المشاركات الجديدة
تواريخ وحوادث : لتكوين قاعدة بيانات بتواريخ الاحداث والمواليد

أخبار الزمان المؤلف: المسعودي

صورة رمزية إفتراضية للعضو علي العذاري
علي العذاري
انتقل لرحمة الله
°°°
افتراضي
سنة وطلع إلى الفلك.
وبعده منوشهر وهذه الطبقة الأولى إلى أن غلب الإسكندر دارا بن دارا
ورتب ملوك الطوائف، ثم هلكت الأكاسرة من آل أردشير بن بابك إلى
انقضاء ملكهم وقد نسبهم قوم إلى سام، وبذلك جاءت الآثار.
وكان دينهم دين الصابئة، ثم تمجسوا وبنوا بيوت النيران، ويقال إنه كان
يكسي ملكهم بيوت النيران ويذر فيها كبريتا وزرنيخا فيستوقد من نفسه
لا يستعملون الحطب لتلك النار الا أوقية أوقية بثلاثين فضة.
ويقال إن [من] كان يريد التعبد في تلك البيوت يقعد على كرسي وبين
يديه هاون حجر كبير قد جعل فيه ماء وبيده دستج خشب يضرب به الملك
أبدا ويحركه بعنف شديد وقوة واجتهاد كأنه يعذبه لعبادته النار.
وجميع أهل الممالك يعترفون للفرس ويقرون لهم بالرئاسة وحسن التملك
وتدبير الحروب ودقيق الألوان وتأليف الطعام والطب واللباس وترتيب
الأعمال ووضع الأشياء مواضعها والترتيل والخطابة ووفور العقل وتمام النظافة
والشكل وهيبة الملوك، هذا كله لهم فيه السبق.
ومن كتب سيرتهم استعمال من جاء من بعدهم من رسوم الملك وتدابير
الرئاسة، وأمرهم أشهر من أن يستقصى في هذا المكان.
ذكر مملكة خراسان
فأما ملوك خراسان مثل الصغد وغيرهم من قد غلبه والاشروسنية
والبرجان وهو أهل الديلم والجبل واللد والأكراد والشماس، وما وراء النهر
فقد كانت لهم ملوك عدة بطارقة أكثرهم كان يعبد النار ويتمجس.
ويقال ان اردشير رأى شيطانه فقال له علمني علما انتفع به، فقال له على
(١٠١)
أن تنكح أمك فهي أقرب أهلك، ففعل وصار دين المجوسية.
والفرس تزعم أن نكاح الأخوات من وقت آدم، ثم أطلق لهم بعد ذلك
زنادقتهم نكاح الام، وقالوا لهم هي أحق إليه من الأخت ففعلوا.
وخلف جزيرة الصين أمم عراة ينسق لون شعورهم وأمم لا شعور لهم
وأمم حمر الوجوه شقر الشعور، وأمم إذا طلعت الشمس هربوا إلى مغارات
يأوون إليها من حر الشمس ولا يخرجون منها حتى تدور الشمس إلى الوجه
الغربي، وأكثر ما يغتذون نباتا يشبه الكمأة وسمك وخشاش الأرض، وتحاذيهم
من ناحية الشمال أمم بيض شقر عراة يتناكحون كما تتناكح البهائم، ويجتمع
على الواحدة الجماعة، ولا يمنع أحد من أنثى لينالها.
ذكر سام بن نوح
وأما سام بن نوح عليه السلام فان الله تعالى جعل له الرئاسة والكتب
المنزلة والأنبياء، ووصية نوح في ولده سام خاصة دون أخوته،
فولد سام، أرفخشذ.
وكان عمره أربعمائة سنة وخمسا وستين سنة منه، وولد أرفخشذ شالخ،
وولد شالخ عابر، وعاش عابر أربعمائة سنة وثلاثين سنة.
وولد عابر قحطان، وولد قحطان فالغ، وولد فالغ يعرب، وقيل إنه
أول من تكلم بالعربية، وكانت لغاتهم السريانية، وولد يعرب سبأ وولد سبأ
حمير، وسمى بذلك لأنه كان له تاج، وكان له جوهر أحمر فإذا جلس أضاء
على بعد منه، فكان يقال له الملك الأحمر، ثم غير اللفظ فقيل له حمير.
وكهلان [بعد] حمير بن سبأ ومن كهلان كانت ملوك اليمن من التبايعة
والأذوين، ومنهم كان أبرهة والأحابش، والمغاربة والأنجاد.
(١٠٢)
والاذواء جماعة غزوا الأمم وتجولوا في البلاد، ومنهم إفريقس الذي بلغ
آخر المغرب.
ذكر إبراهيم عليه السلام
وأما إبراهيم عليه السلام فولد له سيدنا إسماعيل عليه السلام، وأمه [هاجر]
القبطية واسحق وأمه سارة بنت هارون، وهو من بني حران وكانت حياة
إبراهيم عليه السلام مائة وخمسا وسبعين سنة، وكان ملك بابل في وقته النمروذ
من ولد كوش بن حام، فلما ان حاجه إبراهيم عليه السلام وكسر الأصنام أضرم
الملك له نارا عظيمة وألقاه فيها فجعلها الله تعالى عليه بردا وسلاما، وأتت
ريح فنسفت النار في وجوه الواقفين مع الملك كذلك.
وخرج إلى حران فآمن به ابن أخته لوط وسارة بنت عمه. وكان خروجه
وهو ابن سبع وثلاثين سنة وتزوج سارة بوحي أتاه، وخرج معه ثلاث صحف
بالعبرانية وكانت لغته سريانية، وكان في الصحف أمثال وتسبيح وتهليل
وتحميد، وأمر بالمسير فعبر الفرات وسار إلى مصر وسنذكر قصته في
أخبار مصر.
ذكر إسماعيل عليه السلام
وأما إسماعيل عليه السلام فقطن الحرم ونبع له زمزم بأمر الله تعالى،
ونبأه الله وأرسله إلى العماليق وجرهم وقبائل اليمن، فنهاهم عن عبادة
الأوثان، فآمنت به طائفة منهم وكفر أكثرهم، وغلب على الحرم وتزوج
في خيرهم.
(١٠٣)
وولد له اثنا عشر ولدا ومات وهو ابن مائة سنة وسبع وستين سنة،
وأوصى إلى ابنه عدنان بأمر البيت، فدبر امر البيت.
فمن عدنان ولد محمد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وجميع العرب العاربة من
ولده.
وذكر آخرون أنه من ولد قيدار بن إسماعيل، واختلفوا في ولد إسماعيل
اختلافا كبيرا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بلغ بالنسب إلى معد بن
عدنان،
قال عدنان بن أعراق الثري. ومن إسماعيل وعدنان أمم كثيرة.
حدث البلبلة
كان الناس بعد الطوفان مجتمعين بمكان واحد بأرض بابل ولغتهم السريانية
ثم تفرقوا فسلك قحطان وعاد وثمود وعملاق، وطسم وجديس طريقا،
وألهمهم الله تعالى هذا اللسان العربي فساقتهم الاقدار إلى اليمن فسارت عاد
إلى الأحقاف ونزل ثمود ناحية الحجر ونزل جديس اليمامة، ثم شخص طسم
فنزل اليمامة مع جديس، ثم شخص عملاق فنزل أرض الحرم، وسار ضخم
أرم فنزل الطائف، وسار جرهم فنزل مكة، فهؤلاء ولدهم ونسلهم يسمون
العرب العاربة.
وولد إسماعيل يسمون العرب المستعربة لأنهم تعلموا منهم وتكلموا بلغتهم.
ذكر عاد
وأرسل الله هودا إلى عاد وهم بأحقاف الرمل وملكهم الخلجان ( ١) بن
الوهم، وكانوا يعبدون ثلاثة أصنام وكذبوه، فدعا عليهم فأمسك الله عنهم
--------------------
١) في ب: الخلنجان. )
(١٠٤)
المطر ثلاث سنين فأجهدهم ذلك فوجهوا إلى مكة رجالا يستسقون لهم
في الحرم.
ولم تزل العرب تعظم موضع البيت، وكان موضعه بعد الطوفان ربوة
حمراء، وأهله العماليق وسيدهم معاوية بن بكر، فقدم عليه وفد عاد للاستسقاء
وفيهم قيل ( ١) بن عمرو ويزيد بن ربيعة، ونعيم بن هذال، ولقمان بن عاد،
فقدموا ونزلوا على معاوية بن بكر وأقاموا عنده شهرا يأكلون ويشربون
وتغنيهم الجرداتان وهما قينتان كانتا لمعاوية بن بكر، فلما طال أمرهم أشفق
عليهم معاوية بن بكر لأنهم أخواله وخاف عليهم، فصنع شعرا ينبههم به
:( ويحثهم على ما قدموا له، وأمر الجاريتين فغنتاه ( ٢
ألا يا قيل ويحك قم فهينم * لعل الله يمطرنا غماما
فيسقي أرض عاد إن عادا * قد أمسوا لا يبينون الكلاما
وأنتم هاهنا فيما اشتهيتم * نهاركم وليلكم التماما
( فقبح وفدكم من وفد قوم * ولا لقوا التحية والسلاما ( ٣
فانتبه القوم لما سمعوا الشعر ونهضوا يستسقون، فلما استسقوا نشأت لهم
ثلاث سحائب بيضاء وسوداء وحمراء، ونودي قيل منها اختر لقومك قال
البيضاء جهام قد فرغت ماءها، والحمراء ريح والسوداء غيث فاختارها فقيل
قد اخترت رمادا رمددا لا يبقي من عاد أحدا، لا والدا ولا ولدا. فدخلت
الريح على عاد من واديهم، فأقامت سبع ليال وثمانية أيام حسوما، والحسوم
الدائمة حتى هلكوا عن آخرهم، وتهدمت ديارهم ولم يمنعهم جدار ولا جبل
حتى هلكوا عن آخرهم، ولم يبق إلا رسمهم.
--------------------
١) في ب: قنبل. )
٢) في ب: فغنيتاه. )
٣) الأبيات في مروج الذهب بأطول من هذا. )
(١٠٥)
و [روي أنه] لما استسقى وفدهم بمكة، ساروا في طريقهم فنودوا في
طريقهم: إن عادا قد هلكوا عن آخرهم، فاختاروا لأنفسكم، فاختار قيل
أن يلحق بقومه، فسار نحوهم فلقيته الريح فأهلكته، واختار مزيد برا
وصدقا وكان مؤمنا بهود عليه السلام، فأعطي ما سأل.
واختار نعيم حياة ألف سنة لا يمرض ولا يهرم، ولا تصيبه حاجة فأعطي
ما اختار، واختار لقمان عمر سبعة أنسر فأعطي ما أختار، وكان يأخذ
النسر فرخا يربيه حتى يهلك، ثم يأخذ عند هلاك ذلك فرخا آخر، فيفعل
به كذلك، حتى بلغ سبعة أنسر، وكان آخرها لبد، وقد ضربت العرب
به الأمثال في أشعارهم قال الأعشى:
ألم تر لقمان أهلكه * ما مر من سنة ومن شهر
وبقي نسر كلما انقرضت * أيامه عادت إلى نسر
ما مر من أمد على لبد * وعلى جميع نسوره السمر
قد أبلت الأيام نضرته * وأودعت لقمان في القبر
وقال النابغة الذبياني:
أمست خلاء وأمسى أهلها انقرضوا * أخنى عليها الذي أخنى على لبد
ولما قسم نوح عليه السلام الأرض بين بنيه جعل لسام وسط الأرض،
والحرم وما حوله واليمن إلى حضرموت إلى عمان والبحرين إلى عالج إلى طرف
بلاد الهند، وكان هذا كله مدنا وقرى وحصونا وقصورا ومصانع وبساتين
يتصل بعضها ببعض، إلى أن سخط الله على قوم هود فأفسد كثيرا منها.
وجعل الله في ولد سام النبوة والبركة، وجعل لحام بعض الشام ومصر إلى
أعالي النيل وبلاد النوبة والبجة، وأصناف السودان مع البحر الأحمر ( ١) إلى
--------------------
١) في ب: الأخضر، وهو خطأ. )
(١٠٦)
بلد الحبشة والهند والقوط والسند.
وقسم ليافث بلاد الترك والصين، ويأجوج ومأجوج، والصقالبة والروم
وإفرنجة والاعبورة والأندلس إلى البحر المظلم، وسواحله.
وجعل ليحطون صين الصين إلى بلاد الشحر إلى ناحية اليمن، فكثروا من
كل جانب وانبسطوا إلى جهة بابل، وبورك فيهم فصاروا نيفا من سبعين ألف
بيت على خلق عظيم إلى أن ضرب بينهم إبليس، وكانت البلبلة فافترقوا.
وكان أول ملك منهم النمرود الأول بن كوش بن حام، وكان أسود أحمر
العينين مشوها في جبهته كالقرن، وكان أول أسود يرى بعد الطوفان، فكان
من ولده لدعاء نوح عليه السلام على ابنه حام، وذلك أن نوحا عليه السلام
نام فانكشفت عورته، فرآها حام فضحك ولم يغطه، وسكت يافث، ولم
ينكر عليه فصاح سام عليهما، وعلم ذلك نوح فدعا على حام أن يكون ولده
سودا مشوهين عبيدا لولد سام، ودعا على يافث أن يكون ولده عبيدا لبني
سام، وأن يكونوا أشرار الناس.
وكان حام من أجمل البرية وأتمهم كمالا وأطيبهم ريحا، فاجتنب امرأته أن
يطأها خوفا من دعوة أبيه، فلما مات أبوه غلبه ذلك على اعتقاده، فقرب منها
فحملت بكوش بن حام وأخته، فلما رآهما حام فزع منهما، وأتى اخوته
فأخبرهما وقال لهما قلت لامرأتي هل شيطان أو أحد غيري أتاك؟ فقال اخوته
هذه دعوة أبيك فاغتم لذلك وترك امرأته دهرا، ثم غشيها فولدت قوطا
وتوأمته، فلما رأى ذلك هرب في البلاد وغاب فلم يدر أين يذهب، ولم
يكن أشد تجبرا وتكبرا وعتوا من النمرود الأسود.
وكان له بعض كهان فأتاه إبليس فقال له أنا كاهن من الكهان، ولم أر
أحدا يعادلك في الكهانة وأنا معينك ومتمم أمرك، وجاعلك ملك الملوك،
(١٠٧)
على أن تذبح لي ولدك قربانا، وتصلي لي ثلاث صلوات فأقلدك وأكون معك،
وأجعلك كاهنا كاملا تاما وأقيمك مقامي ففعل ما أمر به فأمر إبليس
الشياطين بطاعته، وليكون معه، ثم أتوه بولد سام فحاربهم وعاونه إبليس
فقهرهم واستعبدهم، فانقادوا له وأطاعوه فبنى له إبليس قصرا وصفحه
بالذهب ( ١) المكللة بالجوهر تضئ ما حوله ودفع إليه سيفا يتألق نورا في رأسه
ثعبان يمتد إلى من يومئ إليه فيقتله، فلما رأى ( ٢) الناس ذلك أذعنوا له
بالطاعة، ثم دعاهم إلى عبادته فأمر أن يبنى له صرح ( ٣) من الحجارة ومن
الكلس فلم يبق أحد إلا عمل فيه وقال يكون حصنا لكم.
وعاونته الأبالسة فبنى صرحا عظيما فبلغ ارتفاعه في الجو تسعمائة ذراع،
ثم هندم أعلاه بأغرب بنيان وبنى فيه مجالس على أساطين غريبة، وكان
عرض كل حائط من حيطانه الأربع ألف ذراع وما بين ذلك من الطبقات
جعلها كلها مخازن وملا جميعها من المال والطعام والشراب وجميع الآلات وكل
ما يخاف أن يحتاج إليه يوما من الدهر بما يقوم به هو وأهله مدة من الدهر
طويلة، وجعل مجلسه أعلاه وأمر الناس أن يعبدوه.
واتخذ صاحب خبره جنيا ( ٤) بينه وبين الناس، فإذا رفع إليه أن أحدا
امتنع عن عبادته أمر به فطرح من أعلى الصرح إلى أسفله.
وزعم قوم أنه يكون على السحاب ويصعد إلى الفلك، وكان يركب
عجلة منصوبة على ظهور الشياطين وينحدر منها إلى الأرض ففرق الناس منه
وافتتنوا به وعبده كثير منهم، وعظم أمره. واتصل بسام أنه يريد قتله،
وقد عزم عليه فأخرج سام الأسماء التي علمه نوح عليه السلام إياها، وقال له
--------------------
١) لعل الصواب بالمذاهب. )
٢) ب: رأوا. )
٣) ب: صرحا. )
٤) في ب: حبشيا. )
(١٠٨)
لا تدع بها إلا في مهم عظيم ففيها ( ١) اسم الله الأعظم، وقال: اللهم أنت
الداعي لعبادك وبعينك ما هم فيه وما خرجوا من الفتنة إليه بغلبة هذا
الجبار الذي قد استهوته الشياطين وانقيادهم له، وإن لم تغثهم ضلوا وهلكوا،
وأنت أعلم بما يصلحهم، فاحقن دماءهم وامنع هذا الجبار منهم، وخذه
بجريرته واكفنا أمره.
فأمر الله عز وجل الرياح الأربع فأقبلت على ذلك الصرح من جوانبه
فجعلته دكا واتبع ذلك ظلمة شديدة ورجفة عظيمة تزعزعت لها الجبال.
فنهض العالم على وجوههم لا يرى بعضهم بعضا، ولا يدرون أين يتوجهون
وضعفت ألسنتهم عن الكلام.
وهلك اللعين عدو الله النمروذ، وهلك من كان يعبده، ومشى الناس في
الظلمة هاربين ثلاثة أيام ثم لاحت لهم شعوب فيها نور يسير، فتشعب كل
شعب فرقة هربت نحوه طلبا للنجاة، وتبع كل فرقة قوم يحثونهم، وهذا
بلغة غير لغة الفرقة الأخرى، حتى خرجت كل فرقة إلى ناحية من الأرض
وقد تبلبلت ألسنتهم وكثرت لغاتهم، فإذا وصلت فرقة منهم إلى موضع
ناداهم مناد " هذا موضعكم الذي تكونون فيه فاعتمروا فيه وأثمروا ".
فخرج بنو سام لناحية اليمن إلى الشحر وحضرموت إلى آخر خط
الاستواء، فمنهم العرب العاربة.
وخرج بنو حام إلى السند والهند وبلاد أسوان ( ٢). وخرج بنو يافث إلى
الشمال،. فمنهم الروم والخزر والترك والصقالبة والإفرنج، ويأجوج ومأجوج.
وخرج بنو يحطون إلى الصين الأقصى وأقاصي الشرق، فنزل ( ٣) كل قوم
في موضعهم وعمروه وتوالدوا فيه إلى اليوم.
--------------------
١) في ب: منها. )
٢) هكذا في الأصول. )
٣) في ب: ترك. )
(١٠٩)
ونذكر من أخبار آدم عليه السلام ما وقع إلينا في نقله بعض الخلاف،
وفي ذكره فائدة.
آدم خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته على ما
تقدم ذكره، وأسكنه جنته بفضله، وأهبطه بذنبه إلى الأرض، وتاب
عليه، وعلمه جميع العلوم، وملكه على الأرض، وكثر في جميع العالم منه
أفاضلهم وأشرارهم وهو أول من صام وصلى وقرأ وكتب.
وكان من أحسن المخلوقين وجها، وكان أمرد أجرد، وأنزل الله تعالى
عليه إحدى وعشرين صحيفة، وتوفاه الله وهو ابن سبعمائة سنة وخمسون سنة،
وكان عمره الف سنة، فوهب لداود منها خمسين سنة لما عرضت عليه أعمارهم
وصورهم فرأى عمر داود قصيرا.
وأوصى بعده إلى ابنه شيث، وكان فيه وفي بنيه النبوة والدين والعبادة
والقيام بحقوق الله تعالى وشرائعه.
وأنزل الله تعالى على شيث تسعا وعشرين صحيفة، وكان مسكنه فوق
الجبل وسكن ولد قابيل أسفل الوادي، وكان عمره تسعمائة سنة واثنتي
عشرة سنة واستخلف ابنه أنوشا وكان عمره تسعمائة وخمسين سنة، واستخلف
ابنه قينان وهو الذي كانت الوصية إليه وقسم الأرض بين بني أبيه، فطاف
وهو ابن تسعمائة وعشرين سنة، ودفع الوصية إلى ابنه هطيل ( ١) وفي وقته
بنيت الكعبة، وكان عمره ثمانمائة سنة وخمسا وتسعين سنة، وأوصى إلى ابنه
يرد وعلمه وضع العلوم، وأخبره بما يجري في العالم، ويحدث بنظره في
النجوم، وفي كتاب سر الملوك الذي أنزل على آدم عليه السلام.
وولد ليرد خنوخ وهو إدريس عليه السلام، وقد تقدم خبره مع يمحويل
--------------------
١) في مروج الذهب: مهلائيل. )
(١١٠

...
....
صورة رمزية إفتراضية للعضو علي العذاري
علي العذاري
انتقل لرحمة الله
°°°
افتراضي
الملك ويقال إن يمحويل الملك بعث إلى أبيه أن يبعث إليه إدريس فامتنع،
فوجه إليه جيشا فمنعه منه أعمامه.
