المشاركات الجديدة
تواريخ وحوادث : لتكوين قاعدة بيانات بتواريخ الاحداث والمواليد

أخبار الزمان المؤلف: المسعودي

افتراضي أخبار الزمان المؤلف: المسعودي
الكتاب: أخبار الزمان
المؤلف: المسعودي
الجزء:
الوفاة: ٣٤٥
المجموعة: مصادر التاريخ
تحقيق: تصحيح وإشراف على الطبع : لجنة من الأساتذة
الطبعة: الثانية
١٩٦٦ م - سنة الطبع: ذي القعدة ١٣٨٥
المطبعة: مطابع دار الأندلس
الناشر: دار الأندلس للطباعة والنشر - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:
أخبار الزمان
ومن أباده
الحدثان، وعجائب البلدان والغامر بالماء والعمران
تصنيف المؤرخ الكبير أبى الحسن على عبد الحسين بن علي المسعودي
المتوفى سنة ٣٤٦ هجرية
الطبعة الثانية
أشرف على الطبع والتصحيح
لجنة من الأساتذة
مكتبة النجف الأشرف
الشياح - الفبيري - تأسست سنة ١٩٥١
دار الأندلس
للطباعة والنشر - بيروت
بيروت - لبنان
١٣٨٦ ه. ١٩٦٦ م
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة الناشر
انطلاقا بالرسالة التي أخذنا على عاتقنا تحقيقها منذ أول تأسيس
دار الأندلس، وهي الاسهام في إحياء التراث العربي القديم، والسعي في
إنعاش الحركة الثقافية عن طريق نشر الكتب المفيدة، وما لقيناه من تشجيع
وتقدير، في طبعتنا الجديدة لكتاب (مروج الذهب) للمسعودي...
نتقدم اليوم بمجهود يضيف إلى تلك السلسلة الطويلة حلقة جديدة،
وهو كتاب (أخبار الزمان) للمسعودي.
وسرور " دار الأندلس " هو أنها إذ تضع لبنة جديدة في صرح الثقافة
العربية الخالصة من طريق إحياء التراث القديم، وكل رجائها أن يكون
التوفيق حليفها في المستقبل،
والله من وراء القصد
حسين عاصي صاحب الأندلس للطباعة والنشر
بيروت - لبنان
(٥)
مقدمة الطبعة الأولى
بقلم عبد الله الصاوي
للمسعودي كتابان جليلان في التاريخ،، ظهر أولهما مروج الذهب في عدة
طبعات تداولها أكثر علماء هذا الجيل، فعرفوا من المسعودي عالما، جليلا،
فلكيا، حاسبا، منجما، جغرافيا، أخباريا، فقيها، محدثا، جدليا،
نظارا، ديانيا، مؤرخا، نسابة، فيلسوفا، أديبا، راوية.
وانه كان ملما بعدة لغات، وكان ذا حظ وافر من الثقافات التي انتهى
إليها علم الانسان، منذ بدأ الله الخلق إلى عصره.
وظهر ثانيهما، وهو التنبيه والاشراف في طبعة واحدة قبيل نهاية القرن
التاسع بسبع عشرة سنة في مطبعة بريل بمدينة ليدن بهولانده، ضمن المكتبة
الجغرافية، التي عني بنشرها البروفسور " دي جوجي ".
ويندر أن يعرف علماء العصر الحاضر عن هذا الكتاب شيئا، إذ لم
يصدر منه سوى هذه الطبعة الأوربية، وطبعات أوربا من الغلاء بحيث لا
يستطيع الرجل المتوسط الثراء أن يقتنيها.
وقد قمت بنشر هذا الكتاب وسيذاع بين يدي الجمهور بعد بضعة أيام،
ريثما أتمم طبع فهارسه المطولة.
وسوف يرفع هذا الكتاب من منزلة مؤلفة العلامة المسعودي، ويحله
الذروة بين الرجال النابهين، ذوي الثقافات الواسعة والمعلومات الكثيرة،
(٧)
وسيرى العلماء قدرة المسعودي الفائقة وبراعته وعلمه الغزير الذي بدا لهم في
ثنايا كتابه مروج الذهب، سيرون أنه قد عاد فظهر فيه بأوضح وأجلى مما
ظهر في صنوه المروج من قبل.
وكتاب " أخبار الزمان " هذا، ثالث كتاب يبرزه عالم الطبع من
مؤلفات ذلك الامام الكبير.
وقد يلاحظ من يقرأ كتاب مروج الذهب أو كتاب التنبيه والاشراف
أن المسعودي أكثر من الثناء عليه، وأحال عليه في مواضع كثيرة.
وأنه أوفى كتاب التاريخ، وأوسع المراجع العلمية الاسلامية التي وضعت
في أواسط العصر العباسي
ويظهر أن المسعودي ضمنه كل ثروته العلمية، إذ هو أول ما ألف من
كتب، ثم راعته ضخامة الكتاب، فعمد إلى اختصاره عدة مرات، ثم عمد
إلى تلك الثروة العلمية الهائلة فبعثرها في كتبه، وفرقها بين مصنفاته،
تفرقة عادلة، وقسمة مرضية، راعى فيها أن يكون في كل مؤلف منها ما
يحببه إلى القراء، ويرفع قدره ويسني منزلة بين العلماء.
فكثيرا ما يرى الباحث في كتب المسعودي أنه يعرض إلى إجمال بعض
الموضوعات الطريفة، والأحاديث الغريبة، في مختلف العلوم والفنون في
هذين الكتابين، يلم بالموضوع إلمامة سريعة، ثم يذكر أنه بسطه مفصلا،
وذكره بتمامه في كتاب " أخبار الزمان " فلا يزال الباحث يبحث عن ذلك
الكتاب ضمن ما طبع أو ما لم يطبع، وربما دعاه الشوق إلى البحث في
مكاتب أوربا، والمكاتب العامة الخاصة.
ثم لا تكون نتيجة هذا البحث إلا الخيبة والفشل، والتحسر الدائم على
ما فقد وضاع من تراث الآباء.
(٨)
ذلك كان موقفي عندما قرأت مروج الذهب للمسعودي لأول مرة،
ولطالما أمضيت الأيام في البحث، وأضنيت النفس في التنقيب عن كتبه،
ولا سيما عن كتاب أخبار الزمان الذي هام به العلماء، لا فراط المسعودي
في تقريظه، وإلماعه بما تضمنه من علوم وأبحاث مفيدة - اعتقدت أن في
العثور عليه إشباعا لرغباتي العلمية، بل ظننت أن سعادة العالم رهينة
بما قد ضمنه ذلك الكتاب من حلول لمسائل علمية معقدة، ومشكلات
لم يصل العلم إلى حلها، ولا سيما مسائله الفلسفية، وما وراء الطبيعة،
وأخباره الطريفة.
ولم أكن فريدا في الشعور بتلك الحالة، بل ذلك شأن كل من يقرأ كتب
المسعودي، أو يلم بها بعض الالمام.
ولقد حدثت أن مستشرقا استهواه علم المسعودي، وأسلوبه الجذاب،
وفتنته إحالاته العجيبة، فبحث أولا بنفسه، ثم لجأ إلى حكومته فأمدته
بالمال، فظل يبحث ويتابع البحث، حتى عثر على نسخة من كتاب " أخبار
الزمان " في مدينة شنقيط بصحراء إفريقية، فرام شراءها، وبذل فيها
ثمنا عاليا، فما سمحت أنفس الشناقطة ببيعها، ولا رضوا أن يستبدلوها
بالذهب الوفير.
فلما أعياه شراؤها عرض عليهم أن يصورها بالفتوغرافيا نظير مبلغ من
المال جسيم، فما أعاروا عرضه ذلك التفاتا، بل منعوه النظر إليها
والاستمتاع بها.
فرحل عنهم حقبة من الدهر، ولما استيقن أن القوم قد أنسوا شخصه،
وما كان قد جاء لأجله، عاد إليهم خائفا يترقب، وقد عزم استنساخها،
فاكترى رجلا منهم عهد إليه باستنساخها.
(٩)
لكنهم إذ فطنوا إلى الامر، لم يجدوا جزاءا لهذا المستشرق - الذي
أحب العلم، وضحى بوقته وراحته ولذاته في سبيله، واستمات في تحصيل
فكرة قد يصل نفعها إلى جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها - إلا
القتل، فذهب ضحية إحالات المسعودي، والبحث عن كتبه!
وهذا الذي فعله المستشرق بعض ما يجب نحو كتاب " أخبار الزمان،
لان المسعودي أفرط في تقريظه والثناء عليه، وقال إنه أوعى كتاب وأجمعه
في التاريخ.
ولندع المسعودي يحدثنا عنه قال " أما بعد فانا صنفنا كتابنا في أخبار
الزمان وقد قطعنا القول فيه على هيئة الأرض ومدنها، وعجائبها وبحارها
وأغوارها، وجبالها وأنهارها وبدائع معادنها، وأصناف مناهلها وأخبار
غياضها وجزائر البحار والبحيرات الصغار،
وأخبار الأبنية المعظمة والمساكن
المشرفة، وذكر شأن المبدأ وأصل النسل وتباين الأوطان، وما كان نهرا
فصار بحرا، وما كان بحرا فصار نهرا، وما كان برا فصار بحرا على مرور الأيام
وكرور الدهور، وعلة ذلك وسببه الفلكي، وانقسام الأقاليم بخواص
الكواكب ومعاطف الأوتاد ومقادير النواحي والآفاق، وتباين الناس في
التاريخ القديم، واختلافهم في بدئه وأوليته من الهند وأصناف الملحدين،
وما ورد في ذلك عن الشرعيين وما نطقت به الكتب وورد على الديانيين.
ثم أتبعنا ذلك بأخبار الملوك الغابرة والأمم الدائرة والقرون الخالية
والطوائف البائدة على ممر سيرهم وأوقاتهم، وتضيف أعصارهم من الملوك
والفراعنة العادية والأكاسرة واليونانية، وما ظهر من حكمهم ومقائل
فلاسفتهم وأخبار ملوكهم وأخبار العناصر إلى ما في تضاعيف ذلك من أخبار
الأنبياء إلى أن أفضى الله بكرامته وشرف برسالته محمدا نبيه صلى الله عليه وسلم.
(١٠)
فذكرنا مولده ومنشأه وبعثته وهجرته ومغازيه وسراياه إلى أوان وفاته
واتصال الخلافة واتساق المملكة بزمن زمن، ومقاتل من ظهر من الطالبين إلى
الوقت الذي شرعنا فيه في تصنيف كتابنا هذا من خلافة المتقي لله أمير
المؤمنين وهي سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة.
ثم أتبعناه بكتابنا الأوسط في الاخبار على التاريخ، وما اندرج في السنين
الماضية، ومن لدن البدء إلى الوقت الذي عنده انتهى كتابنا الأعظم وما تلاه
من الكتاب الأوسط، رأينا إيجاز ما بسطناه واختصار ما وسطناه، في كتاب
لطيف نودعه لمع ما في ذينك للكتابين، ضمناهما، وغير ذلك من أنواع العلوم
وأخبار الأمم الماضية والأعصار الخالية مما لم يتقدم ذكره فيهما ".
من هذه الالمامة الموجزة التي يذكرها المسعودي في صدر كتاب مروج
الذهب يمكننا أن نلم بشئ عن كتاب أخبار الزمان للمسعودي.
ولو قارناه بكتابنا هذا الذي يزعم أنه للمسعودي وجدنا مفارقة كبيرة
بين الكتابين، فالذي يصفه المسعودي، تأريخ عام مطول وهذا تاريخ خاص
عن أصل الخلق وغرائب الأرض والبحار والأنهار وعجائبها، ثم أخبار آدم
وبعض الأنبياء من بعده، وملوك مصر وفتوحاتهم، وفراعنتها وكهانها
وسحرتها وآثارها، فهذه مقارنة أولية تذلنا على أن كتاب أخبار الزمان
غير هذا.
وأيضا نحن نعلم أن صفحات مروج الذهب تبلغ خمسمائة وألف صفحة فلو
فرضنا أنه على النصف من أصله الكتاب الأوسط لكان أصله ثلاثة آلاف
صفحة، وسيكون كتاب أخبار الزمان إذا في ستة آلاف صفحة لان الكتاب
الأوسط مختصر منه.
فما مبلغ هذا الذي بين أيدينا، وعدد صفحاته مائتان وخمسون صفحة لا
غير، من هذا الذي تبلغ صفحاته ثلاثة آلاف على أقل تقدير.
(١١)
وسأورد أيضا بعض عبارات من مروج الذهب وإحالات فيه على كتاب
اخبار الزمان نتبين منها صحة ما نذهب إليه.
١) قال المسعودي " ولمن سمينا من ملوك الحيرة أخبار وسيرة وحروب
قد أتينا على ذكرها والغرر من مبسوطها في كتابنا أخبار الزمان... فأغنى
ذلك عن إعادته " ولو عدنا إلى كتابنا لنبحث عن ملوك الحيرة هؤلاء لم نر
شيئا عنهم في كتابنا هذا.
٢) قال المسعودي: والفرق بينه (أي الفيل) وبين سائر أنواع الدواب )
ما يظهر من الفيل من الجزع عند ورود المياه من الغدران والأنهار للشرب إذا
كان الماء صافيا، فإنه يثيره ويكدره ويمنع من شربه حين صفائه، وان ذلك
يوجد في أكثر الخيل إذا وردت الماء وكان صافيا ضربته بأيديها فكدرته، فتشرب
حينئذ.
وتوافق الخيل الفيلة في هذا المعنى، دون سائر الحيوانات، وإن ذلك
لمشاهدة صورها في الماء لصقالته وصفائه، ولعلمها بذلك عند زوال كدره.
وإن الإبل الأغلب منها يفعل ذلك، ولمعان غير ذلك مما وصفنا من أن
ما عظم من الحيوانات إذا رأى صورته منعكسة على صفاء الماء أعجبته لعظمها
وحسنها، وما بان له من حسن الهيئة عما دونه من أنواع الحيوان، وليس
يفعل ذلك من الحيوان غير ما ذكرنا من الخيل والإبل.
وإن الفيل مع عظم جسمه ولطافة نفسه وخفة روحه وحسن تمييزه
والمعرفة بوليه وعدوه من الناطقين وغيرهم، وقبوله الرياضة تمتنع أنثاه، كما
تمتنع النوق إذا لقحت.
وليس شئ من الدواب يمتنع من السفاد من الإناث عند حملها إلا الفيلة
والإبل، وهذا باب إن نحن تقصيناه وذكرنا ما فيه طال به الكتاب، وخرج
(١٢)
عن حد الاختصار والايجاز، وقد أتينا على وصف جميع ذلك في كتابنا
" أخبار الزمان ".
فإذا نحن نقبنا في صفحات هذا الكتاب لم نجد عن ذلك شيئا.
٣) قال المسعودي: ثم اختلفت الكلمة بين أجناسهم (اي الصقالبة) )
فزال نظامهم وتحزبت أجناسهم وملك كل جنس منهم ملكا على حسب ما
ذكرنا من ملوكهم لأمور يطول ذكرها وقد أتينا على جمل من شرحها، وكثير
من مبسوطها في كتابنا (أخبار الزمان).
ونحن لا نجد فيه ذكر أمور يطول أو يقصر، عن زوال ملك
الصقالبة وتدهوره وانفراط أمر ملوكهم وتبدد جماعتهم وتحزب عصبتهم في
هذا الكتاب الذي بين أيدينا.
٤) قال المسعودي: وأما الدلائل [على] أن السماء تدل على مثال الكرة )
وتدويرها بجميع ما فيه من الكواكب، وأن الأرض بجميع أجزائها من البر
والبحر على قدر مثال الكرة، وأن كرة الأرض مثبتة في وسط السماء كالكرة
وقدرها عند قدر السماء قدر النقطة في الدائرة صفرا، ووصف الربع المسكون
من الأرض، وما يعرض من دور الفلك، واختلاف الليل والنهار، ووصف
المواضع التي تطلع الشمس فيها شهورا لا تغرب، وتغرب شهورا لا تطلع.
فقد أتينا على وصف جميع ذلك وما اتضح عليه وما انتصب من البراهين
وما قاله الناس في ذلك في كتابنا المترجم بكتاب " أخبار الزمان ".
وهذا أيضا أنموذج رابع يوضح لنا بعض ما يتضمنه كتاب أخبار الزمان،
وحجتنا فيه اننا لا نجد من ذلك شيئا ابدا في هذا الكتاب الذي بين أيدينا.
ولو أننا تتبعنا عبارات المسعودي في كتابيه المروج والتنبيه لنتبين بها
(١٣)
بعض ما كان يحويه كتاب أخبار الزمان لوجدنا أمامنا من العبارات ما يضيق
به هذا المكان، لكن في هذا ما يكفي لذي اللب.
٥) وثمة دليل آخر وفرق يسير وهو إن لم يكن دقيقا إلا أننا نذكره )
من قبيل العرض والتدليل على أنه ليس كتاب أخبار الزمان الذي يذكره
المسعودي ذلك أن اسمه جاء هكذا:
(كتاب أخبار الزمان، ومن أباده الحدثان، وعجائب البلدان، والغامر
بالماء والعمران).
وجاء اسم ذلك في مروج الذهب هكذا:
كتاب أخبار الزمان، ومن أباده الحدثان من الأمم الماضية والأجيال
والممالك الدائرة.
وإذن فما نسب هذا الكتاب من كتاب أخبار الزمان، وما صلته
بالمسعودي؟
ذلك سؤال يخطر بعد ما أسلفناه من قول، والواقع أن نسبة هذا الكتاب
للمسعودي في غاية من القوة، ذلك أننا لو ذهبنا نقيس ما جاء فيه من أخبار
على ما جاء في كتب المسعودي المعتمد نسبتها إليه لوجدناه مطابقا لها في الجملة
ولا نكاد نرى فيه اختلافا، وبذلك نجزم بأنها آراء المسعودي ونقوله.
ولا يصح أن نذهب إلى أن الكتاب مختصر من كتابي المسعودي اللذين
عرفناهما، لان ما يورده فيه من اخبار يضعف بكثير جدا ما يذكره في
المروج أو التنبيه ويربي على ما فيهما.
وأنا بعد ذلك أذهب إلى أن هذا الكتاب إما أن يكون اختصارا لجانب
يسير من كتاب أخبار الزمان، ولولا أن الكتاب تام، وقد عملت له خاتمة
لقلت إنه قسم منه، وكذلك قال الذين رأوه وفهرسوا الكتب العربية الخطية
أمثال بروكلمان وجولدزيهر.
(١٤)
كما لا يمكنني أن أجزم بأن الذي اختصره غير المسعودي، وعلى أية حال
فقد وجدنا التسمية على صدر النسخة الخطية المحفوظة بباريس، والتي صورت
عنها النسخة التي في المكتبة الملكية.
كما وجدت التسمية على صدر النسخة الخطية المحفوظة بمكتبة تيمور باشا،
وفي كلتا النسختين يضاف الكتاب إلى المسعودي.
وأيا ما كان الكتاب للمسعودي أو غيره، فالكتاب فيه أشياء غربية
وأخبار طريفة تفيدنا كثيرا في معرفة التاريخ القديم بوجه عام والمصريين
بوجه خاص، ولو أن العلم الحديث يقفنا منها موقف الريبة والشك.
وسيجد القارئ فيه لذة لا تعدلها لذة، وسيمضي في قراءته دون كد
ولا ملل،، وسيعاود قراءته بعد ذلك مرات، وهو بلا ريب منته إلى إحدى
ثمرتين:
الأولى - أن الانسان فيما مضى وتصرم من الأجيال كان أقدر منه في هذه
الحياة العصرية، وأن السحر والكهانة لعبا دورا كبيرا في غابر الأحقاب،
وأن القدماء وصلوا في العلم بهما إلى غاية تتقاصر دونها أقصى الغايات.
الثمرة الثانية - أن قدماء المؤرخين كانوا ذوي خيال واسع، قصاصين بارعين
قادرين على أن يجسموا الخيال، ويلبسوه ثوبا من الحقيقة محكم النسج.
وسيقف القراء منه على أن ما بلغه المصريون من الصناعة وعمارة الأرض
والفنون والعلوم والحكمة والبصر بالكيمياء لم تبلغه أمة من الأمم، وسيجدون
فيه من العجائب التي أقامها المصريون بالهندسة أو السحر أعاجيب أدناها
الأهرام هذه التي أفنت العصور، ولم تبلها العصور.
وسيعلمون ان ليست هذه الأهرام وحدها التي أقامها القدماء آيات شاهدة
لهم بالقوة والأيد واتساق الملك الجبروت.
(١٥)
بل إن لقدماء المصريين آثارا أخرى جليلة أقاموها في مصر والإسكندرية
ومنف وأطرافها وفي غيرها من الممالك والبلدان.
ذلك ما سيقف عليه القارئ الكريم في هذا الكتاب، وفي هذا الكتاب
سيستطيع من يعنيه البحث عن الآثار أن يعلم بوجه التقريب مدافن ومخابئ
كثرا ملأها القدماء بالذهب والتحف وغرائب الجواهر والحلي، ففي هذا
الكتاب إشارات لتلك المواضع، وهذه الإشارات وإن لم تحددها تلك
المواضع بالدقة فهي تفيد عالم الآثار، ولا سيما إذا استعان عليها بالعلم.
ونحن بعد أن ننشر هذا الكتاب سنرقب عن كثب ما يظهره لنا علامة
مصر الأثري الفاضل الدكتور سليم حسن، ونود أن يسمعنا رأيه فيما جاء بهذا
الكتاب من آثار.
وفي الحق أن ما ذكر في هذا الكتاب يكاد لا يصدقه العقل، بل يكاد
ينفيه، ولكن معول الدكتور الفاضل وما كشفه في السنين الماضية من آثار،
وما يكشفه الآن، يجعلنا لا نرتاب أبدا في تقبل ما يحدثنا به المسعودي في
هذا الكتاب.
على أن المؤلف نفسه يروي ما جاء فيه بتحفظ شديد، بل يرويه على أنه
خبر يرتاب فيه العقل، ولكنا الآن أشد إيمانا بتصديق ما جاء فيه من
المسعودي نفسه، وذلك بفضل العلم الحديث، وما وصل إليه علماء الآثار،
ومعهد الآثار في الجامعة المصرية.
ولن يضير هذا الكتاب شيئا ما ورد فيه من ذكر السحر والكهانة، وأن
مصر كانت عامرة بالسحرة، فالقرآن الكريم يؤيد ذلك في كثير من سوره
وهو يذكر السحرة في غير موضع، فيذكرهم مع موسى وفرعون في مواضع
كثيرة، ويذكر هاروت وماروت وأنهما كانا يعلمان الناس السحر، ويذكر
(١٦)
السحرة مع ملك سليمان ويذكر للرسول صلى الله عليه وسلم كيف يتعوذ من النفاثات
في
العقد، وفي سيرة الرسول ما يفهمنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد سحر، وقد
وضع
الفقهاء عقوبة للساحر في الشريعة الاسلامية، ويروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم
أنه
قال: تعلموا السحر ولا تعملوا به، فهذه كلها دلائل ناطقة بحقيقة السحر
والكهانة وأنها أشياء كانت معروفة مشتهرة بين القدماء.
ونحن وإن كنا الآن لا نشاهد شيئا من آثار السحر، ولا من قوته،
فليس لنا أن ننكره، وبين يدينا كتب مؤلفة في السحر تعد بالمئين، فمحال
أن تكون هذه الكتب ألفت على غير أساس، وفي الحياة غرائب وأشياء
معقدة هي كالسحر، بل إن الحياة ومن فيها جميعا أشبه شئ بالسحر. ومن
الجائز أن يكون السحر علما ذهب بذهاب أهله، لأنهم كانوا به جد ضنين.
وقد أحصيت كتب المسعودي التي ذكرها في كتاب مروج الذهب وكتاب
التنبيه والاشراف وأحال عليها أثبتها فيما يلي:
١) كتاب أخبار الزمان، ومن أباده الحدثان من الأمم الماضية،
والأجيال الخالية، والممالك الدائرة وهذا وقسم منه.
٢) الكتاب الأوسط. )
٣) كتاب مروج الذهب، ومعادن الجوهر، في تحف الاشراف من )
الملوك وأهل الدرايات.
٤) كتاب فنون المعارف، وما جرى في الدهور السوالف. )
٥) كتاب ذخائر العلوم، وما كان في سالف الدهور. )
٦) كتاب نظم الجواهر، في تدبير الممالك والعساكر. )
(١٧)
٧) كتاب الاستذكار، لما جرى في سالف الاعصار. )
٨) كتاب التنبيه والاشراف. )
٩) كتاب نظم الاعلام، في أصول الاحكام. )
١٠ ) كتاب نظم الأدلة، في أصول الملة. )
١١ ) كتاب المسائل والعلل، في المذاهب والملل. )
١٢ ) كتاب خزائن الدين، وسر العالمين. )
١٣ ) كتاب المقالات، في أصول الديانات. )
١٤ ) كتاب سر الحياة. )
١٥ ) رسالة البيان في أسماء الأئمة. )
١٦ ) الاخبار المسعوديات. )
١٧ ) كتاب وصل المجالس. )
١٨ ) كتاب تقلب الدول، وتغيير الآراء والملل )
١٩ ) كتاب الإبانة، في أصول الديانة. )
٢٠ ) كتاب مقاتل فرسان العجم. )
٢١ ) كتاب الصفوة في الإمامة. )
٢٢ ) كتاب الاستبصار في الإمامة. )
٢٣ ) كتاب المبادئ التراكيب. )
٢٤ ) كتاب الرؤوس السبعة. )
٢٥ ) الزاهي. )
٢٦ ) كتاب الدعاوي. )
٢٧ ) كتاب الاسترجاع. )
٢٨ ) كتاب مزاهر الاخبار، وطرائف الآثار. )
٢٩ ) كتاب الرؤيا والكمال. )
(١٨)
٣٠ ) كتاب طب النفوس. )
٣١ ) كتاب حدائق الأذهان، في أخبار الرسول. )
٣٢ ) كتاب القضايا والتجارب. )
٣٣ ) كتاب الواجب في الفروض اللوازم. )
٣٤ ) كتاب الزلف. )
يظهر أن كتبه هذه كلها قد ضاعت ولم يقف العلماء على شئ
منها سوى:
١) مروج الذهب، وهو أوسع ما طبع من مؤلفاته. )
٢) هذا القسم من كتاب أخبار الزمان ومن أباده الحدثان. )
٣) كتاب التنبيه والاشراف، وقد قمت بطبعه على النسخة المطبوعة في ليدن. )
٤) الكتاب الأوسط، وفي مكتبة أكسفورد )
نسخة يظن أنها هو.
(١٩)
للمسعودي
٩٥٧ - ٣٤٥ أو ٣٤٦
من هو؟
هو أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي المعتزلي الشافعي،
من ذرية عبد الله بن مسعود الصحابي الجليل.
فأما منشؤه فان الثقات من المؤرخين يروون انه نشأ في بغداد، على أن
ابن النديم يروي أنه من أهل المغرب، فلعله شخص آخر، أو لعل بعض
أجداده نزحوا إلى المغرب.
