المشاركات الجديدة

مخطوطة فرج الهموم بمعرفة منهج الحلال والحرام من علم النجوم

الصورة الرمزية النّجف الأشرف
النّجف الأشرف
عضو
°°°
افتراضي
الباب السادس فيمن كان عالما بالنجوم من غير الشيعة من المسلمين
فيمن كان عالما بالنجوم من غير الشيعة من المسلمين و بعضهم من الشيعة أو من بعض فرقها المختلفين و صنف فيها أو ظهر صحة حكمه للحاضرين فمن العلماء من أهل الإسلام المعروفين في علم النجوم و علم الكلام :

أبو علي الجبائي فذكر المحسن بن علي التنوخي في كتاب نشوار المحاضرة و أخبار المذاكرة في الجزء الحادي عشر منه و قد ضمن في خطبة كتابه هذا أنه تحقق ما يوجد فيه عنده قال حدثني الحسن بن الأزرق قال كان أبو هاشم بن أبي علي الجبائي لما قدم بغداد يخبرنا أن أباه أبا علي كان كثير الإصابة في علم النجوم و يحدثنا من ذلك بأحاديث كثيرة و أخبرنا أنه حكم له أن يعيش نيفا و سبعين سنة شمسية فكنا لإصابة أبي علي في الأحكام طياب النفوس بهذا الحكم فلما اعتل أبو هاشم علته التي مات فيها ببغداد جئت إليه عائدا فوجدت أخته ابنة أبي علي قلقة عليه فأخذت أطيب نفسها حتى قلت أ ليس قد حكم أبوه أنه يعيش نيفا و سبعين سنة شمسية قالت بلى و لكن على شرط قلت ما هو قالت إنه قال إن أفلت من السنة السادسة و الأربعين و قد اعتل هذه
[155]
العلة الصعبة فيها فقلقي عليه لذلك خوفا من أن يصح الحكم الأول قال الحسن فمات في تلك العلة .

و من إصابات أبي علي الجبائي في أحكام النجوم ما رواه أيضا في نشوار المحاضرة قال حدثني أبو القاسم بن بدر الرامهرمزي و كان يخلفني على العيار في دار الضرب قال حدثنا أبو محمد عبد الله بن عباس قال : كنت مع أبي علي الجبائي في عسكر مكرم فاجتاز بدار فسمع فيها ضجة بولادة فقال إن صح ما يقول المنجمون فهذا المولود ذو عاهة فدققت الباب فخرجت امرأة فسألتها الخبر فجمجمت ثم خرج رجل كهل فحين رآه أبو علي قال هذه دارك قال نعم قال فكيف هو يعني المولود قال أحنف فأخذ أبو علي يطيب نفسه فقال تتفضل يا أبا علي فتدخل تحنكه و تؤذن في أذنه فلعل الله يجعله مباركا فدخل و حنكه و أذن في أذنه و رأينا و هو أحنف .

و من إصابات أبي علي في النجوم ما حكاه التنوخي في كتاب نشوار المحاضرات أيضا قال : سمعت أبا أحمد بن مسلمة بن الشاهد العسكري المعتزلي الحنفي و كان شيخ بلده يحكي عن رجل من أهل عسكر مكرم وثقه و عظمه قال كنت مع أبي علي الجبائي جالسا في داره في عسكر مكرم فدخل إليه بعض غلمانه فقال له اجلس قال لي زوجة تطلق و أريد الرجوع إليها لحاجة طلبتها فقال أبو علي لبعض من حضر امض معه فإذا ولدت امرأته فخذ الارتفاع و جئني به ففعل فلما كان في غد قال
[156]
لنا أبو علي إن صح حكم التنجيم فإن هذا الولد يموت بعد خمسة عشر يوما فلما كان اليوم السادس عشر و كنا جلوسا ندرس على أبي علي إذ دخل الرجل فقال إن فلانا قد مات يعني ولده فقال أبو علي قوموا فأحضروه و وفوه حقه .

و من إصابات أبي علي ما ذكره التنوخي أيضا في كتابه المذكور قال حدث أبو هاشم بن أبي علي الجبائي قال : كان أبو علي أحذق الناس في علم النجوم فولد في جواره مولود فقالت أمه لأبي علي إني أحب أن تأخذ طالعه و كان ليلا فأخذ الأسطرلاب و عمل مولده و حكم بأشياء صحت كلها بعد ذلك أقول و هذا الحديث غير الحديث الأول لأن ذاك أتاه حين ولادته و هو يدرس نهارا و أمر هو من غير أن يطلب الوالد عمل طالع للولد و حكم بوفاته و هذا الحديث يتضمن أن الولادة كانت ليلا و أن والدة الصبي طلبت أخذ طالعه و لم يذكر حكم لهذا المولود بوفاة .

و من أخبار أبي علي الجبائي بالاعتذار عن العمل بأحكام النجوم ما ذكره التنوخي أيضا قال أخبرني غيرs واحد من أصحابنا أن عبد الله بن عباس الرامهرمزي المتكلم أخبره قال : أردت الانصراف من محل أبي علي الجبائي إلى بلدي فجئته مودعا فقال يا أبا محمد لا تخرج اليوم فإن المنجمين يقولون من سافر هذا اليوم في سفينة غرق فأقم إلى يوم كذا و كذا فإنه محمود عندهم فقلت أيها الشيخ مهما تعتقده في قولهم كيف تجيبني بهذا فقال يا أبا محمد لو أخبرنا مخبر و نحن في طريق بأن فيه سبعا أ ليس
[157]
أن يجب في الحكم علينا أن لا نسلك ذلك الطريق إذا قدرنا على سلوك غيره و إن كان المخبر ممن يجوز عليه الكذب فقلت نعم قال فهذا مثله و قد يجوز أن يكون الله تعالى أجرى العادات بأن تكون الكواكب إذا نزلت هذه المواضع حدث كذا فلا جرم أن الحزم أولى قال فأخرت خروجي إلى اليوم الذي ذكر .

و من المشهور بعلم النجوم من المسلمين الذين هم قدوة في هذا العلم أبو معشر فقد قال التنوخي في كتاب النشوار المذكور حدثني أبو الحسن بن أبي بكر الأزرق قال : كان في نواحي القفص ضيعة نفيسة لعلي بن يحيى المنجم و قصر جليل فيه خزانة كتب عظيمة يسميها خزانة الحكمة يقصدها الناس من كل بلد يقيمون بها و يتعلمون صنوف العلم و الكتب مبذولة في ذلك لهم و الضيافة مشتملة عليهم و النفقة في ذلك من مال علي بن يحيى فقدم أبو معشر المنجم من خراسان يريد الحج و هو إذ ذاك لا يحسن كثيرا من علم النجوم فوصفت له الخزانة فمضى وراءها فهاله أمرها فأقام بها و أعرض عن الحج و تعلم النجوم و أغرب فيها .

و ذكر محمد بن إسحاق النديم في الجزء الرابع من كتاب الفهرست ما هذا لفظه : أبو معشر جعفر بن محمد البلخي كان أولا من أصحاب الحديث فنزل بالجانب الغربي بباب خراسان من بغداد و كان يضاغن الكندي و يغري به العامة و يشنع عليه بعلوم الفلاسفة فدس إليه الكندي من حسن له النظر في علم الحساب و الهندسة فدخل في ذلك
[158]
فلم يكمل له فعدل إلى علم النجوم فانقطع شره عن الكندي لعلمه أن هذا العلم من جنس علوم الكندي و يقال إنه تعلم النجوم بعد سبع و أربعين سنة من عمره و كان فاضلا حسن الإصابة ضربه المستعين أسواطا لأنه أصاب في شي‏ء و أخبر به قبل وقته و كان يقول أصبت فعوقبت و توفي أبو معشر و قد جاوز المائة بواسط يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من شهر رمضان سنة اثنتين و سبعين و مائتين ثم ذكر محمد بن إسحاق تصانيف أبي معشر .

فمن إصابات أبي معشر في أحكام النجوم ما ذكره التنوخي في النشوار قال حدثني أبو الحسين قال حدثني أبو القاسم سليمان بن مخلد قال : لما بعد أبي إلى مصر اجتذبت البحتري و أبا معشر و كنت آنس بهما لوحدتي و ملازمتي البيت فكانا في أكثر الأوقات عندي فحدثاني يوما أنهما أصابتهما إضاقة شديدة و كانا مصطحبين فخطر لهما أن يلقيا المعتز و هو محبوس و يتردد إليه فلقياه في حبسه فنذكر نحن ما يختص بأبي معشر من الحديث قال أبو معشر و كنت قد أخذت مولده و عرفت عقد البيعة للمستعين و وقت البيعة من المتوكل بالعهد للمعتز و نظرت بها و صححت النظر و حكمت له بالخلافة بعد فتنة و حروب و حكمت على المستعين بالخلع و القتل فسلمت ذلك إليه و انصرفنا و ضربت الأيام ضربها فصح الحكم بأسره فدخلنا جميعا إلى المعتز و هو خليفة و قد خلع المستعين و كان المجلس حافلا قال أبو معشر فقال لي المعتز لم أنسك و قد صح حكمك و قد أجريت لك مائة دينار في كل شهر رزقا و ثلاثين دينارا نزلا و جعلتك
[159]
رئيس المنجمين في دار الخلافة و أمرت لك عاجلا بألف دينار صلة قال فقبضت ذلك كله عاجلا في يومي و روى هذا الحديث مصنف الفرج بعد الشدة .

و من إصابات أبي معشر و منجم آخر معه ما ذكره التنوخي في كتابه نشوار المحاضرة قال حدثني أبو أحمد عبد الله بن عمر بن الحارث الحارثي قال حدثني أبي قال : كنت أحد من يعمل في إحدى خزائن السلاح للمعتمد و كنت قائما بحضرة الموفق في عسكره لقتال الزنج و بحضرته أبو معشر و منجم آخر سماه لي و أنسيته فقال لهما خذا الطالع في شي‏ء قد أضمرته أنا البارحة لأسألكما عنه و أمتحنكما فيه فأخرجا ضميري فأخذا الطالع و عملا زائجته و قالا معا تسألنا عن حمل غير أنسي فقال هو كذلك فما هو ففكرا طويلا ثم قالا حمل بقرة قال هو كذلك فما تلد قالا ثورا قال فما صفته فقال أبو معشر أسود في جبهته بياض و قال الآخر أسود في ذنبه بياض فقال الموفق للناس سأختبر هؤلاء أحضروا البقرة فأحضرت و هي مقربة فقال اذبحوها فذبحت و شق بطنها فأخرج منها ثور صغير أسود أبيض طرف الأنف و قد التف ذنبه فصا على وجهه فتعجب الموفق و من حضر من ذلك عجبا شديدا و أسنى جائزتهما .

و من إصابات أبي معشر و رفيقه ما رواه التنوخي في ذلك الكتاب قال حدثني أبي قال : كنت بحضرة الموفق فأحضر أبا معشر و هذا المنجم فقال لهما في كمي شي‏ء فما هو فقال أحدهما بعد ما أخذ الطالع و عمل
[160]
الزائجة و فكر هو شي‏ء من الفاكهة و قال أبو معشر هو شي‏ء من الحيوان فقال الموفق للآخر أصبت و قال لأبي معشر أخطأت و رمى من يده تفاحة و أبو معشر واقف فتحير و عاود النظر في الزائجة ساعة ثم سعر نحو التفاحة حتى أخذها و كسرها فإذا هي تنتثر دودا فقال أنا أبو فلان فهال الموفق ما رآه منهما في الإصابة و أمر لهما بجائزة .

و من إصابات أبي معشر ما ذكره الزمخشري في ربيع الأبرار فقال ما هذا لفظه ا: فتقدت امرأة بعض الكتاب خاتما فوجهت إلى أبي معشر فسألته فقال : خاتم أخذه الله تعالى فعجبت من قوله ثم وجدته في أثناء ورق المصحف .

و من إصابات أبي معشر ما ذكره أبو حيان علي بن محمد التوحيدي في الجزء الثالث من البصائر فقال ما هذا لفظه : و مر في الكتاب ذكر أبي معشر قال حضرت و سلمة و الزيادي و الهاشمي عند الموفق و كان الزيادي أستاذ أهل زمانه في النجوم فأضمر الموفق ضميرا فقال الزيادي أضمر الأمير رئاسة و سلطانا فقال كذبت فقال سلمة بل أضمر الأمير أمرا جليلا رفيعا فقال و كذبت فقال الهاشمي لست أعرف ما قالا الرأس وسط السماء و صاحب الطالع ناظر إليه و الكواكب ساقطة عنه فقال و كذبت أيضا ثم قال لي هات ما عندك من شي‏ء فقلت أضمر الأمير الله عز و جل فقال لي أحسنت و الله ويلك أنى لك هذا قلت الرأس يرى فعله و لا يرى نفسه كان في رابع درجة من الفلك و لا أعرف له مثلا
[161]
إلا الله عز و جل فهو فوق كل ذي عز و سلطان و ليس فوقه شي‏ء .

و من إصابات أبي معشر ما حكاه أبو سعيد شاذان بن بحر عنه في كتاب الأسرار قال : نزلت في خان ببعض قرى الري و في الخان كاتب بريد العراق قد آنست به و آنس بي و قد نظر في شي‏ء من النجوم فقال لي القمر أين هو فقلت له هل تقيم غدا فإن القمر في تربيع المريخ قال نعم هذا إن ساعدنا المكارون على ذلك فكلمناهم حتى أجابوا على أن نعطيهم العلوفة و سألنا أهل القافلة أن يقيموا فأقبلوا يسخرون منا و ينكرون ما قلنا فأقمنا و ارتحلوا فصعدت إلى سطح الخان و أخذت الارتفاع فإذا الطالع لمسيرهم الثور و فيه المريخ و القمر في الأسد فقلت الله الله في أنفسكم فامتنعوا أن يجيبوا إلى المقام و مضوا فقلت للكاتب أما هؤلاء فأهلكوا أنفسهم فجلسنا و أكلنا و جعلنا نشرب فعاد جماعة من أهل تلك القافلة مجروحين قد قطع عليهم الطريق على فرسخين من الموضع و قتل بعضهم و أخذ ما كان معهم فلما رأوني أخذوا الحجارة و العصا و قالوا يا ساحر يا كافر أنت قتلتنا و قطعت علينا الطريق و تناولوني ضربا و ما خلصت منهم إلا بعد جهد و عاهدت الله أن لا أكلم أحدا من السوقة في شي‏ء من هذا العلم و أنا على العهد أبدا و أرجو أن لا أدعه حتى أموت .

و من إصابات أبي معشر و إبراهيم الحاسب بالبصرة حكمهما لعلي بن محمد صاحب الزنج الخارج بالبصرة على مولده و قد ذكر ذلك محمد بن عبد الملك الهمداني في المجلد الثاني من تاريخه فقال ما هذا لفظه :
[162]
قال عبد الله بن إبراهيم القمي كنت عند إبراهيم الحاسب بالبصرة فحضر عنده شاب حسن الهيئة لا يتكلم و لا يخوض معنا فيما نتذاكره فلما قام الناس عرض عليه إبراهيم إن كانت حاجة له فذكر له أنه من آل أبي طالب و أنه شخص من قم قاصدا إليه و الذي قصد له مكتوم ثم أخرج له صورة مولده و أنه يحتاج إلى موافقة عليه فلما نظره أنكره و استعظمه و قال لست أقدم على الحكم عليه حتى أكتب لأبي معشر جعفر بن محمد البلخي لتثق بما حكمنا به عليه و كتب له و مضى فأتى الجواب يا أبا عمران كان هذا المولد صحيحا فإنه الرجل الذي ذكر ما شاء الله في كتاب الدول و سيكون من أمر هذا الفتى شي‏ء عظيم من إقدامه على الدماء و إخرابه المدن فشخص في المحرم سنة ست و أربعين و مائتين فاتفق حكمه و حكم إبراهيم بذلك و خرج إلى البصرة في رجب سنة تسع و أربعين و مائتين و هي الدفعة الثالثة من خروجه إليها ثم شرح ما جرى عليه و له من حاله .

و من إصابات أبي معشر في انقضاء أمر صاحب الزنج علي بن محمد بن عبد الله و وقت وفاته ما ذكره محمد بن عبد الملك الهمداني في تاريخه عن الليلة التي انقضى أمره فيها فقال حكى لي بعض أصحابه عنه أنه قال : إن مضت هذه الليلة بقيت الأربع عشرة سنة أخرى غير الأربع عشرة الماضية و جعل كل ساعة يقول كم مضى من الليل حتى قلت ساعة فقال في هذه أخاف و كان يقول ذلك من طريق النجوم التي علمها من أبي معشر فهلك في تلك الساعة
[163]
و من إصابات أبي معشر مناظرته للسلماني المنجم في عمره حيث سأله عن القطع الذي يخافه و ما بينه في الجواب عليه و ظهور حجته على السلماني المذكور و قد ذكرنا معاني هذه المناظرة لأنها تتضمن كلاما في النجوم لا فائدة في شرحه بلفظه .

و من إصابات أبي معشر ما أخبر بالمولد الذي حمل إليه من ابن ملك الهند و جوابه لتلميذه شاذان بن بحر لما اعترضه في الحكم الذي حكم به و ظهور حجة أبي معشر و قد حكينا معنى هذا دون لفظه لأنه كانت مناظرته في النجوم موضع قائمة .

و من آيات الله جل جلاله في تعجيز أبي معشر عن تدبير نفسه و خلاصها من مرض مرض به مع علمه بالنجوم و دلائلها و اطلاعه على دقائق معانيه و جلائها قال شاذان : كان أبو معشر على علمه و فهمه و تقدمه في هذه الصناعة يصيبه الصرع عند امتلاء القمر في كل شهر مرة و كان لا يعرف لنفسه مولدا و لكن كان قد عمل مسألة عن عمره و أحواله و سأل فيها الزيادي المنجم ليكون أصح دلالة إذا اجتمع عليها طبيعتان طبيعة السائل و طبيعة المسئول فخرج طالعه تلك المسألة السنبلة و القمر في العقرب في مقابلة الشمس و المريخ ناظر إلى القمر في بيت الولد و هذه الصورة توجب الصرع .

