عرض مشاركة واحدة
صورة رمزية إفتراضية للعضو الغدة الصنوبرية
الغدة الصنوبرية
عضو
°°°
افتراضي رد: عالم جوف الارض ذكرها الشيخ الأكبر ابن عربي
أرض السمسمة هي عالم المثل والأعيان الثابتة والموجود في الفتوحات المكية أكبر
مما تم نقلة والله أعلم ولا يتم الدخول لها إلا بإنسلاخ الروح التام حيث

من يتفقد نبضك لا يجد شئ ويحسبك ميت والله أعلم
أما اسقاطها على جابلقا وجابرسا فهي لقلة معرفة القارئ
وهذا نص ما ذكرة محي الدين

***
(الباب الثامن) في معرفة الأرض التي خلقت من بقية خميرة طينة آدم ع وهي أرض الحقيقة وذكر بعض ما فيها من الغرائب والعجائب يا أخت بل يا عمتي المعقوله * أنت الأميمة عندنا المجهولة نظر البنون إليك أخت أبيهمو * فتنافسوا عن همة مغلوله إلا القليل من البنين فإنهم * عطفوا عليك بأنفس مجبولة يا عمتي قل كيف أظهر سره * فيك الأخى محققا تنزيله حتى بدا من مثل ذاتك عالم * قد يرتضي رب الورى توكيله أنت الإمامة والإمام أخوك والمأموم * أمثال له مسلوله اعلم أن الله تعالى لما خلق آدم ع الذي هو أول جسم إنساني تكون وجعله أصلا لوجود الأجسام الإنسانية وفضلت من خميرة طينته فضلة خلق منها النخلة فهي أخت لآدم ع وهي لنا عمة وسماها الشرع عمة وشبهها بالمؤمن ولها أسرار عجيبة دون سائر النبات وفضل من الطينة بعد خلق النخلة قدر السمسمة في الخفاء فمد الله في تلك الفضلة أرضا واسعة الفضاء إذا جعل العرش وما حواه والكرسي والسماوات والأرضون وما تحت الثرى والجنات كلها والنار في هذه الأرض كان الجميع فيها كحلقة ملقاة في فلاة من الأرض وفيها من العجائب والغرائب ما لا يقدر قدره ويبهر العقول أمره وفي كل نفس خلق الله فيها عوالم يسبحون الليل والنهار لا يفترون وفي هذه الأرض ظهرت عظمة الله وعظمت عند المشاهد لها قدرته وكثير من المحالات العقلية التي قام الدليل الصحيح العقلي على إحالتها هي موجودة في هذه الأرض وهي مسرح عيون العارفين العلماء بالله وفيها يجولون وخلق الله من جملة عوالمها عالما على صورنا إذا أبصرهم العارف يشاهد نفسه فيها وقد أشار إلى مثل ذلك عبد الله بن عباس رضي الله عنه فيما روى عنه في حديث هذه الكعبة وإنها بيت واحد من أربعة عشر بيتا وأن في كل أرض من السبع الأرضين خلقا مثلنا حتى إن فيهم ابن عباس مثلي وصدقت هذه الرواية عند أهل الكشف فلنرجع إلى ذكر هذه الأرض واتساعها وكثرة عالمها المخلوقين فيها ومنها ويقع للعارفين فيها تجليات إلهية أخبر بعض العارفين بأمر أعرفه شهودا قال دخلت فيها يوما مجلسا يسمى مجلس الرحمة لم أر مجلسا قط أعجب منه فبينا أنا فيه إذ ظهر لي تجل إلهي لم يأخذني عني بل أبقاني معي وهذا من خاصية هذه الأرض فإن التجليات الواردة على العارفين في هذه الدار في هذه الهياكل تأخذهم عنهم وتفنيهم عن شهودهم من الأنبياء والأولياء وكل من وقع له ذلك وكذلك عالم السماوات العلى والكرسي الأزهى وعالم العرش المحيط الأعلى إذا وقع لهم تجل إلهي أخذهم عنهم وصعقوا وهذه الأرض إذا حصل فيها صاحب الكشف العارف ووقع له تجل لم يفنه عن شهوده ولا اختطفه عن وجوده وجمع له بين الرؤية والكلام قال واتفق لي في هذا المجلس أمور وأسرار لا يسعني ذكرها لغموض معانيها وعدم وصول الإدراكات قبل أن