وعلى أية حال فقد قضى زهرة شبابه في بغداد، ولكنه غادر إقليم
العراق وإرضاء لميوله وأذواقه، ورغبة منه في التجول، فخرج عن بغداد
سنة ٣٠١ ليقوم برحلة قيل إنها استمرت أعواما ثلاثة، وقد قضاها متنقلا
بين ربوع فارس وكرمان.
ثم بعد ذلك جاب بلاد الهند وصيمور، قطن أخيرا في مدينة بومباي
حتى سنة ٣٠٤ ، ومن المحتمل أن يكون قد أقام حينذاك في جزيرة
سيلان.
ومن ثم وصل إلى مدينة عمان، ويمكن أن نستنتج أنه ذهب إلى قناطر
ماليسية العجيبة العظيمة، وشارف الصين.
ومع أنه خاطر بتلك الرحلة وخصص لها نفسه ووقته، فإنه تعمق في
دراسات الحدود الاسلامية، واستعان على ذلك بالآيات العلمية، التي كانت
معروفة في حياته.
(٢٠)
وهو يحدثنا انه كان في سنة ٣١٤ في فلسطين وفي أنطاكية، وظل بعد
ذلك متنقلا بين العراق وسوريا ومصر على أن جل ما ورد عن
إقامته كان في مصر.
فهو يحدثنا بعد انه كان في سنة ٣٣٦ قد أتم تأليف كتابه مروج الذهب
. في فسطاط مصر، وكان قد بدأ تأليفه سنة ٣٣٢
ويذكر كذلك انه في سنة ٣٤٤ كان يشتغل بوضع النسخة الأولى من كتاب
التنبيه والاشراف في الفسطاط نفسه، ثم في سنة ٣٤٥ زاد فيها وأصلحها.
ويظهر مما ذكره من الكتب التاريخية في صدر كتابه، مروج الذهب،
والتنبيه والاشراف، ان المكتبة العربية التاريخية في عصره كانت غنية جدا،
عامر بالمؤلفات، فقد أورد فيهما عددا وفيرا من أسماء الكتب، وأسماء
المؤلفين.
والمؤرخون، يذكرون انه توفي سنة ٣٤٥ وبعض يقول في ٣٤٦ ، والخطب
يسير، لكنه يجل حين نذكر ان ذلك العالم المؤرخ الكبير الذي عاش معنيا
بالعلم وبالعالم، والعلماء وبالتاريخ والمؤرخين أهمله التاريخ، ولم يذكر المؤرخون
شيئا من نعوته، ولا من تاريخ طفولته أو حياته.
ولكن يكفينا عزاء بقاء اسمه حيا في بطون ما بقي من كتبه، تعمر به
قلوب العلماء وصدور الاجلاء، فرحمه الله رحمة واسعة.
وقد اعتمدت في طبع هذا الكتاب على النسخة المأخوذة من الأصل
الباريسي بالتصوير الشمسي والمحفوظة بدار الكتب الملكية تحت رقم ٨٧٩
تاريخ وقد رمزت إليها بإشارة (ب) أول كلمة باريس، وهي نسخة معتبرة
وخطها يقرأ بعسر ويذهب القارئ فيه مذاهب شتى لتشابه حروفه، وقد
حدث في أثناء التصوير ارتجاج أحدث فسادا في طبع بعض الصفحات وقد
لقينا مجهودا كبيرا في مراجعتها، والتهدي إلى صوابها.
(٢١

غير مبريء الذمه نقل الموضوع أو مضمونه بدون ذكر المصدر: منتديات الشامل لعلوم الفلك والتنجيم - من قسم: تواريخ وحوادث


...
....
صورة رمزية إفتراضية للعضو علي العذاري
علي العذاري
انتقل لرحمة الله
°°°
افتراضي
هناك أصل آخر في المكتبة التيمورية كثر فيه الحذف والبتر وكانت الورقة
الأولى منه قد ضاعت فأكملها أحد الناسخين فدل على سوء علمه ورأيه
وعدم أمانته
وهذه النسخة محفوظة تحت رقم ٦١٤ تاريخ وهي كثيرة الخطأ ولم أعتمد
عليها الا قليلا بل لقد تركت الاعتماد عليها عندما قاربت منتصف الكتاب
لكثرة ما فيها من الخلل والتحريف والنقص وقد رمزت على ما انتفعت به
منها بإشارة (ت) أول كلمة من تيمور.
وقد اعتمدت فيما جاء فيه من اخبار مصر وملوكها على تاريخ القرماني
المسمى بأخبار الدول وآثار الأول لأبي العباس أحمد بن يوسف بن أحمد الدمشقي
. الشهير بالقرماني وقد طبع في مدينة بغداد سنة ١٢٨٢
وقد لاحظت انه اطلع على نسخة من اخبار الزمان، لأنه يذكر حوادث
وأخبارا بنصوصها وعبارتها وألفاظها الا انه مختصر.
وقد أفاد هذا الكتاب كثيرا في تصحيح بعض الأسماء وكشف بعض ما
عميت قراءته ولا سيما تلك الصفحات التي حدث بها الارتجاج أثناء التصوير
الشمسي في باريس.
وقد رمزت إلى تاريخ القرماني بالإشارة (ق) أول حرف من كلمة قرماني،
هذا وان ألفت نظر حضرات الأدباء والعلماء إلى أن الفضل في اختيار هذا
الكتاب، والانفاق على طبعه لحضرة الفاضل السيد عبد الحميد أفندي حنفي
عامله الله بلطفه الخفي، وشكر له مسعاه وأبلغه أحسن ما يتمناه، وأنا أرجوا
ان أكون قد قمت ببعض ما يجب علي من تصحيح هذا الكتاب، وأسأل
الله ان يتداركني بلطفه، وان يوفقني إلى ما فيه الخير في الدنيا والآخرة،
وأن يلهمني السداد، انه على ما يشاء قدير.
عبد الله الصاوي
(٢٢)
بسم الله الرحمن الرحيم
وهو حسبنا ونعم الوكيل
" قال الشيخ أبو الحسن، علي بن الحسين بن علي بن عبد الله الهذلي
المسعودي رحمه الله ورضي عنه ".
نبتدئ بحمد الله وذكره وشكره، والثناء عليه والشكر له، والصلاة
على أنبيائه ورسله وملائكته، ونخص سيدنا ونبينا محمدا صلى الله عليه وسلم وعلى آله
وأزواجه وأصحابه، بأفضل صلواته، وأكمل تحياته، وأزكى بركاته.
ثم نذكر ما وقع إلينا من أسرار الطبائع، وأصناف الخلق، مما يكون
ذلك ( ١) مشاكلا لقصدنا، ونصل ذلك بذكر ما يجب ذكره من ملوك
--------------------
١) أول الكتاب في ت: مفقود، وقد انتحل الناسخ ديباجة أولها: الحمد لله الذي اختص )
نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بكتاب أخرس الفصحاء، وأعجز البلغاء عن مثل أقصر سورة
من سوره، بل آية آياته. وبجوامع الكلم، وبدائع الحكم. وأيد أقواله، وأشهر أفعاله،
وقصرت الألسن عن مدح نعت كماله، وقد سطع بدر وجوده، وفاض على الثقلين سح جوده،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلاة وسلاما
دائمين ما دام النيرين * وسلم تسليما، وبعد، لما رأيت فن التاريخ شريف * *، ولهج به كل ظريف،
قصدت تأليف هذا الكتاب جهدي، ليكون تذكرة من بعدي، فأقول كان ابتداؤنا به ابتداء
الموجودات والمحسوسات مشاكلا الخ...
*) الصواب النيرين. * *) الصواب شريفا، وهذا يدل على فرط جهل الناسخ المنتحل.
(٢٣)
( الأرض، وما عملوه من عجائب الأعمال، وشيدوه من عجائب البلدان ( ١
ووصفوه من الآلات المستطرفة والطلاسمات ( ٢) المستعملة، وما بنوا من
هياكلهم، وأودعوه نواويسهم، وزبروه على أحجارهم. على حسب ما نقل
إلينا من ذلك.
ونبدأ بما جاء من الآثار الشرعية، والملة الحنيفية، ثم نذكر ما روي
عن الحكماء الأول المتقدمين، وبالله أستعين، وهو حسبي ونعم الوكيل.
وقد سميت كتابي هذا بكتاب [تاريخ] (أخبار الزمان ومن ( ٣) أباده
الحدثان وعجائب البلدان والغامر ( ٤) بالماء والعمران) فأنا أقول:
" أما بعد " فان الله جل جلاله، وتقدست أسماؤه، خلق خلقه من غير
ضرورة كانت منه إلى خلقهم، وأنشأهم من غير حاجة كانت منه إلى إنشائهم.
بل خلقهم ليعبدوه، فيجود عليهم بنعمه ويحمدوه، فيزيدهم من فضله
فيشكروه ويمجدوه. كما قال عز وجل (وما خلقت الجن والإنس إلا
ليعبدون، ما أريد منهم من رزق وما أريد ان يطعمون، إن الله هو الرزاق
ذو القوة المتين) فلم يزده خلقه إياهم وإيجادهم مثقال ذرة، ولم ينقصه إفناؤهم
وإعدامهم وزن شعرة، لأنه سبحانه لا تغيره الأحوال، ولا يدخله الملال،
ولا تتقاضى سلطانه الأيام والليال. بل خصهم بأسماع وأبصار، وعقول
وأفكار. يصلون بها إلى الحق والباطل، فيعرفون بذلك المنافع والمضار.
وجعل لهم الأرض بساطا، ليسلكوا منها سبلا فجاجا، والسماء سقفا
محفوظا. أنزل منها الغيث المدرار، والأرزاق بمقدار، وأجرى لهم فيها قمر
الليل وشمس النهار. يتعاقبان لمصالحهم دائبين. وجعل لهم الليل سكنا،
--------------------
١) في ت: البنيان. )
٢) ت: الطلسمات. في كتبه، وفي ت: وما أباد. )
٣) في ب: وما أباده وهو خطأ عربية وغير موافق لما ينقله )
٤) ت: والناس. )
(٢٤)
والنهار معاشا. ومحا آية الليل، وجعل آية النهار مبصرة. ليصلوا ( ١) بذلك
العلم بأوقات فروضهم التي فرضها عليهم. من الصلاة والزكاة والصيام
والحج، وليعلموا عدد السنين والحساب، وحين تحل ديونهم، وتجب حقوقهم.
قال الله عز وجل وعلا: (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج)
وقال (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد
السنين والحساب، ما خلق الله ذلك إلا بالحق) إنعاما منه وطولا، وإحسانا
منه وفضلا.
روى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: " الدنيا جمعة
من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة فقد مضت ستة آلاف ومئون من السنين،
وليأتين عليها مئون ليس عليها موحد لله تعالى ".
وعن نافع عن ابن عمر، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنما
أجلكم
في آجال من خلا من الأمم، كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس ".
وعن أبي هريرة قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم " بعثت أنا والساعة كهاتين "
وأشار بالسبابة والوسطى.
وفي حديث سهل بن سعد الساعدي قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم " ما مثلي
ومثل الساعة إلا كفرسي رهان ".
وعن ابن عباس قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم " أول ما خلق الله القلم خلقه
من نور طوله خمسمائة عام، وخلق اللوح المحفوظ من درة بيضاء، حافاته
من ياقوت أحمر، عرضه ما بين السماء والأرض، خلقهما قبل أن يخلق الخلق
والسماوات والأرض. فقال للقلم اكتب، قال وما أكتب؟ قال اكتب علمي
--------------------
١) ت وب: ليصلون. )
(٢٥)
في خلقي إلى يوم القيامة، فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة، وما هو
في علم الله، ينظر الله تعالى في ذلك اللوح كل يوم ثلاثمائة نظرة وستين نظرة،
فيخلق ويرزق ويحيي ويميت، ويفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ".
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين كان ربنا قبل أن يخلق الخلق والسماوات
والأرض؟ قال " كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء، ثم خلق عرشه
على الماء ".
وسئل ابن عباس " على أي شئ كان الماء؟ قال: على متن الريح فلما أراد
الباري جل جلاله أن يخلق الخلق سلط الريح العقيم على الماء فطفت أمواجه
وارتفع زبده، وعلا دخانه، وصعد فوق الماء وسما عليه، فسماه الله سماء،
وجمد الزبد فصار أرضا فجعل الأرض على حوت، والحوت هو الذي ذكره
الله تعالى في كتابه فقال (ن والقلم وما يسطرون) والحوت في الماء والماء
على ظهر صفاة، والصفاة على متن الريح، فتزلزلت الأرض فأمر الأمواج
فأرست عليها جبالا جامدة، فاستقرت وثبتت فذلك قوله عز وجل
(وجعل فيها رواسي من فوقها)، (وجعلنا في الأرض رواسي أن
تميد
بكم).
قال ابن عباس: أتت اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه عن ابتداء الخلق فقال
(خلق
الله الأرض يوم الأحد ويوم الاثنين وخلق الجبال وما فيها من المنافع يوم الثلاثاء
وخلق الماء والشجر والمدائن والعمران يوم الأربعاء فذلك قوله جلت قدرته
(قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين إلى قوله سواء للسائلين)
وخلق يوم الخميس السماء والكواكب والنجوم والملائكة)
وخلق يوم الجمعة الجنة والنار، وآدم عليه السلام، قالوا: ثم ماذا يا محمد؟
قال: ثم استوى على العرش، قالوا: قد أصبت، لو أتممت وقلت ثم استراح.
(٢٦)
فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا فأنزل الله عليه (ولقد خلقنا
السماوات
والأرض وما بينهما في ستة أيام، وما مسنا من لغوب، فاصبر على ما يقولون
وفي رواية أسد بن موسى قال " أمر الله تبارك وتعالى السماء أن ترتفع
وتسموا، وأمر الأرض أن تنبسط وتنخفض فانبسطت، فدحاها من موضع
بيت الله الحرام ".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الدنيا موج مكفوف، ولولا ذلك لأحرقت
الشمس والقمر الأرض ومن عليها " وبين كل سماء والتي تليها خمسمائة عام،
وبين السماء السابعة والعرش مسيرة ألف عام. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "
هو
الأول فلا شئ قبله، والآخر فلا شئ بعده ".
وعن زرارة بن أبي أوفى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " قلت لجبريل هل رأيت
ربك قط؟ فانتفض، ثم قال يا محمد إن بيني وبينه سبعين ( ١) ألف حجاب
من نور، لو دنوت إلى واحد منها لاحترقت "
ولما أراد الله عز وجل أن يخلق آدم أمر جبريل أن ينزل إلى الأرض
ويقبض ( ٢) القبضة التي خلقه منها، فقالت له الأرض أعوذ بالله منك أن
تأخذ مني شيئا، فرجع إلى ربه، وقال يا رب تعوذت بك مني. فأرسل
إسرافيل، فقال مثل ذلك، فأرسل ملك الموت فتعوذت بالله منه، فقال
ملك الموت إن ربي أمرني وأنا أعوذ به أن أرجع إليه بغير ما أمرني به.
وروي بعض أهل الأثر أن أول ما أجرى الله الروح في آدم أجراه في
رأسه وعينيه قبل سائر جسده، فلما رأى ثمار الجنة أراد النهوض إليها قبل
أن تبلغ الروح إلى رجليه فلم يستطع، فذلك قوله عز وجل (وكان الانسان
--------------------
١) في ب وت: سبعون، والصواب ما ذكرناه )
٢) ت: فيقبض. )
(٢٧)
عجولا) فلما خلق الله آدم عجبت الملائكة منه فأمرهم بالسجود له كلهم،
فسجدوا طاعة لله تعالى إلا إبليس فإنه تكبر وامتلأ حسدا ومعصية، فغضب
الله عليه ولعنه، وكان ذلك سبب هبوطه إلى الأرض
وأما الحكماء المتقدمون ( ١) فإنهم يقولون: إن الله تعالى جمع الدراري في
الحمل فجعل الشمس ملكا، وصير عطارد كالكاتب، والمشتري كالقاضي
، والمريخ كالشرطي وكمن يحمل السلاح، والقمر كالخازن، والزهرة كالصاحبة،
وزحل كالشيخ المشاور، والجوزهر ( ٢) كالمقوم لأمر الفلك
وذكرت الأوائل أنه كان في الأرض ثمان وعشرون أمة مخلوقه روحانية
ذوات قوة وبطش، وصور مختلفات بحذاء الثمان ( ٣) والعشرين منزلة لكل
منزلة، أمة مفردة
ويزعمون أن الأمم الماضية، تعالى الله عن قولهم، إنما كان تدبيرها
للكواكب الثابتة وهي ألف كوكب وعشرون كواكبا، يقطع كل كوكب منها البرج في
ثلاثة آلاف سنه، وهي التي تعمل الأعمال كلها، وبها يكون
جميع الأمور
وقال بعض أهل الأثر: إن الله خلق الأفلاك من بخار وإنه لما صعد انعقد
وهي سبعة أفلاك، وفوقها البيت المعمور، وله ثلاثمائة وستون بابا، جعلت
درجا للفلك، وإن كل رحمة وبركة إنما تنزل من تلك الأبواب، مقسومة على
البروج والكواكب حتى تصير إلى الأرض.
وقالوا إن الله خلق هو ملء ( ٤) ملكه يسمي الروح، ومن فوقه الحجب
وذلك كله داخل في الكرسي. وهو قوله عز وجل (وسع كرسيه السماوات
--------------------
١) في الأصلين: المتقدمين، والصواب عربية ما ذكرناه. )
٢) كذا في ب، ت: وهذه التسمية يذكرها المسعودي في كتبه )
كالتنبيه والا شراف.
٣) في الأصلين: الثمانية. )
٤) في ب، ت: مليؤ وهو )
خطأ املائي.
(٢٨)
والأرض) والكرسي وما حوى داخل في العرش، والعرش وما حوى داخل
في علم الله، جلت عظمته.
وأعلا الدراري السبعة زحل ثم المشتري ثم المريخ ثم الشمس ثم الزهرة
ثم عطارد ثم القمر.
وزعم قوم من الحكماء الأوائل ان الكواكب ملائكة، وانه جعل لها من
تدبير العالم ما لم يجعل لغيرها، فلذلك عظموها وعبدوها.
وزعم قوم منهم ان الخلق العالية الذين هم الملائكة ( ١) اثنا عشر صنفا بحذاء
البروج الاثني عشر، وأنهم يتوارثون، جعل الله فيمن شاء منهم حولا وقوة
يقدر أحدهم أن يكون في صورة تملأ الأرض عظما، ويقدر أحدهم ان يكون
في صورة تدخل من خرق الإبرة لطفا، ويغوص في تخوم الأرض والبحار
والجبال، لا يمنعه من ذلك مانع، ومنهم من له من الأجنحة مثنى وثلاث
ورباع، كما قال الله عز وجل، يلتحقون أقطار الأرض كلمحة البصر ومنهم
مخلوق من النور، ومنهم زرق من نور النار، ومنهم شعاعيون، ومنهم ملائكة
الرحمة، ومنهم الحفظة والخزنة.
وهؤلاء مخلوقون من رطوبة الماء وهم حسان الوجوه سمر الألوان، ومنهم
مشغولون بعبادة الله لا يعرفون غيرها، وهم في صور لا تحصى.
وقال أصحاب الطبيعة: ان الأفلاك لما تم خلقها كانت كالأجسام ( ٢) لكواكبها
وكانت الكواكب كالأرواح لها.
وقال هرمس لما خلق الله عز وجل البروج قسم لها دوامها في سلطانه،
فجعل للحمل اثني عشر ألف سنة، وللثور أحد عشر ألف سنة، وللجوزاء
عشرة آلاف سنة، وللأسد ثمانية آلاف سنة، وللسنبلة سبعة آلاف سنة، وللميزان ستة
آلاف سنة، وللعقرب خمسة آلاف سنة، وللقوس أربعة آلاف
--------------------
١) في هامش، ت: عنوان (ذكر الملائكة) )
٢) في ب: الأجسام والتصحيح عن ت. )
(٢٩)
سنة، وللجدي ثلاثة آلاف سنة، وللدلو ألفي سنة، وللحوت ألف سنة
، فصار للدور ثمانية وسبعون ألف سنة، والباقي لسائر الكواكب.
ولم يكن في عدد الحمل والثور والجوزاء حيوان، وذلك ثلاثة وثلاثون
.( ألف سنة، ولا في الأرض عالم روحاني ( ١
فلما كان عالم السرطان تكونت دواب الماء وهوام الأرض، ولما استقام
الأسد في سلطانه تكونت ذوات الأربع من الدواب والبهائم.
فلما دخل سلطان السنبلة تكون الانسانان أدمانوس وحيوانوس، وكانت
الطيور في سلطان الميزان.
وأما مقادير الكواكب عندهم. فقالوا ان الشمس أكبر من الأرض بمائة
مرة وثلاث وستين ( ٢) مرة، وزحل أكبر من الأرض بإحدى وتسعين مرة
ونصف مرة، والمشتري بإحدى وثمانين مرة، والمريخ بثلاث ( ٣) وسبعين مرة والزهرة
بنيف وستين مرة وعطارد ( ٣) ثلاثين مرة وثلث مرة،
والقمر بسبع عشرة مرة ( ٤) وربع مرة وكانت الشمس كالملك والدراري
كما ذكرنا
ومن الفلاسفة من يقول إن الكواكب حية ناطقة حساسة. ومنهم من قال إن
( لها حاسة السمع والبصر واللمس، وليس لها حاسة الذوق والشم. لأنها ( ٥
مشتغلة عن ذلك. ومنهم من زعم أن الفلك حي مميز لجميع ما فيه، ذو
صورة فكذلك جميع ما فيه بهذه المنزلة.
--------------------
١) في ب وت: روحانيا. )
٢) فيهما: ثلاثة وستون، والصحيح ما أثبتناه. )
٣) فيهما: بثلاثة. في الموضعين. )
٤) فيهما: بسبعة عشر. )

صورة رمزية إفتراضية للعضو علي العذاري
علي العذاري
انتقل لرحمة الله
°°°
افتراضي
٥) ت: كأنها. )
(٣٠)
وقالوا إن ضياء القمر مأخوذ من ضوء الشمس، لأنهما إذا اجتمعا لم يكن
للقمر نور.
وقال قوم منهم العالم محدث إلا أنه لا يبيد لأنه حكمة وصنعة حكيم،
والحكيم لا يفسد صنعته.
ذكر عمر الدنيا
فأما ما ذكروه من توقيت الزمان ومدته إلى انقضائه، فإنهم قالوا فيه
أقوالا لا تسلم لهم، إنما تسمع وتذكر على ما يتعجب منه لاعلى جهة التصديق
به، نعوذ بالله. ففي كتاب السند هند الذي عمل منه المجسطي وغيره من
الزيجات أن دوران الشمس من أول سيرها من الحمل انما سيرها ينقضي على ما
حسبوه من الآلاف ألف ألف وأربعمائة ألف ألف وعشرون ألف دورة لكل
دورة سنة، والسنة ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم.
وقالوا إن أصل الدور أربعة آلاف ألف ألف وثلاثمائة ألف ألف
وعشرون ألف ألف عند كل بدء ألف سنة.
وأما أهل الأثر، فزعم قوم أن عمر الزمان إلى آدم عليه السلام سبعة
آلاف منه، ورواية محمد بن جرير الطبري على ما قدمناه ذكره أن من آدم
إلى انقضاء الخلق سبعة آلاف
وذكر طلوع الشمس من مغربها قبل انقضاء العالم.
وقال قوم: إذا بلغ القلب خمس عشرة درجة ( ١) من الأسد كان طوفان
نار يحرق العالم بأسره فلا يبقى على وجه الأرض حيوان ولا في البحار،
--------------------
١) في ب وت: خمسة عشر. )
(٣١)
وتبقى الأرض خرابا من العالم، ثم يستأنف الله عز وجل ما أراد في الخلق.
وكان أرسطا طاليس يرى أن الزمان لا يبيد، ولا ينفد. وأن الطبيعة
قديمة، وأنه لا أول لها ولا آخر، تعالى الله جل جلاله.
ذكر الأمم المخلوقات قبل آدم عليه السلام
يقال إنه كانت الجملة ثمانيا وعشرين أمة بإزاء المنازل العالية التي يحلها
لقمر، لأنه المستولي عندهم لتدبير العالم الأرضي بإذن الله تعالى جل ذكره
خلقت من أمزجة مختلفة أصلها الماء والهواء والنار والأرض، فهي متباينة
الخلق
ومنها أمة طوال خفاف زرق ذات أجنحة كلامهم فرقعة، ومنها أمة
أبدانهم كأبدان الأسد ورؤسهم رؤس الطير لها شعور وأذناب طوال
كلامهم دوي، ومنها أمة لها وجهان قدامها وخلفها و أرجل كثيرة وكلامهم
كلام الطير. ومنها الجن. ومنها صفة الجن، وهي أمة في صور الكلاب لها
أذناب وكلامها همهمة لا يفهم. ومنها أمة تشبه بني آدم أفواههم في صدورهم
يصفرون تصفيرا. ومنها أمة في خلق الحيات الطوال لها أجنحة وأرجل
وأذناب. ومنها أمة يشبهون نصف شق الانسان لهم عين واحدة ويد واحدة
ورجل واحدة يقفزون تقفيزا، وكلامهم مثل كلام الغرانيق. ومنها أمة لها
وجوه كوجوه الناس وأصلاب كأصلاب السلاحف، وفي أيديهم مخالب
وفي رؤوسهم قرون طوال، كلامهم كعوي الذئاب. ومنها أمة لكل
واحد منهم رأسان ووجهان كوجوه الأسد طوال لا يفهم كلامهم، ومنها
أمة مدورة الوجوه لها شعور بيض وأذناب كأذناب البقر يزرقون الناس من
أفواههم. ومنها أمة في خلق النساء لهم شعور وثدي ليس فيهم ذكر،
(٣٢)
تلقح من الريح وتلد أمثالها، ولها أصوات مطربة يجتمع إليها كثير من هذه
الأمم لحسن أصواتها. ومنها أمة في خلق الهوام والحشرات إلا أنها عظيمة
الأجسام تأكل وتشرب مثل الانعام. ومنها أمة تشبه دواب البحر لها
أنياب كالخنازير بارزة وآذان طوال.