و من إصابات المنجمين المعروفين بأسمائهم عند أبي معشر ما ذكره التوحيدي في الجزء الثالث من البصائر فقال ما هذا لفظه
[164]
أخبرني محمد بن موسى المنجم الجليس و ليس هو الخوارزمي قال حدثني يحيى بن أبي منصور قال : دخلت أنا و جماعة من المنجمين إلى المأمون و عنده إنسان قد تنبأ و نحن لا نعلم و قد دعا بالقضاة و لم يجيئوا بعد فقال لي و لمن حضر من المنجمين اذهبوا فخذوا طالعا لدعوى رجل في شي‏ء يدعيه و عرفوني ما يدل عليه الفلك من صدقه أو كذبه و لم يعلمنا المأمون أنه متنبئ فجئنا إلى بعض تلك الغرف فأحكمنا الطالع و صورناه فوقع الشمس و القمر في دقيقة واحدة و سهم السعادة و سهم الغيب في دقيقة الطالع و الطالع الجدي و المشتري في السنبلة ينظر إليه و الزهرة و عطارد في العقرب ينظران إليه فقال كل من حضر غيري كل ما يدعيه صحيح و له حجة زهرية و عطاردية فقلت أنا هو في طلب تصحيح و تصحيح الذي يطلبه لا يتم و لا ينتظم فقال من أين قلت لأن صحة الدعاوي من المشتري في تثليث الشمس و تسديسها إذا كانت الشمس غير منحوسة و هذا يخالف هبوط المشتري و المشتري ينظر إليه نظر موافقة إلا أنها فاسدة بهذا البرج و البرج كاره له فلا يتم التصديق و التصحيح و الذي قالوا من حجة عطاردية و زهرية إنما هو ضرب من التحسين و التزويق و الخداع فتعجب المأمون و قال لله درك ثم قال أ تدرون من الرجل قلنا لا قال هذا و يزعم أنه نبي فقلت يا أمير المؤمنين أ فمعه شي‏ء يحتج به فسأله فقال نعم معي خاتم ذو فصين ألبسه فلا يتغير مني شي‏ء و يلبسه غيري فيضحك و لا يتمالك من الضحك حتى ينزعه و معي قلم آخذه فأكتب فيه و يأخذه غيري فلا تنطلق إصبعه
[165]
فقلت يا سيدي هذه الزهرة و عطارد زور عمله بهما فأمره المأمون أن يفعل ما كان ففعل فعلم أنه علاج من الطلسمات فما زال به المأمون أياما كثيرة حتى تبرأ من دعوى النبوة و وصف الحيلة التي احتالها في الخاتم و القلم فوهب له ألف دينار ثم أتيناه بعد فإذا هو أعلم الناس بالنجوم قال أبو معشر و هو الذي عمل طلاسم الخنافس في ديور كثيرة و قال أبو معشر في كتاب الأسرار لو كنت مكان القوم فقد ذهبت عليهم أشياء كثيرة لكنت أقول أول الدعوى باطلة لأن البرج منقلب و المشتري في الوبال و القمر في المحاق و الكوكبان ناظران إلى الطالع في برج كذاب مزور و هو العقرب .

و من العلماء المذكورين بعلم النجوم محمد بن عبد الله بن طاهر قال أبو معشر في كتاب الأسرار و حكاه أيضا التوحيدي في كتاب البصائر ما هذا لفظه : قال أبو معشر زعم محمد بن عبد الله بن طاهر أن فيما وقع إليه من أسرار علم النجوم أن عطارد مع الرأس في أوجه يدل على شي‏ء من النبوة و قد قال الأوائل إن الكوكب مع أوجه يكون أقوى له و لكن البنوة لم أسمع بها إلا من محمد بن عبد الله بن طاهر .

و من المعروفين بعلم النجوم و الإصابة فيها هو ولد يحيى بن يعقوب فمن حكايته في ذلك ما ذكره التنوخي في كتابه قال حدثني أبو الحسين قال حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج النحوي قال : كنت أؤدب القاسم بن عبيد الله و كان أبوه إذ ذاك يحضر الديوان فلما
[166]
أخرجه من المكتب كنت معه في الديوان ببادوريا و هو معه فيه و له من العمر ست عشرة سنة و أبوه متعطل و ذلك في وزارة إسماعيل بن بلبل للموفق و المعتمد و كان معه في ذلك الديوان جماعة من أولاد الكتاب و فيهم فتى نجيب من ولد يعقوب بن فرازون النصراني و كان يفهم النجوم فقال له ذلك الفتى يا سيدي أرى فيك نجابة و صناعة و لك حظ في الرئاسة و قد رأيت مولدك و هو يدل على أنك تتقلد الوزارة و تطول أيامك فيها فاكتب لي خطا يكون معي تذكر فيه اجتماعنا و تضمن لي أن يكون لي حظ منك إذ ذاك حق بشارتي لك قال فأخذ القرطاس و كتب فيه بحسن خطه ليلقني فلان إذا بلغني الله ما أحب لأبلغه ما يحب إن شاء الله فحدثت أباه في ذلك ففرح و قال قد و الله سررتني بذلك و أحضر المنجمين و أخرج مولده فحكموا له بالوزارة و أنه يتقلدها سنة ثمان و سبعين فخلف أباه على وزارة المعتضد في إمارته و دامت إياه إلى أن مات فقال لي الزجاج لما ولي القاسم الوزارة بعد موت أبيه و دخل داره وقفت في صحن الدار لينصرف الناس و دخل هو ليستريح فيخرج للناس فلا أنسى هيبتي عند غلمانه حيث دخلت عليه فلم أمنع فوجدته قد صلى و سلم و هو يدعو الله في خلوته و ليس بحضرته أحد فلما رآني قام إلي فانكببت على رجله فقال لي يا سيدي يا أبا إسحاق أنت أستاذي و هذا الذي أعتقده في إكرامك و كان في نفسي أن أعاملك قبل أن تشرفني عند حضور الناس و توقير مجلس الخلافة و إذا فعلت ذلك فهو حقك علي و إذا لم أفعله فهو
[167]
نقص حق العلم و العمل قال ثم ما أنكرت منه شيئا في عشرة و لا مخاطبة عما كان يعاملني به إلى أن مات .

و من المشهورين بعلم النجوم من المسلمين و بمعرفتها و صحة الحكم فيها محمد بن علي التنوخي والد مصنف نشوار المحاضرة فقال ولده في الجزء السادس من كتابه المذكور : كان أبي يحفظ للطالبين سبعمائة قصيدة و مقطوعة سوى ما لغيرهم من المحدثين و المخضرمين و الجاهلية و لقد رأيت له دفترا بخط يده يحتوي على رءوس ما حفظه و هو عندي الآن في نيف و ثلاثين ورقة أثمان منصوري لطاف و كان يحفظ من اللغة و النحو شيئا عظيما و مع ذلك كان علم الفقه و الفرائض و الشروط و المحاضرة و السجلات رأس ماله و كان يحفظ منه ما قد اشتهر به و كان يحفظ من الكلام و المنطق و الهندسة الكثير و كان في علم النجوم و الأحكام و الهيئة قدوة و كذلك في علم العروض و له فيها و في الفقه و غيره عدة كتب مصنفة و كان مع ذلك يحفظ و يحدث فوق عشرين ألف حديث و ما رأيت أحدا أحفظ منه و لو لا أن حفظه متفرق في هذه العلوم لكان أمرا هائلا فمن إصاباته ما قال ولده كان أبي حول مولد نفسه في السنة التي مات فيها فقال لنا هذه سنة قطع على مذهب المنجمين و كتب بذلك إلى بغداد إلى الحسن بن البهلول القاضي ينعى نفسه إليه و يوصيه فلما اعتل أدنى علة قبل أن تتحكم أخرج التحويل و نظر فيه طويلا و أنا حاضر فبكى و أطبقه و استدعى كاتبه و أملى عليه وصيته التي مات عنها و أشهد فيها من يومه فجاء أبو القاسم
[168]
غلام زحل المنجم فأخذ يطيب نفسه و يورد عليه شكوكا فقال يا أبا القاسم ليس يخفى عليك فأنسبك إلى غلط و لا أنا ممن يجوز عليه هذا فتستغفلني ثم جلس فأوقفه على الموضع الذي خافه و أنا حاضر ثم قال له دعني من هذا لست أشك إذا كان يوم الثلاثاء العصر لسبع بقين من الشهر فهي ساعة قطع عندهم فأمسك أبو القاسم غلام زحل لأنه كان خادما لأبي فبكى أبي بكاء طويلا و قال يا غلام ائتني بتحويل مولدي فجاء به ففتل التحويل و قطعه و ودع أبا القاسم توديع مفارق فلما كان ذلك اليوم بعينه العصر مات كما قال .

و من الموصوفين بعلم النجوم من المسلمين أبو القاسم غلام زحل و قد حكى الشيخ الفاضل المحسن بن علي التنوخي في الجزء السادس من نشوار المحاضرة عنه جملا و ذكر طرفا من فضله و إصابته في الأحكام بالنجوم فقال : و من العجيب حكمه في قتل أبي يوسف فإنه قد كان يخدمه في النجوم أبو القاسم غلام زحل المنجم و هو الآن شيخ من شيوخ المنجمين في الأحكام و كان أبي يقدمه في هذه الصناعة و يستخدمه فيها و يسلم إليه سني تحويل مولده و مولدي إذا قطعه قاطع من عملها بيده لأنه كان قلما يأخذ تحاويلنا بيده بل يولي ذلك غيره و أبو القاسم الآن مقيم بخدمة الأمير عضد الدولة بشيراز فقال أبو القاسم هذا لأبي يوسف البريدي في اليوم الذي عزم فيه الركوب إلى الإيلة ليسلم فيه على أخيه أبي عبد الله أيها الأستاذ لا تركب فإن هذا اليوم يوجب تحويلك فيه
[169]
عليك قطعا بالحديد فقال يا فاعل إنما أركب إلى أخي فممن أخاف و خرج بالطيارة فعاد غلام زحل فأخرج جميع ما كان له في الدار من أثاث و ذهب لينصرف فقال له الحجاب إلى أين قال أهرب لأن الدار بعد ساعة تنهب و مضى أبو يوسف إلى أبي عبد الله فقتله في ذلك اليوم و كان هذا الخبر مشهورا عن أبي القاسم غلام زحل نقله أبي و شهد بصحته و كان يحكي ذلك في تلك الأيام و أنا صبي فأسمع ذلك و كان يعده من إصابات غلام زحل .

و من إصابات التنوخي ما حكاه ولده في الجزء الرابع من النشوار قال حدثني أبي قال : كنت أتقلد القضاء بالكرخ و كان بوابي بها رجلا من أهل الكرخ و له ابن سنه نحو اثنتي عشرة سنة و كان يدخل داري بلا إذن و يمزح مع غلماني و أهب له في الأوقات الدراهم و الثياب كما يفعل الناس بأولاد الغلمان ثم خرجت من الكرخ و رحلت و لم أعرف للرجل البواب و لا لابنه خبرا و مضت على ذلك السنون فأنفذني أبو عبد الله البريدي من واسط برسالة إلى ابن بويه فلقيته بدير العاقول و انحدرت أريد واسطا فقيل إن بالطريق لصا يعرف بالكرخي مستفحل الأمر و كنت خرجت بطالع اخترته على موجب تحويل مولدي لتلك السنة فاستظهرت به عند نفسي و كفاني الله أمر اللص و ذلك أني لما عدت من دير العاقول خرج علينا اللصوص في عدة سفن بقسي و نشاب و سلاح شاك و هم نحو مائة نفس كالعسكر العظيم و كان معي غلمان يرمون فحلفت أن من رمى منهم ضربته إذا صرنا في البلد
[170]
مائتي مقرعة ثم بادرت فأخذت ذلك السلاح الذي معهم و رميته في الماء و ذلك أني خفت أن يقصدنا اللصوص فلا يرضون إلا بقتلي و استسلمت للأمر طلبا للسلامة في نفسي و جعلت أفكر في الطالع الذي خرجت فيه فإذا ليس فيه ما يوجب القطع علي و الناس قد أبرزوا إلى الشط و أنا في جملتهم و هم يفرغون السفن و ينقلون ما فيها إلى الشط و يشلحون و يقطعون و كنت في وسط المكان فلما انتهى إلي الأمر جعلت أعجب من حصولي في الخوف و الطالع لا يوجبه و ليس أتهم عملي في هذا فأنا كذلك إذا سفينة فيها رئيسهم قد طرح علي كما كان يطرح على سفن الناس ليشرف على ما يوجد فحين رآني منع أصحابه من انتهاب مالي أو شي‏ء من سفينتي و صعد وحده إلى أن صار قدامي و تأملني طويلا ثم انكب يقبل يدي و كان متلثما فلم أعرفه فعجبت و قلت يا هذا ما لك فأسفر و قال أ ما تعرفني يا سيدي فتأملته و أنا جزع فلم أعرفه فقلت لا و الله قال بلى أنا عبدك ابن فلان بوابك الكرخي هناك و أنا الصبي الذي ربيت في دارك فبررتني فتأملته فإذا الخلقة خلقته إلا أن اللحية قد غيرته في عيني فسكن روعي قليلا و قلت في الحال يا هذا كيف بلغت إلى هذا الحال قال سيدي نشأت فلم أتعلم غير معالجة السلاح و جئت إلى بغداد أطلب الديوان فما طلبني أحد إلى هذا الحال فطلبت قطع الطريق فلو كان أنصفني السلطان و أنزلني بحيث أستحق من الشجاعة ما فعلت هذا بنفسي فأقبلت أعظه و أخوفه الله ثم خشيت أن يشق ذلك عليه فتفسد رعايته لي فاقتصرت فقال يا سيدي لا يكون بعض هؤلاء أخذ منك شيئا قلت لا
[171]
ما ذهب منا إلا السلاح رميته أنا في الماء و شرحت له القصة فضحك و قال و الله قد أصاب القاضي فمن بالمكان ممن يعني به فقلت كلهم عندي بمنزلة واحدة في الغم بهم فلو فرجت عن الجميع فقال و الله لو لا أن أصحابي تفرقوا بما أخذوا لفعلت ذلك و لكنهم لا يطيعون إلى رده و لكن ما بقي من السفن في المكان الذي لم يؤخذ بعد فلا يمسه أحد فجزيته الخير فصعد إلى الشط و أصعد أصحابه و منع أن يؤخذ شي‏ء مما في السفن الباقية فما تعرضها أحد و رد على القوم أشياء كثيرة مما أخذت منهم و أطلق الناس و سار معي في أصحابه إلى أن أوصلني إلى المأمن ثم ودعني و رجع .

و من المعروفين بعلم النجوم و الإصابة في الحكم عبد الله بن محمد بن عبد الله بن طاهر ذكر ذلك المعافي بن زكريا في كتاب الجليس الصالح و الأنيس الناصح فقال في إسناده : أن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن طاهر كان مولده في السرطان فلما كان ذات ليلة و هو عند أهله قال إن مولدي في السرطان و إن طالع السنة السرطان و إن القمر الليلة يكسف في السرطان و هي الساعة الأخيرة فإن نجوت الليلة فسأبقي إلى سنين و إن كانت الأخرى فإني ميت لا محالة فقالوا له بل يطيل الله عمرك فلما كانت الليلة دعا غلاما له و كان قد علمه النجوم فأصعده قبة له و أعطاه بنادق و أسطرلابا و قال له خذ الطالع فكلما مضى من انكساف القمر دقيقة فارم بندقة فلما انكسف من القمر ثلاثة قال لأصحابه ما تقولون في رجل قاعد معكم يقضي و يمضي و قد ذهب ثلث عمره فقالوا بل يطيل الله عمرك أيها الأمير فلما انكسف من
[172]
القمر ثلثاه عمد إلى جواريه فأعتق منهن من أحب و إلى ضياعه فوقف منها ما وقف و قال لأصحابه ما تقولون في رجل بينكم يقضي و يمضي و قد ذهب من عمره ثلثاه فقالوا بل يطيل الله بقاء الأمير فلما انقضى من الثلث الثالث دقيقتان قال لهم إذا استغرق القمر فامضوا إلى أخي عبيد الله ثم قام فاغتسل و لبس أكفانه و تحنط و دخل إلى بيت الله و رد عليه الباب و اضطجع فلما استغرق القمر في الانكساف فاضت نفسه فدخلوا عليه فإذا هو ميت فانطلقوا إلى عبيد الله أخيه ليعلموه فإذا عبيد الله في طيارة قد سبقهم فقال لهم مات أخي قالوا نعم فقال لهم ما زلت آخذ الطالع حتى استغرق القمر في الخسوف فعلمت أنه قد قبض ثم دخل فانكب على أخيه باكيا طويلا ثم خرج و هو يقول شعرا فيه من جملته هد ركن الخلافة الموطود زال عنها السرادق الممدودحط فسطاطها المحيط عليها ملن أطنابها فمال العمودكسف البدر و الأمير جميعا فانجلى البدر و الأمير عميدعاود البدر نوره فتجلى و نور الأمير ليس يعود.

فلما حمل السرير أنشأ أخوه يقول.

تداولت الأكف على سرير *** ألا لله ما حمل السرير

أكف لو تمد إليه حيا *** إذن رجعت و أطولها قصير

تباشرت القبور به و أضحى *** تبكيه الأرامل و الفقير

[173]
و ممن اشتهر بعلم النجوم من ملوك المسلمين جماعة من الخلفاء المصريين المنسوبين إلى إسماعيل ابن مولانا الصادق (عليه السلام) فرأيت في كتاب قد صنفه النعمان المؤرخ لفضائلهم يقول في بعض كلامه ما يحكيه عن المسمى بالمعز ما هذا لفظه : و لقد كان المنصور أعلم الناس بالنجوم و لقد قال غير مرة ما نظرت و الله فيها إلا طلبا لعلم توحيد الله تعالى و تأثير قدرته و عجائب خلقته و قد عانيت ما عانيت بالحروف و غيرها فما عملت في شي‏ء من اختيار النجوم و لا التفت إليه و من ذلك ما ذكره النعمان هذا في وصفه المعز أيضا بعلم النجوم فقال ما هذا لفظه و أما الطب و الهندسة و علم النجوم و الفلسفة فالنقاد من أهلها عيال عليه و بين يديه و كلهم كل عليه و من ذلك ما حكاه النعمان عنه أيضا فقال ما هذا لفظه و ذكر المعز يوما أن رجلا قد ورد عليه من المغرب يعني بعلم النجوم فأحسن أمير المؤمنين منزله و كساه و حمله و أجرى عليه جراية من كان مثله ممن بعدت رحلته إليه و لم يلبث قليلا حتى سأل الإذن في الانصراف فأذن له فكنا نتعجب من ذلك و نسأل عنه فقال المعز يوما و أنا بين يديه أ لا أخبرك بسبب انصرافه قلت يفعل ذلك أمير المؤمنين إذا رأى قال إن هذا الرجل لما وفد علينا و صار إليه من دخلنا ما صار إليه حسده بعض أهل صنعته ممن أولع بالشناعة علينا فذكر له مولدا من المواليد و قال له ما ترى لمن ولد بهذا المولد فقال له إن النحوس تداخلته و لا أشك أن أيامه انقضت قال له فذلك الذي أنت في منزله و قصدك إليه بعينه و هذا مولده فرأى للضعيف العقل أن انصرافه منا بما قال ذلك غنيمة فسأل الإذن و قد انتهى إلينا ما قيل له فأذنا له
[174]
فانصرف و لقد دفع إلينا في حال انصرافه رقعة يعرض فيها بالصلة و قد كنت قبل ذلك أمرت له بمائتي دينار فصرت في صرة و كنت على البعثة بها إليه ثم نظرت إلى وقت وقع فرأيته وقت سعد فقلت لا أظن إلا أنه قد تحرى لدفع رقعته هذا السعد و لكن و الله لا يصدق ذلك عنده فتركتها على أن نعطيها له في وقت آخر على غير سؤاله فأنسيتها و خرج محروما .

