المشاركات الجديدة
فلسفة العلوم الخفية : ماوراء الكلمات والسطور ودراسة أساليبها وطرقها

عن علم التعمية .. الشفرة

افتراضي عن علم التعمية .. الشفرة
للمهتمين بهذا العلم .. نهدى هذه الرسالة
اكتشاف مخطوطات التعمية والجهود المبذولة فيها

د. محمد حسان الطيان
المصدر: ألقيت في حفل إصدار الجزء الأول من سلسلة كتب التعمية عند العرب بمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية/ الرياض 17-19 أكتوبر 2003م.


ملخص البحث:
يرمي هذا البحث إلى جلاء أمر الكشف عن مخطوطات علم التعمية ورحلة التنقير عنها في مكتبات العالم، وهو يتألف من تمهيد، وقسمين.
يعرِّف التمهيد علم التعمية، ويشير إلى مكانته وأثره.
ويحكي القسم الأول قصة الكشف عن مخطوطات التعمية ومبلغ ما اجتمع لدينا منها.
ويتناول القسم الثاني أهم هذه المخطوطات بالوصف وإيراد نماذج مصورة منها.

تمهيد:
التعمية أو الشِّفْرة: تحويل نصٍّ واضح إلى آخر غير مفهوم باستعمال طريقة محددة يستطيع من يعرفها أن يفهم النص.
واستخراج التعمية أو كسر الشِّفْرة: تحويل النص المعمى إلى نص واضح دون معرفة مسبقة لطريقة التعمية المستعملة فيه.

ويحظى هذا العلم اليوم بمكانة مرموقة بين العلوم، إذ تنوعت تطبيقاته العملية لتشمل مجالات متعددة نذكر منها: المجالات الدبلوماسية والعسكرية، والأمنية، والتجارية، والاقتصادية، والإعلامية، والمصرفية والمعلوماتية.
وقد توافر لهذا العلم من أسباب الرعاية والتطوير الشيء الكثير لدى معظم الدول المتقدمة، إلا أنه غاب عن أذهان الكثيرين ممن يعملون به أن أصله عربي، وأن العرب هم آباؤه وواضعو أسسه ومطوروه، ولكنه خبا لديهم حتى لم يعد شيئاً
مذكوراً.

يقول كبير مؤرخي هذا العلم دافيد كهن في كتابه Kahn on Codes ص41:
"إن شفرة قيصر بقيت حية حتى آخر أيام الروم؛ لأن أول مستخرجي التعمية (الذين يكسرون الشفرة) لم يظهروا إلا بعد عدة قرون لاحقة. العرب كانوا أول من اكتشف مبادىء استخراج المعمى، ولكن معلوماتهم تقلصت مع أفول حضارتهم".

أولاً: الكشف عن أقدم مخطوطات التعمية في العالم
كانت مهمة عسيرة.. بل مغامرة مثيرة.. تلك التي بدأها معنا د. محمد مراياتي، حين أوقفني والأخ الدكتور يحيى مير علم على نص لكبير مؤرخي التعمية دافيد كهن في ص93 من كتابه THE CODEBREAKERS يقول فيه: "ولد علم التعمية بشقَّيه بين العرب فقد كانوا أولَ من اكتشف طرق استخراج المعمَّى وكتبها ودوَّنها".

ولدى تتبع تلك المقولة تبين لنا أنه اعتمد فيها على ما جاء في كتاب (صبح الأعشى في صناعة الإنشا) للقلقشندي (821هـ = 1418م) الذي عقد باباً سماه "باب إخفاء ما في الكتب من السرِّ.." أكثر النقل فيه عن رسالة تدعى "مفتاح الكنوز في إيضاح المرموز" لعالم يدعى ابن الدريهم.

ويعبر البرفسور دافيد كهن عن أسفه الشديد لأن رسالة ابن الدريهم هذه تعد من الكتب الهامة المفقودة LOST BOOKS OF CRYPTOLOGY وتلمس في كتابه مقدار الرغبة الملحة والحماسة الشديدة لإثبات ما عده فتحاً تاريخياً، حين تقرأ في ملحقاته ما أثبته من رسائل وردت إليه تنعى عليه كشفه هذا، وتنكر وجود ابن الدريهم أصلا، وتزعم أنه ضرب من الخيال أو الوهم، ولا وجود له في حقيقة الأمر.
والدعاوى ما لم يقيموا عليها بيناتٍ أصحابها أدعياءُ
يا له من تحدِّ ما أجمله!!... ويا لها من مهمة ما أعسرها!!...

يقول دافيد كهن في كتابه THE CODEBREAKERS ص284: "طور المسلمون معرفة نظرية في استخراج المعمى، تنم عن ممارستهم لاعتراض المراسلات واستخراج تعميتها، وذلك على الرغم من تشكيك بعض الباحثين في ذلك. و بما أن التراث الإسلامي المخطوط لا يزال غير مكتشف في معظمه، فقد يحصّل الباحث فيه اكتشافات جديرة بالتقدير".

رحلة البحث عن المخطوطات
1- في دمشق (عام 1979):
من هنا بدأت رحلتنا في البحث والتنقير عن ذلك المخطوط الضائع، وعن صاحبه المجهول، بل عن كل ما له مِساس بعلم التعمية واستخراج المعمى. بدأناها في الظاهرية التي كانت آنذاك (عام 1979) أعظم مكتبة في دمشق، وكانت تضم في جنباتها نحواً من اثني عشر ألف مخطوط استعرضنا جذاذتها واحدة واحدة بحثاً عن ضالتنا دون أن نحلى بطائل أو نظفر بدليل يدل على المخطوط الضائع، على أننا وجدنا آثاراً تدل على صاحبه أعني ابن الدريهم. فقد عثرنا على رسالتين مخطوطتين له، أما الأولـى فهــي "منهج الصواب في قبح استكتاب أهل الكتاب" وأما الثانية فهي قصيدة في ثلاثين قافية في مدح النبي محمد صلى الله عليه وسلم، نحا فيها ابن الدريهم نحواً عجيباً إذ جعل لكل بيت فيها ثلاثين قافية تستغرق حروف العربية وتزيد عليها اللام ألف، فلك أن تقول إن القصيدة همزية أو بائية أو تائية أو........ إلى أن تستنفد حروف العربية. ولما كانت القصيدة في ثلاثين بيتاً فقد بلغ عدد قوافيها تسعمئة قافية. (وقد حققتها ونشرتها في حوليات كلية الآداب بجامعة الكويت).

لقد كان لعثورنا على رسالتي ابن الدريهم هاتين أثر كبير في شحذ همتنا لمتابعة البحث، فابن الدريهم إذن عالم عربي مسلم كان له وجودٌ، وقد خلف آثاراً ضمت الظاهرية اثنين منها فيكف بباقي المكتبات؟!.. ثم إن ترجمة الرجل في (الدرر الكامنة) تؤذن بوجود عشرات المؤلفات له في فنون شتى منها فن التعمية.

على أن بحثنا في الظاهرية لم يخلُ من فوائد أخرى، إذ جمعنا كل ما تضمه المكتبة من رسائل التعمية البديعية، وهي تعمية تعتمد على إخفاء المعاني بالتورية ومجالها الشعر، وقد عني بها الفُرس وتلقفها عنهم العرب بأَخَرَة (فيما يسمى بعصور الانحطاط).
أما مفتاح الكنوز فلم يزل ضائعاً...

2- في اصطنبول (عام 1981):
لابد إذن من الترحل في البحث عن مفتاح الكنوز، ولعل مكتبات تركية بما تضم من كنوز تراثنا العربي الإسلامي خير ما يمكن أن يتطلع إليه الباحث إذ تضم بين جنباتها أكثر من مئة ألف مخطوط، ولكن.. كيف السبيل إليها؟ وهل يستطيع أي باحث أن يصور ما يشاء منها؟!.

