المشاركات الجديدة
العلوم الخفية في التاريخ : تاريخ العلوم ، قصص ، حوادث

زرقاء اليمامة وظاهرة الإحساس الخارق !

افتراضي زرقاء اليمامة وظاهرة الإحساس الخارق !
[align=right:e1691c4e2c]زرقاء اليمامة وظاهرة الإحساس الخارق !

اشتهرت (زرقاء اليمامة) من عشيرة جديس في الجاهلية بحدة بصرها وقيل إنها كانت تستطيع الرؤية بوضوح على بعد مسيرة ثلاثة أيام . وقيل أنها رأت مرة علائم غزو متجهة نحو قبيلتها ... فلما حذرتهم سخروا منها ولم يصدقوها - ولم يكونوا على علم أو يقين بمقدرتها - . ثم وقعت الواقعة وجاءهم الغزو .. (ولات ساعة مندم ..) .
هذه الحكاية يسمعها أو يقرأها إنسان القرن العشرين فيبتسم إذا شعر بمبالغتها ، أو يهملها إذا اعتبرها أسطورة خرافية ، إلا أنها في نظر علم نفس الخوارق تعتبر واقعة محتملة ودليلا إيجابيا لما يتضمنه من مجالات البحث ، فما هو علم نفس الخوارق ؟ .. ومتى بدأ ... ؟ وأين موقعه من العلوم الإنسانية والسلوكية الأخرى ؟ ..

علم نفس الخوارق :
ولحكاية زرقاء اليمامة مئات الوقائع المشابهة حدثت على مر القرون ، فقد وجد أناس يستطيعون قراءة أفكار غيرهم أو رؤية المحتويات وأنواع المواد أو الحوادث الجارية والموجودة على بعد كبير منهم .. أو التنبؤ بحوادث لم تقع بعد .. وهكذا ، وقد جاء ذكر مثل هذه القابليات في كتاب الفيلسوف (ديموقريطيس) منذ عهد الحضارة الإغريقية .
وروى أحد رؤساء الجامعات المعروفين في أمريكا في هذا القرن قصة حقيقية وهي أنه كان عليه أداء مهمة صعبة وعسيرة وهي الذهاب إلى دار زوجين من أصدقائه الأعزاء ليخبرهما بأن ابنهما قد توفى فجأة في الصين ، فلما سمع الزوج النبأ الفاجع التفت إلى زوجته بهدوء وهو يقول :
(كنت على حق يا زوجتي ...) وتبين أن الزوجة كانت قد أخبرت زوجها قبل أيام بأنها متأكدة أن ابنهما قد توفى .
وسادت في ريف انكلترا وايرلندة لفترة من الزمن قضية علاج بعض الماشية المصابة بأورام جلدية تدعى (الثؤلول) من قبل أشخاص معينين يعالجونها دون عقاقير أو لمس بل بالإرادة والعزائم .
هذه الأمثلة ، وغيرها كثير ، لم تمر على بعض الباحثين مرورا عابرا بل دفعتهم إلى دراستها وتمحيصها وتحليلها بالطرق العلمية وبنظم المنهج العلمي الحديث وأصوله ، ولما كانت تلك الدراسات تتعلق بالسلوك البشري وبالعقل والنفس (والروح) فإنها أصبحت أقرب المواضيع إلى علم النفس بل محاذية له مع بعض الاختلاف ، لذلك أطلق عليها اصطلاح ، (علم نفس الخوارق) وهو ذلك النوع من المعرفة الذي يبحث في الظواهر الحسية الغريبة . وأداة التصدير في أول الكلمة Para تعني باليونانية (محاذى) (أو مجاور) ( أو جنيب) فعلم النفس الجنيب يعنى العلم الذي يدرس الظواهر السلوكية التي تقع خارج نطاق علم النفس الاعتيادي أو التي تتميز عن الظواهر الاعتيادية وتشذ عنها ، وهكذا اخترنا اصطلاح علم نفس الخوارق للدلالة عليها .
والظواهر الحسية الخارقة التي هي موضوع علم النفس هذا سميت كذلك بالقابليات الحسية الخارقة للمألوف .