يشهد مثل هذه المشاهد لها وفيها من البساتين والجنات والحيوان والمعادن ما لا يعلم قدر ذلك إلا الله تعالى وكل ما فيها من هذا كله حي ناطق كحياة كل حي ناطق ما هو مثل ما هي الأشياء في الدنيا وهي باقية لا تفني ولا تتبدل ولا يموت عالمها وليست تقبل هذه الأرض شيئا من الأجسام الطبيعية الطينية البشرية سوى عالمها أو عالم الأرواح منا بالخاصية وإذا دخلها العارفون إنما يدخلونها بأرواحهم لا بأجسامهم فيتركون هياكلهم في هذه الأرض الدنيا ويتجردون وفي تلك الأرض صور عجيبة النشء بديعة الخلق قائمون على أفواه السكك المشرفة على هذا العالم الذي نحن فيه من الأرض والسماء والجنة والنار فإذا أراد واحد منا الدخول لتلك الأرض من العارفين من أي نوع كان من إنس أو جن أو ملك أو أهل الجنة بشرط المعرفة وتجرد عن هيكله وجد تلك الصور على أفواه السكك قائمين موكلين بها قد نصبهم الله سبحانه لذلك الشغل فيبادر واحد منهم إلى هذا الداخل فيخلع عليه حلة على قدر مقامه ويأخذ بيده ويجول به في تلك الأرض ويتبوأ منها حيث يشاء ويعتبر في مصنوعات الله ولا يمر بحجر ولا شجر ولا مدر ولا شئ ويريد أن يكلمه إلا كلمه كما يكلم الرجل صاحبه ولهم لغات مختلفة وتعطي هذه الأرض بالخاصية لكل من دخلها الفهم بجميع ما فيها من الألسنة فإذا قضى منها وطره وأراد الرجوع إلى موضعه مشى معه رفيقه إلى أن يوصله إلى الموضع الذي دخل منه يوادعه ويخلع عنه تلك الحلة التي كساه وينصرف عنه وقد حصل علوما جمة ودلائل وزاد في علمه بالله ما لم يكن عنده مشاهدة وما رأيت الفهم ينفد أسرع مما ينفد إذا حصل في هذه الأرض وقد ظهر عندنا في هذه الدار وهذه النشأة ما يعضد هذا القول فمن ذلك ما شاهدناه ولا أذكره ومنها ما حدثني أوحد الدين حامد بن أبي الفخر الكرماني وفقه الله قال كنت أخدم شيخا وأنا شاب فمرض الشيخ وكان في محارة وقد أخذه البطن فلما وصلنا تكريت قلت له يا سيدي اتركني أطلب لك دواء ممسكا من صاحب مارستان سنجار من السبيل فلما رأى احتراقي قال لي رح إليه قال فرحت إلى صاحب السبيل وهو في خيمته جالس ورجاله بين يديه قائمون والشمعة بين يديه وكان لا يعرفني ولا أعرفه فرآني واقفا بين الجماعة فقام إلي وأخذ بيدي وأكرمني وسألني ما حاجتك فذكرت له حال الشيخ فاستحضر الدواء وأعطاني إياه وخرج معي في خدمتي والخادم بالشمعة بين يديه فخفت أن يراه الشيخ فيخرج فحلفت عليه أن يرجع فرجع فجئت الشيخ وأعطيته الدواء وذكرت له كرامة الأمير صاحب السبيل بي فتبسم الشيخ وقال لي يا ولدي إني أشفقت عليك لما رأيت من احتراقك من أجلي فأذنت لك فلما مشيت خفت أن يخجلك الأمير بعدم إقباله عليك فتجردت عن هيكلي هذا ودخلت في هيكل ذلك الأمير وقعدت في موضعه فلما جئت أكرمتك وفعلت معك ما رأيت ثم عدت إلى هيكلي هذا ولا حاجة لي في هذا الدواء وما استعمله فهذا شخص قد ظهر في صورة غيره فكيف أهل تلك الأرض قال لي بعض العارفين لما دخلت هذه الأرض رأيت فيها أرضا كلها مسك عطر لو شمه أحد منا في هذه الدنيا لهلك لقوة رائحته تمتد ما شاء الله إن تمتد ودخلت في هذه الأرض أرضا من الذهب الأحمر اللين فيها أشجار كلها ذهب وثمرها ذهب فيأخذ التفاحة أو غيرها من الثمر فيأكلها فيجد من لذة طعمها وحسن رائحتها