المشاركات الجديدة
علم النفس ومهارات التفوق البشري : مبادئ الصحة النفسية ,البرمجة اللغوية العصبية,التنويم الإيحائي,إدارة الذات ,هندسة النجاح ,اليوجا

الآثار الرّوحانية للبصيرة وكرامات أهلها

افتراضي الآثار الرّوحانية للبصيرة وكرامات أهلها
[align=right:622935df02]
المبحث الثالث
الآثار الرّوحانية للبصيرة وكرامات أهلها

البصيرة منحة إلهية، طريقها العبودية والشعور بالافتقار إلى الله. قال ـ سبحانه ـ: يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (فاطر: 15)؛ فبيَّن أَن فقر العباد إِليه أَمر ذاتي، لا ينفك عنهم. كما أَن كونه غنياً حميداً، أمر ذاتي؛ فغناه وحمده ثابتان لذاته.
قال شيخ الإسلام، ابن تيمية:
والفقر لي وصفُ ذاتٍ لازم أبداً كما الغنى أبداً وصفٌ له ذاتي
والفقر نوعان:
افتقار إِلى ربوبيته، وهو شأن المخلوقات بأَسرها. وافتقار إِلى أُلوهيته، وهو حال أَنبيائه ورسله وعباده الصالحين؛ وهذا هو الفقر النافع، الذي يتكلم فيه العلماء، ويشيرون إِليه بالفقر الخاص، لا العام. وقد اختلفت عباراتهم فيه ووصفهم له؛ وكلٌّ أَخبر عنه بقدر ذوقه، وقدرته على التعبير.
إن الافتقار إلى الله الغني الحميد، يورث في القلب أعلى درجات الغنى بالله ـ عَزَّ وجَلَّ ـ، ودوام شهود فضله وأَوَّليته. وهذا الشهود، وذاك الغنى، هما أَتم من أي غنى، وفوق كل مشهود؛ لأَن العبد إِذا فتح الله قلبه، شهد أَوليته حيث كان، ولا شيء غيره، وهو الإِلَه الحق، الكامل في أَسمائه وصفاته، الغني عمّا سواه، الحميد المجيدُ بذاته، قبل أَن يخلق من يحمده ويعبده ويمجده. فهو معبود محمود، حيّ قيوم، له الملك، وله الحمد، في الأَزل والأَبد، لم يزل ولا يزال موصوفاً بصفات الجلال، منعوتاً بنعوت الكمال. وكل شيء سواه، فإِنما كان به. وهو تعالى بنفسه، وليس بغيره؛ فهو القيوم، الذي قيام كل شيء به، ولا حاجة به في قيوميته إِلى غيره، بوجه من الوجوه، وهذه هي بصيرة الحق، وحق البصيرة.
فإِذا شهد العبد أن الله تعالى هو الأول، الذي ليس قبله شيء، وتيقّن قلبه بذلك، استغنى بهذا المشهد العظيم، وتغذى به عن فاقاته وحاجاته. وإِنما كان هذا أعلى مراتب البصيرة. وشهد العبد، حينئذٍ، أَن كل شيء، ما سوى الله، باطل؛ وأَن الحق المبين، هو الله وحده.
وتتعلق البصيرة بمدلولات وقضايا مهمة، في الفكر الإسلامي؛ فهي ترتبط بمفهومي الجمال والجلال الإلهيَّين. كما ترتبط بالإحسان؛ لأنها من مراتبه، ومقتضياته. وللبصيرة ارتباط وثيق بالرضا؛ لأنه من أهم أسبابها، وهو انعكاس صادق لأثرها في النفس والكون. وأما التوبة، فهي من لوازم البصيرة ومقدماتها الأساسية.
ولذا، فمن أوثق المعاني المرتبطة بالبصيرة: الجلال، والجمال، والإحسان، والرضا، والتوبة؛ وذلك لترابطهما، وجوداً، واستمراراً، وتحقّقاً. علماً بأن ما يقرّب العبد إلى الله، يُعد عاملاً فعّالاً في كشف بصيرة المؤمن وزيادة شفافيتها. وكمثال، نستعرض بعضاً من هذه المدلولات، ونتعرّف على أثرها في بصيرة العبد.
1. الجلال
ورد لفظ "الجلال"، في القرآن الكريم، مرتَين: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ (الرحمن:27)، و تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن 78 ]ومعنى الجلال، في الآيتَين: الملك والعظمة والقوة والعزة. والجليل اسم من أسماء الله ـ تعالى ـ ومعناه: العظيم في ذاته وصفاته وأفعاله. والفرق بين الجليل والكبير والعظيم، في الأسماء الحسنى، أن اسم الكبير يرجع إلى كمال الذات، والجليل إلى كمال الصفات، والعظيم إلى كمال الذات والصفات معاً. وصفات التنزيه، ترجع إلى صفة الجلال. ويعنون بصفات التنزيه كلَّ صفة، تنفي عن الله ـ تعالى ـ معنى، لا يليق بذاته المقدسة، كوصفه بأنه ليس جسمًا، ولا عرضاً، ولا محتاجاً، ولا متحيزًا في جهة.
