المشاركات الجديدة
مواضيع مختلفة : أي موضوع لم يعنون سابقا

ثقافة الاعتذار

689 ثقافة الاعتذار
بسم الله الرحمن الرحيم والحمدلله لله رب العالمين وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله بيته الطهرين الطيبين في مشارق الارض ومغاربها الى يوم الدين

رضينا بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد صل الله عليه وسلم وعلى ال بيته نبيا ورسولا فمن على دينه انتهج سلكه ومن خالف فالله ونبيه منه براء وايم الله ان نبينا الكريم مدرسة العلم والاخلاق والتربية التي نحاول جهدنا اتباعها الخطأ بالتأكيد هو سمةٌ من سمات البشر، وكل إنسان معرضُ للخطأ، وليس من العيبِ أن يخطئ الإنسان، ولكن العيب والخطأ الأكبر هو التمادي والاستمرار في ذلك الخطأ. الاعتذار بلا شك سلوك حضاري وفن ومهارة اجتماعية تزيد من الألفة والمحبة والتقارب بين جميع أفراد المجتمع، كما أن ديننا الإسلامي الحنيف من أكثر الأديان حثا على التوبة والاعتذار بجميع مفرداتها ومشتقاتها.

ليس غريباً أن يُخطئ الإنسان في حق الآخرين، ولكن المشكلة تكمن في إصلاح ذلك الخطأ بالاعتذار؛ فنحن العرب نرى الاعتذار أنه خضوع وذل ومهانة، بل هو على العكس قوة وشجاعة ومراجعة للذات ونقدها.

إنّ الاعتذار هو الموقف الذي يقفه الإنسان للتّعبير عن حالة النّدم النفسي على كلمة سلبيّة قالها، أو عمل سيّئ عمله، أو موقف خاطئ اتخذه، أو علاقة فاسدة قام بها وما إلى ذلك، أمام الله ربّه الّذي عصاه في ترك واجب، أو ارتكاب حرام، أو انحراف عن خطٍّ عقيديّ أو منهجيّ أو حركيّ، أو أمام إنسان له حقّ عليه، فقصّر في حقّه، أو ظلمه في تصرّفه معه، ليحصل من اعتذاره عن ذلك على عفو عن ذنب أو مسامحة في حقّ، ليتخفّف من ثقل الإحساس بالمسؤوليّة، مما يترتّب عليه من نتائج سلبيّة.

الاعتذار إلى الله توبة وهذا أمر محبوب وراجح في الميزان الأخلاقيّ، لأنّه يوحي بالرّغبة في تخلّص الإنسان من سلبيّات عمله، وإعادة الحقّ إلى نصابه، والعودة عمّا فعله من خطأ أو خطيئة في المستقبل، وهذا يلتقي مع معنى التّوبة، ان قبول الاعتذار قيمة اخلاقيّة وكما ان الإسلام يوجه الإنسان المؤمن إلى اجتناب ما يقوده إلى الحاجة للاعتذار، فإنّه يدعوه إلى قبول اعتذار المعتذر، كقيمة أخلاقيّة إيجابيّة في الواقع الإنساني، لأنَّ الاعتذار إلى شخص ما مثلاً، تصرّف يحمل أكثر من دلالة على تواضعه له، وتنازله لشخصه، في عمليّة انفتاح عليه بالرّغبة في رضاه عنه، وقبول عذره، للانفتاح عليه، بالعودة إلى العلاقة الإيمانية أو الإنسانية التي تربطه به. وهذا هو الذي يؤكد الخط الإسلامي البياني العريق في العفو عمن أساء، وفي التسامح معه، وفي إعطاء الفرصة للحبّ بدل البغض، والصداقة بدلاً من العداوة،وهذا الأسلوب يمثّل أعلى درجات الارتفاع بالروح، والسموّ بها إلى أقصى درجات السموّ الإنساني قيمياً وروحياً، بحيث يجتذب الإنسان الآخر إليه، بتقديمه كلّ المشاعر والأحاسيس الإنسانيّة التي تفتح له قلبه وعقله.