شيء من التاريخ
قلنا أن الحكايات والوقائع المتفرقة التي كانت تثير الدهشة والاستغراب وربما الوجل والحيرة ظلت مستمرة منذ عشرات القرون ، وكانت جزءا من حكايات الأساطير والخرافات أو من الأدب الديني أو من معجزات الأولياء والقديسين ولم يتمكن أحد من تفسيرها ... بل كان الأهون على بعض العلماء مهاجمتها أو الطعن فيها دون دليل ...
إلا أن بعض علماء النفس والفلاسفة نظروا إلى تلك الحوادث بجد واهتمام إذ رأوا في بعضها حقائق دامغة لا يمكن تجاهلها فآثروا سلوك الدرب الوعر ..... وبدأوا يدرسون بصمت ظواهر الإحساس الخارق منذ أواخر القرن التاسع عشر . وشرع البروفسور ( وليم باريت) أستاذ الفيزياء في كلية العلوم الملكية في دبلن عام 1876م يعلن عن تجاربه حول قضايا تواصل الأفكار وقراءتها ثم تأسست في لندن عام 1882م جمعية أبحاث خوارق الإحساس وقد استخدم اصطلاح Psychic للدلالة على الظواهر غير المادية (أو الروحية) تمييزا لها عن الظواهر النفسية وقد لاقى (باريت) وغيره من الداعين المتحمسين لتلك الدراسات كثيرا من الهجوم والنقد من قبل زملائهم الآخرين ، لكن الأبحاث استمرت على نطاق شخصي وعلى مستوى الجمعيات الخاصة والأهلية ، إلا أنه في عام 1930م دخلت جامعة (ديوك) في ولاية (كارولينا الشمالية) الأمريكية مغامرة علمية جريئة عندما فتحت شعبة لعلم نفس الخوارق برئاسة الأستاذ الدكتور (راين) الذي بدأ ينشر أبحاثه العلمية تباعا منذ عام 1934م ، وصدرت بعدئذ مجلات علمية حول الموضوع ....وامتدت الشعب والأقسام إلى جامعات كبرى كجامعة كولوراد ونيويورك وهارفرد ولندن وكمبردج وأكسفورد ، وفي نيوزلندة والسويد وهولندة وفرنسا ويوغسلافيا واليونان ، ومن العلماء الذين اشتهروا في هذا المجال : راين ، ويست ، مورفي ، ثاوليس ميريل ، وكثيرون غيرهم .
وكان انتقال موضوع خوارق الإحساس إلى الجامعات العلمية وتحت إشراف أساتذة أمناء طفرة كبيرة في إزالة الالتباس والشك الذي يساور كل مثقف متفحص وكانت الخطوة التالية هي الإقدام دون تردد على منح الشهادات العلمية من ماجستير ودكتوراه في هذا الموضوع من قبل جامعات أمريكا وأكسفورد ولندن وكمبردج .