ونعمتها ما لا يصفها واصف تقصر فاكهة الجنة عنها فكيف فاكهة الدنيا والجسم والشكل والصورة ذهب والصورة والشكل كصورة الثمرة وشكلها عندنا وتختلف في الطعم وفي الثمرة من النقش البديع والزينة الحسنة ما لا تتوهمه نفس فأحرى إن تشهده عين ورأيت من كبر ثمرها بحيث لو جعلت الثمرة بين السماء والأرض لحجبت أهل الأرض عن رؤية السماء ولو جعلت على الأرض لفضلت عليها أضعافا وإذا قبض عليها الذي يريد أكلها بهذه اليد المعهودة في القدر عمها بقبضته لنعمتها ألطف من الهواء يطبق عليها يده مع هذا العظم وهذا مما تحيله العقول هنا في نظرها ولما شاهدها ذو النون المصري نطق بما حكي عنه من إيراد الكبير على الصغير من غير أن يصغر الكبير أو يكبر الصغير أو يوسع الضيق أو يضيق الواسع فالعظم في التفاحة على ما ذكرته باق والقبض عليها باليد الصغيرة والإحاطة بها موجود والكيفية مشهودة مجهولة لا يعرفها إلا الله وهذا العلم مما انفرد الحق به واليوم الواحد الزماني عندنا هو عدة سنين عندهم وأزمنة تلك الأرض مختلفة قال ودخلت فيها أرضا من فضة بيضاء في الصورة ذات شجر وأنهار وثمر شهي كل ذلك فضة وأجسام أهلها منها كلها فضة وكذلك كل أرض شجرها وثمرها وأنهارها وبحارها وخلقها من جنسها فإذا تنوولت وأكلت وجد فيها من الطعم والروائح والنعمة مثل سائر المأكولات غير أن اللذة لا توصف ولا تحكى ودخلت فيها أرضا من الكافور الأبيض وهي في أماكن منها أشد حرارة من النار يخوضها الإنسان ولا تحرقه وأماكن منها معتدلة وأماكن باردة وكل أرض من هذه الأرضين التي هي أماكن في هذه الأرض الكبيرة لو جعلت السماء فيها لكانت كحلقة في فلاة بالنسبة إليها وما في جميع أراضيها أحسن عندي ولا أوفق لمزاجي من أرض الزعفران وما رأيت عالما من عالم كل أرض أبسط نفوسا منهم ولا أكثر بشاشة بالوارد عليهم يتلقونه بالترحيب والتأهيل ومن عجائب مطعوماتها أنه أي شئ أكلت منها إذا قطعت من الثمرة قطعة نبتت في زمان قطعك إياها مكانها ما سد تلك الثلمة أو تقطف بيدك ثمرة من ثمرها فزمان قطفك إياها يتكون مثلها بحيث لا يشعر بها إلا الفطن فلا يظهر فيها نقص أصلا وإذا نظرت إلى نسائها ترى أن النساء الكائنين في الجنة من الحور بالنسبة إليهن كنسائنا من البشر بالنسبة إلى الحور في الجنان وأما مجامعتهن فلا يشبه لذتها لذة وأهلها أعشق الخلق فيمن برد عليهم وليس عندهم تكليف بل هم مجبولون على تعظيم الحق وجلاله تعالى لو راموا خلاف ذلك ما استطاعوا وأما أبنيتهم فمنها ما يحدث عن همهم ومنها ما يحدث كما تبنى عندنا من اتخاذ الآلات وحسن الصنعة ثم إن بحارها لا يمتزج بعضها ببعض كما قال تعالى مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان فتعاين منتهى بحر الذهب تصطفق أمواجه ويباشره بالمجاورة بحر الحديد فلا يدخل من واحد في الآخر شئ وماؤهم ألطف من الهواء في الحركة والسيلان وهو من الصفاء بحيث أن لا يخفى عنك من دوابه ولا من الأرض التي يجري البحر عليها شئ فإذا أردت أن تشرب منه وجدت له من اللذة ما لا تجده لمشروب أصلا وخلقها ينبتون فيها كسائر النباتات من غير تناسل بل يتكونون من أرضها تكون الحشرات عندنا ولا ينعقد من مائهم في نكاحهم ولد وإن نكاحهم إنما هو لمجرد الشهوة والنعيم