وقد جاء عنه صل الله عليه وسلم وعلى اله أنّ على الإنسان التماس العذر لأخيه في ما يصدر عنه مما يوحي بالخطأ، ليبرّر له ذلك بظرف ضاغط أو احتمال آخر على خلاف الظّاهر،
أساليب الاعتذار

وللاعتذار أساليبه الّتي توحي بمضمونه، فقد يتحدث الإنسان عن إساءته إلى الإنسان الآخر، أو إلى الناس، أو إلى الجهة التي أساء إليها، فإنّ الإنسان إذا أنكر حدوث الخطيئة منه مع ثبوت ذلك عليه، فإنّ ذلك يمثّل إصراراً على الذّنب، لأنه لو كان في موقف التراجع عنه، والتوبة منه، لاعترف بذلك، وأظهر النّدم عليه، وقدّم الاعتذار، بالرّغم من أن إنكاره له يوحي ـ بعض الشّيء ـ بأنّ ما قام به أمر معيب وقبيح، لا يجرؤ صاحبه على الاعتراف به، لما يترتّب عليه من نتائج سلبية في موقعه الاجتماعي الإنساني، في ميزان القيمة أو في المسؤوليات الجزائية أو الجنائية.

نحن بحاجة كبيرة لنشر ثقافة الاعتذار في مجتمعنا، فحين نُربي أبناءنا ونُعودهم على كلمات ومفردات التواضع والاعتذار ومن ثم نعلمهم كيفية الاعتذار فهذا بلا شك يستوجب منا الإشادة بتصرف الطفل أمام الآخرين وتعزيز تلك الفضيلة فيه. وقبل ذلك يجب أن يغير الآباء والمعلمين والمسئولين من سلوكهم ويكتسبوا هذه الصفة كدليل على التحضر والرقي ويكونوا قدوة للأجيال الصاعدة.

وكما يقولون دائمًا أن الاعتذار من شيم الكبار.. فمثلاً الأنبياء كانوا يعتذرون عن أي خطأ يرتكبوه؛ موسى عليه السلام بعد أن وكز الرجل بعصاه فقتله: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ} [القصص: 15]، ثم قدم الاعتذار: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم} [القصص: 16]. وآدم عليه السلام: اعترف بذنبه عندما أخطأ هو وزوجه وأكل من الشجرة المحرمة: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23].

نحن في أشدِ الحاجة لغرس وتعميق هذه الثقافة في مجتمعنا وفي بيوتنا إذا أردنا النهوض والتقدم والتطور والرفعة لديننا ولوطننا ولمجتمعنا.

الأنبياء يعتذرون

ويطيب لنا أن نتوجه إلى المتعالين المتأففين ، الرافضين للاعتذار ، الناكفين عن تقديمه ، نتوجه لهم بهذه الباقة من الكبار العظماء ، إنهم أشرف وأطهر من مشوا على الأرض ، إنهم أنبياء الله ورسله الذين اختارهم الله على عينه ، وأدبهم فأحسن تأديبهم ، ومع ذلك فهم يُقدمون لنا الأسوة والقدوة في المبادرة للاعتذار للتأكيد على أنه خلق لا يشين ولا يقلل من قيمة صاحبه.
آدم عليه السلام: اعترف بذنبه لما أخطأ وسارع إلى ذلك ، ولم يُحاول تبرير ما وقع فيه من إثم بمخالفة أمر الله ، والأكل من الشجرة المحرمة عليه هو وزوجه ، لم يُراوغ ، لم يتكبر ، لم ينفِ لكنه جاء معترفاً بخطئه ومُقراً به " قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ"[الأعراف":23]
موسى عليه السلام : أخطأ عندما وكز الرجل بعصاه فقتله ، فماذا حدث؟ إنه لم يبرر فعلته ، ولم يراوغ لإيجاد المخارج من هذا المأزق ولكنه اعترف ابتداءً أن ما فعله من عمل الشيطان "هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ" ثم قام ليقدم الاعتذار ويطلب العفو والصفح والمغفرة "قال رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ"[القصص: 15-16]
بلقيس وامرأة العزيز : كلتاهما كانتا تعيشان في بيئة وثنية كافرة ، ولكنهما اعترفتا بذنبهما ، وتابتا ورجعتا عن خطئهما أما الأولى وهي بلقيس فإنها متى رأت الآيات والبينات تترا على يد نبي الله سليمان حتى قالت"رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"[النمل: 44]
وأما الثانية امرأة العزيز التي راوغت ، وكادت لتبرير موقفها الصعب ، وسلوكها المشين إلا أنها اعترفت في شجاعة نادرة " قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ . ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ"[يوسف:51-52]
يا لها من قوة تحلين بها ، وجرأة في الحق يعجز أكابر الرجال في زماننا أن يأتوا بمثلها ، بيد أن البيئة الوثنية كانت أفضل حالاً من بعض البيئات اليوم التي أفرزت قطيعاً من المنافقين الكذابين ، المتعالين الذين ليس لديهم من الشجاعة ما يؤهلهم لمواجه الآخرين بأخطائهم.

