عرض مشاركة واحدة
الصورة الرمزية غسان
غسان
المدير العام
°°°
افتراضي
الكتاب‌ و السنّة‌ يدلاّن‌ علي‌ مجعوليّة‌ الرؤية‌ بنحو الصفتيّة‌

هذا، فالاولي‌ أن‌ يستدلّ بقوله‌ تعالي‌: يَسْـَلُونَكَ عَنِ الاْهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَ قِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِّ؛ لتحقّق‌ الشهر برؤية‌ الهلال‌ فوق‌ الاُفق‌ وعدم‌ كفاية‌ خروجه‌ عن‌ تحت‌ الشعاع‌، لانّ الهلال‌ إنّما سمّي‌ هلالاً لارتفاع‌ الاصوات‌ برؤيته‌ فالرؤية‌ دخيلة‌ في‌ معني‌ الهلال‌.

قال‌ الشيخ‌ الطوسيّ في‌ «التهذيب‌» ردّاً علي‌ أصحاب‌ العدد:

« و الذي‌ يدلّ علي‌ ذلك‌ قول‌ الله‌ عزّ وجلّ: يَسْـَلُونَكَ عَنِ الاْهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَ قِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِّ؛ فبيّن‌ الله‌ تعالي‌ أنّه‌ جعل‌ هذه‌ الاهلّة‌ معتبرةً في‌ تعرّف‌ أوقات‌ الحجّ وغيره‌ ممّا يعتبر فيه‌ الوقت‌، ولو كان‌ الامر علي‌ ما يذهب‌ إليه‌ أصحاب‌ العدد لما كانت‌ الاهلّة‌ مراعاةً في‌ تعرّف‌ هذه‌ الاوقات‌ إذ كانوا يرجعون‌ إلي‌ العدد دون‌ غيره‌؛ وهذا خلاف‌ التنزيل‌.

و الهلال‌ إنّما سمّي‌ هلالاً لارتفاع‌ الاصوات‌ عند مشاهدتها بالذكر لها والاءشارة‌ إليها بالتكبير أيضاً والتهليل‌ عند رؤيتها. ومنه‌ قيل‌: استهلّ الصبيّ، إذا ظهر صوته‌ بالصياح‌ عند الولادة‌. وسمّي‌ الشهر شهراً لاشتهاره‌ بالهلال‌.

فمن‌ زعم‌ أنّ العدد للايّام‌ والحساب‌ للشهور والسنين‌، يغني‌ في‌ علامات‌ الشهور عن‌ الاهلّة‌؛ أبطل‌ معني‌ سمات‌ الاهلّة‌ والشهور الموضوعة‌ في‌ لسان‌ العرب‌ علي‌ ما ذكرناه‌.

و يدلّ علي‌ ذلك‌ أيضاً ما هو معلوم‌ كالاضطرار غير مشكوك‌ فيه‌ في‌ شريعة‌ الاءسلام‌ من‌ فزع‌ المسلمين‌ في‌ وقت‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ ومن‌ بعده‌ إلي‌ هذا الزمان‌ في‌ تعرّف‌ الشهر إلي‌ معاينة‌ الهلال‌ ورؤيته‌.

و ما ثبت‌ أيضاً من‌ سنّة‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ أنّه‌ كان‌ يتولّي‌ رؤية‌ الهلال‌ ويلتمس‌ الهلال‌ ويتصدّي‌ لرؤيته‌. وما شرّعه‌ من‌ قبول‌ الشهادة‌ عليه‌ و الحكم‌ في‌ من‌ شهد بذلك‌ في‌ مصرٍ من‌ الامصار ومن‌ جاء بالخبر به‌ عن‌ خارج‌ الامصار، وحكم‌ المخبر به‌ في‌ الصحّة‌ وسلامة‌ الجوّ من‌ العوارض‌، وخبر من‌ شهد برؤيته‌ مع‌ السواتر في‌ بعض‌ الاصقاع‌.

فلولا أنّ العمل‌ علي‌ الاهلّة‌ أصل‌ في‌ الدين‌ معلوم‌ لكافّة‌ المسلمين‌، ما كانت‌ الحال‌ في‌ ذلك‌ علي‌ ما ذكرناه‌، ولكان‌ اعتبار جميع‌ ما ذكرناه‌ عبثاً لافائدة‌ فيه‌؛ وهذا فاسد بلا خلاف‌.

