المشاركات الجديدة
مقالات في الروحانيات للمعتقدات الاخرى : شرح المواضيع و تبادل الآراء والخبرات بين المشاركين والمتابعين

الباب الرابع عشر في تجلّي الصفات (سلسلة مراتب الوجود)

21 الباب الرابع عشر في تجلّي الصفات (سلسلة مراتب الوجود)
الباب الرابع عشر في تجلّي الصفات
إذا تجلّت ذات الحق سبحانه وتعالى على عبده بصفة من صفاتها، سبح العبد في فلك تلك الصفة إلى أن يبلغ حدّها بطريق الإجمال لا بطريق التفصيل، لأن الصفاتيين لا تفصيل لهم إلاَّ من حيث الإجمال.
فإذا سبح العبد في فلك صفة واستكمالها بحكم الإجمال استوى على عرش تلك الصفة، فكان موصوفاً بها، فحينئذ تتلقاه صفة أخرى، فلا يزال كذلك إلى أن يستكمل الصفات جميعها.
ثم يا أخي لا يشكل عليك هذا ، فإن العبد إذا أراد الحق سبحانه وتعالى أن يتجلى عليه باسم أو صفة، فإنه يفني العبد فناء يعدمه عن نفسه، ويسلبه عن وجوده؛ فإذا طمس النور العبدي وفني الروح الخلقي، أقام الحق سبحانه وتعالى في الهيكل العبدي من غير حلول من ذاته لطيفة غير منفصلة عنه ولا متصلة بالعبد عوضاً عما سلبه منه، لأن تجليه على عباده من باب الفضل والجود، فلو أفناهم ولم يجعل لهم عوضاً عنهم لكان ذلك من باب النقمة، وحاشاه من ذلك، وتلك اللطيفة هي المسماة بروح القدس.
فاذا أقام الحق لطيفة من ذاته عوضا عن العبد ، كان التجلي على تلك اللطيفة فما تجلي الا على نفسه ، لكننا نسمي تلك اللطيفة الإلهية عبدا باعتبار أنها ، عوض عن العبد، و الا فلا عبد ولا رب، اذ بانتفاء المربوب انتفي اسم الرب ، فما ثم الا الله تعالي وحده الواحد الأحد ، وفي ذلك أقول :
ما للخليقة إلاَّ اسم الوجود على ..... حكم المجاز وفي التحقيق ما أحد
فعندما ظهرت أنواره سلبوا ...... ذاك التسمي فلا كنوا ولا فقدوا
أفناهم وهم في عينهم عدم ...... وفي الفناء فهم باقون ما جحدوا
فعندما عدموا صار الوجود له ...... وكن ذا حكمه من قبل ما وجدوا
فالعبد صار كما أن لم يكن أبداً ...... والحقّ كان كما أن لم يزل أحد
لكنه عندما أبدى ملاحته ..... آسا الخليقة نور الحق فاتحدوا
أفنى فكان عن الفاني به عوضاً ..... وقام عنهم وفي التحقيق ما قعدوا
كالموج حكمهم في بحر وحدته ...... والموج في كثرة بالبحر متحد
فإن تحرّك كان الموج أجمعه ...... وإن تسكن لا موج ولا عدد
واعلم أن تجليات الصفات عبارة عن قبول ذات العبد الاتصاف بصفات الرب قبولاً أصلياً حكمياً قطعياً، كما يقبل الموصوف الاتصاف بالصفة.
وذلك لما سبق أن اللطيفة الإلهية التي قامت عن العبد بهيكله العبدي، وكنت عوضاً عنه، وهي في اتصافها بالأوصاف الإلهية اتصاف أصلي حكمي قطعي، فما اتصف إلاَّ الحقّ بما له، فليس للعبد هنا شيء، والناس
في تجليات الصفات على قدر قوابلهم، وبحسب وفور العلم وقوة العزم.
فمنهم من تجلى الحق له بالصفة الحياتية، فكان هذا العبد حياة العالم بأجمعه، يرى سريان حياته في الموجودات جميعها جسمها وروحها، ويشهد المعاني صوراً لها منه حياة قائمة بها، فما ثمَّ معنى كالأقوال
والأعمال، ولا ثم صورة لطيفة كنت كالأرواح، أو كثيفة كنت كالأجسام.
إلا كان هذا العبد حياتها يشهد كيفية امتدادها منه، ويعلم ذلك من نفسه من غير واسطة ، بل ذوقا الهيأ كشفيا غيبيا عينيا، وكنت في هذا التجلي مدة من الزمان ، اشهد حياة الموجودات في، وانظر القدر الذي لكل موجود في حياتي، كل على ما اقتضاه ذاته ، وكنا في ذلك واحد الحياة غير منقسم بالذات، الى أن نقلتني يد العناية عن هذا التجلي الى غيره ولا غير.
ومنهم من تجلى الله عليه بالصفة العلمية، وذلك أنه لما تجلى عليه بالصفة الحياتية السارية في جميع الموجودات ذاق هذا العبد بقوّة أحدية تلك الحياة جميع ما هي الممكنات.
