المشاركات الجديدة
العلوم الخفية في التاريخ : تاريخ العلوم ، قصص ، حوادث

التنجيم في ميزان العلم

افتراضي التنجيم في ميزان العلم
التنجيم في ميزان العلم

أ. محمد زاهد المشهداني
أستاذ علم الفلك وما وراء الطبيعة
العراق
اعجب الإنسان منذ اقدم العصور بالنجوم المتلألئة في السماء هذا الإعجاب حوله إلى مراقبة تضمنت صورا من التعظيم والتبجيل فقرن حركاتها بحركاته ومصيره على الأرض ومن خلال مراقبته لمئات بل آلاف من السنين جمع كم هائل من المعلومات التي ترتبط بحياته على الأرض فظهر التنجيم . وتحولت رؤية الكواكب من صورة نظرية وخرافية ـ تمثلت عند الإنسان القديم ـ إلى صورة اتصفت بالعلمية ، فبدأ الإنسان يدون جميع المعلومات التي تقترن بحركات الكواكب وعلاقتها بالأحداث التي تحصل على الأرض ، واستطاع البابليون ان يرسوا القواعد العلمية الأولى لعلم الفلك والتنجيم وخلفهم الكلدانيون ثم اليونانيون الذين ربطوا مصائر الناس بالكواكب وخرجوا بنظريات وفلسفات كان لها دور بارز في تقدم الفلك والتنجيم ، واستفاد المسلمون العرب من المخلفات العلمية لهذه الحضارات وكان لكتب الفلك والتنجيم نصيب وافر عندهم ، وعبر هذه الرحلة الطويلة التي استمرت آلاف السنين نجد ان لهذا العلم أو الفن أنصار من جميع المستويات العلمية والثقافية والاجتماعية بل نجد ان أنصاره اليوم اكثر من مؤيديه في الماضي .
فهل يمكن ان يكون للتنجيم مكان في عالمنا العقلاني والعلمي المعاصر ! وما هي طبيعة علاقتنا بالنجوم أو الإشعاعات الكونية ؟ وهل للتنجيم حقيقة كونية ام هو مجرد وهم وخرافة ؟
وقبل الإجابة على هذه التساؤلات لابد من عرض الطرق التي يستعملها
المنجم في تحديد التنبؤات المتعلقة بمصير الإنسان ، ولنبدأ بأهم شيء في ذلك
(خريطة الأبراج Horoscope ) التي تعطي معلومات وافية عن الشخص ، ولعمل مثل هذه النظرية لابد من اتباع النقاط التالية :
1 . ذكر تاريخ الولادة ومكانها .
2 . تثبيت حساب الوقت الفلكي الموافق لساعة الولادة واليوم والشهر والسنة والموقع.
3 . ايجاد الدليل المؤشر للانسان في منطقة البروج المعبر عنه بالبرج .
4 . توزيع الكواكب على الخريطة الفلكية ، ويكون ذلك حسب الازياج والتقاويم الفلكية السنوية أو حسابات الكومبيوتر .
5 . تحديد الطالع وهو موقع اشعة الشمس في الافق اثناء الولادة .
ومن خلال تحديد هذه المعلومات يستطيع المنجم ان يحلل شخصية الإنسان ويحدد بعض التوقعات المستقبلية التي تتعلق بحياته ، إلا ان الجدل القائم بين القائمين على العلوم التقليدية وبين الفلكيين لا يتطرق للوسائل التي يتم بواسطتها رسم خريطة النجوم وإنما في التعليل المناسب لها ، فمن ناحية يقول المنجمون ان الحياة على الأرض تتأثر سلبا أو إيجابا بالمؤثرات الكونية المعبر عنها بحركات الكواكب ويضيفون ان التأثيرات التي تتعلق بآراء الشخص ومستقبله والحوادث التي تقع له تتعلق ببعض المؤثرات والأوضاع الكونية ، وان أقوى هذه المؤثرات تأتي من النجوم والكواكب القريبة من الأرض ، وان المكان النسبي لوجود هذه الكواكب والنجوم حين ولادة الإنسان له تأثير واضح علينا وان طبيعة هذا التأثير تختلف من كوكب إلى آخر ويوافقهم في ذلك أصحاب العلوم التقليدية ، لكن الخلاف الجوهري يكمن في تفسير وتعليل المتغيرات الكونية ، فالمنجمون يعتمدون في تحليلاتهم لآثار المتغيرات الكونية هذه على ما يعتبرونه حقائق ثابتة في حين انها في نظر العالم الفلكي ليست كذلك وتبعا لذلك تثور عواصف من الجدل العنيف بين الطرفين ومن بين ما يستند عليه الفلكيون في تفنيد علم التنجيم Astrology واعتباره ضربا من ضروب الوهم والخداع ، أن الأرض بفعل ظاهرة الترنح قد انحرفت عن محورها نحو الغرب وهذا الانحراف يكون درجة واحدة كل سبعين سنة مما أدى إلى ان فترة حصول الاعتدال الربيعي يكون في برج الحوت أو بالأحرى في نهاية برج الدلو فيما يطلق عليه بعض المتحمسين من الفلكيين بعصر الدلو وهذا الأمر يجعل جميع ما يقوم به المنجمين من حسابات لتوقعاتهم خاطئة ، لذلك فان مواقع الأبراج بالنسبة للأرض والشمس ومدة مكوث الشمس في كل برج قد تغيرت عن السابق لان المسار الظاهري للشمس اصبح الآن يمس ثلاثة عشر برجا بدلا من اثني عشر برجا حيث أضيف برج الحواء ، وكذلك مدة مكوث الشمس في كل برج قد تغيرت بسبب إضافة البرج الثالث عشر ، وقد ادعت إحدى الفلكيات البريطانيات اكتشاف مجموعة من النجوم بين برجي الميزان والعقرب أطلقت عليها اسم برج الأفعى، مخطّئة بذلك حسابات المنجمين ، ومن بين ما يستند عليه المعارضون للتنجيم أيضا التناقضات التي تذكر في الصحف والمجلات المتعلقة بالأبراج وتوقعاتها اليومية أو الأسبوعية أو الشهرية وغيرها .