ما هي خوارق الإحساس ؟
ترى ماذا نقصد بخوارق الإحساس ؟ إن العلم الحديث توصل إلى الكشف عن الأصناف التالية :
1- التخاطر ، أو تواصل الأفكار وهي أن يتمكن شخص وهو في مكانه من معرفة ما يجول بأفكار شخص آخر لا يراه ولا يمتلك واسطة للاتصال به وعلى بعد أمتار أو أميال منه .
2- التجلي ، أو الاستبصار وهي القدرة على رؤية الأشياء والناس والحوادث خارج نطاق البصر ، أي ما وراء الحواجز والجدران أو على بعد مئات الأميال وربما على بعد نصف الكرة الأرضية ، وهنا تغدو قصة زرقاء اليمامة شيئا محتملا جدا أو منطقيا لأنها ربما كانت ترى الأشياء بقوة الاستبصار وليس من خلال العين وأعصاب الشبكية و بالأضواء والظلال التي ينقلها الجهاز العصبي ، بل بعض القوى الحسية الأخرى ، ومثال آخر على ذلك :
كانت طفلة عمرها عشر سنوات تقلب أوراق كتابها المدرسي في الهندسة وهي تسير في حقل القرية عندما شعرت بأن الدنيا غامت حولها ، ثم رأت بوضوح أن أمها ممدودة شبه ميتة في غرفة مهجورة في دارهم وبجانبها على الأرض منديل صغير مطرز الحافة ، وأسرعت الطفلة رأسا إلى طبيب القرية قبل التأكد من صحة الرؤية ، وأقنعت الطبيب بالقدوم معها إلى الدار ، وعند باب الدار رآها والدها فاندهش وتساءل : ترى من يكون المريض ؟ لكن الطفلة هرولت إلى الغرفة المنعزلة وهناك رأى الجميع أن أمها مغمى عليها فعلا وبجانبها المنديل ، وأكد الطبيب أنها مصابة بنوبة قلبية ولو تأخر في إسعافها تلك الساعة لماتت .
وروى الفيلسوف (كنط) أن صديقه سويد نبرج كان في مدينة (جونتبرج) عام 1759م وشعر أنه يرى حريقا قد حدث في مدينة (استوكهولم) في السويد على بعد 300 ميل منه ووصف الحريق للسلطات وسمى لهم أسم صاحب الدار التي احترقت حتى أطفئت النار ، وبعد أيام وصل البريد الملكي وأكد حقيقة الحادث بالضبط .
3- التنبؤ أو الإدراك المسبق وهي قابلية الفرد على استباق الحوادث وتوقع ما سيحدث قبل وقوعه بساعات أو أيام أو أشهر ، وأكثر ما يتضح ذلك في الأحلام ، ولا يزال الاعتقاد سائدا بين العامة أن الأحلام تتضمن خاصية الأخبار والتنبؤ بالمستقبل على الرغم من أن علم النفس الحديث وخاصة نظرية فرويد ، لا تعتبر الأحلام إلا مجرد أفكار وخواطر ورغبات مكبوتة تظهر أثناء النوم بصورة مموهة ورمزية للتعبير عن أشياء لا تتاح لها فرص التعبير في الواقع .
والأمثلة على التنبؤ كثيرة نذكر منها الواقعة التي سجلها العالم اليوناني الدكتور (تاناجراس) وهي : أن طفلا رأى شبحا أبيض كلمه وحذره أنه سيموت بحادثة صدم بسيارة . فهرول الطفل خائفا ليعيش بين الجدران في دار جدته ، وفي يوم من الأيام خرج ببساطة ليلعب في الطريق عندما اقتربت منه سيارة ، فسارع الطفل إلى الرصيف والتصق بالحائط بمنتهى الحذر ، لكن السيارة صعدت الرصيف واتجهت نحوه لتسحقه على الحائط .
4- تحريك الجماد وهي القدرة على تحويل المواد الجامدة وتحريكها وإيقافها دون وساطة أو طاقة أو جهد وعلى بعد سنتيمترات أو مئات الكيلومترات ، ولدى البعض القدرة على التأثير ليس فقط في المواد الجامدة بل في الحيوانات وحتى في الناس الآخرين .
وكانت التجارب العلمية على أمثال هؤلاء الموهوبين تدور مثلا حول أوضاع النرد وأرقامه وكيفية التحكم في تسلسل أوراق اللعب (الكوتشينة) قبل أن يخلطها ويفرزها الفاحص أو الآلة الكهربائية التي تدور آليا دون تدخل الفاحص في العملية .