وجميع ولد شيث فلم يصل إليه، ولم يكن بعد شيث وحي، حتى نبأ
الله تعالى إدريس [عليه السلام].
وكان عمر يرد سبعمائة وخمسين سنة، ويقال إنه أول من استوقد واستعبد
وغزا بني قابيل، ونظر في علم الفلك، ووضع المكيال والميزان، وأوتي علم
الطب والنجوم، وعلم الزيجات بحساب غير حساب الهند، وسأل ربه فأراه
الصور الفلكية العالية.
وكانت الأرواح تخاطبه، وعلم أسماء الصعود والهبوط فصعد وهبط،
ودار [حول] الفلك وعرف أشكال النجوم ووقف على مسير الكواكب،
وعرف كل ما يحدث في العالم، فزبره على الحجارة وعلى الطين.
وزيد مع ذلك كل العلوم والصناعات، وكانت له قصص تطول مع ملك
الموت ومات ثم عاش ونظر إلى النار ودخل إلى الجنة ولم يخرج عنها.
ورفع على رأس ثلاثمائة سنة من عمره، وكان يقال له هرمس باسم عطارد،
وعلم ابنه صابيا الخط فقيل لكل من كتب الخط بعده صابيا.
وهو الذي أخبر بالطوفان، وما يحدث في العالم ودفع الوصية، والصحف
إلى ابنه متوشلخ وأمر صابيا بمعونته.
وكان صابيا قد بلغ مبلغا جليلا، وعاش متوشلخ تسعمائة سنة واثنتين
وثلاثين سنة.
وانتقلت الوصية إلى ابنه لمك فأخذ في البحث وجمع العلوم، وأقبل على
بني أبيه فجمعهم وأمرهم ونهاهم وحضهم على الجور لولد قابيل ونهاهم عن
قربهم وعن الاختلاط بهم، وهو الذي رأى نارا خرجت من فيه، فأحرقت
العالم.
(١١١)
ولما ولد له نوح عليه السلام والملك يومئذ درمشيل به يمحويل بن خنوخ
ابن يحمور بن قابيل بن آدم عليه السلام، وكان قد تجبر وقهر الملوك على ما
تقدم، لكنا نعيد ذكره هنا لما ورد في هذا الخبر من الزيادة والاستقصاء.
وكان إبليس قد استمال الملك ودعاه إلى عبادة الكواكب ودين الصابئة،
وقال له هو دين أجدادك، فأجابه وعمل له الشيطان هياكل وأصناما
عبدوها.
ويقال إنه له يستخرج أحد من المعادن والجوهر واللؤلؤ والمرجان أكثر مما
كان في وقت الدرمشيل، وكان شديدا على نوح والله تعالى يحفظه منه وعاش
الملك ثلاثمائة سنة.
ونبأ الله تعالى نوحا عليه السلام وهو ابن مائة وخمسين سنة وأرسله إلى
قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما، وعاش بعد الطوفان مائة سنة،
وكان أول نبي بعد إدريس عليهما السلام.
وكانت شريعته التوحيد والصلاة والزكاة والصيام والحج وجهاد الأعداء،
فدعا قومه إلى الله تعالى وحذرهم عذابه، وكلما قام فيهم ودعاهم عنفوه وحذروه
وأخفوا أمره عن الملك، وكان يحضر هياكلهم وبيوت أصنامهم، فإذا قال
لهم قولوا لا إله إلا الله وإني عبد الله ورسوله جعلوا أصابعهم في آذانهم وادخلوا
رؤوسهم في ثيابهم تبرءا مما يقول.
ولما قال لهم يوما قولوا لا إله إلا الله وقعت الأصنام على وجوهها فقاموا
إليه فضربوه حتى سقط على وجهه، وعرف الملك خبره فأحضره وقال له
ما هذا الذي بلغني عنك من مخالفتك لديني وما عليه بنو أبيك وسبك
لآلهتنا؟ وما هذا السحر الذي أسقطت به الأصنام عن كراسيها؟ ومن
الذي علمك ذلك؟
(١١٢)
فقال له نوح عليه السلام لو كانت آلهة كما تزعم ما سقطت، وأنا عبد الله
ورسوله فاتق الله تعالى ولا تشرك به شيئا، فإنه يراك فأمر بحبسه. إلى
أن يحضر عيد الأصنام فيذبحه تقربا إليه.
وأمر برد الأصنام على كراسيها، وإصلاح ما تغير منها، وحان العيد
وقرب فنادى في الناس أن يجتمعوا ليروا ما يصنع به، فدعا عليه نوح عليه
السلام فأصابه صداع في دماغ رأسه أذهب عقله، فأقام أسبوعا ثم هلك
فحمل على سرير ذهب، وطيف به في هياكل الأصنام، وهم يبكون عليه ثم
دفنوه، وشتموا نوحا ونالوا منه بألسنتهم كل قبيح.
وولى الملك ابن الدرمشيل فأخرج نوحا من حبسه، وزعم أنه مجنون
وتقدم إليه ونهاه أن لا يعود إلى ذلك الفعل فأقام إلى أن اجتمعوا في بعض
أعيادهم عكوفا على أصنامهم فخرج حتى أتى جمعهم.
فقال: قولوا لا إلا إله الله وإني عبد الله ورسوله، فتساقطت الأصنام
وقاموا إلى نوح عليه السلام فضربوه وشجوه وسحبوه على وجهه، ثم أتوا به
الملك فقال له الملك ألم أصفح عنك، وأسرحك من حبس أبي على أن لا تعاود؟
فقال له إني عبد مأمور بما أفعله، قال ومن أمرك؟ قال إلهي، قال ومن
إلهك قال إله السماوات والأرض وما فيها وخالق الخلائق أجمعين، قال وبماذا
أمرك؟ قال ادعو الناس إلى عبادته وحده، واخلع الأصنام، وأعمل بما
فرضه الله تعالى من الصلاة والزكاة والصيام قال فان لم نفعل ما تقول، قال
الامر إليه إن شاء أهلككم وإن شاء أمهلكم، قال فاترك إلهك وما يريده وكف
أنت عنا نفسك، قال ما ينبغي لي أن أكف ولا أقدر لأني عبد مأمور،
فأمر بحبسه إلى أن يتقرب به إلى الأصنام.
(١١٣)
فخرج على الملك سرنديب الكاهن الجبار، وكانت بينه وبينه حروب
شغل بها عن أمر نوح عليه السلام وتشاءم بحبسه فأمر بتسريحه حتى يخلو له
وجهه ثم صالح الكاهن على ناحية تركها له من عمله، وعاد إلى ما كان فيه
من ملكه.
وكان إبليس يحرضه على قتل نوح عليه السلام، ويزينه له فيمنعه الله تعالى
منه وزاد أمر نوح عليه السلام، فوجه الملك إلى جميع ممالك الأرض ليوجهوا
له كل كاهن، وكل عراف لمناظرة نوح عليه السلام فشخصوا إليه من الآفاق،
فناظروه فغلبهم نوح عليه السلام بالحجة والبرهان.
فآمن منهم الكاهن فيملون المصري، واتبعه حتى دخل معه في السفينة،
وأوحى الله تعالى إلى نوح عليه السلام ان اصنع الفلك بأعيننا، فقال كيف
أصنعه؟ فأهبط الله تعالى جبريل عليه السلام حتى أراه إياها، وأمره ان
يبنيها على مثل صدر البطة فأقام في عملها عشر سنين، وعملها من خشب
الساج، وجعل طولها ثلاثمائة ذراع وقيل دون ذلك، وجعل ارتفاعها من
الأرض خمسين ذراعا، وجعلها ثلاث طبقات كما امر.
وكانوا يهزؤن منه ويضحكون، وكان الرجل منهم يأتي إليه بابنه الصغير
فيحذره منه، وربما رماه الصبيان بالحجارة فآذوه، ولما فرغ من عمل السفينة
جعل بابها في جنبها، وأقامت موضوعة على الأرض تسعة أشهر حتى حضر
عيد لتلك الأصنام، فاجتمعوا إليه وقربوا إليه ثلاثمائة رجل ممن آمن بنوح
عليه السلام، ذبحوهم بين أيديهم، فحق عليهم العذاب.
وأمر الله تعالى نوحا عليه السلام أن يدخل في السفينة من كل زوجين
اثنين، فقال يا رب من أين لي أن أجمع ذلك فأمر الله تعالى الرياح فحشرت
إليه كلما أراد، وأمر به فأدخل فيها من كل زوجين اثنين.
(١١٤)
وكانت السفينة ثلاث طبقات، فجعل الطبقة السفلى للبهائم والدواب والطير
وجعل الوسطى لطعامهم، وجعل جسد آدم عليه السلام في تابوت فيها،
وجعل العليا له ولمن دخل معه.
وركب الملك إلى هيكل الأصنام فأقام فيها حينا، ثم مشى إلى السفينة،
وقد علم بما شحنت فيه وعزم على حرقها، فلما وقف عليها قال يا نوح وأين
الماء الذي يحملها؟ قال هو يأتيك في مكانك هذا، وأمر الملك فرميت
السفينة بالنار، فرجعت عليه وعلى أصحابه فأحرقت بعضهم، وفار الماء
على ما تقدم ذكره، وفتحت أبواب السماء بالمطر وحيل بينهم وبين صعود
الجبال، ولم يدروا أين يتوجهون، وكانت المرأة تحمل ولدها على عنقها،
فإذا لججها الغرق طرحته، فقيل لو رحم الله الكافر لرحم الصبي وأمه.
وقال أصحاب النظر في الكواكب سلمت ثلاثة مواضع، لم يدخلها
الطوفان ونحن لا نقول بذلك، والفرس لعنهم الله لا يقولون بالطوفان ولا
بنبوة نوح عليه السلام، ونحن لا نقول بقولهم، والهند يزعمون أنه لم يكن
( ببلدهم من الطوفان شئ وكذلك أكثر [سكان] الجزائر والبحار ( ١
يزعمون ذلك.
وقيل إن السفينة أقامت في الماء ستة أشهر، ويقال إنها سارت شرقا
وغربا وأتت موضع الكعبة، وكانت معهم خرزة يعرفون بها الليل،
ومواقيت الصلوات.
ولما نزلوا من السفينة على ما تقدم ذكره أمرهم نوح عليه السلام بالزراعة
وغرس الشجر، وتفقد الكرامة فلم يجدها، وسأل عنها فعرفه جبريل عليه
السلام أن إبليس سرقها، لان له فيها شركة فاقتسمها معه، فقال نوح اعطه
--------------------
١) في ب: وكذلك أكثر جزائر والتجار. )
(١١٥)
منها الربع، قال لا يكفيه فزده، قال فاعطه النصف، قال لا يكفيه
ولكن يكون له ( ١) الثلثان ولك الثلث، قال فنعم إذن
قال فما طبخ من عصير الكرم بالنار حتى يذهب ثلثاه، كان حلالا لك
ولذريتك، وما نقص من ذلك كان له، ولمن كان من اتباعه.
وقال إبليس لنوح عليه السلام إن لك عندي يدا أرعاها لك قال وما
مكافأتك؟ قال وصية أوصيك بها، قال وما هي؟ قال إياك والحسد والحرص
والعجلة فان الحسد حملني على إن عصيت ربي، وغويت آدم حتى خرج من
الجنة، والحرص حمل آدم وحواء حتى أكلا من الشجرة، فغضب الله عليهما،
والعجلة التي حملتك على أن دعوت على قومك فأهلكتهم جميعا.
ذكر عناق بنت آدم عليه السلام
نرجع الآن إلى ما يجب ذكره من بقية أخبار آدم عليه السلام، ولدت
عناق بنت آدم مفردة بغير أخ ( ٢) وكانت مشوهة الخلق لها رأسان، وكان
لها في كل يد عشر أصابع، لكل أصبع ظفران كالمنجلين الحادين.
ذكرها علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: هي أول من بغى في الأرض،
وعمل الفجور، وجاهر بالمعاصي واستخدم الشياطين، وصرفهم في وجوه
السحر.
وكان الله عز وجل أنزل على آدم عليه السلام أسماء تطيعها الشياطين،
وأمره أن يدفعها إلى حواء فتعلقها على نفسها فتكون حرزا لها، ففعل
ذلك، وكانت حواء تصونها وتحتفظ بها، فاغتفلتها عناق وهي نائمة، فأخذتها
واستجلبت الشياطين بتلك الأسماء، وعملت السحر، وتكلمت بشئ من
--------------------
١) في ب: لها. )
٢) ت: ذكر. )
(١١٦)
الكهانة، وجاهرت بالمعاصي وأضلت خلقا كثيرا من ولد آدم عليه السلام،
فدعا عليها آدم عليه السلام، وأمنت حواء فأرسل الله إليها في طريقها
أسدا أعظم من الفيل فهجم عليها في بعض المغاور فقتلها، ومزق أعضاءها،
وأراح الله آدم وحواء منها.
ويقول أهل الأثر: إن عوجا الجبار [من] ( ١) ولدها: وإن الطوفان لم
يغرقه ولا بلغ ماؤه إلا بعض جسده، وأنه طلب السفينة ليغرقها فأعماه الله
عنها، وعمر إلى زمان فرعون، وقطع صخرة على قدر عسكر موسى عليه
السلام وكان في أكثر من ستمائة الف ( ٢)، وحملها على رأسه ليطرحها عليهم،
فأرسل الله في طريقه ذلك عليه طيرا نقر ذلك الحجر حتى ثقبه، ونزل من
رأسه إلى كتفيه فصار رأسه مضغوطا في الحجر فمنعه الرؤية، وتعذر عليه
الحركة، وأمر الله تعالى موسى عليه السلام بقتله، وكان لموسى أيد قوية،
وكانت وثبته عشرة أذرع، وطول عصاه مثلها وطوله كثيرا فوثب إليه فلم
يضرب بطرف عصاه إلا عرقوبه، فسقط لثقل الحجر فقتله ووافق سقوطه
عرض النيل. فأقام كالجسر يعبر الناس عليه والدواب كالقنطرة مدة طويلة.
وفي حديث آخر أنهم جروه في خمسة أشهر في كل يوم ألف ثور مقرنين
بعجلات مع تعاونهم عليه في كل يوم نصف ذراع حتى طرحوه في بحر القلزم.
وقيل بل قطعوه قطعا وجروه إلى البحر، وقيل إن سقوطه كان في
صحراء مصر فترك في موضعه وردم عليه بالصخور والرمل حتى صار كالجبل
العظيم.
ذكر أخبار الكهان من العرب
بلغ سطيح من الكهانة ما لم يبلغه أحد، وكان يسمى كاهن الكهان،
--------------------
١) في ب: هو. )
٢) ت: مائة الف. )
(١١٧

صورة رمزية إفتراضية للعضو علي العذاري
علي العذاري
انتقل لرحمة الله
°°°
افتراضي
وكان يخبر بالغيوب والعجائب ( ١) فقيل [إن] ( ٢) ربيعة بن نصر اللخمي رأى
رؤيا هالته، فأمر بجمع الكهان وأصحاب القيافة والزجر، فلما حضروا
عنده قال لهم إني رأيت رؤيا هالتني فأخبروني بها، فقالوا له قصها علينا
نخبرك بتأويلها، فقال ما أطمئن إلى تأويلها إذا قصصتها عليكم، ولا أصدق
في تأويلها إلا من عرفها قبل أن أقصها عليه.
فقال له رجل منهم: لا يفعل ذلك ويوثق بقوله إلا سطيح الذئبي وشق
اليشكري، فهما أعلم، فأرسل إليهما ليقدما عليك.
فقدم سطيح قبل شق، وكان اسم سطيح ربيع بن ربيعة من بني ذئب بن
عدي، فأكرمه ربيعة بن نصر، وقال له إني رأيت رؤيا هالتني، وأريد أن
تخبرني بها وبتأويلها.
فقال سطيح: أقسم بالشفق، والليل إذا غسق، والطارق إذا طرق،
لقد رأيت حممة خرجت من ظلمة، فوقعت في أرض تهمة، فأكلت كل ذات
جممة.
قال صدقت فما تأويلها؟ قال أحلف بما بين الحرتين من حنش، ليطأن
أرضكم الحبش، وليملكن ما بين أبين إلى جرش.
قال ربيعة إن هذا لغائظ موجع، فهل في زماننا؟ قال لا بل بعده
بحين أكثر من ستين أو سبعين، يمضين من السنين، ثم تقتلون بها أجمعين،
وتخرجون منها هاربين.
قال فمن بلي ذلك منهم؟ قال غلام رحب الفطرة من آل ذي يزن،
يخرج عليهم من عدن، فلا يترك أحدا منهم باليمن.
قال فما تصنع اليمن؟ قال يملكها بعدهم [قوم ذوو] أخطار من رجال
--------------------
١) ت: من الغيوب بالعجائب. )
٢) ت: ورأى ربيعة. )
(١١٨)
أحرار، قال أفيدوم ذلك أو ينقطع؟ قال بل ينقطع، قال ومن يقطعه؟
قال نبي ذكي أمين قوي، يأتيه الوحي من قبل الواحد العلي: قال وممن هذا
النبي؟ قال من ولد غالب بن فهر بن مالك بن مضر، يكون الملك في قومه
إلى آخر الدهر.
قال وهل للدهر من آخر؟ قال نعم يوم انفطار السماء، والوقوف للجزاء،
بالسعادة والشقاء.
قال وأي يوم هو؟ قال يوم يجمع فيه الأولون والآخرون، ويسعد فيه
المحسنون، ويشقى فيه المسيئون.
قال أحق ما تخبرنا به يا سطيح؟ قال نعم والشفق، والغسق، والقمر
إذا اتسق، أن ما أنبأتك به لحق.
ومن أخبار أيضا: أنه كان لعبد المطلب بن هاشم ماء بالطائف، يقال
له ذو الهدم، فادعته ثقيف فجاؤه فاحتفروه، فمنعهم عبد المطلب فعظم
خصامهم، فنافرهم عبد المطلب إلى سطيح، فخرج عبد المطلب ومعه ابنه
الحارث، وخرج معه جماعة من قومه، وخرج خصمه جندب بن الحارث في
جماعة من ثقيف، فلما كان في بعض الطريق نفد ماؤهم فطلبوا إلى الثقيفيين
أن يسقوهم فلم يفعلوا، فنزل عبد المطلب وأصحابه، وهم لا يشكون أنه
الموت، ففجر الله عين ماء عذب من تحب جرات بعير ( ١) عبد المطلب
فشربوا واستقوا وحمد الله عز وجل عبد المطلب [وشكره] ( ٢) وساروا على
طريقهم فنفد ماء الثقيفيين فسألوا عبد المطلب أن يسقيهم ففعل فقال له
الحارث: لان أدخل سيفي في بطني أخف علي من أن أفعل ذلك! قال له
( يا بني أسقهم فان الكرم ثقيل الحمل، فسقاهم فساروا فقطعوا رأس جرادة ( ٣
--------------------
١) في ب: من تحت جرار عبد المطلب. )
٢) زيادة عن ت. )
٣) في ب: جران. )
(١١٩)
فجعلوه في خرز ( ١) مزادة، وعلقوه في جلد في عنق كلب لهم اسمه سوار،
وكانت في عنقه قلادة لا تفارقه.
فأتوا سطيحا فلما دخلوا عليه قالوا إنا أتيناك سائلين، قال فماذا تسألون؟
قالوا نسأل عن شئ قد خبأناه، ونحتكم عندك في شئ وقع التخاصم بيننا
فيه، فقال خبأتم رأس جرادة في خرز مزادة في عنق سوار ذي القلادة،
قالوا صدقت فأخبرنا عما اختصمنا فيه إليك، قال احلف بالضوء والظلم،
والبيت ذي الحرم، أن الدفين ذا الهدم، لهذا العربي ذي الكرم، فانصرفوا
وقد قضى لعبد المطلب.
ومن أخباره أن كسرى ابرويز ( ٢) لما رأى في نومه كأنه سقط من قصره
ست عشرة ( ٣) شرفة ارتاع لذلك، فوجه إلى الموبذان فعرفه بذلك، وقال
إن ذلك قد هالني وأفزعني.
قال الموبذان: أيها الملك عسى أن يكون خيرا، وإني أيها الملك كنت
أرى البارحة ان النيران قد خمدت، وقلعت بيوتها وهلك سدنتها وقد أغمني
.( ذلك، وكنت عزمت على أن لا أخبر الملك حتى يوجه إلي فأتيته ( ٤
قال كسرى فما الداعي؟ قال الموبذان قد بلغني ان بأرض العرب كاهنا
يقال له سطيح، يخبر بما يكون قبل كونه، فلو أرسل إليه الملك رسولا
يسأله عن ذلك، فلعله أن يخبره بالجواب فيه.
قال كسرى ومن لنا بحصيف ينفذ في ذلك؟ وكان على باب الملك فيمن
وفد عليه من العرب رجل، يقال له عبد المسيح من رهط سطيح، فأشار
به الموبذان على كسرى، فأحضره ولم يخبره بما رآه، وقال انطلق إلى
سطيح، فاسأله عن رؤيا رأيتها، فإذا أخبرك بها، فاسأله أن يخبرك بتأويلها،
--------------------
١) في ت: جلد. )
٢) في ب: اجرويز وهو خطأ. )
٣) في ب: ستة عشر. )
٤) لعل الصواب فأنبئه. )
(١٢٠)
فإذا أخبرك فارجع مسرعا ولا تتخلف، قال أفعل أيها الملك، فأمر له بمال
وجائزة، وحمله جائزة إلى سطيح.