و من ذلك حكاية ذكرها النعمان تتعلق بالمعز نذكر ما نحتاج إليه من لفظها و معناها : ذكر أنه لما أراد المعز بناء قصره المعروف بقصر البحر كان يحتاج أن يكون الابتداء بعد شهر فرأى في نومه كان رجلا دخل عليه و قال له قد أتيتك لأسألك عما تريد أن تصنع قال قلت فمن أنت قال بطليموس قلت أي بطليموس أنت قال بطليموس المعروف المذكور قلت صاحب الحساب و التنجيم قال نعم قلت و صاحب كتاب المجسطي قال نعم قلت فما كان دينك و مذهبك قال توحيد الله قلت فما ذا صرت إليه قال إلى خير بحمد الله ثم قال ابتدئ في القصر يوم الثلاثاء قلت أي يوم الثلاثاء قال هذا الآتي قلت سبحان الله ما يتهيأ لي أن أقيس الموضع في هذه المدة فضلا عن أن أدبر ما أردته فقال ابدأ فيه يوم الثلاثاء على كل حال بما أمكن من العمل فإنه يوم صالح فانتبهت و قلت لأنظرن في قول أهل النجوم في الاختيار و في هذا اليوم الذي قاله فنظرت فلم أر يوما على ما قالوه إلى مدة أحسن في الاختيار عندهم من اليوم الذي قاله هو أعني يوم الثلاثاء فابتدأت به أقول قد اقتصرت على بعض ما روي عن خلفاء مصر من علم النجوم
[175]
لشهرته حتى قيل إن علمهم بذلك سبب توصلهم إلى خلافتهم و الله سبحانه العالم بذلك .

و وجدت في كتاب سير الفاطمي الذي ملك طبرستان الحسن بن علي المعروف بالناصر للحق لا يستبعد أن يكون الذي بسط آماله في طلب ذلك معرفته بالنجوم و دلالتها على ما انتهت حاله إليه فقال فيه ما لا يحضرني في ذكر كلما أعتمد عليه لكن أذكر رواية مختصرة بمعرفته بعلم النجوم المشار إليه فقال ما هذا لفظه : قال أبو الحسن الآملي رحمه الله سمعت حمزة بن علي العلوي الآملي رحمه الله يقول ما كان من العلوم علم إلا و الناصر للحق كان أعلم به من علمائه ثم ذكر العلوم من كل فن حتى الطب و النجوم و ذكر أيضا مصنف الكتاب المذكور و هو إسفنديار بن مهرنوش النيشابوري و عندي منه الآن نسختان عتيقة و جديدة فقال ما هذا لفظه سمعت أبا الحسن الزاهد الخطيب يقول ما دخل طبرستان من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) مثل الحسن بن علي الناصر للحق قط و لا كان في زمانه في سائر الآفاق مثله ظاهرا و لقد كان طالبا لهذا الأمر إلا أنه وجده عند الكبر و ما كان يفارق العلم و الكتب مع قيامه بهذا الأمر و كثرة اشتغاله حيث كان و أنى كان و لقد كان عالما بكل فن من فنون العلم حتى الطب و النجوم و الشعر و لو كنت قائلا بالتزيد لقلت بإمامته أقول إن المراد من ذكر حديثه أنه كان عالما بالنجوم و هذا المصنف يذكر في خطبة كتابه أن معرفته بعلوم هذا السيد التي اكتسبها
[176]
من الناس المعروفين و من كتب المصنفين هدته إلى القول بإمامته فتعجبت من ضلال الناس عن أئمة الهدى (عليهم السلام) فإن جميع ما سمع منهم و نقل عنهم من العلوم لم يعرف لهم فيها أستاذ و لا رآهم عدو و لا ولي يقرءون على عالم و لا يدرسون في كتب العلماء .

و ممن قال بصحة أحكام النجوم أبو حامد الغزالي مصنف كتاب الإحياء فإنه قال في كتاب التبر المسبوك في نصيحة الملوك في الباب الأول عند ذكر الملوك ما هذا لفظه : و من بعده جاماسب الحكيم و كان صاحب علم النجوم و له فيها الأحكام الصحيحة و ملك سنة و ستة أشهر .

و ممن وصف بعلم النجوم سهلون و يزدجرد من علماء الإسلام فيما ذكره التنوخي في أربع أجزاء النشوار فقال ما هذا لفظه حدثني أبو عبد الله محمد الحارثي قال : كان ببغداد في أيام المقتدر إخوان كهلان فاضلان و عندهما من كل فن مليح و هما من أحرار فارس قد نشئا ببغداد و تأدبا بها و تعلما علوما كثيرة يقال لأحدهما سهلون و للآخر يزدجرد ابنا مهمندار الكسروي و يعرفان بذلك لانتسابهما إلى الأكاسرة و كانا ذوي نعمة قديمة و حالة ضخمة و كنت ألزمهما على طريق الأدب و كان ليزدجرد منهما كتاب حسن ألفه في صفة بغداد و عدد سككها و حماماتها و شوارعها و ما يحتاج إليه في كل يوم من الأقوات و الأموال و ما تحتوي عليه من الناس و عدة كتب أدبية و فلسفية قرأت أكثرها عليه و كان هو و أخوه ينشدان الشعر الجيد لأنفسهما و سهلون بن مهمندار كان لزم
[177]
بعض الرؤساء و عمل له رسائل و قصائد ثم ذكر التنوخي من شعر سهلون ما يقتضي علمه بالنجوم فقال أنشد من شعره :

تعففت عن أخذ الدراهم و البر *** ليمسك من سري فبالغت بالسبر

و لم ير ميلي للجين و للسبر *** و لكن لإكرامي و إن يعرفوا قدري‏

و لست أسوم الناس صعبا من الأمر *** و لا عابني حال من العسر و اليسر

و لا أنا ممن يمدح الناس بالشعر *** و لا أنا من يهجو بشعر و لا نثر

و لكنني رب العلوم و ذو الأمر *** بنظم تغليه الجواري على الدر

و لي دربة طالت على كل عالم *** إذا أعوز الإنسان علم بما يدري‏

من الطب و التنجيم من بعد منطق *** و لا علم إلا ما أحاط به صدري‏

و ها أنا سيف الله علما بدينه *** أذب عن التوحيد في أمم الكفر

ثم ذكر تمام الأبيات و المراد منها ما ذكره عن نفسه في علم النجوم .

و ممن كان عالما عارفا بعلم النجوم و صحة حكمه بها الصاحب إسماعيل بن عباد الطالقاني المعدود من الإفراد في السعادة و العلم و ثناء العباد : فمن ذلك ما وجدته في مجموع عتيق قالبه أكبر من الربع أوله حديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : العلماء في الأرض مثل النجوم في السماء فقال في هذا المجموع :

إن الصاحب كان يتعصب للأمير بدر بن حسنويه و كان يلقى الصاحب في كل عام مرة واحدة بالري و يعرض عليه حوائجه فيقضيها و إذا أراد الانصراف أحسن خلعه و صرفه أحسن صرف فلما انتهى عمره نظر الصاحب بالمولد و علم أن العمر
[178]
تناهي و أن الأجل تداعى و الأمل تواهى أرسل إلى بدر بن حسنويه و استدعاه إليه و قضى كل حاجة كانت له و كانت العادة جرت أن كل ما أراد الانصراف حضر عند الصاحب و قبل يده و خرج منصرفا و لما كانت هذه الكرة الأخيرة خرج الصاحب إلى ظاهر الري و كان الفصل خريفا فوقف وسط قراح قد بذر خريفيا و سقى فحضر بدر بن حسنويه على العادة دار الصاحب ليقبل يده و ينصرف فقيل له إن الصاحب قد خرج بشغل فبادر إليه و توحل و جعل يعالج وحل القراح بالخفين و الجوربين حتى وصل إلى الصاحب و أهوى ليقبل يده فامتنع و قال له أ تدري أيها الأمير لم خرجت و سقيت قال لا قال لأنها آخر الالتقاء بيننا فإن إسماعيل بن عباد يموت بعد مائة و ثلاثة أيام فإذا قضى فإن الشاهنشاه سيجزع جزعا شديدا و يجلس في العزاء سبعة أيام ثم إن أعداء الصاحب سيشيرون عليه بأن يستوزر أبا العباس الضبي فإذا بلغك أيها الأمير أرشدك الله أنه قد قبض عليه ففض ختم هذه الأنبوبة و افتحها و اقض حق إسماعيل بن عباد في العمل بما فيها و أعطاه أنبوبة فضية ثم بكى بكاء شديدا و قال هذا آخر العهد منا و تفرقا فلما انقضت مائة و ثلاثة أيام قضى الصاحب نحبه فجزع عليه فخر الدولة ابن بويه جزعا شديدا و جلس في العزاء سبعة أيام ثم إن وجوه الدولة ساروا إليه و سألوه الخروج من العزاء فقال لهم كيف السبيل إلى ذلك و أنا لا أقر في قرار و الدولة ليس لها نظام و لا استقرار بفقد كافي الكفاة فقالوا عن بكرة أبيهم أيها الشاهنشاه الجزع
[179]
بفقد الصاحب لا يغني و لا يجدي و لكن ولده و معشوقه أبو العباس الضبي لا يقصر عنه أصلا و فصلا و سدادا و فضلا و له في التصرف أثبت قدم و في كيس الرأي أطول يد فاستوزره فإنه خريجه الكافي الوافي فقبل هذا الرأي منهم و أرسل إلى أصفهان و استحضر أبا العباس الضبي فولاه الوزارة و قلده الولاية فلما مضى عليه سنة مشى الأعداء و سعوا فيه فقبض عليه و اتصل الخبر ببدر بن حسنويه ففض ختم تلك الأنبوبة و فتحها فوجد فيها رقعة مكتوبة بخط الصاحب بن عباد نسختها بسم الله الرحمن الرحيم أيا الأمير الوفي أبو النجم بدر بن حسنويه أعزك الله أن أعادي إسماعيل بن عباد أرادوا أن يشمتوا و يشنعوا لعداوتهم أبا العباس الضبي خلصه الله و حماه و أبقاه فقد قبض عليه و إسماعيل عالم عارف أن بدرا يستعان به بعد إسماعيل و كذلك سائر أصحاب الأطراف و المرغوب إلى همة الأمير أبي النجم أن يخلص أبا العباس بروحه و أصحابه و يقضي فيه حق إسماعيل فقد علم أنه لا يتعذر على غرمه ذلك إن شاء الله فأرسل بدر الجواسيس إلى الري و كان قد استقصى و كذلك صاحب طبرستان و غيره فأخبره الجواسيس أن أبا العباس قد استقصي ماله و هو مطالب بروحه محبوس فركب بعسكره حتى أصبح الري فدخلها نهارا جهارا و كسر الحبس و أخرج أبا العباس الضبي و أركبه حصانا و حمله معه إلى نعمته و ذكر بعد هذه الحكاية شعرا مليحا في مدح الصاحب بن عباد و رثائه منه للرضي الموسوي رضي الله عنه قوله :

[180]
أ كذا المنون تقطر الأبطالا *** أ كذا الزمان يقرب الآجالا

أ كذا تغيض الزاخرات و قد طغت *** لحججا و أوردت الظماء زلالا

أ كذا يقام عن الفرائس بعد ما *** ملأت هماهمها الورى أوجالا

يا طالب المعروف حلق نجمه *** حط الرحال و عطل الإجمالا

و أقم على يأس فقد ذهب الذي *** كان الأنام على نداه عيالا

أقول و رأيت في الجزء الثالث من كتاب يتيمة الدهر تأليف عبد الملك بن محمد بن إسماعيل النيشابوري عند ذكر أبي القاسم إسماعيل بن عباد رحمه الله ما يقتضي أن اعتقاده في النجوم على ما دللنا عليه و أنها دلالات و علامات على ما جعلها الله جل جلاله دالة عليه كما أشرنا إليه فقد قال مؤلف الكتاب عن أبي القاسم إسماعيل بن عباد ما هذا لفظه و لما كنى المنجمون عما هو يعرض في سنة موته قال في ذلك :

يا مالك الأرواح و الأجسام و خالق النجوم و الأحكام

‏مدبر الضياء و الظلام *** لا المشتري أرجوه للإنعام

‏و لا أخاف الضر من بهرام *** فإنما النجوم كالأعلام‏

و العلم عند الملك العلام *** يا رب فاحفظني من الأسقام‏

و وقني حوادث الأيام *** و هجنة الأوزار و الآثام

‏هبني لحب المصطفى الخيتام *** و صنوه و آله الكرام

أقول و مما ينبه على أن أبا القاسم إسماعيل بن عباد رحمه الله كان يعتقد أن ربه تعالى كان يمحو ما يشاء و يثبت لا أحكام النجوم زيادة على
[181]
ما تضمنه شعره الذي أشرنا إليه ما ذكره مؤلف كتاب اليتيمة من أبيات شعر له أيضا فقال ما هذا لفظه و كتب على تحويل السنة التي دلت أحكامها على انقضاء عمره هذه الأبيات

أرى سنتي قد ضمنت بعجائب *** و ربي يكفيني جميع النوائب‏

و يدفع عني ما أخاف بمنه *** و يؤمن ما قد خوفوا من عواقب

‏إذا كان من أجرى الكواكب أمره *** معيني فما أخشى صروف الكواكب

‏عليك أيا رب السماء توكلي *** فحطني من شر الخطوب اللوازب

‏و كم سنة حذرتها فتزحزحت *** بخير و إقبال و جد مصاحب‏

و من أضمر اللهم سوءا لمهجتي *** فرد عليه الكيد أخيب خائب

‏فلست أريد السوء بالناس إنما *** أريد لهم خيرا مريع الجوانب‏

و أدفع عن أموالهم و نفوسهم *** بجدي و جهدي باذلا للمواهب‏

و من لم يسعه ذاك مني فإنني *** سأكفاه إن الله أغلب غالب

ثم ذكر أن وفاته كانت ليلة الجمعة الرابعة و العشرين من صفر سنة خمس و ثمانين و ثمان مائة .

و من الذين عرفوا النجوم العالم فإنه سأله المرتضى عن مناظرة وقعت له مع منجم فقال المرتضى رضي الله عنه في الجواب : إنما يناظرك من يقول إن في النجوم دلالات على الحادثات فإن ثبت قوله أن النجوم دلالات كانت هذه الشبهة واردة عليك و عليه و إن بطل قوله أن النجوم دلالات فقد استغنيت عن هذه الشبهة فالمهم النظر منكما هي دلالات
[182]
أم لا فيقال له رحمه الله إن قال لك المنجم إن هذه الشبهة على تقدير محال فلا يلزم الجواب عنها لأنه إذا كانت النجوم دلالات على الحادثات فلا بد أن تدل على ذلك الشي‏ء المفروض إما أن يقع أو لا و يقال له أيضا ما تقول لو قال نبي من الأنبياء لرجل قد أوحى إلي ربك أن تسافر غدا و يفرض أن يقول مخالف الإسلام أترك السفر و أبطل بذلك نبوته فمهما أجبت عن هذا فهو جواب المنجم الذي يقول إن الله جعل النجوم دلالات على الحادثات .

و مما يعارض هذه الشبهة التي ذكر المرتضى أن يتعذر الجواب عنها أن يقال إنما وجدنا العلماء بالعلوم العقلية يزدادون في أنفسهم علوما و تفضيلا فيما لم يكونوا محيطين بها و بعضهم يزداد على بعض في العلوم العقلية و هذه معلومة منهم لا يحسن الجحود بها فما المانع أن يكون المخبر من المنجمين علمه و حكمه أحاط بأنه يكون و لم يحط بالعكس عليه كما أحاط علم يونس بعذاب قومه فوعدهم به و لم يحط بنجاتهم منه و كما أحاط علم موسى (عليه السلام) بأن ميقات قومه ثلاثين ليلة فأخبرهم بها و لم يحط علما بإتمام الثلاثين حتى صارت أربعين ليلة و كما روينا أن منجم النمرود أخبره بأن إبراهيم (عليه السلام) يحرق بالنار و كان عالما بإلقائه فيها و لم يكن أوتي العلم بأنه ينجو منها و قد ذكرنا فيما تقدم من كتابنا هذا من رواه عن الصادق (عليه السلام) و لم يجعل الصادق ذلك طعنا على بطلان علم النجوم فهذا الأصح لأهل العلوم
[183]

...
....
الصورة الرمزية النّجف الأشرف
النّجف الأشرف
عضو
°°°
افتراضي
الباب السابع فيمن صح حكمه بدلالة النجوم قبل الإسلام و لم يذكر اسمه
فمن ذلك الذي وجدنا في صحة الحكم بدلالة النجوم ممن عرف اسم المحكوم له و لم يذكر اسم المنجم ما ذكره أبو عبد الله الحسين بن خالويه في كتاب الملح من نسخة عتيقة يقتضي أنها كتبت في حياته أحضرها إلينا السيد حسن بن علي المدائني المعروف بابن بنت الكال كرهت شراءها لأجل ما فيها من الهزل فقال فيها ما هذا لفظه أبو بكر بن الأشعث حدثنا عباس بن محمد الصائغ حدثنا منصور بن أبي مزاحم حدثنا نصر بن باب عن الحجاج بن أرطاة قال كتب ملك الهند إلى عمر بن عبد العزيز من ملك الأملاك الذي في مربطه ألف فيل و الذي تحته بنات ألف ملك و الذي يوجد ريحه من تسعة عشر ميلا و الذي له نهران يجبيان له اللؤلؤ و العنبر و الكافور إلى ملك العرب الذي لا يشرك بالله شيئا أما بعد فقد أهديت لك هدية و ليست هدية و لكنها تحفة و قد أحببت أن تبعث إلي رجلا يفصح لي عن دينكم و يعلمني و السلام قال ابن الأشعث و قد أدركت أنا الذي كتبت إلى عمر بن عبد العزيز فإنه عاش مائة و ثمانين سنة و اسمه بهرة و كان عمله على ثلاث مائة ألف فرسخ و على مربطه ألف فيل و كانت أمه راعية فأدركها الطلق قبل طلوع الشمس فمر بها منجم هندي فقال
[184]
إن لم يولد هذا الجنين حتى يطلع قرن الشمس ملك الهند فجمعت المرأة عباءة كانت معها و استقرت بها و قعدت عليها فلما ذر قرن الشمس قذفت بعباءتها فولد و بلغ ما قال ذلك المنجم و يقال إنه أسلم على يد عمر بن عبد العزيز و أخفى إسلامه خوفا على نفسه من القتل .