خوارق الإحساس والعلم الحديث :
قلنا كيف أن علم نفس الخوارق انتقل إلى المختبرات وخضع للاسلوب والمنهج العلمي ، وكان المنطق والتفكير المحايد يشير إلى إمكانية وجود هذه القابليات ، والمعروفة في علم وظائف الأعضاء (الفسلجة) ، إن الإنسان يشعر بواسطة حواسه المعروفة من سمع وبصر وذوق وشم ولمس إلا أن العمليات الحسية ليست بالبساطة التي نكتبها هنا أو نشعر بها .
وقد يكون من الغريب أن تسأل أي إنسان لماذا يرى القطن أبيض اللون فعنده أن ذلك أمر طبيعي ومفروغ منه ، ولكن السؤال يصبح معقولا أكثر لو سألناه لماذا تراءى له القطن الأبيض أصفر اللون ؟ والمسألة لدى علماء النفس ووظائف الأعضاء سواء لأن رؤية الأشياء الطبيعية والأحاسيس المتفرقة بأنواعها تتم خلال عملية عقلية معقدة .
والسؤال الفلسفي الأعمق : هل يحس الإنسان ويدرك كل ما يحيطه من أشياء ، ذلك أمر مشكوك فيه ، فنحن ندرك ما تنقله إلينا حواسنا ، وهي عاجزة عن نقل كل شيء ، لقد أدرك ذلك الفيلسوف (كنط) قبل عصر التكنولوجيا وقال أن الحقيقة شيء وما نشعر به شيء آخر .....
والعلم الحديث يؤيد ذلك فالناس ليسوا سواء في إدراك الشيء الواحد ... كما أن لأجهزة الحواس مستويات عليا ودنيا ، أو حدودا لا يتجاوزها الفرد الطبيعي ، فالأذن البشرية الاعتيادية تستطيع أن تسمع الأصوات إذا كانت ذبذبة الصوت لا تقل عن ستة عشر (16) ألفا ولا تزيد عن عشرين ألف ذبذبة في الثانية ، بمعنى أن الصوت الذي تقل أو تزيد ذبذبته عن هذين الحدين لا تسمعه الأذن البشرية ولو كان موجودا بقربها فهو فوق حدود السمع ، وهكذا هي الحواس الأخرى للإنسان لها حدودها الطبيعية .
من كل ما تقدم نريد أن نقول أن حدود الإحساس لدى البشر لها معدل طبيعي ، ومن المحتمل جدا أن يمتلك بعض الناس قابليات حسية تتجاوز الحدود الطبيعية وهي التي تبدو لنا من جملة خوارق الإحساس المذكورة آنفا هذا إذا لم يمتلكوا أيضا وسائل عقلية أخرى لا نعرف ماهيتها ولا ندركها تماما .