فركب عبد المسيح راحلته، ومضى مبادرا يقطع المفاوز والفيافي، حتى
لحق مكان سطيح بعد أيام، فلما بلغ بيته وجده عليلا لما به فوقف عليه وسلم
[وجعل يرتجز ويقول ليسمعه:
اصم أم يسمع غطريف اليمن * يا فاصل الخطة أعيت من ومن
من أبيات] ( ١) قال سطيح [مجيبا له] عبد المسيح، على جمل فسيح، أوفى
على سطيح، وقد أشفى على الضريح، يسأل عن ارتجاج الايوان، ورؤيا
الموبذان، وخمود النيران.
قال: فالتأويل يا سطيح؟ قال: تنقضي أيامهم، وتنقطع آثارهم،
وتملك العرب ديارهم، عند ظهور صاحب التلاوة، والقضيب والهراوة.
قال: ومتى ذلك يا سطيح؟ قال: إلى أن يملك منهم ملوك وملكات،
على عدد الشرفات، وقبل ذلك ينقضي امر سطيح ويواريه الضريح،
ولا يصلح [له] فيها قرار.
وقد روي [هنا] الكلام على غير هذا النوع وأكثر منه كلاما ( ٢) فرجع
عبد المسيح إلى كسرى، وقد دعى كلامه، فعجب كسرى وسره وقال:
إلى أن يلي منا ستة عشر ملكا يكون سعة لدفع الهم، ولعل ذلك لا
--------------------
١) زيادة عن ت. )
٢) عبارة ت: عبد المسيح، على حمل مسيح، يسأل عن خمود النيران، رؤيا الموبذان وسقوط )
الايوان، لاخبر بالبرهان، أما عدد الشرفات فيلي مثلها ملوك وملكات وخمود النيران ينقضي
ملكهم على الزمان، وذلك عند ظهور صاحب التلاوة أمر والقضيب والهراوة، فتنقضي آثارهم،
وتملك العرب ديارهم، وهناك ينقضي سطيح، ويواريه الضريح، ولا تكون الدنيا له بدار ولا
يقر به فيها قرار، وقد يروون هذا الكلام على غير هذا السجع.
(١٢١)
يكون، فرأى الملك منهم تلك العدة في سنين قليلة حتى انقضى ملكهم في
.( خلافة عثمان رضي الله عنه ( ١
وقيل إن الرؤيا كانت ليلة مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقال إن سطيحا
عاش أربعمائة سنة.
وأما شق الأول، وهو شق بن حويل بن إرم بن سام بن نوح عليه
السلام، فهو أول كاهن في العرب العاربة، وارم أبو الجبابرة من عاد وثمود
وطسم وجديس وغيرهم، ويقال إنه كانت له عين واحدة في جبهته،
ويقال إنه [كان] يشق وجهه نار.
ويقال ان الدجال من ولده، ويقال إنه هو الدجال بعينه، أنظره الله
إلى وقته، وهو محبوس في بعض جزائر البحر.
وفي حديث تميم الداري انه خرج في بعض الاسفار فوقع إلى جزيرة،
فرآه وخاطبه، وسأله عن ظهوره، وانه وجده مغلولا، مشدودا إلى
صخرة، وأن الشياطين تأتيه بما يأكله، على ما يقول.
وفي خبر آخر أنه لا يحتاج إلى الغذاء، ورآه تميم الداري، وله عين
واحدة، وحدث بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يرويه عنه فيقول: حدثني تميم
الداري، ويذكر طرفا من خبر الدجال.
ويقال إن أمه امرأة من الجن عشقت أباه حويلا، فتزوجته فأولدها
الدجال وهو خوص بن حويل، وكان مشوها مبدلا، وكان إبليس يعمل له
العجائب، فلما كان وقت سليمان عليه السلام دعاه فلم يجبه، فحبسه في
جزيرة في البحر.
وقيل إن أباه استهوته الشياطين لما كانت أمه منهم، وانه من مدينة
ماريول التي غلبت عليها الجن، وهي من مدائن المغرب، وأن الجن في طاعته.
--------------------
١) ت: عمر رضي الله عنه. )
(١٢٢)
ويقال إن خوصا هذا كان يحضر السارق فيأمره برد ما سرق، فان
فعل وإلا صار حية فيلتوي في عنقه فيقتله، وقيل أنه ربما خاطبهم ولا
يرونه، وكان إذا حكم على أحد فلم يرض حكمه بصبص ( ١) أحذقته في إحدى
عينيه فرده أعور.
وقيل إن مجلسه كان في قبة بوادي برهوت في اليمن، وكانوا يحجون
إليه، وقيل إنه لم ينم قط، وانهم كانوا يرون فوق عينيه نارا بيضاء،
وكذلك عن الموضع الذي هو فيه مسجون انه يعلوه بالليل نار مضيئة،
وبالنهار دخان.
وأما شق اليشكري وكان حكيم العرب في الجاهلية، وقد كان ربيعة بن
نصر لما رأى رؤياه وجه إلى شق وسطيح، فأتاه سطيح قبل شق، وكان
من جوابه ما قدمنا ذكره في أخبار سطيح، فلما قدم عليه شق قال له: يا
شق اني رأيت رؤيا هالتني فما هي؟ وكتمه قول سطيح، فقال له شق رأيت
حممة، خرجت من ظلمة، فوقعت بين روض وأكمة فأكلت كل ذات نسمة،
( قال: صدقت فما تأويلها؟ قال: أحلف بما بين الحرتين من انسان، ليطأن ( ٢
أرضكم السودان، وليغلبن على كل طفلة البنان، وليملكن ما بين أبين
إلى نجران.
قال: أيكون في زماننا هذا؟ قال: بل بعده بزمان، ثم يستنقذكم عظيم
ذو شان، قال: وممن هو هذا العظيم؟ قال: غلام من بيت ذي يزن، فلا
يترك أحدا منهم باليمن، قال: فهل يدوم ذلك؟ قال: بل ينقطع برسول
يرسل، يأتي بالعدل بين أهل الدين والفضل، يكون الملك فيهم إلى يوم
الفصل، قال: وما يوم الفصل؟ قال: يوم يدعى من السماء بدعوات، يسمع
--------------------
١) في ب: فضض. )
٢) في ت: ليهبطن. )
(١٢٣)
بها الاحياء والأموات، ويجمع الخلق فيه للميقات، يكون فيه لمن آمن الخير
والخيرات، ولمن كفر الويل والترحات، قال: أحق ما تقول يا شق؟ قال:
اي ورب السماء والأرض، وما بينهما من رفع وخفض، أن ما أنبأتك به
لحق محض، ما فيه كذب ولا نقض، فأجازه ربيعة بجائزة سنية، ووصله
وصرفه.
خبر اليمامة الزرقاء
وهي صاحبة جو واليمامة، سميت بها، وصاحبة البحرين، وقيل إن
أمها كانت كاهنة، وكان لها رئي ( ١) من الجن وهي من جديس، وكانت جديس
وطسم بمكان فغلبت طسم على جديس، وملك الجميع عملوق بن الطسم، وكان
يفترع النساء قبل زواجهن، فاحتالت جديس عليه فقتلوه وقتلوا كثيرا من
طسم فاستنصرت بقايا طسم بحسان بن تبع الحميري، فغزا جديسا طالبا
بثار طسم.
وكانت اليمامة الزرقاء وعينها الواحدة أكبر من الأخرى، فإذا أغلقت
الكبرى أبصرت بالصغرى على الفراسخ الكثيرة والأمد البعيد، وقيل إنها
كانت [ترى] ( ٢) فلك القمر، فتخبر عنه بأشياء عجيبة.
وقد كان اتصل بجديس استنصار طسم بحسان بن تبع الحميري، فقطنوا
وقالوا لليمامة: انظري فنظرت، وقالت: أقسم بمهب الرياح، والآكام
والبطاح، والمساء والصباح، ليأتين من حمير [الجيش] الرداح، والخيل والسلاح،
فلا ترون من بعدها فلاح.
فلما أصبحوا في اليوم الثاني قالوا لها: انظري فنظرت، وكان حسان
--------------------
١) وفي ت: رئيس والصواب رئي. )
٢) عن ت. )
(١٢٤)
لما قرب من جو بأربعة أيام قال لأصحابه ان اليمامة ستراكم على البعد الكثير
فتنذر بكم، فليحمل كل واحد منكم غصنا من شجرة أعظم ما يقدر عليه
ليسدل أغصانه عليه وجوانبه، ففعلوا ذلك.
فقالت اليمامة لما رأت ذلك: يا جديس قد أتتكم الشجر، تخبط المدر،
فاستعملوا منها الحذر فكذبوها، وقالوا لها: أتسير الشجر؟
فلما كان في اليوم الثالث قالوا لها: انظري، فنظرت فقالت: أرى رجلا
في كتفه كتف، أو نعل يخصفه فكذبوها، وقالوا قد تغير نظرها، وكيف
ترى على هذا البعد ما لم يتصل بنا خبره، فكان حسان يسير بالليل ويكمن
بالنهار، إلى أن صبحهم فقتلهم أبرح قتل، وهدم منازلهم واستباح نساءهم.
وأخذ اليمامة، وقال لها ألا عرفتيهم بمسيري؟ قالت: قد فعلت لو
قبلوا، ونظر فرأى في عينها عروقا سوداء، فقال لها: بم كنت تكتحلين؟
فقالت له: بحجر الأثمد، مربى بماء المطر. فقيل انه قطع يدها ورجلها،
وقلع عينها وصلبها، فيقال: إن رئيها من الجن لطمه فأعوره، ومنعه النوم
فلم يكن ينام.
وقد ذكرت الشعراء اليمامة فأكثروا، قال الأعشى يذكرها في القصيدة
التي أولها:
بانت سعاد فأمسى حبلها انقطعا
فقال يذكرها ونظرها:
ما نظرت ( ١) ذات أشفار كنظرتها * حقا كما نظر الربى إذا شجعا
فكذبوها بما قالت فصحبهم * جيوش حسان تزجي الموت والسلعا
وإياها عنى:
--------------------
١) من هنا إلى ذكر عجائب مصر لا يوجد. )
(١٢٥)
واحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت * * إلى حمام شراع وارد الثمد
تحفه جانبا بير ويتبعه * مثل الزجاجة لم تكحل من الرمد
قالت الا ليتما هذا الحمام [لنا] * إلى حمامتنا أو نصفه فقد
فحسبوه فألفوه كما حسبت * تسعا وتسعين لم تنقص ولم تزد
فكملت مائة منها حمامتها * وأسرعت حسبة في ذلك العدد
وقصتها في حديث الحمام مشهورة، وهذا هو القول الذي سجعت
هي به:
ليت الحمام ليه إلى حمامتيه
أو نصفه قديه [تم الحمام ميه]
ذكر عجائب مصر وأخبار ملوكها وكهانها
لما ذكرنا الكهان وجب علينا أن نذكر كهنة مصر، لأنهم كانوا أعظم
الكهان قدرا، وأجلهم بالكهانة علما ( ١) وكان حكماء اليونانيين يصفونهم
بذلك، ويقولون أخبرنا حكماء مصر بكذا، واستفدنا منهم كذا وكذا.
وكان هؤلاء ينحون في كهانتهم نحو الكواكب، ويزعمون أنها هي التي
تفيض عليهم العلوم وتخبر بالغيوب، وهي التي علمتهم أسرار الطبائع،
ودلتهم على العلوم المكتومة فعملوا الطلسمات المشهورة، والنواميس الجليلة
وولدوا الاشكال ( ٢) الناطقة، وصوروا الصور المتحركة، وبنوا العالي من
البنيان، وزبروا علومهم من الطب في الحجارة، وانفردوا بعمل البرابي، وعملوا من
الطلاسم ما نفوا به ( ٣) الأعداء عن بلادهم وعجائبهم ظاهرة، وحكمتهم
واضحة.
--------------------
١) في ت: حذقا. )
٢) في ت: وأولدوا الدلالات. )
٣) في ت: ومنعوا بها الأعداء. )
(١٢٦)
وكانت مصر خمسا وثمانون كورة منها بأسفل الأرض خمس وأربعون،
ومنها بالصعيد أربعون وكان في كل كورة رئيس من الكهنة، وهم الذين
ذكرهم الله تعالى في قصة فرعون لما أشار عليه أصحابه، وقالوا (ابعث في
المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم) يريد هؤلاء الرؤساء.
وكان الذي يتعبد منهم لكوكب من الكواكب السبعة المدبرة سبع سنين
يسمونه ماهرا، والذي يتعبد منهم للكواكب السبعة لكل واحد منهم سبع
سنين، فمن بلغ هذه المرتبة منهم سمي قاطرا ( ١) وصار يجلس مع الملك ويصدر
الملك عن رأيه، وإذا رآه قام إجلالا له، وكان زيهم أن يدخل كل يوم إلى
الملك فيجلس إلى جانبه فتدخل الكهنة، ومعهم أصحاب الصناعات فيقفون
حذاء القاطر، وكل واحد من الكهنة منفرد بكوكب يخدمه لا يتعداه إلى
سواه، ويسمى بعبد كوكب كذا، كما كانت العرب تسمي عبد الشمس،
فيقول القاطر لاحد الماهرين أين صاحبك؟ فيقول في البرج الفلاني في الدرجة
الفلانية في دقيقة كذا، ويسأل الآخر في حذائه، حتى إذا عرف مستقر
الكواكب، قال للملك ينبغي أن يعمل الملك اليوم كذا وكذا، ويأكل
كذا وكذا، ويجامع في وقت كذا، ويقول له جميع ما يراه صلاحا، والكاتب
قائم بين يديه يكتب جميع ما يقول.
ثم يلتفت إلى أهل الصناعات [فيقول أنقش أنت صورة كذا على حجر
كذا فمتى رسم على أهل الصناعات] ( ٢) فيخرجون إلى دار الحكمة،
فيضعون أيديهم في الأعمال التي يصلح عملها في ذلك اليوم:
ويستعمل الملك جميع ما قاله القاطر، ويؤرخ جميع ما جرى من هذا
--------------------
١) في ب: ناظر، وقد رسم هكذا في كل موضع جاء فيه، والصواب ما ذكرناه. )
٢) الزيادة عن ت. )
(١٢٧)
وشبهه في ذلك اليوم في صحيفة، وتطوى وتودع في خزائن الملك فعلى ذلك
جرت أمورهم.
وكان الملك إذا حزبه ( ١) أمر بجمعهم بخارج مصر، ويصطف لهم
الناس بخارج المدينة ثم يقدمون ركبانا، يتقدم بعضهم بعضا، ويضرب بين
أيديهم بطبل الاجتماع، فيدخل كل واحد منهم بأعجوبة، فمنهم من يعلو
وجهه نور مثل نور الشمس فلا يقدر أحدهم النظر إليه، ومنهم من يكون على
يديه جوهر أخضر وأحمر على ثوب من ذهب منسوج، ومنهم من يكون
راكبا على أسد متوشحا بحيات عظام ومنهم من تكون عليه قبة من نور أو
جوهر في صنوف من العجائب الكثيرة، إلا أن كل واحد إنما يصنع ما يدل
عليه كوكبه الذي يعبده، فإذا دخلوا على الملك قالوا أرادنا الملك الامر
كذا، وأضمر الملك كذا، والصواب فيه كذا.
* * *
وكان بمصر القديمة واسمها أمسوس ملك كاهن يقال له عيقام من ولد
عرباق ( ٢) ابن آدم فتحكي أهل مصر عنه حكايات كثيرة تخرج عن العقل.
وكان قبل الطوفان وقد رأي في علمه كون الطوفان، فأمر الشياطين
الذين تطيعه أن يبنوا له مكانا خلف خط الاستواء، بحيث لا يلحقه شئ من
الآفات، فبنوا له القصر الذي [على] سفح جبل القمر، وهو قصر النحاس
الذي فيه التماثيل من النحاس، وهي خمسة وثمانون تمثالا، يخرج ماء النيل
من حلوقها، وينصب إلى بطحاء مصر.
فلما عمل له ذلك القصر أحب أن يراه قبل أن يسكنه، فجلس في قبة،
--------------------
١) في ب: إذا أحزبه، وفي ت: إذا جربه، والصواب ما ذكرناه. )
٢) في ب: عراب. )
(١٢٨)
وحملته الشياطين على أعناقها إليه، فلما رآه ورأى حكمة بنائه، وزخرفة
حيطانه، وما فيها من النقوش وصور الأفلاك، وغير ذلك من العجائب،
وكانت المصابيح تسرج فيه، وتنصب فيه موائد يوجد عليها من كل الأطعمة،
ولا يرون من يعملها، وكذلك لا إنس به.
وفي وسط القصر بركة من ماء جامد الظاهر ترى حركته من وراء ما جمد
منه، وأشياء كثيرة من هذا المعنى، وإن كانت تنبو عنها العقول.
فأعجبه ما رأى ورجع إلى مصر فاستخلف ابنه عرباق ( ١) وأوصاه بما
يوجب له الملك وولده على مكانه، ورجع هو إلى ذلك القصر، وأقام به
حتى هلك هناك.
واليه تعزى مصاحف القبط، التي فيها تواريخهم.
قونية الكاهنة
وفي مصاحف القبط أنها كانت تجلس على عرش من نار، فإذا ما احتكم
إليها الرجل، وكان صادقا شق ( ٢) على النار حتى وصل إليها ولم تضره.
وكانت تتصور عليهم في أشكال كثيرة من الصور، إذا شاءت ( ٣) ثم
بنت لنفسها قصرا واحتجبت فيه عن الناس، وجعلت حيطانه من نحاس
مجوفة، وكتبت على كل أنبوب فيها من الفنون التي يتحاكم إليها فيه فكان
الذي يتحاكم إليها يأتي إلى الأنبوب الذي كتب عليه ذلك الفن، فيتكلم بما
يريده، ويسأل ذلك ما قصد له بصوت خافض غير عال، فإذا فرغ من
--------------------
١) في ت: عريان. )
٢) في ت: خاض النار. )
٣) ت: كيف شاءت. )
(١٢٩)
كلامه جعل هو أذنه على ذلك الأنبوب، فيأتيه الجواب منه بكل ما
يريده، فلم يزالوا مستعملين ذلك، إلى أن خرب بخت نصر البلد.
وكان عرباق بن عيقام الملك قد تكهن بعد أبيه وعمل عجائب كثيرة،
منها شجرة من صفر لها أغصان حديد بخطاطيف حادة، إذا تقرب الظالم إلى
الملك تقدمت إليه تلك الخطاطيف، وتعلقت به وشبكت يديه، ولم تفارقه
حتى يحدث عن نفسه بالصدق، ويعترف بظلمه، ويخرج من ظلامة خصمه.
ومنها صنم من صوان أسود سماه عبد أفرويس ( ١) أي عبد زحل، كانوا
يختصمون إليه، فمن زاغ عن الحق ثبت مكانه، ولم يقدر على القيام حتى
ينصف من نفسه، ولو أقام سنة أو أكثر.
ومن كانت له حاجة منهم أو طلب شيئا عند ذلك الصنم، قام ليلا ونظر
إلى الكوكب، فذكر اسم عرباق وتضرع، فيصبح وقد وجد حاجته على
باب منزله.
وكان ربما حملته أطيار عظام، وهو في مرتبته فيمر بهم وهم يرونه في
الهواء فيزدادون له عبادة وهيبة، وربما علا على ناس منهم فملأ ماءهم من
الأقذار، وسلط عليهم وحوش الأرض وسباعها وهوامها.
وكان من كهانهم فيلمون، وقد ذكرنا خبره مع نوح عليه السلام، وكان
منهم شيمون ( ٢) وهو الذي كان يوقد النار، ويتكلم عليها، فتطلع منها
صورة نارية، وكانت الكهانة عندهم عمل المعجزات، ولم يزل هذا كاهنا إلى
وقت فرعون ملك مصر الذي كان الطوفان في أيامه، وكان يسكن الهرم
( المجوسي ( ٣) وكان هيكل الكواكب، وكانت فيه صورتا الشمس والقمر ( ٤
--------------------
١) في ت: قرويش. )
٢) ت: سيبون. )
٣) في ت: البحري. )
٤) ب: وكانت في صورة الشمس والقمر. )
(

صورة رمزية إفتراضية للعضو علي العذاري
علي العذاري
انتقل لرحمة الله
°°°
افتراضي
تنطقان، [وكان الهرم الثاني ناووسا لأجساد الملوك التي نقلها إليه سورند،
وفيه العجائب والتماثيل والمصاحف] ( ١) وكان فيه التمثال الذي يضحك وكان
من جوهر أخضر، وخزنوا ذلك فيه خوفا من [تلفه في] الغرق.