طرحنا هذا السؤال على شيخنا الأستاذ أحمد راتب النفاخ علامة الشام طيب لله ثراه، فأرسل به إلى صديقه الأستاذ الدكتور صلاح الدين المنجد أول مدير لمعهد المخطوطات ليعود الجواب مخيباً للآمال، فتصوير المخطوطات من مكتبات تركية من الصعوبة بمكان، وهو من المحظورات التي يحاسب عليها القانون التركي بحزم لا هوادة فيه لكن ذلك لم يكن ليفتَّ في عضدنا فما نذرنا أنفسنا له أكبر من أن يحبسه حابس أو تعترضه عقبة. ومن ثم فقد رحنا نبحث عن كل ما من شأنه أن يذلل لنا الطريق ويضمن لنا التصوير.

زوَّدنا د. مراياتي بخطابين حبرهما المدير العام لمركز الدراسات والبحوث العلمية بدمشق موجهين إلى كل من السفير السوري في تركية ومدير المكتبة السليمانية باصطنبول.
وزودنا أحد العاملين في تصوير المخطوطات برسالة موجهة من الأستاذ الدكتور سهيل زكار إلى طالب موفد من جامعة دمشق يحضر الدكتوراه في كلية الآداب بجامعة اصطنبول. حملناها إليه مع اثني عشر ميكروفلم لو رآها شرطة الحدود للبثنا في السجن بضعة شهور، ولكن الله سلَّم!.
وحملنا إلى ذلك كله أصنافاً من الهدايا والتحف نقدمها بين يدي المهمة التي ارتحلنا في سبيلها عسانا نحظى ببغيتنا، ولكن هيهات!!.

وهكذا انتقل البحث من دمشق إلى اصطنبول، ومن الظاهرية إلى السليمانية حيث ترقد الكثرة الكاثرة من المخطوطات العربية الإسلامية رهينة المحبسين: الغربة، وخزائن الكتب. وبدأنا البحث ثمة عن ضالتنا في جذاذات الفهارس التي كتبت بالحروف اللاتينية فازدادت غربتها وانطمست معالمها، وضُرِب بينها وبين المطالع العربي بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب، ولكن العذاب يَعذُب حين تلوح من ورائه بارقة الأمل بالعثور على المفقود.. والكشف عن المخطوط الضائع.

وكان لنا ما أردنا، لقد وجدنا المخطوط الضائع، عثرنا على مفتاح الكنوز فما كان أشد فرحتنا‍ ‍وما كان أعظم سعادتنا.
أرأيت إلى الأعرابي يُضل بعيره في الصحراء... ثم يجده بعد طول يأسٍ واغتمام..؟..أرأيت إلى الأم تفقد فلذة كبدها في متاهة... ثم تلقاه بعد طول بعد وغياب..؟..أرأيت إلى الباحث الجاد يمضي مع بحثه خطوة خطوة.. يجمع مصادره.. ويجري تجاربه.. ويستقري كل أدواته.. ثم يؤتى بحثه أكله بعد طول عنت واستعصاء..؟.. كذلك كانت فرحتنا يوم لقينا مخطوطنا الضائع "مفتاح الكنوز في إيضاح المرموز" لابن الدريهم الموصلي. وقد كتب اسمه في جذاذة الفهارس هكذا:
(Miftah Al Kunuz Fi Idah Al Marmoz) Ibn Al-durayhim Al Mowsili
لم نكد نصدق أعيننا حين قرأنا هذه التهجئة، ومن ثم هُرعنا إلى أمين المكتبة نأخذ طلب استعارة ونكتب ما رُقِن على الجذاذة حرفاً حرفاً نخشى أن نخطىء في حرف أو في رقم فيفلت الضائع منا.. وبتنا على أحر من الجمر دقائق حسبناها ساعات، أقبل علينا بعدها رجل يحمل الكنز المرتقب إنه هو "مفتاح الكنوز"‍ وإن مؤلفه ذلكم المجهول المُغَيَّب علي بن الدريهم الموصلي.
لم ننتظر إذناً بالتصوير أو نلتمس إلى ذلك سبيلاً وإنما عكفنا عليه ناسخين حتى أتينا عليه جميعاً من الجلدة إلى الجلدة ثم عارضنا ما نسخنا، حتى إذا ما تم لنا كل ذلك التفتنا نبتغي التصوير ونسعى إليه سعينا ملتمسين كل سبيل يمكن أن يوصلنا إليه.

سلمنا ما بأيدينا من رسائل محفوفة بالهدايا والتحف إلى مدير المكتبة وإلى القنصلية في اصطنبول فلم يُجدِ ذلك شيئا، وسعينا عند أساتذة أجلاء تعرفنا إليهم هناك فلم تُغنِ معرفتهم فتيلاً.

وصادف أن لقينا الأستاذ الدكتور صلاح الدين المنجد في السليمانية، ولم نكن نعرفه، وإنما دلنا عليه اسمه وقد كُتب على محفظة تكاد تحيلها السنون إلى مخطوطة لكثرة ما عانت من صحبة المخطوطات، اقتربنا منه على وجل وسألناه التعارف والمصاحبة فبذلهما لنا، ورأيتنا نكتنفه متوسلين أن يمدَّ لنا يد العون في تصوير المخطوط فما زادنا غير يأس وقنوط، بل راح يقرِّعنا لأننا لم نستمع إلى نصحه حين أرسل إليه شيخنا النفاخ يسأله عن تصوير المخطوطات في مكتبات تركية. وأكد لنا أن تصوير صفحة واحدة من مخطوطات السليمانية أمر محال.

لم نتوقف في أثناء ذلك عن البحث في فهارس المكتبة وهي كثيرة تبلغ بضعة وتسعين فهرساً – استعرضناها واحداً واحداً، فحظينا بعدة رسائل ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍في التعمية كان أهمها على الإطلاق "رسالة الكندي في استخراج المعمى" تلك الرسالة التي جعلتنا نعيد تاريخ علم التعمية خمسة قرون إلى الوراء، لأن صاحبها يعقوب بن إسحاق الكندي فيلسوف العرب المشهور توفي في القرن الثالث للهجرة (260هـ).

وكان مما عثرنا عليه مجموع يشتمل على ثماني رسائل في التعمية، والحق أن شيخنا النفاخ - عليه رحمات المولى سبحانه – كان قد حصل على مصورة عنه من صديقه المؤرخ العلامة التركي المعروف د. فؤاد سزكين. ولكن فيه ورقةً ناقصة استدركناها من الأصل الذي وجدناه في المكتبة السليمانية آنذاك.

وقد صنعنا برسالة الكندي صنيعنا بسابقتها إذ نسخناها وعارضناها، وكذلك الورقة الناقصة من المجموع.
على أن أملنا لم ينقطع في إمكانية الوصول إلى تصوير كل تلك المخطوطات مع مخطوطات أخرى كنا نسعى إليها على رأسها رسالة "أسباب حدوث الحروف" لابن سينا.

وطرقنا آخر الأبواب إنه ذلكم الطالب الموفد الذي حملنا إليه رسالة د. زكار والأفلام الاثني عشر، وقد أجابنا إلى طََلِبَتِِنا، ولكنه أغلى الثمن لأن كل من يساعده على إنجاز مهمة التصوير يحتاج إلى تلقيم وكذلك كان، فلم نبخل عليه بأي ثمن طلبه، دفعنا ذلك من حرِّ أموالنا، على ضيق ذات اليد، تغشانا سعادة غامرة بما حصَّلنا، ويحدونا أمل وطيد بأن يخلف كل ذلك عند الله أولاً ثم عند أولي الأمر ثانياً.

ولابد لنا هنا من كلمة شكر نزجيها لذلك الطالب الموفَد الذي أعاننا على إنجاز مهمتنا على خير وجه وقد أصبح فيما بعد وكيلاً لكلية الآداب بجامعة دمشق، إنه الصديق الدكتور محمود عامر، فله منا كل الشكر والتقدير.

وهكذا عدنا من رحلتنا وقد امتلأت جَعبتنا بأكثر مما كنا نؤمل، إن حصيلة ما اجتمع لدينا من رسائل التعمية بلغ إحدى عشرة رسالة، دع عنك ما جمعناه من رسائل التعمية البديعية، وهي الرسائل التي عنيت بفن التعمية بوصفه فناً بديعاً يعتمد على تزيين الشعر والإلغاز فيه.