فأمّا الاخبار في‌ ذلك‌ فهي‌ أكثر من‌ أن‌ تحصي‌، لكنّي‌ أذكر منها قدر ما فيه‌ كفاية‌ إن‌ شاء الله‌ تعالي‌ » ـ انتهي‌.
ثمّ ذكر الروايات‌ الدالّة‌ علي‌ لزوم‌ الرؤية‌.

وأنت‌ بالتأمّل‌ في‌ ما أفاده‌ تعرف‌ مواضع‌ من‌ الدليل‌ علي‌ لزوم‌ الرؤية‌ وعدم‌ كفاية‌ نفس‌ الخروج‌ عن‌ تحت‌ الشعاع‌. فلو كانت‌ الرؤية‌ كاشفةً صرفةً وطريقاً محضاً لكان‌ جميع‌ ما أفاده‌ لغواً عبثاً، ولكان‌ الخروج‌ بدون‌ الرؤية‌ موضوعاً للحكم‌.

فقد عرفت‌ أنّ الآية‌ والسنّة‌ تدلاّن‌ علي‌ لزوم‌ الرؤية‌، وهذا عين‌ معني‌ الجزئيّة‌.
وأمّا السنّة‌، فهي‌ بخلاف‌ ما أفدتَ أدلّ. وما ادّعيت‌ من‌ الامر بالصوم‌ للرؤية‌ لاجل‌ لزوم‌ إحرازه‌ لخصوص‌ شهر الصيام‌، دعوي‌ منك‌. وعدم‌ جواز الاكتفاء بالامتثال‌ الظنّيّ أو الاحتماليّ كما في‌ صحيحتي‌ ابن‌ مسلم‌ والخزّاز وموثّق‌ ابن‌ عمّار ورواية‌ القاسانيّ، صحيحٌ ولكن‌ لا تدلّ علي‌ أزيد من‌ عدم‌ جواز الاكتفاء بالظنّ والشكّ؛ ولا تنفي‌ موضوعيّة‌ الرؤية‌ ولاتثبت‌ طريقيّتها المحضة‌ وكاشفيّتها الصرفة‌


قيام‌ البيّنة‌ مقام‌ الرؤية‌ لا ينافي‌ مو ضوعيّة‌ الرؤية‌
وأمّا قولك‌ بـ«اعتبار البيّنة‌ مقام‌ الرؤية‌، فلو كانت‌ جزءاً بنحو الصفتيّة‌ لما استقام‌ قيام‌ البيّنة‌ مقامها.»؛ فعجيب‌ منك‌. لانّ استحالة‌ قيام‌ البيّنة‌ مقام‌ القطع‌ الموضوعيّ بنحو الصفتيّة‌، إنّما هي‌ في‌ ما إذا كان‌ قيامها مقامه‌ بنفس‌ أدلّة‌ حجّيّتها واعتبارها؛ لا في‌ ما إذا دلّ دليل‌ خاصّ علي‌ القيام‌.

صرّح‌ بذلك‌ شيخنا الانصاريّ قدّس‌ سرّه‌، وكلّ من‌ تأخّر عنه‌ حتّي‌ في‌ زماننا هذا من‌ مشايخنا قدّس‌ الله‌ أسرارهم‌.

و هذا هو الذي‌ صرّحتْ به‌ نفسك‌ الشريفة‌ في‌ مجلس‌ البحث‌. فكأنّي‌ الآن‌ أسمع‌ كلامك‌، حيث‌ أفدت‌ بقولك‌:

إنّ الامارات‌ بنفس‌ دليل‌ حجّيّتها تقوم‌ مقام‌ القطع‌ الطريقيّ المحض‌، وهذا ممّا لا ريب‌ فيه‌ بل‌ لا معني‌ لحجّيّة‌ الامارات‌ إلاّ هذا.

كما لا ريب‌ في‌ عدم‌ قيامها بدليل‌ حجّيّتها مقام‌ القطع‌ الموضوعيّ علي‌ وجه‌ الصفتيّة‌.