(خبر الكهان بعد الطوفان)
وأما الكهان بعد الطوفان ( ٢) إلى خراب مصر فكثير، وأول من تكهن
بمصر بعد الطوفان ابن فليمون كان قد ركب السفينة مع أبيه وأخيه وأخته
وهي التي زوجها من ينصو بن حام، وهم الذين خرجوا إلى مصر وكانوا
موحدين على دين نوح عليه السلام، ولم يكن اسم الكهانة عندهم عيبا، بل
كان الكاهن كالحاكم الذي لا يعصى له أمر.
وأول من تحقق بالكهانة، وغير الدين وتعبد الكواكب البودشير بن
قفطويم بن ينصو بن حام، وكان ملكا بعد أبيه، وذكره جميع الكهنة في
مصاحفهم.
فإنه كان من أجل كهانهم، وممن عمل النواميس العظام، وأقام أصنام
الكواكب وبنى هياكلها.
وتزعم القبط أن الكواكب خاطبته وأنه عمل عجائب كثيرة، منها أنه
استتر عن الناس بعد سنين من ملكه، وكان يظهر لهم وقتا بعد وقت مرة
في كل سنة وهو وقت نزول الشمس في برج الحمل، ويدخل الناس إليه
فيخاطبهم ويرونه، ويأمرهم بما يعملونه وينهاهم ويحذرهم مخالفة أمره، وكان
--------------------
١) جميع الزيادات عن ت. )
٢) خبر الكهان بعد الطوفان. )
(١٣١)
يجلس لهم في بعض أوقات السنة فيخاطبهم عند دخولهم عليه، وينهاهم وهم
لا يرونه.
والمكان الذي يكلمهم منه غير خفي عنهم، ولا يعد منهم، ثم بنيت له
قبة من فضة مموهة بالذهب وزخرف ما حولها، وكان يجلس لهم في أعلى القبة
في صورة الوجه العظيم، فيخاطبهم، بمثل ما كان يخاطبهم، وكان يجلس لهم في
أعلى السحاب بوجه في صورة إنسان عظيم، فأقام كذلك مدة ثم غاب عنهم
فلم يروه.
وأقاموا برهة ليس لهم ملك، إلى أن رأوا صورته في هيكل الشمس
عند دخول الشمس الحمل، وأمرهم أن يقلدوا الملك لعديم بن قفطويم وأعلمهم
أنه لا يعود إليهم، ففعلوا ذلك.
وأما بديرة ( ١) الكاهنة فإنها امرأة من أهل بيت الملك، يقال إنها أخت
البودشير، وأنه ألقى إليها الكهانة فهي [التي] عملت أكثر الطلسمات
والبرابي، وهي التي عملت القبطية ( ٢) الناطقة بمنف.
وكانت الكهانة في أهلها وولدها يأخذونها كابرا عن كابر، وهي التي
حكى المصريون عنها أنها عملت طلسمات منعت الوحوش والطيور أن تشرب
من النيل فمات أكثرها عطشا.
وأن الله تعالى أرسل إليها ملكا فصاح بها صيحة ارتجت لها الأرض
[وتشققت جبالها] ( ٣) فماتت من تلك الصيحة [ويقال انها كانت تطير في
.( الهواء والملائكة تضربها بأجنحتها إلى أن سقطت في البحر] ( ٣
وأما شؤون الأشموني فيقال انه هرمس الأول، الذي بنى بيت التماثيل الذي
--------------------
١) في ت ندورة، وفي بعض كتب التواريخ تدورة. )
٢) في ت: الأصنام، وهي الصواب. )
٣) زيادة عن ت. )
(١٣٢)
( يعرف بها مقدار النيل الذي عند جبل القمر وعمل للشمس [هناك] ( ١
.( هيكلين ( ٢
وتحكي القبط عنه حكايات كثيرة، تخرج عن العادة، وتنكرها العقول،
فكان يخفى عن الانسان فلا يرونه وهو معهم، وهو الذي بنى الاشمون.
ويقال إنها مدينة في شرقي مصر كان طولها اثني عشر ميلا وجعل عليها
حصنا بنى فيه قصرا عظيما [يقال إنه بنى أنصنا واتخذ فيها] الاعلام والملاعب.
واتخذ في سفح الجبل مدينة يقال لها طهراطيس ( ٣) وجعل فيها من العجائب
شيئا كثيرا، وجعل لها أربعة أبواب من كل جهة باب واحد، وجعل على
الباب الشرقي صورة عقاب وعلى الباب الغربي صورة نسر ( ٤) وعلى الباب
الجنوبي صورة أسد وعلى الباب الشمالي صورة كلب وملك ( ٥) فيها الروحانيات
وكانت تنطق إذا قصد إليها القاصد ولا يصل أحد إلى الدخول فيها دون
استئذان الموكلين بها وغرس فيها شجرة تحمل كل صنف من الفواكه.
وبنى منارا طوله ثمانون ذراعا وعلى رأسه قبة تتلون في كل يوم لونا حتى
تنقضي سبعة أيام بسبعة ألوان ثم تعود إلى اللون الأول وتكسي المدينة ذلك
اللون وجعل حول ذلك موضع ماء فيه سمك كثير، وجعل حول المدينة
طلسمات من كل صنف تدفع عن أهلها المضار.
وكانت أيضا تسمى مدينة البوسق ( ٦) باسم الشجرة المنصوبة فيها.
--------------------
١) زيادة عن ت. )
٢) في ب: هيكلين. وفي ت: هيكلا. )
٣) في ت: وعمل في الجبل الشرقي مدينة، ويقال لها )
أو طبراطليش.
٤) في ت: صورة ثور. )
٥) في ت: واسكن. )
٦) في ت: اليوس. )
(١٣٣)
أول من بنى الأهرام
( كان سوريد بن فيلمون ( ١)، وكان ملكا على مصر قبل الطوفان بثلاثمائة ( ٢
سنة فرأي في منامه كأن الأرض قد انقلبت بأهلها، وكأن الناس يهربون على
وجوههم وكأن الكواكب تتساقط، ويصدم بعضها بعضا بأصوات هائلة
مفزعة فرجف قلبه وأزعجه ذلك وأرعبه ولم يذكره لاحد، وعلم أنه سيحدث
في العالم أمر عظيم.
ثم رأى بعد ذلك، كأن الكواكب الثابتة نزلت إلى الأرض في صورة
طيور بيض كأنها تخطف الناس، وتلقيهم بين جبلين عظيمين، وكأن الجبلين
قد انطبقا عليهم، وكأن الكواكب النيرة مظلمة كاسفة، فانتبه أيضا
مذعورا فزعا.
فدخل إلى هيكل الشمس، وجعل يتضرع فيه ويمرغ خديه في التراب،
ويبكي، فلما أصبح أمر رؤساء الكهنة من جميع أعمال مصر، وكانوا مائة
وثلاثين، فخلا بهم وحكى لهم جميع ما رآه فأعظموه وأكبروه وتأولوه على
أمر عظيم يحدث في العالم.
فقال فيلمون عظيم الكهان، وكان فيلمون إذ ذاك كبيرهم، وكان لا يبرح
من حضرة الملك لأنه رأس الكهنة كهنة أشمون، وهي مدينة مصر الأولى،
قال إن في رؤيا الملك عجبا، وأمرا كبيرا، وأحلام أهل الملك لا تجري
على محال ولا كذب لعظم أقدارهم، وكبير أخطارهم، وأنا أخبر الملك برؤيا
رأيتها منذ سنة لم أذكرها لاحد من الناس.
--------------------
١) في ت: سورند بن شهلوق. )
٢) في ت: بألف وثلاثمائة. )
(١٣٤)
فقال له الملك: قصها علي يا فيلمون، قال: رأيت كأني قاعد ( ١) مع
الملك على رأس المغار الذي في أشمون، وكأن الفلك قد انحط من موضعه،
( حتى قارب رؤسنا وكأن علينا كالقبة المحيطة بنا، وكأن الملك رافع ( ٢
يديه إلى السماء، وكواكبا قد خالطتنا في صور شتى مختلفة، وكأن الناس
يستغيثون بالملك وقد انجفلوا إلى قصره، وكأن الملك رافع ( ٣) يديه إلى أن
يبلغ رأسه، وأمرني أن أفعل مثل فعله، ونحن على وجل شديد إذ رأينا
منه موضعا قد انفتح وخرج منه ضياء يضئ، ثم طلعت علينا منه الشمس
فكأنا استغثنا بها فخاطبتنا بأن الفلك سيعود إلى موضعه إذا مضت له ثلاث
وستون دورة. وهبط الفلك حتى كاد أن يلصق بالأرض ثم عاد إلى موضعه،
فانتبهت فزعا.
فقال لهم الملك: خذوا ارتفاع الكواكب وانظروا هل من حادث،
فبلغوا غايتهم في استقصاء ذلك، فأخبروه بأمر الطوفان، وبعده بالنار التي
تحرق العالم.
فأمر الملك ببناء الأهرام، فلما تمت على ما دبروا حكمه، نقل إليها ما
أحب من عجائبهم وأموالهم وأجساد ملوكهم، وأمر الكهان فزبروا ( ٤) فيها
علومهم، وحكمهم وأشرف ولد حام القبط والهند هم الحكماء.
ذكر ملوك مصر قبل الطوفان
وكان أول من ملك مصر قبل الطوفان بقراويس ( ٥) وذلك أن بني آدم
--------------------
١) في الأصلين: قاعدا. )
٢) فيها رافع في الموضع. )
٣) فيها رافع في الموضع. )
٤) في ب: فدبروا، والزبر والكتابة. )
٥) في تاريخ القرماني: نقراوش الجبار بن )
مصرايم بن مركاييل بن رواييل بن
عرياب بن آدم عليه السلام.
(١٣٥)
( لما بغى بعضهم على بعض وتحاسدوا، وتغلب عليهم بنو قابيل ابن آدم تحول ( ١
بقراويس الجبار بن مصرايم بن مواكيل بن داويل بن عرباق بن آدم عليه
السلام في نيف وسبعين راكبا من بني عرباق جبابرة، كلهم يطلبون موضعا
ينقطعون فيه عن بني آدم، فلم يزالوا يمشون حتى وصلوا إلى النيل فأطالوا
المشي عليه، فما رأوا سعة البلد وحسنه أعجبهم، وقالوا: هذا بلد زرع
وعمارة، فأقاموا فيه استوطنوه، وبنوا الأبنية والمصانع المحكمة.
وبنى بقراويس مصر، وسماها باسم أبيه مصرايم ( ٢) تبركا به وكان
بقراويس جبارا له قوة زائدة وبطش وكان مع ذلك عالما له رئي من الجن،
فملك بني أبيه، ولم يزل مطاعا في أمره، وقد كان وقع إليه من العلوم التي
علمها درابيل لآدم عليه السلام، فقهر بها الجبابرة الذين كانوا معه.
وهم الملوك الذين بنوا الاعلام، وأقاموا الأساطين العظام، وبنو المصانع
الغريبة، ووضعوا الطلسمات العجيبة، واستخرجوا المعادن، وقهروا من
ناوأهم من ملوك الأرض، ولم يطمع فيهم طامع، وكل علم جليل هو في
أيدي المصريين، إنما كان من علوم أولئك، كانت مزبورة على الحجارة.
فيقال إن فيلمون الكاهن الذي ركب مع نوح عليه السلام في السفينة هو
الذي فسرها لهم، وعلمهم كتبها، وسنذكر خبرها في موضعه إن شاء الله
عز وجل.
ثم أمرهم بقراويس حين ملك ببناء سموها أمسوسا ( ٣) وأقاموا لها أعلاما
طوالا طول كل علم منها مائة ذراع، وزرعوا وعمروا الأرض، وأمرهم ببناء
المدائن، والقرى، وأسكن أهل كل بيت ناحية من أرض مصر.
--------------------
١) في ب: تحمل، والتصحيح عن القرماني. )
٢) في ب: مصريم. )
٣) في القرماني: أسوس. )
(١٣٦)
وهم الذين حفروا النيل حتى أجروا ماءه إليهم، ولم يكن قبل ذلك
معتدل الجري، وإنما كان ينبطح ويتفرق في الأرض، فوجه إلى النوبة جماعة
حتى هندسوه، وشقوا منه أنهارا إلى مواضع كثيرة من مدنهم التي بنوها.
وشقوا منها نهرا إلى مدينة أمسوس يجري في وسطها وغرسوا فيها عليه
الغروس وكثر خيرهم وعمرت أرضهم، وتجبر بقراويس لما ملك قومه، وكان
عظيمهم.
وبعد عشرين ومائة سنة خلت من ملكه أمر بإقامة الأساطين، وزبروا
عليها علومهم.
ذكر دخولهم البلدة، وكيف خرجوا إليها ونزلوا بها
وحروبهم لمن حاربهم من الملوك
ثم أمر ببناء قبة على أساطين مثبتة بالرصاص، طولها مائة ذراع، وجعل
عليها مرآة زبرجد أخضر، قدرها سبعة أشبار ترى خضرتها على أمد بعيد.
وفي مصاحف المصريين أنه سأل الربئ الذي كان معه أن يعرفه فخرج
[إلى شاطئ] النيل، فحمله حتى أجلسه على خلف خط الاستواء على البحر
الأسود الزفتي [والنيل يخرج] مثل الخيوط حتى يدخل تحت جبل القمر،
ثم يخرج إلى بطائح هناك.
ويقال إنه بنى بيت التماثيل هناك، وعمل هيكل الشمس، ورجع إلى
أمسوس وقسم البلد بين بنيه، فجعل لبقراوس الجانب الغربي، ولسوريد
الجانب الشرقي، ولابنه الأصغر وهو مصرام مدينة سماها ير بيان، وأسكنه
فيها، وأقام أساطين كثيرة، وشق إليها نهرا وغرس فيها غروسا.
(١٣٧)
وعمل بأمسوس عجائب كثيرة، منها طائر يصفر كل يوم عند طلوع
الشمس مرتين وعند غروبها مرتين، تصفيرا مختلفا، يستدلون به على ما
يكون من الحوادث، فيتأهبون لذلك، وأجرى لهم الماء على مجرى ينقسم
منه على ثمانية وعشرين قسما.
وعمل في وسط المدينة صنمين حجرا أسود، إذا قدم المدينة سارق لم
يمكنه أن يزول عنها حتى يهلك بينهما ( ١) فإذا دخل بينهما انطبقا عليه،
ولهذين الصنمين أعمال عجيبة غير هذا.
وعمل بربيا صورة من نحاس مذهب على منار عال، لا يزال عليها
السحاب يطلع، فمن استمطرها أمطرت عليه ما يشاء، فهلكت هذه الصورة
في الطوفان.
وعمل على حدود بلدهم أصناما من نحاس مجوفة، وملأها كبريتا، ووكل
بها روحانية النار، إذا قصدهم قاصد بسوء أرسلت تلك الأصنام من أفواهها
نارا فأحرقته.
وكان حد بلدهم إلى ناحية الغرب مسافة أيام كثيرة عامرة بالقصور
والبساتين، وكذلك في البحر، ومن الصعيد إلى بلاد علوة.
وعمل فوق جبل بطرس منارا يفور بالماء ويسقي ما حوله وما تحته من
المزارع وملكهم مائة وثمانين سنة.
فلما مات لطخوا جسده بالأدوية الممسكة، وجعلوه في تابوت من ذهب
وعملوا له ناووسا مصفحا بالذهب، وجعلوه فيه وجعلوا معه كنوزا لا تحصى
كثرة ولا تحصر قيمة.
--------------------
١) في القرماني ان يزول عنهما. )
(١٣٨)
ومن الأنواع النفيسة [من] الجوهر وتماثيل الزبرجد، وكثيرا من
أكسير الصنعة المعمول المفروغ منه، ومن الذهب والأواني المعمولة من
الذهب ما لا يحصى كثرة، ولا تعلم قيمته.
وزبروا على البيوت تاريخ الوقت الذي مات فيه ملكهم، ثم جعلوا على
ذلك كله طلسمات تدفع عنه الهوام والحشرات المفسدة، وصور كل طالب من
الإنس والجن.
ثم ملك بعده ابنه براوس ( ١) الملك فتجبر وعتا وعلا أمره وبنى مدينة
يقال لها جلجلة وجعل فيها جنة، وصفح حيطانها بصفائح الذهب والحجارة
الملونة، وغرس فيها أصناف الفواكه والغروس تحفها الأنهار.
وأمر بإقامة أساطين جعلها معالم، وكتب عليها جميع العلوم. وصور
أصناف العقاقير بها، وزبروا عليها أسماءها ومنافعها.
وكان له شيطان يعمل له التماثيل العجيبة فهو أول من عمل بمصر هيكلا،
وصور فيه صور الكواكب السبعة، وكتب على رأسه تجاربها. وما عملت
من المنافع والمضار، وألبسها الثياب، وأقام للهيكل كاهنا وسدنة.
وخرج مغربا حتى بلغ البحر المحيط، وعمل عليه أعمالا، وبنى أساطين
جعل على رؤوسها أصناما تسرج عيونها كالمصابيح في الليل، ورجع على بلاد
السودان إلى النيل. وأمر ببناء حائط على جانب النيل. وجعل على شرفها
حجارة ملونة شفافة.
وجعل في مدينة منها خزائن للحكمة، وهي أول عجائب الأرض
وأغربها، ففي إحدى هذه المدن صنم للشمس، الذي هو أعظم أصنامهم.
--------------------
١) تقدم اسمه بقراوس، وفي كتاب القرماني: نقاوش. )
(١٣٩)
وهي معلقة عليه في بيت شرفها وهو صورة إنسان جسده جسد طائر من
ذهب أزرق مدبر وعيناه جوهرتان صفراوان، وهو جالس على سرير
مغنطيس. وفي يده مصحف من العلوم.
وفيها صنم آخر رأسه رأس إنسان وجسده جسد طائر، ومعه صورة
امرأة جالسة من زئبق معقود لها ذؤابتان، وفي يدها مرآة، وعلى رأسها
صورة كوكب. وهي رافعة يدها بالمرآة إلى وجهها ومظهرة فيها سبعة ألوان
من الماء السائل. لا تختلط ولا يؤذي بعضها لون بعض ولا يغيره، وفيها شيخ
جالس من الفيروزج بين يديه صبية جلوس كلهم من أصناف العقيق والجوهر.
وفي الخزانة الثانية صورة هرمس وهو مكب ينظر إلى مائدة به يديه من
نشادر على قوائم كبريت أحمر، وفي وسطها مثل الصحفة من جوهر أحمر
فيها شئ من الصنعة.
وفيها صورة عقاب من زمرد أخضر، عيناه من ياقوت أحمر، وبين يدية
حية زرقاء من فضة قد لوت ذنبها على رجليه، ورفعت رأسها كأنها تريد أن
تنفخ عليه، وفي ناحية منها صفة المريخ راكب على فرس بيده سيف مسلول
من حديد أخضر، وفيها عمود من جوهر أخضر عليه قبة من ذهب فيها صورة
المشتري وفيها قبة من اللازورد على أربعة أعمدة من جذع أزرق، وفي سقفها
صورة الشمس والقمر يتحدثان في صورتي رجل وامرأة، وقبة من كبريت احمر
فيها صورة الزهرة على صورة امرأة ممسكه بضفيرتها وتحتها رجل من زبرجد
أخضر في يده كتاب فيه علم من علومهم، كأنه يقرؤه عليها.
وجعل في كل خزانة من بقية الخزائن من الأموال والجواهر والكنوز
والحلي ما لا يعد ولا يقدر قدره.
(

صورة رمزية إفتراضية للعضو علي العذاري
علي العذاري
انتقل لرحمة الله
°°°
افتراضي
وجعل على باب كل مدينة طلسما، يمنع دخولها في صور مختلفة، لا يشبه
بعضها بعضا.
وملا كل مدينة بالجوهر النفيس والزبرجد الخطير والذهب والفضة،
والكبريت الأحمر، وأكسير الصنعة، وصنوف الأدوية المؤلفة، والسموم
الفاتكة، وعلم كل باب منها بعلامة تعرف بها.
وانفذ إليها خازنا تحت الأرض وجعلها من تحت جلجلة، وهي مدينته
التي عمل فيها الجنة.
وبين كل مدينة من تلك المدن الثلاث عشرون ميلا، وبين الثلاث
سبعة أميال.
وكان له من مدينته إلى هذه المدائن أسراب تحت الأرض يصل منها إليها،
وكذلك من بعضها إلى بعض.
وصفات هذه المدائن وعجائبها في كل قرية بمصر على تلك الحجارة، وفي
جميع مصاحفهم القديمة، وأكثر ذكرها في هياكل الكواكب خاصة، وقرئ
في مصحف لبعض الكهان القدماء ذكر بقراوش الملك بكل ما ذكرناه،
وأنه عمل مع ما ذكرناه عجائب كثيرة أزالتها الطوفان وركب هذه الرمال
لزوال طلسماتها، فأقام بقراوش ملكا مائة سنة وسبع سنين، ثم مات فعمل
له ناووس، وجعل معه من العجائب ما يطول ذكره.
وولى بعده ابنه مصرام الملك بن بقراوس، فبنى للشمس هيكلا من
المرمر وموهه بالذهب، وجعل في وسط الهيكل كالفرس من جوهر أزرق
عليه صورة الشمس من ذهب أحمر، وأرخي عليه وعليها حلل الحرير الملون،
وأمر أن يوقد عليها بطيب الريحان، وجعل في الهيكل قنديلا من الزجاج
(١٤١)
الصافي، وجعل فيه حجرا مدبرا يضئ أكثر مما يضئ السراج، وأقام له
سدنة، وعمل أربعة أعياد في السنة.
