المشاركات الجديدة
مقالات عامة في علم الفلك : طرح مختلف المواضيع المهتمة بعلم الفلك

سبب‌ تعيين‌ مبدأ فرضي‌ّ للزمان‌ (مباحث مسألة رؤية الهلال )

افتراضي سبب‌ تعيين‌ مبدأ فرضي‌ّ للزمان‌ (مباحث مسألة رؤية الهلال )
المقدّمة‌ الاُولي‌ للمقال‌: خطّ الزمان‌ الدولي‌ّ
تأليف العلامة : محمّد الحسين‌ بن‌ محمّد الصادق‌ الحسينيّ


الاُولي‌:
الارض‌ كرويّة‌، وتدور حول‌ نفسها دوراً كاملاً في‌ ما يقرب‌ من‌ أربع‌ وعشرين‌ ساعةً، ويتحقّق‌ بذلك‌ نهار واحد وليلة‌ واحدة‌ في‌ النواحي‌ المعمورة‌.

سبب‌ تعيين‌ مبدأ فرضي‌ّ للزمان‌
إنّ لجميع‌ النواحي‌ الواجهة‌ لضوء الشمس‌ المشتركة‌ في‌ الاستنارة‌ يحسب‌ نهار واحد، كما أنّ لجميع‌ النواحي‌ المعاكسة‌ لضوئها المشتركة‌ في‌ الظلمة‌ الواقعة‌ في‌ الظلّ المخروطي‌ّ تحسب‌ ليلة‌ واحدة‌. ولمّا لم‌ يكن‌ لكرويّتها ميز وشاخص‌ يتميّز ويتشخّص‌ به‌ بعض‌ الاصقاع‌ عن‌ بعض‌، في‌ تعيين‌ مشخّصات‌ الايّام‌ والليالي‌ وحدودها من‌ تقويم‌ الاسابيع‌ والشهور؛ وقعت‌ مشكلة‌ عويصة‌ وهي‌ تمادي‌ يوم‌ واحد وليلة‌ واحدة‌، إلي‌ مرّ الاسابيع‌ والشهور وكرّ الاعوام‌ والدهور، ما بقيت‌ أرض‌ مستنيرة‌ وشمس‌ منيرة‌.

مثلاً إذا سمّينا الناحية‌ الواجهة‌ للشمس‌ من‌ الكرة‌ الارضيّة‌ يوم‌ الجمعة‌، لم‌ يتغيّر هذا اليوم‌ إلي‌ الابد ولو تدور الارض‌ حول‌ نفسها آلاف‌ مرّة‌.

وذلك‌ لعدم‌ تعيّن‌ مبدأ له‌ بدءاً ونهايةً، ولا يمكن‌ أن‌ نتصوّر قبله‌ ولا بعده‌ من‌ خميس‌ وسبت‌ فكيف‌ بسائر أيّام‌ الاُسبوع‌؛ لعدم‌ إمكان‌ تصوّر القَبليّة‌ والبَعديّة‌.

وبهذه‌ الموازاة‌ لايمكن‌ لنا تقدير أيّام‌ الشهور، أيّ شهر كان‌ شمسيّاً أو قمريّاً، لعدم‌ تمايز الايّام‌ بعضها عن‌ بعض‌.

وهذه‌ المشكلة‌ إنّما حدثت‌ بعد كشف‌ قارّة‌ إمريكا، والعلم‌ بكرويّة‌ الارض‌، وبعد مسافرة‌ السَّيَّاح‌ المعروف‌ ماجلاّن‌ بسفائنه‌ حول‌ الارض‌ في‌ مدّة‌ ثلاث‌ سنين‌، من‌ إسبانيا إلي‌ جهة‌ المغرب‌. حيث‌ إنّ راكبي‌ هذه‌ السفن‌ كانوا يعدّون‌ الايّام‌ بغاية‌ الدقّة‌، وقبل‌ الوصول‌ إلي‌ أوطانهم‌ عند ما نزلوا في‌ إحدي‌ الجزائر كانوا يعلمون‌ أنّ اليوم‌ يوم‌ الاربعاء، فلمّا سألوا أهلها اتّفقوا جميعاً علي‌ أنّ اليوم‌ يوم‌ الخميس‌.