فحينئذ تجلّت الذات عليه بالصفة العلمية، فعلم العوالم بأجمعها على ما هي عليه من تفاريعها من المبدأ إلى
المعاد، وعلم كل شيء كيف كان؟
وكيف هو كائن؟ وكيف يكون؟ وعلم ما لم يكن، ولم لا يكون ما لم يكن؟
ولو كان ما لم يكن كيف كان يكون؟
كل ذلك علماً أصلياً حكمياً كشفياً ذوقيا من ذاته، لسريانه في المعلومات علماً إجمالياً تفصيلياً آلياً جزئياً مفصلاً في إجماله لكن في غيب الغيب، واللدني والذاتي متنزّل من التفصيل من غيب الغيب إلى شهادة الشهادة، ويشهد تفصيل إجماله في الغيب.
ويعلم الإجمالي الكلي في غيب الغيب، والصفاتي ليس له من العلم إلاَّ وقوعه عليه في غيب الغيب، وهذا الكلام لا يفهمه إلاَّ الغرباء، ولا يذوقه إلاَّ الأمناء الأدباء.
ومنهم من تجلّى الله عليه بصفة البصر، وذلك أنه لما تجلى عليه بصفة البصرية العلمية الإحاطية والكشفية، تجلى عليه بصفة البصر، فكان بصر هذا العبد موضع علمه، فما ثم علم يرجع إلى الحق، وما ثم علم يرجع إلى الخلق إلاَّ وبصر هذا العبد واقع عليه.
فهو يبصر الموجودات كما هي عليه في غيب الغيب، والعجب كل العجب أن يجهلها في الشهادة.
فانظر إلى هذا المشهد العليّ، والمنظر الجليّ ما أعجبه وما أعذبه، وما ذاك إلاَّ أن العبد الصفاتي ليس بيد خلقه شيء مما بيد حقه فلا اثنينية.
أعني لا يظهر على شهادته مما هو عليه غيبه إلاَّ بحكم الندور في بعض الأشياء، فإن الحق يبرزها إكراماً له، بخلاف العبد الذاتي فإن شهادته غيبه، وغيبه شهادته فلتفهم.
ومنهم من تجلّى عليه بصفة السمع، فيسمع نطق الجمادات والنباتات والحيوانات، وكلام الملائكة واختلاف اللغات، وكن البعيد عنه كالقريب، وذلك أنه لما تجلى الله له بصفة السمع سمع بقوّة أحدية تلك الصفة
اختلاف تلك اللغات وهمس الجمادات والنباتات.
وفي هذا التجلي سمعت علم الرحمانية من الرحمن، فتعلمت قراءة القرآن، فكنت الرطل وكان الميزان، وهذا لا يفهمه إلاَّ أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته.
ومنهم من تجلى الله عليه بصفة الكلام، فكانت الموجودات من كلام هذا العبد، وذلك أنه لما تجلى عليه الله بالصفة الحياتية، ثم علم بالصفة العلمية ما فيه من سرّ الحياة منه، ثم أبصرها ثم سمعها، فبقوّة أحدية
حياته تكلم.
وكنت الموجودات من كلامه، وحينئذ شهد بكلامه أزلاً كما هو عليه أبداً، أن لا نفاد لكلماته، أي لا آخر لها.
ومن هذا التجلي يكلم الله عباده دون حجاب الأسماء قبل تجليها.
فمن المكلمين من تناجيه الحقيقة الذاتية من نفسه، فيسمع خطاباً لا من جهة بغير جارحة، وسماعه للخطاب بكليته لا بأذنه.
فيقال له: أنت حبيبي أنت محبوبي، أنت المراد ، أنت وجهي في العباد، أنت المقصد الأسنى، أنت المطلب الأعلى، أنت سرّي في الأسرار، أنت نوري في الأنوار، أنت عيني أنت زيني، أنت جمالي أنت كمالي، أنت اسمي أنت ذاتي، أنت نعتي أنت صفاتي، كنا اسمك كنا رسمك، كنا علامتك كنا وسمك، حبيبي أنت خلاصة الاكوان والمقصود من الوجود والحدثان، تقرّب إلى شهودي فقد تقرّبت إليك بوجودي لا تبعد فإني كنا الذي قلت { ونحن أقرب اليه من حبل الوريد }16 ق .
لا تتقيّد باسم العبد، فلولا الرب ما كان العبد، أنت أظهرتني كما أظهرتك، فلولا عبوديتك لم تظهر لي ربوبية.
أنت أوجدتني كما كنا أوجدتك، فلولا وجودك ما كان وجودي موجوداً.
حبيبي الدنوّ الدنوّ، حبيبي العلوّ العلوّ.
حبيبي أردتك لوصفي واصطفيتك لنفسي فلا ترد نفسك لغيري ولا ترد غيري لك.
حبيبي شمني في المشموم، حبيبي كلني في المطعوم، تخيلني في المهموم.
حبيبي تعقلني في المعلوم، حبيبي شاهدني في المحسوس، حبيبي المسني في الملموس.
حبيبي البسني في الملبوس، حبيبي أنت المراد بي وأنت المكنى بي وأنت المكنى عنه بي.
ما ألذّها من معاطفة، ما أحلاها من ملاطفة.