رسول الله يعتذر :عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ :
مَرَرْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْمٍ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ فَقَالَ مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ فَقَالُوا يُلَقِّحُونَهُ يَجْعَلُونَ الذَّكَرَ فِي الْأُنْثَى فَيَلْقَحُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَظُنُّ يُغْنِي ذَلِكَ شَيْئًا قَالَ فَأُخْبِرُوا بِذَلِكَ فَتَرَكُوهُ فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَقَالَ إِنْ كَانَ يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ فَلْيَصْنَعُوهُ فَإِنِّي إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا فَلَا تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ وَلَكِنْ إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ اللَّهِ شَيْئًا فَخُذُوا بِهِ فَإِنِّي لَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ"1.



الاعتذار من شيم الكبار ، وخلق من أخلاق الأقوياء ، وعلامة من علامات الثقة بالنفس التي لا يتصف بها إلا الكبار ، الذين لديهم القدرة على مواجهة الآخرين بكل قوة وشجاعة وأدب ، والحياة بدون اعتذار ستحمل معاني الندية ، وستخلق جواً من التوتر والقلق بين الناس .
فالاعتذار خلق اجتماعي جميل يدعو للتعايش ، ويمحو ما قد يشوب المعاملات الإنسانية من توتر أو تشاحن نتيجة الاحتكاك المتبادل بين الناس.
والاعتذار ينفي عن صاحبه صفة التعالي والكبر ، ويمنحه المصداقية والثقة في قلوب الآخرين ، كما أن الاعتذار يُزيل الأحقاد ، ويقضي على الحسد ، ويدفع عن صاحبه سوء الظن به ، والارتياب في تصرفاته.

لماذا الاعتذار من أخلاق الكبار؟

لأن الاعتذار يعني الاعتراف بالخطأ ، وقلما تجد إنساناً يستطيع أن يواجه الآخرين بخطئه أو يعترف به.
ولأن الاعتذار يعني تحمل المسئولية عن الخطأ الذي ارتكبه صاحبه ، وهو كذلك صعب التحقيق إلا بين الكبار الذين يواجهون أخطاءهم بكل قوة وحزم .
ولأن الاعتذار يحتاج من صاحبه إلى قوة نفسية هائلة تدفعه للمبادرة به ، وهو ما لا يتوفر إلا للكبار الذين كبحوا جماح أنفسهم فسلس لهم قيادتها.
ولأن الكبار هم الذين يُراعون مشاعر الآخرين ، ولا يجرحونها ، فلا يتعدون على حقوقهم أو يدوسون على كرامتهم ، لذا فإنهم متى بدر منهم ذلك يسارعون للاعتذار وتصحيح الخطأ ، وهذا أيضاً لا يكون إلا من أخلاق الكبار.

ثقافة الاعتذار

الكبار يفهمون الاعتذار فهماً راقياً ، فلا ضير من الاعتذار للزوجة إذا أخطأوا في حقها، ولا مانع من الاعتذار لمرؤوسيهم إذا قصروا في أداء الواجبات المنوطة بهم ، ولا ينقص من قدرهم إذا اعتذروا ولو كانوا في مراكز قيادية.
على العكس تماماً من صغار النفوس ، والعامة من الناس الذين دأبوا على التهرب من الاعتذار عن أخطائهم التي ارتكبوها ، فالزوج تأخذه العزة بالإثم من الاعتذار لزوجته خوفاً من أن يُنقص ذلك من رجولته ، والمدير لا يعتذر لموظفيه خشية أن يعتبرونه ذو شخصية ضعيفة ، والمدرس لا يعتذر لتلاميذه إذا أخطأ معهم خوفاً من الاتصاف بعدم التمكن من مادته.
لقد اقتصر الاعتذار بين العامة في الأشياء العابرة الخفيفة مثل الاصطدام الخفيف أثناء المشي ، أما في المواقف الجادة والحقيقية والتي تحتاج الاعتذار حتى تستمر عجلة الحياة ، ويستقر التعامل بين الأقران نرى التجاهل وعدم المبالاة، والواقع يؤكد ما نقول.

الاعتذار ليس ضعفاً
الكبار يرون في الاعتذار مصدراً لزيادة الثقة بينهم وبين مخاطبيهم ، ومجالاً خصباً لبناء علاقات اجتماعية قوية ، لا تتأثر بالنوازل أو الخلافات .
فالكبار يعتبرون الاعتذار إحدى وسائل الاتصال الاجتماعية مع الآخرين ، بل ومهارة من مهارات الحوار معهم ، فالاعتذار يجعل الحوار متواصلاً ومرناً وسهلاً ، إذ أن ذلك سيرفع من قلب مُحدثك الندية الصلبة في النقاش أو الجدل العقيم في الحوار ، فالاعتذار يعني الاعتراف بالخطأ والندم على فعله ، والاستعداد الكامل لتحمل تبعاته ، وهو ما يعني إكسابك القوة في نظر المتعاملين معك ، وهذا ما يدفع مُحدثك للتعجب وقد يصارحك بأنك شخص "قوي وجريء" ويُجبره اعتذارك على احترامك بل ومساعدتك في تصحيح الخطأ إذا لزم الأمر.