و ذكر الحاكم النيشابوري في تاريخه في الجزء السابع في أواخره ما يقتضي أنه مصدق بعلم النجوم و أن علم النجوم قد صح فيما ذكره المنجمون عن سابور ذي الأكتاف و هو جنين في بطن أمه فقال ما هذا لفظه في ذكر المدينة الداخلة بنيشابور حدثنا الحسين بن أحمد بن مشوقة المدائني عن آبائه قالوا : لما ملك شابور بن هرمز و هو الذي وضع التاج على بطن أمه و كتب عنه إلى ملوك الآفاق و هو جنين في بطن أمه و قد مات أبوه هرمز و قد كان المنجمون أعلموه قبل وفاته أنه يلد ذكرا يملك الأرض و أخبروا أمه و الوزراء بذلك و سموه شابور أي ابن الملك على أنه إذا بلغ إن شاء غير اسمه فلما بلغ أربعين سنة غير اسمه و كان ذا رأي و همة جليلة ملك العرب و العجم و قهر أياد و فيه يقول علي بن أبي طالب (عليه السلام) :

إن حيا يرى الفساد صلاحا *** و يرى الرشد للشقاء فسادا

لقريب من الهلاك كما *** أهلك شابور بالسواد أيادا

ثم ذكر الحاكم بناءه لمدينة نيشابور و طرفا من صحة حكم المنجمين له بالملك .

و ذكر أبو الفرج ابن الجوزي و اسمه عبد الرحمن في
[185]
طرائف اللطائف في تاريخ السوالف ما يستظهر منه على أنه كالمصدق بعلم النجوم و صحة الحكم بها و اعتماد بعض ملوك الأكاسرة عليها كما قدمنا بعضه فقال : إن سبب ملك شابور ذي الأكتاف أنه كان حملا بعد موت أبيه هرمز فقال المنجمون هذا الحمل يملك الأرض فوضع التاج على بطن أمه و كتب بذلك إلى الآفاق و هو جنين أقول ثم ذكر صحة حكم المنجمين فيه و أن شابور ذا الأكتاف كان ملكا عظيما و هو الذي بنى إيوان كسرى و بنى نيشابور و سجستان و السوس و قال هو و غيره إنما سمي ذا الأكتاف لأنه كان حين ملك ينزع الأكتاف من مخالفيه و أقول أي عقل يمنع من قدرة الله جل جلاله على أن يجعل دلالات النجوم من قدرته فهو سبحانه القادر لذاته الحكيم في مقدوراته .

و من العلماء بالنجوم الذي صح حكمه بها و دلالتها على يديه من أهل الإسلام المعروف بالعماد من أهل هرات ذكر ذلك صدقة بن الحسن في المجلد الخامس من التذييل في حوادث سنة ثمان و أربعين و خمسمائة فقال ما هذا لفظه : و كان لقماج صاحب بلخ منجم يعرف بالعماد من أهل هرات فاستأذن الأمير قماج في خروجه إلى أهله فلم يعطه إذنا فقال له المنجم أعطني إذنا و أعطني أمانا لأخبرك بما يجري على خراسان فقال له قد أمنتك قال قد آل ملكهم إلى الزوال و أن خراسان تخرب و يهلك أهلها في العام القابل من قوم بغزنة مما وراء النهر يفعلون الخير و يعودون بعد ذلك فيكون هلاك ملك خراسان على أيديهم و هلاك
[186]
خراسان و نفسي تعلم يقينا أنهم هؤلاء القوم الذين نزلوا رعايا يعني الغز ثم شرح صاحب التذييل كيف ملكت الغز بلد خراسان و هلك السلطان و هلك أهل خراسان على نحو ما جرى عليهم هلاكهم من التتر في هذه الأزمان و صح الحكم بذلك جميعه و في شرحه غرائب لكن يطول ذكرها و المقصد ما ذكرناه .

و ذكر جدي أبو جعفر الطوسي فيما نقلته من خطه في كتاب أبي العباس أحمد بن محمد من وجهة أوله في القائمة الأخيرة من الكراس السادس ما هذا لفظه : قال بعضهم حكم المنجمون في سنة سبعين و مائة أن في ليلة واحدة يموت ملك عظيم و يقوم ملك كريم و يولد ملك حكيم فمات موسى الهادي و قام الرشيد و ولد المأمون أقول و لم يذكر جدي الطوسي بهذا الحكم دلالة النجوم و لا طعنا في ذلك.

و مما ذكره الحاكم في ترجمة هارون الرشيد من المجلد الثالث في تاريخ نيشابور قال حدثني عبد الرحمن بن أحمد بن حمدويه قال : سمعت أبي يقول سمعت جماعة من مشايخنا المعمرين بنيشابور يذكرون ورود هارون الرشيد أمير المؤمنين نيشابور و مقامه بها و ذلك أنه لما خرج من بغداد و كان الفضل بن الربيع وزيره صار إلى الري و كان بها جماعة من المنجمين فجمعهم و سألهم النظر في أمر خروجه و ما يستقبله فيه و ما يستقبله في بقية عمره فنظروا و حكموا أنه يهلك بخراسان بقرية يقال لها سناباد فسألهم عنها فقالوا هي من قرى بيهق فتنحى عن الطريق و لم يدخل بيهق
[187]
و عدل إلى ناحية جرجان على أن يكون قدومه لنيشابور على طريق جرجان ثم إنه ورد نيشابور و أقام بها و بعث منها العساكر و القضاة و أصحاب البرد إلى النواحي ثم خرج من نيشابور إلى طوس و نزل قرية حميد الطوسي التي يقال لها سناباد فسأل عن اسم القرية فقال له سناباد فمرض و علم أنها تربته و وطن نفسه على أن يموت بها و أنه لا مرد لقضاء الله عز و جل فأرسل المأمون على مقدمته إلى مرو و أقام هو في سناباد عليلا إلى أن توفي فدفن بها .

و رأيت في الجزء الثاني من كتاب الوزراء تأليف علي بن الحسين بن عبد الله الخازن عند ذكر وزارة أبي الحسن ناصر بن مهدي العلوي الحسني رضوان الله عليه و كنت أنا سمعت ذلك منه فعلق بحفظي و إني الآن أحفظه قال حدثني الحافظ أبو عبد الله البغدادي قال حدثني كثير القمي صاحب الوزير ناصر بن المهدي قال : كنت بخدمته في قم و كان حينئذ يتفقه في مدرسة هنالك فقدم علينا منجم عالم بأحكام النجوم فجمع الجماعة مواليدهم و ألقوها بين يديه و كان في جملتها مولد الوزير فنظر فيها ثم أمسك مولد الوزير و قال صاحب هذا المولد يحكم في الشرق و الغرب قلت أنا و قد كان كثير القمي أذن لي في أيام وزارته بالرواية عنه .

و من المذكورين بالإصابة في علم النجوم و لم يذكر اسمه قبل الإسلام ما ذكره أبو جعفر ابن بابويه رحمه الله في الجزء الثالث من كتاب الكمال في الغيبة في جملة حديث ملك الهند و ولده يوذاسف و بلوهر
[188]
الحكيم فقال عن ملك الهند ما هذا لفظه : و كان حريصا على الولد و لم يكن له ولد إلى أن طال عليه أمره فحملت امرأة من نسائه و ولدت غلاما فاستبشر بذلك و أمر للناس بالأكل و الشرب سنة و سمى الغلام يوذاسف و جمع العلماء و المنجمين لتقويم ميلاده فرفع المنجمون إليه أنهم يجدون الغلام يبلغ من الشرف و المنزلة ما لم يبلغ أحد و اتفقوا على ذلك جميعا غير أن واحدا منهم قال ما أظن أن الشرف الذي يبلغه هذا الغلام إلا شرف الآخرة و لا أحسبه إلا أن يكون إماما في الدين و النسك و ذا فضيلة في درجات الآخرة لأني أرى الشرف الذي يبلغه ليس يشبه شرف الدنيا بل هو يشبه شرف الآخرة فوقع ذلك القول من الملك موقعا كاد ينغصه سروره بالغلام و كان المنجم الذي أخبر بذلك من أوثق المنجمين في نفسه و أعلمهم و أصدقهم عنده ثم ذكر ابن بابويه كيف تقلبت الأمور بيوذاسف ابن الملك حتى زهد في الدنيا زهدا عظيما و فارق ملك أبيه و صح حكم المنجم فيه بدلالة الله تعالى له بالنجوم و التنبيه .

و روى أيضا ابن بابويه في كتاب الغيبة ما هذا لفظه : إنه كان في أول الزمان ملك للهند حريصا على أن يولد له و كان لا يدع شيئا مما يعالج به الناس أنفسهم إلا أتاه و صنعه فلما طال ذلك من أمره حملت امرأة من نسائه و ولدت غلاما فلما وضعته خطا ذات يوم خطوة فقال ميعادكم تكبرون ثم خطا أخرى فقال تهرمون ثم خطا الثالثة فقال تموتون ثم دعا كهيئته يفعل كما يفعل الصبي فدعا الملك العلماء و المنجمين
[189]
فقال لهم أخبروني بخبر ابني هذا فنظروا في شأنه و أمره فأعياهم أمره و لم يكن عندهم فيه علم إلا أن منجما منهم قال سيكون هذا إماما فلما رأى الملك أن ليس لهم علم دفعه إلى المرضعين فأخذوا في رضاعه فأقبل يوما من عند مرضعته و الحرس معه و مر بالسوق فرأى جنازة فقال ما هذا قالوا إنسان مات قال ما أماته قالوا كبر و فنيت أيامه و دنا أجله قال أ و كان صحيحا يمشي و يأكل و يشرب قالوا نعم ثم مضى فإذا بشيخ كبير فقام ينظر إليه تعجبا منه ثم قال ما هذا قالوا شيخ كبير قد كبر و كان صغيرا ففنى قال أ و كان شابا فشاب قالوا نعم ثم مضى فإذا هو برجل مريض مستلق على ظهره فجعل ينظر إليه و يتعجب منه ثم قال ما هذا قالوا مريض قال أ و كان صحيحا ثم مرض قالوا نعم فقال و الله لئن كنتم صادقين فإن الناس لمجانين .

أقول ثم شرح ابن بابويه رضي الله عنه كيف جرى أمر المشار إليه من صحة ما حكم به العالم بالنجوم و دلت آيات الله جل جلاله عليه .

الباب الثامن فيما نذكره ممن يذكر اسمه في أهل الإسلام
بعض عرف بالنجوم و لم يعرف له شي‏ء من الأحكام و بعض عرف له ذلك و من كان عاملا بذلك من الملوك قبل الإسلام و قد ذكرنا طرفا من ذلك و نذكر بعض من نختار ذكره من أهل الإسلام فمن ذلك :

[190]
ما ذكره التنوخي في الجزء السابع من نشوار المحاضرة قال حدثني أبو الحسين قال حدثني علي بن العباس النوبختي قال حدثني محمد بن داود بن الجراح قال حدثني أبو علي الحسن بن وهب قال : رأيت يوما محمد بن عبد الملك الزيات قد عاد من موكب المعتصم قبل خروجه إلى سامراء و هو على غاية من الضجر و كنت جسورا عليه فقلت ما لي أرى الوزير أيده الله مهموما قال أ فما عرفت خبري قلت لا قال ركب أمير المؤمنين و أنا أسايره من جانب و ابن أبي داود يسايره من الجانب الآخر حتى بلغنا رحبة الجسر فأطال الوقوف حتى ظننا أنه ينتظر شيئا ثم أسرع خادم يركض حتى أسر إليه سرا فقال غممتني و كر راجعا إلى الجانب الشرقي فلما توسط الطريق جعل يضحك و لا شي‏ء يضحكه فجسر عليه ابن أبي داود فقال إن رأى أمير المؤمنين أن يشركنا بالسرور فيما يسره قال ليست لكما حاجة في ذلك فقال ابن داود بلى قال أما إذا سألتماني لم ركبت اليوم فإني اعتمدت أن أتبعد و صرت إلى رحبة الجسر فذكرت منجما كان يجلس فيها أيام فتنة الأمين و بعدها و كان موصوفا بالحذق قديما و كنت أسمع به فلما فسدت الأمور في أيام الفتنة لجأ إلى الجلوس على الطريق و التنجيم فلما غلب إبراهيم بن شكلة على الأمر اعتمد علي في الرزق و أجرى لي خمسمائة دينار في الشهر و لم يكن أحد داخله أكثر رزقا مني لأن جيشه إنما كان كل واحد له تسعة دراهم و عشرة و القواد مثلها دينارا و نحو ذلك لضيق الأحوال و خراب البلاد و الناس إنما كانوا يقاتلون معه
[191]
عصبية لا لجائزة فركبت يوما حمارا متنكرا لبعض شأني فرأيت ذلك المنجم فتطلعت إليه نفسي أن أسأله عن أمر إبراهيم و أمري و هل يتم لنا شي‏ء أم يغلبنا المأمون فعدلت إلى المنجم و كنت متنكرا و قلت للغلام أعطه ما معك فأعطاه درهمين و قلت له خذ الطالع و اعمل لي مسألة ففعل ثم قال مسألة سألتك بالله هل أنت هاشمي قلت فما سؤلك عن هذا فقال كذا يوجب الطالع فإن لم تصدقني لم أنظر لك فقلت نعم قال فهذا الطالع أسد و هو الطالع في الدنيا و أنه يوجب لك الخلافة و أنت تفتح الآفاق و تزيل الممالك و يعظم جيشك و تبنى لك بلادا عظيمة و يكون من شأنك كذا و من أمرك كذا و قص علي جميع ما أنا فيه الآن قلت فهذا السعود فهل علي من النحوس قال لا و لكنك إذا ملكت فارقت وطنك و كثرت أسفارك قلت فهل غير هذا قال نعم ما شي‏ء عليك أنحس من شي‏ء واحد قلت ما هو قال يكون المتولون عليك في أيام ملكك أصولهم دنية سفلة فيغلبون عليك و يكونون أكابر أهل مملكتك قال فعرضت عليه دراهم كانت في خريطة معي في خفي فحلف أن لا يقبل غير ما أخذه و قال إذا رأيت هذا الأمر فاذكرني و أحسن في ذلك الوقت إلي فقلت أفعل و لكن ما ذكرته إلى الآن و لما بلغت الرحبة وقعت عيني على موضعه فذكرته و ذكرت مكرمته و تأملتكما حوالي و أنتما أكبر أهل مملكتي و أنت ابن زيات و هذا ابن قيار و أومأ إلى ابن أبي داود فإذا صح جميع ما قال فأنفذت هذا الخادم في طلبه و البحث عنه لأفي له بسالف الوعد فعاد
[192]
إلي و ذكر لي أنه قد مات قريبا فكسلت و غمني إن فاتني الإحسان إليه فرجعت عن الابتعاد و أخذني الضحك إذ ترأس في دولتي أولاد السفل قال فانكسرنا و ودنا أنا ما سألناه .

و ممن ذكر أصحاب التواريخ إصابته بالنجوم و لم يذكر اسمه ما رواه ابن مسكويه في تجارب الأمم فقال في ركوب علي بن عيسى بن ماهان متوجها إلى خراسان لحرب المأمون فذكر أن منجما أتاه فقال : أصلح الله الأمير لو انتظرت بمسيرك صلاح القمر فإن النحوس غالبة فقال إنا لا ندري فساد القمر من صلاحه غير أنه من نازلنا نازلناه و من وادعنا وادعناه و من قاتلنا لم يكن عندنا إلا إرواء السيف من دماه إنا لا نعتد بلسان القمر ما وطنا أنفسنا على صدق اللقاء ثم حكى بعد ذلك انعكاس الأمر عليه و فساد أمره و قتله و نهب عسكره و فله و صدق للمنجم قوله .

و ممن ذكر معرفته بالنجوم و لم يذكر اسمه ما ذكره أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار فقال ما هذا لفظه : أدخل رجل إصبعيه في حلقي مقراض فقال للمنجم أي شي‏ء ترى في يدي فقال خاتمي حديد و في ربيع الأبرار قال فقدت في دار بعض الرؤساء مشربة فضة فوجه إلى ابن ماهان يسأله فقال المشربة سرقت نفسها فضحك فأغاظ و قال هل في الدار جارية اسمها فضة قالوا نعم قال فضة سرقت الفضة و في ربيع الأبرار قال سعي بمنجم فقدم لصلبه فقيل هل رأيت هذا في نجومك فقال رأيت ارتفاعا و لكن لم أعلم أنه فوق الخشبة .

[193]
و ممن صح له حكم في النجوم و لكن لم يذكر اسمه ما ذكره المحسن بن علي التنوخي في كتاب الفرج بعد الشدة و هو حديث أسنده إلى الحسين بن محمد بن عبد الرزاق المعروف بابن العسكري و ذكر أنه ممجد أخذنا من حديثه موضع المراد منه بالمعنى و هو : أنه ذكر أن المنجمين طالعوا مولده عند الولادة فحكم منجم عليه بقطع في سنة أربع و ثلاثين من عمره و أنه ركب فيها مهرا فنفر به فدق رأسه فأشرف على الموت و بقي عليلا مدة و ما خلص من الموت إلا بعد شدة .

و من الإصابة في تحويل المواليد و لم يذكر اسم من حوله ما ذكره يحيى بن محمد الصولي في الجزء الثالث من كتاب الوزراء في أخبار سليمان بن وهب قال ما هذا لفظه : و كان أبو الحسن يقول قد تحولت في سنة رديئة أخاف أن أتلف فيها فأوصى قبل شخوصه من واسط إلى رجل من سراة أهلها و ثقاتهم و سلم إليه مالا خطيرا عظيما و أوصاه بابنيه الحسن و سليمان و كانا معه فخلفهما بواسط و شخص فغرق في طريقه .

و ممن ذكر بإصابته النجوم و لم يذكر اسم من حكم به بل ذكر اسم حائله ما ذكره راوي حديث بهرام و ملوك الفرس الكسروية فذكر في حديثه جواب كسرى بهرام لولده إذ قال له : و أما أنت خاصة فمن فضلنا عليك أن المنجمين كانوا قد قضوا في حكم مولدك أنك مزر علينا و ناقض ما قد أبرمنا و يكون ذلك بسببك فلم نأمر بقتلك و لكنا ختمنا على
[194]
كتاب مولدك و بعثته إلى شيرين صاحبتنا و مع يقيننا أنه كائنة تلك القضية أنا وجدنا فرمسيا ملك الهند كتب إلينا في سنة ست و ثلاثين من ملكنا مع وفد أوفده إلينا و ذكر في الكتاب أمورا شتى و أهدى لنا و لكم معاشر أبنائنا هدايا و كتب إلى كل واحد كتابا و كانت هديته لك فيلا و سيفا و بازيا أبيض و ديباجة منسوجة بذهب فلما نظرنا ما أهدى إليكم و كتب إليكم وجدناه قد وقع على كتابه إليك بالهندية اكتم ما فيه فأمرنا أن نصرف لكل واحد ما بعث إليه من هدية و كتاب و احتبسنا ما كتبه إليك من أجل التوقيع الذي كان فيه و دعونا بكاتب هندي و أمرناه بفض خاتم الكتاب و قراءته فكان فيه البشر و قر عينا و أنعم بالأفانك متوج مائة آذار و روز آذار سنة ثمان و ثمانين من ملك كسرى و متملك على مملكته و بلاده و تيقنا أنك لم تملك أملاكنا إلا ببوارنا فلم ننقصك مع ما استقر عندنا من ذلك مما أمرنا بإجرائه عليك من الأرزاق و المعادن و الصلات في الأبواب التي عددنا و فوق ذلك فضلا عن عدم أمرنا بقتلك أما كتاب فرمسيا فقد ختمنا عليه بختمنا و استودعناه عند صاحبتنا شيرين فإن أحببت أن تأخذ منها قضية مولدك و كتاب فرمسيا إليك لتنهكك قراءتها ندامة و ثبورا فافعل .