غير مبريء الذمه نقل الموضوع أو مضمونه بدون ذكر المصدر: منتديات الشامل لعلوم الفلك والتنجيم - من قسم: فلسفة العلوم الخفية


...
....
الصورة الرمزية الجدار
الجدار
مشرف
علوم الطاقة والمارائيات
°°°
افتراضي
عكفنا بعد ذلك على مخطوطات التعمية دارسين ومحققين وشارحين وموازنين لنُخرج فيها سِفرَين كبيرين، اشتمل الأول على ثلاثة من أهم رسائلها مع دراسة تحليلية لكل منها ودراسة موسعة لتاريخ علم التعمية عند العرب، ونشر بعنوان "علم التعمية واستخراج المعمى عند العرب- الجزء الأول- دراسة وتحقيق لرسائل الكندي وابن عدلان وابن الدريهم" ضمن مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق عام 1987 مصدراً بمقدمة ضافية لرئيس المجمع أستاذنا الدكتور شاكر الفحام. واشتمل الثاني على ثماني مخطوطات ونشره المجمع أيضاً عام 1997 بعنوان "علم التعمية واستخراج المعمى عند العرب (التشفير وكسر الشفرة)- الجزء الثاني - دراسة وتحقيق لثماني رسائل مخطوطة" مصدراً بمقدمة ضافية لأستاذنا الفحام رئيس المجمع.

تلكم كانت محطتنا الثانية في رحلة البحث والكشف عن مخطوطات التعمية، أما المحطة الثالثة فكان لها شأن آخر، وهذا أوان الحديث عنها.

3-في باريس (عام 1986):
اتجهت أنظارنا بعد ذلك للحصول على مخطوط في غاية من الأهمية في مجال التعمية إنه: "شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام" لابن وَحشِيَّة النبطي، ذلك المؤلف الذي كشف اللثام عن رموز الهيروغليفية قبل عشرة قرون من كشف شامبليون لها. وقد أشارت المراجع إلى أنه طُبع في لندن عام 1806 بعناية جوزيف هامّر مما جعلنا نتطلع نحو المتحف البريطاني للحصول على نسخة من تلك المطبوعة، ولكن هيهات!! إذ لم يُعِر القائمون على المتحف أيَّ اهتمام لخطاباتنا المتكررة برغم أن بعضها حُمل إليهم باليد مع لجان متخصصة مما أقنعنا بمقولة أطلقها بعض المهتمين بشؤون المخطوطات والكتب النادرة، مفادها أن هذا الكتاب يقع ضمن ما يحظر تداوله إعارةًً أو تصويراً أو اطِّلاعاً في المتحف البريطاني.

لم يبق أمامنا- والحالة هذه- إلا اللجوء إلى الأصل الذي طُبع عنه ذلك الكتاب وهو مخطوط تحتفظ به المكتبة الوطنية بباريس، وسنحت الفرصة بسفري إلى فرنسا عام 1986 حيث قصدت المكتبة الوطنية بباريس، وتمكنت من استعارة المخطوط (شوق المستهام) ومعاينته، وكم كان عجبي كبيراً وفرحتي عظيمة حين عرفت أنه يشتمل على واحد وثمانين قلماً (أي لغة قديمة) كان الحكماء يستعملونها في تعمية كتاباتهم، من بينها قلم هرمس الذي يؤلف أساس لغة الفراعنة وهي اللغة الهيروغليفية القديمة، وبادرت من فوري إلى نسخ المخطوط خشية ألا أحظى بتصوير نسخة منه، وكم كان النسخ شاقاً وعسيراً لأن المخطوط يشتمل على صور وأشكال يصعب أن ترسم إلا بيدٍ حَذاق صَناع، وأين مني تلك اليد؟! ومع ذلك فإنني أتممت نسخ المخطوط، وكتبت صفحة في وصفه، ثم تقدمت بطلب رسمي مشفوع بتزكية من أستاذ في جامعة السوربون هو الدكتور جورج بواس لتصويره، ووُعدت خيراً.. إلا أنني عدت إلى دمشق بخُفَّي حُنَين، ولم يطل صبري كثيراً فما هي إلا ثمانية أشهر حتى جاءني خطاب من المكتبة الوطنية بباريس يخبرني بوجوب دفع مئتي فرنك فرنسي قيمة المصورة التي أفرج عنها أخيراً، وجاءتني تحمل نجاحاً آخر في رحلة بحثنا المضنية، وكانت فرحة غامرة.

4- في اصطنبول ثانية (1991):
لم يكن "شوق المستهام" على أهميته وشهرته – هو الوحيد في بابه، فقد دلنا التتبع والاستقصاء على أن ثمة مخطوطات أخرى تنحو نحوه ولا تقل أهمية عنه. أهمها مخطوط لذي النون المصري يدعي (حل الرموز وبرء الأسقام في أصول اللغات والأقلام) يشتمل على مئتي قلم (أي لغة قديمة)، وآخر للجلدكي يشتمل على سبعين قلماً، وثالث لمجهول. وكل ذلك في مكتبات تركية، ومن ثم كانت رحلتي الثانية إلى تركية عام 1991 حيث حصلت على مصورات لهذه المخطوطات جميعاً بعد لأي، إلا أني على كل حال لم أُلاقِ ما لاقيت والأخ الدكتور يحيى في رحلتنا الأولى، وإنما جنيت كثيرأ مما كنا زرعناه في تلك الرحلة، وتضافرت إلى ذلك أفضال عدد من الأصدقاء الكرام لا بد أن يُذكروا هنا ويشكروا وهم الأستاذ لطفي الخطيب ود.عبد الرحمن الفُرفور (المهتمان بشؤون المخطوطات) والأستاذ رأفت غوغول (خبير التجليد العالمي) ود. أحمد صبحي فرات (الأستاذ بكلية الآداب- جامعة اصطنبول) جزاهم الله عنا خير الجزاء.

5- مخطوطات لم نرتحل إليها:
وفدت إلينا خلال رحلتنا الطويلة هذه مخطوطاتٌ لم نرتحل إليها، وإنما ساعدنا في الحصول عليها أساتذةٌ أجلاء وأصدقاء نبلاء بذلوا جهداً حميداً في سبيل ذلك، فلهم منا كل الشكر والتقدير. منها:
أ - مجموع يضم تسع رسائل في التعمية، من المكتبة السليمانية، أتحفنا به أستاذنا النفاخ كما تقدمت الإشارة إلى ذلك.

ب - قصيدة ابن الدريهم في حل رموز المكاتبات وفهم أقلام المتقدمين، من مكتبة دار الكتب المصرية، تكرم بإرسالها إلى د. مراياتي صديقه الدكتور فتحي صالح المشرف على مشروعات نُظُم معلومات الثقافة في المركز الإقليمي لتكنولوجيا المعلومات بالقاهرة.

ج - نسخة من مخطوط "شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام" لابن وحشية النبطي، من مكتبة خاصة، قدمها لنا الأستاذ الفاضل محمد عدنان جوهرجي، بعد أن ألقى محاضرة عنها في المركز الثقافي بدمشق.

د - نسخة أخرى من مخطوط "شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام" لابن وحشية النبطي، تكرم بتصويرها الأخ الصديق المهندس محمد الزمامي من المكتبة الوطنية في فيينا.

هـ - كشف المغمى عن أصول المعمَّى، لمحمد مرتضى الزَّبيدي، وهي رسالة صغيرة تحتفظ بها المكتبة اليهودية الوطنية بالقدس، وقد تكرم بتصويرها فضيلة الأخ الشيخ نظام اليعقوبي من مقتنيات مكتبته الخاصة بالبحرين.

و- ورقات من مجموع التعمية تكرم بإرسالها الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الهدلق (محقق رسالة ابن طباطبا في استخراج المعمَّى) بعد أن صورها الأستاذ الدكتور عبد العزيز المانع شكر الله لهما.