ويرد الفلكيون المنجمون على هذه الاعتراضات بان موقع دائرة البروج ثابت وليس له علاقة بظاهرة الترنح مع اختلاف الميل المتعلق بالأرض والشمس ، بل ان الاعتدال الربيعي وأول دخول الشمس في بداية دائرة البروج المعبر عنها بالحمل يكون في 21 / 3 من كل سنة ولا يتغير هذا التقويم لان تغيره يعني اجراء تعديلات مستمرة في تحديد مواقع بداية الأبراج وضبطها وهذا الأمر صعب ولا يتوافق مع الكم الهائل من الاحكام التنجيمية التي يعتمد عليها المنجم في تحديد بعض التوقعات ، وأما ما يخص البرج الثالث عشر فان الاتحاد العالمي للمنجمين وكلية الدراسات التنجيمية وجميع المعاهد والمؤسسات التي تعنى بالتنجيم والتي تضم كبار الفلكيين لم تعترف بوجود برج ثالث عشر في حزام دائرة البروج بل بعض المراجع التاريخية أشارت إلى أن قدماء البابليين عرفوا مجموعة من النجوم بين برجي الميزان والعقرب إلا انهم لم يعتبروها برجا لعدم اشتراكها في خط دائرة البروج وأما ما يخص توقعات الأبراج المذكورة في الصحف والمجلات فان المنجمين يؤيدون الفلكيين وغيرهم في نفس المبدأ وهو أنها لا تعني شيئا لان ليس لها أساس علمي فلكي وان الذين يكتبوها ليسوا متخصصين بل هي مجرد تسلية لا اكثر .
ومن بين المعارضين للتنجيم والمؤيدين له نجد أن هناك قسم ثالث يرى أن للكواكب والنجوم والأبراج تأثير على الحياة والإنسان ، ويكون سبب هذا التأثير ما تصدره هذه الكواكب من إشعاعات وطاقة تتناسب مع الإنسان فتحدث تغيرا في سلوكه وتصرفاته إلا أنهم يرون أن هذا التأثير لا يكون إلا ذو طبيعة بيولوجية وفسيولوجية وصحية ونفسية وليس له علاقة بالمستقبل أو ما يتعلق بمصير الإنسان أو التوقعات الفلكية .
إن العديد من الفلكيين المنجمين ومن خلال تراكم العديد من المعلومات الفلكية والتي قرنت بأحداث على الأرض استنتجوا دراسات واسعة وكبيرة تقوم على أساس المشابهة والتكرار ، وقد أكدت الدراسات الميدانية التي أجريت خلال النصف الثاني من القرن العشرين صدق هذه المعلومات التي يعتمد عليها المنجمين ، فقد وجد مثلا ان الزوايا 180 و 90 درجة تعطي دلالة سلبية للإنسان وان بقية الزوايا تكون إيجابية ، والأمر نفسه أكده الباحث كلارك اذ جمع عشرون شخصا ممن تراوحت أعمارهم بين خمسة واربعين إلى ستين سنة يعملون في مهن مختلفة وتؤلف السيدات حوالي نصف عددهم ، أعطى قائمة بأسمائهم وأعمارهم واخرى بالمهن التي يمارسونها لعلماء النفس ولعلماء الفلك من المنجمين وطلب من كلا الطرفين ان يوفق بين كل اسم في القائمة الأولى والمهنة من القائمة الثانية ، وكانت النتيجة ان واحدا فقط من علماء النفس وبقدر وآفر من الخط استطاع ان يتوصل إلى الحل الصحيح في حين ان سبعة عشر من بين عشرين فلكيا توصلوا إلى هذا الحل مما أعطى دليلا واضحا على صحة المعلومات الفلكية المستعملة لهذا الغرض ( ) ، كما توصل عالم الاحصاء والنفس الفرنسي " ميشيل غوغولين " إلى نتائج مدهشة حيث اكتشف ان العلاقة بين الأفلاك والأرض اقوى من مجرد كونها محض صدفة بل قرر ان هناك علاقة معينة بين حركة بعض الأفلاك ووظيفة المرء أو تخصصه ، وهذا ما اكدته الدراسات الميدانية حيث أجريت استقراءات أخذت لخمسين ألف شخص من كلا الجنسين يمثلون مشاهير السياسة والسلطة والعلم والأدب والفن بجميع أنواعه ومن خلال عمل خرائط فلكية دقيقة لهم وجد ان ثمة علاقة بين الكواكب وتشكيلات زواياها وبين المهن والأعمال التي يمتهنوها وكانت نتائج هذه الدراسة مذهلة لانها كانت متوافقة بنسبة تزيد على 90 % من مهن واعمال النماذج المأخوذة ( ).