ومن المكلمين من يحادثه الحق على لسان الخلق، فيسمع الكلام من جهة ولكن يعلم أنه من غير جهة ويصيخه من الخلق ولكن يسمعه من الحق.
وفي ذلك أقول:
شغلت بليلى عن سواها فلو أرى ..... جماداً لخاطبت الجماد خطابها
ولا عجب أني أخاطب غيرها ...... جماداً ولكن العجيب جوابها
ومن المكلمين من يذهب به الحق من عالم الأجسام إلى عالم الأرواح وهؤلاء أعلى مراتب.
فمنهم من يخاطب في قلبه. ومنهم من يصعد بروحه إلى سماء الدنيا.

ومنهم إلى الثانية والثالثة كل على حسب ما قسم له.
ومنهم من يصعد به إلى سدرة المنتهى فيكلمه هناك، وكل من المكلمين على قدر دخوله في الحقائق تكون مخاطبات الحق له، لأنه سبحانه وتعالى لا يضع الأشياء إلاَّ في مواضعها.
ومنهم من يضرب له عند تكليمه إياه نور له سرادق من الأنوار.
ومنهم من ينصب له منبراً من نور.
ومنهم من يرى نوراً في باطنه فيسمع الخطاب من تلك الجهة النورية، وقد يرى النور كثيراً وأكثر ومستديراً ومتطاولاً.
ومنهم من يرى صورة روحانية تناجيه، كل ذلك لا يسمى خطاباً، إلا إن أعلمه الله أنه هو المتكلم، وهذا لا يحتاج فيه إلى دليل، بل هو على سبيل الوهلة فإن خاصية كلام الله لا تخفى.
وأن يعلم أن ما سمعه كلام الله فلا يحتاج هناك إلى دليل ولا بيان، بل بمجرّد سماع الخطاب يعلم العبد أنه كلام الله تعالي.
وممن صعد به إلى سدرة المنتهى من قيل له حبيبي إنيتك هي هويتي وأنت عين هو وما هو إلاَّ أنا، حبيبي بساطتك تركيبي وكثرتك واحديتي، بل تركيبك بساطتي وجهلك درايتي.
أنا المراد بك كنا لك لا لي، أنت المراد بي، أنت لي لا لك.
حبيبي أنت نقطة عليها دائرة الوجود فكنت أنت العابد فيها والمعبود.
أنت النور أنت الظهور أنت الحسن والزين كالعين للإنسان والإنسان للعين:

أيا روح روح الروح والآية الكبرى ..... ويا سلوة الأحزان للكبد الحرا
ويا منتهى الآمال يا غاية المنى ..... حديثك ما أحلاه عندي وما أمرا
ويا كعبة التحقيق يا قبلة الصفا ...... ويا عرفات الغيب يا طلعة الغرا
أتيناك أخلفناك في ملك ذاتنا ...... تصرف لك الدنيا جميعاً مع الأخرى
فلولاك ما كنا ولولاي لم تكن ..... فكنت وكنا والحقيقة لا تدرى
فإياك نعني بالمعزة والغنى ..... وإياك نعني بالفقير ولا فقرا
ومن المكلمين من ينادى بالغيوب فيشارك بالأخبار قبل وقوعها، فقد يكون ذلك بطريق السؤال منه وهم الاكثرون، وقد يكون ذلك بطريق الابتداء من الحق سبحانه وتعالى.
ومن المكلمين من يطلب الكرامات فيكرمه الله بها فتكون دليلاً إذا رجع إلى محسوسه على صحة مقامه مع الله تعالى.
ويكفي هذا القدر من ذكر المكلمين.
فلنرجع إلى ما كنا بسبيله من تجليات الصفات.
ومنهم أي من أهل تجليات الصفات، من تجلّى الله عليه بالصفة الإرادية وكنت المخلوقات حسب إرادته، وذلك أنه لما تجلى الله عليه بصفة المتكلم أراد بأحدية ذلك المتكلم ما هو عليه من المخلوقات، فكانت الأشياء بإرادته.
وكثير من الواصلين إلى هذا التجلي من رجع القهقرى، فأنكر من الحق ما يرى، وذلك أنه لما أشهده الحق أن الأشياء كائنة عن إرادته شهوداً عينياً في عالم الغيب الإلهي، فطلب العبد ذلك من نفسه في عالم
شهادته، فلم يكن له ذلك لأن ذلك من خصائص الذاتيين، فأنكر ذلك المشهد العيني ورجع القهقرى فانكسرت زجاجة قلبه، فأنكر الحق بعد شهوده وفقده بعد وجوده.
ومنهم أي من أهل تجلّي الصفات، من تجلّى الله عليه بصفة القدرة، فتكوَّنت الأشياء بقدرته في العالم الغيبي، وكن على أنموذجه ما في العالم العيني، فإذا ارتقى فيه ومنه ظهر عليه ما يكتمه، وفي هذا التجلّي سمعت صلصلة الجرس فانحلّ تركيبي واضمحل رسمي وانمحى اسمي.
فكنت لشدة ما لاقيت مثل الخرقة البالية المعلقة في الشجرة العالية تذهب بها الريح الشديدة شيئاً فشيئاً، لا أبصر شهوداً إلاَّ بروقاً ورعوداً وسحاباً يمطر بالأنوار وبحاراً تموج بالنار، والتقت السماء والأرض وكنا في ظلمات بعضها فوق بعض، فلم تزل القدرة تخترع لي ما هو الأقوى، وتخترع بي ما هو الأهوى فالأهوى إلى أن ضرب الجلال على سرادق المتعال.
وولج جمل الجمال في سمّ خياط الخيال، ففتق في المنظر الأعلى رتق اليد اليمنى، فحينئذ تكوَّنت الأشياء وزال العماء، ونودي أن استوى الفلك على الجودي، أيتها السماء والأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين. وفي ذلك قال:
تصرّف في الزمان كما تريد ..... فمولى أنت نحن له العبيد
وسل السيف في عنق الأعادي ..... فسيفك في العدا ذكر حديد
فهب ما شئت وامنع لا لبخل ..... ولكن آي تجود بما تريد
فمن أسعدته بالقرب يدنو ...... ومن أشقيته فهو البعيد
وملِّك من تريد من الأماني ...... وحقِّر من أردت فلا يسود
وأبرم ما عقدت فليس حلّ ..... واعقد ما برمت هو العقيد
ولا تخش العقاب على قضاء ...... فكلّ تحت سيفك لا يميد
لك الملكوت ثم الملك ملك ..... لك الجبروت والملأ السعيد
لك العرش المجيد مكان عزّ ..... على الكرسي تبدي أو تعيد
ومن هذا التجلي ، تصرفات أهل الهمم.
ومن هذا التجلي عالم الخيال وما يتصور فيه من غرائب عجائب المخترعات.
ومن هذا التجلي السحر العالي.
ومن هذا التجلي يتلوّن لأهل الجنة ما يشاؤون.
ومن هذا التجلي عجائب السمسمة الباقية من طينة آدم التي ذكرها ابن العربي في كتابه.
ومن هذا التجلي المشي على الماء والطيران في الهواء وجعل القليل كثيراً والكثير قليلاً، إلى غير ذلك من الخوارق.
فلا تعجب يا أخي، إنما الجميع نوع واحد اختلف باختلاف وجوهه، فسعد به السعيد وشقى به الطريد، فافهم.