هذه جملة المخطوطات التي اجتمعت لدينا حتى الآن في علم التعمية واستخراج المعمى، وهي على غناها وكثرتها وتنوعها غيض من فيض وقُلٌّ من كُثر، فما في المكتبة العربية أعظم من أن يحيط به جهد، أو يحصيه محص، وفي جَعبتنا عناوين كثيرة لما نصل إليها، ومن ورائها عناوين كثيرة لما تصل إلينا، بل لما يبلغنا علمها، وما زال البحث عنها جارياً...

وسأعمد فيما يأتي إلى وصف أهم ما جمعناه من مخطوطات التعمية، وهي التي ألفت نواة السِّفرين اللذين أشرت إليهما، ثم أشفع كل وصف بنموذج مصور.

ثانياً: وصف المخطوطات
1- رسالة الكندي في استخراج المُعَمَّى
نسخة ضمن مجموع كبير، كُتب بخطٍّ صغير متداخل، ويتألف من (232) ورقة، يقعُ في قسمين: يشتمل الأول منهما على رسائل ثابتِ بنِ قُرَّة في الرياضيات وغيرها، ابتدأ بجدولٍ كُتِب فوقه "جدول فيه فهرست ما وجدنا من كتب ورسائل ثابت بر قُرَّة في الرياضيات". كما رُسم في أعلى الورقة عبارتان مهمّتان نصُّ الأولى منهما: "هذا الكتابُ كان لأبي عليّ الحسين بن عبد الله بن سينا، وصُنِّف من رسائلَ كثيرةٍ، والله أعلم".

أما القسم الثاني م
ن المجموع فيشتمل على رسائل مختلفة للكندي ابتدأت بفهرس كُتب فوقه: "الجزء الأول من كُتب ورسائل يعقوب بن إسحاق الكندي، وفيه ستون مصنفاً". ورسالته في استخراج المعمى واحدة من رسائل هذا القسم، وهي تشغلُ من المجموع ما بين (59-64) (ترقيم قديم) أو (211-216) (ترقيم حديث). وتقع في (12) صفحة، يتضمن كلٌّ منها (32) سطراً، وفي كلّ سطرٍ ما يقربُ من (17) كلمةً. وفي الرسالة قسمٌ مكرر استغرق آخر ورقة من الأصل، وهي الورقة (216). والمجموع محفوظ في خزائن مكتبة آيا صوفيا ضمن المكتبة السليمانية برقم (4832). وفيما يلي نموذج مصور من رسالة الكندي:



2- رسالة ابن عدلان
المؤلَّف للملك الأشرف
رسالة ابن عدلان واحدة من رسائل عديدة يشتمل عليها مجموع كبير يقع في (191) ورقة ذي حجم متوسط، يشتمل على موضوعات مختلفة، بينها رسائل في التعمية تشغل منه ما بين الورقة (48) والورقة (133) تمثل ما لدينا منه، أما رسالة ابن عدلان فتقع ما بين 89/أ و107/ب.

وخطُّ مجموع التعمية هذا نَسْخي واضح بالجملة، وإن كان لا يخلو من غموض أحياناً وإهمال للحروف المعجمة أحياناً أخرى، وهو خِلْوٌ من ذكر اسم الناسخ أو تاريخ النسخ إلا أن رسم حروفه يؤذن بتقدمه، وقد قدّر الدكتور فؤاد سزكين أنه يعود إلى القرن السادس الهجري.

وهو متفاوت في حجم الخط ونوعه وعدد الأسطر، إذ يراوح أغلبُ ما في صفحاته من أسطر ما بين (14) و(15) سطراً، وربّما نقص بعضها عن ذلك، ونسخة المجموع من خزائن مكتبة فاتح المحفوظة في المكتبة السليمانية برقم (5300). وفيما يلي أسماء ما تضمّنه المجموع من رسائل حسبما وردت فيه، وإلى جانب كل منها رقم الصفحة التي تبدأ بها الرسالة:
- رسالة أبي الحسن بن طباطبا في استخراج المعمى 48/أ
- زُبَد فصول ابن دنينير في حلّ التراجم 54/أ
- مقاصد الفصول المترجمة عن حلِّ الترجمة 55/أ
- من كتاب الجرهمي 80/أ
- من كتاب البيان والتبيين لأبي الحسين إسحاق بن إبراهيم بن سليمان بن وهب الكاتب 82/أ
- من رسالة أبي الحسن محمد بن الحسن الجرهمي 83/أ

- من كتاب العين 87/أ
- المؤلّف للملك الأشرف في حلّ التراجم 89/أ
- المقالة الأولى في جمل القول على حلّ التراجم المسهلة المستحسنة إلى الخروج 109/أ
- المقالة الثانية في استنباط التراجم العويصة الغامضة المشددة وفي كيفية وضعها 115/أ
- رسالة في استخراج المعمى من الشعر مجردة من كتاب أدب الشعراء119/ب
وفيما يلي نموذج مصور من رسالة ابن عدلان:




3- رسالة ابن الدريهم
مفتاح الكنوز في إيضاح المرموز
نسخة مصورة عن أصل يقع ضمن مجموع ذي قطع صغير، يشتمل على رسائل مختلفة في بعض العلوم الخفية كالزايرجة والجَفْر والأوفاق والرّمل والطلاسم وغيرها، وهو مكتوب بخط نسخيٍّ جميل، تحتفظ به مكتبة أسعد أفندي المودعة في خزائن المكتبة السليمانية في اصطنبول برقم (3558). وقد حوت الورقة الأولى منه فهرساً بخط الناسخ تضمنَ أسماء الرسائل، كُتب اسمُ كلٍّ منها في سطرين، وأُثبتَ تحته رقمُ الورقة التي تبدأ بها الرسالة121".

وقد جاءت رسالةُ ابن الدريهم في هذا المجموع تامة شغلت منه ما بين 47/ب و59/أ وفي ختمها صرّح ناسخها باسمه وبتاريخ نسخها، قال "أنهاه كتابةً الفقير صدقي مصطفى بن صالح في نهار الجمعة الغرّاء عاشر شهر رمضان المبارك من شهور سنة تسعٍ وأربعينَ ومئةٍ بعد الألف من هجرة مَنْ [له] العزُّ والشرفُ صلّى الله عليه وعلى آله أجمعين. م".
وفيما يلي نموذج مصور منها:




4- مخطوط "المقالتين"
يقع مخطوط المقالتين ضمن "مجموع التعمية" المذكور آنفاً - في وصف رسالة ابن عدلان - وهما تشغلان من المجموع إحدى عشرة ورقة (108/ب-118/ب) تقع الأولى في الأوراق (108/ب-115/ب) وتقع الثانية في الأوراق (115/ب-118/ب) وفيما يلي نماذج مصورة من هاتين المقالتين:





الصورة الرمزية الجدار
الجدار
مشرف
علوم الطاقة والمارائيات
°°°
افتراضي
مخطوط ابن وهب
تقع رسالة ابن وهب ضمن مجموع التعمية نفسه الذي تقدم ذكره، وهي صغيرة لا تتجاوز ثلاث الصفحات؛ إذ تشغل من المجموع صفحتي الورقة (82) ووجه الورقة (83) وفيما يلي نموذج مصور منها:




6- مخطوط ابن دنينير
يشغل كتاب ابن دنينير أكبر حجم في مجموع رسائل التعمية؛ إذ يقع ضمن الورقات 54/أ-80/أ، وقد حملت الورقة الأولى منه عنوان "زبد فصول ابن دنينير في حل التراجم" وجاء تحتها أبيات مختلفة عن القوافي وما إليها، أما الورقة الثانية فقد حملت عنوان "مقاصد الفصول المترجمة عن حل الترجمة". وفيما يلي نموذج مصور منه:




7- وصف مخطوط ابن طباطبا
مخطوط ابن طباطبا هو الأول ترتيباً بين رسائل مجموع التعمية، ويحتل منه نحواً من خمس ورقات، إذ يشغل الأوراق 48/أ-53/أ. وقد جاء عنوان الرسالة واسم مؤلفها على الوجه الأول من المخطوط ونصه: "رسالة أبي الحسن بن طباطبا العلوي في استخراج المعمى" وكتب تحته "بسم الله الرحمن الرحيم". وفيما يلي نموذج مصور منه:


- وصف مخطوط استخراج المعمّى من الشعر
هذا المخطوط هو آخر رسائل المجموع ترتيباً، وهو يحتل منه نحواً من خمس عشرة ورقة؛ إذ يشغل الورقات 119/ب-133/أ وهو لا يحمل عنواناً مستقلاً، وإنما يبدأ بالبسملة، ويتبعها بمقدمة يليها عنوان في وسط الصفحة نصه: "معنى قولهم فلان يستخرج المعمى من الشعر" ويتابع بعد ذلك الكلام. وفيما يلي نموذج مصور منه:



9- وصف مخطوطي الجرهمي
يقع مخطوطا الجرهمي في مجموع التعمية المذكور، ولكنهما لم يأتيا متتابعين وإنما فصلتْ بينهما رسالة ابن وهب الكاتب.
أما المخطوط الأول فحمل عنوان: "من كتاب الجرهمي" وشغل ثلاث صفحات (80/ب- 81/ب).
وأما المخطوط الثاني فحمل عنوان: "من رسالة أبي الحسن محمد بن الحسن الجرهمي" وشغل نحواً من أربعة ورقات (83/أ-86/ب) وفيما يلي نماذج مصورة من كلا المخطوطين




الخاتـمة
لابد لي في ختام هذا البحث من كلمة أقول فيها: إننا معشرَ العرب قد نمنا حتى عن مفاخرنا، و طال سباتنا حتى لقد نسينا أننا قدَّمنا للإنسانية حضارة شامخة أفادت منها الكثير و مازالت تفيد، بل لقد بتنا نشك في كثير مما قدمنا و نقدم الريبة و الظن في كثير مما يُنسب إلينا، و لا غروَ فما آل أمرنا إليه لا يشي بشيء مما كنا عليه.

ولكن الله جلت حكمته يريد أن يُحقَّ الحقَّ، فيقيض لهذه الأمة كل حين من يوقظها من سباتها، و يعيدها إلى رشدها و يبعث أعلامها من مراقدهم
تنبهوا واستفيقوا أيها العرب فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب
ولعل المؤرخ الأستاذ دافيد كهن واحد من هؤلاء النَّصَفَة الذين بعثوا مجد هذه الأمة في هذا العلم ( علم التعمية واستخراج المعمى ) فأسدوا إليها يداً بيضاء لا يمكن أن تنسى. لذا كان حقاً على أمتنا أن تشكر هذه اليد وأن ترفع الصوت بالثناء على صاحبها و العرفان لعظيم جهده و كبير فضله. فاسمحوا لي أيها الإخوة باسم فريق العمل الذي أنجز هذا العمل، و باسمكم جميعاً، بل باسم هذه الأمة أن أحييه أجمل تحية و أشكره جزيل الشكر.

ولعل من تمام أياديه علينا تلك الرسالة التي أتحفنا بها لدى اطلاعه على الجزء الأول من عملنا عام 1989. وسأثبت صورة عنها فيما يلي مشفوعة بترجمتها:


ترجمة الرسالة:
عزيزي الدكتور منصور:
أشكر لكم جزيل الشكر تفضلكم بإرسال نسخةٍ لي من كتاب الدكتور مراياتي "أصول علم التعمية واستخراج المعمَّى عند العرب".
هلاَّ تكرمتم نيابة عني بإعلامه أنني أرى من المستخلص الإنجليزي أن الكتاب إسهام عظيم في تاريخ علم التعمية، ومدعاة كبرى لامتناني الشخصي وتقدير سائر المهتمين بهذا المبحث والمؤرخين له. وسنكون مدينين دومًا بالشكر له[1] ولمركز الدراسات والبحوث العلمية كذلك.
وأتطلع بفارغ الصبر إلى تلقي الطبعة الإنجليزية الكاملة من هذا العمل.
لعل الوقت لم يفت بعد لألفت النظر لاستدراك خطأ ورد في رسم اسمي حيث لاحظت أن حرفي H و A منه مرسومان "بطريقة القلب"، حيث وقع كل منهما موقع الصواب للآخر في المستخلص: فاسمي هو Kahn وليس Khan.
أشكركم ثانية.
وإذا ما أتيحت لكم أو لأي من المؤلِّفين المحقِّقين فرصة للحضور إلى نيويورك فاسمحوا لي أن أتشرَّف بلقائكم.
المخلص ديفيد كهن 7/3/1989م

ابن الدريهم وجهوده في علم التعمية

د.محمد طيان



ترجمة ابن الدريهم[9]:
عليُّ بنُ محمدِ بنِ عبدِ العزيزِ بن فتوح بن إبراهيم بن أبي بكر بن القاسم بن سعيد بن محمد بن هشام بن عمرو، تاجُ الدينِ، المعروفُ بابنِ الدُّرَيْهِم الموصلي التغلبي، الصدر الرئيس الفاضل العالم النحرير المدقق المتفنّن الفريد. والدّريهم لقب لجدّه الأعلى وهو مصغر درهم لقب به لقوله مرة (دريهم) فلزمه ذلك.

وُلِدَ في شعبانَ سنة 712هـ/1312م بالموصلِ، وتوفي والده وهو صغير فخلّف له نعمة طائلة، فاستُوليَ عليها وحُرِم منها، فنشأ يتيماً يشتغل ويجتهد ويجدّ في طلب العلم والتحصيل. ولما كبر أُعطي بعض المال من ثروته فسافر به إلى الشام ومصر تاجراً، وحصّل من ذلك ثروة عظيمة، ثم ذهبت.

قرأ القرآن بالروايات على أبي بكر بن العلم الموصلي، وتفقّه على الشيخ زين الدين بن شيخ العوينة الشافعي، وقرأ عليه كثيراً من الرياضي (الرياضيات) وأخذ الحديث عن شيوخ مصر، والعربيةَ عن شيخ العربية المشهور أثير الدين أبي حيان النحوي فقرأ عليه بعض تصانيفه ونال منه الإجازة.

وكان أول قدومه القاهرة تاجراً سنة 32 أو 33، ثم عاد إلى البلاد ثم رجع، واختصّ بكثير من أمراء الدولة، ولا سيما الملك الكامل شعبان، ثم أخرجه المظفر حاجي إلى الشام سنة 748هـ وكان له في ديوان الخاص أثمان مبيعات ما يزيد على المئتي ألف درهم حاول تخليصها مراراً فلم يفلح، ثم ورد كتاب من الأمير سيف الدين بيبغاروس نائب مصر لإخراجه من دمشق فكُبِس بيته، وأُخذت كتبه، وأُخرج من دمشق سنة 749 فتوجه إلى حلب، ثم عاد إلى دمشق سنة 750 وتنقل بينها وبين مصر مراراً [سفيراً بين البلدين] إلى أن رُتِّب مصدراً بالجامع الأموي، ثم بعد قليل رتب في صحابة ديوان الجامع الأموي، ورتب في استيفاء ديوان الأسرى.

ثم توجّه في أواخر سنة 759هـ أو أوائل سنة760هـ إلى الديار المصرية فأقام هناك سنتين أو أكثر، ثم إن السلطان الملك الناصر بعثه رسولاً إلى ملكِ الحبشة، فتوجَّهَ غيرَ منشرحٍ، وجاء الخبر إلى الشام بوفاته رحمه الله تعالى في قوص سنة 762هـ - 1361م.

أوتي ابن الدريهم من الذكاء ما جعل أقرانه يشهدون له ويقرُّون بفضله، قال فيه الصفدي: "كان أعجوبة من أعاجيب الزمان في ذكائه"[10] وقال: "ولم أر أحداً أحدَّ منه ذهناً في الكلام على الحروف وخواصها، وما يتعلق بالأوفاق وأوضاعها. ورأيت منه عجباً وهو أن يقال له ضمير عن شيء يكتبه السائل بخطه، فيكتبه هو حروفاً مقطعة، ثم يكسّر تلك الحروف على الطريقة المعروفة عندهم فيخرج الجواب عن ذلك الضمير شعراً ليس فيه حرف واحد خارجاً عن حروف الضمير، وله مشاركة في غيرما علمٍ، من فقه وحديث وأصول دين وأصول فقه وقراءات ومقالات ومعرفة فروع من غير مذهب وتفسير، وغير ذلك، يتكلم فيه جدّاً كلامَ مَن ذهنُه حادٌّ وقاد، وأما الحساب والأوفاق وخواص الحروف وحل المترجم والألغاز والأحاجي فأمر بارعٌ، وكذلك النجوم وحل التقويم"[11].