وليس‌ هذا لاجل‌ استحالة‌ ذلك‌، لانّ موضوعات‌ الاحكام‌ بيد الحاكم‌، فكما يمكن‌ أن‌ يرتّب‌ الحكم‌ علي‌ خصوص‌ القطع‌ يمكن‌ أن‌ يرتّبه‌ علي‌ الاعمّ منه‌ ومن‌ موارد قيام‌ الامارة‌؛ بل‌ لاجل‌ عدم‌ نهوض‌ أدلّة‌ حجّيّتها بذلك‌، فإنّ أدلّتها ناظرة‌ إلي‌ إثبات‌ الواقع‌ وترتيب‌ آثار الواقع‌، وليست‌ ناظرةً إلي‌ أنّه‌ يترتّب‌ علي‌ الامارة‌ ما يترتّب‌ علي‌ القطع‌ من‌ حيث‌ كونه‌ صفةً خاصّةً قائمةً بنفس‌ القاطع‌ ـ انتهت‌ الاءفادة‌.

و معلوم‌ أنّ قيام‌ الامارات‌ مقام‌ الرؤية‌، إنّما هو بأدلّة‌ خاصّة‌ واردة‌ في‌ مقامنا هذا.

مثل‌ ما مضي‌ آنفاً وهو ما رواه‌ المفيد قدّس‌ سرّه‌ في‌ «المقنعة‌» عن‌ ابن‌ أبي‌ نجران‌ عن‌ عبد الله‌ بن‌ سنان‌ عن‌ أبي‌ عبد الله‌ عليه‌ السلام‌ قال‌: لاَ تَصُمْ إلاَّ لِلرُّؤْيَةِ، أَوْ يَشْهَدَ شَاهِدَا عَدْلٍ.

و ما رواه‌ الكلينيّ بإسناده‌ عن‌ الحلبيّ عن‌ أبي‌ عبد الله‌ عليه‌ السلام‌: إنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ يَقُولُ: لاَ أُجِيزُ فِي‌ الهِلاَلِ إلاَّ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ.

و ما رواه‌ أيضاً بإسناده‌ عن‌ حمّاد عن‌ أبي‌ عبد الله‌ عليه‌ السلام‌ قال‌: قَالَ أَمِيرُالمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: لاَ يَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي‌ الهِلاَلِ، وَلاَ يَجُوزُ إلاَّ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ. ورواه‌ الصدوق‌ مرسلاً نحوه‌.

و ما رواه‌ محمّد بن‌ الحسن‌ الطوسيّ قدّس‌ سرّه‌ بإسناده‌ عن‌ قيس‌ عن‌ أبي‌ جعفر عليه‌ السلام‌ قال‌: قَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: إذَا رَأَيْتُمُ الهِلاَلَ فَأَفْطِرُوا؛ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بَيِّنَةُ عَدْلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ـ الرواية‌.

و ما رواه‌ أيضاً بإسناده‌ عن‌ أبي‌ بصير عن‌ أبي‌ عبدالله‌ عليه‌ السلام‌: إنَّهُسُئِلَ عَنِ اليَوْمِ الَّذِي‌ يُقْضَي‌ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَقَالَ: لاَ تَقْضِهِ إلاَّ أَنْ يَثْبُتَ شَاهِدَانِ عَدْلاَنِ مِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الصَّلَوةِ مَتَي‌ كَانَ رَأْسُ الشَّهْرِ ـ الحديث‌.

و ما رواه‌ أيضاً بإسناده‌ عن‌ منصور بن‌ حازم‌ عن‌ أبي‌ عبد الله‌ عليه‌ السلام‌ أنّه‌ قال‌: صُمْ لِرُؤْيَةِ الهِلاَلِ، وَأَفْطِرْ لِرُؤْيَتِهِ؛ فَإنْ شَهِدَ عِنْدَكُمْ شَاهِدَانِ مَرْضِيَّانِ بِأَنـَّهُمَا رَأَيَاهُ فَاقْضِهِ.

و غير ذلك‌ من‌ الروايات‌ الكثيرة‌ الدالّة‌ علي‌ قيام‌ البيّنة‌ مقام‌ الرؤية‌ في‌ خصوص‌ المقام‌.

و مع‌ ذلك‌ كيف‌ يمكن‌ أن‌ يُتفوّه‌ بعدم‌ إمكان‌ قيام‌ الامارات‌ مقام‌ الرؤية‌، حتّي‌ إذا فرض‌ أنّ الشارع‌ صرّح‌ ونادي‌ بأعلي‌ صوته‌ بمدخليّة‌ الرؤية‌ بما أنّها رؤية‌، لا بما أنّها كاشفة‌ محضة‌.