ولم‌ يدروا أنّ هذا الاختلاف‌ وهو يوم‌ واحد، نشأ من‌ خلاف‌ جهة‌ مسيرهم‌ لمسير الارض‌، وهي‌ من‌ المغرب‌ إلي‌ المشرق‌.

فإنّهم‌ كانوا يسيرون‌ حول‌ الارض‌ بحسب‌ تعداد الايّام‌، مدّةً أزيد من‌ مدّة‌ حسبوها، وهي‌ مدّة‌ دوران‌ الارض‌ حول‌ نفسها دوراً واحداً البالغة‌ أربعاً وعشرين‌ ساعةً.

فهذه‌ المدّة‌ بمثابة‌ عدم‌ تحويل‌ الشمس‌ عنهم‌ في‌ طول‌ مدّة‌ اثنتي‌ عشرة‌ ساعةً، فكأنّهم‌ واجهون‌ لضوء الشمس‌ يومين‌ متواليين‌، لكنّهم‌ كانوا يحسبونهما يوماً واحداً.

وأمّا قبل‌ كشف‌ هذه‌ القارّة‌ فالعلماء كانوا بانين‌ إمّا علي‌ عدم‌ كرويّة‌ الارض‌ وإمّا علي‌ انحصار المعمورة‌ بنصفها الممتدّ من‌ جزائر خالدات‌ إلي‌ أقصي‌ بلاد الصين‌ واليابان‌. وعلي‌ كلّ، كان‌ مبدأ الايّام‌ عندهم‌ عند بزوغ‌ الشمس‌ في‌ هذه‌ البلاد، كما أنّ المنتهي‌ غروبها في‌ هذه‌ الجزائر.

خطّ الزمان‌ وخطّ نصف‌ نهار كرينويج‌، ينصفان‌ كرة‌ الارض
و لحلّ هذه‌ العويصة‌ عيّنوا مبدءاً فرضيّاً للتاريخ‌ واتّفق‌ الاقوام‌ و الاُمم‌ كلّهم‌ علي‌ هذا المبدأ، وهو خطّ مفروض‌ مارّ علي‌ القطبين‌، علي‌ زاوية ‌ 180 درجةً من‌ خطّ نصف‌ نهار كرنويج‌؛ بحيث‌ هذا الخطّ وذاك‌ ينصفان‌ كرة‌ الارض‌ بنصفين‌ متساويين‌. وجعلوا جميع‌ النواحي‌ الواقعة‌ في‌ غرب‌ هذا الخطّ يوم‌ السبت‌ مثلاً، والنواحي‌ الواقعة‌ في‌ شرقه‌ يوم‌ الجمعة‌، فابتداء ليلة‌ الجمعة‌ في‌ شرقه‌ هو انتهاء يوم‌ الجمعة‌ في‌ غربه‌.
تعيين‌ فرضي‌ّ للزمان‌ (مباحث الهلال Royat21.gif

وإنّما عيّنوا موقع‌ الخطّ المفروض‌ في‌ هذا المـوضـع‌ لما
أوّلاً:

أنّ معظمه‌ يمرّ من‌ البحر المحيط‌ [ الهادي‌ ]: الاُوقيانوس‌ الكبير، ولايكون‌ فيه‌ سكّان‌ يسكنون‌ في‌ بلد حتّي‌ يختلف‌ تاريخ‌ أهله‌.