وقيل إن مصر سميت به، وسمى به مصريم بن حام بعد الطوفان، لأنه
وجد اسمه مزبورا على الحجارة.
وكان افليمون الكاهن يخبرهم بأخبار هؤلاء الملوك، وكان مصرام هذا قد
ذلل الأسد في وقته، وكان يركبه، وصحبه الجني الذي كان مع أبيه، لما
رأى من حرصه على لزوم الهياكل، والقيام بأمر الكواكب.
( وأمره أن يحتجب عن الناس، وألقى على وجهه [من سحره] ( ١
نورا شديدا لا يقدر أحد على النظر إليه.
وادعاه إلها، واحتجب عن الناس ثلاثين سنة، واستخلف عليهم رجلا
من ولد عرباق، وكان كاهنا.
ويقال إن مصرام لما ركب في عرشه، وحملته الشياطين حتى انتهى إلى وسط
البحر، فجعل له فيه القلعة البيضاء، وجعل عليها صنما للشمس، وزبر عليه
اسمه وصفة ملكه. وعمل ( ٢) صنما من نحاس وزبر عليه " انا مصرام الجبار،
كاشف الاسرار، الغالب القهار، وضعت الطلسمات الصادقة، وأقمت الصور
الناطقة، ونصبت الاعلام الهائلة، على البحار السائلة، ليعلم من بعدي انه لا
يملك أحد ملكي ".
وكل ذلك في أوقات السعادة، وقد كان عمل في جنته شجرة مولدة،
تؤكل منها جميع الثمار.
--------------------
١) زيادة عن ق. )
٢) في ب: وجعل، وهذه رواية القرماني. )
(١٤٢)
وعمل فيها قبة من زجاج احمر على رأسها صنم يدور مع الشمس، ووكل
بها الشياطين إذا اختلط الظلام أن لا يخرج أحد من ملكه إلا هلك.
وهو أول من عمل الحمام، وأحب أهل مصر ان يروه فسألوا خليفته ذلك،
فأمرهم أن يجتمعوا في مجلس عال كان له، فاجتمعوا وجلسوا عنده، فظهر
لهم في صورة هالتهم، ملأت قلوبهم رعبا، فخروا له على وجوههم دعوا له
فأمر بإحضار الطعام والشراب فأكلوا وشربوا ورجعوا إلى مواضعهم، ثم لم
يروه بعد ذلك وبلغ في كهانته إلى ما لم يبلغه أحد من آبائه وأجداده.
وملك بعده عيقام الكاهن، فعدل فيهم، وعمل مدينة عجيبة قرب
العريش وجعلها لهم حرما، وعمل لهم طلاسم عجيبة وعجائب كثيرة، وقيل إن
إدريس عليه السلام رفع في وقته ولم يطل عمره.
وملك بعده ابنه عرباق بن عيقام فتجبر واقبل على صيد السباع والوحش
وعمل عجائب.
منها أنه عمل شجرة من حديد ذات أغصان، ولطخها بدواء مدبر،
فكانت تجلب كل صنف من السباع والوحش إليها، فيتمكن من صيدها
كيف شاء.
وفي كتب المصريين أن هاروت وماروت كانا في وقته بمصر، فعلما أهل
مصر أصنافا من السحر، فنقلا بعد الطوفان إلى أرض بابل وتعلم عرباق
من علمها.
فاحتالت عليه امرأة من المغصوبات فسمته فهلك وبقي مدة لا يعرف
خبره، وكان رسمه إذا خلا بالنساء لا يقربه أحد.
( فلما تأخر خبره عن الناس هجم عليه فتى من بني بقراوس يقال له لوحيم ( ١
--------------------
١) في ق: لوجيم بالمعجمة. )
(١٤٣)
ومعه نفر من أهله، فوجدوه ملقى على فراشه جيفة، فأمر أن توقد له نار
يحرق فيها فأحرقه، ثم جمع النسوة اللاتي كن في الجنة، فمن كانت من نسائه
أحرقها معه، ومن كانت من المغصوبات، سرحها إلى أهلها، ففرح الناس
لما نزل بهم.
وملكهم لوحيم الملك فخرج ولبس تاج أبيه، وجلس على سرير الملك،
وأمر بجمع الناس. فلما اجتمعوا قام فيهم خطيبا. وذكر ما كان عليه
عرباق الأثيم من سوء السيرة واغتصاب النساء وسفك الدماء. ورفض الهياكل
والاستخفاف بالكهنة، وأنه لميراث أبيه وجده وأحق به من غيره وضمن
للناس العدل والاحسان والقيام بأمرهم، ودفع كل أذى عنهم فرضي الناس
منه بذلك، وقالوا له: أنت أحق بالملك، فلا زلت دائم السعادة، طويل
العمر، وانصرفوا مسرورين.
فأمر بتجديد الهياكل وتعظيمها، وقرب كثيرا من الكهان، وأكرم
جميعهم، وسار في الناس بالعدل.
وكانت الغربان والغرانيق ( ١) قد كثرت في وقته فأهلكت الزرع، فعمل
أربع منارات من نحاس في جوانب أمسوس، وجعل في كل منارة صورة
غراب فيه حية قد التوت عليه فلم يقربهم شئ من تلك الطيور إلى أن كان
الطوفان، فأزال تلك المنارة.
ومن ملوكهم حصليم، وكانت له أخت حكيمة، وكانت في جواريها
جارية فائقة العقل والجمال، فعشقها الملك، وسأل أخته أن تهبها له، فأبت
فألح عليها في طلبها، فغضبت واعتزلت، وبنت هيكلا وتعبدت فيه للزهرة
--------------------
١) في ب: والغرائب. والتصحيح عن ق. )
(١٤٤)
مدة ثم إنها رأت الزهرة تناجيها وتكلمها، وتأمرها أن تسلم الجارية إلى أخيها،
وتنهاها أن تمنعه من ذلك، ففعلت ذلك.
ولما صارت الجارية عند الملك حظيت عنده، وفضلها على سائر نسائه
فحسدنها وولدت من الملك ولدا ذكرا لم يكن له ولد غيره، فزاد حسدهن
لها، وجعلن يطلبن أذاها، ويطلبن الغوائل لها.
وكان أجل وزراء الملك لما يعلم من محبة الملك لها يأتيها في كل يوم فيقضي
ما عرض لها من حوائجها، إجلالا لها، فلما قصدن ضراتها ( ١) [إذايتها]
لم يجدن أنجع من أن يرمينها بذلك الوزير، وكان ذلك حسدا وبغيا، فحققن
الامر عند الملك بما أمكنهن من الحيل، فلما وقف الملك على ذلك أمر بقتلها
وقتل الوزير، ولم يشاور في ذلك أخته ولا أحدا من الحكماء.
فلما نفذ أمره بذلك بادر من وقف على ذلك إلى أخته فأعلمها فأسرعت
إلى الذي امر بقتلهما تأمر باستبقائهما، حتى يرى الملك في أمرهما.
ودخلت على الملك فقالت له ما هذا الذي أمرت به في وزيرك وجاريتك؟
فقال اتصل بي عنهما كذا وكذا، قالت أتحدث حدثا عظيما من القتل على ما
لم تتحققه، وعن غير مشورة لأهل الحكمة والثقات من أهل المملكة؟ قال
لم أملك صبري، قالت إن الملوك ليس لها ان تعجل حتى يتبين لهم الامر!
فامر باستبقائهما، وبحث عن أمرهما، فوقف على الكذب فيه، فأمر بكل
من سعى فيه من ضراتها فأخرجن من القصر.
وحصليم هذا هو أول من عمل مقياسا لزيادة النيل، وذلك أنه جمع
أصحاب العلوم والهندسة، فعملوا بيتا من زجاج على حافة النيل وجعل في
--------------------
١) في ب ضراتها: فتاها. )
(١٤٥)
( وسطه بركة من نحاس صغيرة فيها ماء موزون، وعلى حافة البركة عقابان ( ١
من نحاس ذكر وأنثى.
فإذا كان في أول الشهر الذي يزيد فيه الماء، وفتح البيت وحضر الكهان
بين يدي الملك، وتكلم أمير الكهان بكلام حتى يصفر أحد العقابين، فان
صفر الذكر كان الماء تاما زائدا وإن صفرت الأنثى كان الماء ناقصا، ثم
يعبرون الماء، وكل أصبع تزيد في تلك البركة فهو زيادة ذراع في النيل،
فإذا عملوا ذلك حفروا للزرع وأصلحوا الجسور وعمل على النيل القنطرة التي
ببلاد النوبة اليوم، وكان يسمى ابنه هو صال اي خادم الزهرة للرؤيا التي
رأتها أخته، وكفلت الغلام عمته وأدبته أحسن التأديب، وزوجته عشرين
امرأة من بنات الملوك العظام. وبنت له مدينة وجعلت فيها عجائب كثيرة
احتفلت فيها، وزينتها بأحسن النقش والزينة والعمارة، وعملت فيها حماما
على أساطين يرتفع الماء فيها إليه حارا من غير وقيد.
وهلك حصليم ( ٢) فدفن في ناووسه، وملك بعده ابنه هوصال الملك،
وتحول هوصال إلى السرب فسكنه، وبنى مدينة هي إحدى المدائن ذوات
العجائب، وعمل في وسطها صنما للشمس يدور معها، ويبيت مغربا.
ويصبح مشرقا.
ويقال إنه أول من اتخذ تحت النيل سربا، وهو أول من عمل ذلك،
وخرج منه متنكرا يشق الأرض والأمم إلى أن بلغ بابل، ورأى ما عمله
الملوك من الأعاجيب، وعلم حال ملكها في الوقت وسيرته، ومجاري أموره.
ويقال إن نوحا عليه السلام ولد في وقته، وولد لهوصال عشرون ولدا،
وجعل مع كل واحد منهم قاطرا ( ٣) وهو رأس الكهنة.
--------------------
١) في ب: عقربان. وقد كتبناها عقابان لما يذكره بعد ثلاثة أسطر. )
٢) في ب: خصليم، وقد تقدم بالحاء، وفي ق بالجيم. )
٣) في ب: ناظرا. )
(١٤٦)
وتقول القبط أنه من بعد مائة وسبع وعشرين سنة من ملكهم لزم الهيكل
الذي كان أقطعه أبوه لا يشركه فيه غيره، وأمور الناس جارية على سداد،
فأقاموا كذلك سبع سنين، ثم وقع بين الاخوة تشاجر واختلاف، فأجمع
رؤس الكهنة على أن يجعلوا أحدهم ملكا، ويقيم كل واحد منهم في قسمته،
واجتمعوا لذلك في دار المملكة.
وقام رأس الكهان فتكلم، وذكر هوصال وفضائله وسعادتهم في أيامه
وما شملهم معه من الخير، وأخبر بما رأته الجماعة من تقليد أحدهم، فان كان
هوصال حيا ورجع إليهم لم ينكر ما فعلوه، لأنهم لم يريدوا إلا حفظ ملكه،
ورفع المكاره عنه، وإن لم يرجع كان الامر على ما سلف ملك بعد ملك
فاستحسن الناس ذلك القول ورضوا به رأيا، وعملوا به.
فعقدوا الملك على أكبر ولده سنا وهو فدرشان ( ١) الملك فسار سيرة أبيه
فحمد الناس أمره فعمل في أيامه قصرا من خشب ونقشه بأحسن النقوش
وصور فيه الكواكب، وبجله بالفروش وحمله على الماء، وكان يتنزه فيه.
فبينما هو فيه ذات يوم إذ هبت ريح عظيمة، وزاد النيل زيادة كبيرة
فانكسر القصر وغرق الملك، وهلك وقد كان نفى إخوته إلى المدائن الداخلة.
واقتصر على امرأة واحدة من بنات عمه، فولدت ولدا ولم يكن له ولد
غيره، وكانت ساحرة فسحرته حتى هام بها وانفرد بحبها واستخلف بعض
وزرائه على الملك، واقبل على لذاته ولهوه معها.
فلما كان من أمره ما كان من هلاكه كتمته امرأته، وكان أمره ونهيه يخرج
إلى الوزير عنه، فأقام الناس على طاعته تسع سنين لا يعلمون بأمره.
--------------------
١) في ق: تدرسان. )
(١٤٧)
فلما رأى إخوته طول غيبته جمعوا [عليها] جموعا عظيمة وقدموا على
أنفسهم أحدهم وهو نمرود الجبار.
وساروا إلى أمسوس وبلغ ذلك الساحرة امرأة قدرشان، فأمرت الوزير
على أمر الملك على عادتها بالخروج إليهم وبمحاربتهم، ففعل فهزموه وقتلوه
وقتلوا كثيرا ممن كان معه.
ودخلوا مدينة أمسوس وأتوا دار الملك فلم يروا له خبرا، فأيقنوا بموته،
وكانت الحيلة وقعت من امرأته الساحرة.
فجلس على سرير الملك نمرود ( ١) بن هو صال أخوه وملك الناس ووعدهم
بحسن السيرة فيهم وتقييد ما كانوا ينكرونه، من أفعال أخيه واستولى على
أمواله وخزائنه ففرقها على اخوته وأقطعهم جميع ما كان أخوه ادخره لنفسه.
وطلب امرأته الساحرة وابنها ليقتلهما فلم يقع لهما على خبر لان أمه
ذهبت به إلى مدينة أهلها بالصعيد وكانوا كلهم سحرة وكهانا.
فامتنعت بهم وداخلت الناس وأعلمتهم أن ابنها هو الملك بعد أبيه لان
أباه قلده الملك وأمرها أن تدبر الناس، وأعلمتهم فصدقوها وأجابوها وقالوا
ان الغلام مغلوب على ملكه وان النمرود متغلب غاصب فاجتمع من حمايتها
ونصرتها بشر كثير.
وزحف ابن الساحرة إلى نمرود بجموع كثيرة وقد عمل له السحرة أصنافا
من التماثيل المهلكة والنيران المحرقة فخرج إليه نمرود واخوته فيمن معهم من
الأجناد والاتباع فانهزم الملك واخوته وتعلقوا ببعض الجبال.
ونزل ابن الساحرة بدار الملك وجلس على سريره ولبس تاج أبيه وطافت
به بطارقته وكان اسمه توسدون ( ٢) ملك وهو حدث وكانت أمه تدبر أمره
--------------------
١) في ق: شمرود. )
٢) في ق: توميدون. )
(١٤٨)
فقتل كل من كان صحب النمرود وجد في طلب ومحاربته حتى ظفر به وسيق
إليه أسيرا واجتمع الناس لينظروا إليه فشدت رأسه برأس أسطوانة قائمة
وشدت رجله ( ١) بأسطوانة أخرى، وكان طوله فيما تذكره القبط عشرين
ذراعا وأودعته بيتا ووكلت به رجالا من حرسها لتقتله يوم عيدها وكان قويا
فصاح في الليل صيحة مات منها بعض الحرس وهرب الباقون، فلما بلغها ذلك
أمرت بانزاله وأحضرته وأمرت بنار توقد فأوقدت وجعلت تأمر فيقطع منه
عضو بعد عضو فيلقى في النار حتى فرغ منه.
وكبر ابنها فخرج كاهنا منجما ساحرا، فعملت له الشياطين قبة من زجاج
كرية ( ٢) مدبرة دائرة على دوران الفلك وصوروا عليها صور الكواكب،
وكانوا يعرفون بها أسرار الطبائع، وعلوم العالم بطلوعها وأفولها.
وبعد ستين سنة من ملكه ماتت أمه الساحرة، وأوصت أن يجعل جسدها
تحت صنم القمر بعد أن يطلى بما يدفع عنه النتن، وكانت وهي ميتة تخبرهم
بالعجائب وتجاوبهم على كل ما يسألون، فهاب الناس لابنها وفزعوا له، وكان
يتصور لهم في صور كثيرة وملكهم مائة سنة، ولما حضرته الوفاة أمر أن
يعمل له شكل صنم من زجاج، يكون شفيفا ( ٣) ويطلى جسده بالأدوية
الممسكة له، ويدخل في تلك الصورة التي من الزجاج، ويلحد ما بين الشفتين
وينام في هيكل الأصنام ويعمل له في كل سنة عيد تقرب فيه القرابين،
وتدفن تحته كنوزه، ففعل ذلك كما أمر.
وملك بعد، ابنه سرباق ( ٤) الملك فعمل بسيرة أبيه وجدته، واجتمع
--------------------
١) في ق: رجليه. )
٢) في ب: كورية. )
٣) في ق: من زجاج على شقين فلعل الصواب اذن: شقيا. )
٤) في ق: شرياق. )
(١٤٩)
عليه، وزحف رجل من بني طربيس بن آدم من ناحية العراق فتغلب على الشام.
وأراد أن يزحف إلى مصر فعرف أنه لا يصل إليها لسحر أهلها، فأراد
أن يدخلها متنكرا ليعرف أهلها، ويقف على سحر بعض أهلها، فخرج ومعه
نفر حتى وصلوا إلى حصن من أول حدود مصر، فسألهم الموكلون به عن
أمورهم فعرفوهم أنهم تجار يقصدون بلدا يسكنونها، ومعهم أموالهم ليحترفوا
كيف ظهر لهم بها، فحبسوهم وأرسلوا إلى الملك بخبرهم.
وقد كان رأى الملك في منامه كأنه كان قائما على منار لهم عال، وكأن
طائرا عظيما قد انقض عليه ليختطفه فحاد عنه حتى كاد ( ١) أن يسقط عن المنار،
فجاوزه الطائر ولم يضره فانتبه مذعورا، وبعث إلى رأس الكهنة، فقص
عليه رؤياه فعرفه أن ملكا يطلب ملكه، فلا يصل إليه.
فنظر في علمه فرأى ذلك الملك الذي يطلب ملكه قد دخل بلده ووافق
ذلك دخول الرسل من ذلك الحصن يذكر القوم، فعلم الملك أنه فيهم فوجه
بجماعة من أصحابه معه، فاستوثقوا منهم وحملوهم إليه.
وقد كان الملك أمرهم أن يطوفوا بهم على أعمال مصر ( ٢) كلها، ليروا ما
فيها من الطلسمات والأصنام والعجائب والمعجزات فبلغوا بهم إلى الإسكندرية،
ثم ساروا بهم إلى أمسوس، فأوقفوهم على عجائبها ثم ساروا بهم إلى الجنة التي
عملها مصرام وأمر السحرة باظهار التماثيل فجعلوا يتعجبون مما يرون حتى
وصلوا إلى سرباق الملك، والكهنة حوله قد أظهروا صنوف العجائب، وجعلوا
بين يديه نارا لا يصل إليها إلا من كان من خاصته. ولا تضر الا من أضمر للملك
غائلة وامر فشقوها واحدا بعد واحد فلم تضر منهم أحدا.
--------------------
١) في ب: كان. )
٢) في ب: الجمال بمصر. )
(

صورة رمزية إفتراضية للعضو علي العذاري
علي العذاري
انتقل لرحمة الله
°°°
افتراضي
وكان ذلك الملك آخر من دخلها منهم. فلما دنا من النار أخذته فولى هاربا
فأتى به سرباق فسأله عن أمره وتوعده فأقر فأمر بقتله، وحمله إلى الحصن
الذي أخذ به فصلب هناك من جهة الشأم على أسطوانة عظيمة من حجر وزبر
عليها هذا فلان بن فلان المتغلب على الشأم أضمر غائلة للملك وطلب ما لم يصل
إليه تعديا منه عليه وظلما له فعوقب بهذا.
وأمر باطلاق الباقين. وقيل لهم قد وجب عليكم القتل، لصحبتكم لمن أراد
الفساد في الأرض. ولكن الملك بفضله عفا عنكم وأمر أن تخرجوا من
بلاده، ولا تعدوا إليها ابدا فخرجوا هاربين. مسرورين بالسلامة فكانوا
لا يمرون بأحد إلا حدثوه بما رأوا من العجائب. فانقطعت أطماع الملوك في
الوصول إلى مصر والتعرض لها. وعملت في وقت سرباق عجائب كثيرة.
منها أنه عمل عرباق في مدينته بطة من نحاس قائمة على أسطوانة، فإذا
دخل الغريب من ناحية من النواحي أو باب من الأبواب صفقت بجناحيها،
وصرخت فيؤخذ [الداخل] ويكشف عن أمره ومقصده، وشق إلى مدائن
الغرب نهرا من النيل، وبنى على عبريه منازل وأعلاما، وغرس فيها غروسا
يتنزه عليها، وملكهم مائة سنة وثلاثين سنة.
وملكهم بعده ابنه سهلون بن سرياق، وكان سهلون عالما منجما كاهنا،
فأفاض العدل وقسم ماء النيل قسما موزونا، صرف إلى كل ناحية قسطا،
ورتب الدولة وجعلها على سبع طبقات.
(الطبقة الأولى) الملك وولده وأهل بيته ومن يلي عدله، ورأس
الكهان، والوزير الأكبر، وصاحب خاتم الملك، وصاحب خزائنه.
(والطبقة الثانية) مراتب العمال والمتولين لجباية الأموال، والاشراف
على النفقات في أمر المملكة، ومصالح البلاد والعمارات، وقسمة المياه.