ومن بين الدراسات التي اجراها الفرنسي غوغولين ان ارتفاع المريخ أو زحل إلى الذروة في الخارطة الفلكية تجعل الإنسان ناجح في مجال العلم والطب ، اما ارتفاع المشتري فيشير إلى مشاهير الرياضيين والأبطال العسكريين والوزراء والممثلين والصحفيين والمؤلفين والمسرحيين ( ).
وظل غوغولين يجد صعوبة بالغة في تصديق تلك النتائج بالرغم من مطابقتها للواقع ولكنه بعد دراسة طويلة دامت اكثر من خمس سنوات خرج بنظرية علمية أطلق عليها اسم " الوراثة الفلكية " التي تشير إلى ان هناك عوامل وراثية غير معروفة يمكن ان تؤثر على نوع التخصص الذي سيختاره الطفل عند ولادته وموعد اختياره ذلك ( ).
ومن بين أهم الدراسات التي أجريت على علم التنجيم الدراسة التي قام بها عالم النفس الشهير كارل يونج الذي وجد ان هناك علاقة وارتباط بين حركات النجوم في الأبراج وبين الأمراض التي تصيب الإنسان وقد دعا إلى الاعتراف بالتنجيم وكان يصر في أواخر أيامه على الحصول على خريطة بطالع مرضاه لان ذلك يساعد في فهم شخصية المريض وصفاته النفسية مما يفيده في علاج المريض ( ) .
إن ادعاء اكثر الفلكيين على عدم مصداقية التنجيم تقوم على أساس أن انحراف الأرض في محورها يؤدي إلى خطأ في حساب المنجمين ، جعل العديد من الفلكيين المنجمين يحاولوا تعديل بعض الازياج والحسابات الفلكية وفق التغير الذي احدثته ظاهرة الترنح وانحراف الأرض عمن محورها كما فعلت مؤسسة التنجيم الشرقي في بداية الثمانينات من القرن الماضي حين كلفت الاستاذ "دورسان" بحل هذه الإشكاليات فوضع ما سمي بـ " السيد روسكوب " الذي عدل فيه الفرق الحاصل في ظاهرة انحراف الأرض حول محورها نحو الغرب وخرج بدراسة جديدة اطلق عليها اسم
desn Etolles Retour au Zod iaque ( ) ولكن هذا لا يعني ان التنبؤات التي ذكرها الأقدمون أو التي مازال يستخدمها بعض المنجمون خاطئة لان العديد منها كان له مصداقية كبيرة ، وما اعتمد عليه المنجم الكبير نوستراداموس خير شاهد ويمكننا ان نبرهن على صدق نتائج التنجيم بما ذكره العديد من المنجمين من الأخبار والحوادث التي كان لها مصداقية كبيرة والحديث لا يسعنا لسرد هذه الأخبار بل سنشير إلى ما ذكره أحد منجمي " مدرسة هامبورغ " ( ) حينما كشفت عن موت امرأة في فيّنا ( عاصمة النمسا ) برصاصة في ظهرها وهو في هامبورغ عن طريق اخذ تاريخ ومكان ولادتها وكان ما ذكره صحيحا بنسبة كبيرة ( ).
ولكن السؤال هو ! إذا كان التنجيم مبني على أساس علمي نرجع فنقول " كيف يعمل " ؟ وكيف يمكن ان تؤثر النجوم في الإنسان ؟
إن افضل نظرية تفسر ذلك حتى الآن هي نظرية العالم النفساني كارل يونج الذي يقول بوجود " تزامن " أو توافق بين الأحداث ويعتقد يونج أن التزامن هو الوجه الآخر لعلاقة السببية وبعبارة أخرى إذا وقع حدثان في نفس الوقت أو تبع أحدهما الآخر بوقت قليل فمن المحتمل أن لا تكون بينهما علاقة سببية مباشرة بمعنى أن أحدهما تسبب في الآخر ، ومع ذلك فقد تكون بينهما علاقة ما لا ندرك كنهها . وفي حالة التنجيم لا تتسبب أوضاع الشمس والقمر والنجوم والأبراج في وقوع أحداث معينة ولكنها قد " تتزامن " ساعة الميلاد مع طول عمر المولود أو قصره ( ).
ومما سبق نستطيع أن نرى أن الاختلاف الكلي بين صورة التنجيم العلمي الصحيح وبين ما نراه من أساليب الخداع لقراءة الحظ والأبراج في الصحف والمجلات مثلا أو ما أشبه ذلك ، فالنتائج التنجيمية العلمية تقوم على أساس علمي وحساب دقيق لحركات الكواكب في الأبراج ، فضلا عن أن تراكم المعلومات عبر آلاف السنين مما أعطى مصداقية كبيرة لها حينما تتزامن مع حدث فلكي أو كوني وليس من المعقول أن تقوم مؤسسات وجمعيات علمية لها مكانتها على تضليل الناس ، ولا يعقل أن يعتمد ملايين الناس على اختلاف مستوياتهم وثقافاتهم على شيء وهمي ، فالأمر الذي لا نفهمه اليوم قد نجد له جوابا في الغد . فالكثير من الأمور التي كنا نعدها ضربا من ضروب الخيال أصبحت حقيقة نعيشها ونلمسها في عصرنا ، وهنا يذكرنا قول العالم الفيزيائي " ماكس بلانك " الحائز على جائزة نوبل حينما قال " إن نواميس الطبيعة لاتخضع لأية إرادة بشرية فهي وجدت قبل ظهور الحياة على الأرض وستبقى بعد زوالها " .