وحيثما يقطع‌ هذا الخطّ من‌ طرف‌ الشمال‌ قطعةً صغيرةً من‌ سيبيريا، أمالوه‌ وجعلوه‌ خارج‌ هذه‌ المنطقة‌ بين‌ سيبيريا من‌ آسيا وآلاسكامن‌ إمريكا. وعبّروه‌ بما بين‌ جزيرتين‌ مسمّاتين‌ بدِيُومِد بينهما قدر مسافة‌ ثلاثة‌ أميال‌ تقريباً، إحداهما أكبر من‌ الاُخري‌ وواقعة‌ في‌ غرب‌ الخطّ، والاُخري‌ أصغر من‌ الاُولي‌ وواقعة‌ في‌ شرقه‌؛ ففي‌ جميع‌ الاوقات‌ تكون‌ أيّام‌ الاسابيع‌ والشهور في‌ دِيُومِد الصغري‌ قبل‌ أيّام‌ ديومد الكبري‌.

فإذا فرضنا أنّ أحداً يوم‌ الجمعة‌ كان‌ في‌ ديومد الصغري‌ التي‌ هي‌في‌ ناحية‌ شرق‌ الخطّ، وسافر في‌ دقائق‌ قليلة‌ عن‌ البحر نصف‌ فرسخ‌ ووصل‌ إلي‌ ديومد الكبري‌ الواقعة‌ في‌ غرب‌ الخطّ، دخل‌ في‌ يوم‌ السبت‌، وهكذا العكس‌
تعيين‌ فرضي‌ّ للزمان‌ (مباحث الهلال Royat22.gif

وثانياً أنّ هذا الخطّ علي‌ الطرف‌ المقابل‌ من‌ نصف‌ نهار كرنويج‌ وبينهما 180 درجةً من‌ كلّ واحد من‌ الطرفين‌.

وذلك‌ لانّ محيط‌ الدائرة‌ الارضيّة‌ ينقسم‌ علي‌ 360 درجةً وهذا المقدار يمرّ عن‌ مواجهة‌ الشمس‌ في‌ أربع‌ وعشرين‌ ساعةً. فالارض‌ تسير نحو المشرق‌ في‌ كلّ ساعة‌ خمس‌ عشرة‌ درجةً ( 360: 24 = ْ15).

فإذا فرضنا أنّ الساعة‌ في‌ كرنويج‌ كانت‌ علي‌ رأس‌ الثانية‌ عشرة‌ من‌ النهار وهي‌ الظهر التقريبيّ، تكون‌ الساعة‌ في‌ النواحي‌ الشرقيّة‌ عنه‌ علي‌ مسافة‌ 15 درجةً، ساعةً بعد الظهر، وهكذا إلي‌ النواحي‌ البعيدة‌ عنه‌ علي‌ مسافة‌ 180 درجةً، اثنتي‌ عشرة‌ ساعةً بعده‌ وهي‌ المقارنة‌ لنصف‌ الليل‌.

وأيضاً تكون‌ الساعة‌ في‌ النواحي‌ الغربيّة‌ عنه‌ علي‌ مسافة‌ 15 درجةً، ساعةً قبل‌ الظهر، وهكذا إلي‌ النواحي‌ البعيدة‌ عنه‌ علي‌ مسافة‌ 180 درجةً، اثنتي‌ عشرة‌ ساعةً قبله‌ وهي‌ المقارنة‌ أيضاً لنصف‌ الليل‌.

فهذه‌ الناحية‌ التي‌ انطبقت‌ علي‌ خطّ التاريخ‌ الدوليّ، بعيدة‌ عن‌ كرنويج‌ علي‌ مقدار 180 درجةً متقدّمة‌ عنه‌ زماناً من‌ ناحية‌ المشرق‌ ومتأخّرة‌ عنه‌ زماناً من‌ ناحية‌ المغرب‌، كلّ باثنتي‌ عشرة‌ ساعةً.

فمجموع‌ تفاوت‌ هذين‌ المقدارين‌، وهو أربع‌ وعشرون‌ ساعةً، يكون‌ قدر يوم‌ واحد وليلة‌ واحدة‌.