(١٥١)
(والطبقة الثالثة) الكهان وأصحاب الهياكل وخدمتها، ومتولي الفراش
والمشرف على ما يقرب من بوادر الفاكهة والرياحين وصغار البقر والغنم
والفراريج الذكور، وما يعرف من مثل ذلك في طعام الملك وخوابي الشراب،
وغير ذلك مما يشبهه.
(والطبقة الرابعة) المنجمون، والأطباء، والفلاسفة، ونحوهم.
(والطبقة الخامسة) أصحاب عمارة الأرض، والمتولون أمر الزراعة،
والغرس.
(والطبقة السادسة) أصحاب الصناعات والمؤن، والمشيدون في كل سنة
في كل فن، والمشرفون على أعمالهم، ونقل نما يستحسن من أعمالهم إلى
خزائن الملك.
(الطبقة السابعة) أصحاب الصيد من السباع والوحش والطير والهوام،
والمشرفون على أخذ دمائها ومرارتها وشحومها، وحملها إلى الأطباء لاصلاح
العقاقير، وتأليف الأدوية.
وتقدم إليهم ألا يدخل أهل صناعة في دلسة ولا مهنة في غير ما هو
فيه، ومن قصر في عمله عوقب، ومن أحسن في عمله جوزي.
وكانت رتبة أهل الملاهي والألحان في قسمة الملك.
وتقدم في بناء المدائن ونصب الاعلام والمنارات، وابتدع ما يستغرب من
الصناعات، وإجراء المياه، وتوليد غرائب الأشجار.
وأقام على أعالي الجبال سحرة يقسمون الريح، ويمنعون من أراد بلدهم
بأذى، وكذلك يمنعون كل طائر وسبع ووحش وهوام، وجرى في الناس
على السداد والاعتدال.
(١٥٢)
وجعل لكل صنف من الناس صنفا من الكهنة يعلمونهم الدين، ودينهم
يومئذ الصابئة الأولى ويرفع كل صنف منهم ما يجري من جميع ما يقولونه
إلى الملك في كل يوم، وعمل البيت ذي القباب النورية، وأوقد فيها النار الدائمة
تعظيما للنور.
( والقبط تزعم أنه أول من عمل بيتا لتعظيم النار، وقيل إن حمير ( ١
الفارسي بنى بيتا للنار، وهو أول من عمل ذلك للفرس اقتداء بسهلون
الملك بمصر.
وكان السبب لعمل سهلون أنه رأى في منامه كأن أباه أتاه، فقال له
انطلق إلى جبل كذا من جبال مصر، فان فيه كوة من صفتها كذا، فإنك
واجد على باب الكوة أفعى لها رأسان، فإنها إذا رأتك كثرت في وجهك،
فليكن معك طائران صغيران ذكر ( ٢) وأنثى، فإذا رأيت الأفعى فاذبح
لها الطائرين وألقهما إليهما فإنها تأخذ برأسيهما، وتنحاش بهما إلى سرب قريب من
الكوة فتدخل فإذا غابت عنك فادخل الكوة تنتهي في آخرها امرأة عظيمة
من نور حار يابس، فسوف يسطع لك وجهها وتحمى بحرارتها، فلا تدنو إليها
فتحترق، وقف حذاءها، وسلم عليها، فإنها تخاطبك، واسكن إلى خطابها،
وانظر ما تقوله لك فاعمل به فإنك تتشرف به.
وهي حافظة كنوز جدك مصرام التي رفعها تحت مدائن العجائب المعلقة
وهي تدلك عليها، وتنال مع ذلك شرفا وطاعة من قومك ورعيتك، ثم
مضى وتركه.
--------------------
١) لعل الصواب جمشيد. )
٢) في ب: ذكرا. )
(١٥٣)
فانتبه سهلون، وجعل يتفكر فيما رأى وتعجب منه وعزم أن ينفذ ما أمره
به، فمشى إلى الجبل وحمل الطائرين معه وامتثل ما أمره به أبوه إلى أن وقف
حذاء المرأة فسلم عليها، فقالت له أتعرفني؟ قال لا، لأني ما رأيتك قبل
وقتي هذا، قالت له: أنا صورة النار المعبودة في الأمم الخالية، وقد أردت
أن تحيي ذكري، وتتخذ لي بيتا وتوقد لي فيه نارا دائمة، بقدر واحدة،
وتتخذ لي عيدا في كل سنة تحضره أنت وقومك، فإنك تتخذ بذلك عندي
أنلك بها شرفا إلى شرفك، وملكا إلى ملكك، وامنع عنك وعن قومك
من يطلبك ويعمل الحيلة عليك، وأدلك على كنوز جدك مصرام.
فضمن لها أن يفعل ذلك فدلته على الكنوز التي كنزها جده تحت المدائن
المعلقة وكيف يصير إليها، وكيف يمتنع من الأرواح الموكلة بها وما ينجيه
منها.
فلما فرغ مما أراده من ذلك، قال لها فكيف لي بأن أراك في الأوقات التي
أريد وأحتاج أن أسألك عما يطرأ من الأمور فأسير إليك؟ قالت له اما هذا
المكان فلا تقربه بعد وقتك هذا، ولكن إذا أحببت ان تراني فدخن في
الوقت الذي علمته لك بكذا وكذا، أشياء ذكرتها له: منها عظام ما يقربه
من القرابين والذبائح، وصموغ الأشجار. فاني أتخيل لك وأخبرك بكل حق
وباطل يكون في بلدك.
فلما سمع ذلك منها سر به سرورا عظيما، وغابت الصور، وظهرت
الأفعى، وخرج هاربا، فلما نجا جعل على الكوة سدا ولم يؤخر ما فعلته به.
وأخرج كنوز جده وعمل بأمسوس وغيرها من العجائب ما يطول به
الذكر، فمنها القبة المركبة على سبعة أركان، في بعض مصاحف القبط أن هذه
القبة يقال لها قبة القضاء.
(١٥٤)
وكان السبب في بنيانها أن بعض الكهنة جار في قضية قضاها، وذلك
أن بعض العامة أتاه يشكو امرأته، ويذكر أنها تأباه وهو يحبها وتبغضه،
وسأل أن يقومها له بالاظهار، وكانت المرأة من أهل بيت الكاهن، فأما لها عن
زوجها وأمره بتخليتها فلم يفعل، وحبسه وشدد عليه، وكان من أهل الصناعات.
فاجتمع من أهل صناعته من كان قد عرف حاله، وحال المرأة معه،
وأنها ظالمة له وهو لها منصف، وعلموا ظلم الكاهن له، فاستعدوا عليه عند
خليفة الملك فأحضره وسأله عما ذكروه فذكر أنه لم يحكم إلا بواجب.
فأحضر بعض رؤساء الكهنة، وأظهر القوم الذين شهدوا للرجل، فوقف
على ظلم الكاهن.
فأخرج الرجل من الحبس وحبس الكاهن مكانه، وامر بالمرأة أن تعاقب
وترد عليه.
ورفع ذلك إلى الملك فأمر أن يخرج ذلك الكاهن من رسم الكهان، وأن
يحبس إلى أن يرى رأيه فيه، واهتم الملك لذلك وخاف أن يجري من غير
ذلك الكاهن مثل ما جرى منه، وأن يكون ما قد أبرمه من امر المملكة
وأهلها لا يتحكم له حسبما أحب، وبات مهموما مفكرا.
فلما أصبح اصطبح وتطيب وتكلم ودخن بالدخنة التي أمر بها فتجلت له
تلك الصورة وخاطبته فسألها أن تعمل له عملا يقف به على حقيقة الظلم
وخفيه، ويعرف المظلوم من الظالم.
فأمرته أن يبني بيتا مركبا على سبعة أركان، ويجعل له سبعة أبواب،
على كل ركن بابا، ويعمل في وسطه قبة من صفر، ويصور في أعلاها صور
الكواكب السبعة.
ويعمل على الباب الأول من القبة مثال أسد رابض وحذاءه من الجانب
(١٥٥)
الآخر لبوة رابضة من صفر ويقرب لهما جر وأسد، ويبخرهما بشعره.
وعلى الباب الثاني، تمثال ثور وبقرة، ويذبح لهما عجلا، ويبخرهما بشعره
وعلى الباب الثالث صورة خنزير وأنثاه، ويذبح لهما خنوصا، ويبخرهما
بشعره.
وعلى الباب الرابع صورة جمل وشاة، ويذبح لهما سخلة، ويبخرهما
بشعرها.
وعلى الباب الخامس صورة ثعلب وحدأة وأنثاه، ويذبح لهما فرخ عقاب،
ويبخرهما بريشه، ويلطخ وجوه جميعها بدم القربان، ثم يحرق بقية القرابين
ويجعل رمادها تحت عتبة أبواب القبة، ويجعل لها سدنة يوقدون فيها المصابيح
ليلا ونهارا سبعة أيام.
فإذا فرغت من ذلك كله، فاجعل لكل مرتبة من تلك المراتب التي قسمتها
وجعلتها على سبع طبقات بابا من تلك الأبواب، وليكن باب الأسد لأهل
المملكة وسائر الأبواب لسائر المراتب، فإنه إذا تقدم إلى شئ من تلك
الصور أهل الخصومات التصق الظالم بها، وشدت الصورة عليه شدا عنيفا
وآذته وآلمته حتى يخرج لخصمه من حقه، الذكر للذكر، والأنثى للأنثى،
فتعرف بذلك الظالم من المظلوم.
ومن كان له قبل أحد حق ودعاه إلى بعض الصور فلم يجئ معه، فأتاها
المظلوم فعرفها بذلك أقعد الظالم من رجليه وخرس لسانه، ولم يتحرك من
مكانه حتى ينصف صاحبه.
فلم يؤخر الملك عمل القبة على ما أمرت به وشرع فيها من حينه، وأتمها
على ما أحسن ما يكون هيئة وصلاحا، واستراح من الاهتمام بأمور الناس، فلم
يتظلم بعضهم من بعض.
(١٥٦)
وعلم أنه لا يجوز لبعضهم ظلم بعض، مع تلك الصورة، فلم تزل تلك
الصورة باقية إلى أن أزالها الطوفان مع ما أزال من أعمالهم وعجائبهم.
وعملت في وقت سهلون اعمال كثيرة، وكتب سيرته وما ابتدعه من
العجائب في مصحف، وعمل أدوية وعقاقير كثيرة وتماثيل متحركات.
وأمر أن يحمل ذلك كله مع المصحف الذي كتب فيه سيرته ومع كنوزه
وذخائره إلى ناووسه الذي يجعل فيه إذا مات، وهو قد عمله في الجانب الغربي
ووضع فيه غرائب وحكمة، فلما مات عمل فيه ذلك.
وملك بعد ابنه سوريد بن سهلون الملك، وحزن عليه هو وأهل مملكته
ورعيته، حزنا عظيما لم يحزن على ملك قبله، وكان ملكه مائة وتسعا
وتسعين سنة.
وأقام دولته ورعيته عند ناووسه شهرا ينوحون ويبكون، وأقاموا في
ناووسه خدمة يخدمون أموره وسدنة يحفظون ما يجب حفظه منه، وجلس
ابنه على سرير الملك، واقتفى سيرة أبيه في العدل والصلاح وعمارة الأرض،
وسياسة الناس والانصاف بينهم، والاخذ لهم من نفسه وأهل بيته.
وهو أول من جبى الخراج بمصر، وألزم أهل الصناعات على أقدارهم،
وأول من أمر بالانفاق على المرضى والزمني من خزائنه وبنى المنارات، ونصب
الاعلام والطلسمات والهياكل، وحسن عمارتها على أحسن ما تقدم لسواه،
فأحبه الناس وحمدوا أمره، وعمل مرآة من أخلاط كثيرة، كان ينظر إليها
فيرى الأقاليم، وما أخصب منها وما أجدب، وكلما يحدث فيها. وكانت
على منارة من نحاس في وسط مدينة أمسوس.
وتقول القبط إنه عملها لمصر خاصة، وكان يرى فيها جميع من يقصدها من
(١٥٧)
كل ناحية، ويعلم بذلك جميع من يقصدها ( ١) فكان يأخذ أهبته لذلك، وهو
أول من عمل صحيفة في كل يوم يكتب فيها جميع ما يكون في يومه، وما يعمل
فيه ثم ترفع إليه وتودع في خزائنه يوما فيوما، فإذا مضى الشهر نقلت صحائف
أيامه إلى مصحف الملك وختم بخاتمه، وخلد في خزائنه وما صلح منه أن
يزبره في الحجارة زبره.
وكذلك ما عمل من الصنائع وما أحدث منها، وكان يعطي الرغائب على
الصناعات العجيبة والحكم الغريبة.
وعمل وسط المدينة صورة امرأة جالسة في حجرها صبي كأنها ترضعه،
فكل امرأة أصابتها علة في جسمها مست من جسد تلك الصورة الممثلة، فيزول
عنها ما تجده على ما كان.
وكذلك إن قل لبنها، مسحت ثديها فكثر، وكذلك إن أحبت أن تعطف
عليها زوجها مسحت وجهها بدهن طيب، وقالت لها افعلي كذا وكذا.
وإن قلت حيضتها وفرقت منه مسحت تحت ركبها، وان أصاب ولدها
شئ فعلت بالصبي كذلك فيبرأ، وإن عسرت ولادتها مسحت رأسي الصبي
سهل، وكذلك البكر يسهل عليها افتضاضها، وإذا وضعت الزانية يدها
عليها ارتعدت حتى تكف عن فجورها، وما كان من أعمال الليل يحدث ليلا،
وما كان من النهار يحدث نهارا، وكانت تعمل أعمالا كثيرة إلى أن أزالها
الطوفان.
وفي بعض كتب القبط انها وجدت بعد الطوفان، وانهم استعملوها وعبدوها،
وصورتها في جميع برابي مصر مصورة برسمها ملونة، والذي دلهم عليها كانوا
--------------------
١) هكذا في الأصول مع هذا التكرار. )
(١٥٨)
قرابات فيلمون الكاهن، ودلوهم على جميع اعمال مصر، وسنذكر خبرهم في
هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
وعمل أيضا سوريد في وقته غرائب كثيرة منها الصنم الذي يقال له بكوس
المعمول من الأخلاط الكثيرة في الطب، وكان يعمل أعمالا كثيرة في دفع
الأسقام والعلل عن أهلها، ويعرفون به من يبرأ منهم فيعالجونه فيعيش،
و [يعرفون من يموت] بعلامات تظهر منه، فيقصرون عن علاجه، وكان
يزيل الأوصاب بأن يغسل الموضع بإزاء أصحاب العلل منه، ويسقى ذلك
الماء الذي يغسل به لصاحب الداء فيزول عنه، وكثير من هذه الأعمال.
وهو أول من عمل الأبرقات الايرونيات، وزبر عليها جميع العلوم.
وهو الذي بنى الهرمين العظيمين المنسوبين إلى شداد بن عاد، والقبط
تنكر أن تكون العادية دخلت بلدهم، والعمالقة تقول سحرهم ومنعهم من
ارادتهم بشر ما يريدونه بهم، وبذلك يقول الحرانيون، وقد نقل ذلك أبو
معشر في كتاب الألوف.
وكان سبب بناء سوريد للهرمين انه رأى رؤيا أثبتها في موضعها،
فأحضر كهنته ومنجميه، وقص عليهم من نزول المرآة في صورة امرأة وانقلاب
الأرض بأهلها، وانكساف الشمس بأسرها، وهي الرؤيا بعد، فأخبروه خبر
الطوفان أنه يكون على الصورة التي كان، وذلك مذكور في كتاب تاريخ
يرويه المقربون عن آخرين من القبط وجد في بعض ذراريهم على صدر ميت،
وذكر أنها من ولد رجل من أهل مصر الأوائل ممن نجا من الطوفان وركب
مع نوح عليه السلام في السفينة، وكان ممن آمن به وحمل ابنيه وقيل بن
مصرام بن حام وكان أبدع الناس فهما في العلوم.
وكان في الكتاب أن الملك سوريد بنى في الصعيد ثلاث مدائن وعمل فيها
(١٥٩)
عجائب كثيرة، وسنذكر شيئا من أخبار هذين الأخوين إن شاء الله تعالى.
وكان في الكتاب أن الملك سوريد بن سهلون ملك مصر لما رأى في منامه
ما رأى، أخبر فيلمون رأس الكهنة بما رآه من الأمور، أمرهم ان ينظروا فيما
تدل عليه الكواكب من أحداث في العالم، فتصيب أكثره، فأقاموا لها في
وقت مسألته إياهم مسألة أمعنوا فيها النظر، فدلت على آية تنزل من السماء،
وتخرج من الأرض فتعم أكثر الأرض، وهو طوفان عظيم لا يبقى به شئ.
قال فانظروا هل ينجز ذلك ويعود أم يبقى هو معمولا دائما؟ فنظروا
فظهر أنه يعود العمران والملك، وكل شئ كما كان وعرفوه بذلك، فأمر
حينئذ ببناء بربي وأعلام عظام له ولأهل بيته، تحفظ أجسادهم، وما
أو دعوه بها من أموالهم وزبروا فيها وفي سقوفها وفي حيطانها وأسطواناتها،
جميع العلوم الغامضة، التي يدعيها أهل مصر بين جميع الأمم، وصور فيها
صور الكواكب العظام منها وصور الصغار منها، ورسم ذلك بعلامات تعلم بها.
وزبر فيها أسماء العقاقير ومنافعها، وعمل الطلسمات وأشكالها، وعلم
الحساب والهندسة، وغير ذلك مما ينتفع به مزبورا ومفسرا لمن عرف
كتابهم ولغتهم.
وقالوا إن هذه نازلة وكائنة إذا كانت تكون من جميع أقطار العالم إلا
اليسير منه، وذلك كائن إذا نزل قلب الأسد بأول دقيقة من رأس السرطان
وتكون الكواكب عند ذلك في هذه المواضع من الفلك يكون القمر مع
الشمس في أول دقيقة من الحمل، وراوس وهو المشتري في سبع وعشرين
درجة من الحوت والمريخ في ثمان وعشرين درجة وخمس دقائق من الحوت،
وأفردوين وهو الزهرة في سبع وعشرين درجة وثلاث دقائق من الحوت،
(١٦٠)
وهرمس وهو عطارد في سبع وعشرين دقيقة من الحوت، وزحل والجوزاء
في الميزان وأوج القمر في الأسد على خمس درجات ودقائق.
فلما عملوا ذلك وتحققوه قال انظروا أيضا هل يكون بعد هذه الآفة آفة
أخرى تنزل من السماء إلى الأرض تكون ضد الأخرى التي تنزل أولا. وهي
النار التي تحرق أقطار العالم، فعرفوه فقال انظروا متى يكون الكون الآخر
وهو المضمر؟ فنظروا فوجدوا أنه يكون إذ نزل قلب الأسد في آخر دقيقة
من الدرجة الخامسة عشرة من الأسد فتكون الشمس معه في دقيقة واحدة
متصلة بزحل تثليث الرأس، ويكون المشتري في الأسد غير مستقيم السير،
وعطارد معه في دقيقة، ويكون القمر في الدلو متصلا بالذنب في اثني عشر
جزءا، وتكون الزهرة في بعدها الأبعد مستقيمة السير ويكون المريخ في
الأسد مستقيم السير، ويكون في ذلك الشمس تنطبق منه [على] الأرض
[انطباقا] لم يعهد مثله.
فعرفوا الملك بما ظهر لهم من ذلك، وقالوا إن قلب الأسد إذا قطع ثلاثة
أدوار لم يبق من حيوان الأرض شئ متحرك إلا تلف وهلك وإذا استتم أدواره
تحللت أمر الفلك، فأمر الملك بقطع الأساطين العظام وبنشر البلاطات الهائلة
واستخراج الرصاص من أرض المغرب، وإحدار الصخور من ناحية أسوان
وكانت سوداء عظاما تساق في العجل، فجعل منها آساس الأهرام الثلاثة الشرقي
والغربي والملون وجميعه من الحجر الملون الأسود والأبيض.
وقيل كانت لهم صحائف من خواص أشياء وعليها كتابات، فإذا قطع
الحجر وتم احكامه وضعوا عليه تلك الأشياء وضربوه فيغدو بتلك الضربة ما
يغيب به عنهم ثم يعاودون ذلك حتى يصل.
(١٦١)

صورة رمزية إفتراضية للعضو علي العذاري
علي العذاري
انتقل لرحمة الله
°°°
افتراضي
فوضعت آساس الأهرام بالدهشور منها الهرم الشرقي والهرم الغربي والهرم
الملون.
وكانوا يمدون البلاطة ويجعلون في وسطها قضيب حديد قائم، ثم يركبون
عليها بلاطة أخرى مثقوبة الوسط، فيدخل ذلك في ذلك الثقب، ثم يذاب
الرصاص ويصب حول البلاطة وفي الثقب بهندمة واتقان بعد تأليف ما فيها
من النقوش والكتابة والصور، حتى بلغوها من ذلك إلى ما يحار فيه الوهم،
وجعل أبوابها تحت الأرض بأربعين ذراعا في آزاج مبنية بالرصاص والحجارة،
طول كل أزج منها مائة وخمسون ذراعا.