وبقية الثمان والعشرين ( ١) أمة على خلق لا يشبه بعضها بعضا الا إنها وحشية
المنظر، ويقال ان هذه الأمم تناتجت فصارت مائة وعشرين أمة
ذكر الجن وأجناسهم وقبائلهم
وسئل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، هل كان في
الأرض خلق من خلق الله تعالى قبل آدم يعبدون الله تعالى؟ فقال: نعم
خلق الله تعالى الأرض، وخلق فيها أمما من الجن يسبحونه ويقدسونه لا
يفترون، وكانوا يطيرون إلى السماء، ويلقون الملائكة، ويسلمون عليهم
ويتعلمون منهم الخير، ويعلمون منهم بخبر ما يجري في السماء، ثم إن طائفة
من الجن تمردوا وعتوا عن أمر الله عز وجل، وبغوا في الأرض بغير الحق،
وعلا بعضهم على بعض، حتى سفكوا الدماء، وأظهروا الفساد، وجحدوا
الربوبية. وأقام الآخرون المطيعون على دينهم وعبادتهم وباينوا الذين عتوا
عن أمر الله، وكان يصعد إلى السماوات عنها للطاعة، وخلق الملائكة كما
قدمناه ذكره روحانيين ذوي ( ٢) أجنحة يطيرون بها حيث صيرهم الله تعالى،
وأسكنهم ما بين أطباق السماوات يسبحونه ويقدسونه لا يفترون، حتى
اصطفى الله تعالى منهم الملائكة فكان أقربهم منه إسرافيل، ثم ميكائيل ثم
جبرائيل صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين
--------------------
١) في ب، وت: الثمانية وعشرين. )
٢) فيهما ذو. )
(٣٣)
فصل
وأما الجن فذكرت الهند والفرس واليونان ولادات الجن وقبائلهم وأسماء
ملوكهم، وزعموا أنهم مفترقون على إحدى ( ١) وعشرين قبيلة، وبعد خمسة
آلاف سنة ملكوا عليهم ملكا منهم، يقال له الملك شمائيل بن أرس جن،
ثم افترقوا، فملكوا عليهم خمسة ( ٢) ملوك فأقاموا بذلك دهرا طويلا، ثم
أغار بعض الجن على بعض، وكانت بينهم وقائع كثيرة وحروب شديدة،
وكان إبليس منهم، وله أسماء كثيرة باختلاف اللغات غير أن اسمه بالعربية
الحارث. ويكنى أبا مرة. عظيم الخلق مطيقا ( ٣) وكان يصعد إلى السماء
ويقف في صفوف الملائكة، ويجتهد في العبادة، فلما بغي بعض على بعض،
وكانت تلك الحروب بينهم اهبط إلى الأرض في جند من الملائكة فهزمهم
وقتلهم، وجعل ملكا على الأرض فتجبر وطغا، وكان امتناعه من السجود
لآدم عليه السلام. كما أنبأنا الله عز وجل في كتابه، فاهبط في أقبح صورة
وأشدها ( ٤) تشويها فأنكره جميع قبائل الجن واستوحشوا منه. فلما رأى ذلك سكن
البحر، وجعل له عرشا على الماء. ثم جعل له ولادة كما جعلت
لآدم عليه السلام. فألقيت عليه شهوة السفاد ( ٥) وجعل لقاحة كلقاح الطير
وبيضه كبيضه.
وذكر بعض العلماء صنوف الجن فزعم * أن الشياطين خمس ( ٦) وثلاثون قبيلة
وأن الذين يطيرون في الجو خمس عشرة قبيلة ( ٧) وان الذين مع لهب النار عشر
--------------------
١) في الأصلين أحد. )
٢) فيهما: خمس ملوك. )
* - ما بين هاتين العلامتين في هذه الصفحة والتي تليها
٣) في ت: مطيعا. مبتور في ت. )
٤) فيهما: وأشرها. )
٥) ت: الفساد. )
٦) فيهما: خمسة وثلاثون. )
٧) في ب: خمسة عشر، وهو خطأ عربية. )
(٣٤)
قبائل وأن مسترقي السمع ثلاثون قبيلة، ولهذا القبائل كلها ملوك من كل قبيلة
لدفع شرهم.
وحكي أن صنفا من السعالي يتصورون ( ١) في صور النساء الحسان ويتزوجن
برجال الانس كما حكي عن رجل يقال سعد بن جبير، أنه تزوج امرأة منهن
وهو لا يعلم ما هي: فأقامت عنده وولدت عنده أولادا وكانت معه ليلة على
سطح يشرف على الجبانة، إذا بصوت في أقصى الجبانة نساء يتألمن فطربت
وقالت لبعلها أما ترى نيران السعالي شأنك وببنيك استوص بهم خيرا فطارت
فلم تعد إليه
ومنهم من تظفر ( ٢) بالرجال الخالي في الصحراء أو الخراب، فتأخذه بيده
فترقصه حتى يتحير ويسقط فتمص دمه
ومنهم صنف لا تفارق صور الحياة وربما قتلها الرجل فهلك يحكى ان
فتى من الأنصار قريب عهد بعرس استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تقدمه
يوم
الخندق وأن يلم بأهله فأذن له فلما انتهى إلى منزله وجد امرأته قائمة بالباب
فأدركته غيرة وأهوى إليها برمحه، فقالت له لا تعجل وادخل حتى تنظر
ما على فراشك فدخل فرأى على فراشه حية عظيمة، فطعنها برمحه فقتلها،
فمات هو من ساعته.
وتذكر العرب عن عبيد بن ( ٣) الأبرص الأسدي أنه خرج في سفر له يريد
الشام مع نفر، فلما صار ببعض الطريق إذ هو بشجاع يلهث عطشا وخلفه
حية سوداء تطرده، فنزل ( ٤) * فقتل الحية السوداء وحل إدواته ونضح على
--------------------
١) ب: يتصورون )
٢) ب: يظفر. )
٣) ب، ت: عبيد الأبرص. )
٤) ت: ثم نزل. )
(٣٥)
الشجاع من الماء فشرب وأنساب حتى دخل جحره، ومضى عبيد حتى
قضى حوائجه بالشام.
فلما انصرف أغفى وهو في مفازة فلما انتبه وجد قلوصه قد ضل، وهو
على غير الطريق فأقام مكانه فلما جنه الليل إذا بهاتف يقول:
يا صاحب البكر البعيد مذهبه * * ما عنده من ذي رشاد يصحبه
دونك هذا البكر منا تركبه * * حتى إذا الليل تولى غيهبه
( واقبل الصبح ولاح كوكبه * * فبعد حط رحله تستلبه ( ١
فلما سمع عبيد ذلك من الهاتف التفت، فإذا عنده بكر كأحسن ما يكون
فركبه فسار به بقية ليلته فأصبح في منزله، وكان بينه وبين منزله إحدى
وعشرون مرحلة فنزل عنها وأنشأ يقول:
يا صاحب البكر قد أنجيت من عطب * * ومن حمام يضل المدلج الهادي
ارجع حميدا فقد أوليتنا مننا * * جوزيت من رائح بالخير أو غادي
فأجابه البكر:
( أنا الشجاع الذي ألفيتني رمضا ( ٢
( في مهمه نازح عن أهله صادي ( ٣
( فجدت بالماء لما ضن حامله ( ٤) * * رويت منه ولم تلمم بأنكاد ( ٥
الخير يبقى وإن طال الزمان به * * والشر أخبث ما أوعيت من زاد
ثم قال إن الأسود الذي رأيته يطردني عبد من عبيدي أراد قتلي فكفيتني
شره، وأرويتني من ظمئي ولن يضيع الخير واستخلف الله عليك.
وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: أكثر الحيوان الداجن صفة الجن،
وان الكلاب من الجن، فإذا رأوكم تأكلون فألقوا إليهم من طعامكم، فان
--------------------
١) ت: فحط عنه رحله وسيبه )
٢) ب: ومضا. )
٣) ب: ماد. )
٤) ب: ظن جاهله. )
٥) ب: أرويت هامي ولم تهمم بانكاد. وفي ب أوتيت منه. )
(٣٦)
لهم أنفسا - يعني يأخذون بالعين.
والعرب تذكر راكبا على جمل ( ١) في قدر الشاة وفد عليهم بسوق عكاظ
[نادى] ألا من يهبني ثمانين بكرة هجانا وأدما، فلم يجبه أحد. فلما رأى
ذلك ضرب جمله ( ٢) وطار به بين السماء والأرض كالبرق، فعجبوا منه
فحدثهم رجل قال: لقيت رجلا في بعض المفاوز راكبا على نعامة وعيناه
مشقوقتان بطول وجهه، فأخذتني منه روعة ثم استوقفته فقلت له: أتروي
شيئا من الشعر؟ قال: نعم وأقرضه، وأنشدني:
أتاركة تحيتها ( ٣) قطام وضنا ( ٤) بالتحية والسلام
حتى أتى على آخرها فقلت له: هيهات سبقك إليها أخو بني ذبيان،
فقال: أنا والله يا أخي، نطقت بها على لسانه بسوق عكاظ، وكنت قلتها
قبل ذلك بأربعمائة عام.
( ويقال إن الله تعالى خلق ألفا وعشرين أمة حذاء الكواكب الثابتة ( ٥
منها في البحر ستمائة أمة، ومنها في البر أربعمائة أمة وعشرين أمة أحسنها
الانسان وأتمها وأحبها إلى الباري سبحانه وتعالى وأفضلها، فإنه خلق على
صورة إسرافيل عليه السلام وهو أقرب الملائكة إلى الله تعالى.
وفي التوراة خلق الله تعالى آدم على صورته، تعالى الله عن ذلك علوا
كبيرا، وفي الحديث " لا تضربوا الوجوه فإنها على صورة إسرافيل عليه السلام "
وفي الحديث " تلجوا بالنظر إلى وجوه المرد فان فيها لمحات من الحور العين ".
ويقال أن في الانسان من كل الخلق، فلذلك سخر له جميع الحيوان
وسلط عليها فاقتنصها وذللها وسخر أكثرها، وجمع له المأكول من النبات
--------------------
١) ب: حمل )
٢) في ب وت: جمله. )
٣) في ت: تدللها. )
٤) ت: وظنا )
٥) ت: اليابانية. )
(٣٧)
والحيوان [البهيمي والوحشي وغيره] ( ١)، وله خلقت اللذات جميعا، وعمل
بهذه جميع الأعمال.
وله المنطق والضحك، والفكر الفطنة، واختراعات الأشياء، وله
خاطب الباري عز وجل، وعليه وقع الأمر والنهي
والانسان هو الذي استنبط الأشياء وجمع العلوم، وعمل الآلات، وأثار
المعادن، وأخرج ما في قعور البحار، وسخر له كل شئ.
ومن العجائب خلق النسناس وهو كمثل نصف الانسان بيد واحدة
ورجل واحدة، ويثب وثبا ويعدو عدوا شديدا، وكان ببلاد اليمن، وربما
كان ببلاد العجم، والعرب تصيده وتأكله. وفي بعض أخبارهم أن سيارة
وقعوا في أرض كثيرة النسانس، فصادوا واحدا وذبحوه وطبخوه وكان
سمينا، فلما جلسوا يأكلونه قال أحدهم: لقد كان هذا النسناس سمينا،
فقال نسناس آخر، قد اختفى في شجرة بالقرب منهم: إنه كان يأكل
السرو فلذلك سمن، فنبههم على نفسه فأخذوه وذبحوه. فقال آخر من شجرة
أخرى، قد اختفى فيها عنهم: لو كان عاقلا صمت ولم ينطق، فأخذوه
وذبحوه. فناداهم نسناس آخر تخبأ في بعض خروق الأرض: اني قد
أحسنت فلم أتكلم فأخذوه وذبحوه، وكان لهم فيها قوت. وقيل إنه يغتذي
بالثمار والنبات، ويصبر على العطش.
وقيل إن في شرقي القلزم مما يلي في البحر أمة متولدة من صنف من السباع
وبني آدم، وجوهها عراض كثيرة الشعر مثل وجوه السباع، وعيونها مدورة
بصاصة، وأنيابها بارزة طوال، وآذانها طوال، وأبدانها كأبدان الناس إلا
--------------------
١) عن ت. )
(٣٨)
أن لهم أظفارا كبارا، معقفة محدودة، وليس وراءهم غيرهم. وطعامهم
دواب البحر.
ومما يشبه خلق الانسان أمة يقال لها الواق واق، وهي حمل شجر
عظام لشعورها، ولها أيدي وفروج مثل فروج النساء وألوان، ولا يزلن
يصحن واق واق، فان قطعت إحداهن سقطت ميتة لا تنطق.
وفي كتاب الخزانة انه من جاوز أولئك وقع إلى ما هو أعظم منهن
وأحسن أعجازا وفروجا ووجوها، فإن قطعت أقامت يوما وبعض آخر،
وربما جامعها من يقطعها، وهي تشبه النساء، وأطيب رائحة، وألذ مباضعة،
وهذه الأرض أطيب رائحة من الكافور وليس بها إنس.
وإنما يحكي ذلك عنها أهل المراكب إذا سقطوا إليها، ومنها خلق بحرية
على شبه النساء يقال لها بنات الماء، في صورة النساء الحسان، ذوات الشعور
السبط، لها فروج عظام وثدي، كلامهم لا يكاد يفهم، ولهم قهقهة.
وحكى بعض البحريين ان الريح ألقتهم إلى جزيرة فيها شجر، وأنهار
عذبة، وانهم كانوا يسمعون ضوضاة وضحكا، فكمنوا لهن وأخذوا منهن
امرأتين فأوثقوهما.
وأقامتا مع اللذين أخذاهما يقعان عليهما في كل وقت ويجدان لهما لذة عجيبة،
وأن إحداهما وثق بصاحبته فأرسلها من وثاقها فهربت إلى البحر ولم يرها بعد
ذلك، وبقيت الأخرى، فلما حصلت في المركب رحمها صاحبها فحل وثاقها
فحملت منه وولدت له ولدا ذكرا وانهم ركبوا في البحر فلما حصلت في
المركب وقد انها لا تزول عن ابنها فتغفلته ووثبت في البحر، فلما كان بعد
ذلك بيوم، ظهرت له وألقت إليه صدفا فيها در نفيس.
قال المسعودي رحمة الله: وقد ذكرنا طرفا من أخبار الروحانية، على ما
(٣٩)
نقل إلينا والله أعلم بخلقه ومن أشياء كثيرة على طريق التعجب لا من طريق
التصديق، فمن قرأ كتابنا هذا فليعلم العذر فيما أوردناه، وبالله التوفيق
والتسديد والمعونة والتأييد.
ذكر
الأرض وما فيها
روى ابن عبد الحكم قال: خلقت الأرض على صورة الطائر رأسه وصدره
وجناحاه رجلاه وذنبه.
فالرأس مكة والمدينة واليمن، والصدر الشأم ومصر، والجناح الأيمن
والعراق إلى الواق والوقواق وأمم السند والهند، والجناح الأيسر ناسك ومنسك
ويأجوج ومأجوج، وأمم كثيرة والذنب من ذات الحمام ( ١) إلى مغرب الشمس
والبحر الأسود.
وفي الحديث " ان الله عز وجل خلق مدينتين واحدة في المشرق واسمها
جابلقا، وأخرى في المغرب واسمها جابرضا، طول كل مدينة عشرة آلاف
فرسخ، لكل مدينة منها عشرة آلاف باب، بين كل بابين فرسخ، للباب كل ليلة
عشرة آلاف رجل لا تلحقهم النوبة إلى يوم القيامة، وانهم يعمرون سبعة
آلاف سنة الا ما دونها ويأكلون ويشربون ويتناكحون، وفيهم حكم كثيرة،
ولهم خلق عظام تامة، وان هاتين المدينتين خارجتين من هذا العالم لا يرون
شمسا ولا قمرا، ولا يعرفون آدم ولا إبليس، يعبدون الله تعالى ويوحدونه
وان لهم نورا يسعون ( ٢) فيه من نور العرش من غير شمس ولا قمر ".
--------------------
١) هكذا في ب وت، غير أن الرسم يحتمل في ب ان تكون ذلك الحرام. )
٢) في الأصلين نور. )
(٤٠

صورة رمزية إفتراضية للعضو علي العذاري
علي العذاري
انتقل لرحمة الله
°°°
افتراضي
٥) ت: كأنها. )
(٣٠)
وقالوا إن ضياء القمر مأخوذ من ضوء الشمس، لأنهما إذا اجتمعا لم يكن
للقمر نور.
وقال قوم منهم العالم محدث إلا أنه لا يبيد لأنه حكمة وصنعة حكيم،
والحكيم لا يفسد صنعته.
ذكر عمر الدنيا
فأما ما ذكروه من توقيت الزمان ومدته إلى انقضائه، فإنهم قالوا فيه
أقوالا لا تسلم لهم، إنما تسمع وتذكر على ما يتعجب منه لاعلى جهة التصديق
به، نعوذ بالله. ففي كتاب السند هند الذي عمل منه المجسطي وغيره من
الزيجات أن دوران الشمس من أول سيرها من الحمل انما سيرها ينقضي على ما
حسبوه من الآلاف ألف ألف وأربعمائة ألف ألف وعشرون ألف دورة لكل
دورة سنة، والسنة ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم.
وقالوا إن أصل الدور أربعة آلاف ألف ألف وثلاثمائة ألف ألف
وعشرون ألف ألف عند كل بدء ألف سنة.
وأما أهل الأثر، فزعم قوم أن عمر الزمان إلى آدم عليه السلام سبعة
آلاف منه، ورواية محمد بن جرير الطبري على ما قدمناه ذكره أن من آدم
إلى انقضاء الخلق سبعة آلاف
وذكر طلوع الشمس من مغربها قبل انقضاء العالم.
وقال قوم: إذا بلغ القلب خمس عشرة درجة ( ١) من الأسد كان طوفان
نار يحرق العالم بأسره فلا يبقى على وجه الأرض حيوان ولا في البحار،
--------------------
١) في ب وت: خمسة عشر. )
(٣١)
وتبقى الأرض خرابا من العالم، ثم يستأنف الله عز وجل ما أراد في الخلق.
وكان أرسطا طاليس يرى أن الزمان لا يبيد، ولا ينفد. وأن الطبيعة
قديمة، وأنه لا أول لها ولا آخر، تعالى الله جل جلاله.
ذكر الأمم المخلوقات قبل آدم عليه السلام
يقال إنه كانت الجملة ثمانيا وعشرين أمة بإزاء المنازل العالية التي يحلها
لقمر، لأنه المستولي عندهم لتدبير العالم الأرضي بإذن الله تعالى جل ذكره
خلقت من أمزجة مختلفة أصلها الماء والهواء والنار والأرض، فهي متباينة
الخلق
ومنها أمة طوال خفاف زرق ذات أجنحة كلامهم فرقعة، ومنها أمة
أبدانهم كأبدان الأسد ورؤسهم رؤس الطير لها شعور وأذناب طوال
كلامهم دوي، ومنها أمة لها وجهان قدامها وخلفها و أرجل كثيرة وكلامهم
كلام الطير. ومنها الجن. ومنها صفة الجن، وهي أمة في صور الكلاب لها
أذناب وكلامها همهمة لا يفهم. ومنها أمة تشبه بني آدم أفواههم في صدورهم
يصفرون تصفيرا. ومنها أمة في خلق الحيات الطوال لها أجنحة وأرجل
وأذناب. ومنها أمة يشبهون نصف شق الانسان لهم عين واحدة ويد واحدة
ورجل واحدة يقفزون تقفيزا، وكلامهم مثل كلام الغرانيق. ومنها أمة لها
وجوه كوجوه الناس وأصلاب كأصلاب السلاحف، وفي أيديهم مخالب
وفي رؤوسهم قرون طوال، كلامهم كعوي الذئاب. ومنها أمة لكل
واحد منهم رأسان ووجهان كوجوه الأسد طوال لا يفهم كلامهم، ومنها
أمة مدورة الوجوه لها شعور بيض وأذناب كأذناب البقر يزرقون الناس من
أفواههم. ومنها أمة في خلق النساء لهم شعور وثدي ليس فيهم ذكر،
(٣٢)
تلقح من الريح وتلد أمثالها، ولها أصوات مطربة يجتمع إليها كثير من هذه
الأمم لحسن أصواتها. ومنها أمة في خلق الهوام والحشرات إلا أنها عظيمة
الأجسام تأكل وتشرب مثل الانعام. ومنها أمة تشبه دواب البحر لها
أنياب كالخنازير بارزة وآذان طوال.
وبقية الثمان والعشرين ( ١) أمة على خلق لا يشبه بعضها بعضا الا إنها وحشية
المنظر، ويقال ان هذه الأمم تناتجت فصارت مائة وعشرين أمة
ذكر الجن وأجناسهم وقبائلهم
وسئل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، هل كان في
الأرض خلق من خلق الله تعالى قبل آدم يعبدون الله تعالى؟ فقال: نعم
خلق الله تعالى الأرض، وخلق فيها أمما من الجن يسبحونه ويقدسونه لا
يفترون، وكانوا يطيرون إلى السماء، ويلقون الملائكة، ويسلمون عليهم
ويتعلمون منهم الخير، ويعلمون منهم بخبر ما يجري في السماء، ثم إن طائفة
من الجن تمردوا وعتوا عن أمر الله عز وجل، وبغوا في الأرض بغير الحق،
وعلا بعضهم على بعض، حتى سفكوا الدماء، وأظهروا الفساد، وجحدوا
الربوبية. وأقام الآخرون المطيعون على دينهم وعبادتهم وباينوا الذين عتوا
عن أمر الله، وكان يصعد إلى السماوات عنها للطاعة، وخلق الملائكة كما
قدمناه ذكره روحانيين ذوي ( ٢) أجنحة يطيرون بها حيث صيرهم الله تعالى،
وأسكنهم ما بين أطباق السماوات يسبحونه ويقدسونه لا يفترون، حتى
اصطفى الله تعالى منهم الملائكة فكان أقربهم منه إسرافيل، ثم ميكائيل ثم
جبرائيل صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين
--------------------
١) في ب، وت: الثمانية وعشرين. )
٢) فيهما ذو. )
(٣٣)
فصل
وأما الجن فذكرت الهند والفرس واليونان ولادات الجن وقبائلهم وأسماء
ملوكهم، وزعموا أنهم مفترقون على إحدى ( ١) وعشرين قبيلة، وبعد خمسة
آلاف سنة ملكوا عليهم ملكا منهم، يقال له الملك شمائيل بن أرس جن،
ثم افترقوا، فملكوا عليهم خمسة ( ٢) ملوك فأقاموا بذلك دهرا طويلا، ثم
أغار بعض الجن على بعض، وكانت بينهم وقائع كثيرة وحروب شديدة،
وكان إبليس منهم، وله أسماء كثيرة باختلاف اللغات غير أن اسمه بالعربية
الحارث. ويكنى أبا مرة. عظيم الخلق مطيقا ( ٣) وكان يصعد إلى السماء
ويقف في صفوف الملائكة، ويجتهد في العبادة، فلما بغي بعض على بعض،
وكانت تلك الحروب بينهم اهبط إلى الأرض في جند من الملائكة فهزمهم
وقتلهم، وجعل ملكا على الأرض فتجبر وطغا، وكان امتناعه من السجود
لآدم عليه السلام. كما أنبأنا الله عز وجل في كتابه، فاهبط في أقبح صورة
وأشدها ( ٤) تشويها فأنكره جميع قبائل الجن واستوحشوا منه. فلما رأى ذلك سكن
البحر، وجعل له عرشا على الماء. ثم جعل له ولادة كما جعلت
لآدم عليه السلام. فألقيت عليه شهوة السفاد ( ٥) وجعل لقاحة كلقاح الطير
وبيضه كبيضه.
وذكر بعض العلماء صنوف الجن فزعم * أن الشياطين خمس ( ٦) وثلاثون قبيلة
وأن الذين يطيرون في الجو خمس عشرة قبيلة ( ٧) وان الذين مع لهب النار عشر
--------------------
١) في الأصلين أحد. )
٢) فيهما: خمس ملوك. )
* - ما بين هاتين العلامتين في هذه الصفحة والتي تليها
٣) في ت: مطيعا. مبتور في ت. )
٤) فيهما: وأشرها. )
٥) ت: الفساد. )
٦) فيهما: خمسة وثلاثون. )
٧) في ب: خمسة عشر، وهو خطأ عربية. )
(٣٤)
قبائل وأن مسترقي السمع ثلاثون قبيلة، ولهذا القبائل كلها ملوك من كل قبيلة
لدفع شرهم.
وحكي أن صنفا من السعالي يتصورون ( ١) في صور النساء الحسان ويتزوجن
برجال الانس كما حكي عن رجل يقال سعد بن جبير، أنه تزوج امرأة منهن
وهو لا يعلم ما هي: فأقامت عنده وولدت عنده أولادا وكانت معه ليلة على
سطح يشرف على الجبانة، إذا بصوت في أقصى الجبانة نساء يتألمن فطربت
وقالت لبعلها أما ترى نيران السعالي شأنك وببنيك استوص بهم خيرا فطارت
فلم تعد إليه
ومنهم من تظفر ( ٢) بالرجال الخالي في الصحراء أو الخراب، فتأخذه بيده
فترقصه حتى يتحير ويسقط فتمص دمه
ومنهم صنف لا تفارق صور الحياة وربما قتلها الرجل فهلك يحكى ان
فتى من الأنصار قريب عهد بعرس استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تقدمه
يوم
الخندق وأن يلم بأهله فأذن له فلما انتهى إلى منزله وجد امرأته قائمة بالباب
فأدركته غيرة وأهوى إليها برمحه، فقالت له لا تعجل وادخل حتى تنظر
ما على فراشك فدخل فرأى على فراشه حية عظيمة، فطعنها برمحه فقتلها،
فمات هو من ساعته.
وتذكر العرب عن عبيد بن ( ٣) الأبرص الأسدي أنه خرج في سفر له يريد
الشام مع نفر، فلما صار ببعض الطريق إذ هو بشجاع يلهث عطشا وخلفه
حية سوداء تطرده، فنزل ( ٤) * فقتل الحية السوداء وحل إدواته ونضح على
--------------------
١) ب: يتصورون )
٢) ب: يظفر. )
٣) ب، ت: عبيد الأبرص. )
٤) ت: ثم نزل. )
(٣٥)
الشجاع من الماء فشرب وأنساب حتى دخل جحره، ومضى عبيد حتى
قضى حوائجه بالشام.
فلما انصرف أغفى وهو في مفازة فلما انتبه وجد قلوصه قد ضل، وهو
على غير الطريق فأقام مكانه فلما جنه الليل إذا بهاتف يقول:
يا صاحب البكر البعيد مذهبه * * ما عنده من ذي رشاد يصحبه
دونك هذا البكر منا تركبه * * حتى إذا الليل تولى غيهبه
( واقبل الصبح ولاح كوكبه * * فبعد حط رحله تستلبه ( ١
فلما سمع عبيد ذلك من الهاتف التفت، فإذا عنده بكر كأحسن ما يكون
فركبه فسار به بقية ليلته فأصبح في منزله، وكان بينه وبين منزله إحدى
وعشرون مرحلة فنزل عنها وأنشأ يقول:
يا صاحب البكر قد أنجيت من عطب * * ومن حمام يضل المدلج الهادي
ارجع حميدا فقد أوليتنا مننا * * جوزيت من رائح بالخير أو غادي
فأجابه البكر:
( أنا الشجاع الذي ألفيتني رمضا ( ٢
( في مهمه نازح عن أهله صادي ( ٣
( فجدت بالماء لما ضن حامله ( ٤) * * رويت منه ولم تلمم بأنكاد ( ٥
الخير يبقى وإن طال الزمان به * * والشر أخبث ما أوعيت من زاد
ثم قال إن الأسود الذي رأيته يطردني عبد من عبيدي أراد قتلي فكفيتني
شره، وأرويتني من ظمئي ولن يضيع الخير واستخلف الله عليك.
وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: أكثر الحيوان الداجن صفة الجن،
وان الكلاب من الجن، فإذا رأوكم تأكلون فألقوا إليهم من طعامكم، فان
--------------------
١) ت: فحط عنه رحله وسيبه )
٢) ب: ومضا. )
٣) ب: ماد. )
٤) ب: ظن جاهله. )
٥) ب: أرويت هامي ولم تهمم بانكاد. وفي ب أوتيت منه. )
(٣٦)
لهم أنفسا - يعني يأخذون بالعين.