فيكون‌ هذا الخطّ متقدّماً عن‌ نفسه‌ من‌ جهة‌، ومتأخّراً عن‌ نفسه‌ من‌ جهة‌ أُخري‌: متقدّماً من‌ الناحية‌ الشرقيّة‌ ومتأخّراً من‌ الناحية‌ الغربيّة‌، فهو المبدأ للتاريخ‌، تكون‌ الايّام‌ في‌ شرقه‌ ولو بمقدار يسير، متقدّمةً علي‌ الايّام‌ في‌ غربه‌ كذلك‌.
تعيين‌ فرضي‌ّ للزمان‌ (مباحث الهلال ROYAT23.gif

هذا كلّه‌ من‌ جهة‌ أيّام‌ الاسابيع‌، من‌ الجمعة‌ والسبت‌ وغيرهما؛ وتتبعها أيّام‌ الشهور من‌ الاوّل‌ والثاني‌ وغيرهما.

فإذا فرضنا أنّ الشمس‌ طلعت‌ في‌ اليوم‌ الثامن‌ من‌ إيلول‌ علي‌ نقطة‌ في‌ شرق‌ هذا الخطّ، علمنا بأنّها غربت‌ في‌ اليوم‌ الثامن‌ من‌ إيلول‌ عن‌ نقطة‌ في‌ غربه‌. فابتداء الثامن‌ في‌ جهة‌ المشرق‌ يساوق‌ انتهاءه‌ في‌ جهة‌ المغرب‌، ففي‌ المشرق‌ يكون‌ الثامن‌ وفي‌ المغرب‌ يكون‌ التاسع‌.

ولا فرق‌ في‌ ما ذكرنا في‌ الشهور الشمسيّة‌ بين‌ الروميّة‌ والفارسيّة‌ والروسيّة‌ والفرنسيّة‌ وغيرها. فإذا فرضنا أنّ في‌ مشرق‌ هذا الخطّ يكون‌ يوم‌ الاحد السابع‌ من‌ الجوزاء، يكون‌ في‌ مغربه‌ يوم‌ الاثنين‌ الثامن‌ منه‌.

فكلّ أحد يسافر من‌ المشرق‌ إلي‌ المغرب‌ مارّاً عن‌ هذا المبدأ، لابدّ وأن‌ يقدّم‌ يوماً من‌ تاريخ‌ تقويمه‌؛ وكذا العكس‌: إذا سافر نحو المشرق‌ لابدّ و أن‌ يؤخّر يوماً واحداً من‌ تقويمه‌.
غير مبريء الذمه نقل الموضوع أو مضمونه بدون ذكر المصدر: منتديات الشامل لعلوم الفلك والتنجيم - من قسم: مقالات عامة في علم الفلك


...
....
الصورة الرمزية غسان
غسان
المدير العام
°°°
افتراضي
المقدّمة‌ الثانية‌: اختلاف‌ مبدء طلوع‌ القمر في‌ أوّل‌ كلّ شهر

مبدأ الشهور القمريّة‌ إمّا يتحقّق‌ بخروج‌ الهلال‌ عن‌ تحت‌ الشعاع‌ وظهوره‌ في‌ الاُفق‌ علي‌ ما هو المشهور، فإذاً يختلف‌ المبدأ في‌ النواحي‌ الشرقيّة‌ عن‌ محلّ الرؤية‌ والنواحي‌ الغربيّة‌ عنه‌، ويتأخّر بيوم‌ واحد.

و إمّا يتحقّق‌ بنفس‌ الخروج‌ فقطّ وإمكانيّة‌ الرؤية‌ في‌ ناحية‌ ما علي‌ ما ذهبتَ إليه‌، فإذاً يختلف‌ المبدأ في‌ النصف‌ الفوقانيّ من‌ الارض‌ الذي‌ يشترك‌ في‌ الظلمة‌ الليليّة‌ مع‌ نقطة‌ الخروج‌، والنصف‌ التحتانيّ منها الذي‌ كان‌ واجهاً للشمس‌ وكان‌ نهار هناك‌.