و ممن ذكر صحة دلالة النجوم و لم يذكر اسم المنجم ما ذكره الطبري في تاريخه في أخبار أبي مسلم الخراساني قال : و كان أبو مسلم يقول و الله لأقتلن في الروم و كان المنجمون يقولون ذلك له فكان قتله في رومية المدائن كما دلت عليه النجوم .

[195]
و مما ذكره التنوخي في النشوار و له تعلق ببني بويه بعلم النجوم و تعبير الرؤيا قال حدثنا أبو القاسم علي بن حماد الأنباري الكاتب و كان محله في الجلالة في خدمة الملوك من الوزير أبي محمد المهلبي و الأمير معز الدولة ما هو مشهور قال : لما أنفذني معز الدولة من بغداد إلى الديلمان لأبني له في بلدة منها دورا قال لي اسأل عن رجل من الديلم يقال له أبو الحسين بن شيركوه فأكرمه و اعرف حقه و أبلغه سلامي و قل له سمعت و أنا صبي مناما رآه أبي و عرضه هو و أنت على مفسر بديلمان و لم أقم على مفصله للصبي فحدثني به و احفظه أنت لتعيده علي فلما جئت الديلمان جاءني الرجل مسلما و مت إلي بصداقة كانت بينه و بين بويه والد الأمير فأكرمته و أعطيته و أبلغته رسالة معز الدولة فقال لي كانت بيني و بين بويه مودة أكيدة و هذه داري و داره متجاوران و أومأ إليهما فقال لي ذات يوم إني قد رأيت رؤيا هالتني فاطلب لي إنسانا يفسرها لي فقلت نحن هاهنا في شبيه مغازة فمن أين لنا من يفسرها و لكن اصبر علي حتى يجتاز بنا منجم أو عالم أو من نسأله عن ذلك قال نعم و مضى على هذا شهور فخرجت أنا و هو في بعض الأيام إلى شاطئ البحر نصطاد سمكا فجلسنا و اصطدنا شيئا كثيرا و حملناه على ظهورنا أنا و هو و جئنا به فقال ليس في داري من يعمله فخذ الجميع إليك يعمل عندك فأخذته و قلت له تعال إلي غديه لنجتمع ففعل فقعدنا أنا و هو و عيالي ننظفه و نطبخ بعضا و نشوي بعضا إذ اجتاز
[196]
على الباب رجل يصيح منجم مفسر الرؤيا فقال لي يا أبا الحسين أ تذكر ما قلت لك بسبب منام رأيته قلت بلى قال فهذا وقته فقمت و جئت بالرجل فقال له بويه رأيت ليلة في منامي كأني جالس أبول فخرج من ذكرى نار عظيمة كالعود ثم تشعبت يمنة و يسرة و أماما و خلفا حتى ملأت الدنيا و انتبهت فما تفسير هذا فقال له الرجل لا أفسرها لك بأقل من ألف درهم قال فسخرنا منه و قلنا له ويلك نحن فقراء نصطاد سمكا لنأكله و الله ما رأينا قط الألف درهم و لا عشره و لكنا نعطيك سمكة من أكبر هذا السمك فرضي بذلك و قال لنا صالحوني لا ترجعون علي فصالحناه على ذلك و رسمنا له أنا إذا صالحنا إنسانا أن لا نخطر فيما صالحنا عليه قليلا أو كثيرا فقال لبويه يكون لك أولاد و يفترقون في الدنيا فيملكون و يعظم سلطانهم فيها قدر ما احتوت النار من الأرض التي رأيتها في المنام قال فصفعناه و قلنا له سخرت بنا و أخذت السمكة منا حراما و طنزت بنا ثم قال له بويه ويلك أنا صياد فقير كما ترى و أولادي هؤلاء فترى أي شي‏ء منهم يكون و أومأ إلى علي و كان إذ ذاك أول ما اختط عارضة و الحسن دونه و أحمد فوق الطفولية قليلا قال و مضت السنون على ذلك و أنسيت المنام حتى خرج بويه بخراسان و بلغت منزلته و منزلة أولاده عند محمد بن إبراهيم بطبرستان و خرج علي بن بويه من عندنا بعد أن ظهرت فيه شدة في جسمه و قلبه و صار مع مرداويج و عزت أخباره فما شعرت إلا ببلوغ خبره إلينا أنه قد ملك أرجان و عصى على مرداويج فاستعظمنا ذلك و أنسيت أنا
[197]
الحديث ثم ملك فارس كلها و هرب ياقوت و استقلت له شيراز و أعمال فارس كلها فما شعرنا إلا بصلاته قد جاءت إلى أهله و شيوخ بلد الديلم و جاءني رسوله يطلبني و يسألني القدوم عليه فخرجت إليه فحين رأيته و عظيم ملكه هالني أمره و استعظمت ذلك جدا و أنسيت المنام فعاملني من الجميل بالإكرام و الصلات و الأموال و حمل إلي من الثياب و الفرش و الآلات و الدواب و بالبغال أمرا عظيما ثم قال لي بعد أيام و قد خلونا يا أبا حسين المنام الذي كان أبي قد رآه و أنا غلام أذكر يوم عرضتموه على المفسر و صفعتموه لما فسره لكم و لم أحفظه و لا تفسيره فأحب أن تحدثني به قال فذكرت الحديث و استولى علي من التعجب ما أمسكت معه ساعة مفكرا فقال لي أ نسيته قلت لا قال فحدثني به فحدثته إياه فاستدعى عشرة آلاف دينار عينا فأحضرت في الحال فدفعها إلي و قال هذه لك فخذها فقبلت الأرض فقال لي تقبل مني قلت نعم قال أنفذ بها إلى بلد الديلم و اشتر ضياعا هناك تكون لأعقابك و يعلو بها ذكرك و دعني أدبر أمرك بعدها ففعلت ذلك ثم أقمت عنده مدة ثم استأذنته في الرجوع إلى بلد الديلم فقال لي أقم عندي فإني أقويك و أعطيك و أقطعك أقطاعا بخمسمائة ألف درهم في السنة و أفعل بك و أصنع فقلت إن بلدي أحب إلي قال فأحضر عشرة آلاف دينار أخرى فأعطاني إياها و قال خذها و لا تعلم أحدا فإذا وصلت إلى بلد الديلم فادفن منها خمسة آلاف دينار تكن عونا لك على الزمان و جهز بناتك بخمسة آلاف دينار و لو لا أني إذا أعطيتك أكثر من هذا أخشى عليك أن يأخذها منك أهل
[198]
الديلم لأعطيتك أكثر ثم أعطاني عشرة دنانير و قال هذه فاحتفظ بها و لا تخرج من يديك فأخذتها و إذا في كل دينار مائة دينار و عشرة دنانير فودعته و انصرفت قال أبو القاسم فحفظت القصة و لما عدت إلى معز الدولة حدثته الحديث فسر به و تعجب منه .

و من الأحاديث المتعلقة ببني بويه و له تعلق بالنجوم ما ذكره التنوخي في كتابه قال حدثني أبو الحسين الصوفي المنجم ثم حدثني عضد الدولة و أبو الحسين حاضر و عضد الدولة يحدثني بهذا الحديث و قد مضت سنون على حديث أبي الحسين و لم أكن حدثته بهذا الحديث و لا غيره قال عضد الدولة : اعتللت علة صعبة آيس منها الطبيب و آيست من نفسي و كان تحويل سنتي تلك في النجوم رديا جدا نحسا موحشا ثم زادت العلة علي فأمرت أن يحجب الناس كلهم و لا يدخل أحد إلي البتة بوجه و لا سبب إلا حاجب النوبة في أوقات حتى منعت الطبيب من الوصول ضجرا بنفسي و يأسا من العافية فأقمت كذلك أياما ثلاثة أو أربعة و أنا أبكي في خلوتي على نفسي إذ جاء حاجب النوبة فقال في الدار أبو الحسين الصوفي يطلب الوصول و قد اجتهدنا به في الانصراف بكل رفيق و جميل فما فعل و قال لا بد من أن أصل و لم أحب أن أجبره بالانصراف على أي وجه كان إلا بأمرك فقد عرفته أنه رسم أن لا يصل إليه أحد من خلق الله أجمعين فقال الذي حضرت له بشارة لا يجوز أن يتأخر وقوفه عليها فعرفه هذا عني و استأذنه في الوصول فقلت له بصوت ضعيف و كلام خفيف يريد أن يقول لي قد
[199]
بلغ الكوكب الفلاني و يمخرق علي من هذا القبيل ما يضيق به صدري و يزيد به ألمي مع ما أنا فيه مما لا أقدر به على سماع كلام فانصرف فخرج الحاجب و رجع إلي مستعجلا و قال لي إما أن يكون أبو الحسين قد جن أو معه أمر عظيم فإني قد عرفته بما قال مولانا فقال لي ارجع و قل له و الله لو أمرت بضرب عنقي ما انصرفت أو أدخل إليك و و الله ما أكلمك في معنى النجوم بكلمة واحدة فعجبت من ذلك عجبا شديدا لعلمي بقتل أبي الحسين و بأنه ممن لا يمخرق معي في شي‏ء و تطلعت نفسي إلى ما يقوله فقلت أدخله فلما دخل إلي و قبل الأرض بكى و قال أنت و الله في عافية لا بأس عليك و اليوم تبرأ و معي معجزة بذلك من أمير المؤمنين (عليه السلام) فقلت له ما هي قال رأيت في منامي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلى الله عليه وآله وسلم) و الناس يهرعون إليه يسألونه المسائل و كان يقضيها لهم فتقدمت إليه و قلت يا أمير المؤمنين أنا رجل غريب في هذا البلد تركت نعمتي بالري و تجارتي و تعلقت بحب هذا الأمير الذي أنا معه و قد بلغ إلي اليأس من العلة التي أصابته و قد أشفقت أن أهلك فادع الله له بالعافية فقال تعني فنا خسرو بن الحسين بن بويه فقلت نعم يا أمير المؤمنين فقال امض إليه و قل له أ نسيت ما أخبرتك به أمك في المنام الذي رأته و هي حامل بك أ ليس قد أخبرتها بمدة عمرك و أنك ستعتل إذا بلغت كذا و كذا سنة علة ييأس منها أطباؤك و أهلك ثم تبرأ منها و أنت تصلح من هذه العلة غدا و يتزايد صلاحك إلى أن تركب و تعاود عاداتك كلها في كذا و كذا يوما و لا قطع
[200]
عليك قبل الأجل الذي أخبرتك به أمك عني قال عضد الدولة و قد كنت أنسيت أن أمي قالت لي في المنام إني إذا بلغت هذه السنة اعتللت هذه العلة التي ذكرتها حتى قال لي أبو الحسين الصوفي فحين سمعت الكلام منه ذكرت و حدثت لي في نفسي قوة في الحال لم تكن من قبل فقلت أجلسوني فجاء الغلمان و أمسكوني حتى جلست على الفراش و قلت لأبي الحسين الصوفي اقعد و أعد علي الحديث فقد قويت نفسي فأعاده فتولدت لي شهوة الطعام فدعوت بالأطباء فأشاروا بتناول غذاء وصفوه عمل في الحال فأكلته و لم ينقض اليوم حتى بان بي من الصلاح أمر عظيم و أقبلت العافية فركبت و عاودت عاداتي في اليوم الذي قال أبو الحسين في المنام إني أركب فيه و كان عضد الدولة يحدثني و أبو الحسين يقول كذا و الله كان و كذا و الله قلت لمولانا و أعيذه بالله ما أحسن حفظه و ذكره ما جرى حرفا بحرف ثم قال عضد الدولة ما فاتني في نفسي من هذا المنام إلا شي‏ء كنت أشتهي أن يكون فيه و شي‏ء كنت أشتهي أن لا يكون فيه فقلت بلغ الله مولانا آماله و أحدث له كلما يسر به و صرف عنه كل ما يؤثر أن لا يكون و لم أزد على الدعاء له خوفا من سوء الأدب في الخدمة إن سألته عن ذلك فعلم غرضي و قال أما الذي كنت أشتهي أن لا يكون فيه فهو أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) وقف على أني أملك حلب و لو كان عنده أني أملك شيئا مما تجاوز حلبا لقاله و إني أخاف أن يكون هذا غاية حدي من تلك الناحية حتى لما جاءني الخبر بأن سيف الدولة قد أخذ لي الدعوة بحلب و أعماله
[201]
و دخوله تحت طاعتي ذكرت المنام فتنغص علي لأجل هذا الاعتقاد و أما الذي كنت أشتهي أن يكون فيه فهو أن أعلم من هذا الذي يملك من ولدي و قد ينتقل الملك على يديه فدعوت له عقيب هذا و قطعنا الحديث و بقي سنين بعد هذا و ما تجاوزت دعوته أعمال حلب بوجه و لا سبب .

و ذكر هلال في تاريخه أن مولد عضد الدولة كان بأصبهان يوم الأحد الخامس من ذي القعدة سنة أربع و عشرين و ثلث مائة و كان طالعه على ما ذكر الحمل و وصف زائجته قلت و كان عضد الدولة عارفا بطرف من علم النجوم و مقربا للعارفين بها و كانت وفاته و قد تكمل له سبع و أربعون سنة و تسعة أشهر و ثلاثة أيام قمرية .

و من المعروفين بعلم النجوم من أهل الإسلام و إن لم يعرف له شي‏ء من الأحكام ممن ذكرهم التنوخي في كتابه النشوار جماعة منهم أبو بكر بن نمرد و قد صنف كتبا كثيرة في النجوم و منهم أبو الفتح علي بن هارون المنجم و منهم يحيى بن أبي منصور المنجم و كان يحيى محبوسا أسلم على يد المأمون فصار مولاه بذلك و كان خصيصا به و منجمه و نديمه و أبو منصور والده منجم صاحبه و منهم أبو الحسن محمد بن سليمان صاحب الجيش و كان منقطعا إلى أبي علي بن مقلة قبل الوزارة و بعدها مختصا به من أجل النجوم و الأدب و منهم الحسن بن علي بن زيد المنجم غلام أبي نافع عامل معز الدولة على الأهواز و قطعة من كورها و محله عنده المحل و عند وزرائه و منهم والد أبي العباس هبة الله بن المنجم الذي
[202]
ذكر التنوخي أن ولده العباس جرت له حكاية فقال أنشد أبو العباس لنفسه يعرض بأبي عبد الله البصري المتكلم لما صير له عضد الدولة رسما أن يحمل إليه كل يوم من مائدته جونة كبيرة طعاما تشريفا له بذلك و أنا أقول كان سبب ذلك أنه أقطعه أقطاعا بمال جليل في كل سنة فلم يقبل فبذل له شراء ضياع ينفقها عليه بعد هذه الأقطاع و يستطاب من ملازمتها و يصح إنفاقها فلم يقبل و أبى قال عضد الدولة فلا أقل من أن ينفذ لك في كل يوم من حضرتي بما تأكله و في كل بكسوة و طيب تستعمله فأجاب إلى ذلك فأنفذ إليه ثيابا جليلة من صنوف القطن و الكتان و العود الهندي و أنواعا من العطر و صار ينفذ إليه جونة في كل يوم مع غلاما من أصحاب مائدته من الطعام الذي يقدم إليه ثم يشال ما بين يديه فقال هبة الله أبو العباس المنجم لكني سمعت هذا الشعر و أبو العباس ليس بحي و لا أبو إسحاق النصيبي فأعرف صحته إلا أني أثق بخبر أبي علي و الشعر هو أظهر هذا الشيخ مكنونه و جن لما أبصر الجونةشح عليها إذ رأى حسنها و هي بلحم الطير مشحونةأسلم للعاثور إسلامه و باع في أكلتها دينه.

و من العلماء بالنجوم من أهل الإسلام الشيخ الفاضل ثابت بن قرة و وصل إلينا من تصانيفه كتاب الإبصار و كتاب آخر أقول و رأيت في تاريخه الذي يسمى جراب البيت ما ذكره حماد بن
[203]
عبد الله الحراني في شرحه لكتاب ثابت بن قرة : أن محمد بن الحسين انصرف من بلاد الروم راجعا إلى بغداد فاجتمع به ثابت بن قرة فرآه فاضلا عالما فصيحا فاستصحبه إلى العراق و أنزله في داره و وصله بالخليفة المعتضد في جملة المنجمين فسكن بغداد و أولد الأولاد و عقبه الآن موجودون في بغداد و ذكر أن ولادته في سنة إحدى و عشرين و مائتين و كانت وفاته يوم الخميس سادس عشر صفر سنة ثمان و ثمانين و مائتين و قال محمد بن إسحاق في كتاب الفهرست أنه من جملة المنجمين للمعتضد .

و من العلماء بالنجوم من أهل الإسلام الشيخ المسمى الحسن بن سيار المعروف بأبي الخير وصل إلينا من تصانيفه كتاب الآثار المخبأة بالجو .

و من العلماء بالنجوم من أهل الإسلام الشيخ أحمد بن عبد الله الثقفي وصل إلينا من تصانيفه كتاب الأنواء.

و من العلماء بالنجوم من أهل الإسلام الشيخ أبو نصر منصور بن علي بن عراق وصل إلينا من تصانيفه كتاب الشاهي.

و من العلماء بالنجوم من أهل الإسلام إبراهيم بن شاهك حكاه محمد بن معنية في كتاب الموالي أنه كان ناسبا فقيها من رؤساء المتكلمين و كان منجما طبيبا و قد قدمنا ذكره .

و من العلماء بالنجوم من أهل الإسلام الشيخ المسمى بالحسين بن أحمد الصوفي الكرماني وصل إلينا من تصانيفه كتاب الزيج المأموني الرصدي و كتاب جداول تقريبات الميل و الممر السيار و بعض الثوابت.

[204]
و من العلماء بالنجوم من أهل الإسلام الشيخ عمر بن فرحان الطبري و له تصانيف كثيرة وصل إلينا منها كتاب المواليد .

و من العلماء بالنجوم من أهل الإسلام الشيخ المكنى بأبي موسى القرشي وصل إلينا من تصانيفه كتاب الاختيارات .

و من العلماء بالنجوم من أهل الإسلام الشيخ المعروف بالنقاش وصل إلينا من تصانيفه كتاب المدخل .

و من العلماء بالنجوم من أهل الإسلام الشيخ محمد بن خطير المعروف بالتياني وصل إلينا من تصانيفه رسالة و هو معروف بالهندسة .