فأما باب الهرم الشرقي، فإنه من الناحية الشرقية على مقدار مائة ذراع
من وسط حائط الهرم.
وأما باب الهرم الغربي فمن الناحية الغربية، وهو أيضا على قياس مائة
ذراع من وسط الحائط، حتى تنزل إلى باب الأزج المبني فتدخل منه.
وأما باب الهرم الملون بلونين من الحجارة فمن الناحية الجنوبية يقاس أيضا
من وسط الحائط الجنوبي مائة ذراع، ويحفر حتى يوصل إلى باب الأزج والمبنى
له، ويدخل منه إلى باب الهرم، وجعل طول كل واحد منهما في الهوى مائة
ذراع بالذراع الملكي، وهو خمسمائة ذراع عندنا بذراعنا اليوم، وجعل ضلع
كل واحد من جهاته مائة ذراع ورفعها في الاستواء حتى بلغ أربعين ذراعا
فوق الأرض، ثم هندمها من كل جانب حتى تحددت أعاليها عند آخر طولها.
وكان ابتداؤهم لبنائها في وقت سعد اجتمعوا عليه وتخيروه، فلما فرغ
منها كساها ديباجا ملونا من فوقها إلى أسفلها، وعمل لها عيدا لم يبق
في المملكة أحد إلا حضره.
(١٦٢)
ثم أمر بعمل ثلاثين مخزنا بنيت من حجارة صوان ملونة في الهرم الغربي،
وملئت بآلات الزبرجد والتماثيل المعمولة من الجواهر الغالية، والطلسمات
الغريبة، وآلات الحديد الفاخر والسلاح الذي لا يصدأ، والزجاج الذي
يطوى فينطوي ولا ينكسر، وأصناف العقاقير المفردات والمؤلفات، والسموم
القاتلات وغير ذلك مما يطول وصفه، ولا يدرك عده.
ونقل إلى الهرم الآخر وهو الشرقي أصنام الكواكب والقباب الفلكية،
وما عمل أجداده من التماثيل والدخن الذي يتقرب بها إليها ومصاحفها، وما
عمل لها من التواريخ والحوادث التي مضت والأوقات التي تحدث منها ما
ينتظر، وذكر من يلي مصر إلى آخر الزمان، وكون أدوار الكواكب
الثابتة وما يحدث في دورانها وقتا وقتا، وجعل فيها المطاهر التي فيها المياه
المدبرات وما أشبه ذلك من هذه الأشياء.
وجعل في الهرم أجساد الكهنة في توابيت صوان أسود، ومع كل كاهن
مصحف فيه عجائب صنعته وعمله وسيرته وما عمل في وقته.
وكانوا على مراتب المرتبة الأولى القاطرون ( ١) وهم الذين تعبدوا للكواكب
السبعة لكل كوكب سبع سنين، ومعنى القاطر عندهم جامع العلم.
والمرتبة الثانية لمن تعبد لستة وله أيضا اسم، والمرتبة الثالثة لمن تعبد
لخمسة، والمرتبة الرابعة لمن تعبد لأربعة، والمرتبة الخامسة لمن تعبد لثلاثة،
والمرتبة السادسة لمن تعبد لاثنين والمرتبة السابعة لمن تعبد لواحد ( ٢) ولكل
واحد من أصحاب المراتب السبعة اسم يعرف به.
وجعل في جهة من الهرم مرتبة من هذه المراتب في توابيتهم، وجعل مع
--------------------
١) في ب: الناظرون. وقد مضى أن الصواب القاطر بالقاف والطاء. )
٢) تقدم أن الذي يتعبد لكوكب واحد كان يسمى ماهرا. )
(١٦٣)
أجسادهم مصاحفهم كتبوها في ورق الذهب، ذكروا فيها جميع ما كان وما
يكون وما قد عملوه من العجائب، وجعل في الحيطان من كل جانب كما تدور
أصناما تعمل بأيديها جميع الصناعات، على مراتبها وأقدارها وصفة كل صنعة
وعلاجها، وما يصلح لها.
وكتب مزبورا على الصور جميع علاجات الأشياء كلها، وعلم النواميس،
وعلم كل علم ثم جعل فيها أموال الكواكب التي أهديت إليها، وأموال
الكهنة وقدر ذلك لا يحصى عددا ولا وزنا.
وجعل لكل هرم منها خازنا، فصاحب الهرم الشرقي صنم مجزع من جزع
أسد وأبيض له عينان مفتوحتان براقتان، وهو جالس على كرسي، ومعه
شبه الحربة إذا نظر إليه ناظر سمع من جهته صوت يكاد ينزع قلبه فيهيم على
وجهه ويختلس عقله، ولا يكاد يفارقه الهم حتى يموت منه.
وجعل خازن الهرم الغربي صنما من حجر صوان مجزعا واقفا معه شبه
الحربة على رأسه حية مطوقة، من قرب منه وثبت إليه من ناحية قصده،
فتطوقت على عنقه فقتلته ثم عادت إلى رأس الصنم.
وجعل خازن الهرم الملون صنما صغيرا من حجر البهت على قاعدة منه
قائما، من نظر إليه اجتذبه الصنم حتى يلصق به، فلا يفارقه حتى يموت.
فلما فرغ من ذلك ضمدها بالأرواح الروحانية، وذبح لها الذبائح لتمنع
من أنفسها من أراد الوصول إليها، إلا من قرب لها وعمل لها بأعمال الوصول.
وذكرت القبط أن عليها كتابا منقوشا تفسيره بالعربية " أنا سوريد الملك
الملك، بنيت هذه الأهرام في وقت كذا من الزمان، وأتممت بنيانها في ست
سنين، فمن أتى بعدي، وزعم أنه ملك مثلي فليهدمها في ستين سنة، وقد
علم أن الهدم أيسر من البنيان، وإني قد كسوتها بالديباج فليكسها من أتى
بعدي حصيرا! "
(١٦٤)
فوجدوا أنه لا يقوم بهدمها شئ في الأزمان الطوال، وأن كسوتها أيضا
بالديباج مما يشق على الملك، ويتعذر إلا بفساد عظيم، وبما لم يكن [فيه]
صلاح.
فمنها أن الرشيد لما دخل مصر، فرأى الأهرام أحب أن يهدم بعضها
ليعلم ما فيه، فقيل له إنك لا تقدر على ذلك، فقال لابد من فتح شئ منه
ففتحت الثلمة المفتوحة بنار توقد وخل يرش ومجانيق يرمى بها وحدادين
يعملون ما فسد منها وأنفق عليها مالا عظيما فوجدوا عرض الحائط قريبا
من عشرين ذراعا، فلما انتهوا إلى آخر الحائط وجدوا خلف النقب مطهرة
خضراء فيها ذهب مضروب وزن كل دينار أوقية من أواقينا، وكان عددها
ألف دينار فعجبوا من ذلك ولم يعرفوا معناه، فأخبروا بذلك الرشيد،
وأتوه بالذهب والمطهرة فجعل يعجب من ذلك الذهب، ومن جودته وحسنه
وحمرته، ثم قال ارفعوا إلي حساب ما أنفقتموه على هذه الثلمة ففعل ذلك
فوجدوه بإزاء ذلك الذهب الذي أصابوه لا يزيد ولا ينقص، فعجب من
معرفتهم بذلك على طول المدة، وأنهم يستفتحونه من ذلك الموضع بعينه
وعجب من معرفتهم بقدر ما ينفق عليه، ومن تركهم ما يوازي في الموضع،
عجبا شديدا كأن لهؤلاء القوم من العلوم منزلة لا نوازيها ولا ندركها نحن
ولا أمثالنا.
وقيل إن المطهرة التي وجد فيها المال كانت من زبرجد، فأمر بحملها إلى
خزائنه وكانت أحد ما حمله من عجائب مصر.
ومن عجائبها وما يستغرب منها أن الرشيد لما فتح تلك الثلمة من الهرم أقام
الناس سنين يقصدونه ويدخلونه، وينزلون فيه من الزلاقة التي فيه، فمنهم
من يسلم، ومنهم من يهلك، وأن جماعة من الاحداث اتفقوا وكانوا عشرين
(١٦٥)
رجلا على أن يدخلوا الهرم، ولا يبرحوا منه إلى أن يصلوا إلى منتهى آخره
أو يموتوا عن آخرهم فيه.
فأخذوا معهم من الطعام والشراب ما يكفيهم لشهرين، وأخذوا الاكل
والوقيد والشمع والحبال والفؤوس، وما احتاجوه من الآلات والحديد للحفر،
دخلوا الهرم ونزل أكثرهم في الزلاقة الأولى والثانية، ومضوا يمشون في
أرض الهرم، فرأوا خفافيش على قدر العقبان تضرب وجوههم، وانتهوا
إلى ثقب تخرج منه ريح باردة ولا تفتر، فذهبوا ليدخلوه فانطفأت مسارجهم،
فذهبوا ليدخلوه فإذا الثقب على قاعة كبيرة فارغة، فعلموا
أن أجساد موتاهم في ذلك الموضع، وأن معها كنوزهم وأموالهم، فراموا أن ينزلوه
فلم يستطيعوا على ذلك.
فقال أحدهم: شدوني بالحبال، وانزلوني في هذا الثقب حتى أصل إلى
قعر هذه القاعة، ولعلي أعلم منها بعض ما تريدون، ففعل القوم بصاحبهم
ذلك، وشدوا الحبال في وسطه وتعجم الثقب فأبطأ فيه، وهم يمسكون
الحبال حتى انطبق الثقب عليه، فجذبه أصحابه بجهدهم وقوتهم فلم يقدروا
على نزعه وسمعوا عظامه تتكسر وسمعوا صيحة هائلة سقطوا منها على وجوههم
لا يعقلون، فقاموا وطلبوا الخروج، وضاق بهم الامر وصعدوا فسقط بعضهم
من الزلاقة عند صعودهم، فترك وهلك.
وخرج من بقي منهم من جميع الهرم، وجلسوا في صيحة متعجبين،
فبينما هم كذلك إذ أخرجت لهم الأرض صاحبهم من بين أيديهم حيا يتكلم
بكلام كاهني لم يفهموا معناه، فسره لهم بعض أصحاب الدرايات بالصعيد
بأنه " هذا جزاء من طلب ما ليس له " ثم سقط ميتا فحملوه، وفطن بهم
فأخذوا وحملوا إلى الوالي، فحدثوا عن أنفسهم ذلك.
(١٦٦)
وفي حديث آخر أن قوما دخلوا الهرم وانتهوا إلى أسفله وطافوه فعرض
لهم مثل الطريق، فساروا فيه فوجدوا كالمطهرة يقطر منها ماء يسير ثم
يفيض فلم يدروا ما هو، ثم وجدوا موضعا كالمجلس المربع حيطانه من
حجارة مربعة ملونة عجيبة صغار في نهاية من الحسن، فقلع أحدهم منها
حجرا وجعله في فيه.
فانسدت أذنه من الريح، ولم يزل يتصبر وهو معهم حتى دخلوا مكانا
فيه كالقوارة العظيمة فيها ذهب مضروب كثير، أعمدته كلها في غاية من الاتقان
زنة كل واحد منها ألف دينار، فأخذوا منها واحدا، فلم يقدروا أن
يتحركوا، ولا ان يمشوا حتى تركوه من أيديهم، ولم يصلوا منه إلى شئ.
ووجدوا في مكان آخر كالصفة فيها صورة شيخ من صنم أخضر، مشتمل
شملة، وبين يديه تماثيل صغار في صورة الصبيان وكأنه يعلمهم، فأخذوا
منها واحدا فلم يقدروا أن يتحركوا.
وساروا أيضا في تلك الطريق، فوجدوا بيتا مسدودا فيه دوي هائل
وزمزمة، فلم يتعرضوا له، ومضوا فوجدوا مثل المجلس المربع فيه صورة
ديك من جواهر قائم على أسطوانة خضراء، وله عينان يسرج المجلس منها،
فلما دنوا منه صوت بصوت مفزع، وخفق بجناحيه، فتركوه ومضوا حتى
وصلوا إلى صنم من حجر أبيض في صورة امرأة منكسة الرأس، وعن
جانبيها أسدان من حجارة كأنهما يريدان أن يلتقماهما، فجعلوا يتعوذون
ويقرأون إلى أن تجاوزوهما، وساروا إلى أن لاح لهم نور ساطع، فاتبعوه
فإذا هم بهوة مفتوحة، فخرجوا منها، فإذا هم في الصحراء.
وإذا على باب الهوة تمثالا [ن] من حجر أسود معهما كالمزراقين، فعجبوا
(١٦٧)
من ذلك ووجدوا شبه الطريق فساروا عليه يوما كلاما إلى أن وصلوا إلى
الأهرام من خارج.
وكان ذلك في زمان يزيد بن عبد الله والي مصر فأخبروه بذلك فاستعد
ووجه معهم من يدخل الهوة فأطافوا أياما فلم يجدوها، وأشكل عليهم
أمرها، ولم يكن لهم إليها سبيل ولا وجدوا فيها حيلة، والذي أخرج ذلك
وحده جوهرة نفيسة باعها بمال خطير.
وذكر أن قوما في وقت أحمد بن طولون دخلوا الهرم فوجدوا في طاق
من أحد بيوته أشنانة زجاج فأخذوها وخرجوا بها فافتقدوا رجلا منهم
فدخلوا في طلبه إذ خرج عليهم عريانا يضحك ويقول " لا تتعبوا في طلبي "
ورجع هاربا إلى داخل الهرم، فعلموا أن الجن قد استهوته وشاع أمرهم.
وقيل إن أحدهم سعى بهم فأخذ الأشنانة منهم، ومنع الناس من دخول
الهرم، وأنهم وزنوا ذلك الأشنان فوجدوا فيه سبعة أرطال من زجاج أبيض
صاف، فانتبه رجل من أهل المعرفة، وقال لم تتخذ الملوك هذه لباطل وما
عملت إلا لشئ، ثم ملا الأشنان بالماء ثم وزنه فوجده ملاء مثل وزنه فارغا
لا ينقص ولا يزيد.
وحكي أن قوما دخلوا الهرم ومعهم غلام يعبثون به، فخرج عليهم
غلام أسود في يده عصى، فأخذ يضربهم ضربا وجيعا فخرجوا هاربين
وتركوا طعامهم وشرابهم وبعض ثيابهم، وقد أصاب قوم في بربا أخميم
مثل ذلك.
وحكي أن رجلا وامرأة دخلا للفجور فصرعا جميعا فلم يزالا مصحوبين
مشهورين إلى أن ماتا.
وفي بعض مصاحف القبط أن سوريد الملك لما أخبره كهنته بخبر النار
المحرقة، التي تخرج من برج الأسد فتحرق العالم فعمل في الأهرم مسارب
(١٦٨)
يدخل منها النيل إلى مكان يعنيه ثم يفيض إلى موضع من أرض العرب وأرض
الصعيد، وملا تلك عجائب وطلسمات وأصناما تنطق.
وحكى بعض القبط أن سوريد الملك لما أخبره منجموه بما أخبروه قال
انظروا بلدنا هذا هل تلحقه آفة؟ فنظروا وقالوا يلحقه طوفان يأتي على
أكثره، ويلحقه خراب يقيم فيه عدة سنين، ثم يغلب عليها العمران.
قال وكيف يكون خرابها؟ قال يقصدها ملك يقتل أهلها ويغنم مالها،
قال ثم ماذا؟ قالوا يكون عمارتها [على يد] من قتله قال ثم ماذا؟ قالوا
يقصدها قوم مشوهون من ناحية النيل فيملكون أكثرها قال ثم ماذا؟ قالوا
انقطع نيلها وتخلو من أهلها، فأمر أن يكتب ذلك ويزبر على الأهرام
والأسطوانات والحجارة العظيمة.
وذكر رجل من أهل المغرب ممن يختلف إلى الواحات، ويحمل الأسماك
إلى الواحات على جمل له أنه بات قرب الهرم، فما زال يسمع الضوضاء
والغطغطة فهاله ذلك، وتباعد عن الهرم بجمله ذلك، فكان يرى حول الهرم
شبه النيران تتألق، فلم يزل مذعورا إلى أن غلبته عيناه فنام، فلما أصبح
في الموضع الذي فيه السمك رأى سماكا آخر بحياله موضوعا فعجب من ذلك
وشد سمكه على جمله وكر راجعا إلى الفسطاط، وحلف أن لا يقرب من
الهرم بعد ذلك.
وأما البرابي فلها أخبار يطول ذكرها وشرحها، وتحكي القبط في أمور
الروحانيين الغالبين على الأهرام والبرابي.
فذكروا أن روحاني الهرم الجنوبي في صورة امرأة عريانة مكشوفة الفرج
حسناء لها ذؤابتان فإذا أرادت أن تستهوي الانسان ضحكت في وجهه
واجتلبته إلى نفسها فيدنو إليها فتستهويه ويزول عقله ويهيم.
(١٦٩)
وقد رأى جماعة هذه المرأة تدور حول الهرم وقت القائلة، وعند غروب
الشمس.
وروحاني الهرم الآخر غلام أمرد أصفر عريان له ذؤابتان، وقد رأوه
أيضا [بعد المغرب] ( ١) مرارا يطوف حوله.
وروحاني الهرم الملون في صورة شيخ نوتي عليه قرطلة ( ٢)، وفي يديه
مجمر من مجامر الطاس وهو يبخره وكذلك في جميع الابرونيات.
وأما بربا أخميم فمعروف عند أهلها ان روحانيها غلام أسود عريان.
وروحاني بربا سميرا هو في صورة شيخ أدم طوال أشيب صغير اللحية.
وأما بربا قفط فروحانيته في صورة جارية سوداء، تحمل صبيا أسود
صغيرا.
وأما بربا دنونية فروحانيته في صورة إنسان رأسه رأس أسد وله قرنان.
وأما بربا بوصير فهو في صورة شيخ أبيض عليه زي الرهبان، ومعه
مصحف يحمله.
وأما بربا عدنا فروحانيته في صورة راع عليه كساء ومعه عصا.
ولاهرام دهشور روحانيون يراهم من قرب منها من نواحيها، على
طول الأيام، ولكلها قرابين وبخور يظهر بها كنوزها، وتؤلف بين الناس
وبين الروحانيين الذين بها.
فأقام سوريد مائة سنة وسبع سنين، وقد كان كهانه عرفوه الوقت
الذي يموت فيه، فأوصى إلى ابنه هو جيف ( ٣) وعرفه بما احتاج إليه وأمره
أن يدخل جسده الهرم ويجعله في الجرن الذي قد أعده لنفسه ويغشيه بكافور،
( ويحمل معه ما أعد من فاخر المتاع ومن السلاح والآلات، فامتثل هوجيت ( ٤
جميع ما امره به.
--------------------
١) عن ق. )
٢) هكذا في الأصول. )
٣) في ق: هرجيب. )
(١٧٠)
وتولى أمر الملك بعده ابنه هوجيت الملك فسار سيرة أبيه في العمارة
والعدل والرقة والرأفة بالناس فأحبوه.
وبنى الهرم الأول من أهرام دهشور، وحمل إليه كثيرا من الأموال
والجوهر، وكان غرضه جمع المال وعمل الكيمياء وإخراج المعادن ودفن كل
ما تهيأ له من الكنوز في كل سنة.
وكانت له قصة مع بعض جواريه ( ١) فنفاها إلى ناحية الغرب، وأمر
فبنيت لها هناك مدينة وأمر أن يقام فيها علم ويزبر عليها اسمها وقصتها،
وأسكن معها كل امرأة مسنة من أهل بيته.
وشج في أيامه رجل رجلا فأمر بقطع أصابعه، وسرق سارق مالا لرجل
فملك رقه للذي سرق منه.
وعمل منارات ومصانع وطلسمات، وملكهم تسعا وتسعين سنة ومات.
وملك عليهم ابنه مناوس الملك، وكان جبارا عظيما وعذابا أليما ( ٢) فآذى
الناس، وسفك الدماء، واغتصب النساء، واستخرج كنوز بابل، وبنى
قصورا بذهب وفضة، وفجر فيها الأنهار، وجعل حباءها من صنوف الجواهر
وتمخرق في الهبات على غير ما يجب، وأغفل العمارات.
وأباح أصحابه غصب نساء العامة، وكان هو يفتض النساء قبل أزواجهن،
وأطاف به أهل الشر من كل ناحية، فأبغضه الناس وكرهوا أيامه.
وامتنع عليه قوم في شئ أمرهم به فأحرقهم بالنار، وسلط رجلا من
الجبارين يقال له قرناس من ولد إدريس بن آدم على محاربة الأمم القريبة في
الماء فقتل منهم عالما كثيرا وحده.
--------------------
١) في ق: وكانت له بنت أفسدت مع بعض خدامه فنفاها. )
٢) في ق: وكان جبارا أثيما، شيطانا رجيما. )
(١٧١)

صورة رمزية إفتراضية للعضو علي العذاري
علي العذاري
انتقل لرحمة الله
°°°
افتراضي
وكان أشجع أهل زمانه، ثم هلك فاغتم عليه الملك، وأمر أن يدفن مع
الملوك في الهرم، ويقال بل عمل له وأقام عنده أعلاما، وزبر عليه اسمه وما
عمل في وقته من الحروب.