فإذا دارت‌ الارض‌ بحركتها الدوريّة‌ بقدر نصف‌ الدائرة‌ البالغ‌ اثنتي‌ عشرة‌ ساعةً تقريباً، يواجه‌ جميع‌ النقاط‌ الواقعة‌ في‌ ذلك‌ النهار علي‌ مغرب‌ الشمس‌ وتدخل‌ واحدة‌ بعد أُخري‌ في‌ تلك‌ الظلمة‌، وبذلك‌ يبتدي‌ الشهر بالنسبة‌ إليها.

لكنّ هنا نكتةً دقيقةً، وهي‌ أنّ القمر لا يخرج‌ من‌ الشعاع‌ في‌ مبدأ كلّ شهر في‌ موضع‌ خاصّ محاذياً للارض‌، حتّي‌ تتّحد الآفاق‌ وتستقرّ في‌ كلّ حين‌؛ بل‌ بمقتضي‌ سيره‌ الخاصّ حول‌ الارض‌ أوّلاً، وبميله‌ عن‌ منطقة‌ البروج‌ شمالاً وجنوباً علي‌ مقدار خمس‌ درجات‌ ثانياً، وبسائر العوامل‌ التي‌ ذكرناها في‌ الموسوعة‌ الاُولي‌ ثالثاً، يختلف‌ مبدأ طلوعه‌ في‌ أوّل‌ كلّ شهر من‌ الشهور.

إذا تمهّد هذا فنقول‌:

إنّ اختلاف‌ حساب‌ الشهور أمر لازم‌ لا مناص‌ ولا مفرّ منه‌ حتّي‌ في‌ الشهور الشمسيّة‌ بأنحاء سنواتها في‌ نصف‌ الكرة‌ الارضيّة‌.

فعلي‌ أساس‌ ما ذكرنا تختلف‌ مبادي‌ الشهور الشمسيّة‌ في‌ النصف‌ الشرقيّ من‌ قارّة‌ آسيا كالمعظم‌ من‌ أرض‌ سيبيريا والصين‌ وبورما وتايلند وأندونيسيا وفيتنام‌ وسومطرة‌ وبورنيو وكذا في‌ أُوستراليا، بالنسبة‌ إلي‌ النصف‌ الغربيّ من‌ قارّة‌ إمريكا كأرض‌ آلاسكا والمعظم‌ الغربيّ من‌ كندا والولايات‌ المُتّحدة‌ والمكسيك‌.

فعدد أيّام‌ الاسابيع‌ والشهور في‌ سكّان‌ الاُوَل‌، مؤخّر عن‌ عدد أيّام‌ الاسابيع‌ والشهور في‌ سكّان‌ الاُخر بيوم‌ واحد.

فاليوم‌ السابع‌ من‌ حزيران‌ مثلاً بالنسبة‌ إلي‌ هؤلاء [ أهل‌ الشرق‌ ]، بعينه‌ اليوم‌ الثامن‌ منه‌ بالنسبة‌ إلي‌ أُولئك‌ [ أهل‌ الغرب‌ ]. والسبت‌ بالنسبة‌ إلي‌ أُولئك‌، هو يوم‌ الجمعة‌ بالنسبة‌ إلي‌ هؤلاء؛ مع‌ أنّهم‌ مجتمعون‌ تحت‌ ضوء واحد شمسيّ في‌ نهار واحد، أو تحت‌ ظلّ واحد في‌ ليلة‌ واحدة‌.

وكذلك‌ النواحي‌ الغربيّة‌ من‌ إمريكا الجنوبيّة‌ كأرض‌ فنزويلا وكولومبيا وبيرو وشيلي‌ والارجنتين‌ والمعظم‌ من‌ البرازيل‌، تختلف‌ مع‌ النواحي‌ الشرقيّة‌ من‌ سيبيريا وزيلاندا وأُوستراليا، مع‌ اتّحاد نهار سكّانهم‌ واتّحاد ليلهم‌.

