المشاركات الجديدة
المقالات والمواضيع والمنقولات المترجمة : هذه الساحة تعنى بنشر المقالات والمواضيع التنجيمية والفلكية المترجمة إلى العربية من اللغات الأخرى

تفسير الأحلام في الحضارات القديمة.

افتراضي تفسير الأحلام في الحضارات القديمة.
عن موسى ديب الخوري بتصرف.

....عنيت أمم كثيرة نذكر منها الهندية و الفارسية و البابلية و المصرية و الكمبودية و الصينية بأوقات الأحلام. و من المدهش الاتفاق فيما بينها على أن أحلام الفجر تكون الأقرب إلى التحقق. و يرى الفرس أن ثمة أيامًا معينة من الشهر القمري هي الأنسب لرؤية الحلم الحقيقي. و لكل يوم من أيام الشهر عندهم تأثيره على التفسير و على تحقق الحلم. أما في الصين، فكان على المفسِّر أن يأخذ بعين الاعتبار السنة و الفصل و وضع الأرض و السماء و يحدد أنفاس الين و اليانغ مع أخذ القمر و الشمس و النجوم بعين الاعتبار من أجل تفسير الحلم. و يعكس ذلك نظرة الصينيين الفلسفية لكلية الوجود.

نشير أيضًا إلى اهتمام القدماء بحماية أنفسهم من الأحلام. فالحلم الذي يكشف للإنسان المصري ما يخبئه له المستقبل من معوقات يجعله يلجأ إلى القوى السحرية للتخلص منها عندما يستيقظ. فالدخول إلى عالم الحلم عند المصريين هي لحظة دخول إلى عالم الشواش، ولهذا على المصري أن يتخذ الاحتياطات كأن يأخذ معه الآلهة مثل نيت Nieth.

وبحسب المنظور الديني البابلي تُعدّ كل تجربة في عالم الأحلام خطرة. ولهذا، كان ثمة أهمية فائقة منذ أقدم العصور السومرية "لتحرير" الطاقة السحرية المركزة في الحلم. و يُعبَّر عن هذا التحرير في الطقوس البابلية بفعل "شارو" الذي يعني حرر (من الشر أو الخطيئة) كما ويعني فسّر وشرح! و هكذا، كان سرد حلم على أحدهم هو الطريقة الأكمل للتحرر ذاتيًا و لإبعاد الآثار السلبية للتجربة الحلمية. أما في الهند فنجد موروثًا كاملاً للحماية من الأحلام السيئة. فالنوم بعد الحلم يلغي الحلم. و لهذا عند رؤية حلم سيء يجب على الحالم أن يصلي و يعود للنوم. و ربما كان اليابانيون هم الوحيدون الذين شككوا بضرورة أو بفعالية طرق التخلص من نتائج أحلامهم. لكنهم بالمقابل كانوا يلجأون إلى طريقة لجعل أحلامهم سعيدة، فيضعون تحت وساداتهم صورة طقسية خاصة.

سنحاول فيما يلي أن نعرض باختصار شديد لأهم طرق تفسير الأحلام في الحضارات القديمة التي وصلنا منها وثائق وفهارس خاصة بهذا الأمر. و نهدف من عرضنا هذا إلى إعطاء فكرة عن طريقة فهم الإنسان القديم للحلم مقارنة مع فهمنا الحالي له.

كان ثمة عدة تقنيات لتفسير الأحلام في مصر. و كان أهمها التلاعب بالألفاظ و مدلولاتها، أو ربط الأفكار بالاعتماد على لفظتي كلمتين. كذلك كان يتم الربط رمزيًا بين الحلم و تفسيره، و مثال ذلك أن رمز الثعبان يعني وفرة المؤن، لأن إلهة الوفرة الزراعية هي الثعبان. أما تفسير الحلم بعكسه فكان تقنية أندر استخدامًا. و تكشف لنا التفاسير المصرية عن الحاجات و التطلعات التي كان المصريون يعيشونها: فهم كانوا يخشون السرقة والسجن و فقدان الوظيفة، و كانوا على المستوى الشخصي يخشون الآلام و الموت و المرض و الحياة القصيرة و البؤس. و يعكس ذلك نفسانية مرهقة بسبب الفقر الهائل الذي كانت تعيشه طبقة عامة. ومقارنة بالأحلام الكمبودية مثلاً نجد أن تفاسير الكمبوديين كانت بمعظمها لصالح الإنسان، ويشير ذلك إلى راحة نفسانية وفرتها إمكانية عيش مقبول و قابل للتحسن.