أنا آسف

الكبار لا يترددون أبداً في تقديم عبارة الأسف "أنا آسف" إذا ما بدر منهم ما يستحقها ، ولا فرق عندهم لمن تُقدم العبارة ، لرجل أو امرأة ، صغير أو كبير ، فالأسف عند الكبار لا يقتصر على الكبراء أو عيلة القوم أو الوجهاء وأصحاب المراكز المرموقة.
وكلمة "أنا آسف" لا يعتبرها الكبار نقيصة يتهربون منها ، أو عيب يستحيون منه ، بل هو خلق يتقربون به إلى الله ، وسلوك إيجابي يتحلون به ويُزينون به أخلاقهم.
وكلمة "أنا آسف" تخرج من قلوب الكبار قبل أن ينطق بها لسانهم ، فيُزيلون غضباً عارماً في النفوس ، ويُداوون بها قلباً مكلوماً ، أو يجبرون خاطراً مكسوراً ، كم من المشاكل والخلافات التي تقع ويكفي لاتقائها مجرد اعتذار بدلاً من تقديم الأعذار والمبررات التي يحاول بها الصغار والضعفاء تبرير أخطائهم ،فتتفاقم المشكلة ، ويزداد الجرح إيلاماً.

سياسة التبرير

البعض من صغار النفوس ، بدلاً من السعي لتصحيح أوضاعهم ومراجعة أنفسهم ، وإصلاح ما أفسدته تصرفاتهم ، فإنهم يحاولون تبرير أخطائهم ، وتقديم الأعذار التي يحاولون من خلالها التملص من تحمل المسئولية ، أو تجميل الصورة والظهور بالمظهر اللائق أمام الناس.
إن السبب الرئيسي لسياسة التبرير التي ينتهجها البعض هي المبالغة الشديدة في احترام الذات وتقديسها للدرجة التي توصله إلى المكابرة وعدم الاعتراف بخطئه ، ظناً منه أنه باعترافه بخطئه يُهين نفسه ، ويقلل من مكانتها ،فيلجأ للحيل الدفاعية التي يحاول من خلالها إبعاد النقص عن نفسه.
ومع أن ارتكاب الأخطاء أمر مُشين ويَعيب مرتكبيها ، إلا أن الاعتراف به وعدم المجادلة بالباطل قد يمحو آثار هذا الخطأ ، ويُكسب صاحبه تعاطف الآخرين ووقوفهم بجانبه.
إن أخطر ما في سياسة التبرير التي ينتهجها البعض هي أن تنتقل عدوى التبرير إلى من حولنا ، فالأب الذي لا يعتذر لأولاده مثلاً عن عدم وفائه لهم بوعد وعده لهم إنما ذلك درس عملي لهم أن ينتهجوا نفس النهج ، ويسلكوا نفس السلوك ، وقس على هذا كل المسئولين مع مرؤوسيهم .
إننا نُصاب بالصدمة الكبرى عندما نرى إنساناً يتولى إمارة أو مسئولية أو أمراً قيادياً ، ولا حديث إلا عن الإنجازات والعطاءات والمشروعات الناجحة والعملاقة ، صفحاته كلها بيضاء ناصعة لا خطأ فيها ، إنها صفحات تُشبه صفحات الملائكة المعصومين ، والأنبياء المرسلين ، التي لا مكان فيها للخطأ أو النقصان ، أو حتى السهو أو النسيان .. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ألا فليعلم الجميع أن الاعتراف بالخطأ أطيب للقلب وأدعى للعفو ، ومعلوم أن توبة الصحابي الجليل كعب بن مالك لم يُنقذه إلا صدقه وصراحته.

خلق جميل ولكن !!!!