و من العلماء بالنجوم من أهل الإسلام الشيخ المسمى بعلي بن عيسى وصل إلينا من تصانيفه كتاب في علم الأسطرلاب.

و من العلماء بالنجوم من علماء الإسلام شيخ الأشعرية في علم الكلام محمد بن عمر الرازي و قد وصل إلينا من تصانيفه في علم النجوم كتاب قد اجتهد فيه و بالغ في معانيه و حكم لنفسه بتصنيفه أنه من المنجمين القائلين بصحة تأثيرها و استقامة تدبيرها و سماه كتاب الملخص فيما ادعاه من الطلسمات السحر و العزائم و دعوة الكواكب صنعه لخوارزم شاه و مات الرازي و هو مسودة بخطه نحو ثلاثين كراسا يقول فيه و الإنصاف أن هذا العلم مما لا يحتمل البحث فيه و مع ذلك فإن من يراعي هذه القوانين فإنه يجد أكثر الأحكام مطابقا لما قيل أقول إنا و قد قدمنا في أول هذا الباب أن أبا علي شيخ المعتزلة كان عالما بهذا العلم و عاملا به
[205]
و هو حجة عند المعتزلة و هذا الرازي شيخ الأشعرية فهو حجة عندهم في جواز العلم بالنجوم و العمل بها و قد قدمنا أيضا قول الغزالي في تصديق أحكام النجوم و هو شيخ أهل الرياضة .

و من العلماء بالنجوم و المصنفين فيها الشيخ الفاضل صاحب التأريخ أحمد بن يعقوب بن مسكويه و قد ذكر في كتاب مراتب العلوم و ترتيب السعادات ما يدل على علمه بها و التنبيه على أنها دلالات على الحادثات .

و من المتظاهرين بالقول أن النجوم دلالات على الحادثات من علماء الإسلام أبو حنيفة الدينوري ذكر عنه الزمخشري في ربيع الأبرار ما هذا لفظه : قال أبو حنيفة الدينوري في كتاب الأنواء المنكر هو نسبة الأثر إلى الكواكب و أنها هي المؤثرة فأما من نسب الأثر إلى خالق الكواكب و زعم أنه تعالى صيرها أمارات و نصبها أعلاما على ما يحدثه و يجدده في كل أوان بالمشيئة الربانية فلا جناح عليه .

و من العلماء بالنجوم و المصنفين بها من علماء الإسلام الفاضل يحيى بن أبي منصور و قد وصل إلينا من تصانيفه كتاب الزيج .

و من العلماء بالنجوم المشتهرين فيه و هو قدوة فيه الشيخ عبد الله بن أحمد بن أبي حبيش و قد وصل إلينا من تصانيفه كتاب الزيج .

و من العلماء بالنجوم الذين هم قدوة فيه الشيخ المعروف بحبيش و اسمه أحمد بن عبد الله و لا نعلم هل هو والد هذا المتقدم أم لا وصل إلينا من تصانيفه كتاب الزيج .

[206]
و ذكر محمد بن معنية في كتاب الموالي أن علقمة بن أبي علقمة كان من موالي عائشة و كان يروي عنه مالك بن أنس و كان علقمة معلما بعلم النجوم و العربية و العروض و مات في أول خلافه أبي جعفر يعني المنصور .

و من العلماء بالنجوم من أهل الإسلام الشيخ المسمى بالحسين بن مصباح الحاسب وصل إلينا من تصانيفه كتاب الزيج المخترع .

و من علماء الإسلام المشتهرين بعلم النجوم محمد بن أحمد البيروني الخوارزمي وصل إلينا من تصانيفه كتاب الإرشاد إلى تصحيح المبادئ .

و من العلماء بالنجوم من أهل الإسلام الشيخ أبو علي المعروف بالخياط وصل إلينا من تصانيفه كتاب المواليد.

و من العلماء بالنجوم من أهل الإسلام الشيخ المعروف بابن المنجم المبارك بن الحسين بن طراد المارديني وصل إلينا من تصانيفه كتاب المنار في علم مواقيت الليل و النهار .

و من العلماء بالنجوم من أهل الإسلام الشيخ أحمد بن محمد بن كثير الفرغاني وصل إلينا من تصانيفه كتاب جوامع علوم النجوم و أصول الحركات السماوية و هو ثلاثون فصلا .

و من العلماء بالنجوم من أهل الإسلام الشيخ المسمى بالفضل بن يحيى طاباد وصل إلينا من تصانيفه كتاب مكتوب عليه كتاب جميع ما استخرجته من آراء العلماء في ممازجة الكواكب و أعمالها.

و من العلماء بالنجوم من أهل الإسلام الشيخ محمد بن جابر
[207]
بن سنان التياني وصل إلينا من تصانيفه كتاب القرانات و الكسوفات .

و من العلماء بالنجوم من أهل الإسلام الشيخ المعروف بأبي الحسين البزاز الأصفهاني وصل إلينا من تصانيفه في علم الأسطرلاب .

و من العلماء بالنجوم من فضلاء أهل الإسلام علي بن الحسين بن محمد المعروف بأبي الفرج الأصفهاني و قد ذكره أحمد بن ثابت بن الخطيب في تاريخه فقال عنه حفظ شيئا كثيرا مثل علم الجوارح و البيطرة و شيئا من علم الطب و النجوم و الأشربة و غير ذلك .

و من العلماء بالنجوم و المصنفين بأحكامها ممن ذكره الصولي في الأوراق في أخبار المكتفي في أواخر تصنيفه.

و من الملوك المشهورين بعلم النجوم و تقريب أهل تلك العلوم المأمون و مع ذلك فإن الله جل جلاله ستر عليه موضع وفاته حتى حصل فيه و هو لا يعلم فذكر محمد بن إسحاق النديم في كتاب الفهرست في الجزء الرابع : أنه كان سبب نقل كتب النجوم و أمثالها من بلاد الروم و نشرها بين المسلمين و ذكر الشيخ الفاضل علي بن الحسين المسعودي في حديث وفاة المأمون قال فأمر حين مرض بإحضار جماعة من أهل الموضع فسألهم ما تفسير البديون فقالوا تفسيره مد رجليك فلما سمع المأمون بذلك اضطرب و تطير بهذا الاسم فقال سلوهم ما اسم هذا الموضع بالعربية قالوا اسمه بالعربية الرقة فلما سمع اسم الرقة عرف أنه الموضع الذي يموت فيه فإن المنجمين قالوا يموت بالرقة فمات به كما اقتضت دلالة النجوم بطالعه .

[208]
و حكى المسعودي في كتاب مروج الذهب في جملة أخبار القاهر : أن المنصور كان أول خليفة من بني العباس بالغ في تقريب المنجمين و العمل بأحكام النجوم و كان معه نوبخت المجوسي المنجم فأسلم على يده و كان معه من المنجمين إبراهيم الفزاري المنجم الشيعي صاحب القصيدة في النجوم و كان معه أيضا علي بن عيسى الأسطرلابي المنجم .

و ممن كان عالما بالنجوم قبل الإسلام من أشار إليه ابن مسكويه صاحب العلوم الجمة و مصنف أمور الإسلام المهمة في كتاب مراتب العلوم و ترتيب السعادات فقال ما هذا لفظه : و قد كان عقلاء الملوك و أفاضلهم إذا حزنهم أمر جمعوا له أهل الرأي و التجارب و طبقات من يدعي العلوم التي اختلف فيها من الكهان و المنجمين و معبري الرؤيا و أصحاب الفأل و الزجر و القيافة ثم سمعوا من الجميع و حكموا بمقدار ما يركنون له من أحكامهم بما يصرفون به ذلك الأمر الذي حزنهم و لو لا أن علماءهم و مدبري ممالكهم استحسنوا ذلك و استصوبوه ما تركوهم يفعلون ذلك و لا سطروا به كتبهم و لا عرضوا به عقولهم على الأمم الغابرة و العقول الحادثة بعدهم تبهرهم و تتعجب من إمعانهم و من قرأ أخبارهم و كان له حظ من الدراية يعلم أساس إرجاع فضلاء الملوك أمورهم لأمثال هؤلاء الطبقات كالإسكندر مع حضور وزيره أرسطوطاليس و من بعده من ملوك اليونان فملوك الهند و ملوك الفرس فأخبارهم أشهر و أكثر من أن تحصى على ذي أدب أو متصفح لأحوال الناس هذا آخر كلام ابن مسكويه
[209]
و ذكر محمد بن بابويه في الجزء الخامس من دلائل النبوة أن بخت‏نصر لما رأى رؤياه أحضر جملة العلماء من أصحاب النجوم .

و ذكر مصنف درة الإكليل ما جملته أن جامع بغداد و هو الذي تجتمع دولة الإسلام فيه كان تحقيق القبلة فيه بقول بهرام المنجم .

و ذكر ابن قتيبة في الجزء الأول من كتاب عيون الأخبار ما هذا لفظه : و لما بنى أبو جعفر بغداد قال المنجمون أن بناءها في وقت يدل طالعه على أنه لا يموت بها خليفة أقول الذي بناه أبو جعفر الجانب الغربي من بغداد و هو ما مات فيه خليفة و ذكر الزمخشري في ربيع الأبرار ما هذا لفظه و كانت الأكاسرة إذا أراد أحدهم طلب ولد أمر بإحضار المنجمين و يخلو الملك مع المطلوب منها الولد فساعة يقع الماء في الرحم أمر خادما له على باب البيت فضرب طشتا بيده فإذا سمع المنجم أخذ الطالع بالأسطرلاب .

و أقول : فلما تفضل الله جل جلاله على الخلائق بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) رحمة للعالمين و اتصل الوحي إليه بالغائبات و بمهام الإسلام و المسلمين استغنى الناس عن علم النجوم إلى أن نقله الله جل جلاله إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان الصحابة متفانين بحفظ سنته ; فلما بلغ الأمر إلى معاوية عاد الحديث إلى قاعدة الأكاسرة و بدأ معاوية بسنن الجبابرة و أعرض عما كان يصح منه علوم الدنيا و الآخرة .

و ذكر الزمخشري في ربيع الأبرار أن معاوية قال لدغفل
[210]
بن حنظلة العلامة حين ضمه إلى يزيد علمه العربية و الأنساب و النجوم .

و قال هلال العسكري في كتاب الأوائل : أن أول من ترجم له كتب الطب و النجوم خالد بن يزيد يعني ابن معاوية بن أبي سفيان .

و ذكر الزمخشري : أن أبا جعفر لما أراد السفر إلى عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر الطالبي سأل نوبخت عما يئول أمره إليه في طريقه فقال نوبخت أما أنت فتصير ملك العرب و أما وجهك هذا فسينالك منه مكروه يعني بوجه قصده فوصل هناك و ولي الدج فأخذه سليمان بن حبيب بن المهلب فحبسه و أراد قتله فسلم بعد أن أشرف على القتل كما أخبر به نوبخت .

و قال ابن الهمداني قرأت في بعض الكتب : أن نوبخت سأل أبا جعفر المنصور عن مولده فأخبره فقضى بأن يملك و يطول عمره في الخلافة ثم قال ما جملته فلما استخلف المنصور قصده نوبخت فوصله المنصور و أكرمه و قد قدمنا ذكر من روى أن المنصور أول من قرب المنجمين في الدولة الهاشمية و منهم نوبخت و أسلم على يده .

و ذكر أحمد بن مسكويه في الجزء الرابع من تجارب الأمم ما ينبه على أن من أسباب ثبوت المنصور عند محاربة إبراهيم بن عبد الله بن الحسن ما أخبره به نوبخت المنجم فقال ابن مسكويه ما هذا معناه : أن المنصور هيأ مطايا ليخرج من الكوفة إلى الري منهزما لما قد رأى من قوة إبراهيم بن عبد الله في الأمر ثم قال ما هذا لفظه فبلغني أن نيبخت المنجم دخل على أبي جعفر فقال له يا أمير المؤمنين لك الظفر و يقتل إبراهيم
[211]
فلم يقبل ذلك منه فقال أجلسني عندك فإن لم يكن الأمر كما قلت لك فاقتلني فبينا هو كذلك إذ جاء الخبر بهزيمة إبراهيم فتمثل ببيت البارقي :

فألقت عصاها و استقر بها النوى *** كما قر عينا بالإياب المساف

و أقطع نيبخت ألفي جريب بنهر حويزة أقول إنما ذكرت حديث نوبخت و في هذا الحديث نيبخت كما رأيت في لفظ النسخ التي نقلت منها و هذا حكم نوبخت بدلالة النجوم إن لم يصح حكمه من أعظم تقوية لقلب المنصور على ما بلغ إليه من الأمور و وجدت بخط محمد بن معد رحمه الله في تعليقه ما هذا لفظه بنو نوبخت بضم النون و فتح الواو و ضم الباء هذا آخر لفظ ابن معد رحمه الله .

و قد روينا حديث نوبخت المنجم مع المنصور من تاريخ الخطيب في المجلد السادس عشر من عشرين مجلدا من الجزء التاسع و الستين من ترجمة عبد الله المنصور ما هذا لفظه أخبرنا القاضي أبو القاسم التنوخي أنبأنا محمد بن عبد الرحيم المازني أنبأنا الحسين بن القاسم الكسروي حدثني أبو سهل بن علي بن نوبخت قال : كان جدنا نوبخت على دين المجوسية و كان في علم النجوم نهاية و كان محبوسا في سجن الأهواز قال رأيت أبا جعفر المنصور قد دخل السجن فرأيت من هيبته و جلالته و سيماه و حسن وجهه و شأنه ما لم أره لأحد قط فصرت من موضعي إليه فقلت يا سيدي ليس وجهك من وجوه أهل هذه البلاد فقال أجل يا مجوسي قلت من أي بلاد أنت قال من المدينة قلت أي مدينة قال مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) .

[212]
فقلت : و حق الشمس و القمر لمن أولاد صاحب المدينة قال لا و لكن من عرب المدينة فلم أزل أتقرب إليه و أحدثه حتى سألته كنيته فقال أبو جعفر فقلت أبشر وجدتك في الأحكام النجومية تملكني و جميع ما في هذا البلد حتى تملك فارس و خراسان و الجبال فقال لي و ما يدريك يا مجوسي قلت هو كما أقول و اذكر لي هذا قال إن قضى الله فسوف يكون قلت قد قضى الله من السماء فطب نفسا و طلبت دواة فوجدتها فقلت اكتب فكتب بسم الله الرحمن الرحيم إذا فتح الله على المسلمين و كفاهم معرة الظالمين و رد الحق إلى أهله فلا نغفل فقلت اكتب لي من خدمتك حظا و أمانا فكتب لي قال نوبخت و لما ولي الخلافة صرت إليه فأخرجت الكتاب فقال أنا له ذاكر مع الأمان و الحمد لله الذي صدق وعده و رد الحق إلى أهله قال فأسلم نوبخت و كان منجما لأبي جعفر و مولى له انتهى .

و من الروايات في أن منع الملك تبع ممن هدم الكعبة و نقلها إليه كان بطريق النجوم .

ما ذكره الحاكم النيشابوري في المجلد الثالث من تاريخه في ترجمة مخلد بن مالك الرازي و كان رجلا صالحا قال أخبرني محمد بن بصلة قال حدثني أبي عن جدي قتادة بن بصلة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : بعث تبع إلى مكة لنقل البيت إليه فابتلى بجسده فقال المنجمية انظروا فقالوا لعلك أردت بيت الله بشي‏ء قال نعم أردت أن ينقل إلي قالوا لا يكون هذا و لكن اكسه و ردهم عن ذلك فردهم و كساه فبرأ .

و ذكر الحاكم النيشابوري في ترجمة طاهر بن الحسين أنه أرسل
[213]
لحرب عيسى بن هامان من طريق النجوم فقال ما هذا لفظه حدثني يحيى بن محمود الكاتب قال سمعت أبي يحدث عن أبيه محمود بن الحسين : أن عبد الله المأمون وصف له و هو بمرو منجم من الهند فاستحضره و استشاره في أمر محمد الأمين فأشار عليه بطاهر بن الحسين و وصفه له و كان والي سنجاب بأنه طوال أعور و سماه له و قال هذا الأمر لا يتم إلا به فاستحضره و أراد العلة فلم تسعه و استدعاه في سنة خمس و تسعين و مائة فخرج طاهر من حضرة أمير المؤمنين و كان كما قال المنجم .

و من المعروفين بعلم النجوم و صحة حكمه فيها المغيرة بن محمد المهدي و ذكر ذلك أحمد بن إبراهيم القمي في آخر الجزء الثالث من كتاب أخبار علي بن أحمد صاحب الزنج بالبصرة و قد تضمن الحديث إصابة أبي معشر في جملة الحكاية فقال ما هذا لفظه : كنا عند المغيرة بن محمد المهدي و هو مريض يوم قتل علي بن محمد فتذاكرنا فقال قائل حكم أبو معشر أنه يقتل غرة سنة سبعين و قد مضى المحرم فقال المغيرة على علته و هو مقتول في يوم هذا و قد أخبرت الأمير بهذا و كتب به إليه فكان جوابه حسبنا الله .

ثم قال بعد كلام لا حاجة بنا إليه : و سيعلم الصدق هذه الساعة يا غلام أين الأسطرلاب فأخذ الطالع و قال قد أخذ عليه بالمخنق ثم قال و الله خنق ثم قال يا غلام خذ الطالع فقد قتل و سمعنا الضجة فقال ما هذا انظروا ثم سمعنا أكثر منها فقال انظروا ثم جاء الرأس فناد الأمر فخرجنا فإذا
[214]
الرأس ثم قال في حديثه قال الموفق و قد وصل الرأس ثم أقبلت على الرأس و قلت أين كهانتك و أين نجومك أقول ففي هذا الحديث تصديق أبي معشر بتحقيق المغيرة بن محمد المهدي و أن محمد بن علي صاحب الزنج كان عارفا بالنجوم فأما قوله أين نجومك فالنجوم كما دلت على ولادته دلت على زوال دولته و صح الحكم .

و من القائلين بصحة علم النجوم و أن النجوم دلالات على الحادثات محمود بن عبد الله بن أحمد الخوارزمي مصنف كتاب الفائق فقد وجدت في كتابه المذكور في نسخة عتيقة عليها خطا في أواخرها يذكر ذلك في أواخر آيات في ذكر معجزاته (عليه السلام) فقال الخوارزمي ما هذا لفظه : فإن قيل أ ليس المنجم يخبر عن أمور فيوجد مخبرها على ما أخبر و كذلك الكاهن و أصحاب الفأل و الزجر فالجواب أن المنجم لا يحكم بما أخبر به إلا عن طريق و ذلك أنه تعالى جعل حركات النجوم دلالات على ما يحدث في العالم فمن أحكم العلم بها أمكنه الوقوف عليها بعلم أو ظن أقول و هذا من أعلم علماء المعتزلة و كان جدي ورام قدس الله روحه يثني على كتاب الفائق .

و من المشهورين في القول بصحة علم النجوم و تحقق أصلها.