و بذلك‌ يظهر أنّ ما أفدتَ من‌ تضعيف‌ دعوانا انصراف‌ الاءطلاقات‌، من‌ أنّ هذه‌ عدول‌ عن‌ الموضوعيّة‌ إلي‌ طريقيّة‌ الرؤية‌، بدعوي‌ حكومة‌ البيّنة‌ بوجود المرئيّ في‌ أُفق‌ المكلّف‌ وإن‌ لم‌ يره‌؛ خال‌ عن‌ السداد.

كما أنّ بناء دعوي‌ ارتكاز لزوم‌ الرؤية‌ المستفادة‌ من‌ دليل‌ لزومها علي‌ الطريقيّة‌ دون‌ الصفتيّة‌ كذلك‌.

لانّ هذه‌ النقود إنّما نهضت‌ لكسر الدعوي‌ إذا تمسّكنا بنفس‌ أدلّة‌ حجّيّة‌ الامارة‌ واعتبارها؛ وأمّا مع‌ الادلّة‌ الخاصّة‌ في‌ المقام‌، فلا ريب‌ في‌ قيام‌ المدّعي‌ علي‌ ساقه‌.

فإذاً لا مناص‌ من‌ دعوي‌ حكومة‌ أخبار البيّنة‌ إلي‌ الآفاق‌ القريبة‌، بتوسعة‌ دائرة‌ الرؤية‌ التي‌ هي‌ عبارة‌ عن‌ الاءبصار بالعيون‌ المتّصلة‌ بالاءبصار بالعيون‌ المنفصلة‌ بالجعل‌ التشريعيّ دون‌ البعيدة‌ منها؛ للزوم‌ رفض‌ الرؤية‌ كما عرفت‌ في‌ الرسالة‌.

و أمّا ما أفدتَ من‌ عدّ الثلاثين‌ إذا لم‌ تتيسّر الرؤية‌ والبيّنة‌، حيث‌ إنّه‌ يوجب‌ العلم‌ بخروج‌ السابق‌ ودخول‌ اللاحق‌؛ ففيه‌ ما مرّ من‌ أنّ الثلاثين‌ يعدّ في‌ الاخبار الكثيرة‌ عِدلاً للرؤية‌، ولم‌ يظهر في‌ واحد منها أنّه‌ يكون‌ طريقاً وكاشفاً إلي‌ دخول‌ الشهر الجديد.

وجوب‌ قضاء يوم‌ الشكّ الذي‌ أُفطر، لا يدلّ علي‌ طريقيّة‌ الرؤية‌
و ما أفدتَ من‌ وجوب‌ قضاء يوم‌ الشكّ الذي‌ أُفطر لعدم‌ طريق‌ إلي‌ ثبوته‌، فتبيّن‌ بعد ذلك‌ بالبيّنة‌ أو بالرؤية‌ ليلة‌ التاسع‌ والعشرين‌ من‌ صومه‌، وجودُ الشهر في‌ يوم‌ إفطاره‌، ففات‌ عنه‌ الواجب‌ الواقعيّ؛ فلا يدلّ علي‌ الطريقيّة‌ المحضة‌ للرؤية‌.

و ذلك‌، لانّ الرؤية‌ أو البيّنة‌ ليلة‌ التاسع‌ والعشرين‌ من‌ صومه‌، كما أنّها كاشفة‌ وطريقة‌ إلي‌ ثبوت‌ الفطر، كذلك‌ كاشفة‌ وطريقة‌ إلي‌ ثبوت‌ الهلال‌ قبل‌ مضيّ تسعة‌ وعشرين‌ يوماً من‌ رؤيته‌.[127] لانّ مفاد أدلّة‌ حجّيّة‌ الامارة‌ هو تتميم‌ الكشف‌، وجعلها بمنزلة‌ اليقين‌ الواقعيّ.

فللرؤية‌ أو البيّنة‌ في‌ هذا المقام‌ كشفان‌: أحدهما دخول‌ الفطر والشهر الجديد، والآخر خروج‌ الصيام‌ والشهر الماضي‌ المتحقّق‌ مقداره‌ بنفس‌ هذه‌ الرؤية‌ أو البيّنة‌.