وأمّا في‌ الشهور القمريّة‌، فلا نحتاج‌ إلي‌ تعيين‌ خطّ فرضيّ مارّ علي‌ القطبين‌ في‌ تعيين‌ مباديها وأيّامها، وإن‌ كان‌ الامر أيضاً كذلك‌ بالنسبة‌ إلي‌ أعداد أُسبوعها.

وذلك‌ لانّ مبدأ كلّ شهر له‌ تعيّن‌ واقعيّ خارجيّ، وهو خروج‌ الهلال‌ عن‌ تحت‌ الشعاع‌ وظهوره‌ في‌ الاُفق‌ أو نفس‌ خروجه‌ عنه‌ فقط‌؛ علي‌ اختلاف‌ المسلكين‌.

مبدء الشهر لجميع‌ النواحي‌، يختلف‌ بيوم‌ واحد ؛ علي‌ كلا القولين‌
فعلي‌ كلا التقديرين‌ تختلف‌ مبادي‌ الشهور بالنسبة‌ إلي‌ جميع‌ النواحي‌ الارضيّة‌ بيوم‌ واحد، وهذا أيضاً لا مفرّ منه‌.

أمـّا علي‌ مسلك‌ الجمهور فابتداء الشهر بالنسبة‌ إلي‌ كلّ بلد إنّما هو بظهور الهلال‌ في‌ أُفقه‌، فإذا خرج‌ الهلال‌ عن‌ الشعاع‌ وصار قابلاً للرؤية‌ بعد غروب‌ الشمس‌ في‌ ابتداء الليل‌، دخل‌ الشهر بالنسبة‌ إليه‌.

و لكن‌ لمّا تسير الارض‌ من‌ المغرب‌ إلي‌ المشرق‌، يختفي‌ الهلال‌ بالنسبة‌ إلي‌ سكّان‌ هذا البلد، ويطلع‌ دائماً علي‌ نحو الاستمرار حيناً بعد حين‌ بالنسبة‌ إلي‌ جميع‌ الآفاق‌ الغربيّة‌، حتّي‌ تتمّ الدورة‌ الكاملة‌ في‌ أربع‌ وعشرين‌ ساعةً. فيراه‌ جميع‌ أهل‌ الآفاق‌ في‌ ابتداء ظلّ مخروطيّ مستمرّ في‌ هذه‌ المدّة‌ المتميّز بعضها عن‌ بعض‌ بفصل‌ نهاريّ؛ فتجزّي‌ وتنقسم‌ بليلتين‌.


وأمّا علي‌ ما اخترتَ من‌ كفاية‌ الخروج‌ عن‌ الشعاع‌ ورؤية‌ ما ولو من‌ بعيد، فجميع‌ القطر المظلم‌ الليليّ المشترك‌ مع‌ نقطة‌ أُفق‌ الرؤية‌ في‌ ابتداء الليل‌ يحسب‌ من‌ أوّل‌ الشهر.

فالمبدأ لدخول‌ الشهر إنّما هو آخر القطر المقابل‌ لاُفق‌ الرؤية‌، وهي‌ الناحية‌ التي‌ كاد أن‌ ينقضي‌ فيها الليل‌ ويطلع‌ فيها الفجر، وكان‌ دخول‌ الشهر بالنسبة‌ إليهم‌ في‌ حال‌ يكون‌ القمر في‌ عين‌ المحاق‌ ويخرج‌ عنه‌ وعن‌ الشعاع‌ بعد اثنتي‌ عشرة‌ ساعةً أو أزيد.

أمّا القطر المستنير النهاريّ المقابل‌ للقطر المظلم‌، فابتداء الشهر بالنسبة‌ إلي‌ كلّ ناحية‌ منه‌ إنّما هو بسبب‌ المواجهة‌ للهلال‌ حين‌ دخوله‌ في‌ الليل‌ عند غروب‌ الشمس‌ بالحركة‌ الدوريّة‌؛ وذلك‌ يطول‌ اثنتي‌ عشرة‌ ساعةً أيضاً.