الهوامش
( ) عالم المجهول ، مؤسسة فرانكلين
( ) قامت بهذه الدراسة مؤسسات علمية في بريطانيا في الثمانينات في القرن الماضي ونشرت نتائجها المؤسسات الإعلامية المقروءة والمسموعة .
( ) عالم المجهول .
( ) المصدر السابق .
( ) حقائق وغرائب ، مكتبة مدبولي ص 147 .
( ) الخط الاحمر ، موسى برنس
( ) " مدرسة هامبورغ " مدرسة أسسها في بداية القرن العشرين الالماني الفريد وايت وتعتمد على الجانب الفكري والفلكي الدقيق وقد قام احد طلابها " لادوج ستوبر" بنشر العديد من الممارسات الفلكية في الخمسينات من القرن العشرين .
( ) عالم المجهول
( ) حقائق وغرائب ، ص 148 .
غير مبريء الذمه نقل الموضوع أو مضمونه بدون ذكر المصدر: منتديات الشامل لعلوم الفلك والتنجيم - من قسم: العلوم الخفية في التاريخ


...
....
صورة رمزية إفتراضية للعضو نور الظلام
نور الظلام
عضو
°°°
افتراضي
نعم استاذنا الكبير .. محمد زاهد المشهداني ..

الله خالق الكون سبحانه .. أوجد قانونا يحكم الإنسان والمخلوقات بحيث تسير الحياة حسب ذلك القانون .. وعلم الفلك هو أحد هذه القوانين الدقيقة التي يعجز الإنسان العادي أن يستوعبها .. لذلك نقدر لكم هذا الشرح الجميل ..

ونطمع بالمزيد ..

ســ نور الظلام ــامي


مواقع النشر (المفضلة)
التنجيم في ميزان العلم

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
الانتقال السريع
المواضيع المتشابهه
الموضوع
ميزان الحروف للبحث والاجتهاد
ميزان الطبائع في مثلث الغزالي
ادخل واجعل ميزان حسناتك يثقل يوما بعد يوم الى يوم القيامة
سؤال إلى خبراء التنجيم أو إلى كل من عنده معرفة في هذا العلم
مختصر القول " الفلك والتنجيم في ميزان الإسلام ".

الساعة الآن 06:54 AM.