والجلال، في الاصطلاح، هو احتجاب الحق بحجاب العزة، عن معرفة حقيقة ذاته المقدسة؛ فلا يرى ذاته، ولا يعلمها على حقيقتها، إلا هو؛ وليس لمخلوق أدنى نصيب في معرفة "الجلال"، أو الكلام فيه. وعلوّ الله وعزته هما "الجلال"، الذي يتكلم فيه أصحاب البصائر. والله يتجلى بجمال جلاله على عباده، فيرونه ـ تعالى ـ في الجنة، مع تنزهه عن الجهة والتحيز وتوابعهما، كما هو مذهب أهل السُّنة.
2. الجمال
الجمال، لغةً: هو "الحُسن". واسم "الجميل"، في أصل اللغة، موضوع للصورة الحسية المدركة بالعين، أياً كان موضوع هذه الصورة، من إنسان أو حيوان أو نبات أو جماد. ثم اتُّسِع فيه، ليشمل المعاني التي تدرك بالبصائر، لا بالأبصار فقط؛ فيقال: سيرة حسنة جميلة، وخلق جميل. وقد وردت كلمة جمال، وصفاً للأنعام، في قوله ـ تعالى ـ: وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (النحل:6). كما وردت كلمة "الجميل"، في القرآن كذلك، وصفاً للصبر والصفح وتسريح الزوجة. ووُصف بها الله ـ تعالى ـ في حديث شريف، مفاده أن النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ: لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ. قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا، وَنَعْلُهُ حَسَنَةً. قَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ، يُحِبُّ الْجَمَالَ؛ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ (رواه مسلم:131). ومعنى "جميل"، في الحديث: المنزّه عن النقائص، والموصوف بصفات الكمال؛ أو ذو النور والبهجة... إلخ. ويرجع المتكلمون صفات المعاني لله ـ تعالى ـ كالعلم والقدرة وما إليهما، إلى صفة "الجمال".
والجمال، في الاصطلاح، هو الجمال الحقيقي، إنه الجمال الإلهي. وهو من صفات الله الأزلية، في أفعاله ومخلوقاته.
3. الإحسان
الإحسان، لغةً: فعْل ما هو حسَن، والمهارة فيه.
وهو، شرعـاً: "أن تعبد الله كأنك تراه؛ فإن لم تكن تراه، فإنه يراك". فهو فعل ما ينبغي أن يفعل من الخير، فضلاً ومحبة، من دون نقص أو انقطاع؛ لأنه عمل بالفضائل، قربةً إلى الله تعالى. وفي القرآن الكريم، وردت مادة "حسن" بجميع صيغها، ما يقرب من مائة وخمس وتسعين مرة؛ منها اثنتا عشرة مرة بلفظ "إحسان"، وهذا دليل على أهميته، في الإسلام. وأوضحت السُّنة النبوية، أن الإحسان كالروح، يجب أن يسري في كل أمور المسلم. قال النبي، الكريم: إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ... (رواه مسلم:3615).
والإحسان في العبادات، يكون باستكمال شروطها وأركانها، واستيفاء سننها وآدابها، مع استغراق المؤمن في شعور قوي، بأن الله ـ عز وجل ـ مراقبه، حتى لكأنه يراه.