وأقام مناوس ملكا ثلاثا وسبعين سنة، ومات وجعل في الهرم مع أجداده
( في حوض من صوان أبيض مصفح بالذهب والجوهر، وجعل معه كثير ( ١
من ذخائره وأمواله وعجائبه.
وملك عليهم ابنه افراوس ( ٢) الملك، وكان عالما محنكا فخالف أباه في
فعله، وعدل في الناس ورد النساء اللاتي غصبهن أبوه إلى أزواجهن.
وعمل في وقته قبة طولها خمسون ذراعا وعرضها مائة ذراع، وركب في
جوانبها أطيارا تصفر بأصناف الأصوات المطربة لا تفتر، وعمل في وسط المدينة
منارا من صفر عليه صورة رأس إنسان من صفر كلما مضت ساعة من الليل
والنهار صاح ذلك الرأس فيعلم بصياحه دخول ساعة ويعرف من كل سمعه
عدة الساعات.
وجعل منارا آخر وجعل فيه قبة من صفر مذهب ولطخه بلطوخات،
فإذا غربت الشمس اشتعلت تلك القبة نورا فيضئ لها كثيرا من المدينة مشبها
بالنار لا تطفيها الرياح، ولا الأمطار، فإذا كان النهار قل ضوؤها لنور
الشمس.
ويقال إنه أهدى إلى الدرمشيل الملك ببابل مدهنة من زبرجد قدر خمسة
أشبار، وكان استهداه ذلك ليجعلها في بيت القربان.
ويقال انها وجدت بعد الطوفان، ويقال إنه عمل في الجبل الشرقي صنما
عظيما قائما على قاعدة مصبوغا بلطوخ أصفر مموه بالذهب وجهه إلى الشمس
--------------------
١) في ب: كثيرا. )
٢) في ق: أقروش. )
(١٧٢)
يدور معها إلى أن تغرب في الغرب ثم يدور ليلا حتى يحاذي الشمس مع
الصبح.
ويقال إن أفروسا كان يطلب الولد في وقته فنكح ثلاثمائة امرأة يبتغي
أن يولد له منهن فلم يكن ذلك.
ويقال إن في وقته عقمت أرحام النساء والبهائم، ووقع الموت لما كان
الله عز وجل قدره من هلاك العالم بالطوفان.
وقيل إن الأسد كثرت في وقته حتى كادت ان تدخل البيوت، فاحتالوا
لها بالطلسمات المانعة والحيل المضرة بها، وكانت تغيب شيئا وتعود، فرفعوا
ذلك إلى الملك وقالوا هذه علامة مكروهة، فأمر أن يعمل لها أخاديد وتملأ
نارا وجلبوا إليها الأسد بالدخن التي تجذب روحانيتها إليها، وألقوها على
النيران فاحترقت.
وبنى في وقته مدائن في ناحية الغرب تلفت في الطوفان مع أكثر مدنهم،
وارتفعت الأمطار عنهم، وقل الماء في النيل فأجدبوا وهلكت الزروع بالحر
والريح الحارة وغير ذلك، فأضر ذلك بهم فاحتالوا لدفع النار بطلسماتهم،
وكانت تذهب ثم تعود.
وقيل إن الذي فعل ذلك بهم ساحر من سحرتهم كان مناوس قد غصب
امرأته فأعمل الحيلة قليلا قليلا في افساد طلسماتهم، لان لكل طلسم شيئا
يقوي روحانيته وشيئا آخر يفسدها.
ولهذه العلة دخل بخت نصر الفارسي مصر، وكانت ممتنعة من جميع الملوك
فلما أفسد الساحر طلسماتهم سلط عليهم تلك الآفات وأفسد طلسم التماسيح
فهاجت عليهم ومنعتهم الماء، وعذبتهم عذابا كثيرا إلى أن فطنوا به من قبل
تلاميذه.
(١٧٣)
وذلك أن بعض تلاميذه لامه على ما يفعل من المضرة بقومه، فانتهره
ونفخ في وجهه، فأظلم عليه بصره فرفع التلميذ أمره إلى وزير الملك، فعرف
الوزير الملك بالامر، فأمر الملك بادخال التلميذ إليه، فدخل وعرفه بصورة
الحال، فأنفذ الملك إلى الساحر جيشا ليأتوه به، فلما نظر الساحر إلى القوم
مقبلين إليه دخن بدخنة أغشت أبصارهم، وارتفعت منها عجاجة صارت
نارا مضرمة حالت بينهم وبين الساحر، فهالهم أمره وخافوا على أنفسهم منه
فرجعوا إلى ملكهم، وعرفوه بما جرى، فأمر الملك باحضار جميع السحرة.
وكان رسم السحرة عندهم أن يعاهدوا ملوكهم على أن يكونوا أبدا معهم ولا
يخالفوهم ولا يقصدوهم بمكروه ولا يبغونهم الغوائل، فمن فعل ذلك منهم
سلب منزلته وما يملكه، وكان للملك أن يسفك دمه ودم أهل بيته، وكانوا
مع الملوك على هذه الحالة، وكانوا مع ذلك يوفون بعهدهم ولا ينقضون شيئا
من عهدهم.
فلما اجتمع السحرة عند الملك أخبرهم خبر الساحر، وكان يقال له
أجناس وما فعله من الفساد ونقضه للعهد، وقال لهم إن لم تحضروه أهلكت
جميعكم، فسألوه النظر في الامر، فأخذ أولادهم ونساءهم رهائن بذلك وأنظرهم.
فلما خرجوا من عنده تكلموا بينهم وقالوا إنكم تعلمون كثره علم أجناس
وشدة سحرة، وانا ما لنا به طاقة، ومناوس الملك هو الذي نقض عهده،
وتعدى عليه وغصبه امرأته، فينبغي لنا أن نخلص أنفسنا منه، فأجمعوا
أمرهم على أن ينصرفوا إلى الملك واستأذنوه في الذهاب إليه ومداراته وتوبيخه
والرفق به حتى يأتوا به الملك بأمان يأخذونه له منه، فيجدد العهد بينه
وبين الملك، ففعلوا ذلك وأجابهم الملك إلى ما سألوه من ذلك، ثم مضوا إلى
أجناس ولطفوا به، وقالوا له إنا ما نجهل حقك وعظم أمرك وإنا بقدرك
(١٧٤)
وكثرة علمك عارفون، ولم يكن في قدر الجناية التي جنت عليك قدر ما
فعلته من الاضرار بأهل بلدك الذي أنت منهم، ولا في الواجب أن تهلك عالما
كثيرا من الناس لجناية جناها عليك مناوس، ولا يجب على ملكنا وملك
اليوم الذي عهده لازم لنا ولك من فعل أبيه بك وبسواك عقوبة.
ولسنا نأمن أن تسلب علمك وتصير إلى أقبح عملك، فتهلك مذموما
وتمضي غير مفقود، فلم يزالوا به حتى أجابهم إلى ما أرادوه، وكتبوا بذلك
إلى الملك فكتب له أمانا وجدد له عهدا ورجع إلى ما كان من طاعة الملك
وحسن رأيه فيه.
وردت إليه امرأته فأكرمها وردها إلى قصر الملك وعرفهم أنه لا يرى
في دينه أن يلامس امرأة لامسها الملك على حال من الأحوال، لما كانوا
يرعون من طاعة الملوك ويعظمون من حقوقهم، فسر الناس بذلك وعجبوا
من عقله وحكمه وصلح الملك والناس وعمل لهم أجناس هذا عجائب
وطلسمات كثيرة.
وملكهم افراؤس أربعا وستين سنة، وهلك وليس له ولد ولا أخ،
فدفن في الهرم وجعلت معه أمواله وذخائره وجوهره والصنائع التي عملت
في وقته.
( واجتمع الناس على تمليك رجل من أهل المملكة يقال له ارمافيوس ( ١
فلما ملك أمر بجمع الناس إليه، فلما اجتمعوا بين يديه قال لهم: إني أرى
من حولكم من الأمم مسارعة إليكم وغالبة على عداوتكم وأنا مانع بلدكم منهم
وحام دياركم ودماءكم وقد تطرفت نواحيكم ويوشك أن تسير إليكم وأنا أريد
--------------------
١) في ق: أرمالينوس. )
(١٧٥)
منعهم بعدوهم وأقصدهم في بلادهم وتخويلكم إياهم، فأحتاج إلى معرفة حكمائكم
بالاعمال الهائلة والتماثيل العجيبة فشكروه ودعوا له بالتوفيق والسعادة الكاملة،
وقالت الحكماء: نحن نخرج مع الملك ونبلغه محابه فيما يريده من أعدائه،
ونحن نخدم الجيش مكانه، ونبذل أنفسنا دونه، فشرع في ذلك.
وخرج في جيش عظيم، وحارب تلك الأمم، فنكاهم نكاية شديدة،
ورجع غانما، وخلف في وجوهها جيشا، فتألفت تلك الأمم على ذلك الجيش
من كل جانب فهزمته، ورجع أصحابه مغلوبين فغاظه ذلك.
وقد كان أصابته علة في سفره من تغير الأهوية وتبديل الماء، فأنفذ ابن
عم له يقال له فرعان بن ميسون، وكان أحد الجبابرة الذين لا يطاقون وهو
أول فرعون تسمى بهذا الاسم، وتسمى به بعده من تشبه به.
وقال أصحاب التاريخ من أهل مصر، إن أول من تسمى بفرعون غلام الوليد
ابن دمع العماليقي، يقال له فرعون كان قد هرب من مولاه لما رجع من طلب
النيل، وبنى المدينة التي يقال لها مدينة العقاب وتحصن بها، فقيل له فرعون
وسنذكر خبره في موضعه.
فانفذ الملك ابن عمه فرعان في جيش عظيم، فأجلى تلك الأمم ونفاها إلى
أطراف البحر وكر راجعا ومعه رؤس كثيرة وخلق كثير أسارى.
فأمر الملك بنصب الرؤس حول المدينة، وقتل من صلح للقتل، وكان
فيهم كاهن منهم فأمر أن ينشر بمنشار، وهو أول من فعل ذلك.
وأعظم الملك ابن عمه فرعان وأكرمه وألبسه حللا منظومة بالجوهر،
وأمر أن يطاف به ويذكر فضله، ثم أنزله في بعض قصوره.
وأن امرأة من نساء الملك عزيزة عليه عشقت فرعان، فأرسلت إليه
(١٧٦)
تدعوه إلى نفسها فامتنع من ذلك خوفا من الملك، ولأن التخطي كان عندهم
إلى نساء الملك عظيما.
فلما طال عليها شوقها إليه أحضرت امرأة ساحرة من نساء الكهنة
ولا طفتها حتى أنست بها، فذكرت أمر فرعان وما تجده من سببه وامتناعه
عليها، فضمنت لها بلوغ محبتها منه، فسحرته بدخن كان عندها عملته له
حتى اهتاج إليها وقدم على ودها وسهل عليه ما صعب من أمره، ودست إليه
فأجابها واجتمع بها وتمكن حب كل واحد منهما من صاحبه، ودام الامر
بينهما وتمادى الانس إلى أن ذاكرته أمر الملك وأنها لا تأمن أن يصل خبرهما
به فيهلكا، وقالت له اعمل الحيلة في قتله، وأنت ابن عمه فيكون [لك]
الملك من بعده ونأمن على أنفسنا، فلشدة حبه لها استحسن ذلك واستدعى
بسم فدفعه إليها، فدسته في شراب الملك فمات لوقته، ودفن في الهرم
مع الملوك.
وجلس فرعان الملك على سرير الملك، ولبس التاج ولم ينازعه أحد،
وفرح الناس بمكانه لما كان عليه من الشدة والجرأة.
وأن فرعان علا في الأرض وتجبر، وهو الذي كان الطوفان في وقته،
وغصب الناس أموالهم وعمل في طريق الظلم ما لم يعمله أحد، وأسرف في
القتل وامتثل أصحابه فعله، فهابته الملوك، وأقروا له، وهو الذي كتب إلى
الدرمشيل بن يمحويل ملك بابل يشير عليه بقتل نوح عليه السلام.
وذلك أن الدرمشيل كتب إلى الآفاق يستعلم أهلها هل يعرفون آلهة
غير الأصنام؟ ويذكر قصة نوح عليه السلام، وأنه يريد تغيير ما هم عليه من
عبادة الأصنام، ويزعم أن له إلها غيرها لا يرى فكل أنكر ذلك.
(١٧٧)
ولما أخذ نوح عليه السلام في عمل السفينة كتب فرعان يأمره بقتل نوح
وحرقها فأشار عليه بعض وزرائه أن لا يفعل وأن يدعها فان كان ما ذكره
نوح حقا ركبها الملك وأهل بيته فقبل رأيه وتركها وهم بقتل نوح فمنعه الله منه.
وكان عند أهل مصر علم الطوفان، ولم يقدروا كثرته ولا طول مقامه
على وجه الأرض، فاتخذوا السراديب تحت الأرض وصفحوها بالزجاج
وحبسوا الريح فيها بتدبيرهم، واتخذ الملك فيلمون رأس الكهنة مع نفسه،
عدة له ولأهل بيته.
وقد كان فرعان أقصى الكهان وباعدهم، فرأى فيلمون الكاهن ليلة في منامه
كأن مدينة أمسوس قد انقلبت ( ١) بأهلها وكأن الأصنام قد انقلبت ( ١) على
وجوهها وكأن ناسا من السماء ينزلون ومعهم مقامع يضربون بها الناس، وكأنه
تعلق بأحدهم، وقال لهم: لأي شئ تفعلون بالناس ولا ترحمونهم؟ قال:
لأنهم كفروا بإلههم بالذي خلقهم، قال: أما لهم خلاص؟ قال: نعم من أراد
الخلاص فعليه بصاحب السفينة.
فانتبه مرعوبا وقام حيرانا لا يدري ما يصنع، وكان له امرأة وولدان
ذكر واثنى وسبع تلاميذ فأجمع على أن يلحق بنوح عليه السلام.
ثم نام أيضا فرأى في نومه كأنه في روضة خضراء، وكأن فيها طيورا
بيضاء يفوح منها رياح المسك، وكأنه كان يعجب من حسنها، إذ تكلم بعض
الطيور فقال سيروا بنا لعلنا ننجو مع المؤمنين، فقال له ومن هم المؤمنون؟
قال أصحاب السفينة.
فانتبه مرعوبا وأخبر أهله وتلاميذه بذلك واستكتمهم إياه ثم نظر في
تخفيف أثقاله، وفي بيع ما يجب بيعه مستترا بذلك كله.
--------------------
١) في ب: أقبلت. )
(١٧٨)
فلما فرغ مما أراده دخل على الملك وقال له إن رأى الملك أن ينفذني إلى
الدرمشيل لارى هذا الرجل الذي عمل السفينة وأناظره وأجادله على ما جاء
به من هذا الدين لذي يظهره، وأتبين حقيقة أمره فليفعل، فعسى أن
يكون سبب هلاكه ودفعه عما يدعيه، فأعجب الملك منه وأمره بالخروج،
وكتب معه إلى الدرمشيل.
فسار فيلمون بأهله وولده ومضى معه تلاميذه حتى انتهوا إلى أرض بابل
فقصد نوحا فأخبره بما قصده، وسأله أن يشرح له دينه ففعل نوح عليه
السلام ذلك، فآمن به فيلمون وجميع من معه، ولم يقصد فيلمون إلى
الدرمشيل ولم يدفع إليه كتاب فرعان ولا رآه.
فقال نوح عليه السلام " من أراد الله به خيرا لم يصرف عنه ذلك " فلم
يزل الكاهن مع نوح عليه السلام يخدمه هو وتلاميذه وولده إلى أن ركبوا
السفينة.
وأقام فرعان الملك متمكنا في ضلاله وظلمه، مدمنا على لهوه وقد استخف
بالهياكل، فضاقت أرضهم بها، وكثر الظلم والهرج وفسدت الزروع وأجدبت
الأرض من كل ناحية، وظلم الناس بعضهم بعضا، ولم ينكر ذلك عليهم،
وسدت الهياكل والبرابي وطبقت أبوابها، فجاءهم الطوفان وأقبل عليهم المطر
في أربع وعشرين من الشهر.
وكان فرعان سكرانا فلم يقم إلا والماء قد عظم، فوثب مبادرا يريد
الهرم فتخلخلت الأرض به، وسبق يريد الأبواب فخانته رجلاه وسقط على
وجهه، وجعل يخور كما يخور الثور إلى أن أهلكه الطوفان ومن دخل منهم
الأسراب مات بغمها ( ١) ولحق الماء من [أعلى] ( ٢) الأهرام إلى حد التربيع،
وأثره ظاهر عليه إلى الآن.
--------------------
١) هكذا في الأصول، وفي ق: ولعل الصواب بفمها، أي قبل أن يصل إليها. )
٢) زيادة عن ق. )
(١٧٩)
وقد ذكر أن مواضع سلمت من الطوفان يذكر ذلك الفرس، وتزعم أنها
لا تعرف الطوفان، وكذلك الهند تزعم أنها لا تعرفه وليس بين أهل التاريخ
اختلاف في عموم الطوفان لجميع الأرض.
ذكر ملوك مصر بعد الطوفان
( أجمع أهل مصر ( ١) أن أول من ملك مصر بعد الطوفان مصرايم بن بيصر ( ٢
ابن حام بن نوح عليه السلام وذلك بدعوة سبقت له من جده.
والسبب في ذلك أن فيلمون الكاهن سأل نوحا أن يخلطه بأهله وولده،
وقال له: يا نبي الله إنني تركت أهلي وولدي فاجعل لي رفقة أذكر بها بعد موتي،
فزوج عليه السلام مصرايم بن بيصر بن حام بنت فيلمون، فولدت له ولدا
فسماه فيلمون باسم جده.
فلما أراد نوح عليه السلام قسمة الأرض بين بنيه، قال له فيلمون: ابعث
معي يا نبي الله ابني، حتى أمضي به إلى بلدي وأظهره على كنوزه، وأوقفه
على علومه وأفهمه رموزها، فبعثه مع جماعة من أهل بيته، وكان غلاما
مراهقا.
فلما قرب من مصر بنى له عرشا من أغصان الشجر، وستره بحشيش ثم
بنى له بعد ذلك مدينة في الموضع بنفسه وسماها درمان ( ٣) أي باب الجنة
وزرعوا وغرسوا الأشجار.
--------------------
١) في ق: أهل الأثر. )
٢) في ب: مصريم بن تنصر، والتصحيح عن ق. )
٣) في ق: درسان. )
(١٨٠)
وكان بين درمان إلى البحر زروع وأجنة وعمارة، وكان القوم الذين
كانوا مع مصرايم جبابرة، فقطعوا الصخور وبنوا المصانع والمعالم، وأقاموا
في أرغد عيش.
ونكح مصرايم بنتا من بنات الكهنة، فولدت له ولدا فسماه قبطيما، وتزوج
بعد تسعين سنة من عمره مرأة أخرى فولدت له أربعة نفر: يقطويم، واشمون،
وابريت، وصابي، فكثروا وعمروا الأرض وبورك لهم فيها.
وقيل إن عدد من كان مع مصرايم ثلاثون رجلا من الجبابرة، فبنوا مدينة
سموها ناقة، بلغتهم معناها ثلاثون، وهي مدينة منف.
وكشف فيلمون الكاهن لمصرايم عن كنوز مصر وعلمه قراءة خط البرابي
وما زبر على الحجارة، وعرض عليهم معادن الذهب والفيروزج والزبرجد
وغير ذلك، ووصف لهم عمل الصنعة فجعل الملك أمرها إلى رجل يقال
لسنطاس ( ١) ثقة من أهل بيته، فكان يعملها في الجبل الشرقي، فسمي الجبل
به المقطم.
وعلمهم أيضا عمل الطلسمات وكانت تخرج من البحر دواب وتفسد
زروعهم، وما قارب البحر من جهاتهم فعملوا لها الطلاسم فغابت ولم
تظهر بعد.
وبنوا على غير البحر مدنا منها رقوده بمكان الإسكندرية، وجعلوا
وسطها قبة من نحاس مذهب والقبة مذهبة.
ونصبوا فوقها مرآة معموله من أخلاط شتى قطرها خمسة أشبار، وكان
ارتفاع القبة من الأرض خمسمائة ذراع، فكانوا إذا قصدهم قاصديهم بأذاهم
--------------------
١) في ق: وكان عنده رجل ماهر يقال له مقيطام يعمل لهم الكيمياء والطلسمات الغريبة. )
(١٨١)

الصورة الرمزية يناير
يناير
عضو
°°°
افتراضي
اشكرك على هذا الموضوع القيم الاستاذ الكريم علي العذاري بارك الله فيكم

صورة رمزية إفتراضية للعضو اباديباج
اباديباج
شاملي فعال
°°°
افتراضي
السلام عليكم


مواقع النشر (المفضلة)
أخبار الزمان المؤلف: المسعودي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
الانتقال السريع
المواضيع المتشابهه
الموضوع
مخطوطة: روحانية قوية جدا مجهولة المؤلف
مخطوطة: روحانية رقم «2» مجهولة المؤلف
الطاقة الروحية المؤلف: هنري برغسون
القانون المسعودي للبيروني
من منكم قرأ كتاب القانون المسعودي للبيروني؟

الساعة الآن 05:24 PM.