خوارق الأحاسيس .. هل هي شاذة ؟
الملاحظ في الأشخاص ذوى الأحاسيس الخارقة أنها صفات ولادية وطبيعية يمتلكها عقل الموهوب وجهازه العصبي ، أو بالأحرى هي جزء من شخصيته دون تمرير أو تعلم ، فهي بريئة نستطيع وصفها باللاشعورية أو غير المتعمدة ، وهي موجودة لدى بعض الناس دون الآخرين ، ولو أن العلم الحديث لم يحدد نسبة الموهوبين بين عامة الناس ، ولكن الموهوب بالأحاسيس الخارقة لا يختلف عن غيره من الناس في العواطف والطباع ، والذكاء والمقاييس البدنية .
خوارق الإحساس إذن غير شاذة وغير مرضية ، بل هي تجانب الطبيعة المألوفة ولكنها لا تدخل ضمن العادى والمألوف ، كما أنها لا تأتي بالتمرين مثل رياضة اليوجا ، والعكس هو الصحيح ، إذ وجد الباحثون أن الموهوب الذي يتعرض إلى الفحص ويحاول التمرين عليه تسوء كفايته وتتكرر مرات فشله ، أما في رياضة اليوجا فإن القوى الحسية الخارقة التي يتوصل إليها (اليوجى) تأتى بالتمرين الشاق والتركيز المستمر وتقوية الشعور والإرادة ، فالفرق واضح بين الاثنين . ولكن اليوجا تعتبر دليلا غير مباشر يعزز ويدعم علم نفس الخوارق ، إذ يوضح كيف أن العقل البشري يمكن أن يتطور إلى مراتب عليا ويمتلك قابليات حسية خارقة بالجهد والإرادة .
كما أن العقل البشري دخل في مغامرات حسية طريفة عن طريق علم الأدوية (الأقرباذين) ، لأن بعض العقاقير لها مفعول التمديد وتعميق المشاعر والإحساس ، حتى أن المفكر الشهير (الدوس هكسلي) جرب بنفسه بعضها ودوَّن أحاسيسه الغريبة التي تخطت الزمان والمكان ، وقد سجلها في كتابه الشهير (أبواب الإحساس).
وقال في تعليق له على علم نفس الخوارق : إن الإنسان يدخل به علما جديدا مثيرا ...
من الطريف أن نذكر أن أول تجربة علمية على خوارق الإحساس جربت قبل خمسة وعشرين قرنا ، وعلى وجه التحديد في القرن السادس قبل الميلاد عندما كان الملك الإغريقي (كروسيس) يحاول اختبار الكهنة في معابد اليونان ليعرف أيهم الكاهن (العراف) الحق فكان يرسل مبعوثيه ليسألوه السؤال التالي : ماذا يعمل كروسيس ابن الايتسي الآن ؟ وفي ذلك اليوم المعين يكون الملك قد جلب شاة وسلحفاة وقطعهما إربا إربا ثم يسلقهما في قدر نحاسي . ويرجع المبعوثون ليخبروا الملك بما يقوله العراف . واكتشف الملك أن الجواب الصحيح جاء من كاهن واحد هو الذي في المعبد (دلفي) الشهير في اليونان .
وعلى الرغم من قدم ذلك الاختبار فإنه كان مثالا للتجربة العلمية التي يمكن أن تتم في مختبرات علم النفس ، ولم تجر بعد ذلك أية تجربة حقيقية حتى أواخر القرن التاسع عشر كما ذكرنا ، وفي هذه التجارب العلمية التي تتم الآن توضع مختلف الضوابط على الشخص (الموهوب) تحت الفحص لمعرفة قابليته لقراءة الأفكار أو رؤية أرقام وأشكال وصور أوراق مختلفة ، وفي غرف وبنايات أخرى أو على أماكن التحكم في تغييرات ترتيب تسلسل تلك الأوراق أو النرد ... الخ وتتصف التجارب العلمية الحديثة لخوارق الإحساس بما يلي :
أ- الابتكار والخلق لحادثة مخططة صالحة للتجربة دون الاعتماد على الصدف .
ب- التسجيل الفوري والآني لما يحدث خلال تلك الحادثة أو التجربة .
ج- احتساب مجالات (الصدفة) وتكرارها من الناحية الإحصائية كي لا تدخل ضمن الدلائل على نجاح التجربة الظاهرى .
د- التأكد من شخصية المفحوص وبأنه غير محتال أو ميال إلى إثبات مقدرته حبا في التباهي والغرور .
ﻫ- التأكد من شخصية الفاحص أيضا وعدم تحيزه للتجربة الناجحة وذلك يعرض النتائج على فاحصين آخرين (شهود) أثناء التجربة .
بهذه الضوابط تمكن الباحثون من تمييز تلك الخواص عن بعضها وتمكنوا من الكشف عن المحتالين أو المهرجين أو الذين يستخدمون فطنتهم وذكاءهم لمعرفة النتائج بالاستنتاج والحدس . مثال ذلك ما جرى للاعب المسرح المدعو (ماريون) الذي تبرع أن يكون مادة اختبار لمعرفة محتويات رسائل مقفلة ومحتويات صناديق متعددة ، وتبين بعد ضبط التجارب أن ماريون كان ذكيا واستخدم حواسه بتركيز ولاحظ بدقة الوجوه وتقاطيع الحاضرين الذين كانوا يعرفون محتويات الصناديق ، وقد فشل في التجربة عندما كان الشهود على جهل تام بالصناديق أو عندما جلسوا وراء ستارة كثيفة لا يراهم من ورائها .