ورغم أن الكبار من سماتهم المسارعة إلى الاعتذار ، والبعد كل البعد عن التبرير والمجادلة في الباطل في الأمور التي ظهر فيها خطأهم ، إلا أنهم مع ذلك يجتنبون الوقوع فيما يُوجب الاعتذار ، مسترشدين في ذلك بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم الجامعة لأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه " إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع و لا تكلم بكلام تعتذر منه و اجمع الإياس مما في أيدي الناس"1 ، وإن أخطأوا يوماً أو زلت أقدامهم فإنه "لَا حَلِيمَ إِلَّا ذُو عَثْرَةٍ وَلَا حَكِيمَ إِلَّا ذُو تَجْرِبَةٍ"2

قبول الأعذار

ومع اتصاف الكبار بهذا الخلق العظيم، وهذا السلوك الإيجابي من تقديم الاعتذار والاعتراف بالخطأ متى بدر منهم ، فهم كذلك يبادرون لقبول الأعذار من المخطئين في حقهم ، فلا تعالي ، ولا بطر ولا أشر ، بل مسامحة وعفو وطيب خاطر ، وهم بذلك يقدمون درساً عملياً للناس فقبول الاعتذار بهذه الصورة يحض الناس على الاعتذار متى أخطأوا لأن الإصرار على الملامة والعتاب وتسجيل المواقف لإحراج المعتذرين ، يجعلهم يُصرون على الخطأ ، ويأبون الاعتراف به.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ"3



شيم الكبار

الكبار دائماً وأبداً يعتذرون لدفع الشبهة التي قد يتوهمها البعض ، فهو لا ينتظر المعاتبة أو المراجعة حتى يُبرر موقفه من ذلك ، بل يسارع ليُنهي الأمر في وقته ، جاء أناس من الأشعريين (قوم أبو موسى الأشعري) رضي الله عنه ، وطلبوا منه مرافقتهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن يعلم ما يُريدون ، وإذا بهم جاءوا ليطلبوا الإمارة والولاية على بعض أعمال المسلمين ، فظهر أبو موسى وكأنه جاء ليشفع لهم في طلب الإمارة ، فردهم النبي صلى الله عليه وسلم رداً لطيفاً ، ولكن الصحابي الجليل شعر بالحرج الشديد فقال :"فاعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل وعذرني"


مقال اعجبني فاحببت ان اشارككم به

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى اله
غير مبريء الذمه نقل الموضوع أو مضمونه بدون ذكر المصدر: منتديات الشامل لعلوم الفلك والتنجيم - من قسم: مواضيع مختلفة


...
....
صورة رمزية إفتراضية للعضو فصبر جميل
فصبر جميل
شاملي جديد
°°°
افتراضي
اللهم صل وسلم وبارك علي محمد واله
موضوع راقي
شكرا لكم الحنطية

صورة رمزية إفتراضية للعضو الكريم
الكريم
شاملي جديد
°°°
افتراضي
جزاك الله خيرا أختي الحنطية

صورة رمزية إفتراضية للعضو باعمران
باعمران
عضو
°°°
افتراضي
جزاك الله خيرا

صورة رمزية إفتراضية للعضو كرسي الملكة
كرسي الملكة
عضو
°°°
افتراضي رد: ثقافة الاعتذار
شكرا أستاذتنا الحنطيه،
من طبعي وفي تركيبتي الشخصية أني لما أخطئ في حق الاخرين وأستيقظ يعني أعي خطئي فلن أرتاح حتى أقدم الاعتذار، لأريح ضميري وأرضي ربي، وأكيد أرضي هذا الانسان الذي أخطأت في حقه بقي، رفض اعتذاري لن يزعجني ما دمت ارتحت وقدمت الاعتذار خاصة أن الله شاهد على صدق اعتذاري.

صورة رمزية إفتراضية للعضو كرسي الملكة
كرسي الملكة
عضو
°°°
افتراضي رد: ثقافة الاعتذار
والسؤال الذي يفرض نفسه، لماذا لا يقبل بعض الناس الاعتذار
ولماذا لا يسامحون غيرهم اذا اعترفوا بخطئهم وقدموا الاعتذار.

الصورة الرمزية الحنطيه
الحنطيه
عضو
°°°
افتراضي رد: ثقافة الاعتذار
مرحبا الترسبات النفسية تمنع قبول البعض للاعتذار وليس الجميع على قدر الحكمه او فل نقل اصحاب عقول متفتحه كفايه


مواقع النشر (المفضلة)
ثقافة الاعتذار

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
الانتقال السريع
المواضيع المتشابهه
الموضوع
في علم الاجتماع الطبي: ثقافة الصحة والمرض - نجلاء عاطف خليل
ثقافة الغذاء والمزاج
ثقافة الأحجار الكريمة عند أهل البيت
ثقافة الأحجار الكريمة عند أهل البيت
ما تيسر من كتاب التفهيم للبيروني، مع الاعتذار أخي بدر

الساعة الآن 02:47 PM.