ما رويناه بإسنادنا إلى علم بن حاتم القزويني في كتاب علل الشريعة في باب علة الأوقات بإسناده إلى أبي بصير قال : رأيت رجلا يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن علم النجوم أ له أصل قال نعم قال فحدثني عنه قال أحدثك
[215]
منه بالسعد و لا أحدثك بالنحس إن الله تعالى فرض الصلاة في الفجر لساعة و هي فرض و هي سعد و فرض الظهر لسبع ساعات و هي فرض و هي سعد و فرض العصر لتسع ساعات و هي فرض و هي سعد و فرض المغرب لأول ساعة من الليل و هي فرض و هي سعد و فرض العشاء بعدها و هي فرض و هي سعد .

أقول و هذا صريح فيما ذكرناه .

و ذكر محمود بن محمد بن الفضل في كتاب المنجمين في الجزء الخامس ما هذا لفظه حدثنا محمود قال حدثنا عبد الله قال حدثنا مصعب قال : قال الربيع رفع إلي ما شاء الله المنجم رقعة و قال ادفعها إلى أمير المؤمنين فدفعتها إليه فقال لي هل قرأتها قلت لا قال فإنه زعم أن الذي يحج بالناس في هذه السنة يموت في طريقه فقلت يقيك الله يا أمير المؤمنين و ما عليك لو تركت الحج فقال ويحك إن كان ما زعم حقا فالموت في هذا الوجه أولى يا ربيع إني رأيت كأني دخلت الكعبة فانفرجت في عيني حتى دخلت علي الشمس فجاء رجل فضمها فرجعت قال فلما كنا بذات عرق إذا بإبل معرضة فقال يا ربيع أنت الذي رأيت أنه ضم على الكعبة حين أشرف فانظر كيف يكون المهدي فمات و صلى عليه يحيى بن محمد قال أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس المصنف إنا وجدنا رواية أن منجمه نوبخت عرفه أنه يموت في ذلك الوقت و لم نجد في وصاياه أنه أوصى برد المظالم و لا استعد لآخرته أعاذنا الله من ترك الاحتياط في طلب رضاه و محبته
[216]

الصورة الرمزية النّجف الأشرف
النّجف الأشرف
عضو
°°°
افتراضي
الباب العاشر فيما نذكره من بعض أخبار من كان مستغنيا عن النجوم بتعريف النبي و الأئمة المستمدين من النبي المعصوم عليهم السلام
فأقول إن مع وجود من يخبر عن الله جل جلاله مثل الأنبياء و من استودعوه أسراره تعالى من الأوصياء فإن في وجودهم غنى لمن تمكن من لقائهم و كشف ما يحتاج إليه بأنوار آرائهم و لذلك قل علماء المنجمين في زمن
[221]
مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) و لما انتقل إلى الله جل جلاله و التزم من بقي بعده من الحاملين لأسراره بالتقية و منعوا من إظهار الأسرار الربانية احتاج معشر من خواصهم من يتعلم علم النجوم و خاصة من لا يقدر على لقائهم إلا في وقت معلوم متباعدا كزمان الحج و أوقاته و استمرت التقية بالمستودعين لأسرار الله تعالى و آياته فتعلم جماعة من الشيعة العلم المشار إليه لما عرفوا أنه يجوز الاعتماد عليه في أبواب الدلالات و الإشارات و فيما يعرض لهم من الحاجات و معرفة ما بين أيديهم من المحذورات و المسرات ليدفعوا المحذورات بالصدقات و الدعوات فيبلغوا المنى بشكر الله جل جلاله على ما فتح عليهم من أبواب العنايات كما حكيناه فيما تقدم و رويناه من الإذن لهم في علم النجوم للدلالة و الاستدلال بها فيما يخصه الله من الجلالة ليكون تنبيها على فتح بابها من أهل الرسالة و سوف نذكر طرفا مما انتفع به الشيعة من التعريف بالغائبات و التشريف بتعريفهم بأوقات الحادثات عن ظهور نبيهم و أئمتهم (صلى الله عليه وآله وسلم) و تمكينهم فتارة يسألونهم عن أوقات وفاتهم و مدة أعمارهم و حياتهم فيخبرونهم و يستغنون بذلك عن علماء المنجمين و تارة ينبئونهم بعلوم المنايا و البلايا و أسرار سيد البرايا صلوات الله عليه و عليهم أجمعين و حيث يراد أن نذكر من هذا طرفا مما يصدر من خواص عترته الحاملين لأسرار رسالته فنذكر عن كل واحد منهم حديثين من طريقين صادقين لئلا يعتقد من يقف على كتابنا من علماء المنجمين و ممن لم يطلع على مرادنا من أخبار النبي و الأئمة الطاهرين
[222]
أن أهل النجوم و الأحكام قدروا على ما لم يقدر على مثله النبي و الأئمة (عليهم السلام) و لو أردنا أن نذكر كلما ورد عنهم من الإخبار بالغائبات لكان ذلك مجلدات و إنما اقتصرنا على حديثين لئلا يمل الناظر إذا أراد الوقوف على ما رويناه و ربما زدنا على حديثين فيما يختص بالحسن بن مولانا علي و الحسن العسكري و المهدي (عليهم السلام) .

فمن ذلك من دلائل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في كتاب الدلائل تصنيف عبد الله بن جعفر الحميري و قد شهد بأمانته و فضله الشيخان العالمان أبو جعفر الطوسي و أحمد بن العباس النجاشي رضي الله عنهما و قد رويناه بعدة طرق إليه رضوان الله عليه بإسناده المذكور في كتابه قال : طلب قوم من قريش إلى النبي حاجة فقال لهم إنكم تمطرون غدا فأصبحت كأنها زجاجة و ارتفع النهار فأتاه رجل عظيم عند الناس فقال ما كان أغناك عما تكلمت به الأمس فما رأيناك هكذا قط فارتفعت سحابة من قبل السور فأمطرت الأودية و جاءهم من المطر ما جاءوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أجله فقالوا يا رسول الله اطلب أن يكفها عنا فقال اللهم حوالينا و لا علينا فانقشع السحاب يمينا و شمالا و من ذلك ما في كتاب الخرائج و الجرائح تأليف الشيخ الثقة سعيد بن هبة الله الراوندي قال و منها يعني معجزات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لقي في غزوة ذات الرقاع رجلا من محارب يقال له عاصم فقال يا محمد أ تعلم الغيب قال لا يعلمه إلا الله تعالى فقال و الله لجملي هذا أحب إلي من إلهك قال لكن الله أخبرني عن علم غيبه أنه سيبعث عليك قرحة في لحييك حتى تصل إلى دماغك فتمرن و الله إلى النار فرجع .

[223]
و قد بعث الله قرحة في لحييه وصلت إلى دماغه فجعل يقول لله در القرشي إذ قال بعلم أو زجر فأصاب .

و من ذلك من دلائل مولانا علي (عليه السلام) ما في كتاب الدلائل للحميري ما رويناه بإسنادنا إليه بإسناده المتصل في كتابه إلى أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : أراد قوم بناء مسجد بساحل عدن فكلما بنوه سقط فأتوا أبا بكر و سألوه فقال استوثقوا من بنائه ففعلوا و استوثقوا فسقط فعادوا و سألوه فخطب الناس و ناشدهم إن كان عند أحد منه علم فقال لهم أمير المؤمنين (عليه السلام) احتفروا ميمنة القبلة و ميسرتها فسيظهر لكم قبران عليهما تربة مكتوب عليها أنا رضوى و أخي حبا متنا ميتة لا نشرك بالله شيئا فغسلوهما و كفنوهما و صلوا عليهما و ادفنوهما ثم ابنوا مسجدكم ففعلوا فقام بناؤه و من ذلك ما رواه الشيخ سعيد بن هبة الله الراوندي بإسنادنا إليه في كتاب الخرائج و الجرائح عند ذكر معجزات أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال و منها ما روي عن مينا قال سمع علي في عسكره ضوضاء فقال ما هذا قالوا هلك معاوية فقال كلا و الذي نفسي بيده لن يهلك حتى تجتمع عليه هذه الأمة قالوا فبم تقاتله فقال لا عذر فيما بيني و بين الله تعالى .

و من ذلك في دلائل الحسن بن علي (عليه السلام) ما روينا بإسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن رستم الطبري في كتاب دلائل الإمامة بإسناده إلى عبد الله بن عباس قال : مرت بالحسن بن علي (عليه السلام) بقرة فقال هذه حبلى بعجلة أنثى لها غرة في جبينها و رأس ذنبها أبيض فانطلقنا
[224]
مع القصاب حتى ذبحها فوجدنا العجلة كما وصف على صورتها فقلنا له أ ليس الله عز و جل يقول لا يعلم الغيب إلا الله فقال ما يعلم المخزون المكنون المجزوم المكتوم الذي لم يطلع عليه ملك مقرب و لا نبي مرسل غير محمد و ذريته .

أقول لعل معناه ما يعلم المكنون بغير أستاذ على تفصيل معلوم إلا محمد و ذريته (عليهم السلام) و من ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان المفيد الذي انتهت رئاسة الإمامية إليه رضوان الله جل جلاله عليه من كتابه الذي سماه كتاب مولد النبي و مواليد الأوصياء (عليهم السلام) و هو كتاب جليل قد ذكر فيه من معجزات الأئمة ما لم يذكره في كتاب الإرشاد فقال فيه بإسناده إلى جابر ما هذا لفظه :

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال جاء الناس إلى الحسن بن علي (عليه السلام) فقالوا أرنا من عجائب أبيك التي كان يريناها فقال أ و تؤمنون بذلك قالوا نعم نؤمن بذلك قال أ لستم تعرفون أبي قالوا جميعا بلى نعرفه فرفع لهم جانب الستر فإذا أمير المؤمنين (عليه السلام) قاعد فقالوا جميعا هذا أمير المؤمنين نشهد أنك أنت ولي الله حقا و الإمام من بعده و لقد أريتنا أمير المؤمنين بعد موته كما أرى أبوك أبا بكر رسول الله جدك في مسجد قبا بعد موته فقال الحسن ويحكم أ ما سمعتم قول الله عز و جل وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ فإذا كان هذا فيمن قتل في سبيل الله فما تقولون فينا قالوا أنتم أفضل يا ابن رسول الله .

أقول و سنذكر حديثا ثالثا فيما يختص بالحسن
[225]
بن علي (عليه السلام) لأنه أول من حكم التغلب عليه بسر أسراره الربانية و معجزاته النبوية إلى أن انتقل إلى الدار الأخروية و كذلك ربما ردنا في روايتي دلالات الحسن العسكري (عليه السلام) لأنه آخر من كان ظاهرا من خلف آبائه كما أشرنا إلى أنه ممن حكم التغلب عليه كما أن سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما كان بمكة منعه التغلب عليه من إظهار كثير من دلالاته و كما جرى من حال مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) فإنه لم يظهر في زمن المتقدمين عليه ما ظهر بعد انتقال الأمر إليه فمن دلالات مولانا الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ما وجدناه ثابتا في جزء عن أبي عبد الله (عليه السلام) و هو من جملة مجلد فيه فرائد أوله مختصر فيه أدعية و عوذ و المختصر بخط محمد بن علي بن الحسين بن مهزيار و نسخته في سنة ثمان و أربعين و أربعمائة و كان على الجزء الذي نقل منه هذا الحديث ما هذا المراد من لفظه من حديث أبي الحسن بن محمد بن عبد الوهاب قدم علينا في سنة أربعين و ثلاث مائة فأما لفظ الحديث فهو حدثنا أبو محمد بن عبد الله بن محمد الأحمري المعروف بابن داهر المرادي قال حدثني أبو جعفر محمد بن علي الصيرفي القرشي أبو سمينة قال حدثني داود بن كثير الرقي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : لما صالح الحسن بن علي (عليه السلام) معاوية جلسا بالنخيلة فقال معاوية يا أبا محمد بلغني أن رسول الله كان يخرص النخل فهل عندك من ذلك علم فإن شيعتكم يزعمون أنه لا يعزب عنكم علم شي‏ء في الأرض و لا في السماء فقال الحسن إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يخرص
[226]
كيلا و أنا أخرص عددا فقال معاوية كم في هذه النخلة من بسرة قال الحسن أربعة آلاف بسرة و أربع بسرات و أقول و وجدت قد انقطع من المختصر المذكور كلمات فوجدتها في رواية ابن عياش الجوهري هي فأمر معاوية بها فصرمت فجاءت أربعة آلاف بسرة و ثلاث بسرات ثم صح الحديث بلفظها فقال الحسن و الله ما كذبت و لا كذبت فنظرنا فإذا في يد عبد الله بن عامر بن كريز بسرة ثم قال (عليه السلام) أما و الله يا معاوية لو لا أنك تكفر لأخبرتك بما أعلم و ذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان في زمان لا يكذب و أنت تكذب و تقول متى سمع من جده على صغر سنه و الله لتدعن زيادا و لتقتلن حجرا و يحمل إليك رأس عمرو بن الحمق .

و من دلائل الحسين بن علي (عليه السلام) ما رويناه بإسنادنا إلى أبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري من كتاب الدلائل بإسناده إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال : خرج الحسين (عليه السلام) إلى مكة في سنة ماشيا فورمت قدماه فقال له بعض مواليه لو ركبت ليسكن الورم هذا منك فقال كلا إذا أتينا هذا المنزل فإنه يستقبلك أسود و معه دهن فاشتره فقال له مولاه بأبي أنت و أمي ما قد آمنا منزل يبيع فيه أحد هذا الدهن فقال بلى أمامك دون المنزل فسار ميلا فإذا هو بالأسود فقال الحسين لمولاه دونك الرجل فخذ منه الدهن و أعطه الثمن فقال الأسود للمولى لمن أردت هذا الدهن فقال للحسين بن علي فقال انطلق بنا إليه فصار نحوه فسلم و قال يا ابن رسول الله أنا مولاك فلا آخذ منك ثمنا و لكن ادع الله أن يرزقني
[227]
ولدا ذكرا سويا يحبكم أهل البيت فإني خلفت امرأتي تمخض فقال انطلق إلى منزلك فإن الله قد وهب لك ولدا سويا فذهب فوجده ثم عاد إلى الحسين فدعا له بالخير لولادة الغلام له ثم إن الحسين (عليه السلام) مسح من الدهن فما قام من موضعه حتى ذهب الورم عنه .

و من ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى محمد بن جرير بن رستم الطبري في كتاب دلائل الإمامة بإسناده عن حذيفة قال : سمعت الحسين بن علي (عليه السلام) يقول و الله ليجتمعن على قتلي طغاة بني أمية و يقدمهم عمر بن سعد و ذلك في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت أنبأك بهذا رسول الله قال لا فأخبرت النبي بذلك فقال عملي عمله و علمه علمي فإنا نعلم بالكائن قبل كينونيته .

و من ذلك ما روينا بإسنادنا إلى الشيخ سعيد بن هبة الله الراوندي من كتاب الخرائج و الجرائح عن أبي خالد الكابلي عن يحيى ابن أم الطويل قال : كنا عند الحسين (عليه السلام) إذ دخل إليه شاب يبكي قال ما يبكيك قال إن والدتي توفيت هذه الساعة و لم توص و لها مال و قد أمرتني أن لا أحدث في أمرها حدثا حتى أعلمك خبرها فقال الحسين قوموا بنا حتى نصير إلى هذه الحرة فقمنا معه حتى انتهينا إلى باب البيت الذي فيه المرأة فإذا هي ملقاة فأشرف و الله و دعا الله تعالى أن يحييها حتى توصي بما تحب و إذا هي جلست تتشهد فنظرت إلى الحسين و قالت ادخل البيت يا مولاي و أمرني بأمرك فدخل و جلس على مخدة ثم قال لها أوصي رحمك الله فقالت يا ابن رسول الله لي من الملك كذا و كذا و قد جعلت ثلثه إليك
[228]
لتضعه حيث شئت من أوليائك و الثلثان لابني هذا إن علمت أنه من مواليك و أوليائك و إذا كان مخالفا فخذه لك فلا حق للمخالفين في أموال المؤمنين ثم سألته أن يصلي عليها و يتولى أمرها و عادت ميتة كما كانت .

و من ذلك في دلائل علي بن الحسين (عليه السلام) ما رويناه بإسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر بن رستم قال : حضر علي بن الحسين الموت فقال لولده يا محمد أي ليلة هذه قال كذا قال و كم مضى من الشهر قال كذا و كذا قال فإنها الليلة التي وعدتها ثم دعا بوضوء فجي‏ء به فقال إن فيه فأرة فقال بعض القوم إنه ليهجر فجاءوا بالمصباح فإذا فيه فأرة فأمر به فأهريق و جي‏ء بماء آخر فتوضأ و صلى حتى إذا كان آخر الليل توفي (عليه السلام) .

و من ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى سعيد بن هبة الله الراوندي يرفعه قال : إن علي بن الحسين (عليه السلام) نزل بعسفان و معه من مواليه أناس كثير و عسفان منزل بين مكة و المدينة فضرب غلمانه فسطاطه بموضع فلما دنا منه قال لغلمانه كيف ضربتم في هذا الموضع و فيه قوم من الجن و هم أولياء لنا و شيعة و قد أضررنا بهم و ضيقنا عليهم فقالوا ما علمنا أن هؤلاء يكونون هاهنا فإذا بهاتف من جانب الفسطاط نسمع كلامه و لا نرى شخصه يقول يا ابن رسول الله لا تحول فسطاطك من موضعه فإنا نحتمله و هذا شي‏ء بعثنا به إليك فنظروا و إذا بجانب الفسطاط طبق عظيم و فيه أطباق من عنب و رطب و رمان و فواكه كثيرة من الموز و غيره فدعا علي بن الحسين (عليه السلام) رجلا معه و استحضر الناس فأكلوا و ارتحلنا .

[229]
و من ذلك في دلائل أبي جعفر محمد الباقر (عليه السلام) ما رويناه بإسنادنا إلى الشيخ أبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب الدلائل بخط الشيخ الفقيه ابن الغضائري بإسناده إلى عبد الله بن أبي يعفور قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول قال أبي (عليه السلام) ذات يوم بقي من أجلي خمس سنين فحسبت ذلك فما زاد و لا نقص .

و من ذلك ما رويناه عن الشيخ سعيد بن هبة الله الراوندي في كتاب الخرائج و الجرائح يرفعه إلى أبي بصير قال أبو جعفر (عليه السلام) : قال لرسول من أهل خراسان كيف أبوك قال تركته سالما قال قتله جار له يقال له صالح يوم كذا في ساعة كذا فبكى الرجل و قال إنا لله و إنا إليه راجعون مما جعلت فقال له أبو جعفر (عليه السلام) اسكن فقد صار إلى الجنة و هي خير له مما كان فيه فقال الرجل إني خلفت ابني وجعا قال قد برئ و قد زوجه عمه ابنته فستقدم عليه و قد ولد له غلام اسمه علي و هو شيعة لنا أما ابنك فليس لنا شيعة بل هو لنا عدو فقال له الرجل هل من حيلة قال إنه لنا عدو فقام الرجل من عنده و هو وقيذ فقلت من هذا قال رجل من أهل خراسان و هو لنا شيعة و هو مؤمن .

