عرض مشاركة واحدة
الصورة الرمزية غسان
غسان
المدير العام
°°°
افتراضي
سبب‌ المسألة هو موضوعيّة‌ الرؤية‌ ومدخليّة‌ البقاع‌ فيها

وممّا ذكرنا تبيّن‌ أنّ ذهاب‌ المشهور إلي‌ لزوم‌ الاشتراك‌ في‌ البلدان‌ مبنيّ علي‌ دخالة‌ رؤية‌ القمر في‌ دخول‌ الشهر، وأنّ للمطالع‌ والمغارب‌ بالنسبة‌ إلي‌ القمر دخلاً في‌ دخول‌ شهر وخروج‌ شهر، وعدمِ كفاية‌ نفس‌ خروج‌ القمر عن‌ تحت‌ الشعاع‌ في‌ هذا الامر؛ لا علي‌ تخيّل‌ ارتباط‌ خروج‌ القمر عن‌ تحت‌ الشعاع‌ ببقاع‌ الارض‌ كارتباط‌ طلوع‌ الشمس‌ وغروبها بها.

فإنّ من‌ الواضح‌ أنّ نفس‌ الخروج‌ لاصلة‌ لها ببقاع‌ الارض‌ مع‌ غمض‌ النظر عن‌ المحاذاة‌، ولكنّ الرؤية‌ بعد الخروج‌ الدخيلة‌ في‌ تكوين‌ الشهر القمريّ بما لها من‌ الاحكام‌، لها صلة‌ ببقاع‌ الارض‌.

لانّ حالة‌ القمر، مع‌ وجود النواحي‌ الكثيرة‌ المختلفة‌ الاوضاع‌ في‌ الارض‌ وعدمها، وإن‌ كانت‌ سواء ولكنّ حالة‌ رؤية‌ القمر التي‌ هي‌ الاُسّ لم‌ تكن‌ مع‌ هذه‌ وعدمها سواء.

وهذه‌ علّة‌ ذهاب‌ المشهور إلي‌ فتواهم‌.


استدلال‌ القائلين‌ بعدم‌ لزوم‌ الاشتراك‌ مبني‌ّ علي‌ منع‌ اختلاف‌ المطالع‌

ولذلك‌ تري‌ أنّ من‌ استشكل‌ علي‌ لزوم‌ الاشتراك‌ في‌ الآفاق‌، لم‌ يستدلّ بعدم‌ ارتباط‌ هذه‌ الحادثة‌ السماويّة‌ ببقاع‌ الارض‌؛ بل‌ كما ذهب‌ إليه‌ العلاّمة‌ في‌ أوّل‌ كلامه‌ في‌ «المنتهي‌»، وكما في‌ «الجواهر»ـ بمنع‌ اختلاف‌ المطالع‌ في‌ الربع‌ المسكون‌؛ إمّا لعدم‌ كرويّة‌ الارض‌ بل‌ هي‌ مسطّحةً فلا تختلف‌ المطالع‌ حينئذٍ، وإمّا لكونه‌ قدراً يسيراً فلا اعتداد باختلافه‌ بالنسبة‌ إلي‌ علوّ السماء.

كما أنّ صاحب‌ «الحدائق‌» الذي‌ أصرّ علي‌ عدم‌ لزوم‌ الاشتراك‌ إصراراً لم‌ نر مثله‌ لاحد في‌ هذه‌ المسألة‌، بني‌ لزوم‌ الاشتراك‌ في‌ الآفاق‌ علي‌ كرويّة‌ الارض‌؛ لكنّه‌ حيث‌ أبطل‌ كرويّتها واستدلّ علي‌ تسطيحها بالادلّة‌ السمعيّة‌ والاخبار النبويّة‌ ولوازم‌ كلّها بعيدة‌ عن‌ المقام‌، التزم‌ بعدم‌ لزوم‌ الاشتراك‌ في‌ الآفاق‌.

وكما قال‌ الشيخ‌ المحقّق‌ فخر الدين‌ في‌ شرحه‌ علي‌ «القواعد»:

«ومبني‌ هذه‌ المسألة‌، علي‌ أنّ الارض‌ هل‌ هي‌ كرويّة‌ أو مسطّحة‌؛ والاقرب‌ الاوّل‌، لانّ الكواكب‌ تطلع‌ في‌ المساكن‌ الشرقيّة‌ قبل‌ طلوعها في‌ المساكن‌ الغربيّة‌، وكذا في‌ الغروب‌.

وكلّ بلد غربيّ بَعُد عن‌ الشرقيّ بألف‌ ميل‌، يتأخّر غروبه‌ عن‌ غروب‌ الشرقيّ ساعةً واحدةً. وإنّما عرفنا ذلك‌ بإرصاد الكسوفات‌ القمريّة‌؛ حيث‌ ابتدأت‌ في‌ ساعات‌ أقلّ من‌ ساعات‌ بلدنا في‌ المساكن‌ الغربيّة‌، وأكثر من‌ ساعات‌ بلدنا في‌ المساكن‌ الشرقيّة‌، فعرفنا أنّ غروب‌ الشمس‌ في‌ المساكن‌ الشرقيّة‌ قبل‌ غروبها في‌ بلدنا، وغروبها في‌ المساكن‌ الغربيّة‌ بعد غروبها في‌ بلدنا؛ ولو كانت‌ الارض‌ مسطّحةً لكان‌ الطلوع‌ والغروب‌ في‌ جميع‌ المواضع‌ في‌ وقت‌ واحد.

ولانّ السائر علي‌ خطّ من‌ خطوط‌ نصف‌ النهار إلي‌ الجانب‌ الشماليّ، يزداد عليه‌ ارتفاع‌ الشماليّ وانخفاض‌ الجنوبيّ، وبالعكس‌. » انتهي‌.
(أي‌ ارتفاع‌ الكوكب‌ الشماليّ وانخفاض‌ الكوكب‌ الجنوبيّ.)

وبالجملة‌ إنّ كرويّة‌ الارض‌ لمّا أصبحت‌ في‌ هذا العصر من‌ الاُمور البديهيّة‌ الواضحة‌ بما استدلّ عليه‌ هذا الشيخ‌ المحقّق‌ ونظائره‌ من‌ المحقّقين‌، وباستعمال‌ الآلات‌ الحديثة‌، وبأنّ السائر من‌ أيّة‌ نقطة‌ من‌ نقاط‌ الارض‌ علي‌ الخطّ المستقيم‌ إذا سار إلي‌ المشرق‌ ينتهي‌ إلي‌ نفس‌ النقطة‌ من‌ طرف‌ المغرب‌ وبالعكس‌، وكذا بسائر الادلّة‌ التي‌ ذُكر بعضها في‌ مقدّمة‌ تفسير «البيان‌» علي‌ مؤلّفه‌ التحيّة‌ والاءكرام‌؛ لم‌ يكن‌ مجال‌ لاحتمال‌ عدم‌ لزوم‌ الاشتراك‌ في‌ الآفاق‌، والذهاب‌ إلي‌ القول‌ بكفاية‌ رؤية‌ ما في‌ الحكم‌ بثبوت‌ الشهر في‌ جميع‌ العالم‌.