والعرب تذكر راكبا على جمل ( ١) في قدر الشاة وفد عليهم بسوق عكاظ
[نادى] ألا من يهبني ثمانين بكرة هجانا وأدما، فلم يجبه أحد. فلما رأى
ذلك ضرب جمله ( ٢) وطار به بين السماء والأرض كالبرق، فعجبوا منه
فحدثهم رجل قال: لقيت رجلا في بعض المفاوز راكبا على نعامة وعيناه
مشقوقتان بطول وجهه، فأخذتني منه روعة ثم استوقفته فقلت له: أتروي
شيئا من الشعر؟ قال: نعم وأقرضه، وأنشدني:
أتاركة تحيتها ( ٣) قطام وضنا ( ٤) بالتحية والسلام
حتى أتى على آخرها فقلت له: هيهات سبقك إليها أخو بني ذبيان،
فقال: أنا والله يا أخي، نطقت بها على لسانه بسوق عكاظ، وكنت قلتها
قبل ذلك بأربعمائة عام.
( ويقال إن الله تعالى خلق ألفا وعشرين أمة حذاء الكواكب الثابتة ( ٥
منها في البحر ستمائة أمة، ومنها في البر أربعمائة أمة وعشرين أمة أحسنها
الانسان وأتمها وأحبها إلى الباري سبحانه وتعالى وأفضلها، فإنه خلق على
صورة إسرافيل عليه السلام وهو أقرب الملائكة إلى الله تعالى.
وفي التوراة خلق الله تعالى آدم على صورته، تعالى الله عن ذلك علوا
كبيرا، وفي الحديث " لا تضربوا الوجوه فإنها على صورة إسرافيل عليه السلام "
وفي الحديث " تلجوا بالنظر إلى وجوه المرد فان فيها لمحات من الحور العين ".
ويقال أن في الانسان من كل الخلق، فلذلك سخر له جميع الحيوان
وسلط عليها فاقتنصها وذللها وسخر أكثرها، وجمع له المأكول من النبات
--------------------
١) ب: حمل )
٢) في ب وت: جمله. )
٣) في ت: تدللها. )
٤) ت: وظنا )
٥) ت: اليابانية. )
(٣٧)
والحيوان [البهيمي والوحشي وغيره] ( ١)، وله خلقت اللذات جميعا، وعمل
بهذه جميع الأعمال.
وله المنطق والضحك، والفكر الفطنة، واختراعات الأشياء، وله
خاطب الباري عز وجل، وعليه وقع الأمر والنهي
والانسان هو الذي استنبط الأشياء وجمع العلوم، وعمل الآلات، وأثار
المعادن، وأخرج ما في قعور البحار، وسخر له كل شئ.
ومن العجائب خلق النسناس وهو كمثل نصف الانسان بيد واحدة
ورجل واحدة، ويثب وثبا ويعدو عدوا شديدا، وكان ببلاد اليمن، وربما
كان ببلاد العجم، والعرب تصيده وتأكله. وفي بعض أخبارهم أن سيارة
وقعوا في أرض كثيرة النسانس، فصادوا واحدا وذبحوه وطبخوه وكان
سمينا، فلما جلسوا يأكلونه قال أحدهم: لقد كان هذا النسناس سمينا،
فقال نسناس آخر، قد اختفى في شجرة بالقرب منهم: إنه كان يأكل
السرو فلذلك سمن، فنبههم على نفسه فأخذوه وذبحوه. فقال آخر من شجرة
أخرى، قد اختفى فيها عنهم: لو كان عاقلا صمت ولم ينطق، فأخذوه
وذبحوه. فناداهم نسناس آخر تخبأ في بعض خروق الأرض: اني قد
أحسنت فلم أتكلم فأخذوه وذبحوه، وكان لهم فيها قوت. وقيل إنه يغتذي
بالثمار والنبات، ويصبر على العطش.
وقيل إن في شرقي القلزم مما يلي في البحر أمة متولدة من صنف من السباع
وبني آدم، وجوهها عراض كثيرة الشعر مثل وجوه السباع، وعيونها مدورة
بصاصة، وأنيابها بارزة طوال، وآذانها طوال، وأبدانها كأبدان الناس إلا
--------------------
١) عن ت. )
(٣٨)
أن لهم أظفارا كبارا، معقفة محدودة، وليس وراءهم غيرهم. وطعامهم
دواب البحر.
ومما يشبه خلق الانسان أمة يقال لها الواق واق، وهي حمل شجر
عظام لشعورها، ولها أيدي وفروج مثل فروج النساء وألوان، ولا يزلن
يصحن واق واق، فان قطعت إحداهن سقطت ميتة لا تنطق.
وفي كتاب الخزانة انه من جاوز أولئك وقع إلى ما هو أعظم منهن
وأحسن أعجازا وفروجا ووجوها، فإن قطعت أقامت يوما وبعض آخر،
وربما جامعها من يقطعها، وهي تشبه النساء، وأطيب رائحة، وألذ مباضعة،
وهذه الأرض أطيب رائحة من الكافور وليس بها إنس.
وإنما يحكي ذلك عنها أهل المراكب إذا سقطوا إليها، ومنها خلق بحرية
على شبه النساء يقال لها بنات الماء، في صورة النساء الحسان، ذوات الشعور
السبط، لها فروج عظام وثدي، كلامهم لا يكاد يفهم، ولهم قهقهة.
وحكى بعض البحريين ان الريح ألقتهم إلى جزيرة فيها شجر، وأنهار
عذبة، وانهم كانوا يسمعون ضوضاة وضحكا، فكمنوا لهن وأخذوا منهن
امرأتين فأوثقوهما.
وأقامتا مع اللذين أخذاهما يقعان عليهما في كل وقت ويجدان لهما لذة عجيبة،
وأن إحداهما وثق بصاحبته فأرسلها من وثاقها فهربت إلى البحر ولم يرها بعد
ذلك، وبقيت الأخرى، فلما حصلت في المركب رحمها صاحبها فحل وثاقها
فحملت منه وولدت له ولدا ذكرا وانهم ركبوا في البحر فلما حصلت في
المركب وقد انها لا تزول عن ابنها فتغفلته ووثبت في البحر، فلما كان بعد
ذلك بيوم، ظهرت له وألقت إليه صدفا فيها در نفيس.
قال المسعودي رحمة الله: وقد ذكرنا طرفا من أخبار الروحانية، على ما
(٣٩)
نقل إلينا والله أعلم بخلقه ومن أشياء كثيرة على طريق التعجب لا من طريق
التصديق، فمن قرأ كتابنا هذا فليعلم العذر فيما أوردناه، وبالله التوفيق
والتسديد والمعونة والتأييد.
ذكر
الأرض وما فيها
روى ابن عبد الحكم قال: خلقت الأرض على صورة الطائر رأسه وصدره
وجناحاه رجلاه وذنبه.
فالرأس مكة والمدينة واليمن، والصدر الشأم ومصر، والجناح الأيمن
والعراق إلى الواق والوقواق وأمم السند والهند، والجناح الأيسر ناسك ومنسك
ويأجوج ومأجوج، وأمم كثيرة والذنب من ذات الحمام ( ١) إلى مغرب الشمس
والبحر الأسود.
وفي الحديث " ان الله عز وجل خلق مدينتين واحدة في المشرق واسمها
جابلقا، وأخرى في المغرب واسمها جابرضا، طول كل مدينة عشرة آلاف
فرسخ، لكل مدينة منها عشرة آلاف باب، بين كل بابين فرسخ، للباب كل ليلة
عشرة آلاف رجل لا تلحقهم النوبة إلى يوم القيامة، وانهم يعمرون سبعة
آلاف سنة الا ما دونها ويأكلون ويشربون ويتناكحون، وفيهم حكم كثيرة،
ولهم خلق عظام تامة، وان هاتين المدينتين خارجتين من هذا العالم لا يرون
شمسا ولا قمرا، ولا يعرفون آدم ولا إبليس، يعبدون الله تعالى ويوحدونه
وان لهم نورا يسعون ( ٢) فيه من نور العرش من غير شمس ولا قمر ".
--------------------
١) هكذا في ب وت، غير أن الرسم يحتمل في ب ان تكون ذلك الحرام. )
٢) في الأصلين نور. )
(٤٠

صورة رمزية إفتراضية للعضو علي العذاري
علي العذاري
انتقل لرحمة الله
°°°
افتراضي
وروي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " مر بي جبريل عليه السلام ليلة أسري
بي
عليهم فدعوتهم إلى الله تعالى فأجابوني فمحسنهم مع محسنكم ومسيئهم
مع مسيئكم ".
روي وهب بن منبه باسناد له عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن لله تعالى
ثمانية عشر الف عالم الدنيا منها عالم واحد، وما العمران في الدنيا إلا كخردلة
في كف أحدكم ".
وقال بعض أهل الأثمر فيما رواه: إن الله عز وجل دابة في مرج من مروجه،
والمرج في غامض علمه رزقها في كل يوم، مثل رزق العالم بأسره. سبحان
القادر على كل شئ.
ذكر
البحر المحيط
وما فيه من العجائب
ويقال ان فيه عرش إبليس لعنه الله فوق البحر المظلم يتشبه بالباري عز
وجل ( ١)، ويحمله نفر من الأبالسة والعفاريت العظام لحمله، ويحيط به عفاريت
من الجن الذين هم في طاعته فمنهم من في لججه لا يفارقه، ومنهم من يتصرف
عن أمره، وإنه لا يزول مرتبته إلا إلى من يطمع في فتنته أو عبد صالح يريد
كيده، والباقون من أعوانه الذين يسعون إلى الناس ويضلونهم، وسجنه في
جزيرة منه يحبس فيه من خالفه من الجن والشياطين.
وفيه هيكل سليمان النبي عليه السلام، وفيه جسده وهو قصر عجيب في
--------------------
١) العبارة: يتشبه بالباري عز وجل محيت من ب، وقد أثبتناها كما في ت. )
(٤١)
جزيرة، وفيه مواضع لا تزال على مر الزمان ترمي نارا ترتفع على مائة ذراع
وفيه أسماك طول الحوت مدة أيام، وكل صورة عجيبة مختلفات الاشكال
والصفات الملونة في كل لون من الألوان.
وفيه مدائن تطفو على الماء وتغيب عنهم.
وفيه الثلاثة أصنام ( ١) التي عملها أبرهة أحدها أصفر يومئ بيده كأنه
يخاطب من جاوزه، ويأمره بالرجوع. والصنم الثاني أخضر رافع يديه باسط
لهما كأنه يريد إلى أين تذهب، والصنم الثالث اسود مفلفل الشعر يومئ
بأصبعه إلى البحر: من جاز هذا المكان غرق، مكتوب على صدره " هذا
ما صنع أبرهة ذو المنار الحميري لسيده الشمس تقربا إليه ".
وحكي أن فيه كالحصون ترتفع على الماء، ويظهر منها الصور الكثيرة
وتغيب في الماء.
ويقال إن عمق هذا البحر يختلف، فمنه مالا يلحق قعره ولا يدري،
ومنه ما يكون سبعة آلاف باع وأكثر وأقل، ومنه ما يكون فيه شجر
كالمرجان
وأما البحر الأسود الزفتي وهو متصل به وهو شديد النتن، وليس فيه
غير القلعة الفضية، قيل إنها معمولة، وقيل إنها خلقه.
ويخرج من هذا البحر بحر الصين أوله من بلاد الغرب، بحر فارس إلى
بلاد الصين، وهو بحر ضيق فيه مغايص اللؤلؤ.
وقيل إن فيه اثني عشرة ( ٢) الف جزيرة، وثمانمائة جزيرة.
وفيه الدردور موضوع يدور فيه الماء فإذا سقط فيه مركب لم يزل يدور
--------------------
١) في ب: الثلاثة أصنام. )
٢) في ب: اثني عشر، وفي ت: اثنا عشر. )
(٤٢)
فيه حتى يتلف، وفيه كسير وعوير وهما جبلان.
وفي هذا البحر عجائب كثيرة وصور شتى وحيتان ملونة، منها ما يكون طوله مائة ذراع
ومائتي باع وأقل وأكثر يأكل بعضها بعضا.
وفيه جزائر تنبت الذهب وبها معادن الجوهر، وفيه ثلاثمائة جزيرة عامرة
مسكونة فيها ملوك عدة.
ويقال ان في هذا البحر قصرا ( ١) من البلور، على قلعة تضئ طول الدهر
بقناديل فيه لا تنطفئ.
وبعد هذا بحر لا يدرك عمقه، ولا يضبط عرضه، تقطعه المراكب بالريح
الطيبة في شهرين وأكثر، وليس في البحر المحيط أكبر منه ولا أشد هولا،
وفيه من جميع المعادن من الزمرد ومنابت القنا والخيزران، وفيه أيضا كل
سمكة يكون طولها أربعمائة ذراع وأقل وأكثر، وسمكة صغيرة بقدر
الذراع فإذا طغت هذه السمكة وبغت وآذت سمك البحر ومراكبه سلطت
عليها هذه السمكة الصغيرة فصارت في أذن هذه الكبيرة فلا تفارقها حتى
تقتلها، وربما لم تقرب الكبيرة ذلك الموضع ( ٢) خوفا من الصغيرة.
وفيه سمكة يحكي وجهها وجه الانسان تظهر في الماء، وفيه أسماك
طيارة تطير ليلا وترعى الندا، فإذا كان قبل طلوع الشمس رجعت إلى البحر.
وفيه سمكة تكتب مرارتها الكتابة فتقرأ بالليل.
وفيه سمكة خضراء دسمة من أكل منها اعتصم عن الطعام أياما ( ٣) كثيرة
لا يريد ذوقه
وفيه سمكة لها قرنان كأنهما قرنا السرطان، يرميان بالليل نارا
--------------------
١) في ب: قصر. )
٢) في ت: المراكب. )
٣) في ب وت: أيام. )
(٤٣)
وفيه سمكة مدورة يقال لها المصح فوق ظهرها كالعمود، مستحد الرأس
لا تقوم لها سمكة في البحر، لأنها تلقاهن بهذا القرن فتقتلهن، وربما نقبت
( به المراكب، وقرنها أصفر كالذهب مجزع، يقال إنه ضرب من الحوت ( ١
وفيه سمكة يقال لها هفس من صدرها إلى رأسها مثل الترس يطيف به
عيون تنظر بها ورأسها طويل مثل الحية في طول عشرين ذراعا ( ٢) بأرجل
كثيرة مثل أسنان المنشار من صدرها إلى آخر الذنب، فليس تتصل بشئ
إلا أتلفته ولا ينطوي ذنبها على أحد إلا أهلكته، يقال إن لحمها يشفي من
كل الأوصاب، وقليل ما يوجد وفيه عنبر
وبحر آخر يقال هركند فيه جزائر كثيرة وفيه سمك ربما ينبت على ظهره
الحشيش والصدف، وربما أرسا عليها أصحاب المراكب فيعتقدون أنه جزيرة
فإذا فطنوا به أقلعوا عنها وربما نشر هذا السمك أحد جناحيه الذي في
صلبه، فيكون كالجبل العظيم، وإذا رفع رأسه من الماء فيكون كالجبل
عظما، وربما إذا رفع أذنيه فيكون مثل المنارة العظيمة، فإذا سكن البحر
جر السمك بذنبه ثم فتح فمه فينزل السمك إلى حلقه كأنه ينزل إلى بئر،
ويقال له العنبر طوله ثلاثمائة ذراع.
وأهل المراكب يخافون منه، فهم يضربون بالليل بالنواقيس ( ٣) مخافة ان
يتكئ على المركب فيغرقه.
وفيه حيات عظام تخرج إلى البر فتبتلع الفيلة، وتلتف على صخور في البر
فتتكسر في أجوافها ويسمع لها صوت هائل، وفيه حية يقال لها الملكة
لا تظهر إلا مرة واحدة، وربما احتال فيها ملوك الزنج فأخذوها وتطبخ حتى
--------------------
١) العبارة عن ت. )
٢) في باء وتاء: عشرون ذراع. )
٣) في باء: نواقيس. )
(٤٤)
يخرج ودكها ويدهن به الملك فتزيد في قوته ونشاطه ويستعمل من جلود هذه
الحية - وهي منمرة - فرش إذا جلس عليها صاحب السل ذهب عنه السل
ومن جلس عليه أمن السل أن يصيبه أبدا.
وريح هذا البحر من قعره، ربما ألقى عند اضطرابه نارا لها ضوء شديد
والبحر الرابع يقال له دوانحد ( ١) وبينه وبين بحر هر كند ( ٢) جزائر
كثيرة، يقال (إنها) ألف وتسعمائة جزيرة، ويقع بين هذه الجزائر عنبر
كثير وهذا العنبر ( ٣) ينبت في قعر البحر نباتا، فإذا اشتد هيجان البحر
قذفه من قعره فيرتفع مثل الرمل والحمأة، وهو عنبر دسم
وقرأت في كتاب الطيب الذي ألفه إبراهيم بن المهدي، أن أحمد بن حفص
العطار قال كنت في مجلس أبي إسحاق وهو يصفي ( ٤) عنبرا قد أذابه، وقد
أخرج ما كان فيه من الحشيش الذي على خلقة مناقير الطير، فسألني فقلت
هذه مناقير الطير الذي يأكل العنبر إذا راثته دوابه، فضحك أبو إسحاق
وقال هذا قول تقوله العامة. ما خلق الله دابة تروث العنبر، وما العنبر إلا
شئ يكون في قعر البحر
ولقد عني الرشيد بالمسألة عن العنبر، فأمر حمادا البدوي ( ٥) في البحث
بالمسألة، فكتب إليه أن جماعة من أهل عدن أعلموه أنه شئ يخرج من عيون
في قعر البحر تقذفه الريح بالأمواج، كما تخرج أرض هتبة القار وهي أرض
الروم الزفت الرومي.
وآخر جزائر هذا البحر بسرنديب في بحر هر كند وهي رأس هذه
الجزائر كلها، وفي سرنديب أكثر مغايص اللؤلؤ ونبات الجوهر، وببحر
--------------------
١) في ت: دوامخد. )
٢) في ت: كركند. )
٣) ب: عنبر. )
٤) ب: يصلي. )
٥) ت: جماد، ونقطة الجيم في ب كالممحوة. )
(٤٥)
سرنديب طرق بين جبال، وهي مسالك لمن أراد بلاد الصين، وفي جبال
هذا البحر معادن ذهب فيه أيضا مغايض اللؤلؤ، وفيها بقر وحشية وخلق
مختلفة الصور، ويسلك من هذا البحر إلى بلاد المهراج وربما أظلت السحاب
هذا البحر يوما وليلة، ولا ينقطع عنه المطر ولا تظهر حيتانه ودوابه
وتخرج منه إلى بحر الصنف، وفيه يكون شجر العود وليس فيه أحدا يعرفه
ورأسه تخرج من قرب الظلمة الشمالية وتمر أيضا على بلاد الواق
وفيه ملك الجزائر الذي يدعي المهراج، وله من الجزائر والأعمال ما لا
يحصى كثرة، ولو أراد مركب من مراكب البحران أن يطوف بجزائره في
سنين كثيرة لم يقدر أن يطوفها، ولملكه جميع أفاويه الطيب والكافور
والقرنفل والصندل والجوزة والبسباسة والقاقلة والعود، وليس لملك من
الملوك ما لملك هذا البحر من أصناف الطيب، ويقال إن فيه قصرا أبيض
يسير على الماء ويتراءى لأصحاب المراكب في السحر فيتباشرون به إذا هم
أبصروه ويكون لهم دليل السلامة والربح والفائدة
وفيه جزيرة برطايل، فيها جبال مسكونة يسمع فيها باليل والنهار
والعزف والطبول والأصوات المنكرة ووجوه أهلها مثل المجان المطرقة، وهم
مخرقو الآذان وأكثر البحريين مجمعون على أن الدجال فيها، ومنها يخرج
إذا بلغ منتهاه
وفيها يباع القرنفل، ويشترونه التجار من قوم لا يبصرونهم وفيه
البراقية ( ١) وهي مدينة لطيفة من حجر أبيض براق يسمع فيها ضوضاء
وأصوات، ولا يرى بها ساكن وربما نزل إليها البحريون وأخذوا من مائها
فوجدوه أبيض ( ٢) زلالا حلو الطعم فيه روائح الكافور
--------------------
١) في ب: البرابة. )
٢) ب: أبيضا. وت: بيضا. )
(٤٦)
( ومنه جزيرة بها مساكن وقباب بيض تلوح وتتزايا ( ١) للناس فيطمعون ( ٢
فيها وكلما قربوا منها تباعدت منهم فلا يزالون كذلك حتى ييأسوا منها
فينصرفوا عنها
ويتصل هذا البحر بالواق، ويقول البحريون انهم لا يعرفون منتهاه غير أن
أقصاه جبال تتوقد نارا ليلا ونهارا يسمع لها قواصف مثل قواصف الرعود من
شدة التهابه، وربما سمعوا من تلك النار صوتا عرفوه يدل على موت ملك من
ملوكهم أو كبير من كبرائهم، وهذا الموضع لا يدرك قعره.
وبعد بحر الصنف الذي ذكرناه بحر الصين، وهو بحر خبيث بارد ليس في
غيره من البحار مثل برده، ويقال: إن ريحه من قعره، ويقال إنه بحر
مسكون له أهل في بطن الماء.
وأخبر الثقة من أصحاب البحر انهم يرونهم إذا هاج البحر في جوف الليل
كهيئة الريح، ويطلعون إلى المراكب: وليس يكون ذلك الا عند هيجان
البحر
وذكر البحريون أنهم لا يعرفون بعد بحر الصين بحرا يسلك، وهو بحر
يغلي كما تغلي القماقم، وليس صفة ما به كسائر البحار
وفي بحر الصين سمكة مثل الحراقة ( ٣) يرمي بها الماء إلى الساحل، فإذا
انجذر ( ٤) الماء بقيت على الطين فلا تزال تضطرب مقدار نصف نهار، ثم
تنسلخ في اضطرابها ذلك، فيخرج لها جناح فتستقل به فتطير
وزعموا أن عرض بلاد الصين الذي تمر عليه المراكب ألف وخمسمائة فرسخ
وفي هذا البحر يرى وجه عظيم على صور الناس إلا أنه أعظم منه، مستدير
--------------------
١) لعل الصواب وتترايا. )
٢) في ب: فيطعمون. )
٣) في ت: الجزافة. )
٤) جذر. )
(٤٧)
يشبه لون القمر، يغطي ما بين جبلين وأبواب الصين البحر بين كل جبلين
فرجة
وقيل إن بمدينة بقمولية ( ١) وهي القسطنطينية الأولى كنيسة في جوف
البحر وربما تنكشف يوما في السنة فيحج أهل النواحي إليها ويستعدون لها
قبل ذلك فيقيمون فيها يومهم ويتفرقون ويهدون إليها بدنهم ( ٢) فإذا كان
العصر بدا الماء في الزيادة فينصرفون ويبادرون الخروج عنها ولا يزال الماء
يغطيها فتغيب إلى رأس السنة أيضا.
ويقال إن في بحر الهند حيوانا ( ٣) يشبه السرطان، فإذا خرج من الماء
صار حجرا يتخذ منه كحل لبعض علل العين
وأما بحر المرجان فهو في بحر الأندلس خاصة، ينبت في قعره مثل
الشجر فما بعد منه عن درك الغواصين يحتال في قلعه، بأن يربط بالشرايط
في كتان القنب، ويثقل بالرصاص ويدلى حتى يصل إلى الشجر، ثم يحرك
المركب بالجذب، وتلك منوطة بها يمنة ويسرة حتى يعلم تشبكها في أغصان
المرجان، ثم تقلع الشرايط، فيوجد المرجان قد اتخذ، وله نفاق كثير بالحجاز
والهند والصين، وفيه عنبر كثير، وفيه سمك من أكل منه رأى كأنه ينكح،
وفيه سمك في صور الناس.
خبر تنيس
أما خبر تنيس فكانت جنات وكرومات ومتنزهات وكانت مقسومة
بين ملكين من ولد ابريت بن مصر، وكان أحدهما مؤمنا، والآخر كافرا
--------------------
١) ت: نقمولية. )
٢) في ب، ت: بدونهم، والصواب بدنهم جمع بدنة. )
٣) ب، ت: حيوان. )
(٤٨)
فأنفق المؤمن ماله في وجوه البر حتى باع حصته منا من أخيه، وفرق الذي
أخذ بها في وجوه البر فأفلحها، وزاد فيها عروشا كثيرة، وأجرى فيها
أنهارا، وبني فيها بنيانا، واحتاج أخوه إلى ما في يده فكان يمنعه ويفتخر
عليه بما له، من المال والجنة فخاطبه أخوه في بعض الأيام مبسطا عليه
فقال له: أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا، فقال له أخوه: فما أراك شاكرا
لله تعالى على ما أعطاك، ويوشك أن ينزع ذلك منك، ويقال إنه دعى عليه
فغرق ماء البحر جميع ما كان له في ليلة واحدة حتى كأن لم يكن قبل
ذلك. وقيل إن هذين الرجلين اللذين ذكرهما الله تعالى في كتابه فقال
(واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين إلى قوله أحدا) وكانت
تنيس عظيمة، لها مائة باب وباقي ذكرها عند ذكر مدائن مصر إن شاء
الله تعالى.
وقيل إن بحيرة تنيس تعذب وقت مجئ النيل وتقيم ستة أشهر حلوة ثم تملح
وبالقرب (منها) عين لا يخرج ماؤها إلا عند أوقات الصلوات فيتوضأ منها
ثم تفيض لذلك عند وقت كل صلاة، وهي معروفة تسمى عين الأوقات.
ولأهل الهند نهر عظيم معهم ( ١) عليه شجرة باسقة من حديد أو نحاس
وتحتها وعمود من نحاس أو حديد مثبت في الأرض مائل إلى الماء طوله على
الأرض عشرة أذرع وعرضه نحو الذراع، ويزيد قليلا، في رأسه ثلاث شعب
غلاظ مستوية محدودة كالمنار، وعنده رجل يقرأ كتابا ويقول للنهر: يا عظيم
البركة، وسيل الجنة، أنت الذي خرجت من عين الجنة، ودللت الناس
عليها فطوبى لمن صعد هذه الشجرة وألقى نفسه على هذا العمود، فينتدب
الواحد لذلك والعدة ممن حوله ويصعدون على تلك الشجرة، ويلقون أنفسهم
.