فقد أشرت لك بهذه النبذة ورمّزت في هذه اللغزة أسراراً إن وقفت عليها اطلعت على سرّ القدر المحجوب المصون، فتقول حينئذ للشيء كن فيكون، ذلك الذي أمره بين الكاف والنون.
ومنهم من تجلى الله عليه بصفة الرحمة، وذلك بعد أن انتصب له عرش الربوبية فيستولي عليه، ويوضع له كرسي الاقتدار تحت قدميه فتسري رحمته في الموجودات.
وهو كرسي الذات قيّوم الصفات يتلو من الآيات: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27) } 26 - 27 آل عمران
كل ذلك في عالم غيبه منزّهاً عن شكّه وريبه، معايناً لما في جيبه، وهذا هو الفرق بين الصفاتيين والذاتيين.
ومنهم من يتجلى الله عليه بالألوهية، فيجمع التضاد ويعمّ البياض والسواد، ويشمل الأسافل والأعالي، ويحوي التراب واللآلئ، وعند ذلك يعقل الاسم والوصف و يجحد النشر واللف، و يري ان الامر { كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ }39 سورة النور.
فطوي يمينه و شماله كتابه { وقيل بعدا للقوم الظالمين } 44 سورة هود
واعلم أن النور هو الكتاب المسطور يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء كما قال الله تعالى عنه في كتابه إنه {يضل به كثيرا و يهدي به كثيرا}26 سورة البقرة.
واعلم أن لا سبيل أيضاً بدون ذلك وأنه صراط الله فهو له هدى ولغيره ضلال، فإذا خوطب بالأمرين واعتبر بالحكمين وسمي بالاسمين غربت النجوم الزواهر وهي في أفلاكها مشرقة دوائر.
ومن خصائص هذا التجلي أن العبد يصوّب آراء جميع أهل الملل والنحل ويعلم أصل مأخذهم، ويشهد من سعد منهم كيف سعد، ومن شقي منهم كيف شقي وبم شقي.
ومن أين دخل على كل من أهل الملل دواخل الضلال.
ومن خصائصه أيضاً أن يخطئ العبد جميع آراء أهل الملل والنحل حتى المسلمين والمؤمنين والمحسنين والعارفين، ولا يصوّب إلاَّ رأي المحققين الكُمَّل لا غير.
ومن خصائص هذا التجلّي:
أن العبد لا يمكنه النفي ولا يمكنه الإثبات، ولا يقول بالوصف ولا بالذات، ولا يلوي على الاسم ولا يحتاج إلى الرسم.
اجتمعت في هذا التجلي بالملائكة المهينين، فرأيتهم على اختلاف مشاهدهم هائمين في محاتدهم، فمن باهت حيَّره الجمال ومن سكت ألجمه الجلال، ومن ناطق أطلقه الكمال، ومن غائب في هويته، ومن حاضر في إنيته، ومن فاقد للوجود، ومن واجد في الشهود، ومن حائر في دهشته.
ومن داهش في حيرته، ومن ذائب في فناه، ومن آيب في بقاه، ومن ساجد في عدم محض، ومن عابد في وجوب وجود فرض، ومن مستهلك في وجود، ومن مستغرق في شهود، ومن محترق في نار الأحدية، ومن مغترف في بحار الصمدية، ومن فاقد للأنس واجد للقدس، ومن واجد للأنس فاقد للقدس، تدهش الناظر أحوالهم وتهدي الحائر أقوالهم.
فملت إلى كملهم مشهداً وأرفعهم منشأً ومحتداً، ميل متطلع لا ميل حائر متقنع.
فقلت له: أيها الكامل القريب والروح الأقدس الأديب، أخبرني عن حالك في مشهدك الحالك، وحدثني عن رسمك وصرح لي باسمك.
فأعرض إعراض من جنح عن التصريح، وأقبل إقبال المخبر الفصيح، ثم جثا على ركبتيه وانهمك في حيرته، فسألته عن الحال، فترجم ثم قال: لا تسأل عن الاسم فتنحصر في قيد الرسم، ولا تتركه رأساً فينطمس حقك انطماساً، ولا تلوي على الصفحات فتنحجب عن ربك بالسموات، ولا تلوي عن الذات فتطلب العدم الرفات، النفي كفران والإثبات خسران وهذان بحران والحق {بينهما برزخ لا يبغيان } 20 الرحمن.
إن أثبتني أقمتني سواك وإن نفيتني حجبت عن حقيقة معناك ، وإن قلت إنك إني ، فأين فنك من فني، وإن قلت إنك غيري فقد فاتك كل معنى في خيري، وان تحيرت فقد تفقرت ، وان قلت بالعجز، فقد فاتك وصف العز، فإن ادعيت الكمال والغاية فأمرك في البداية لا في النهاية، وان تركت المجموع ، وقلت بالنوم والهجوع ، فهيهات فقد فاتك ما قد فاتك ، وإن قمت في ذاتك علي عرش صفاتك فأين كمالك من كمالي وهل لك مالي، وفي ذلك أقول