والإحسان في المعاملات، يكون ببرّ الوالدين، من خلال طاعتهما، وإيصال الخير إليهما، وكفّ الأذى عنهما، والدعاء والاستغفار لهما، وإكرام صديقهما، وإنفاذ عهدهما. قال ـ تعالى ـ: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (النساء:36). ثم ذكرت الآية ثمانية أصناف أخرى، يجب لها الإحسان، وهي: وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ . وكذلك، ورد توجيه نبوي في الإحسان إلى الخادم أو العامل؛ وذلك بإعطائه أجره، قبل أن يجفّ عرقه؛ وبعدم تكليفه ما لا يطيق. فإن كان مقيماً بالبيت، فليأخذ حقه من الطعام والكساء؛ كما في حديث أبى هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن نبي الرحمة، قال: إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامٍ، فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ، فَلْيُنَاوِلْهُ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ أَوْ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْن (مسند أحمد:8939). والإحسان إلى الزوجة، كذلك، بعض ما أمر به الإسلام، من حسن معاملتها، وإيفائها كافة حقوقها، وحُسن عشرتها، والاحتكام إلى أهلهما إن اختلفا، وعدم الإضرار بها بوجه من الوجوه؛ كما ورد في غير آية من القرآن الكريم، وفي قول الصادق الأمين: أَلا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا؛ فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ (سنن الترمذي:1083). وقوله: خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ. وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي (سنن الترمذي:3830).
وهكذا يتنوع الإحسان، تبعاً لأحوال الآخرين؛ فهو رحمة وبِرّ بالأقربين وعطف عليهم. وهو صيانة لحقوق اليتامى، وتأديب لهم وتربية وعدم قهر. وهو إطعام للمساكين، وحث عليه وستر لعورتهم، وإبعاد الأذى والسوء عنهم. أما أبناء السبيل، فالإحسان إليهم بقضاء حاجتهم، وسدّ خلّتهم، وصيانة كرامتهم، وإرشادهم وهدايتهم. والإحسان على عامة الناس، يتمثل في التلطف في القول إليهم، واللِّين لهم، مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وردّ حقوقهم، وكفّ الأذى عنهم. والإحسان إلى الحيوان: بإطعامه إذا جاع، ومداواته إذا مرض، والرفق به.
ومن الإحسان، كثرة الجود، لا سيما في رمضان، اقتداء برسول الله، في ما رواه ابن عباس: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ. وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. إِنَّ جِبْرِيلَ ـ عَلَيْهِ السَّلام ـ كَانَ يَلْقَاهُ، فِي كُلِّ سَنَةٍ، فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ، فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ الْقُرْآنَ. فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ (صحيح مسلم:4268).
والإحسان في العمل، إنما يكون بإجادته، وإتقان صنعته، مع البعد عن التزوير والغش؛ وفاقاً للحديث النبوي: إن الله يحب، إذا عمل أحدكم عملاً، اًن يتقنه (رواه البيهقي)؛ والإتقان إحسان.

وللحديث بقية

المصدر:
العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط..[/align:622935df02]

غير مبريء الذمه نقل الموضوع أو مضمونه بدون ذكر المصدر: منتديات الشامل لعلوم الفلك والتنجيم - من قسم: علم النفس ومهارات التفوق البشري


...
....
صورة رمزية إفتراضية للعضو LLLL
LLLL
عضو
°°°
افتراضي
انار الله بصيرتك

صورة رمزية إفتراضية للعضو navigator
navigator
عضو
°°°
افتراضي
مشكور


مواقع النشر (المفضلة)
الآثار الرّوحانية للبصيرة وكرامات أهلها

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
الانتقال السريع
المواضيع المتشابهه
الموضوع
سرقة مخطوطات "داود" فتحت ملف الآثار اليهودية

الساعة الآن 11:23 PM.