إجزاء صوم‌ يوم‌ الشكّ، لا يدلّ علي‌ كاشفيّة‌ الرؤية‌
و أمّا ما أفدتَ من‌ إجزاء صومه‌ إذا صامه‌ بنيّة‌ شعبان‌ أو صوم‌ آخر كان‌ عليه‌ فتبيّن‌ بعدُ أنّه‌ من‌ رمضان‌ (معلّلاً في‌ النصوص‌ بِأَنَّهُ يَوْمٌ وُفِّقَ لَهُ) مستدلاّ بأنّ الاءجزاء فرع‌ ثبوت‌ التكليف‌؛ ففيه‌ ما لايخفي‌.

لانّ تبيّن‌ أنّ ما صامه‌ من‌ رمضان‌، إنّما هو بقيام‌ البيّنة‌ بعد ذلك‌ علي‌ الرؤية‌ ليلة‌ الصيام‌، أو بالرؤية‌ أو بالبيّنة‌ عليها ليلة‌ التاسع‌ والعشرين‌ من‌ صومه‌، وما شابهها.

و معلوم‌ أنّ التكليف‌ الواقعيّ المترتّب‌ علي‌ شهر رمضان‌ حينئذٍ ثبت‌ بالرؤية‌ أو البيّنة‌.

هذا مضافاً إلي‌ أنّ في‌ بعض‌ الاخبار ما يدلّ علي‌ أنّ صحّة‌ صومه‌ مبني‌ّ علي‌ التساهل‌ والاءرفاق‌.

مثل‌ ما رواه‌ محمّد بن‌ يعقوب‌ الكلينيّ بإسناده‌ عن‌ سماعة‌ قال‌: قُلْتُ لاِبِي‌ عَبْدِ اللَهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: رَجُلٌ صَامَ يَوْمًا وَلاَ يَدْرِي‌ أَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ هُوَ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، فَجَآءَ قَوْمٌ فَشَهِدُوا أَنَّهُ كَانَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ؛ فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ عِنْدَنَا: لاَ يُعْتَدُّ بِهِ. فَقَالَ: بَلَي‌.

فَقُلْتُ: إنَّهُمْ قَالُوا: صُمْتَ وَأَنْتَ لاَ تَدْرِي‌ أَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ هَذَا أَمْ مِنْ غَيْرِهِ. فَقَالَ: بَلَي‌، فَاعْتَدَّ بِهِ؛ فَإنَّمَا شَيْءٌ وَفَّقَكَ اللَهُ لَهُ. إنَّمَا يُصَامُ يَوْمُ الشَّكِّ مِنْ شَعْبَانَ وَلاَ يَصُومُهُ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، لاِنَّهُ قَدْ نُهِيَ أَنْ يَنْفَرِدَ الاْءنْسَانُ بِالصِّيَامِ فِي‌ يَوْمِ الشَّكِّ؛ وَإنَّمَا يَنْوِي‌ مِنَ اللَّيْلَةِ أَنَّهُ يَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، فَإنْ كَانَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ أَجْزَأَ عَنْهُ؛ بِتَفَضُّلِ اللَهِ تَعَالَي‌ وَبِمَا قَدْ وَسَّعَ عَلَي‌ عِبَادِهِ، وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَهَلَكَ النَّاسُ.

وبالجملة‌، لا مساغ‌ للقول‌ بالكاشفيّة‌ المحضة‌ للرؤية‌ وأخذها طريقاً صرفاً إلي‌ ثبوت‌ الهلال‌، وواسطةً في‌ الاءثبات‌.

وكونها أتمّ وأسهل‌ وأعمّ لكلّ أحد، إنّما هو الداعي‌ إلي‌ جعلها موضوعاً واحداً فارداً في‌ عالم‌ الجعل‌ والاءنشاء وواسطةً في‌ الثبوت‌؛ لا أنّها طريق‌ إلي‌ إحراز الهلال‌ المولِّد للشهر الذي‌ هو تمام‌ الموضوع‌.

هذا كلّه‌ ما أردنا من‌ حديث‌ الجزئيّة‌.


معني‌ صفتيّة‌ الرؤية‌
وأمّا حديث‌ الصفتيّة‌ في‌ رسالتنا، فليس‌ المراد بالرؤية‌ المقيّدة‌ بها، هي‌ الرؤية‌ بما أنّها صفة‌ وكيفيّة‌ نفسانيّة‌ كالحبّ والبغض‌ ونحوهما. بل‌ المراد، أنّ الرؤية‌ التي‌ هي‌ كاشفة‌ إلي‌ ثبوت‌ الهلال‌ في‌ الاُفق‌، جُعلت‌ دليلاً عليه‌ بما أنّها رؤية‌ وكاشفة‌ خاصّة‌ وطريقة‌ مخصوصة‌، لا بما أنّها كاشفة‌ صرفة‌ غير ملحوظة‌ فيها خصوصيّة‌ الرؤية‌.

