان رطبا من الجلد.
2 - البلغم Phlegm: وهو سكن البرودة والرطوبة. وخلق الله (كما يقول الرازي) الدماغ والرئة، وكل ما في البدن من الأعضاء الباردة والرطبة من البلغم... فجميع ما نتعارف اليوم عليه بأنه الجهاز العصبي مخلوق حسب هذه النظرية من البلغم وكذلك الجهاز التنفسي لأن من القصبات الهوائية والأنف يخرج البلغم (النفث والبصاق). والبلغم قسمين: قسم من الدماغ وهو ينصب كما ينصب الندى من الجو وسلطانه في مؤخر الصدر وتجتمع أثقاله في مغارة الصلب والظهر كما يقول الرازي.
وقسم من الرئة ويطفو من الرئة إلى أعلى حتى يخرج من الحلق والأنف.
ويلحق النفس من أعراضه (المزاج البلغمي) Phlegmatic Temperament وعلاماته: العجز والكسل والفتور والثقل والنسيان وإبطاء الجواب والسكون وقلة الحركة والحلم واللين. ويلحق الجسم من أعراضه:
السعال وقلة الشهوة للنساء والسلاسة، والارتعاش والفالج (الشلل) وخاصية طبعه في المعدة: تزيد الوهج الكائن عند مرارة الأغذية والأشربة والأدوية وسائر المواد الواردة على البدن. وذلك أن المعدة تتقوى به إذا هو شكلها كما يتقوى النظر بالنظر والجنس بالجنس.
ومسكن البلغم في الرئة. ويتصل برده بنسيم الآناف (جمع أنف) الداخل من الحلق على أنابيب الرئة ثم توصله إلى القلب، إذ هي متصلة به. فيستريح بذلك القلب ويندفع عنه حدوث الحرارة الدخانية (النابعة من جوهر الدم) وتنتبه بذلك قوى النفس والحرارة الغريزية.
3 - المرة الصفراء Yellow Bile: المرة الصفراء حارة يابسة نارية وتفرز من
الحويصلة المرارية Gall Bladdes وهي لاصقة بالكبد لتعين الكبد على طبخ الطعام.
وجعل الله سلطان المرة الصفراء في اليافوخ Fontanelle، لخفتها ولطافتها وارتفاعها. والأذنان من قسمتها وطبعها.
ولها من البدن ما هو حار ويابس وهي تجري مع الدم لازدواجها ومشاكلتها له كالدهن للسراج. ومن خاصية طبعها في المعدة هضم الطعام وطبخه وكذلك حكمها في الكبد.
ويلحق النفس من أعراضها المزاج الصفراوي Bilious Temperament وعلاماته: الحدة والطيش والضجر واللطافة والذكاء والنباهة والشجاعة والاقدام وشهوة النساء والحيطة وسرعة الجواب وكثرة الكلام والحركة. وتطلق لفظ Bilious في اللغة الإنجليزية على الشخص الضجر السئم المتشائم. وكذلك تطلق على من يشعر بالغثيان والضيق (1).
ويلحق الجسم من أعراضها كل ما ظهر من دلائل الحار واليابس ولها في المعدة والكبد والأمعاء خاصية العون على نضج الطعام وهضمه.
4 - المرة السوداء: (Black Bile) Melancholy: مكونة من الأرض ومسكنها الطحال وسلطانها في البصر من الجانب الأيسر من البدن. وبها يكون الصمت والتفكير والحزن والثقل والابطاء والتثبت والنظر في العواقب. ولها من المعدة خاصية الدفع وإمساك الطعام وانتباه الشهوة.
ومنها المزاج السوداوي Melancholic Temperament والمقصود به الكئيب الحزين المتشائم المنقبض المسبب للكآبة. ومنه كلمة الملانخوليا Melancholia وهي حالة سوداوية قد تعتري الانسان وتسبب له كآبة شديدة ويكون ذلك مصحوبا ببعض الهلوسات السمعية والبصرية والاعتقادات الزائفة مع آلام متوهمة في الجسم ولا يزال هذا الاسم يستخدم في الطب النفسي إلى اليوم وفي لغة
البشر. ويسميها العامة المناخوليا ويقصدون بها الجنون... وفي كلامهم بعض الصحة. والمقصود به نوع من الذهان المصحوب بكآبة شديدة مع نوع من الجنون depressive Psychosis _ Manic (1) أو بعض حالات الشيزوفرينا.
باختصار هناك طبائع أربع وهي:
الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة.
وهناك عناصر أربعة صدرت عن تفاعلها وهي:
الماء والنار والهواء والتراب.
ولهذه الطبائع والعناصر تمثيل في جسم الانسان وهو ما يعبر عنه بالأمزجة الأربعة or Temperaments (Four Humors) وهي:
المرة الصفراء (حارة ويابسة).
المرة السوداء (باردة ويابسة).
البلغم (بارد ورطب).
الدم (حار ورطب).
خصائص الأمزجة ومراحل العمر:
ولكل واحد من هذه الأربعة خصائص... وهي جميعا موجودة في جسم الانسان، فإذا اعتدلت هذه الطبائع أو الأمزجة الأربعة كانت الصحة وإذا انحرفت بزيادة أو نقصان أو تغلب أحدها على الآخر كان المرض.
وتكون وظيفة الطبيب هي تعديل هذه الطبائع أو الأمزجة حتى تعود لسابق عهدها.