--------------------
١) لعل الصواب مهم. )
(٤٩)
على العمود فيقطعون * قطعا ويقعون على الماء فيدعون لهم أصحابهم بالطوبى
والمصير إلى الجنة واللذة
ولهم نهر مكران الذي مد النيل ( ١) فيما ذكروا منه، وقالوا إنه يخرج
من الجنة، وإنه لو لم ينجس بالذنوب لما كان (يموت) ( ٢) من شرب منه
ولهم نهر آخر من سنتهم أن يحضره رجال بأيديهم سيوف قاطعة، فإذا
أراد الرجل من عبادهم أن يتطهر ويتقرب إلى الباري سبحانه، أتى في جماعة
يأخذون ما عليه من الحلي واللباس وأطواق الذهب والأسورة والقراطق
لان أبناء الملوك كثيرا ( ٣) ما يخرجون إلى هذا النهر ثم يطرحونه على لوح
عظيم ويأخذون بأطواقه ويضربونه بسيوفهم ويقطونه نصفين فيلقون أحد
النصفين في هذا النهر والنصف الآخر في بحر كند ( ٤) ويزعمون أن هذين
النهرين يخرجان من الجنة
وفي جبال سرنديب وادي الماس وهو بعيد القعر وبه حيات عظام مؤذية
فإذا أرادوا إخراج الماس طرحوا فيه ما أمكنهم لحما حارا طري السلخ،
فترى نسور تلك الجهة وهي به كثيرة، ذلك اللحم فتنقض عليه وتأخذه
وترفعه إلى حيث تأكله خوفا من حيات الوادي، فيقصد طالب ذلك إلى
موضع المأكول فيجدون بها ما تعلق باللحم من الماس على قدر العدسة والفولة
والحمصة، وأكبر ما يجدونه قدر الباقلا، ويتخذ منه الملوك فصوصا
لخواتم يلبسونها
وذكر صاحب المنطق أن من الماس حجارة كبار إلا أنه يوصل إليها
لأجل الحيات التي في ذلك الوادي
--------------------
١) ب: مكرم ان الذي يمد من فيما ذكروا. )
٢) لمن ت ما بينها سقط في ت. )
٣) في ب: كثير. )
٤) في ت: الكند. )

صورة رمزية إفتراضية للعضو علي العذاري
علي العذاري
انتقل لرحمة الله
°°°
افتراضي
وبالهند وادى القرنفل ولم يدخل إليه من التجار ولا ممن سلك البحار ولا
ذكروا أنهم رأوا شجرة، وإنما تبيعه الجن فيما يقولون الناس يرسون بالمراكب
في جزيرتهم، ويجعلون بضاعتهم على الساحل ويعودون إلى مراكبهم فيكونون
بها، فإذا أصبحوا جاؤوا فوجدوا إلى جانب كل بضاعة جزأ من القرنقل
وربما ترك البضاعة والقرنفل إذا طلب الزيادة فربما يزاد فيه
وذكر عن بعض الناس أنه طلع إلى الجزيرة وأمعن فيها فرأى قوما صفرا
بغير لحى، في زي النساء، ولهم الشعور فغابوا عنه، وأن التجار أقاموا
بعد ذلك مدة يترددون إلى ساحل تلك الجزيرة، فلا يخرج إليهم بشئ من
القرنفل، فعلموا أن ذلك من اجل من كان نظر إليهم، ثم عادوا بعد سنين
إلى ما كانوا عليه.
ويقال إنه رطبا كان حلو المطعم يأكلون منه فلا يمرضون ولا
يهربون، وذكر أن لباسهم من ورق شجر عندهم فهم يلحفونها ولا يعرفها
الناس. وأما الجزائر فذكر بطليموس أن في البحر الأخضر سبعا وعشرين
الف جزيرة عامرة وغير عامرة، منها جزيرة فيها أمة من بقايا النسناس،
ولهم شجر يقال له اللوب يأكلون ثمره ويلتحفون بورقة ويأكلون
لحوم الدواب البحرية
وجزيرة المرجان فيها شجر المرجان في ضحضاح بين الملوحة والعذوبة
وقد اطلعت رؤوسا مشعبة، فإذا سقطت إليها مراكب أخذوا من ذلك
المرجان ما قدروا عليه.
وجزيرة في وسطها كالضم العظيم من حجر أسود براق لا يدري ما داخله
وحوله أموات وعظام كثيرة
(٥١)
وقد كان بعض الملوك سار إليها فلما نزل عليها وقع إلى أصحابه النعاس
وخدر الأجسام، وضعفت أنفسهم، ولم يقدروا على الحركة، فبادر من حضر
منهم إلى المراكب، وهلك من أخلد منهم إلى المقام والتخلف
ويقال ان ذا ( ١) القرنين لما صار إلى الظلمة مر بجزيرة فيها أمم رؤوسهم
رؤس الكلاب العظام، بادية أنيابهم يخرج من أفواههم لهب النار،
يخرجون إلى المراكب فحاربوه وحاربهم وتخلص منهم، وسار فرأى نورا
ساطعا فقصده فإذا هو (قد) بلغ جزيرة القصر وهذه الجزيرة في وسطها
قصر مبني من البلور الصافي على شاطئ البحر، فأراد النزول بها فمنعه من
ذلك بهرام فيلسوف ( ٢) الهند، وعرفه ان من نزل إليها وقع عليه النوم
وغرب ( ٣) عنه عقله، ولم يستطع الخروج عنها حتى يهلك
ويقال انه ظهر بها قوم قد صار لباسهم ورق الشجر، فسأل بهراما عن
مقامهم فيها كيف أمكنهم على ما ذكره، فأخبره بهرام ان بها ثمرا إذا
أكلوه زال ذلك عنهم
وذكروا أنه إذا كان الليل ظهر بشرافات ذلك القصر مثل المصابيح
تسرج إلى الصبح ثم تخمد نهارها إلى الليل ثم تسرج أيضا
وفي هذا البحر جزيرة بيضاء واسعة وبها ماء وشجر ( ٤) وفيها قوم شقر
وجوههم فيما وراءهم ( ٥) وهم عراة، وللواحد منهم ذكر وفرج ( ٦) امرأة
--------------------
١) ب: ذي، ت: ذو. )
٢) في ب: بهرام فيلفوس. )
٣) ب: أخذه وعزم عنه عقله. )
٤) ب: ماءا وشجرا. )
٥) ت: وجوههم في صدورهم. )
٦) ت: فرجان فرج، وفرج امرأة. )
(٥٢)
يتكلمون بمثل كلام الطير وطعامهم من نبات يشبه القطور ( ١) والكمأة
ويشربون من غدران هناك.
وجزيرة التنين فيها جبال وأنهار وزروع وهي عامرة وعلى مدينتهم حصن
عالي، وكان تنين عظيم قد سام ( ٢) أهلها (أقبح) سوم فيقال إن
الإسكندر وصلها، وإن أهلها استغاثوا به، وذكروا عنه أنه أتلف مواشيهم
حتى جعلوا له ضريبة في كل يوم ثورين ينصبوهما قرسا من موضعه، فيخرج
فيبتلع الثورين ويعود إلى موضعه، ثم يعود من غد، فقال لهم أروني مكانه،
فلما أصبح أقفوا الإسكندر في موضع يشرف عليه ونصبوا له الثورين
فأقبل كأنه سحابة سوداء وعيناه كالبرق، والنار تخرج من جوفه فابتلع
الثورين، وعاد إلى موضعه، فأمر الإسكندر بثورين عظيمين فسلخهما، ثم
أمر فملئت جلودهما زفتا وكبريتا وجبسا وزرنيخا، ومزج تلك الأخلاط
كلاليب حديد وأجسادا، ثم نصبها في ذلك الموضع، فأقبل التنين على عادته
فابتلعها ومضى لوجهه، فلم يلبث الا قليلا فاضطربت تلك الأخلاط في حلقه
فخر مستلقيا لا يملك من نفسه، وفتح فاه ليستروح، فأمر الإسكندر بقطع
الحديد فأحميت وجعلت على ألواح من حديد فقذفت في حلقة فمات في الوقت
واستراح أهل ذلك البلد منه فرحوا لموته وانكفأوا ( ٣) للإسكندر وحملوا
إليه من طريف ( ٤) ما عندهم.
وكان فيما حلوه إليه دابة في خلق الأرنب وبرها ( ٥) اصفر يبرق كما يبرق
الذهب يسمونه بتراح ( ٦) وفي رأسها قرن واحد أسود، فإذا الأسود والسباع
--------------------
١) ت: القطن. )
٢) ب: سام: أهلها سوم، ت: شام: أهلها أقبح شوم. )
٣) ت: وأظافوا - لعلها: وأضافوا. )
٤) ت: ظرائف. )
٥) في ب: شعرها. )
٦) في ت: نفواخ. )
* ما بينها وبين * * سقط في ت.
(٥٣)
والطيور والوحش هربوا منها، وكذلك كل دابة تراها تهرب منها، وتفر
بين يديها
وفي هذا البحر جزيرة تظهر ستة أشهر وتغيب ستة أشهر بكل من فيها
تعود إلى هيئتها، وقيل إنها جزيرة مدبرة
وجزيرة ملكان، وملكان دابة عظيمة بحرية، قد استوطنت تلك الجزيرة،
ولهذه الدابة رؤوس كثيرة، ووجوه مختلفة، وأنياب معقفة، وليس لها
طعام إلا ما تصيده من دواب البحر
وقيل إنها مركب لبعض ملوك الجن من أهل البحر، لان لها جناحين إذا
إقامتهما، وجمعت بين رأسيهما صارا كأنهما رف يلتبس بظل من الشمس * *
وذكرتها الأوائل، وزعموا أنها بقدر الجبل، وجزيرة ملكان فيها أمة مثل
خلق الانسان إلا أن رؤوسهم مثل رؤوس الدواب يغوصون في البحر
ويخرجون ( ١) بما قدروا على إخراجه من دواب البحر فيأكلونه
وجزيرة صيدون، وصيدون هذا ملك وهذه الجزيرة مسيرة شهر في مثله،
وكان بها عجائب كثيرة وأشجار وأنهار، وكان في وسطها مجلس على عمد
مرمر ملون، وكان المجلس من ذهب مفصل بأنواع الجوهر يشرف على هذه
الجزيرة وقيل إن هذا الملك كان ساحرا، وكانت الجن تطوف به تعمل له
العجائب فدل بعض الجن سليمان عليه السلام علية فغزاه سليمان وخرب
الجزيرة وقتل أكثر أهلها، لأنهم كانوا يعبدونه، وأسر منهم خلقا كثيرا
وآمن به أكثرهم، واسر ابنة لصيدون لم يكن على وجه الأرض في زمانها
أجمل منها ولا أكمل كمالا وظرفا وحلاوة، فاصطفاها سليمان عليه السلام
لنفسه وتزوجها وكانت تديم البكاء والحزن لمفارقتها لملك أبيها وغضارة نعيمها
وأنس حشمها وخدمها وأهلها، فقال لها سليمان عليه السلام: ما لي أراك
--------------------
١) ب: ويخرجوا. )
(٥٤)
بهذه المنزلة من الحزن وانا خير لك من أبيك ملكي اجل من ملكه. قالت:
اجل، ولكني إذا ذكرت كوني مع أبي وأنسي به هاج لي ذلك وجدا فلو
أمرت الشياطين ان يصوروا لي صورته، فلعلي إذا رأيتها سلوت فأمر سليمان
فصوروا لها صورة أبيها في مجلس يشبه، لمجلس الذي كان فيه، ويقال ان
الذي صوره شيطان كان يصحب أباها، وقيل إنه هو كان أشار عليها بذلك
حتى سألت سليمان عليه السلام ذلك، فأمر الشياطين بعملها فكان في مقاصرها
التي أسكنها سليمان عليه السلام في قصر بناه لها، وقد غرس فيه بدائع
الشجر وفجر الأنهار في قنوات ذهب وفضة مطوقة بأصناف الجواهر على
النعت الذي كان رآه لأبيها في مساكنه، فعمدت إلى تلك (الصورة) فألبستها
أصناف الثياب الفاخرة المنسوجة بالذهب المزينة بأنواع الجواهر، وجعلت على
رأسه إكليلا من الجوهر النفيس، وتوجته بتاج من ذهب منظوم بالجوهر
الملون وأجلسته في صدر المجلس وجعلت حوله مخاد الديباج وأوقدت بين
يديه مجامرا من العود والعنبر، ونثرت عليه سحيق المسك، وفرشت بالبعد
منه بحيث تحاذيه أصناف الأفاويه والريحان والزعفران، وكانت تدخل عليه
بكرة وعشية، فتسجد له مع جميع وصائفها وخدمها، لما كانت تصنع
لأبيها، وخرج الخبر واتصل بآصف بن برخيا، وكان من قراء سليمان عليه
السلام وكاتبه وهو الذي كان عنده علم من الكتاب، وهو الذي أحضر
عرش بلقيس وكان عنده علم موضع المرأة من قلب سليمان وحبه لها فلم يدر
كيف يدخل إلى تعريفه بذلك إلى أن اتجه له الامر (في ذلك) ( ١) فقال
لسليمان يا نبي الله: اني سائلك شيئا. قال: سل. قال إني قد كبرت
ولست آمن ان يفجأني الموت، وقد أردت ان أقوم مقاما أذكر فيه الأنبياء
واثني عليهم واصف فضائلهم، فلتأمر باحضار الناس وتجمع وجوه بني
--------------------
١) عن ت. )
(٥٥)
إسرائيل، فيجلسون في مراتبهم، وتنصب لي منبرا أرقي عليه وأتكلم
بما يمكن ان يحضرني من الكلام في النحو الذي أريد الكلام فيه ففعل
سليمان عليه السلام ذلك
فقام على المنبر خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وأقبل يذكر الأنبياء واحدا
بعد واحد، فيثني على من ذكره منهم في صغره وكبره ومدة أيامه إلى أن
ذكر داود، فأثنى عليه واستغفر له حتى مات، ثم ذكر سليمان فأثنى عليه
في صغره خاصة ولم يذكر بشئ في كبره، ولا ذكر شيئا من أيامه بخير ولا
بشر. فأحفظ ذلك سليمان ودعاه ( ١) لما فرغ فقال له سليمان أخبرني عنك يا
آصف سمعتك ذكرت جميع الأنبياء فأثنيت عليهم في أيامهم وفي جميع
أحوالهم، فلما بلغت ذكري أثنيت علي صغيرا وتركتني كبيرا فلم فعلت هذا؟
فقال له ذكرت ما علمت، فلما ألح عليه قال وبما استحققت ( ٢) أني أثني عليك
في أيامك هذه؟ فقال له وما الذي صنعت فيها؟ قال لان غير الله يعبد في
دارك منذ أربعين يوما، وما هذا جزاء نعمته عليك ولا شكر تمليكه لك ما
ملكك وأباك من قبلك، فاستغفر سليمان وقال صدقت ودخل فعاقب المرأة
وكسر الصنم وهرب شيطانه فظفر به بعد ذلك وحبسه
ويقال إن ذلك الصنم كان يخاطب المرأة بلسان أبيها، ويقول لها قد
أحسنت فيما فعلت، وكان يغويها ذلك بالسجود فعنف الله سليمان لذلك،
وأخذت الجن خاتمه وخرج من ملكه، وكان يطوف في بني إسرائيل
فيذكرونه، ثم سأل الله فرد ملكه وخاتمه بعد أربعين يوما، وهي عدد
الأيام التي سجدت المرأة فيها للصنم وقيل إن المرأة ماتت وكان ولد سليمان
عليه السلام منها
ومنها جزيرة الرود وهم خلق له أجنحة وشعور وخراطيم ضيقه، يمشون
--------------------
١) في ب، وت: ودعا. )
٢) في ب استحقيت، وت: استحققت. )
(٥٦)
على رجلين وعلى أربعة ويطيرون ويعدون إلى الجزيرة، وقيل إنهم من
الشياطين الأول
ومنها جزيرة القاس وهو ( ١) دابة مامامة كالكرة تصيح صياحا شديدا
ولا يدرى من أين يخرج صياحه، ويقال أنها تقيم ستة أشهر في البحر وستة
أشهر يكون ظاهرا في تلك الجزيرة، ولا يعرف ما هو ولا يعرف ما هو ولا أي شئ
يأكل،
ولا من أي موضع يأكل.
ومنها جزيرة مر بها قوم، وقد هاج عليهم البحر وعظم، فنظروا فإذا
شيخ ابيض الرأس واللحية، وعليه ثياب خضر مستلق على وجه الماء، وهو
يقول سبحان مدبر الأمور، وعالم ما في الصدور، وألجم البحر بقدرته على
أن لا يفور، سيروا بين الشمال والشرق حتى تنتهوا إلى جبال الطوق
فاسلكوا وسطها تسلموا من الغرق.
ففعلوا ذلك فإذا هم إلى مدينة بها أمة طوال الوجوه، معهم قضبان
الذهب يعتمدون عليها، ويحاربون بها وطعامهم الموز والقسط، فأقاموا
عندهم شهرا وأخذوا القضبان الذهب التي ( ٢) عندهم، فلم يمنعوهم، ثم ساروا
على ذلك السمت فخلصوا
ويقال إن الرجل الذي أرشدهم الخضر عليه السلام وإن هذه الجزيرة
مكانه وهي وسط البحر الأعظم
وذكر بطليموس أن في بحر الشرق والصين ثلاث عشرة الف وسبعمائة
جزيرة، وذكر بعضها
منها جزيرة سرنديب، يقال إنها ثمانون فرسخا في مثلها، ونقول أهل
الهند إن بها الجبل الذي اهبط الله تعالى عليه آدم عليه السلام تراه أهل
المراكب على أيام
--------------------
١) في ب، ت: وهي )
٢) في ب: الذي. )
(٥٧)
( وتذكر البراهة ( ١) أن عليه قدم آدم عليه السلام مغموسة وهي سبعون ( ٢
ذراعا وأن على هذا الجبل مثل البرق ليلا ونهارا فلا يمكن أحد من النظر إليه،
وأن آدم عليه السلام خطا فيه إلى البحر خطوة واحدة، وهي على مسيرة
يومين، وحوله ألوان الياقوت والأشياء ( ٣) كلها وعليه أصناف العطر
والأفاوية، ودواب المسك. وأرضه السنبادج، وفي أوديته الماس، وفي
أنهاره البلور، وحوله في البحر غوص اللؤلؤ.
ويتصل بها جزيرة الرامي، والرامي مدينة بالهند، وبها الكركند، وفيها
البقم، وعروقه دواء من السم لساعته، وقد جربه البحريون من سم الأفاعي
والحيات
وبها جواميس لا أذناب لها، وناس عراة في غياض لا يفهم كلامهم،
وهم متوحشون من الناس، وطول الواحد منهم أربعة أشبار، وللرجل منهم
فرج صغير، وكذلك المرأة. وشعورهم زغب احمر، ويتسلقون على الشجر من
غير أن يستعينوا بأيديهم، وهم يلحقون المراكب سباحة وهم في سرعة الريح
يبيعون العنبر بالحديد، ويحملونه في أفواههم، وبقرب من هؤلاء قوم سود،
وشعورهم مفلفلة، يأكلون الناس أحياء إذا ظفروا بهم يشرحوهم تشريحا،
ولهم فيها جبل طينه فضة، إذا أصابته النار ذاب
ويتصل بها ارض الكافور، وهو شجر نبت بها ظل الشجرة منها مائة
إنسان وأكثر، تثقب الشجرة فيسيل منها ماء يملا عدة جرار، ثم يكون
ذلك ماء الكافور، والكافور صمغ يخرج على أغصانها قطعا، ثم وخشبها
ابيض خفيف
وفي هذه الجزيرة عجائب كثيرة بحريات، وأطيار عجيبة، وغير ذلك
من العجائب
وجزيرة كله وهي جزيرة كبيرة يسكنها الهند، وفيها معدن الرصاص
--------------------
١) ب: في البراهنة. )
٢) في ب: سبعين. )
٣) الذي في ب: وللأشباه. )
(٥٨)
القلعي ومنابت الخيزران وهو عن يمينها على يومين منها.
وجزيرة ما لو عن، وأهلها يأكلون الناس، وبها موز كثير وكافور
ونار جيل وقصب سكر وأرز.
وجزيرة خاقه وبها مدينة سلاهيط وبها ملك يسير أحسن سيرة، لباسه
والثياب المذهبة، وعلى رأسه قلنسوة من ذهب، مكللة بغرائب الجواهر
وبها نارجيل وموز وسكر وصندل وسنبل وقرنفل.
وبحذائها جبل في ذروته نار تتقد مقدار سمكها علو مائة ذراع في مثلها
فهي بالليل نار، وبالنهار دخان.
وجزيرة الطيب من هذه خمسة عشر يوما، من البحر، فيها من كل الأفاويه
وفي مملكة المهراج جزيرة، يقال لها فرطائيل يسمع منها الطبول والعزف
والزمر وأصناف الغناء، والبحريون يقولون إن الدجال فيها، وبالقرب منها
موضع في البحر يخرج منه خيل لها أعراف تجرها في الأرض
وجزيرة ميمونة في طريق الصين، فيها العود والكافور، ومنها إلى قماري
إلى الساحل أيام يسيرة وبقماري العود القماري والصندل.
وجزيرة الصندل على الساحل، وبها العود والصنفي، وهو عندهم أفضل من
العود القماري، لأنه يغرق في الماء لجودته وثقله، وبها بقر وجواميس
وبلاد الواق وجزائها في مشارق الصين وهي كثيرة الذهب، حتى إن
مقاود دوابهم وسلاحهم وسلاسل كلابهم ذهب، ويعملون القصب المنسوجة
بالذهب ذات التماثيل العجيبة
ومن هذه النواحي يجنى العود والمسك والآبنوس والدراصيني، وأصناف
التجارات والعجائب
وجزيرة الزنج وفيها أمم مختلفو ( ١) الاشكال والا خلاط، وملوك مختلفه
--------------------
١) في ب: مختلفي. )
(٥٩)

صورة رمزية إفتراضية للعضو علي العذاري
علي العذاري
انتقل لرحمة الله
°°°
افتراضي
المعاني والمذاهب، وفيها أصناف من الدواب
وفي بحر الزنج جزائر كثيرة يستخرجون منها الودع والحلزونات الملونة
وهم يلبسونها مثل الحلي. ويدفنون أنياب الفيلة، فإذا عفنت أتى تجارها من
الهند السند فاشتروها منهم
وفي بحر هر كند على ما ذكره بطليموس وجماعة من البحرين ألف وسبعمائة
جزيرة عامرة سوى الخراب، ويملك هذه الجزائر كلها امرأة، ويقع إليها
عنبر كثير، وربما وقع إليها القطعة بقدر البيت أو نحوه، وإنما يخرج هذا
العنبر إذا هاجت الريح من قعر البحر رمت من تحته فقذفت به إلى السواحل.
وهذه عامرة بالناس وتجارتهم الودع يأتيهم على وجه الماء وفيه روح، فيأخذون
شقف النار جيل فيطرحونها على وجه البحر، فيتعلق هذا الودع بها فيأخذونه
منه ويجمعونه
وملك المهراج عظيم مملكته ليس في البحر بالشرق أكثر من جزائره، ولو شاء إنسان
أن يركب مركبا، ويطوف بها لم يدرها في سنين كثيرة
وهو بحر لا تحصى عجائبه، وعند ملوكه جميع الأفاويه من الكافور
والقرنفل والجوزة والبسباسة والقاقلة والكبابة والعود، وليس لغيره من الملوك
ما له من العطاء ولا يشاركه في ذلك أحد تتمنهم ببلاد الصين يقال إن بلاد
الصين ثلاثمائة مدينة ونيف، عامرة كلها سوى القرى والأطراف والجزائر، وأبواب
الصين اثنا عشر ( ١) بابا، وهو جبل في البحر بين كل جبلين منها فرجة
وبحر يصار منه إلى موضع مدينة من مدائن الصين المعروفة الكبار
وهذه الجبال التي تمر بينها المراكب مسيرة سبعة أيام فإذا جاوزت السفينة
هذه الأبواب صارت في بحر فسيح وماء عذب، وصارت كذلك حتى تسير إلى
--------------------
١) في ب: اثنى عشر. )
(٦٠)
الموضع الذي تريده من بلاد الصين.
وأول مرسا تنزله خانقوا وماؤها عذب من أنهار عذبة وفي كلها أمن ومصالح وشجر
وعمارة وزرع، وفي تلك الميناء ( ١) أودية كلها تدور [بين] جزيرتين
في اليوم والليلة، وفي هذا المرسا أسواق وتجار وخروج ودخول، وتجارات
تحط، ومراكب تذهب وتجئ.
وجزيرة خلنجان فيما بين سرنديب وفلنتن ببلاد الهند فيها قوم سود عراة
إذا وقع إليهم إنسان عربي ( ٢) من غير بلادهم، علقوه من كسائه و قطعوه
قطعا، وليس لهم ملك
وغذاؤهم السمك والموز والنارجيل وقصب السكر، وبها آجام تنبت
الخيزران، وهم عراة لا يستترون بشئ، وبقرب الصين موضع من البحر
يقال له منجي وهو أخبث البحار وأكثرها رياحا وموجا ومضايقا وجبالا،
تتطاير منه إلى المراكب صبيان مثل صبيان الزنج، طول أحدهم نحو خمسة
أشبار يخرجون من الماء ويتواثبون إلى المراكب ويدورون فيها، ولا يؤذون
أحدا ثم يعودون إلى البحر، فإذا كان ذلك منهم وظهروا كان ذلك علامة لأخبث
الرياح عندهم، فيستعدون ويأخذون أهبتهم، ويخففون المراكب، ويلقون
بعض ما فيها و يقطعون من الذقل ذراعا أو ذراعين إن خافوا كسرها
ويقولون أيضا إنهم إذا رأوا على دور المكان سمكة يقال لها البليقة يكون
منها ما طوله مائة ذراع في عرض عشرين ذراعا وينبت على ظهرها الحجارة،
وربما تعرضت للمراكب فكسرتها
وزعموا أنها ربما قربت من الساحل وهي لا تعلم، فتندفع بقوتها تتبع لبعض
--------------------
١) في ب: الماء ودية ولعل الصواب ما ذكرناه. )
٢) كذا في ب، ت ولعل الصواب غريب والرسم لا يأباه. )
(٦١)
السمك هارب منها فلا تشعر الا وقد حصلت في البر بجملتها فلا يمكنها
الرجوع فتهلك
فإذا كان كذلك قطع لحمها وذوب في القدور فيذوب لحمها كله، ويصير
دهنا ينتفع به في المراكب وغيرها
وجزيرة بقرب الزنج فيها جبل يقال لها جبل النار يظهر منه بالنهار دخان
وبالليل لهب نار، فلا يقدر أحد على الدنو منه.
وجزيرة المدر وهم سودان ولهم مدينة لها بارند، وأهل هذا البلد يقطعون
الطريق ويسبون ويقتلون.
فالمراكب الصينية يعد فيها التجار السلاح والنفط، وربما كان في المراكب
أربعمائة نفس من التجار وخمسمائة مقاتل، فلا يطمع فيهم، ويطمع في سواهم،
وتغتال سفينتهم
وجزيرة الرانج وهي جزيرة عظيمة كثيرة الأهل والزرع والتجارات
ويقال إنها لما فسد من بالصين بالخوارج والهرج صارت المراكب الصينية تقصد
جزيرة الرانج هذه ويقاتلون أهلها وكذلك جزائرها كلها ومدائنها.
وأصبح أبواب الصين في التجارات الباب الذي يدخل منه إلى خانقوا وهو
أقرب، ومن دخل من غيره بعد الطريق عليه
وجزائر الرانج كثيرة منها جزيرة تعرف بسديدة، تكسيرها أربعمائة
فرسخ وبها متاجر وطيب
وجزيرة الرامي أيضا عامرة يقال إن تكسيرها ثمانية فراسخ فيها منابت
البقم وفيها الكافور والأوفاوية وتكسيرها ثمانون فرسخا
وجزيرة كله، يقال إنها النصف بين أرض الصين وأرض العرب وتكسيرها
ثمانون فرسخا.