وأما مراكبهم فتعظم وتصغر بحسب ما يريده الراكب وإذا سافروا من بلد إلى بلد فإنهم يسافرون برا وبحرا وسرعة مشيهم في البر والبحر أسرع من إدراك البصر للمبصر وخلقها متفاوتون في الأحوال ففيهم من تغلب عليهم الشهوات وفيهم من يغلب عليهم تعظيم جناب الحق ورأيت فيها ألوانا لا أعرفها في ألوان الدنيا ورأيت فيها معادن تشبه الذهب وما هي بذهب ولا نحاس وأحجارا من اللآلئ ينفذها البصر لصفائها شفافة من اليواقيت الحمر ومن أعجب ما فيها إدراك الألوان في الأجسام السفلية التي هي كالهواء ويتعلق الإدراك بألوانها كما يتعلق بالألوان التي في الأجسام الكثيفة وعلى أبواب مدائنها عقود من الأحجار الياقوتية كل حجر منها يزيد على الخمسمائة ذراع وعلو الباب في الهواء عظيم وعليه معلق من الأسلحة والعدد ما لو اجتمع ملك الأرض كلها ما وفي بها وعندهم ظلمة ونور من غير شمس تتعاقب وبتعاقبهما يعرفون الزمان وظلمتهم لا تحجب البصر عن مدركه كما لا يحجبه النور ويغزو بعضهم بعضا من غير شحناء ولا عداوة ولا فساد بنية وإذا سافروا في البحر وغرقوا لا يعدو عليهم الماء كما يعدو علينا بل يمشون فيه كمشي دوابه حتى يلحقوا بالساحل وتحل بتلك الأرض زلازل لو حلت بنا لانقلبت الأرض وهلك ما كان عليها وقال لقد كنت يوما مع جماعة منهم في حديث وجاءت زلزلة شديدة بحيث إني رأيت الأبنية تتحرك كلها تحركا لا يقدر البصر يتمكن من رؤيتها السرعة الحركة مرورا وكرورا وما عندنا خبر وكانا على الأرض قطعة منها إلى أن فرغت الزلزلة فلما فرغت وسكنت الأرض أخذت الجماعة بيدي وعزتني في ابنة لي اسمها فاطمة فقلت للجماعة إني تركتها في عافية عند والدتها قالوا صدقت ولكن هذه الأرض ما تزلزل بنا وعندنا أحد إلا مات ذلك الشخص أو مات له أحد وإن هذه الزلزلة لموت ابنتك فانظر في أمرها فقعدت معهم ما شاء الله وصاحبي ينتظرني فلما أردت فراقهم مشوا معي إلى فم السكة وأخذوا خلعتهم وجئت إلى بيتي فلقيت صاحبي فقال لي إن فاطمة تنازع فدخلت عليها فقضت وكنت بمكة مجاورا فجهزناها ودفناها بالمعلى فهذا من أعجب ما أخبرت عن تلك الأرض ورأيت بها كعبة يطوف بها أهلها غير مكسوة وتكون أكبر من البيت الذي بمكة ذات أركان أربعة تكلمهم إذا طافوا بها وتحييهم وتفيدهم علوما لم تكن عندهم ورأيت في هذه الأرض بحرا من تراب يجري مثل ما يجري الماء ورأيت حجارة صغارا وكبارا يجري بعضها إلى بعض كما يجري الحديد إلى المغناطيس فتتألف هذه الحجارة ولا تنفصل بعضها من بعض بطبعها إلا إن فصلها فاصل مثل ما يفصل الحديد عن المغناطيس ليس في قوته أن يمتنع فإذا ترك وطبعه جرت بعضها إلى بعض على مقدار من المساحة مخصوص فتضم هذه الحجارة بعضها إلى بعض فينشأ منها صورة سفينة ورأيت منها مركبا صغيرا وشينيين فإذا التأمت السفينة من تلك الحجارة رموا بها في بحر التراب وركبوا فيها وسافروا حيث يشتهون من البلاد غير إن قاع السفينة من رمل أو تراب يلصق بعضه ببعض لصوق الخاصية فمما رأيت فيما رأيت أعجب من جريان هذه السفن في ذلك البحر وصورة الإنشاء في المراكب سواء غير أن لهم في جناحي السفينة مما يلي مؤخرها أسطوانتين عظيمتين تعلو المركب أكثر من القامة وأرض المركب من جهة مؤخره ما بين الأسطوانتين مفتوح متساو مع البحر