تحيّرت في حيرتي مما هي ..... فقد حار وهمي في وهمه
فلم أدر هذا التحيّر من ..... تجاهل قلبي أم علمه
فإن قلت جهلاً فكذب به ..... وإن قلت علماً فمن أهله
فلكي هو الأعلى ومسجدي هو الأقصى، وقد بورك حوله للوفود وعذب ماء منهمر للورود.
ومن سبح في بحري نظمته في نحري، ومن ركب جوادي أقطعته بلادي، ومن تعدّى حدّه وادعى ما لم يكن عنده مقته بدوام الحجاب، وقلت { لا تفتروا علي الله تعالي كذبا فيسحتكم بعذاب }61 طه . أنا الصراط المستقيم، أنا المعوج والقويم، أنا المحدث والقديم.
فلم تزل تتداعى كؤوس المنادمة في حضرة الوجود والمكالمة، إلى أن خفق خافق وأومض من سفح الأبيرق بارق، فسألته عن الركن المصون والنبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون.
فقال: اسمع ما تقول هذه الأسماء في ذراها الأعلى الأسمى فإذا هي تناجي بأفصح لسان وأصرح بيان معطية ما عندها من غير كتمان.
فقلت: ماذا ؟ فقال: { الرحمن . علم القرآن} 1-2 الرحمن.
فقلت للقدير: حدثني عني يا فلان { خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) } 7-3 الرحمن.
وقلت للمريد: أيها القديم الجديد خبّرني عني وارددني إليّ مني.
فقال: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) } 1-6 التكوير.
فقال العليم بلسان حكيم: { وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14)}7 - 14 التكوير.
فقلت: أيها الحكيم المعجب حدثني عن عنقاء مغرب، ودلّني على الكنز المصون بين الكاف والنون.
فقال: يكفيك مني ما يحدث القديم عني.
فقلت له: ذلك لا يغني، فقال: أزيدك؟
فقلت: زدني، فقال: إن المزيد قد أتاك عني بالخبر السديد والرأي الرشيد.
فقلت: فهمه عليّ بعيد، فمن يا مولانا أنت؟
فقال: نفس العبيد ثم تلا {وهم لا يسمعون} 21 سورة الأنفال. {أنما أمرنا لسيء إذا اردناه أن تقول له كن فيكون}40 سورة النحل.
فلم تزل تناجيني الحضرات وتبرز لي أبكارها الخيرات إلى أن هبّ نسيم السعادة، فحقق له علم السيادة، فشممت رائحة رائحة، وكانت باللذات للذات في اللذات نافحة، فأخذتني عني وجذبتها الي مني، فانحلت قواي وأذابت بحواي.
وامتحن الكائن والبائن، واستحق الآيب والقاطن، وانطمس رسم الحي فلم يبق لا ميت ولا حي فعند ذلك مت موتة أبدية ، وسحقت سحقة سرمدية، فلا بعث بعدها و لا نشور ولا مغيب عندها ولا حضور فعندما فنى الحي وهلك من هلك في الدار.
سأل نفسه: { لمن الملك اليوم } فقال: { لله الواحد القهار} 16 سورة غافر .