تفسير خوارق الإحساس :
بعد ما يقارب مائة العام من الدراسات والأبحاث ، لا يزال من العسير وضع صيغة علمية أو تفسير لهذه الظواهر يتلاءم مع منطق العلم المادي الحديث وهنالك مجموعة من النظريات والفرضيات التي تقول إحداها بوجود موجات مخية تختلف عن الموجات المعروفة التي يسجلها رسام المخ وأنها أشبه بموجات الراديو ، وتقوم بعملية نقل الأفكار (نظرية الأستاذ كروكس) . ونظرية أخرى تقول باحتمال انتقال جزئ الذرة الإلكتروني من دماغ لآخر (نظرية الأستاذ السويسري فوريل) . ونظرية أخرى تقول بوجود قوة روحية متنقلة (نظرية الألماني اورستوالد) .
إلا أن المتفق عليه أيضا أنه ليس بمقدور علم الفيزياء وحده في المستقبل أن يقدم تفسيرا كاملا لظواهر خوارق الإحساس كما يدعي علماء الفيزياء ، كما لا يمكن القول أيضا أن التجارب العلمية لعلم نفس الروحيات ستسد الطريق أمام الفيزياء في مجال التفسير المادي ، بل أن الأفضل للاثنين إيجاد تفسير يجمع بينهما يوما ما ولا يناقضهما .