أما التفسير البابلي للأحلام فكان يتم بواسطة جداول خاصة. و كان واضع هذه الجداول لايتردد باختراع المزيد منها ليستنفد كافة الاحتمالات الممكنة. ولهذا كانت قائمته تصويرًا للواقعين الحسي و التحليلي معًا. و مع ذلك فإن هذا المسرد ما كان ليكفي دون وجود العراف القادر على فهم الرسالة الإلهية. و تثبت المفردات المستخدمة صلة الحلم البابلي بالعالم السفلي، الأمر الذي يتوافق مع كون الإله المرسل للأحلام هو الإله الشمس قائد نفوس الموتى في الليل. و كما الأمر بالنسبة للمصريين، فإن جداول الأحلام تصف اهتمامات و حاجات البابليين، و تُظهر اهتمامًا خاصًا بالحصول على الأطفال وعلى المناصب و الثروة، و هي تعكس أيضًا الخوف من المرض و المصائب، و تدل على نفسانية أكثر استقرارًا و أكثر تعلقًا بالحياة الدنيا.

إن الأحلام الكنعانية-الفينيقية التي وصلتنا قليلة جدًا و هي تتصل بالأسطورة مباشرة، وتعبر عن الاهتمام بالدورة الزراعية. ففي أحد النصوص الأوغاريتية نجد أن الإله إيل يحلم أن عليان بعل سيعود من الموت بعد أن خلصته الإلهة عنات. و تلك إشارة إلى أن السموات ستمطر سمنًا و الوديان ستسيل عسلاً. و على الرغم من عدم توفر وثائق لتفاسير الأحلام الكنعانية، لكننا يمكن أن نستنتج من دراسة الأساطير، بل والموروث الآرامي و السرياني و العربي في المنطقة، أصول التفاسير البعيدة في بلاد الشام عمومًا، و التي كانت ترتبط كما يبدو بحياة زراعية غنية و نفسانية متوازنة في تطلعاتها المعيشية و الروحية.

أما في الهند، فقد مرّت التفاسير بعدة مراحل تبين بوضوح تطور مفهوم الحلم و تفسيره خلالها. و يرجع أقدم تفاسير الأحلام الهندية إلى الفيدا. ونجد فيه وصفًا لنفسانيات الأفراد بحسب طبائعهم. فمثلاً: يرى أصحاب الطبع الدموي في أحلامهم مشاهد جبال و أراض و غابات تعصف فيها الرياح، و عددًا من الكواكب و النجوم المعتمة، والقمر و قد فقد نوره. في حين أن أصحاب الطبع الأكثر برودة يرون مشاهد أكثر اعتدالاً، إلخ. و نلحظ في هذه الرمزية إشارات تعليمية حول طبيعة النفس أكثر منها تفاسير للأحلام. و الحق أن الحضارة الهندية تميزت بهذه التعاليم المهذبة للنفس فانعكست على مجمل الحياة الإنسانية. و مع ذلك، نجد أن الأحلام خلال مرحلة أحدث استقلت عن طبائع البشر و أفسحت مجالاً للأحلام القادمة من أعماق النفس، و ذلك عبر رسائل الآلهة. و يتواتر ذكر الأحلام في الأدب الهندي، كما في ملحمتي المهابهاراتا والرامايانا. و تتكرر في بعض القصص الشعبية الشبيهة بألف ليلة و ليلة الأحلام التي يرى فيها أمير فتاة في نومه فيغرم بها فيبحث عنها حتى يصل إليها. و تحفظ هذه الأحلام الأدبية المعاني التي تعبر عن مراحل بحث الإنسان الهندي عن المعرفة و عن توقه إلى اللامحدود. و هكذا يتحول تفسير الحلم في الهند إلى ممارسة سرانية، كما في مدرسة كشمير Trika. و يُعدّ الحديث عن الأحلام الهندية مدخلاً إلى دراسة أحلام الرؤى و التحقق و تفاسيرها و بخاصة في البوذية الهندية و الصينية، و سنعود إلى هذه النقطة لاحقًا.
و ينطبق ما ذكرناه عن التفسير الهندي على الأحلام الصينية إلى حد كبير.