يتابع إن شاء الله في الباب الخامس عشر
غير مبريء الذمه نقل الموضوع أو مضمونه بدون ذكر المصدر: منتديات الشامل لعلوم الفلك والتنجيم - من قسم: مقالات في الروحانيات للمعتقدات الاخرى


...
....
صورة رمزية إفتراضية للعضو فنااء
فنااء
عضو
°°°
افتراضي رد: الباب الرابع عشر في تجلّي الصفات (سلسلة مراتب الوجود)
نور على نور ماشاء الله!

جزاكم الله خيرا شيخنا الفاضل على الموضوع الشيق.

فيا منتهى أمل الآملين و يا غاية سؤل السائلين ويا أقصى طلبة الطالبين ويا أعلى رغبة الراغبين ويا وليّ الصالحين ويا أمان الخائفين ويا مجيب دعوة المضطرين ويا ذخر المعدمين ويا كنز البائسين ويا غياث المستغيثين ويا قاضي حوائج الفقراء والمساكين ويا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين .. لك تَخضُّعي وسؤالي وإليك تضرعي وابتهالي .

أسألك أن تنيلني من روح رضوانك وتديم عليّ نعم امتنانك ، وها أنا بباب كرمك واقف ولنفحات برّك متعرّض ، وبحبلك الشديد معتصم ، وبعروتك الوثقى مُتمسك .. إلهي ارحم عبدك الذليل ذا اللسان الكليل والعمل القليل وامنن عليه بطَولك الجزيل واكنفه تحت ظلك الظليل ، يا كريم يا جميل يا أرحم الراحمين .


مواقع النشر (المفضلة)
الباب الرابع عشر في تجلّي الصفات (سلسلة مراتب الوجود)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
الانتقال السريع
المواضيع المتشابهه
الموضوع
الباب الثالث عشر في تجلّي الأسماء (سلسلة مراتب الوجود)
الباب الثاني عشر في تجلّي الأفعال (سلسلة مراتب الوجود)
الباب الخامس في الأحدية (سلسلة مراتب الوجود)
الباب الرابع في الألوهية (سلسلة مراتب الوجود)
الباب الأول في الذات (سلسلة مراتب الوجود)

الساعة الآن 01:00 PM.