فمبدأ الشهر في‌ النواحي‌ المختلفة‌ الارضيّة‌ يطول‌ أربعاً وعشرين‌ ساعةً، المنقسم‌ بليلتين‌ علي‌ حسب‌ الآفاق‌ الفوقانيّة‌ والتحتانيّة‌.

وقد علم‌ ممّا ذكرنا أنّ اختلاف‌ مبدأ الشهور القمريّة‌ كالشمسيّة‌ ممّا لا مجال‌ لاحد في‌ إنكاره‌، ولا مناص‌ إلاّ من‌ الالتزام‌ به‌ علي‌ أي‌ّ مذهب‌ سُلك‌.

غاية‌ الامر أنّه‌ علي‌ مذهب‌ الجمهور يكون‌ أوّل‌ مبدأ الشهر أوّل‌ زمان‌ رؤية‌ القمر في‌ الاُفق‌، ثمّ بلد بلد من‌ النواحي‌ الغربيّة‌ واحداً بعد آخر، إلي‌ أن‌ تتّصل‌ الدورة‌ إلي‌ قرب‌ المبدأ الاوّل‌.



وعلي‌ ما ذهبتَ إليه‌ يكون‌ مبدأ الشهر آخر القطر الليليّ المجاور للبلد الذي‌ طلع‌ فيه‌ الفجر، ثمّ ناحية‌ ناحية‌ من‌ جانب‌ المغرب‌ من‌ هذه‌ الناحية‌ حتّي‌ تصل‌ الدورة‌ إلي‌ أقرب‌ ناحية‌ بالنسبة‌ إلي‌ هذه‌ الناحية‌ من‌ القطر.


فلا فرق‌ بين‌ المذهبين‌ من‌ جهة‌ الاختلاف‌ في‌ التاريخ‌ أبداً.

ومجرّد أسبقيّة‌ دخول‌ الليل‌ في‌ ناحية‌ تكون‌ مبدأً للشهر علي‌ ما اخترتَ، لا يوجب‌ وحدةً في‌ التاريخ‌؛ كما أنّ نفس‌ جعل‌ ابتداء الشهر بظهور الهلال‌ في‌ الاُفق‌، لاتوجب‌ اختلافاً فيه‌.

لكنّ النكتة‌ الدقيقة‌ التي‌ ذكرناها آنفاً، وهي‌ طلوع‌ الهلال‌ في‌ رأس‌ كلّ شهر في‌ مكان‌ مغاير لما طلع‌ سابقاً، تنبِّهنا علي‌ سقوط‌ عنوان‌ الفوقانيّة‌ والتحتانيّة‌ علي‌ ما ذهبتَ إليه‌ من‌ مسلك‌ عدم‌ لزوم‌ الاشتراك‌ في‌ الآفاق‌ بالمرّة‌.

لانَّ الهلال‌ في‌ بدء خروجه‌ عن‌ الشعاع‌ لايطلع‌ دائماً في‌ النواحي‌ المعمورة‌ من‌ الصين‌ والهند وإيران‌ والعراق‌ والشام‌ ومصر والممالك‌ الاُوربيّة‌ والاءفريقيّة‌، حتّي‌ يحكم‌ بدخول‌ الشهر في‌ كلّ ناحية‌ غشيتها ظلمة‌ الليل‌ الوحدانيّة‌ وهو جميع‌ هذه‌ النواحي‌، فيحكم‌ باتّحاد مبدأ الشهر فيها.

وليست‌ بلدة‌ طهران‌ مركزاً فوقانيّاً للعالم‌ حتّي‌ يطلع‌ الهلال‌ في‌ مشرقه‌ أو مغربه‌ إلي‌ البرتغال‌ وإسبانيا من‌ نهاية‌ المعمورة‌ الفوقانيّة‌، فيتّحد أُفقه‌ مع‌ آفاق‌ سائر البلاد، فيحكم‌ بدخول‌ الشهر في‌ جميع‌ النقاط‌ الفوقانيّة‌ من‌ الارض‌ في‌ ليلة‌ واحدة‌. وهكذا ليس‌ النجف‌ الاشرف‌ بهذه‌ المثابة‌.