(٦٢)
وبكله مجتمع الأمتعة من العود والكافور والصندل والعاج والرصاص القلعي
والآبنوس والبقم، والجهاز إليها في هذا الوقت من عمان.
وجزيرة المهراج الذي هو ملك هذه الجزيرة، وهي جزيرة كبيرة في غاية
العمارة والخصب.
حكي عن بعض التجار الذين يوثق بقولهم أن الديكة إذا غردت بها في
الأسحار تجاوبت من نحو مائة فرسخ لاتصال عمارتها، وانتظام قراها لا مفاوز
فيها ولا خراب، وأن المسافر يسافر فيها بلا زاد، وينزل حيث أراد.
وفي جزيرة سرنديب موضع يجتمع إليه أهليها يتدارسون فيه سريانياتهم، وقصص
ملوكهم في الزمن السالف
وبها صنم عظيم من ذهب مبلغ وزنه وقدر الجوهر الذي عليه مائة رطل
وهو في هيكل لهم
وفيها مواضع أخرى يجتمع فيها اليهود وأهل الملك يتدارسون فيها علومهم
ويتكلمون في أديانهم، والملك يبيح لهم ذلك
وفي هذه الجزيرة أعناب يقال لها أعناب سرنديب، والعنب واد عظيم
يجوز المجتاز في هذا العنب شهرين وأكثر في رياض وغياض وهواء معتدل،
( والشاة عندهم بنصف درهم، وأكثر عملهم القمار بالنرد والشطرنج، ويستزير ( ١
الرجل المرأة بعلم أهلها
وجزيرة الرانج جزيرة كبيرة واسعة، وكلما يزرع فيها من ذرة وقصب
وسائر النبات فهو أسود، ولهم في جزائرهم قوم يعرفون بالمخرمين قد خرمت
أنوفهم، وقد أتموا أسلحتهم ويأخذ بطرف كل سلسلة يجره ويمنعه من التقدم حتى
يسفر السفراء ( ٢) بينهم فان وقع الصلح وإلا شدت تلك السلاسل في أعناقهم
--------------------
١) في ب ويستريد. )
٢) في ب: يصفر الصفراء والصواب ما ذكرناه. )
(٦٣)
وتركوا للحرب، فلم تقم لهم قائمة، ويأكلون من وقعت عليه نهشا، ولا
يزول أحدهم من مركزه دون أن يقتل
وللعرب في قلوب الزنج هيبة عظيمة، فإذا عاينوا رجلا منهم سجدوا له
وقالوا هذا ابن مملكة تنبت في بلادهم شجر التمر، لجلالة التمر في صدورهم
ولأن العرب إنما يصرفون صبيانهم بالتمر
وفيهم خطباء بلغاء بألسنتهم، ومن يتعبد منهم يستتر بجلد نمر، ويأخذ
بيده عصا، ويجتمع إليه الناس ويقف على رجله من أول النهار إلى الليل يخطب
ويذكرهم الله تعالى، ويذكر لهم أمور من ملك منهم، ومن مضى من الملوك.
وجزيرة سقطرى وبها منابت الصبر السقطري، وموضعها بين بلاد الزنج
وبين بلاد العرب، وأكثر أهلها نصارى.
( والسبب في ذلك أن الإسكندر لما غلب على ملوك فارس وقتل فور ( ١
الهندي، وكان يكاتب أرسطاطاليس بما يجري من امره، ويعرفه بما وقف
عليه وغلبه عليه من الممالك، وكان أرسطاطاليس يكتب إليه ويؤكد عليه في
طلب جزيرة في البحر تعرف بسقطرى لان بها منابت الصبر السقطري، وبها
الدواء العظيم الذي لا تتم الايارجات إلا به، وأن الجزيرة إن وجدها لا ينتقل عنها حتى
يصلح عمارتها ويسكنها قوما من اليونانيين ويطوف ( ٢) لهم بملكها
والحفظ لها ( ٣) ففعل الإسكندر ذلك، وتقدم إلى ملوك الطوائف بالاحتفاظ
بها، وكان ذلك حتى بعث السيد عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم وتنصرف الروم
ودخل
هؤلاء في الجملة وتنصروا مع الناس فبقاياهم بها إلى هذا الوقت مع سائر من
يسكنها من عندهم، وفي البحر الكبير الذي عن يمين الخارج من عمان جزائر
--------------------
١) في ب: قوز. والصواب ما ذكرناه كما هو معروف في كتب التاريخ. )
٢) لعل الصواب ويصدق. )
٣) في ب: بها. )
(٦٤)
كثيرة، وهي تحاذي بلاد الشجر فيها منابت اللبان، وما يتصل بذلك
من ارض عاد وجرهم والتبابعة
وفيها قوم من العرب وهم في هذه الجزيرة في قشعمة وضيق عيش إلى أن
تتصل بعمان وسواحل اليمن فيتسع أمرهم قليلا، وعيش هؤلاء من السمك ومن
نبات عندهم، وربما وقع إليهم العنبر فباعوه من أصحاب المراكب.
وبحر اليمن متصل ببحر البحار والقلزم، وينقطع هناك، ومن عجائب
الجزائر التي في هذا البحر جزيرة يقال لها سلطا منها قوم يسمع كلامهم
وضجيجهم وتصرفهم في معاشهم، ومن وصل إليهم يخاطبهم ويخاطبونه ولا
يراهم، وسئلوا عن أمرهم فذكروا أنهم من الانس، وأنهم كانوا بعث إليهم نبي
يقال له سافر بن جردول ( ١) فآمنوا به وهم على دينه.
وإذا نزل الغريب إليهم جعلوا له من الزاد في ليلة ما يكفيه ثلاث ليال
تمرا في نهاية الحلاوة والطيب ونارجيلا وطيورا مشوية على قدر اليمام، أطيب
مضغة من اليمام، وإذا أراد من وقع عندهم الرجوع إلى أهله سيق له مركب
وأكثرهم لا يتجه له المسير عنهم حتى يحمل وإن لم يحملوه أقام على حاله ولم
يسر إلى بلاد غيرها لطيب الموضع وكثرة الخير، وقد عرف ذلك البحريون.
وجزيرة فرش، وهو شجر عرفت به الجزيرة يحمل ثمرا في خلق اللوز إلا
أنه أكبر منه، يؤكل بقشره فيقوم مقام كل دواء، ومن أكل منه لم يمرض إلى
موته ولم يهرم، وإن كان شعره أبيض عاد أسود، ولهذه الجزيرة ملك يمنع
منها، وذكر أن بعض ملوك أهل الهند جلبه وزرعه فأورق ولم يثمر
وجزيرة الدهان وهو شيطان في صورة الانسان راكب على ظهر طائر
يشبه النعامة وعلى قدرها، يأكل لحوم الناس وإذا طرحهم البحر رفعهم إلى
--------------------
١) الرسم يحتمل أن يقرأ: ساور بن جردل. )
(٦٥)
موضع لا خلاص لهم منه وأكلهم واحدا بعد واحد عند إرادته، ويأكلهم
أحياء
وحكي أن البحر حمل مركبا إلى تلك الجزيرة وقد كانوا سمعوا به، فلما
أتاهم وقفوا على مركبهم ورموه وحاربوه وصبروا على قتاله، فصاح بهم صيحة
سقطوا منها مغشيين على وجوههم، وجعل عبرهم إلى موضع عادته
وكان فيهم رجل صالح فدعا الله عليه فهلك من حينه، وصار موضعه
ذلك مطلبا لما معه من أموال الناس وأمتعتهم
وجزيرة الضريف، وهي جزيرة تلوح لأصحاب المراكب فيطلبونها حتى
إذا ظنوا أنهم قد قربوا منها تباعدت عنهم، وربما أقاموا كذلك أياما لا
يقدرون على الوصول إليها ولا يقول أحد من أهل البحر إنه وصل إليها ولا
دخلها، وهم يرون فيها شخوصا ودوابا وعمارة وشجرا
وجزيرة البيدج فيها صنم من زجاج أخضر يجري من عينيه دمع على ممر
الأيام يقول البحريون إنه يبكي على قومه لأنهم كانوا يعبدونه فغزاهم بعض
الملوك فاستباهم وقتلهم وأراد كسر الصنم، فكانوا إذا ضربوه بشئ لم يعمل
فيه وعاد الضرب إلى وجوههم فتركوه، وإذا دخلت الريح إلى أذنيه صفر
تصفيرا عجيبا
وجزيرة سرهانة، بها عمارة وشجر وأكثر أهلها أوانيهم ذهب، وثيابهم
منسوجة بالذهب، وسلاحهم أعمدة ذهب، ولهم ملك متى وقع لهم من يريد
الخروج بشئ منه دفعه عنه.
ومن الجزائر ببلاد الغرب صقلية وهي جزيرة كبيرة دورها أكثر من
خمسة عشر يوما، ومملكتها واسعة ولها جبال وأشجار وأنهار ومزارع،
وهي بإزاء إفريقية، وبها جبل البركان لا يزال يظهر دخانه بالنهار وناره
(٦٦)
بالليل ويطير منه في البحر شرارات، وهي حجارة سود مثقبة مثل
الإسفنج ( ١) تطفو على الماء فتحملها الناس إلى البلاد يحكون بها في الحمامات
أقدامهم
وربما خرج من هذا البركان فيدخل في البحر فيحرق كلما صادف من دوابه
وحيتانه، فتلقيه الأمواج إلى الساحل، فلا يقدر أحد على الدنو من هذا الموضع
وجزيرة سردانية، وهي جزيرة كبيرة مسيرة عشرين يوما وفيها شجر
وعيون وزروع وجبال وتجارات
وجزيرة أقريطش، وهي في بحر الروم، وبها جبال ومعدن ذهب وأنهار
وثمار، وهي اثنا عشر يوما في ستة أيام، وفي البحر الكبير جزيرة ترى على
بعد في البحر فإذا قرب منها القاصد بعدت عنه وغابت، فإذ رجع إلى الموضع
الذي كان فيه رآها كما كان يراها قبل.
وقيل إن بها شجرا يطلع بطلوع الشمس ولا يزال طالعا إلى نصف النهار
ثم يعود إلى الانحطاط حتى تغيب الشمس، ويقول البحريون إن في ذلك
البحر سمكة صغيرة يقال لها السائل إذا حملها الانسان مع نفسه أبصر الجزيرة
ولم تغب عنه ودخلها، وهذا شئ عجيب ظريف
وجزيرة طاوراق، وهو ملك له أربعة آلاف امرأة، ومن لم يكن له
ذلك فليس بملك ويتفاخرون بكثرة الأولاد، وعندهم أشجار إذا أكلوا منها
قووا على الباه قوة عجيبة
وجزيرة السيارة، والبحريون مجمعون ( ٢) عليها، منهم من يذكر أنه
رآها مرارا كثيرة وليس بمسكون فيها. وهي جزيرة فيها جبال وعمارة،
فإذا هبت الريح من الغرب صارت إلى الشرق، وإذا هبت من الشرق صارت
إلى الغرب، هذا دأبها
--------------------
١) في ب: الإسفنجة. )
٢) في ب: مجموعون. )
(٦٧)
ويقال إن حجارتها خفيفة يكون الحجر العظيم الذي وزنه عندنا قناطير
يزن عدة أرطال وأقل من ذلك ويحمل الانسان القطعة العظيمة من الجبل.
وذكر بعض اليهود لعنهم الله من أصحاب التجارات أن مركبهم انكسر
بهم في بعض السنين، وان البحر طرحهم إلى جزيرة ترابها وحجارتها وكل ما
فيها ذهب، فأقاموا فيها أياما لا يجدون غذاء غير السمك وهو مع كل ذلك
قليل، فلما خافوا على أنفسهم التلف وكانوا مع ذلك سلم لهم زورق للمركب
فجروه عندهم فأسقوه من ذلك الذهب وثقلوه بالطمع فوق ما يحمل، ثم
دخلوا به البحر واجتهدوا في طلب النجاة فلم يسيروا به إلا يسيرا حتى عطب
بهم الزورق وتلف الذهب ولم ينج منهم إلا بعضهم من أهل السباحة نحو مهب
الريح من إلى الساحل
وذكروا أن في جزائر الكافور قوما يأكلون الناس، ويأخذون رؤوسهم
فيجعلون فيها الكافور والطيب ويعلقونها في بيوتهم ويعبدونها، فإذا عزموا
على أمر من الأمور أخذوا رأسا من تلك الرؤس، فكبروا له وسجدوا
بين يديه، وسألوه عما يريدونه، فيخبرهم بكل ما سألوه عنه من خير وشر.
وجزيرة النساء، وهذه الجزيرة في تخوم من الصين، وحكوا عنها أنه لم
يسكنها إلا النساء، وأنهن يلقحن الريح ويلدون نساء، وقيل إنهن يلقحن
( من الريح ( ١
وزعموا أن الذهب عروق عندهم مثل الخزران، وتربتها ذهب، وأنه وقع
إليهن مرة رجل فهممن بقتله، فرحمته امرأة منهن وحملته على خشبة
وسلمته ( ٢) في البحر فحملته الأمواج والرياح، حتى أتت به بلاد الصين فدخل
إلى ملك الصين وعرفه حال الجزيرة، فوجه المراكب في طلبها، فطافت
تطلبها ثلاثة أشهر فما وقعوا لها على خبر ولا أثر.
--------------------
١) هكذا وقع التكرار في الأصول. )
٢) لعل الصواب سيبة. )
(٦٨)
وجزيرة ابن أسعلاق، فيها شخص مشوه لا يدري ما هو، ذكر قوم أنه
شيطان تجسد بين الجن والإنس، وزعم قوم أنه خلق بحري مشوه مقارب
لصورة الانسان، وانه يأكل من وقع إليه من الناس.
وفي خبر ذي القرنين: ان مراكبه وقعت إلى جزيرة بيضاء نقية ذات أنهار
وأشجار وأثمار، وفيهم خلق على خلق الانسان في الانتصاب، رؤوسهم مثل
رؤوس السباع والكلاب، فلما دنوا منهم غابوا عن أبصارهم، وبوسط الجزيرة
نهر شديد البياض بشاطئه شجرة عظيمة فيها من كل ثمرة طيبة لذيذة الطعم
مشرقة بأنواع الألوان ورقها كالخلال ( ١) كبرا ولينا وحسنا، والشجرة تسير
بسير الشمس من الغد والى الزوال، فإذا زالت الشمس تقلصت وانحطت،
بانحطاط الشمس، وغابت بعد نبتها، وثمرها أحلى من العسل وألين من الزبد،
وورقها أطيب رائحة من المسك، فجمعوا من ورقها كثيرا ليحملوه إلى
الإسكندر، فضربوا وظهرت عليهم اثار الضرب ولم يروا من يضربهم وصيح بهم
" ردوا ما قد أخذتم من هذه الشجرة ولا تتعرضوا لها فتهلكوا " فردوا ما كان
اخذوه من ذلك وركبوا مركبهم وساروا
ودخل الإسكندر جزيرة العباد فوجدها قفارا ( ٢) غير حشيش فيها
وغدران ووجد فيها قوما قد نهكتهم العبادة وصاروا كالحمم من سواد
الألوان، فوقف بهم وسلم عليهم فردوا عليه، فقال لهم ما عيشكم في بلادكم
هذه؟ فقالوا ما يأتينا من رزق من أسماك البحر وضروب الحشيش، وما
نشربه من ماء هذه الغدران، قال أفلا أنقلكم إلى موضع أخصب لكم من
هذا المكان، فقالوا وما نصنع به إن عندنا في جزيرتنا هذه ما نغني به عن
جميع العالم، ويكفيهم لو أنهم وصلوا إليه، قال: وما هو؟ قال:
فانطلقوا به إلى واد لهم يسرج من ألوان الدر والياقوت فوق ما تتوهم
--------------------
١) كالحلك. )
٢) في ب: غفارا. )
(٦٩)
النفس، وأخرجوه من هناك إلى أرض واسعة كثيرة الفواكه فيها من
أصناف الثمرات مالا يوجد مثله ببلد من البلدان، فقالوا له أتصل بنا إلى أكثر
من هذا؟ قال والله ولا إلى بعضه، فقالوا فهذا بين أيدينا فما نلتفت إلى شئ
منه، وإنا لنؤثر الحشيش عن هذه الفواكه، فذهب أصحابه ليأخذوا من ذلك
الجوهر شيئا فمنعهم، وودع القوم وانصرف إلى مركبه متعجبا منهم.
وحكي أنه ذكرت له جزيرة في البحر الأخضر فيها قوم حكماء فصار
إليهم فرأى قوما سرابيلهم ورق الشجر وبيوتهم الكهوف، وعليهم السكينة
فسألهم عن مسائل من الحكمة فأجابوه فقال لهم سلوني ما أحببتم، فقالوا له إنا
نسألك الخلد فقال أني لي به، ولا أقدر على زيادة نفس واحد في أنفاسي!
فقالوا فعرفنا بقية آجالنا، فقال أنا لا أعرف بقية أجلي، فكيف لي بمعرفة
أجل غيري! قالوا فامنحنا منحة تبقي لنا ما بقينا، فقال وهذا ما لا أبلغه
لنفسي فكيف لغيري! قالوا فدعنا نطلب ذلك ممن يقدر عليه!
وجعل الناس منهم يتطاولون بالنظر إلى عساكر الإسكندر، وكان على
شاطئ البحر رجل حداد لا يرفع بصره إليه، ولا إلى شئ من عساكره
فعجب الإسكندر من ذلك فأقبل عليه وقال له ما منعك من النهوض إلي والنظر
إلى عسكري؟ فقال له لا يعجبني ملكك فأنظر إليه! قال ولم؟ قال إني
عاينت قبلك ملكا لا يبلغ ملكك ملكه، وكان في جواري رجل مسكين
لا يملك شيئا، فمات الملك والمسكين في يوم واحد، ودفنا في ناحية واحدة
فكنت أتعاهدهما حتى بليت أكفانهما وبقيت رممهما، ثم اختلطا فجهدت أن
اعرف الملك والمسكين فلم أقدر على ذلك، فهان علي كل ملك بعد ذلك.
قال فصناعتك تكفيك؟ قال أنا أكسب بها ثلاثة دراهم كل يوم أنفق درهما
وأقضي درهما وأسلف درهما، فالدرهم الذي أنفق هو مؤنتي ومؤنة عيالي
(٧٠

صورة رمزية إفتراضية للعضو علي العذاري
علي العذاري
انتقل لرحمة الله
°°°
افتراضي
والدرهم الذي أقضيه عما يلزمني في كراء بيتي وموضع عملي، والدرهم الذي أسلفه
هو الذي أنفقه على ولدي لينفقه علي إذا كبرت
قال أفلا تنفق ذلك على أصحابك؟ قال هم لا يحتاجون إلى ذلك، وأنا
لا أحتاج إليه، وانما يحتاج إلى ذلك من لا ينصف عن نفسه، فأما من انصف
منها فلا يحتاج إلى شئ!
فعجب ذو القرنين من حكمهم وانصرف عنهم
ذكر آدم عليه السلام وولده
أجمع أهل الأثر أن آدم عليه السلام خلق يوم الجمعة، لست خلون من
نسيان وكساه الله لباسا من ظفره، وأسجد له ملائكته فسجدوا إلا إبليس
وكان ملكا على الأرض يصعد إلى السماء متى شاء فأبى من السجود لآدم، وقال
أنا كنت خليفتك على الأرض وهو من تراب كنت أطؤه، وأنا من نار وهو من
طين، فلي عليه الفضل من كل جانب، وأفضله بالأجنحة التي أغشى بها أقطار
الأرض في أقل من لمح البصر، فلما امتنع من السجود أبلسه الله ولعنه.
وخلق حواء وألبسها لباسه وأسكنها الجنة لثلاث ساعات مضت من ذلك
اليوم وأباحهما جميع ما في الجنة الا الشجرة التي نهاهما عنها، وهي على قول
أكثر أهل العلم البر، وكانت الحبة بقدر الأترجة فألقتهما الحية، وكانت من
أحسن دواب الجنة، وكانت ذات قوائم.
ولما رأى آدم ما أعطيه من الكرامة اشتاق إلى الخلود فطمع فيه إبليس،
فاحتال حتى أدخله الجنة.
فخاطب حواء فيها وقال (ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة الا ان تكونا
(٧١)
[ملكين أو تكونا] من الخالدين، وقاسمهما اني لكما لمن الناصحين) ولم يزل
بحواء حتى اكلت من الشجرة وأطعمت منها لآدم فأكل، فلما أكلا منها
انكشف لباسهما عنهما إلى أطراف أصابعهما وبدت لهما سوآتهما، وهرب آدم
في الجنة يمينا وشمالا لا يدري ما يصنع، فتعلقت به شجرة الا ترج وحبسته
بناصيته ومعه حواء، فطفقا يأخذان من ورق الجنة ويستتران بها فقال الله
عز وجل قد جعلت هذه الشجرة غذاء لكما ولذريتكما، يعني الشجرة التي
اكلا منها عاصيين فاهبطوا جميعا أنتما وإبليس والحية فان بعضكم لبعض عدو.
ونزع الله من الحية قوائمها فهبطوا، فكان مقام آدم في الجنة مع حواء
ثلاث ساعات، مقدار مائتين وخمسين سنة من أيام الدنيا، وهو ربع يوم من
أيام الآخرة الذي هو ألف سنة.
فأهبط آدم على جبل سرنديب وعليه الورق المخصوف من الجنة، فلما
جف الورق وذهبت رطوبته تقطع وسقط فنسفته الريح وطرحته إلى كل جهة
فنبت منه بأرض الهند أنواع الطيب والأفاويه، والتمر الذي لا يوجد إلا
هناك، وفيه العود ودواب المسك، وحوله أصناف اليواقيت والماس، وفي
بحره مغايص اللؤلؤ.
وسمى الله آدم عبد الله وكناه أبا محمد وكان طويلا جعد الشعر أحسن
من خلق الله تعالى، فلما نزل إلى الأرض نقص من لونه وحسنه وطوله.
وكان يتكلم بالعربية فحول الله عز وجل لسانه إلى السريانية، وانتزع
منه ما علمه ثم رده الله سبحانه وتعالى بعد توبته إليه.
وأهبط حواء على جدة وبيدها قبضة من جوهر الجنة فتناثر منه من يدها
شئ فكانت الجواهر منه، ونقص أيضا من حسنها وبهائها
وأهبط إبليس ومعه قبضة من النار وعصا من بعض شجر الجنة يقال إنه
(٧٢)
العوسج ويقال إنها كانت من آس الجنة، وهي التي صارت إلى موسى عليه
السلام
وأنزل معه ثلاثين قضيبا من ثمار الجنة وجعلها إكليلا على رأسه، منها
عشرة ظاهرة القشور وهي: الجوز واللوز والبندق والفستق والخشخاش
والبلوط والقسطل وجوز الهند والرمان والموز
وعشرة لها نوي وهي الخوخ والمشمش والإجاص والتمر والزعور والغبيرا
والقراصيا والشاه بلوط والنبق والمقل
وعشرة لا قشور لها نوى وهي، التفاح والسفرجال والكمثري والعنب
والتوت والأترج والخرنوب والخيار والبطيخ والبر ( ١) وكان أول ما خلق الله
تعالى في الأرض الكمثرى
وتاب الله سبحانه وتعالى على آدم عليه السلام بعد مائة سنة: أتاه جبريل
عليه السلام وعلمه الكلمات، وهي لا إله إلا أنت عملت سوءا فاغفر لي وأنت
خير الغافرين
وقيل في طوله إنه كان يبلغ السماء فلما أهبط إلى الأرض. جعل طوله
مائتين وسبعين ذراعا، وعلم استخراج الحديد وسبكه وعمل الزبدة والمطرفة
والكلاليب والمدية وآلات الأرض وما يحتاج إليه من جميع الآلات.
وعلم ما يأكله من دواب الأرض، وما يجتنبه وأمر بالمسير إلى مكة،
وكان موضع قدمه عمرا وما بينهما مفاوز، وأتى جدة فوجد بها حواء
.( تبكي فقال لها هذا عملك ( ٢
وقيل له إيت الكعبة فطفت بها، فمشى إليها فتلقته الملائكة بالأبطح فقالوا
له حياك الله يا آدم، لقد طفنا قبلك هذا البيت بألفي عام ولسنا بأول من
حجه وعلمه جبريل عليه السلام المناسك، وأنزلت عليه إحدى عشرون
--------------------
١) في الأصول: والتبر. )
٢) في الأصول: عملكي. )
(٧٣)
صحيفة، وفرض عليه الصلاة والزكاة والاغتسال من الجنابة والوضوء، وزرع،
وحصد، وطحن، وخبز، ثم قيل هذا دأبك أنت وذريتك، فقال يا رب
ما بلغت هذا إلا بشق النفس فقيل له هذا بخطيئتك.
وعوقبت حواء بعشر خصال، وجع العذرة، ووجع الولاة، وطول
الحمل والحيض، وحزن الموت، وقناع الرأس، وملكة الرجال للنساء،
وأن تكن تحت الرجل عند الجماع، والولولة عند المصيبة، ورقة القلب عند
الحزن - جمع بين آدم وحواء بجمع وتعارفا
وعوقب آدم بنقصان طوله، وتغير حسنه، وخوفه من السباع، وكانت
تخافة، وحتم عليه وعلى ذريته بالموت، و حفظت عليه أعماله، وكلف النظر
في رزقه والتعب فيه.
وعوقبت الحية بقص جناحيها وعدم يديها ورجليها ومشيها على بطنها
وشق لسانها، وخوفها من الناس وعدواتهم لها، وجعل من التراب غذاؤها،
وإن طلبت أن تقتل أخرجت للناس لسانها.
وإن آدم غشي حواء فولدت له قابيل وتوأمته قليما، وكان كذلك يولد له
توأمين في كل بطن.
ثم ولدت له هابيل وتوأمته لبوذا فشغل قابيل بالحرث، وشغل هابيل
برعي الغنم، ثم أمره أن يزوج هابيل من أخت قابيل فضربها وقال أنا أحق
بأختي منه، فأمرهما أبوهما أن يقربا قربانا فأيهما تقبل قربانه كان أحق بأخت
قابيل، فرضيا بذلك. وقرب هابيل أسمن كبش كان عنده، وقرب قابيل
من أرذل ما كان عنده من الغنم وكان ذلك بينهما يوم الجمعة، وجاءت النار
إلى القربان، وأخذت الكبش الذي كان لهابيل، وحملته ولم تقبل قربان
قابيل، فأغضبه ذلك وعزم على قتل أخيه بعد منصرفهما من منى، فلم يدر
(٧٤)
كيف يقتله فتصور له إبليس لعنه الله في صوره إنسان، وأخذ طائرا ففشخ
رأسه بحجر فقتله، وحمله معه حتى غاب عن عينه فاغتفل قابيل هابيل حتى
نام عند غنمه، وهي ترعى فحمل حجرا فطرحه على رأسه فقتله فأصبح من
النادمين، وطال تحسر آدم عليه السلام على ابنه هابيل وعلى الجنة فأنزل الله
تعالى له خيمة من خيام الجنة من ياقوتة حمراء وضعت مكان الكعبة
ولمائتين وثلاثين سنة من مهبط آدم ولد له شيث وهو هبة الله وتوأمته،
فتقول أصحاب التواريخ: إنه ولد له مائة وعشرون بطنا، وأمر آدم عليه
السلام بكتب الصحف، وعلم اللغات كلها، وعلم الأسماء التي قهر بها الجان
والشياطين وعلم حساب الأزمنة وسير الكواكب
وسأل ربه أن يريه الدنيا وما يكون فيها من خير وشر، فمثلت له برا
وبحرا فنظر إليها والى ملوكها وسكانها من ولده، وصور الأنبياء وما يكون
في العالم ويدور فيه من خير وشر إلى انقضائه
ولما كثر ولده وولد ولده بعثه الله إليهم وأمره أن يأمرهم بما أمره الله به
وينهاهم عما نهاه عنه، ويقال إنه أرسل وهو ابن تسعمائة سنة وسبعين سنة.