كانت الأحلام الصينية تُصنَّف قديمًا وفق ثلاث مراتب. لكن هذا التصنيف غامض جدًا بالنسبة لنا اليوم. وفي مرحلة تالية صُنّفت وفق ستة صنوف تعكس حالات نفسانية واضحة. و هي حلم الرعب و سببه حالة رعب و حلم الفكرة و سببه ما كنا نفكر فيه قبل النوم و حلم الأمس، و سببه ما جرى الحديث حوله أو ما حدث في اليوم السابق، وحلم الفرح و سببه حالة فرح، و حلم الخشية و سببه خوف من شيء ما. و يتم تفسير الأحلام وفق هذه التصانيف التي تشكل بالأحرى تحليلاً لنفسية الحالم، إضافة إلى ما تشير إليه طاقة الحالم من توازن و تناغم مع العالم. فكل شيء في بنية وآلية الجسم بكليته، بما فيه الأحلام، يتوافق مع حدي الأرض والسماء. و لهذا، عندما يكون الين قويًا فينا نحلم مثلاً إننا نجتاز كمية كبيرة من الماء و نحن خائفون. و عندما يكون اليانغ قويًا نحلم أننا نجتاز نارًا عظيمة و إننا نحترق. و عندما يكون الين و اليانغ متساويي القوة نحلم بالحياة و الموت. إن هذه الطريقة في التفسير تعتمد كما نلاحظ على فكر فلسفي عميق، وهي تجعل من الحلم وسيلة لمعرفة الذات و لتحقيق توازن نفسي و روحي عند الحالم. و لهذا فإن المفسّر هو بدرجة معينة حكيم يعمل عمل الطبيب النفسي في سبر نفسانية الحالم وفهمها.

إن تفاسير الأحلام في مختلف الحضارات القديمة، رغم خصوصياتها و تباعدها الزمني والجغرافي، تلتقي في أنماط عدة كما لاحظنا. و لعل الحكايات الشعبية التي لاتزال تتكرر حتى أيامنا هذه حول بعض الأحلام تعبر خير تعبير عن هذه النقطة. فالحكايات الشعبية اليابانية مثلاً تورد قصص شراء حلم الآخرين المتكررة في أكثر من ثقافة شعبية عالمية. و منها أن أحدهم حكى لصديقه أنه رأى في الحلم موقع كنز، فعرض عليه صديقه شراء الكنز منه فقبل، وكان أن استطاع الشاري الوصول إلى مكان الكنز و الحصول عليه! و لا يخفى علينا ما في هذه القصة من عبرة وجوب التمسك بأحلامنا و طاقاتنا و عدم التفريط بالمواهب الممنوحة لنا.

كذلك نلاحظ أن تفسير بعض الرموز الحلمية يتطابق في أكثر من ثقافة. ففي اليابان، كان كتاب التنجيم مستعارًا من الصين، واسمه طريق الين واليانغ. و على الرغم من أننا لانجد في الصين هذا النهج في التفسير، لكن اليابانيين طوّروا الفلسفة الصينية باتجاه أكثر تصنيفية بحيث يمكن تفسير الرموز بشكل مباشر أو غير مباشر. فالحلم بالماء مثلاً يمكن أن يشير إلى حريق في حين يشير حلم النار إلى الطوفان. ونجد مثل هذا التفسير المعاكس في مصر القديمة و ثقافات أخرى. و من الرموز المتكررة أيضًا الحلم براهب أو زاهد أو عابد يعطي الحالمة جوهرة لامثيل لها في العالم فيكون ذلك دلالة على الحمل بطفل سيكون ذا مواهب و حظ كبير، كما في أحلام الكمبوديين. و في الأحلام اليابانية نجد الراهب الذهبي نفسه يدخل عبر فم الحالمة ليملأ أحشاءها. وتتكرر القصة في الأساطير السرانية السورية و المصرية القديمة، حيث يشير الحلم بطفل أو شيخ يدخل الفم أو الأحشاء إلى ولادة عظيمة. لابد أن نشير أيضًا إلى حلم هام يتكرر في تفاسير اليابانيين والسياميين و الكمبوديين و الصينيين و المصريين و غيرهم، و هو فقدان سن أو ضرس، و تفسيره موت أحد الأقرباء، و إذا كان السن مكسورًا فقد يشير إلى المرض و الموت، و يمكن تحديد المتوفى بحسب موقع السن و حجمه إلخ. و يتفق هذا التفسير تمامًا مع تفسير أرطميدوروس الذي لابد أن ننهي حديثنا عن التفاسير القديمة به، و هو الذي يُعدّ دون شك الأقرب إلى المنهجية العلمية الحديثة.