ولا يدخل فيه من رمل ذلك البحر شئ أصلا بالخاصية وهذا شكله وفي هذه الأرض مدائن تسمى مدائن النور لا يدخلها من العارفين إلا كل مصطفى مختار وهي ثلاث عشرة مدينة وهي على سطح واحد وبنيانها عجيب وذلك أنهم عمدوا إلى موضع في هذه الأرض فبنوا فيه مدينة صغيرة لها أسوار عظيمة يسير الراكب فيها إذا أراد أن يدور بها مسيرة ثلاثة أعوام فلما أقاموها جعلوها خزانة لمنافعهم ومصالحهم وعددهم وأقاموا على بعد من جوانبها أبراجا تعلو على أبراج المدينة بما دار بها ومدوا البناء بالحجارة حتى صار للمدينة كالسقف للبيت وجعلوا ذلك السقف أرضا بنوا عليه مدينة أعظم من التي بنوا أولا وعمروها واتخذوها مسكنا فضاقت عنهم فبنوا عليها مدينة أخرى أكبر منها وما زال يكثر عمارها وهم يصعدون بالبنيان طبقة فوق طبقة حتى بلغت ثلاث عشرة مدينة ثم إني غبت عنهم مدة ثم دخلت إليهم مرة أخرى فوجدتهم قد زادوا مدينتين واحدة فوق أخرى ولهم ملوك فيهم لطف وحنان صحبت منهم جماعة منهم التالي وهو التابع بمنزلة القيل في حمير ولم أر ملكا أكثر منه ذكر الله قد شغله ذكر الله عن تدبير ملكه انتفعت به وكان كثير المجالسة لي ومنهم ذو العرف وهو ملك عظيم لم أر في ملوك الأرض أكثر من تأتي إليه الرسل من الملوك منه وهو كثير الحركة هين لين يصل إليه كل أحد يتلطف في النزول لكنه إذا غضب لم يقم لغضبه شئ أعطاه الله من القوة ما شاء ورأيت لبحرها ملكا منيع الحمى يدعي السابح هو قليل المجالسة مع من يقصد إليه وما له ذلك الالتفات إلى أحد غير أنه مع ما يخطر له لا مع ما يراد منه ويجاوره سلطان عظيم اسمه السابق إذا دخل عليه الوافد قام إليه من مجلسه وبش في وجهه وأظهر السرور بقدومه وقام له بجميع ما يحتاج إليه من قبل أن يسأله عن شئ فقلت له في ذلك فقال لي أكره أن أرى في وجه السائل ذلة السؤال لمخلوق غيرة أن يذل أحد لغير الله وما كل أحد يقف مع الله على قدم التوحيد وإن أكثر الوجوه مصروفة إلى الأسباب الموضوعة مع الحجاب عن الله فهذا يجعلني أن أبادر إلى ما ترى من كرامة الوافد قال ودخلت على ملك آخر يدعي القائم بأمر الله لا يلتفت إلى الوافد عليه لاستيلاء عظمة الحق على قلبه فلا يشعر بالوافد وما يفد عليه من يفد من العارفين إلا لينظروا إلى حاله التي هو عليها تراه واقفا قد عقد يديه إلى صدره عقد العبد الذليل الجاني مطرقا إلى موضع قدميه لا تتحرك منه شعرة ولا يضطرب منه مفصل كما قيل في قوم هذه حالتهم مع سلطانهم كأنما الطير منهم فوق أرؤوسهم * لا خوف ظلم ولكن خوف إجلال يتعلم العارفون منه حال المراقبة قال ورأيت ملكا يدعي بالرداع مهيب المنظر لطيف المخبر شديد الغيرة دائم الفكرة فيما كلف النظر فيه إذا رأى أحدا يخرج عن طريق الحق رده إلى الحق قال صحبته وانتفعت به وجالست من ملوكهم كثيرا ورأيت منهم من العجائب مما يرجع إلى ما عندهم من تعظيم الله ما لو سطرناه لأعيا الكاتب والسامع فاقتصرنا على هذا القدر من عجائب هذه الأرض ومدائنها لا تحصى كثرة ومدائنها أكثر من ضياعها وجميع من يملكها من الملوك ثمانية عشر سلطانا منهم من ذكرنا ومنهم من سكتنا عنه ولكل سلطان سيرة وأحكام ليست لغيره قال وحضرت يوما في ديوانهم لأرى ترتيبهم فمما رأيت أن الملك منهم هو الذي يقوم