ولما أراد الله سبحانه وتعالى أن يتوفاه أمره ان يسند وصيته إلى ابنه
شيث ويعلمه جميع العلوم التي علم بها ففعل، وكان سبب وفاته عليه السلام
أنه انصرف من الفلاحة موعوكا ( ١) فحم ومرض إحدى وعشرين يوما
والملائكة تختلف إليه.
ويقال إنه اشتهى قطفا من عنب الجنة فوجه بعض ولده يسأل له ذلك
ممن لقيه من الملائكة، فلقيه جبريل عليه السلام فعزاه في أبيه وقال ارجع
فان أباك قد مات. وكان سنه يومئذ تسعمائة وثلاثين سنة، وقالوا تسعمائة
--------------------
١) في ب: مدعوكا وهو خطأ. )
(٧٥)
وخمسين سنة بعد ما وهب لداود منها خمسين سنة وأتاه جبريل عليه السلام
بكفن وحنوط من الجنة
وعلم شيث كيف يغسله ويكفنه، وقيل هذه سنة لكم في موتاكم بعده،
وحمل إلى غار الكنز في جبل أبي قبيس فدفن فيه، وكانت وفاته عليه
السلام يوم الجمعة، ومات وولده وولد ولده أربعون ألف بيت ورفعت مع
موته الخيمة الياقوت التي كانت بموضع الكعبة.
وحزنت عليه حواء حزنا شديدا وبقيت بعده سنة ثم ماتت، عليه
السلام والرحمة، وصلى عليها شيث ودفنها إلى جانب آدم صلى الله عليه وسلم وعلى
جميع
النبيين والمرسلين.
ذكر شئ من أخبار ولده
كان قابيل ولد آدم عليه السلام، وأول من عصا وقتل وكفر ولما قتل
أخاه هرب عن ذلك الجبل بأخته وبنى قرية يقال لها خلوا وسكنها، وقابيل
أول من عبد النار، وقيل إنه أشقى البرية وإن عليه نصف عذاب الخلق، وقيل إنه متى
سفك دم بغير وجه حق كان شريكا لصاحبه فيه.
شيث بن آدم بعثه الله إلى ولد أبيه وأنزل عليه سبعا وعشرين صحيفة
عليه وعلى أبيه، وأمره ببناء البيت هو وولده بالحجاز، وأمره بالحج
والعمرة، وكان أول من اعتمر، وأمر بجهاد ولد قابيل إلا أنه لا يبرح بين
تهامة ومكة.
وولد الانوش بن شيث عليها السلام وهو بكره ووصيه، ومن ولد
أتركين ( ١) ابن شيث يغوث ويعوق ونسر وسواع وود، فكان هؤلاء النفر
--------------------
١) لعل الصواب انوش. )
(٧٦)
قوما صالحين، فلما ماتوا حزن عليهم أبناؤهم حزنا شديدا فتمثل لهم إبليس
وصور لهم صورهم من المرمر، وجعلها في بيوتهم ليتذكروا ( ١) بها ويتأنسوا
ويخف حزنهم عليهم، فلما ملكوا ونشأ غيرهم صور عندهم إبليس أنها آلهة
وأن آباءهم كان يعبدونها واستهواهم فعبدوها، وكان عمر شيث سبعمائة سنة
واثنا ( ٢) عشرة سنة، وولد له وهو ابن مائة وخمسين سنة.
وأوصى إلى ابنه قينان وقد كان علمه الصحف وبين له قسمة الأرض،
وما يكون فيها، وأمره بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والحج، وبجهاد ولد
قابيل ففعل ما أمره به أبوه، ومات قينان وله سبعمائة سنة وعشرون سنة.
وأوصى إلى ابنه مهلايل ووصاه بما أوصاه به، وكان عمر مهلايل ثمانمائة
سنة وخمسة وسبعين سنة.
وأوصى إلى ابنه بوارد وعلمه الصحف وعلمه قسمة الأرض، وما يحدث
في العالم ودفع إليه كتاب سر الملكوت الذي علمه مهلاييل ( ٣) الملك لآدم
عليهما السلام وكانوا يتوارثونه مختوما لا ينظرون فيه.
وولد لبوادر وهو ابن مائة سنة ابنه خنوخ، ويقول بعض أهل التاريخ
إنه تم للعالم في وقته ألفان وستمائة سنة وأربع سنين.
وخنوخ هو إدريس النبي عليه السلام ونبأه الله تعالى وسمي إدريس لكثرة
درسه لكتاب الله عز وجل، وسنن الدين وأنزل الله سبحانه وتعالى عليه
ثلاثين صحيفة فكملت الصحف المنزلة يومئذ ثلاثين صحيفة، وعهد بوارد إلى
خنوخ ورفع إليه وصية أبيه وعلمه العلوم التي كانت عنده ودفع إليه مصحف
السر فلم يدفعه بعد شيث غير إدريس عليهما السلام.
وفي بعض الاخبار انه أول من كتب [من ولد] آدم عليه السلام.
وقال آخرون إنه لم يخل قط جيل ولا أمة من الكتابة لان إدريس بدت
--------------------
١) ليتذكرون. )
٢) ب: واثني. )
٣) في ب: وابيل. )
(٧٧)
فيه النبوة وعلم عدة خطوط وامر بجمع المصاحف وتركها في الهيكل وامر بني
آدم وغيرهم بدرسها، وفي بعض الاخبار انهم كانوا يلبسون القمص من فاخر
الحرير والخز وغيرهما من الملونات والمنسوجات بالذهب والمنظومات بالجوهر
ويلبسون التيجان.
وقد كانت حواء أمرت بالنسج والمغزل، فغزلت القطن والكتان والوبر
ونسجت وكست أولادها، وقد لبس آدم عليه السلام من غزل حواء.
ويقال إنه لما ولد إدريس عليه السلام ضعف أمر عبادة الأصنام من أولاد
قابيل، وسقط عظيم من أصنامهم الذين كانوا يعبدونه ويعتكفون عليه
ويذبحون، وكان ملكهم يومئذ يمحويل، فاجتمعوا إليه ليتداولوا فيما ظهر
لهم، فجاءهم إبليس في صورة شيخ قد كثر شيبه، وكان الشيب عندهم عجيبا
لأنهم لم يكونوا رأوه، إذ لم يكن قبل ذلك شيب ولا ظهر لهم إلا بعد نوح
عليه السلام بعد الطوفان.
وقيل أول من شاب إبراهيم عليه السلام، فقال يا رب ما هذا؟ قال وقار،
قال اللهم زدني وقارا.
ويقال إنه أتاهم إبليس في صورة روحاني له جناحان، فقال لملكهم يمحويل
إنه قد ولد الآن لمهلاييل ولد يكون عدوا للآلهة وعدوا للملك، وسبب
فسادها ولذلك أصابكم ما أنتم به مشغولون، فقال يمحويل فهل تقدر على
هلاكه؟ قال سأحرص على ذلك. فوكل الله بإدريس ملائكة يحفظونه، فإذا
أتاهم إبليس ومن معه من جنوده منعوهم منه
وظهر في وقته كوكب من كواكب الذوائب أقام ظاهرا نيفا وثلاثين
يوما، فجعله أبوه سالما الهيكل، وعلمه الصحف، وكان حريصا على دراستها
وعلى الصوم والصلاة حتى شب فنبأه الله عز وجل على رأس أربعين سنة،
فأتاه وراييل الملك يعلمه علم الفلك والكواكب وسعودها ونحوسها وصور
الدرج والبروج
(٧٨)
وقيل إنه أول من نظر في النجوم بعد آدم عليه السلام.
وفي التوراة ان إدريس عليه السلام أحسن خدمة الله فرفعه الله
تعالى إليه.
ولما رأى إدريس بني قابيل في المعاصي وعبادة الأصنام سأل الله ان يرفعه
إليه، وان يطهره من خطاياه فأجابه إلى ذلك، وأوحى الله إليه ان يلازم
الهيكل هو وشيعته أربعين يوما وأوصى إدريس إلى ابنه متوشلخ لان الله
أوحى إليه ان اجعل الوصية في ابنك متوشلخ فاني سأخرج من ظهره نبيا
يرتضي فعله.
فقيل انه رفع إلى السماء السابعة، وقيل إنه كانت له قصة مع ملك
الموت، وقد سأل الله ان يذيقه طعم الموت، ثم سأل الله ان يريه رضوانا
ويدخله الجنة، ففعل. ولم يخرج من الجنة، ورفعه الله وهو ابن مائة
وخمسين سنة.
وأما متوشلخ فأقام مع أخوته وبني أخيه، أمام الهيكل يعبدون الله
تعالى والنقباء السبعون معهم
ولما رفع الله تعالى إدريس عليه السلام كثر الاختلاف بعده والتنازع وأشاع
عليه إبليس أنه هلك، وأنه كان كاهنا أراد الصعود إلى الفلك فأحرق،
وحزن عليه ولد آدم المتمسكون بدينه حزنا شديدا، وأظهر ان صنمهم
الأكبر أهلكه فزاد في عبادة الأصنام وتحليتها والذبائح لها، وعملوا عيدا لم
( يبق أحد إلا حضره وكانت لهم يومئذ سبعة أصنام يغوث ويعوق ونسر ( ١
وود وسواع ومزية وضمر، وسنذكرها عند ذكر المتعبدات.
وانقطع الوحي بعد إدريس عليه السلام، ومات أولئك النقباء، فكلما
مات واحد منهم صور بنوه وأهله صورته في بيت لهم ليذكروه ويستغفروا
--------------------
١) في ب: ونسرا وودا وسواعا. )
(٧٩)
له، وكان متوشلخ أراد فساد تلك الصور فامتنعوا عليه، فلما حضرته الوفاة
أوصى إلى ابنه لمك ومعنى لمك الجامع، وعهد إليه أبوه ودفع إليه الصحف
والكتب المختومة التي كانت لإدريس عليه السلام، وكان عمر متوشلخ
تسعمائة سنة.
وانتقلت الوصية إلى لمك وهو أبو نوح عليهما السلام، وقد كان رأى أن
نارا أخرجت من فيه، فأحرقت العالم ورأى وقتا آخر كأنه على شجرة في
وسط بحر لا غير.
ولما ولد له نوح عليه السلام ذكر العلماء والكهان ذلك ليمحويل الملك
وعرفوه أن العالم يهلك في زمانه وأنه يكون طويل العمر.
وقد كانوا رأوا أنه طوفان يغرق الأرض، فأمر يمحويل أن يبنيا له
المعاقل على رؤوس الجبال، بنيانا عاليا ليتحصنوا بها، فعملوا منها سبعة
معاقل بعدة الأصنام التي كانت لهم وعلى أسمائها، وزبروا عليها شيئا من علومهم
ويقال إن الملك عملها لنفسه خاصة.
وكبر نوح عليه السلام فنبأه الله عز وجل وهو ابن خمسين سنة وأرسله إلى
قومه، وكان من نعته أنه آدم رقيق البشرة، في رأسه طول، عظيم العينين رقيق
الساعدين والساقين، كثير لحم الفخذين طويل اللحية عريضها، طويل، جسيم
وكان حيا بعد إدريس عليهما السلام، وهو من أهل العزم من الرسل.
وفي بعض الاخبار أن عمره ألف ومائتين وخمسين سنة، وأنه لبث في
قومه يدعوهم إلى الايمان ألف سنة إلا خمسين عاما كما قال الله تعالى، وقال من
ينكر طول الأعمار على مذهب الفلاسفة ان حياته لبنيه، وكانت شريعته
التوحيد والصلاة والصيام والحج ومجاهدة أعداء الله من ولد قابيل، وأمر بالحلال
ونهى عن الحرام، ولم يكن فرضت عليه احكام ولا مواريث ولا حدود،
وأمر أن يدعو الناس إلى الله تعالى، ويحذرهم عذابه، ويذكرهم آلاءه.
(٨٠)
وعلى رأس مائتي ( ١) سنة من عمره هلك يمحويل ملك الكفرة وملك بعده
ابنه الدرمشيل، فشدد في عبادة الأصنام، وأعلى أمرها، وجمع الناس إليها،
وأخذهم بالتعبد لها، فأظهر نوح عليه السلام دين الله عز وجل، وكان يدور
[في] محالهم وأسواقهم وهيا كلهم يدعوهم إلى الله تعالى وكانوا ( ٢) يطوون ذلك
عن مليكهم، ويزجرون مع ذلك نوحا ويهددونه، ويهولون عليه، إلى أن
جلت قصته، وعظم أمره، وتحاماه الناس، وتخاطبوا في أمره، إلى أن اتصل
ذلك بمليكهم ( ٣) فأحضره وانتهره، وتقدم إليه أن لا يعاود.
ويقال إن الذي فعل هذا يمحويل، وإنه حبسه، وبعد ثلاث سنين من
حبسه هلك يمحويل.
وولي الدرمشيل، فأخرجه من الحبس، وتقدم إليه أن ينتهى عن إفساد
الدين وسب الآلهة، فكان لكل صنم من أصنامهم الكبار عيد في وقت من
أوقات السنة يحضرون وينحرون له ويطوفون به، فحضر عيد يغوث،
فاجتمع الناس إليه من كل مكان، فأتاهم نوح عليه السلام، فقام في وسطهم
وناداهم أن قولوا لا إله إلا الله، فوضعوا أصابعهم في آذانهم، وأدخلوا
رؤوسهم تحت ثيابهم وسقطت الأصنام عند ندائه عن كراسيها، فوثبوا عليه
فضربوه وشجوه، حتى سقط على وجهه وسحبوه إلى قصر الملك حتى ادخلوه
عليه، وكان في مجلس مزخرف بأنواع الألوان، وبدائع التصاوير والأصباغ،
مفروش برفيع الحرير، على سرير مصفح بالذهب، منظوم بالجوهر.
فلما مثل بين يديه قال له: ألم أعهد إليك وأنهك عن التعرض لشئ من
أمور الآلهة، و [ان] تدعوهم إلى ما لا يعرفونه، وزاد امرك حتى سجدت
--------------------
١) في ب: مائتين. )
٢) في ب: وكان. )
٣) في ب: لميلكهم. )
(٨١)
الآلهة، وألقيتها عن كراسيها، ومواضع شرفها وعزها؟ من علمك ذلك؟
ومن أين وصل إليك؟
فقال له نوح عليه السلام وهو مخضوب بدمائه: لو كانت آلهة لما سقطت،
فاتق الله يا درمشيل، ولا تشرك بالله فإنه يراك! فقال له الملك، فكيف
قدرت أن تخاطبني بهذا الخطاب! فأمر بحبسه إلى أن يحضر عيد الصنم الآخر،
فيذبحه له تقربا به إليه، وأمر برد الأصنام على كراسيها.
وأن الدرمشيل رأى رؤيا هالته في أمر نوح عليه السلام، فأمر باخراجه
وتخلية سبيله، وأخبرهم أنه مجنون لا حرج عليه.
وكان في زمانه سويدين الكاهن فعرفهم بأمر الطوفان، وقرب زمانه،
وكان يأمر بقتل نوح عليه السلام والله يعصمه منهم.
فولد لنوح بعد خمسمائة سنة من عمره سام وبعده حام وبعده يام وبعده
يافث، وطال أمر نوح معهم فلم يؤمن به إلا نفر يسير من العالم، وقيل له
.( أنؤمن بك، واتبعك الأرذلون ( ١
وقيل كانوا من أهل صنعته، وكان صلى الله عليه وسلم نجارا، ومضت لهم ثلاثة
قرون، قرن بعد قرن، ونوح عليه السلام يذكرهم ويدعوهم إلى الله تعالى
فلا يزدادون إلا طغيانا وعتوا و تجبرا واستكبارا، وقتل من كان اتبعه فكان
يدعوهم إلى الله سبحانه فأوحى الله إليه (إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد
آمن) فحينئذ يئس منهم ودعا عليهم، فقال (رب لا تذر على الأرض من
الكافرين ديارا).
وأمر نوح عليه السلام بعمل السفينة وقد قطع الله عن قومه النسل، وكثر
عليهم القحط، وقلت عمارتهم وكانوا يستعينون على عبادتهم بأصنامهم ولا
تنفعهم.
--------------------
١) في الأصل: الازلون، وقد رسمناها كما وردت في القرآن الكريم. )
(٨٢)

صورة رمزية إفتراضية للعضو علي العذاري
علي العذاري
انتقل لرحمة الله
°°°
افتراضي
وابتدأ نوح بعمل السفينة، أقام في قطع خشبها من الساج وفي عملها ثلاث
سنين، ثم صنع المسامير وأعد كل ما يحتاج إليه ونصبها في رجب، وأمر أن
يجعل طولها ثلاثمائة ذراع، وعرضها خمسين ذراعا، وعمقها سبعين ذراعا.
ويقال إنه لم يدر كيف يعملها فأتاه جبريل عليه السلام، وأمره أن يعملها
على صورة الدجاجة وكانوا يهزؤن منه وهو يصنعها فيضحكون منه، ويرمونه
بالحجارة وجعل بابها في جنبها، فأقامت بعد أن فرغ منها في البر سبعة أشهر
إلى أن أخذ من أصحاب نوح الذين كانوا معه ثلاثة رجال فذبحوا الأصنام
تقربا ليندفع عنهم القحط فيما زعموا، فحق عليهم العذاب. وأمر نوح عليه
السلام أن يحمل فيها من كل زوجين اثنين من جميع الحيوان، وكانت الطبقة
السفلى للدواب والانعام والوحوش، والثانية للطعام والشراب، والثالثة لهم
وكانوا ثمانين نفسا نوح وبنوه عليه السلام سام وحام ويافث، وأهله وناسه،
وحملت الملائكة تابوت آدم عليه السلام من خشب فيه جسده، وكان معهم في
.( السفينة، وكان التابوت بتهامة، وكان معه في السفينة ( ١
وركب معه المؤمنون من ولد أبيه وجده إدريس عليه السلام، فلما نزلوا
من السفينة بنوا قرية وسموها سوق ثمانين، فهي اليوم تعرف بذلك هناك.
ويقال أنه لما اتصل الخبر بدرمشيل، أن نوحا قد ركب السفينة وحمل
زاده قال وأين الماء الذي يحملهم؟ فركب في عدة من أصحابه وسار إلى
السفينة، وقد أجمع ( ٢) على إحراقها، فنادى نوحا عليه السلام فاستجاب له،
فقال وأين الماء الذي يحمل سفينتك؟ قال هو يأتيك في مقامك هذا، فقال
وهذا أعجب، إنك تقول إنه يكون في أرض يبس ماء غمر يحمل مثل هذه
السفينة، انزل منها أنت ومن معك وإلا أحرقتكم أجمعين، فقال له نوح عليه
.
--------------------
١) هكذا وقع التكرار بالمعني في الأصول. )
٢) في ب: جمع، والأصح ما ذكرناه )
(٨٣)
السلام ما أكثر اغترارك بالله عز وجل، فعجل الايمان، واخلع أنداد الله
تعالى تسلم وترشد، وإلا فالعذاب بين يديك.
فهو في محاورته إذ أتاه من أخبره أن امرأة كانت تخبز في تنور لها، فنبع
الماء منه، فقال وما عسى أن يكون من ماء نبع من تنور
فقال له نوح عليه السلام ويحك إنه علامة السخط، وكذلك أوحى إلي
ربي وآية ذلك أن الأرض تتخلخل من جميعها فأزل فرسك من موضعه، فان
الماء ينبع من تحت قوائمه، فأزال الملك فرسه من موضعه، فإذا الماء ينبع من
تحت قوائمه، فسار إلى موضع آخر فكان كذلك، وعادت رسله تخبره أن
الماء كثر وفار، فرجع إلى داره ليأخذ أهله وولده ويمضي إلى المعاقل التي
كان عملها لنفسه
وقيل إن علم الطوفان كان عندهم إلا أنه لم يأت وقته. لما أراد الله تعالى
وكان قد جعل في تلك المعاقل طعاما، فأراد الصعود إلى الجبال، فإذا الصخور
تنحط على رؤوسهم من أعلى الجبل، وانفتحت أبواب السماء بما لا يعلم قدره
إلا الله تعالى من الماء، فساروا لا يدرون أين يتوجهون ويقال انه كان الماء
حارا منتنا
ويقال إن يام بن نوح ممن سار إلى السفينة مع الدرمشيل، فناداه أبوه
(يا بني اركب معنا، ولا تكن مع الكافرين، قال سآوي إلى جبل يعصمني
من الماء) مع الملك وأصحابه (قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم)
وقد كان رأى التنور يفور
وقيل إن السفينة أقامت في الماء خمسين ومائة يوم، وقال قوم من أهل
الأثر إنها أقامت أحد عشر شهرا، وقال آخرون كان الطوفان في رجب
ووقفت على الجودي في المحرم
وفي التوراة أن الله تعالى آلى على نفسه أن لا يعذب أمة بعدها بالغرق
(٨٤)
وكان بين مهبط آدم عليه السلام وبين الطوفان وفور الماء أربعون يوما، فأمر
نوح أن تفتح أبواب السفينة، ثم أرسل الغراب لينظر له فمضى ولم يعد إليه،
فدعا عليه أن يكون مباعدا، وأن يكون رزقه في الخوف. ثم ارسل الحمامة
فرجعت وقد انصبغت رجلاها بالطين، فدعا لها أن تكون إلفا لبني آدم
ومنقارها ورجلاها مصبوغة من يومئذ، ولم تكن كذلك قبل ثم أرسلها بعد
أيام فرجعت وفي مناقرها ورقة خضراء من الزيتون، وقيل كانت من عشب
الأرض.
وفي التوراة أن الأرض جفت في سبعة وعشرين من الشهر الحادي عشر،
ولما تغيب الماء ووقفت السفينة على الجودي أوحى الله تعالى إلى نوح عليه
السلام أن يخرج من السفينة هو ومن معه، فأخرج البهائم والهوام.
وقالوا هم الأسد أن يعبث في السفينة فصاح به نوح عليه السلام، فألقى
الله الحمى في جسده، وأن النجو آذاهم فلطم الفيل فعطس خنزيرا، فالتقط
ذلك النجو [فهو] يعيش منه، وأن الفأر آذاهم فلطم الأسد فعطس هرا.
ونزل نوح عليه السلام من السفينة وبنوه سام وحام ويافث ويحطون،
وهو الذي ولد له في السفينة، ولما خرجوا ليستقروا على الأرض بنوا قربة
سموها سوق ثمانين فسكنوها، فقال لهم الله أكثروا واملأوا الأرض واعمروها
فقد باركت فيكم، ورفعت اللعنة عن الأرض، وآذنت بركاتها وأخرج ثمرها
وكلوا مما رزقناكم حلالا طيبا، واجتنبوا الأوثان والميتة والدم ولحم الخنزير
وما ذبح لغير الله، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق.
ووجه نوح التابوت الذي فيه جسد آدم عليهما السلام إلى غار الكنز بمكة
فدفن فيه.
ولما كثر ولد نوح عليه السلام قسم الأرض بينهم، فدب إبليس إليهم ليرمي
بينهم العداوة والبغضاء فقال لبني حام ويافث إن أباكم أعطى ساما وولده خير
(٨٥)
الأرض ومنعكم منها وأعلاهم عليكم، ولم يزل بذلك فيهم حتى قتل بعضهم بعضا.
فالآن نبدأ بذكر بني نوح عليه السلام وأنسابهم وتفرقهم في البلدان،
وما ولد كل واحد منهم من الأمم، فنبدأ بذكر حام، وبعده بذكر يافث،
وبعده بذكر يحطون، وبعده بذكر سام، متصلا بالعرب والأنبياء صلوات
الله عليهم أجمعين.
حام بن نوح عليه السلام
يقول أهل الأثر إن نوحا عليه السلام دعا عليه بتشويه الوجه وسواده،
وأن يكون ولده عبيدا لولد سام.
فولد له بعد كنعان كوش، فكان أسود، فهم أن يقتل امرأته فمنعه
سام، وذكره دعاء أبيه عليه فغضب، ونزع الشيطان بين الاخوة وحمل بعضهم
على بعض، وكان آخر أمر حام أن هرب إلى مصر، وتفرق بنوه، ومضى
على وجهه يؤم المغرب حتى انتهى إلى السوس الأقصى، إلى موضع يعرف
اليوم بأصيلا، وهو آخر مرسى تبلغه مراكب البحر من نحو الأندلس إلى
ناحية القبلة، وليس بعده للمراكب مذهب.
فيقال ان بنيه اغتموا لمكانه، وندموا على تركه، فخرجوا على أثره
يطلبونه في النواحي التي قصدها، فيقال ان منهم طوائف وقعت عليه، فكانوا
معه إلى أن مات وقطنوا ذلك البلد وسكنوا به وهم أصناف السودان، فكل
طائفة من ولده بلغت موضعا في طلبه فانقطع خبره عنهم أقاموا بذلك الموضع
وتناسلوا فيه، ولم يصل إليه إلا بنوه فقط.
ولما مات حام خرج بعضهم من ذلك الموضع فأقاموا بمكان البربر، وكان
عمر حام أربعمائة سنة واحدى وأربعين سنة.
(٨٦)
ولما مات دفنه ( ١) بنوه في صخرة منقوبة في جبل أصيلا.
ذكر كنعان بن حام
هو أكبر ولد حام وهو أول من غير دين نوح عليه السلام، وألقى
العداوة بينه وبين بني جده من الجبابرة والكنعانيين الذين كانوا بالشام، ويقال
فراعنة مصر منهم، وجالوت منهم الذي قتله داود عليه السلام فهؤلاء
العمالقة، لان العمالقة هم من ولد حام، ومن هؤلاء الكنعانيون الذين قاتلهم موسى
عليه السلام، ويوشع بن النون ( ٢) من بعده، وهم الذين عنى الله عز وجل
بقوله (ان فيها قوما جبارين) وكانت خلقهم عظيمة.
وفيما يقال ان كنعان الأصغر رتبهم في ناحية الشام والجزيرة ومن ولده
فوسطن وصبرا ونهما وسمساوس، ومن ولده نبيط، والنبيط هو السواد وقيل
سموا بذلك لأنهم استنبطوا الأرض وعمروها وكانوا أصحاب عمارة وتدبير.
ومن ولد سودان بن كنعان أمم منهم الاشبان والزنج وأجناس كثيرة
تناسلت بالمغرب نحو سبعين جنسا، وهم مختلفون في أفعالهم، ولهم ملوك.