لانّه‌ كما يمكن‌ جعل‌ القطع‌ موضوعاً لحكم‌ علي‌ وجه‌ الكاشفيّة‌ المحضة‌، يمكن‌ أن‌ يجعل‌ موضوعاً علي‌ وجه‌ الصفتيّة‌ والكاشفيّة‌ الخاصّة‌، كما يمكن‌ أن‌ يجعل‌ علي‌ وجه‌ الصفتيّة‌ بلا لحاظ‌ جهة‌ الكاشفيّة‌ بل‌ بما أنّه‌ كيف‌ نفسانيّ كسائر الصفات‌، إمّا لاءلغاء جهة‌ كشفه‌ وإمّا لاعتبار خصوصيّة‌ فيه‌ من‌ كونه‌ من‌ سبب‌ خاصّ أو شخص‌ كذلك‌ أو غيرهما.

نصّ علي‌ ذلك‌ المحقّق‌ الخراسانيّ في‌ حاشيته‌ علي‌ مبحث‌ القطع‌ لشيخنا الانصاريّ قدّس‌ سرّه‌. حيث‌ إنّه‌ قسّم‌ القطع‌ الموضوعيّ إلي‌ ما هو تمام‌ الموضوع‌، وإلي‌ ما هو جزئه‌. وعلي‌ التقديرين‌ إمّا يلاحظ‌ بما أنّه‌ كاشف‌ صرف‌ وطريق‌ محض‌، وإمّا يلاحظ‌ بما أنّه‌ صفة‌ خاصّة‌ وطريقة‌ مخصوصة‌ و كشف‌ خاصّ. وثالثةً بما أنّه‌ صفة‌ للقاطع‌ بإلغاء جهة‌ كشفه‌ أو بملاحظة‌ اعتبار خصوصيّة‌ فيه‌.

و معلوم‌ أنّ الرؤية‌ بما هي‌ رؤية‌، وهي‌ الطريق‌ العلميّ من‌ جهة‌ خصوص‌ الاءبصار، إذا جعلت‌ طريقاً إلي‌ ثبوت‌ الهلال‌ وكاشفةً عن‌ تحقّقة‌، لا يقوم‌ مقامها سائر الطرق‌ العلميّة‌ إلاّ بدليل‌ خاصّ؛ وهذا معني‌ الصفتيّة‌.

هذا كلّه‌ مضافاً إلي‌ ما ذكرنا في‌ الرسالة‌: أنّ علّة‌ عدم‌ إمكان‌ الاخذ بالاءطلاقات‌، هو القرائن‌ العقليّة‌ والنقليّة‌ الموجودة‌ في‌ المقام‌ المانعة‌ من‌ الاخذ بها.

مضافاً إلي‌ الانصراف‌، بدعوي‌ حكومة‌ أخبار البيّنة‌ في‌ المقام‌ علي‌ الروايات‌ الدالّة‌ علي‌ لزوم‌ الرؤية‌، في‌ الآفاق‌ القريبة‌ دون‌ البعيدة‌. وإن‌ تنزّلنا إلي‌ طريقيّتها فلابدّ وأن‌ تجعل‌ طريقاً إلي‌ كون‌ الهلال‌ في‌ الاُفق‌ لامحالة‌.

فإن‌ أبيتَ عن‌ دعوي‌ الحكومة‌، فلا محيص‌ عن‌ التخصيص‌، كما عبّر به‌ العلاّمة‌ ‌ في‌ «التذكرة‌».
وإن‌ أبيت‌ عن‌ أصل‌ دعوي‌ الانصراف‌، فلا محيد عن‌ تسليم‌ القرائن‌ العقليّة‌ والنقليّة‌ المانعة‌ عن‌ الاخذ بها. هذا مع‌ أنّ المقدّمات‌ العلميّة‌ في‌ الموسوعة‌، لاتبقي‌ مجالاً للاخذ بالاءطلاقات‌ حتّي‌ إذا فُرضت‌ نصوصاً فكيف‌ بكونها ظواهر دانيةً