ثم يتابع الصفدي القول: "واجتمعت به غير مرة وكتبت إليه:
نصحتك عن علمٍ فكن لي مسلّمًا إذا كنتَ مشغوفاً بحلِّ المترجمِ
تتلمذ لتاجِ الدين تظفرْ بكلّ ما أردتَ ورِدْ بحرَ الفضائلِ واغنمِ
فلابنِ دنينيرٍ تصانيفُ مالها نظيرٌ ولكنْ فاقَها ابنُ الدريهمِ"[12]

ويختم كلامه عنه بالإشارة إلى ماكان بينهما من مكاتبات ومطارحات في الأحاجي والألغاز أودعها الصفدي كتابه (نجم الدياجي في نظم الأحاجي) ويعقد موازنة بينه وبين مشاهير علم التعمية والحروف كالبوني وابن دنينير فيفضله عليهما ثم يقول: "وعلى الجملة فكان في هذه العلوم آية، وقدره قد تجاوز فيها كلّ حد وانتهى إلى غاية"[13].

مُصَنَّفاتُهُ:
أفادَ ابنُ الدُّرَيْهم من حياتِه التي لم تتجاوز الخمسينَ سنةً في التأليفِ أيَّما فائدةٍ، فجاءت مصنَّفاتُه كثيرةً متنوّعةً تنوُّعَ ثقافتِه الموسوعيةِ، وذلك بالإضافة إلى تقدُّمِه في العلومِ الخفيَّةِ كالمُتَرْجَمِ والأحاجي والألغازِ والحروفِ والأوفاقِ وغيرها. وقد وجدنا الصفديَّ أكثرَ مترجميه استقصاءً لمؤلّفاتِه، إذ عَدَّ له نحواً من ثمانين مُؤَلَّفاً، جُلُّها لم تذكُرْه مصادرُ ترجمتِه الأخرى التي مضت الإحالةُ عليها، ويزيدُ من قيمةِ ترجمةِ الصفديِّ أنَّهُ نصَّ في بدئها على أنَّه نقلها من خطِّه. وسنوردُ من كتبِه -فيما يأتي- ما نرجِّحُ أنَّ له صلةً بالعلوم الغريبةِ الخفية التي افتَنَّ بها واشتهر:
1- اقتناع الحُذَّاق في أنواع الأوفاق.
2- إيضاح المُبْهَم في حلّ المُتَرْجَم.
3- إيقاظ المصيب في الشطرنج والمناصيب.
4- بسط الفوائد في شرح حساب القواعد.
5- بوادر الحلوم في نوادر العلوم.
6- تصاريف الدهر في تعاريف الزّجر.
7- تنائي المناظر في المرائي والمناظر.
8- ذات القوافي.
9- سبر الصرف في سرّ الحرف.
10- سلَّم الحراسة في علم الفراسة.
11- شرح الأسْعَرْدِيّة في الحساب.
12- غاية الإعجاز في الأحاجي والألغاز.
13- غاية المَغْنَم في الاسم الأعظم.
14- قصيدة في حَلِّ رموز الأقلام المكتوبة على البرابي.
15- كنز الدّرر في حروف أوائل السور.
16- مختصر المُبْهَم في حلِّ المُتَرْجَم.
17- مفتاح الكنوز في إيضاح المرموز.
18- المناسبات العددية في الأسماء المحمّديّة.
19- مناسبة الحساب في أسماء الأنبياء المذكورين في الكتاب.
20- منهج الصواب.
21- نظم لقواعد فَنِّ المُتَرْجَم وضوابطه.

جهود ابن الدريهم في علم التعمية (التشفير):
يتبين من استعراض أسماء المؤلفات الآنفة مبلغ عناية ابن الدريهم بعلم التعمية وتفننه به، وقد حظينا في بحثنا الطويل عنها بخمسة منها نحتفظ بمصوراتها وهي: مفتاح الكنوز في إيضاح المرموز[14]، وغاية المغنم في الاسم الأعظم[15]، وقصيدة في حل رموز الأقلام المكتوبة على البرابي[16]، وذات القوافي[17]، ومنهج الصواب. وسأقصر الكلام هنا على مفتاح الكنوز والقصيدة لأنهما في الصميم من علم التعمية.


الصورة الرمزية الجدار
الجدار
مشرف
علوم الطاقة والمارائيات
°°°
افتراضي
مفتاح الكنوز في إيضاح المرموز:
بسطنا الكلام على هذه الرسالة تحقيقاً ودراسة وتحليلاً في كتابنا "علم التعمية واستخراج المعمى عند العرب"[18]، وسأقتصر هنا على الإشارة إلى أبرز معالمها:

اشتملت الرسالة على الموضوعات التالية وقد جعلنا كلاً منها في فصل:
أولاً: عُدَّة المترجم: ما لابد منه لمن يعاني هذا العلم من معرفة مايلي:
1- اللغة التي يروم حلّ قلمها: (عربية- عبرية- مُغلية- فارسية...).
2- قواعد هذه اللغة: (وخصوصاً من الناحية الصرفية).
3- تواتر الحروف فيها حروف المد واللين هي الأكثر استعمالاً في كل اللغات).
4- رسم الحروف (تقطيعها ووصلها): (كل الأقلام مقطعة خلا المغلي والسرياني والعربي فإن حروفها توصل وتقطع).
5- عدد حروف كل لغة: (المغلي 17حرفاً - الأرمني 36حرفاً...).
6- الألفبائيات والأبجديات: (الأولى للحروف والثانية أقلام الحساب).
7- ضروب التعمية: وهي كثيرة أفرد لها الفصل الثاني.

ثانياً: ضروب التعمية وهي ثمانية وفق ماعرضه ابن الدريهم:
1- المقلوب.
2- الإبدال: (إبدال الحرف بآخرَ على اصطلاح معين كأبجد، أو بيت من الأبيات المشهورة التي تشتمل على كل الحروف).
3- زيادة عدد الحروف أو نقصانها: (تكرارها أو إسقاط حرف منها حيث وقع...).
4- استعمال الأدوات: (رقعة الشطرنج - اللوح المثقب).
5- إبدال أعداد الجُمَّل بالحروف: (محمد: أربعون-ثمانية-أربعون-أربعة).
6- تعمية الحروف بالكلمات: (علي: عرفت الأمر يسيراً).
7- جعل الحروف على أسماء الأجناس: (الألف للأنام، والباء للبقول...).
8- استعمال أشكال مخترعة للحروف:

ثالثاً: مقدمة صرفية:
تدل هذه المقدمة على تمكن ابن الدريهم من ناصية اللغة، ومعرفته بأسرارها وخصوصاً ماكان متداولاً منها في عصره وبيئته، ويتبدى ذلك في عرضه للحقائق التالية:
1- أطوال الكلمات:
- أقلها على حرف واحد: [فِ (الأمر من وفى) - قِ (الأمر من وقى)...].
- أكثرها على 14 حرفاً: (أفلمستنزهاتكما أعددتماها).
- حروف الزيادة (هويت السمان).
- مبلغ نهاية الأسماء دون زيادة خمسة أحرف.
- مبلغ نهاية الأفعال دون زيادة أربعة أحرف.
- الحروف الذلقية لا تخلو منها كلمة رباعية الأصل أو خماسيته.

2- مبلغ تكرار الحرف الواحد:
- في الكلمة الواحدة خمس مرات، كقوله ما رأينا كُكَكاً كَكُكَكِكَ)[19].
- في الكلام المتصل تسع مرات كقوله:
لا تردِّدْ دَدُ دَدْ دَدُ دعني من فَنَدْ
[دَدُ الأول اللعب، والثانية موضع، والثالثة اسم رجل منادى].