برزق رعيته بلغوا ما بلغوا فرأيتهم إذا استوى الطعام وقف خلق لا يحصى عددهم كثرة يسمونهم الجباة وهم رسل أهل كل بيت فيعطيه الأمين من المطبخ على قدر عائلته ويأخذه الجابي وينصرف وأما الذي يقسمه عليهم شخص واحد لا غير له من الأيدي على قدر الجباة فيغرف في الزمن الواحد لكل شخص طعامه في وعائه وينصرف وما فضل من ذلك يرفع إلى خزانة فإذا فرع منهم ذلك القاسم دخل الخزانة وأخذ ما فضل وخرج به إلى الصعاليك الذين على باب دار الملك فيلقيه إليهم فيأكلوه وهكذا في كل يوم ولكل ملك شخص حسن الهيئة هو على الخزانة يدعونه الخازن بيده جميع ما يملكه ذلك الملك ومن شرعهم أنه إذا ولاة ليس له عزله ورأيت فيهم شخصا أعجبتني حركاته وهو جالس إلى جانب الملك وكنت على يمين الملك فسألته ما منزلة هذا عندكم فتبسم وقال أعجبك قلت له نعم قال هذا المعمار الذي يبني لنا المساكن والمدن وجميع ما تراه من آثار عمله ورأيت في سوق صيارفهم أنه لا ينتقد لهم سكتهم إلا واحد في المدينة كلها وفيما تحت يد ذلك الملك من المدن قال وهكذا رأيت سيرتهم في كل أمر لا يقوم به إلا واحد لكن له وزعة وأهل هذه الأرض أعرف الناس بالله وكل ما أحاله العقل بدليله عندنا وجدناه في هذه الأرض ممكنا قد وقع وإن الله على كل شئ قدير فعلمنا إن العقول قاصرة وإن الله قادر على جمع الضدين ووجود الجسم في مكانين وقيام العرض بنفسه وانتقاله وقيام المعنى بالمعنى وكل حديث وآية وردت عندنا مما صرفها العقل عن ظاهرها وجدناها على ظاهرها في هذه الأرض وكل جسد يتشكل فيه الروحاني من ملك وجن وكل صورة يرى الإنسان فيها نفسه في النوم فمن أجساد هذه الأرض لها من هذه الأرض موضع مخصوص ولهم رقائق ممتدة إلى جميع العالم وعلى كل رقيقة أمين فإذا عاين ذلك الأمين روحا من الأرواح قد استعد لصورة من هذه الصور التي بيده كساه إياها كصورة دحية لجبريل وسبب ذلك أن هذه الأرض مدها الحق تعالى في البرزخ وعين منها موضعا لهذه الأجساد التي تلبسها الروحانيات وتنتقل إليها النفوس عند النوم وبعد الموت فنحن من بعض عالمها ومن هذه الأرض طرف يدخل في الجنة يسمى السوق ونحن نبين لك مثال صورة امتداد الطرف الذي يلي العالم من هذه الأرض وذلك أن الإنسان إذا نظر إلى السراج أو الشمس والقمر ثم حال بأهداب أجفانه بين الناظر والجسم المستنير يبصر من ذلك الجسم المستنير إلى عينيه شبه الخطوط من النور تتصل من السراج إلى عينيه متعددة فإذا رفع تلك الأهداب من مقابلة الناظر قليلا قليلا يرى تلك الخطوط الممتدة تنقبض إلى الجسم المستنير فالجسم المستنير مثال للموضع المعين من هذه الأرض لتلك الصور والناظر مثال العالم وامتداد تلك الخطوط كصور الأجساد التي تنتقل إليها في النوم وبعد الموت وفي سوق الجنة والتي تلبسها الأرواح وقصدك إلى رؤية تلك الخطوط بذلك الفعل من إرسال الأهداب الحائلة بين الناظر والجسم النير مثال الاستعداد وانبعاث تلك الخطوط عند هذه الحال انبعاث الصور عند الاستعداد وانقباض الخطوط إلى الجسم النير عند رفع الحائل رجوع الصور إلى تلك الأرض عند زوال الاستعداد وليس بعد هذا البيان بيان وقد بسطنا القول في عجائب هذه الأرض وما يتعلق بها من المعارف في كتاب كبير لنا فيها خاصة انتهى الجزء الحادي عشر