وتنقسم مراحل عمر الانسان إلى أربعة مراحل وفي كل مرحلة من هذه المراحل تكون الغلبة لأحد هذه الأمزجة كالآتي:
ففي سن الشباب والطفولة تكون الغلبة للدم حيث تتكون الأعضاء الدموية ويكثر النشاط ويعمل الكبد (مركز الدم) بهمة ونشاط، ويكون الاندفاع وعدم التروي.
وفي سن الرجولة (15 - 35) تظهر الغلبة للمرة الصفراء وفيها حدة الفهم والذكاء والشجاعة والحيطة.
وفي سن الكهولة (35 - 55) تظهر الغلبة للمرة السوداء: وفيها الصمت والتفكير والتثبت والنظر في العواقب.
وفي سن الشيخوخة (ما بعد الخامسة والخمسين إلى أرذل العمر) تكون الغلبة للبلغم وعلاماته العجز والفتور والثقل والنسيان والسكون والحلم واللين.
وتحتوي الأطعمة والأشربة على هذه العناصر الأربعة أيضا فبعضها يغلب عليه الحرارة ويسمى حارا، وبعضها يغلب عليه البرودة ويسمى باردا، وهكذا... ولهذا وجب تعديل الطعام بحيث يكسر الحار البارد والعكس...
وبحيث يناسب كل سن وكل فصل من فصول السنة لأن فصول السنة أيضا تتبع العناصر الأربعة والطبائع الأربع، والطبيب الماهر هو الذي يعطي لكل حالة لبوسها فطعام المريض غير طعام الناقة، وطعام الصحيح غير طعام السقيم، وطعام الرضيع غير طعام الفطيم وهكذا... وطعام الانسان في السفر غير طعامه في الحضر... وطعامه أثناء فصل الربيع ينبغي أن يختلف عن طعامه أثناء فصل الخريف... وطعامه في الصيف لا بد أن يختلف عن طعامه في الشتاء.
ولهذا عقد الإمام علي الرضا فصلا لموضوع الغذاء في رسالته وقال للمأمون: (واعلم يا أمير المؤمنين أن كل واحدة من هذه الطبائع يحب ما يشاكلها فاغتذ ما يشاكل جسدك.
ومن أخذ من الطعام زيادة لم يفده، ومن أخذ بقدر لا زيادة عليه ولا نقص نفعه.. واعلم يا أمير المؤمنين: كل البارد في الصيف والحار في الشتاء والمعتدل في الفصلين (أي الربيع والخريف لاعتدالهما) على قدر قوتك وشهوتك..
وابدأ بأول الطعام بأخف الأغذية التي تغتذي بها بدنك..) ثم ذكر بعد ذلك فصول السنة وأشهرها شهرا شهرا بالتقويم الشمسي وابتدأ بشهر آذار (مارس) لأنه أول الربيع وذكر فيه ما ينبغي أن يؤكل فيه وما يجتذب من الطعام والدواء، ثم نيسان (إبريل) وهكذا حتى انتهى إلى شباط
(فبراير). وما يناسب كل شهر من غذاء وما لا يناسبه... وما يناسب كل شهر من أنواع النشاط الجسماني ودخول الحمام والجماع والرياضة وما لا يناسبه..
وكذلك الحجامة والفصد وأنواع الأدوية.
كلمة أخيرة: إن الطب الحديث والعلم الحديث قد ألغى فكرة العناصر الأربعة والطبائع الأربع والأمزجة الأربعة. واستبدلها بأمور أكثر تعقيدا بكثير مما كان يظن. والعناصر الأربعة لم تعد عناصر بل هي مركبات وحالات فالماء مركب والهواء مركب والتراب مركب والنار حالة تعتري المواد كلها وهي حالة الاحتراق بواسطة الأوكسجين..
وعدد العناصر قد جاوز المائة عنصر... والطبائع الأربع الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة لم تعد أساسية وإنما هي تعبر عن درجة الحرارة (الحرارة والبرودة) التي يمكن أن تقاس بمختلف الأجهزة المعقدة والبسيطة (ميزان الحرارة الترمومتر) والرطوبة واليبوسة عبارة عن درجة وجود الماء في الأشياء فإذا زادت نسبة الماء زادت الرطوبة وإذا قلت النسبة كانت اليبوسة.
وما يسمى الأمزجة في جسم الانسان قد تغير مفهومه كثيرا. والدم سائل من سوائل الجسم... صحيح أنه يتكون في الكبد في أثناء نمو الجنين ولكن هذه مرحلة فقط من المراحل ثم يتكون في نقي العظام..
وأما الطحال فلا تفرز المرة السوداء كما يقولون بل تحطم خلايا الدم الحمراء التي انتهى أجلها.
وتفسيرات الدم والبلغم والمرة السوداء والصفراء مضحكة بالنسبة للطب الحديث... وأغلب ما ذكر في ذلك أثبت العلم خطأه وخطله. وقد يبقى منه فتات أو شذرات تصح منه الإشارات.
وتبدلت الحال وظهرت الهرمونات والمواد الكيمياوية المعقدة وظهر تأثيرها على جسم الانسان وعلى سلوكه كذلك. ومع هذا بقيت تعبيرات المزاج الصفراوي والمزاج السوداوي والمزاج الدموي والمزاج البلغمي في جميع اللغات الحية إلى اليوم.