3- اقتران الحروف وتنافرها: وهو على أنواع:
أ- ما لايقارِن بعضه بعضاً لا بتقديم ولا بتأخير، نحو: (ث: لايقارن ذ، ز، س، ص، ض)
ب- ما يقارن بتقديم، نحو: (ع مع هـ)
ج- ما يقارن بتأخير، نحو: (د: لا يتقدم على ز، ص، ط)
وقد استوفى جل حالات عدم اقتران الحروف، فجمعنا ذلك بجدول خاص[20].

رابعاً: منهجية حل الترجمة: تتلخص منهجيته بالمراحل التالية:
أ- عدّ الحروف أو الأشكال المستعملة.
ب- حصر تكرار كلّ منها.
ج- استخراج الفاصلة.
د- مطابقة تواتر وقوع الأشكال ضمن النص المعمى ومقاربته من تواتر دوران حروف اللغة. (ولابد أن يكون الكلام كثيراً ليصح ذلك).
هـ- استعمال أطوال الكلمات (الثنائية، الثلاثية...) والكلمات المحتملة.
و- ما يتقدّم الألفَ واللام في بدء الكلمة يكون غالباً أحد الحروف ب، ف، ك، و).

خامساً: مثالان عمليان في حلِّ الترجمة:
يتضمن هذا الفصل وصفاً دقيقاً مسهباً لاستخراج ما عمّي بالإبدال باستعمال أشكالٍ مخترعة للحروف في مثالين اثنين، وهما المثالان اللذان أخذهما القلقشندي عن ابن الدريهم في الفصل السالف، وقال عنهما دافيد كهن: إنهما أول عرض لاستخراج المعمى في التاريخ: “The first exposition on cryptanalysis in history[21]”

وقد مضى ابن الدريهم يستخرج مافيه خطوة خطوة، متّبعاً ما رسم في منهجية استخراجه للمعمى حتى ظهر الكلام الواضح، ونصه:
"صُدَّ عني فلا تلمْ يا عذولي لستُ أسلو هواهُ حتى المماتِ
لا تقلْ قد أسا ففي الوجهِ منهُ حسناتٌ يذهبْنَ بالسيآتِ[22]
هذان البيتان لمصنف هذا الكتاب علي بن الدريهم الموصلي"[23].

2- قصيدة ابن الدريهم :
في حل رموز المكاتبات وفهم أقلام المتقدمين:
أراد ابن الدريهم -فيما يبدو- من هذه القصيدة أن يجعل علم التعمية علماً ذا أسس معروفة وحدود دقيقة، يتلقاه الطالب كما يتلقى غيره من العلوم، فعمد إلى نظمه بهذه القصيدة تأسياً بما فعل أرباب العلوم الأخرى حين نظموا علومهم، كألفية ابن مالك في النحو والشاطبية في القراءات والجوهرة في التوحيد. ولأن المنظوم أيسر حفظاً، وأطرب وقعاً، وأوفق لمرام المتعلم من الأصل المنثور. يقول في مطلعها مبيناً أهمية هذا العلم ومشيراً إلى اهتمام الملوك به:
وبعد فالعلم جمالٌ وشرفْ والسرُّ منه الدّرُّ داخلَ الصَّدَفْ
فإنَّ كشفَ السرِّ كالمترجمِ من أحسنِ العلومِ للمستفهمِ
وعنهُ في الأوقاتِ لا يُستغنى بذاك حذّاق الملوك تُعنى
يستخرِج المعلومَ من مجهولِ أكرمْ بِهِ من مطلبٍ مأمولِ
وقد نظمتُ في أصولِ علمِهِ قواعداً تضبطُ حدَّ رسمِهِ[24]
ثم يبين فوائد هذا العلم فيجعل في مقدمتها الكشف عما أخفاه المتقدمون من علوم في كتبهم أو في مقابرهم (كالأهرام)، أو في شواهد القبور (البرابي)، ويشير إلى فائدته أيضاً في الكشف عما في مكاتبات الملوك وهنا تكمن الأهمية القصوى لهذا العلم، ومكاتبات الأصدقاء وهو ما يمكن أن يتفكه به في هذا العلم:
وإنَّ من أجَلِّها فوائدا هذا الذي يُبلِّغُ المقاصدا
في كشفِ ما ألغزَهُ بعضُ الأُوَلْ ورمّزوهُ من علومٍ وعَمَلْ
في الطِّرْسِ والأهرامِ والبرابي وكتبِ الملوكِ والأحبابِ[25]
ويصرِّح بأن هذا العلم يُبلِغُ صاحبَهُ أعلى المراتب لدى الملوك وغيرهم:
وتبلغُ المراتبَ السنيَّهْ عندَ ملوكِ العصرِ والرعيَّهْ[26]
ثم يمضي في بيان عُدَّةِ المترجِم وما ينبغي له أن يعلم على النحو الذي رأيناه في رسالته، لا يكاد يختلف عنه إلا في النظم، حتى إن الأمثلة التي ضربها هناك عاد فصاغ منها شعراً هنا، من ذلك قوله في تكرر الحرف الواحد:
وجاء بالزيادةِ المكثّرهْ حرفانِ أو ثلاثةٌ مكرَّرهْ
وأربعٌ من خمسةٍ كسِكَكِكْ وخمسةٌ في كِلْمةٍ كَكُكَكِكْ
وقد يجيء في كلامٍ منفصِلْ مكرراً حرفٌ لتسعةٍ يصِلْ
كمثلِ بيتِ: لا تردِّدْ دَدُ دَدْ تمامُ ذاك[27]: دَدُ دَعْني مِنْ فَنَدْ[28]
ثم يختم القصيدة بعرض مثال عملي لنص معمّى بطريقة إبدال الحروف أشكالاً مخترعة، وهو المثال الثاني الذي عرضه في مفتاح الكنوز. وهو هنا يسرده أولاً مفرقاً حروفه واضعاً تحت كلّ منها الشكل المخترع لها، ثم يذكر طريقة استخراجه لينظمه في نهاية القصيدة بقوله:
الحمد للّه على ما ألهما من الصواب وعلى ما علما
ثم صلاة اللّه والسلامُ على الذي ظَلّله الغمامُ
محمد النبيّ خيرِ من خلقْ أفصحِ من بالضاد في اللفظ نَطَقْ
وآله مَعْدِنِ كلّ عِلْمِ وصحبِه أولي النُّهى والفهْمِ
خاتـمة:
إن ما وقفنا عليه من آثار ابن الدريهم وجهوده في مجال علم التعمية واستخراج المعمّى لا يعدو أن يكون نموذجاً لإسهامات الرجل في هذا الباب، ولا شك أن وراء ذلك كله علماً كبيراً وآثاراً ضافية اطلعنا على بعضها وما زلنا نتطلع نحو العثور على المزيد منها، وهي تشهد على أن الرجل كان علَماً من أعلامنا العظام. وهو حقيق بأن يكرّم، وينضمّ إلى ركب الباقين من رجالات العلم لما قدّم من إنجازاتٍ في صرح الحضارة العربية الإسلامية.

علم التعمية في الشعر العربي


الــتــأريـــخ بـحســــــاب الجُــــمــــل

ويُعرف بالتاريخ الشعري ، ومعناه أن تؤرَّخ حادثة ما كتابياً في بيت أو شطر بيت من الشعر اعتماداً على القيمة العددية لكل حرف ، وفقاً لقواعد معروفة .

وقد عَرَف العربُ هذا النوع من التأريخ منذ العصر الجاهلي ، لكنه لم ينتشر على نطاق واسع ويصبح بدعة العصر إلا في العصر العثماني ، وبعد الاستقلال تقلص استعماله واقتصر على الآحاد .

وقد رُتّبت الحروفُ الهجائية في اللغة العربية وفق عدة أشكال ، نكتفي منها الآن بالترتيب الهجائي والأبجدي ، وكثير من الناس يخلطون بينهما .

فالترتيب الهجائي هو الترتيب المعروف الذي نراه في المعاجم والفهارس ، ويدرس في المدارس ، ولا يعنينا أمره اليوم ، وإنما يعنينا الترتيب الأبجدي .

وهذه الأبجدية من ترتيب الساميين وهي : « أبجد هوَّز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ » .

وها هي القيمة العددية لكل حرف منها :

أ = 1 ب = 2 ج = 3 د = 4 ﻫ = 5 و = 6 ز = 7 ح = 8

ط = 9 ي = 10 ك = 20 ل = 30 م = 40 ن = 50 س = 60

ع = 70 ف = 80 ص = 90 ق = 100 ر = 200 ش = 300 ت = 400

ث = 500 خ = 600 ذ = 700 ض = 800 ظ = 900 غ = 1000

وقد استقرَّت قواعد أساسية عامة تعدّ القانون في استخدام التاريخ الشعري وحلّ رموزه ، نوجزها فيما يلي ، متجاهلين الاستثناءات التي لا تكاد تخلو منها قاعدة في العربية .

1- تحسب الحروف حسب صورتها دون مراعاة للفظها في الغالب حسبما هو موضح أدناه :

- تاء التأنيث منقوطة أم غير منقوطة تحسب هاءً مثل فتاة ، مرآة .. إلخ .

- الألف المقصورة في مثل قولنا :سلمى وغيرها تحسب ياء لا ألفاً .

- الحرف المشدّد ، أو الممدود لا ينظر فيه ولا يعتد به ويعامل كحرف واحد .

- همزة الوصل تحسب ألفا على الرغم من سقوطها لفظاً .

- الهمزة في جزء وجزاء وما شابهها لا تحسب أصلاً .

- الواو في أولئك لا تحسب .

- الواو في الصلوة تحسب واواً .

- الواو في عَمرو تحسب واواً .

2- ثم يبدأ عدّ الأحرف بعد كلمة أرَّخ مباشرة حسب القواعد التالية :

- الألف والواو المتصلتان بفعل « أرِّخو » وما شابهها تحسب مثل قول الشيخ مصطفى البكري الصديقي يوم ولد ابنه محمد كمال الدين :

ختام مسك قد حواه يفتدى فأرّخـوا محمَّد ختام

وهذا يعادل سنة 1140ﻫ ، أي أن العدد ابتدأ بعد حرف الخاء مباشرة .

- الضمائر المتَّصلة بالكلمة ، أعني كلمة أرَّخ لا تُحسب ويبدأ العدُّ بعدها مباشرةً ، وذلك في مثل قولهم أرِّخْهُ أن يؤرّخه ، يؤرخهما ، مؤرخين ، أرخنا .. إلخ .

- يحسب الضمير فقط إذا انفصل عن الكلمة مثل قولهم أرِّخنا به ، وأرِّخ له ، فكلمة به أو له تحسب .

- يجب أن يكون الكلام المقصود بالحساب في بيت واحد أو شطر بيت ، ولا يجوز أن يكون في أكثر من بيت واحد بحالٍ من الأحوال .

- يجب أن يكون للكلام المقصود ، أي الجامع للتاريخ ، معنىً له تعلُّقٌ واتصال بما قبله ، لا أن يكون حشواً لا معنى له ، وهنا تتجلى مقدرة الشعراء الحقيقية .

وقبل أن نورد نماذج من التأريخ الشّعري هذا نقول إن ثمة شواهد كثيرة تجزم بأنَّه لا يمكن حصر جميع القواعد الخاصَّة بهذا الفن ، لأن الأمر متروك للشاعر الذي يجوز له ما لا يجوز لغيره ، ولا سيما عندما يتنافس الشعراء أو ناظمو الشعر الذين لا يكاد منهم نادٍ أو مسجد أو مدرسة أو مؤلف أو خطيب أو تاجر في العصر العثماني .

نماذج من التاريخ الشعري :

قال ابن المبلّط في تاريخ جلوس السلطان العثماني سليم الثاني بن سليمان القانوني :
ودولة ملكٍ قلت فيها مؤرِّخاً سليمٌ تولّى الملكَ بعد سُليمان

974 ﻫ 140 – 446 – 121 – 76 – 191

وقد وفق الشاعر في ذلك لأن ما ذكره جاء مستوفياً كافَّة الشروط .

وقال الشهاب العمادي في وفاة الشيخ محمد المحبي :
مات المحبي شيخي وكان نعم المحب

فقلت يا صاح أرِّخ بالشام قد مات قطبُ

سنة 1030ﻫ

وقال القاضي إبراهيم الغزالي في رثاء الشيخ محمد البطنيني المحدث :
عِلمُ الحديث فنُّه لداك زانَ سردُهُ

مات فقلتُ أرّخوا مات الحديث بعده

سنة 1075ﻫ

وكُتب على حمام « الرّاس » الذي كان في مدخل سوق السُّروجية ، والذي بناه لالا مصطفى باشا سنة 971 :
نادتْ طرباً وأرَّختْ مُنْشِدةً حمَّامك أصل راحة الأجسامِ

سنة 971ﻫ

وقال مصحح كتاب « تاج العروس » مؤرِّخاً طبعه :
وغدتْ جواهره تؤرِّخ طبعه تاج العروس لحليه باهي الدّرر

404- 367 83- 18- -435
1307ﻫ

وثمة أمثلة كثيرة لا حصر لها يمكن مراجعتها في مظانّها .

ولمن أراد المزيد حول هذا الموضوع فعليه بمراجعة كتاب
" علم التعمية"


المصدر

شبكة فلسطين للحوار

الصورة الرمزية الفلكي الروحاني الشيخ فارس
الفلكي الروحاني الشيخ فارس
نائب المدير العام
°°°
افتراضي
مشكور اخي الجدار على هذا المجهود .فعلا مشاركه مفيده بارك الله فيك

الصورة الرمزية يناير
يناير
عضو
°°°
افتراضي
مشكور اخي الجدار على هذا المجهود .فعلا مشاركه مفيده بارك الله فيك

الصورة الرمزية الجدار
الجدار
مشرف
علوم الطاقة والمارائيات
°°°
افتراضي
العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط..
مشكور اخي الجدار على هذا المجهود .فعلا مشاركه مفيده بارك الله فيك
شكرا أخى الكريم .. يشرفنى حضورك

الصورة الرمزية الجدار
الجدار
مشرف
علوم الطاقة والمارائيات
°°°
افتراضي
العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط..
مشكور اخي الجدار على هذا المجهود .فعلا مشاركه مفيده بارك الله فيك
أهلا بك أخى يناير شكرا جميلا للحضور

الصورة الرمزية متولى تاج الدين
متولى تاج الدين
شيخ
العلوم الغريبة والخواص
°°°
افتراضي
بسم الله الرحمن الرحيم


والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا ومولا محمد صلى الله عليه وعلى اله وصحبه

والتابعين

وسلم تسليما كثيرا عدد حبات الحصى والرمال

وعدد قطرات الماء والمطر المنهمر

اما بعد

اخى فى الله

الجدار

مجهود ومعلومات قيمة واختيار موفق منكم

رزقكم الله تعالي ووسع الله عليكم ورزقكم لسانا ذاكرا وقلبا خاشعا

ونورا فى القلب والبصر

اخوكم فى الله

اقلكم علما وادبا وخلقا

الصورة الرمزية الجدار
الجدار
مشرف
علوم الطاقة والمارائيات
°°°
افتراضي
العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط..
بسم الله الرحمن الرحيم


والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا ومولا محمد صلى الله عليه وعلى اله وصحبه

والتابعين

وسلم تسليما كثيرا عدد حبات الحصى والرمال

وعدد قطرات الماء والمطر المنهمر

اما بعد

اخى فى الله

الجدار

مجهود ومعلومات قيمة واختيار موفق منكم

رزقكم الله تعالي ووسع الله عليكم ورزقكم لسانا ذاكرا وقلبا خاشعا

ونورا فى القلب والبصر

اخوكم فى الله

اقلكم علما وادبا وخلقا
أمين بارب العالمين
اللهم عطر حياة شيخنا الجميل بقربك ورضاك


مواقع النشر (المفضلة)
عن علم التعمية .. الشفرة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
الانتقال السريع
المواضيع المتشابهه
الموضوع
الشفرة السرية للتوارة --- بوش علم بضرب الأبراج قبلها بشهر

الساعة الآن 12:27 PM.