ومنهم أجناس يلبسون الجلود وهم عراة، ومنهم من يتزر بالحشيش، ومنهم
قوم يعملون لرؤوسهم قرونا من عظام الدواب، وعندهم فأر ابيض يأكلونه
ويسمونه من السماء.
ويتزوج الواحد منهم عشرة نسوة يبيت كل ليلة عند اثنتين منهن، فان
جامعهن على ما تحب وإلا طلقهن الملك بعد ثالثة.
وربما أجدبوا، فإذا أرادوا ان يستسقوا جمعوا عظاما فكوموها كالتل،
--------------------
١) في ب: دفنوه، وفي جائزة عربية على لغة ضعيفة. )
٢) المعروف في كتب التاريخ أنه يوشع بن نون. )
(٨٧)
ثم أضرموها بالنار، وداروا حولها ورفعوا أيديهم إلى السماء، وتكلموا بكلام
فينزل المطر ويسقوا.
فإذا أعرس أحدهم لطخوا وجهه بشئ يشبه الحبر، ثم أجلسوه على تل،
وجلسوا على تل واجلسوا المرأة بين يديه وجعلوا قصبا مثل القبة، وستروها
بشئ من الحشيش، وأقاموا حولها ثلاثة أيام يشربون نبيذ الذرة ويلعبون،
ثم ينصرفون ويأخذ الزوج امرأته ويسير بها إلى موضع سكناه.
ويلبسون حلق النحاس في أيديهم وآذان نسائهم، ويحمل إليهم الكرداونية
التي تصبغ بالحمرة يلبسونها ولا يلبسها منهم إلا الملك.
ولهم شجرة عظيمة يعملون لها عيدا في كل سنة يجتمعون عندها، ويلعبون
حولها حتى يسقط عليهم ورقها فيتبركون به ويزينون المرأة بحلق النحاس
والودع في شعرها.
ومن ولد سودان الكركر وبهم سميت المملكة، التي هي أعظم ممالك
السودان وأجلها قدرا، وكل ملك لهم يعطي ملك الكركر حق الطاعة،
وتنسب إلى الكركر ممالك كثيرة.
ومملكة عانة وملكها أيضا عظيم الشأن، ويتصل ببلاد معادن الذهب وبها
منهم أمم عظيمة، ولهم خط لا يجاوزه من صدر إليهم فإذا وصلوا إلى ذلك
الخط جعلوا الأمتعة والأكسية علية وانصرفوا، فيأتون أولئك السودان،
ومعهم الذهب فيتركونه عند الأمتعة وينصرفون، ويأتي أصحاب الأمتعة فإن
أرضاهم وإلا عادوا ورجعوا فيعود السودان، فيزيدونهم حتى تتم المبايعة كما
يفعل التجار الذين يبتاعون القرنفل من أهله سواء [بسواء]، وربما رجع التجار
بعد زوالهم ( ١) مختفين فوضعوا النيران في الأرض، فيسيل الذهب فتسرقه
التجار. ثم يهربون لان الأرض كلها ذهب عندهم ومعدن ظاهر، وربما فطنوا
--------------------
١) في هامش ب: رواحهم، وفوقها إشارة إلى انها نسخة أخرى. )
(٨٨)
لهم فيخرجون في آثارهم، فإن أدركوهم قتلوهم.
وفي صحاريهم معادن الأشبار سسم ويكبر حتى يظهر مثل الحصى الظاهر
في الرمل وكل ما يحصل للتجار من الذهب يضربونه بمدينة سجلماسة، وهي
مدينة كبيرة فيها أربعة ( ١) جوامع وشارع يسار منه نصف يوم، وفيها نخيل
كثير وفيها يضربون الدنانير.
وتحت يد ملك عانة عدة ملوك وممالك كلها فيها الذهب ظاهر على الأرض
يستخرجه أهله، ويعملونه مثل اللبن.
ومن الأجناس المشهورة ( ٢) منهم ملك الدهدم يسار إليها من كركر على
شاطئ البحر مغربا من هؤلاء ويحارب بعضهم بعضا، ويأكلون الناس، ولهم
ملك كبير تحت يده ملوك، وفي بلدة قلعة عظيمة في صورة امرأة يتأهبون
لها ويحجون إليها.
ومملكة الزغاوة واسعة كبيرة، منها على النيل مما يحاذي النوبة، ويحاربون النوبة.
ومملكة توان وهي كبيرة، ويسار فيها يوما واحدا ( ٣) فيوجد فيها
مومياء ( ٤) في أبيار غير أنها تتحرك مثل الزئبق، وهذه الآبار ( ٥) في بقعة
واحدة مقدارها نصف ميل بنوا عليها حصنا وهم يستعملون المومياء.
ويقال البقعة بمغرا من الصحراء، وممالك النوبة وهم من ولد نوبا بن قوط
ابن مصر بن حام لأنهم لما صار جدهم إلى مصر مع مصر مات مصر وبقي بنوه
فتولى امره بعده قبطم وثبت القبط بمصر، وهو من أولاد قبطم بن مصر.
ووجه قبطم اخوته يسعون في البلاد لطلب ممالك وعيش، فخرج نوب بن قوط
بأهله وولده وسار على عبر النيل فملكوا هنالك.
--------------------
١) في ب: أربع جوامع. )
٢) في ب: المشهور. )
٣) في ب: يوم واحد. )
٤) في ب: موميا. )
٥) ب: البيار. )
(٨٩)
ويقال لمدينتهم العظمى دنقله، وبلادهم بلاد نخل وزرع ومقدار اتساعها
شهران، وهم نصارى على دين اليعقوبية.
ويكون هؤلاء مملكة النوبة من ناحية الصعيد، وهم أوسع ملكا وأعظم
خطرا وأصفى لونا، ومسيرة ملكهم ثلاثة أشهر ومدينتهم العظمى يقال
لها دخلولة وهم أيضا نصارى وملكهم جليل، ولهم لباس وأساورة والذهب
وأيضا عندهم يظهر على الأرض، ولهم أيضا نخل وكرم وهم أجناس كثيرة
ولهم ملوك وبلدهم واسع.
مملكة البجة: وهي تلي النوبة وهي أيضا ممالك عديدة، وهم بين النيل
والبحر وفي كل مملكة ملك، فأول ممالك البجة من حد السودان وهي آخر
عمل المسلمين، والمسلمون يعملون عندهم في المعادن، ووراء ذلك
ممالك ومدن.
وتتصل بهم الحبشة وهم من ولد حبش بن كوش بن حام، وأكبر ممالكهم
مملكة النجاشي وهو على دين النصرانية، واسم مدينتهم الكبرى كفر،
ولم تزل العرب على قديم الأيام تأتي هذه المملكة للتجارات.
وتتصل بمملكة الحبشة مملكة الزنج، وهم على البحر المالح، ولهم ممالك
واسعة، وهم من ولد سودان بن كنعان، ولهم أيضا ملوك عدة وممالك،
واسم ملكهم الأكبر كوخه يكون بموضع يقال له نكد، وهو على البحر،
يحدون أسنانهم حتى ترق، وهم كبار الأفواه نظاف الثغور على كثرة
أكلهم السمك.
ولهم أفيلة يبيعون أنيابها من تجار البلدان التي تقرب منهم، ولهم الجزائر
التي يخرج منها الودع ويتحلون به، ويبيعونه، وهم أجناس كثيرة،
ولهم ممالك.
(٩٠

صورة رمزية إفتراضية للعضو علي العذاري
علي العذاري
انتقل لرحمة الله
°°°
افتراضي
وأما الكوكة فهم أمة لهم أربعة أملاك ملكوا إلى أيلة الحجاز وبنى كل
واحد منهم مدينة سماها باسمه، وجعلوا سائر الأرض خيما، وقسموها على
ثلاثين كورة مقسومة على أربعة أعمال لكل عمل ثمانون كورة، ولكل عمل
ملك يجلس في مدينة على منبر من ذهب، وفي كل عمل بربا وهو بيت الحكمة،
وهيكل لاحد الكواكب وفيه أصنام ذهب مرتبة له.
( وكانت الإسكندرية لهم واسمها راقودة وجعلوا لها خمس عشرة كورة ( ١
وجعلوا فيها كبار الكهنة ونصبوا في هياكلها من أصناف الذهب أكثر مما في
غيرها، وكان بها مائة صنم من ذهب، وقسموا الصعيد ثمانين ( ٢) كورة على
أربعة اقسام.
وكان عدد [مدن] مصر الداخلة في كورها ثلاثين مدينة فيها جميع
العجائب والكور مثل اخميم وقفط وقوص والفيوم.
ذكر يافث بن نوح
وأما ولد يافث بن نوح فقال أصحاب التاريخ ان جميع اللغات اثنان
وسبعون لغة منها سبع وثلاثون في ولد يافث: وثلاث وعشرون في ولد حام،
واثنتا عشرة في ولد سام، فذكروا ان ولد يافث من ظهره سبعة وثلاثون
لكل واحد منهم لغة يتكلم بها هو ونسله.
وكان في قسم ولد يافث أرمينية وما جاوزها إلى الأبواء، فمنهم الاشبان
والروس والبرجمان والخرز والترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج وفارس
ومزنان وأصحاب جزائر البحر والصين والبغار وأمم لا تحصى.
ذكر يأجوج ومأجوج
فأما يأجوج ومأجوج فإنه لا يقدر على استقصاء ذكرهم لكثرة عددهم،
--------------------
١) في ب: خمسة عشر. )
٢) في ب: ثمانون. )
(٩١)
وقد زعم أن مقدار ربع الأرض مسيرة مائة وعشرين سنة.
فذكروا أن تسعين منها ليأجوج ومأجوج واثني عشر للسودان، وثمانية
للروم، وثلاثة للعرب، وسبعة لبقية الأمم.
وسمى أصحاب التاريخ يأجوج ومأجوج أربعين أمة مختلفي الخلق
والقدود، في كل أمة منها ملك ولهم زي ولغة، فمنهم من طوله الشبر والشبران
وأطول من ذلك، ومنهم المشوهون، ومن يفترش إحدى أذنيه ويتغطى
بالأخرى، ومن له ذنب وقرن وأنياب بارزة، ومنهم من مشية وثب
ويأكلون الحيتان والناس والخشاش والطير كله والرخم والحدأة،
وبعضهم يغير على بعض.
ومنهم من لا يتكلم إلا همهمة وفيهم شدة وبأس، وأكثر طعامهم الصيد،
وكانوا يغيرون على الأمم التي تليهم ويخربون بلدانهم، حتى عمل ذو القرنين
السد وهم يستفتحونه آخر الزمان كما قال الله عز وجل.
وربما أكل بعضهم بعضا، والزلازل عندهم كثيرة، وذكر أن عندهم أمم
تعرف المناسك.
وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن يأجوج ومأجوج هل بلغتهم دعوتك؟ فقال "
جزت
ليلة أسري بي عليهم فدعوتهم فلم يستجيبوا ".
ذكر الصقالبة
وأما الصقالبة فهم عدة أمم، فمنهم النصارى، و [من] يقولون بالمجوسية
ويعبدون الشمس، ولهم بحر حلو يجري من ناحية الشمال إلى الجنوب،
ولهم أيضا بحر يجري من المشرق إلى المغرب حتى يتصل ببحر آخر يجئ من
ناحية البلغر، ولهم أنهار كثيرة، وهم كلهم في ناحية الشمال، وليس لهم
(٩٢)
بحر مالح لان بلدهم بعيد عن الشمس، فماؤهم حلو، وما قرب من الشمس
مالح، وما جاوزهم من الشمال لا يسكن لبرده وكثرة زلازله، وأكثر قبائلهم
مجوس يحرقون أنفسهم بالنار ويتعبدون لها.
ولهم مدن كثيرة وبلاد، ولهم كنائس فيها أجراس معلقة يضربونها
كالنواقيس.
ومنهم أمة بين الصقالبة والإفرنج على دين الصابئين، يقولون بعبادة
الكواكب، ولهم عقول وصناعات لطيفة من كل فن، وهم يحاربون الصقالبة
وبرجان والترك.
ولهم سبعة ( ١) أعياد في السنة بأسماء الكواكب، وأجلها عندهم
عيد الشمس.
ذكر اليونانيين
وأما اليونانيون فهم الروم الأولى من ولد يونان بن يافث بن نوح وهم حكماء
الأمم، ولهم النجامة، والحساب، والهندسة، والطب، وصناعات المنطق،
والصناعات اللطيفة، وكل حكم مذكور.
وكانت الأندلس والإسكندرية ومن جاورهم من الأمم يدينون بطاعتهم
إلى أن غلب عليهم رومي بن ديقطون من ولد عيصو بن إسحاق بن إبراهيم
عليهما السلام، لان عيصو لما فارق أخاه يعقوب سار إلى العدوة القريبة،
وهي مساكن الروم اليوم فغلب عليها، وهم الذين بنوا رومية وإليهم تنسب
وهم بنو الأصفر.
وكان آخر ملوك اليونانين ايلاوبطره ( ٢) بنت بطليموس صاحب كتاب
--------------------
١) في ب: سبع. )
٢) هي كيلو بطره. )
(٩٣)
الحكمة والطلسمات، ثم رجع الملك إلى الروم، وقد كان ملك قبلهما
منهم كثير.
ومنهم الحكماء الذين تكلموا في علم الفلك والهندسة والطب والحساب
( والموسيقي والمرائي العجيبة والطلسمات والحيل والروحانية والزيجات ( ١
وكل حكمة.
وكان أبقراط منهم وأبقراط الثاني وهرمس وسقراط وأفلاطون
وأرسطاطاليس واقليدس وجالينوس وجماعة يطول الكتاب بذكرهم.
ذكر الصين
وقطع قوم من بني عامر بن يافث إلى ناحية الصين، وكان زعيمهم قد
عمد إلى مراكب على حكاية سفينة جده نوح عليه السلام فركب هو وأهله
وولده فيها، وقطع البحر إلى الصين، فعمروه وبنوا المدن وعملوا الحكم
ودقاق الصناعات ولطيفها، وأثاروا معادن الذهب فيها، وملكوا
ثلاثمائة سنة.
وملك بعده ابنه صاني مائتي سنة، وبه سمي الصين، فجعل جسد أبيه
في تمثال ذهب، وأقاموا يطوفون به وهو على سرير من ذهب، فصار ذلك
رسم كل ملك يملكهم، وصوروا صورهم في هياكلهم، وهم على دين الصابئين
ثم عبدوا الذرة، بعد ذلك اقتداء بالهند ومن ذلك عبدوا ملوكهم، وكانوا
يجعلون أجسادهم في تماثيل ذهب ويسجدون لها.
ومنهم حكماء تكلموا في الفلك والطب والصنعة وكثير من علوم الهند،
وبلد الصين واسع يقال إن فيه ثلاثمائة مدينة ونيفا عامرة سوى القرى
والرساتيق وبها عجائب كثيرة، ومن خرج في البحر قطع سبعة ( ٢) بحار
--------------------
١) في ب: ولجزيات. )
٢) في ب: سبع. )
(٩٤)
لكل بحر منها ريح ولون سمك ليس لما يليه.
أولها بحر فارس وملكهم اليوم اليعقوفز وهو في مدينتهم العظمى التي يقال
لها انصوا، وبينها وبين خانقوا التي تتراءى لها مراكب التجار ثلاثون يوما.
ومن سيرتهم أن عمال الملك وأصحاب خراجه وجيوشه خدم، وذلك أن
المرأة إذا لم تكن محصنة وأرادت الفجور رفعت أمرها إلى الملك تذكر
حالها فيدفع إليها خاتم نحاس من خواتم الملك فجعلته في عنقها ولبست
المصبغات، وعملت ما شاءت علانية، وإذا ولدت الذكور خصوا واستعملهم
الملك في داره واعماله وان ولدت أنثى كانت على رسم أمها.
وأهل الصين بيض إلى الصفرة فطس، ومن سنتهم أن أحدهم إذا تظلم إلى
الملك من بعض عماله كشف عن أمره، فان كان صادقا أنصفه وعاتب ظالمه،
وإن كان كاذبا ضرب بالخشبة ضربا شديدا لاجترائه على عمال الملك بالكذب.
ومن سنتهم أنه إذا أراد خادم من خدم الملك شيئا ضرب جرس كبير
يدخل الناس دورهم، ويخلون له الطرقات لئلا يرونه.
ومن سنتهم ان تقسم المدينة قسمين، فيكون الملك وأهل بيته وعماله
وحشمه في القسم الواحد، والعامة والرعية وأسواقهم في النصف الآخر،
لا يدخل أحد منهم إلى ناحية الملك.
ومن سنتهم ان يورثوا الأنثى أكثر من الذكر، ولهم عند حلول الشمس
الحمل عيد كبير يأكلون فيه ويشربون سبعة أيام.
وأشرف حليهم من قرون الكر كند، وهو الموشان، لأنها إذا استوت
ظهر فيها صور عجيبة مختلفة فيتخذون منها مناطق تبلغ المنطقة أربعة آلاف
مثقال من ذهب.
والذهب عندهم كثير حتى يتخذون منه لجم دوابهم وسلاسل كلابهم،
ولهم ثياب الحرير المنسوجة بالذهب.
(٩٥)
ذكر الاهتردة
وأما الاهتردة فهم من ولد عامر بن يافث نزلوا بين الروم والإفرنج
ومملكتهم واسعة، وملكهم جليل القدر ولهم مدن كثيرة وأكثرهم اليوم
نصارى، ومنهم من لا دين له وهم يحاربون الإفرنج والصقالبة الذين يجاورونهم
ويطردونهم، وزيهم زي الروم، ومنهم صنف يحرقون أنفسهم.
ذكر الإفرنج
وأما الإفرنج فهم أيضا من ولد يافث ومملكتهم واسعة كبيرة، ولهم ممالك
يجمعها ملك واحد ومدينتهم الكبرى يقال لها دريوه، وهم أيضا نصارى وهم
اليوم أربع عشرة قبيلة ووراءهم أجناس أخرى وأكثر اعتدائهم إلى الصقالبة،
ولهم اتساع مملكة، وهم يحاربون الروم والاهتردة، ومنهم متجر وفيهم
نصارى، ومجوس وزنادقة، ومنهم من يحرق نفسه.
مملكة الأندلس
الأندلس أربع وعشرون مدينة يملكهم ملك واحد إلا ان دينهم دين
الصائبة، ولهم في هياكلهم أصنام للكواكب ثم انصرفوا عن ذلك وتنصروا
وكانت لهم معرفة، وحكم وكان في دار مملكتهم بيت إذا ولي منهم ملك أقفل
على بابه قفلا، إلى أن ولي ملكهم لذريق ولم يكن من أهل الملك فطلب ان يفتح
اقفال ذلك البيت وكانت عدتها أربعة وعشرين قفلا، فاجتمعوا إليه وسألوه
ان لا يفعل وبذلوا له على ذلك جميع ما في أيديهم من الأموال فأبى الا
فتحها، فلما رأوا منه الجد تشاءموا به وتركوه، ففتح الأقفال ودخل البيت
(٩٦)
فوجد فيه صور العرب على الخيل والجمال، وعليهم العمائم الحمر وبأيديهم
الرماح الطوال والقس وكتاب فيه " إذا فتح هذا البيت غلب على هذه البلاد
قوم على صور هؤلاء " ففتحت الأندلس في تلك السنة والتي بعدها تولى فتحها
طارق بن زياد مولى موسى بن نصير في سنة اثنتين وتسعين أيام الوليد بن
عبد الملك، وقتل ملكهم لذريق وسباهم وغنم، ووجد في ذلك البيت مائدة
سليمان عليه السلام وكانت من ذهب عليها أطواق جوهر مفصلة، ووجد
المرآة العجيبة الغريبة التي ينظر فيها إلى الأقاليم السبعة وهي مدبرة من
أخلاط، ووجد فيها آنية سليمان من الذهب، والزبور منسوخا بخط يوناني جليل
بين ورقات ذهب مفصلا بجوهر، ووجد فيه اثنين وعشرين مصحفا محلاة كلها
بالذهب منها التوراة ومصحفا آخر محلى بفضة فيه منافع الأشجار والأحجار،
وعمل الطلسمات، وكان مصحف فيه عمل الصبغة وأصباغ اليواقيت، ووجد
فيه فقاعة كبيرة من حجر مملوءة اكسيد الكيميا مختومة بالذهب، فحمل
ذلك كله إلى الوليد بن عبد الملك.
لما فتحت الأندلس نزلها المسلمون وتفرقوا في مدنها، وتملكوا أكثرها
إلى أن صار إليها عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك في سنة ثمان
وثلاثين ومائة فغلب عليها وتملكها فذريته إلى اليوم فيها.
ذكر مملكة البرجان
وأما البرجان فهم من ولد يونان بن يافث وهي مملكة كبيرة واسعة وهم
يحاربون الروم والصقالبة والخزر والترك، وأشد [الأمم] حربا لهم الروم.
وبين القسطنطينية وبلاد برجان خمسة عشر يوما، ومملكة برجان مسيرة
(٩٧)
عشرين يوما في ثلاثين يوما، وعلى عمل برجان كله سياج وعليه شبه الشباك
من الخشب فهو كالسور على الخندق والقرى دون السياج.
وأهل برجان مجوس، وليس لهم كتاب، ودوابهم التي للحرب راتعة أبدا
في مرج لا يركبها أحد منهم إلا في وقت الحرب، وان وجدوا رجلا قد
ركب دابة حربية في غير وقت قتلوه، وإذا خرجوا للحرب اصطفوا صفوفا
فجعلوا أصحاب النشاب أمامهم، وجعلوا خلفهم جميع العيال والذرية.
وليس لبرجان دنانير ولا دراهم وإنما تبايعهم وترويجهم بالبقر والغنم،
وإذا وقع بينهم وبين الروم الصلح أدت برجان إلى الروم جواري وغلمانا من
بني الصقالبة ومن شبههم.
وإذا مات لأهل برجان ميت عمدوا إلى ما ترك من خدم وحاشية،
فجمعوهم وأوصوهم بوصايا وأحرقوهم مع الميت، ويقولون نحرقهم نحن في
الدنيا فلا يحرقون في الآخرة.
ولهم ناووس عظيم إذا مات الميت أنزلوه فيه وانزلوا معه امرأته وحشمه
فيبقون هناك حتى يموتوا.
ومن سنتهم إذا أذنب عبد أو أخطأ وأراد مولاه أن يضربه انبطح من
قبل نفسه ولم يمسكه أحد فيضربه مولاه ما أحب، فان قام من غير أن
يأذن له مولاه وجب عليه القتل، ومن سنتهم أن يورثوا النساء أكثر
من الرجال
ذكر مملكة الترك
وأما الترك فهم من ولد يافث بن نوح عليه السلام، وهم أجناس كثيرة،
(٩٨)
وهم أصحاب مدن وحصون، ومنهم قوم في رؤوس الجبال والبراري، في
خيم اللبود، وليس لهم عمل غير الصيد، ومن لم يصد شيئا ذبح دابته وأخذ
دمها وشواه، وهم يأكلون الرخم والغربان وغيرها. وليس لهم دين، ومنهم
من هو على دين المجوسية ومنهم من يتهود.
وملكهم الأكبر خاقان، وله سرير من ذهب وتاج ذهب ومنطقة ذهب
ولباسهم الحرير، وقيل إن ملكهم الأعظم لا يكاد يظهر، وإن ظهر لم يقم
بين يديه أحد، وفيهم مكر ( ١) وفيهم حقد، وشدة وبأس.
وللملك عندهم يوم توقد لهم فيه نار عظيمة ويأتي ويقف وهو مطل
عليها، ويتكلم بهمهمة فيرتفع منها وهج عظيم، فان كان إلى الخضرة كان
الغيث والخصب وإن كان إلى البياض كان الجدب، وإن كان إلى الحمرة
كانت هراقة الدماء، وإن كان إلى الصفرة كانت علل ووباء، وإن
كان إلى السواد دل على موت الملك أو على سفر بعيد، فان كان ذلك عجل
بالسفر والعودة
ذكر مملكة الروم
وأما الروم فهم من بني عيصو والروم لقب لهم، فلما صار الامر إلى
قسطنطين قال بالنصرانية وجمع الأساقفة على المعمودية ( ٢) ثم تفرقت النصارى
بعده على الطبقات: البطريق والأسقف والقسيس والشماس والمطران والدمستق
صاحب الفرق، وهم يفطرون يوم الأحد إذا صاموا، ويفطرون السبت من
الظهر، ولا يتزوج الرجل عندهم الا واحدة ولا يتسرى عليها، ولا يشرب
من الخمر حتى يسكر، والسكر عندهم حرام، وتعظيم الأحد عندهم، لان
--------------------
١) في ب: وفيهم سحر. )
٢) في ب: المعمورية. )
(٩٩)
المسيح قام من قبره ليلة يوم الأحد، وارتفع إلى السماء يوم الأحد بعد اجتماعه
مع الحواريين.
ولا يرون الاغتسال من الجنابة ولا الوضوء، وإنما عبادتهم بالنية ولا
يأخذون القربان، ويقولون هذا لحمك ودمك، يعنون المسيح عيسى عليه
السلام، ويعتقدون أنه ليس بلحم ولا خبز وإذا تفرقوا بعد أخذه قتل
بعضهم بعضا، ولا يتكلم إذا أخذ القربان حتى يغسل فمه، ويورثون النساء
جزئين والرجال جزءا، وليس لهم طلاق.
ومن سيرتهم أن لا يلبس أحد منهم خفين أحمرين إلا الملك، فان كان ولي
عهد لبس فردا أحمر وفردا أسود، ولا يأكل ملكهم إلا على الموسيقى
والألحان والغناء، وأكثر طعامهم الكرديانات والمرققات والاستبدناجات
والسكباجات.
ولهم الأرغن وفيهم الطب والحكمة وعمل الصناعات والحذق بالصور حتى
أنهم ليصورون صورا يظهر عليها الحزن، ويصورون أخرى يظهر عليها الفرح
والسرور، ويسمى ملكهم الملك الرحيم، ويظهر العدل والانصاف وهو ينوح.
ذكر مملكة الفرس
وأما الفرس فهم من ولد يافث بن نوح، والفرس تدفع ذلك ويزعمون أنهم
لا يعرفون نوحا ولا الطوفان ولا ولد نوح، ويحسبون ملوكهم من كيومرت
الأول وهو آدم.
وزعموا أن الفرس كلها من ولد افريدون الملك، وزعم قوم أن أول ملك
في العالم بعد الطوفان أو سبهبد بن نوح بن عامر ( ١) بن يافث وأنه ملكهم ألف
--------------------
١) هكذا في الأصل، والمعروف أنه ابن لمك. )
(١٠٠)


مواقع النشر (المفضلة)
أخبار الزمان المؤلف: المسعودي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
الانتقال السريع
المواضيع المتشابهه
الموضوع
مخطوطة: روحانية قوية جدا مجهولة المؤلف
مخطوطة: روحانية رقم «2» مجهولة المؤلف
الطاقة الروحية المؤلف: هنري برغسون
القانون المسعودي للبيروني
من منكم قرأ كتاب القانون المسعودي للبيروني؟

الساعة الآن 02:06 PM.