بل‌ الارض‌ كرويّة‌ لاتتميّز أصقاعها بعضها عن‌ بعض‌ في‌ الحركة‌ الدوريّة‌.

وليس‌ طلوع‌ الهلال‌ بأيدينا، فنخرجه‌ عن‌ الشعاع‌ في‌ المعمورة‌ الفوقانيّة‌ دائماً، كي‌ نتمكّن‌ من‌ الحكم‌ بدخول‌ الشهر في‌ جميع‌ النواحي‌ المحيطة‌ بنا من‌ كلّ صوب‌ بلا اختلاف‌.

بل‌ ربّما يطلع‌ في‌ النواحي‌ الغربيّة‌ من‌ الولايات‌ المتّحدة‌ أو الاُوقيانوس‌ الكبير [ المحيط‌ الهادي‌ ] في‌ موضع‌ يكون‌ بُعده‌ عن‌ النجف‌ 180 درجةً، أعني‌ بفاصل‌ نصف‌ القطر المحيط‌.

فإذاً تطول‌ الظلمة‌ الوُحدانيّة‌ الليليّة‌ في‌ موضع‌ رؤية‌ الهلال‌ في‌ الاُوقيانوس‌ الكبير إلي‌ النواحي‌ الغربيّة‌ من‌ العراق‌ حتّي‌ النجف‌، فيحكم‌ بدخول‌ الشهر في‌ النجف‌ ولايحكم‌ بدخوله‌ في‌ النواحي‌ الشرقيّة‌ منه‌ كخانقين‌ والبصرة‌.

فنري‌ أنّه‌ علي‌ ما ذهبتَ إليه‌ ربّما يختلف‌ بالحساب‌ الدقيق‌ مبدأ شهر كربلا والنجف‌ الاشرف‌ بليل‌ واحد، فكيف‌ بسائر نواحي‌ العراق‌ وغيرها.

وأيضاً علي‌ ما ذهبتَ إليه‌، لابدّ للعلم‌ بمبدأ طلوع‌ الهلال‌ في‌ كلّ شهر من‌ حساب‌ النواحي‌ الواقعة‌ في‌ نصف‌ القطر المظلم‌ حتّي‌ يحكم‌ بدخول‌ الشهر فيها، وحساب‌ النواحي‌ الواقعة‌ بعد القطر المظلم‌ فيحكم‌ بعدم‌ الدخول‌.

وهذه‌ حسابات‌ دقيقة‌ علي‌ أساس‌ الهندسة‌ يتكفّلها علم‌ الفلك‌، خارجة‌ عن‌ محطّ النظر الشرعيّ، فلا يكاد يعبأ بها الشارع‌ المبنيّة‌ أحكامُه‌ علي‌ المساهلات‌.

بخلاف‌ مذهب‌ الجمهور، من‌ ابتداء كلّ شهر في‌ كلّ ناحية‌ برؤية‌ الهلال‌ فوق‌ أُفقه‌.


مواقع النشر (المفضلة)
سبب‌ تعيين‌ مبدأ فرضي‌ّ للزمان‌ (مباحث مسألة رؤية الهلال )

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
الانتقال السريع
المواضيع المتشابهه
الموضوع
البحث عن‌ الجهة‌ الشرعيّة‌ في‌ مسألة رؤية الهلال (مباحث رؤية الهلال)
مباحث رؤية الهلال
الرؤية.... ووجود الهلال (مباحث مسألة رؤية الهلال )
مبدئيّة‌ خروج‌ القمر عن‌ تحت‌ الشعاع‌،مباحث رؤية الهلال

الساعة الآن 05:15 PM.