لم يكن أرطميدوروس الوحيد الذي ترك لنا كتابًا في "تعبير الرؤيا" لكنه كان أول من عالج مفهوم الحلم وتفسيره بطريقة منهجية صحيحة. و قد عاش في القرن الميلادي الثاني في أفسس، لكن شهرته انتسبت إلى قرية والدته فلقب بالدالديائي De Daldia. و قد اشتهر بتواضعه و اعترافه بخطئه إذا لم يحسن التفسير. و هو لم يعرف بالطبع مصطلح اللاوعي الحديث، لكنه كان يتعامل معه و يشعر به كمفهوم، فلو تأملنا في عمق تفسيراته للأحلام لوجدنا في معظم الحالات رمزًا أساسيًا ينطلق منه. و الحق أن أيًا من المسائل النفسانية التي نعالجها اليوم لم يغب عنه.

وتبين لنا أعماله أنه كان يعرف تعددية الرموز و معانيها، و إنه كان يعرِّف على المستوى الموضوعي كما و على المستوى الذاتي دون أن يفصل بين المنظورين. و يلعب الجسد الإنساني دورًا هامًا عنده، فداخل الفم يرمز إلى البيت و الأسنان هم سكانه. و الرأس يمثل الأب. و من تفسيراته مثلاً التي تتفق مع التفسيرات الحديثة الحلم بأنف كبير أو جميل، و هو دلالة جيدة على الرضى الداخلي عند الحالم و على نجاح أعماله و على اتصاله بأشخاص مرموقين. و لكن إذا حلم أحدهم بأنه بلا أنف فإن أعماله ستنهار، و المريض سيموت. و التفسير مستمد هنا من قوة النَّفّس الذي يستنشقه الأنف، و هو يأخذ منحى آخر في حلم آخر بالنسبة لإرطميدوروس. فإذا حلم أحدهم إن له أنفين فهذه دلالة أكيدة على نزاعات عائلية، و هو يرتكز بذلك دون شك على فهم رمزية الأنف من كونه حلاً شكليًا أمثليًا وحيدًا في الوجه المتجانس.

يقول أريطميدوروس: إن الرموز التي تتكرر عدة مرات في الأحلام تشكل بالنسبة لفكرنا دعوة للتفكر بشيء محدد و بجذب و توجيه انتباهنا له. و تعليقه هذا على الحلم المتكرر يأخذ به علم النفس الحديث. و إن كنا لم نتطرق إلى الحلم المتكرر في الحضارات المختلفة، لكن معظمها أولته اهتمامًا خاصًا، ورأت أنه منبه إلى حدوث أمر هام. و وفق التحليل النفسي فإن أعماقًا بعيدة في النفس تحاول بذلك النفاذ إلى نطاق الوعي و البقاء فيه. إنها أشبه برسالات تحمل أخبارًا عاجلة وتتكرر باستمرار حتى يُسمح لها بالدخول و تصبح مقبولة في نطاق الوعي.
غير مبريء الذمه نقل الموضوع أو مضمونه بدون ذكر المصدر: منتديات الشامل لعلوم الفلك والتنجيم - من قسم: المقالات والمواضيع والمنقولات المترجمة


...
....
الصورة الرمزية يناير
يناير
عضو
°°°
افتراضي
شكرا لك الاخ الكريم الاستاذ عادل على الموضوع القيم بارك الله فيكم

صورة رمزية إفتراضية للعضو adel67
adel67
عضو
°°°
افتراضي
العفو أخي يناير، شكرا على مرورك العطر.

صورة رمزية إفتراضية للعضو dr_sosi
dr_sosi
عضو
°°°
افتراضي
موضوع قيم شكرا الاخ عادل


مواقع النشر (المفضلة)
تفسير الأحلام في الحضارات القديمة.

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
الانتقال السريع
المواضيع المتشابهه
الموضوع
أسطوانة تفسير الأحلام
تفسير الأحلام الآشوري
ما أغفله القدامى في تفسير الأحلام
تفسير الأحلام

الساعة الآن 12:24 PM.