آفاق المستقبل :
عندما بدأ علم نفس الخوارق لم يفكر القائمون عليه بشيء إلا معرفة الحقيقة ووضع حد للخرافة والأوهام وإدخال الظواهر تلك في حساب البحث الجدي ، وكانت التجارب مشجعة على المضي في هذا المجال ، وأصبح أول طموح للباحثين هو أن يدخل علم نفس الخوارق على الأقل كفرع من فروع علم النفس (الرسمى) ، المعترف به ، ووضع حد للذين يتهمون العلم والعلماء بأنهم لا يعترفون بغير المادة ...
وقد تم فعلا اعتبار علم نفس الخوارق جزءا من علم النفس ، ولكن في النصف الثاني من القرن العشرين ، وهكذا ظهرت الطبعات الجديدة لكتب علم النفس الحديث وهي تشير إلى خوارق الإحساس باطمئنان ، وتُدخلها من ضمن محتويات فصولها وإن كانت لا تملك تفسيرا لها ، كما أصبح علم نفس الخوارق قسما خاصا من كيان الجامعات والكليات العلمية الشهيرة ، ولا تزال وسائل البحث في هذا المضمار محدودة على الرغم من توسع التكنلوجيا وطفراتها الحديثة ، حتى أن أحد الباحثين في خوارق الإحساس قال بأسي :
لو توافرت لنا نصف إمكانية تجارب الفيزيائيين وأدواتهم في مختبراتهم لتمكنا من تقديم خدمات هائلة للجيل البشري والمدنية .....
ويحق لنا أن نتساءل : ماذا يمكن أن يفيدنا هذا النوع من البحث وإلى أين سيقودنا .... وما هي تطبيقاته العلمية ؟ . ونستطيع الإجابة أولا بأن التطبيقات العلمية لا تزال معدودة ولكن الآمال المعلقة عليها كبيرة . والحادثة التالية توضح فائدة عملية جرت في حينها :
مات رجل ثري في إحدى من أمريكا وترك وصية تجعل من أحد أبنائه الأربعة الوريث الوحيد لثروته وبعد تنفيذ الوصية بأربع سنوات رأى أحد الأبناء الثلاثة حلما يقول له والده فيه إن وصية أخرى موجودة في دارهم القديمة ، فإذا ذهب إلى هناك وجد (جاكتته) القديمة معلقة وفي داخلها وتحت بطانتها يجد ورقة تبين له مكان الوصية ، وقد عثر الابن على الورقة وكان فيها أن الثروة توزع على الأبناء الأربعة بالتساوي ، وحكمت محكمة كارولينا الشمالية في مقاطعة (دافي) بتنفيذ الوصية بعد أن تأكد لديها بأنها صحيحة ومكتوبة بخط الميت .
إن مثل هذه الفوائد العلمية محدودة بالطبع ، إلا أن ما أثبته علم نفس الخوارق من الحقائق التالية يمكن أن يفتح أمام الإنسان أبوابا أخرى من المعرفة :
- فقد أثبت أن بإمكان العقل الاتصال بعقل آخر دون واسطة مادية معروفة ..
- وأن بإمكان العقل الاتصال بموجودات أو مخلوقات أخرى يشعر بها دون واسطة .......
- وأن بإمكان العقل تخطي المسافات الشاسعة ...
- وأن بإمكانه التأثير في حركة الجماد والحيوان دون أثر لواسطة مادية ..
- وأن هنالك شيئا لا يدخل في صفات المادة ، قد يكون طاقة أو روحا ويدخل في تلك العمليات العقلية .
- وأن العقل (أو الروح) والمادة يتفاعلان بعملية واحدة ذات اتجاهين .... أو يسيران في طريق واحد ذي ممرين .
مما تقدم ، نرى أن علم نفس الخوارق يرسم خطوطا جديدة على اللوحة الهائلة للكون وعلاقة الإنسان وموقعه منه ، كما يضع في ذهن الإنسان مسألة تقول : أن الحقيقة لا تحددها القوانين الفيزيائية السائدة فحسب بل لابد من وجود قوى أخرى لا تخضع لقوانين المادة ... بل لقوانينها هي .
إذن ، فمن الجهالة الجزم بأن كل ظاهرة خارقة أو غير مألوفة تعتبر خرافة وتدجيلا ، أو بالأحرى إن بعض المعجزات الدينية والتاريخية شيء يقبله العقل والمنطق والعلم الحديث .
إن الإنسان لا يزال عالما غريبا معقدا ، فهو والكون المحيط به مجموعة أسرار عظيمة تستوجب التواضع البشري والحماس العلمي لكشف المجهول والإيمان بعظمة الخالق ، فعلم نفس الخوارق يحاول تفسير كيفية التوافق بين العقل والبناء العضوي للدماغ باسلوب يختلف عن الإطار العلمي السـائد الآن ، وبذلك يمكنـه أن يسلط أضـواء جديدة على علاقـة الفكـر بالمادة .
الكون في ذاتنا وفي الفضاء حوالينا ... وما علينا إلا أن نتدبر ونستعد لمزيد من البحث والتواضع والإيمان . ولا شك أن علم نفس الخوارق هو الذي يحمل راية (الروحيات) وهو الذي سيكون أقرب العلوم إلى الفكر الديني بل إنه فعلا يتلاءم مع الدين ويسير معه جنبا إلى جنب ... والمستقبل وحده كفيل بجلاء الحقائق ، وما علينا إلا أن نردد مع (سوفوكليس) قوله :
كثيرة هي عجائب الدنيا ....
ولكن أعجبها هو الإنسان ....
ومن البديهي أن نضيف . (أن عظمة الخالق تتجلى في مخلوقاته) ..

المصدر:
منشورات الدكتور فخري الدباغ رحمة الله عليه
في مجلة العربي الكويتي
[/align:e1691c4e2c]

غير مبريء الذمه نقل الموضوع أو مضمونه بدون ذكر المصدر: منتديات الشامل لعلوم الفلك والتنجيم - من قسم: العلوم الخفية في التاريخ


...
....
صورة رمزية إفتراضية للعضو زهرة زمان
زهرة زمان
عضو
°°°
افتراضي
سبحان الله ...

شكرا الك أخ حكيم


مواقع النشر (المفضلة)
زرقاء اليمامة وظاهرة الإحساس الخارق !

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
الانتقال السريع
المواضيع المتشابهه
الموضوع
اللبان الخارق
مكان للروحانى الخارق وحلمى333 فقط بدون تدخل الاخرين
حقيقة زرقاء اليمامة علمياً
قواعد التنجيم بين الدلالة والتأثير
لو تساوى كوكبان في الدلالة والقوة

الساعة الآن 02:18 AM.