و من ذلك في دلائل أبي عبد الله (عليه السلام) ما رويناه بإسنادنا إلى الشيخين أبي العباس عبد الله بن جعفر و أبي جعفر محمد بن جرير الطبري بروايتهما عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سمعته يقول و كنت عنده فجرى ذكر المعلى بن خنيس : يا أبا محمد ما أقول لك في المعلى ما ينال درجتنا إلا بما ينال منه داود بن علي قلت فما أدري ما يصيبه من داود قال يدعوه
[230]
عليه لعنه الله إلى الدار فيأمر به فيضرب عنقه و يصلبه قلت إنا لله و إنا إليه راجعون قال فلما ولي داود المدينة قصد المعلى و دعاه فسأله أن يسمي له أصحاب جعفر بن محمد فقال ما أعرف من أصحابه أحدا و إنما أنا رجل أختلف في حوائجه و ما ينوبه و ما أعرف له أصحابا فقال له إن كتمتني قتلتك قال أ بالقتل تهددني و الله لو كانوا تحت قدمي ما رفعت عنهم قدمي و لئن قتلتني ليسعدني الله عز و جل و يشقيك فكان الأمر كما قال أبو عبد الله (عليه السلام) لم يغادر كثيرا و لا قليلا .

و من ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى الشيخ سعيد بن هبة الله الراوندي يرفعه إلى المفضل بن عمر قال : كنت أمشي مع أبي عبد الله (عليه السلام) إذ مررنا بامرأتين بين أيديهما بقرة ميتة و هي مع صبيتها تبكيان فقال ما شأنك فقالت أنا و صبياتي نعيش من هذه البقرة و قد ماتت فتحيرت في أمري قال أ فتحبين أن يحييها الله لك فقالت أ و تسخر مني مع مصيبتي قال كلا ما أردت ذلك ثم دعا بدعاء و ركضها برجله و صاح بها فقامت البركة مسرعة سوية فقالت المرأة عيسى ابن مريم و رب الكعبة فدخل الصادق (عليه السلام) بين جمع الناس فلم تعرفه المرأة و روي أنه كان بمنى .

و من ذلك في دلائل أبي الحسن موسى الكاظم (عليه السلام) ما روينا بإسنادنا إلى الشيخ أبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب الدلائل يرفعه إلى علي بن أبي حمزة قال : كنت عند أبي الحسن موسى جالسا إذ أتاه رجل من أهل الري يقال له جندب فسلم عليه ثم جلس .

[231]
و سأل أبا الحسن فأحسن السؤال فقال يا جندب ما فعل أخوك قال حي و هو يقرؤك السلام قال يا جندب عظم الله أجرك في أخيك فقال ورد و الله كتابه من الكوفة ليلة الأمس بالسلامة قال فإنه و الله مات بعد كتابه إليك بيومين و دفع إلى امرأته مالا و قال لها ليكن هذا المال عندك فإذا قدم أخي فادفعيه إليه فأودعته الأرض في البيت الذي تكون فيه فإذا أنت أتيتها فتلطف بها و أطمعها في نفسك فإنها ستدفعه إليك قال علي و كان جندب رجلا جميلا قال فلقيت جندبا بعد ما فقد أبو الحسن (عليه السلام) فسألته عما كان فقال صدق و الله سيدي ما زاد و ما نقص لا في الكتاب و لا في المال .

و من ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى أبي جعفر محمد بن جرير الطبري بإسناده إلى أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال : اشتكى محمد بن جعفر حتى خيف عليه الموت فكنا مجتمعين عنده و دخل أبو الحسن (عليه السلام) فقعد ناحية و إسحاق عمه عند رأسه يبكي فقعد قليلا ثم قام فتبعته و قلت جعلت فداك يلومك إخوتك و أهلك يقولون دخلت على أخيك و هو في الموت ثم خرجت فقال يبرأ أخي أ رأيت هذا الجالس سيموت ثم يبكي عليه هذا فبرأ محمد و اشتكى إسحاق فمات و بكى عليه محمد .

و من ذلك في دلائل علي الرضا (عليه السلام) ما رويناه بإسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن جرير الطبري يرفعه بإسناده إلى معبد بن عبد الله الشامي قال : دخلت على علي بن موسى الرضا (عليه السلام) فقلت له قد كثر الخوض فيك و في عجائبك فلو شئت أثبت بشي‏ء و أحدثه عنك قال و ما تشاء
[232]
قلت له تحيي لي أبي و أمي فقال انصرف إلى منزلك فقد أحييتهما فانصرفت و إذا هما و الله حيان في البيت و أقاما عندي عشرة أيام ثم قبضهما الله تعالى إليه .

و من ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى الشيخ أبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري بإسناده إلى عمر بن بزيع قال : كان عندي جاريتان حاملتان فكتبت إلى الرضا (عليه السلام) أعلمه ذلك و أسأله أن يدعو الله أن يجعل ما في بطنيهما ذكرين فوقع أفعل إن شاء الله و ابتدأني بكتاب مفرد نسخته بسم الله الرحمن الرحيم عافانا الله و إياك أحسن عافية في الدنيا و الآخرة برحمته الأمور بيد الله تعالى قضى فيها مقاديره على ما يحب يولد لك غلام و جارية إن شاء الله فسم الغلام محمدا و الجارية فاطمة على بركة الله قال فولد لي غلام و جارية على ما قال .

و من ذلك في دلائل محمد الجواد (عليه السلام) ما رويناه بإسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن جرير الطبري بإسناده إلى إبراهيم بن سعيد قال : كنت جالسا عند محمد بن علي الجواد (عليه السلام) إذ مر بنا فرس فقال هذه تلد الليلة فلوا أبيض الناصية في وجهه غرة فاستأذنته و انصرفت مع صاحبها فلم أزل أحدثه إلى الليل حتى ولدت فلوا كما وصف (عليه السلام) فعدت إليه فقال يا ابن سعيد كأنك قد شككت فيما قلت لك و أن التي في منزلك ستلد ابنا أعور و كانت جاريتي حبلى فولدت و الله محمدا و كان أعور .

و من ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى الشيخ أبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب الدلائل بإسناده إلى صالح بن عطية
[233]
قال : حججت فشكوت إلى أبي جعفر يعني الجواد الوحدة فقال (عليه السلام) أما إنك لا تخرج من الحرم حتى تشتري جارية ترزق منها ابنا قلت جعلت فداك أهوي أن تشير علي قال نعم اعترض فإذا عرضت فأعلمني قلت جعلت فداك فقد عرضت قال اذهب فكن في السوق حتى أوافيك فصرت إلى دكان نخاس أنتظره حتى وافى ثم مضى فصرت معه فقال قد رأيتها فإن أعجبتك فاشترها على أنها قصيرة العمر قلت جعلت فداك فما أصنع بها قال قد قلت لك فلما كان من الغد صرت إلى صاحبها فقال الجارية محمومة و ليس بها مرض و عدت إليه من الغد و سألته فقال قد دفنتها اليوم فأتيته (عليه السلام) و أخبرته الخبر فقال اعترض فاعترضت و أعلمته فأمرني أن أنتظره فصرت إلى دكان النخاس فركب و مر بنا فصرت إليه فقال اشترها فقد رأيتها فاشتريتها و صبرت عليها حتى طهرت فوقعت عليها فولدت لي محمدا ابني .

و من ذلك في دلائل مولانا علي الهادي (عليه السلام) مما روينا بإسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن جرير الطبري بإسناده قال حدثني أبو الحسن محمد بن إسماعيل الكاتب بسر من رأى سنة ثمان و ثلاثين و ثلاث مائة قال حدثني أبي قال : كنت بسر من رأى بدرب الحصى فرأيت يزداد الطبيب النصراني تلميذ بختيشوع و هو منصرف من دار موسى بن بغا فسايرني و أفضى الحديث إلى أن قال أ ترى هذا الجدار أ تدري من صاحبه قلت من قال الحجازي العلوي يعني علي بن محمد بن علي الرضا
[234]
(عليه السلام) و كنا نسير في فنا داره قلت و ما شأنه قال إن كان مخلوق يعلم الغيب فهو قلت و كيف ذاك قال أخبرك عنه بأعجوبة لن تسمع بمثلها أبدا و لا غيرك من الناس و لكن لي الله عليك كفيل و راع أن لا تحدث بهذا الحديث أبدا فإني رجل غريب و لي معيشة عند السلطان و بلغني أن الخليفة استقدمه من الحجاز فرقا منه لئلا تنصرف وجوه الناس إليه فيخرج هذا الأمر عنهم يعني عن بني العباس قلت لك علي ذلك فحدثني و ليس عليك في ذلك بأس إنما أنت رجل نصراني لا يتهمك أحد مما تحدث به من هؤلاء قال نعم أعلمك أني لقيته منذ أيام و هو على فرس أدهم و عليه ثياب سود و هو أسود اللون فلما بصرت به وقفت إعظاما له و قلت في نفسي لا و المسيح ما خرجت من فمي لواحد من الناس ثياب سود و دابة سوداء و رجل أسود سواد في سواد فلما بلغ إلى نظر إلي و أحد النظر و قال قلبك أسود مما ترى عيناك من سواد في سواد قال أبي رحمه الله فقلت له فما قلت له قال سقط في يدي فلم أحر جوابا فقلت له أ فما ابيض قلبك قال الله أعلم قال أبي فلما اعتل يزداد بعث إلي فحضرت عنده فقال إن قلبي قد ابيض بعد اسوداده فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمدا رسول الله و أن علي بن محمد حجة الله على خلقه و ناموسه الأعظم ثم مات في مرضه ذلك فحضرت الصلاة عليه رحمه الله .

و من ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى الشيخ سعيد بن هبة الله الراوندي في كتاب الخرائج و الجرائح قال إن هبة الله بن أبي منصور الموصلي قال : كان بديار ربيعة كاتب لها نصراني
[235]
و كان من أهل كفرتولي يسمى يوسف بن يعقوب و كانت بينه و بين والدي صداقة فوافانا و نزل عند والدي فقال له ما شأنك قدمت في هذا الوقت قال قد دعيت إلى حضرة المتوكل و لا أدري ما يراد مني إلا أني اشتريت نفسي من الله بمائة دينار و قد حملتها إلى علي بن محمد بن الرضا و هي معي فقال له والدي قد وفقت يا هذا ثم خرج إلى حضرة المتوكل و انصرف إلينا بعد أيام قلائل فرحا مستبشرا فقال له والدي حدثني حديثك قال صرت إلى سر من رأى و ما كنت دخلتها قط و نزلت في دار فقلت يجب أن أوصل المائة إلى ابن الرضا قبل مصيري إلى باب المتوكل و قبل أن يعرف أحد قدومي فعرفت أن المتوكل منعه من الركوب و أنه ملازم لداره فقلت كيف أصنع رجل نصراني يسأل عن دار ابن الرضا لا آمن أن ينذر بي فتكون زيادة على ما أحاذره ففكرت ساعة في ذلك فوقع في قلبي أن أركب حماري و أخرج في البلد و لا أمنعه حيث أراد فلعلي أقف على داره من غير أن أسأل فحملت الدنانير في كاغذة و جعلتها في كمي و ركبت و سرت فوقف الحمار بي في محل فجهدت به أن يزول فلم يزل فقلت لغلامي سل لمن هذه الدار فقيل له دار ابن الرضا فقلت الله أكبر دلالة و الله مقنعة و إذا خادم أسود قد خرج و قال أنت يوسف بن يعقوب قلت نعم قال انزل فنزلت فقعدت في الدهليز و دخل فقلت و هذه دلالة أخرى من أين عرف هذا الخادم اسمي و اسم أبي و ليس في هذا البلد من يعرفني و ما دخلته قط ثم خرج الخادم فقال المائة
[236]
دينار التي في الكاغذة في كمك هاتها فناولته إياها و قلت هذه دلالة ثالثة ثم رجع الخادم إلي فقال ادخل فدخلت إليه و هو في مجلسه وحده فقال يا يوسف ما بان لك فقلت يا مولاي قد بان من البرهان ما فيه كفاية لمن اكتفى فقال هيهات أما إنك لا تسلم و لكن يسلم ولدك فلان و هو من شيعتنا يا يوسف إن أقواما يزعمون أن ولايتنا لا تنفع أمثالك كذبوا و الله إنها لتنفع أمثالك امض لما وافيت له فإنك سترى ما تحب قال فمضيت إلى باب المتوكل فنلت كلما أردت و انصرفت قال هبة الله فلقيت ابنه بعد هذا و هو مسلم حسن التشيع و أخبرني أن أباه مات على النصرانية و أنه أسلم بعد موت أبيه و كان يقول أنا بشارة مولاي (عليه السلام) .

و من ذلك في دلائل مولانا الحسن العسكري (عليه السلام) ما رويت و نقلت من خط من حدثه محمد بن هارون بن موسى التلعكبري و هو شيخ المفيد رضوان الله عليه قال ما هذا لفظه :

حدثنا أبو الحسين محمد بن أبي محمد بن هارون بن موسى التلعكبري في يوم الجمعة السابع عشر من المحرم سنة عشر و أربعمائة بالمشهد المعروف في الكرخ بالعتيقة صلوات الله على صاحبه قال : أنفذني والدي رحمه الله مع بعض أصحابه إلى صاعد النصراني لأسمع منه ما روى عن أبيه من حديث مولانا أبي محمد الحسن بن علي العسكري (صلى الله عليه وآله وسلم) فوصلنا إليه فرأيت رجلا معظما فأعلمته قصدي فأدناني و قال حدثني أبي أنه خرج هو و إخوته و جماعة من أهله من البصرة إلى سر من رأى لأجل ظلامة من العامل فأنا
[237]
بسر من رأى في بعض الأيام إذ بمولانا أبي محمد على بغلة و على رأسه شاشة و على كتفه طيلسان فقلت في نفسي هذا الرجل الذي يدعي بعض المسلمين أنه يعلم الغيب فإن كان الأمر على هذا فليحول مقدم الشاشة إلى مؤخرها ففعل فقلت هذا اتفاق و لكن فليحول طيلسانه الأيمن إلى الأيسر و الأيسر إلى الأيمن ففعل ذلك و هو يسير فوصل إلي و قال يا ثابت لم لا تشتغل بأكل حيتانك عما لا أنت منه و لا إليه قال و كنا نأكل السمك .

هذا لفظ حديثه نقلناه كما رأيناه و رويناه و أسلم صاعد و كان وزيرا للمعتمد .

و من ذلك ما روينا بإسنادنا إلى الشيخ أبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب الدلائل بإسناده إلى الكليني عن إسحاق بن محمد قال حدثني أبو علي عمر بن أبي مسلم قال : كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) و جاريتي حامل أسأله أن يسمي ما في بطنها فورد الجواب إذا ظهرت فسمها زينب ثم ماتت بعد شهر من ولادتها فبعث إلي بخمسين دينارا على يد محمد بن سنان الصراف و قال اشتر بهذا جارية .

و من ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى الشيخ سعيد بن هبة الله الراوندي في كتابه المذكور في بعض معجزاته (عليه السلام) فقال و منها ما حدث به نصراني متطبب بالري يقال له مرعبدا و قد أتى عليه مائة سنة و نيف قال : كنت تلميذ بختيشوع طبيب المتوكل و كان يعظمني فبعث إليه الحسن بن علي بن محمد بن الرضا أن يبعث إليه بأخص أصحابه عنده ليفصد فاختارني و قال طلب مني ابن الرضا من يفصده فصر إليه و هو أعلم في يومنا هذا ممن هو تحت السماء فاحذر أن تعترض عليه
[238]
فيما يأمرك به فمضيت إليه فأمر بي إلى حجرة فقال كن بها إلى أن أطلبك قال و كان الوقت الذي دخلت به محمودا عندي فدعاني في وقت غير محمود له و أحضر طشتا عظيما و فصدت الأكحل فلم يزل الدم يخرج حتى ملأ الطشت ثم قال اقطع فقطعت و شد يده و ردني إلى الحجرة فبت فيها فلما أصبحت و طلعت الشمس دعاني و أحضر ذلك الطشت و قال سرح فسرحت فخرج من يده مثل اللبن الحليب إلى أن امتلأ الطشت ثم قال اقطع فقطعت و شد يده و قدم لي تخت ثياب و خمسين دينارا و قال خذ و اعذر و انصرف فأخذت و قلت يأمرني سيدي بخدمة قال نعم أحسن صحبة من يصحبك بدير العاقول فصرت إلى بختيشوع و أخبرته بالقصة فقال أجمعت الحكماء على أن أكثر ما يكون في بدن الإنسان من الدم تسعة أمنان و هذا الذي حكيت لو خرج من عين ماء لكان عجبا و أعجب من ذلك اللبن و فكر ساعة ثم مكث ثلاثة أيام بلياليها يقرأ الكتب على أن يجد لهذه القصة ذكرا في العالم فلم يجد ثم قال لم يبق اليوم في النصرانية أعلم بالطب من راهب بدير العاقول و كتب إليه كتابا يذكر فيه ما جرى فأعطانيه فخرجت به إليه و ناديته فأشرف علي فقلت صاحب بختيشوع قال معك كتابه قلت نعم فأرخى إلي زنبيلا فجعلت الكتاب فيه و رفعه إليه فقرأه و نزل من ساعته فقال أنت فصدت الرجل قلت نعم قال طوبى لك و أنا سآتيه فركب بغلا و سرنا فوافينا سر من رأى و قد بقي من الليل ثلثه و قلت أين تريد دار الأستاذ أم دار الرجل قال بل دار الرجل فصرنا إلى بابه
[239]
قبل الأذان الأول ففتح الباب و خرج إلينا غلام أسود فقال أيكما راهب دير العاقول قال أنا جعلت فداك قال انزل ثم قال لي الخادم احتفظ البغلين و دخلا فأقمت إلى أن أصبحنا و ارتفع النهار ثم خرج إلي الراهب و قد رمى ثياب الرهبانية و لبس ثيابا بيضاء و أسلم و قال لي خذني الآن إلى دار أستاذك فصرنا إلى باب بختيشوع فلما رآه بادر يعدو إليه و قال له ما الذي أزالك عن دينك قال وجدت المسيح أو نظيره في آياته و براهينه ثم انصرف إليه و لزم خدمته إلى أن مات .

و من ذلك في دلائل المهدي (عليه السلام) ما رويناه بإسنادنا إلى الشيخ سعيد بن هبة الله الراوندي في كتاب الخرائج و الجرائح عن الكليني قال حدثنا الأعلم المصري و كان أحد الصالحين قال : خرجت في الطلب بعد مضي أبي محمد (عليه السلام) و قلت في نفسي لو كان شي‏ء لظهر بعد ثلاث سنين فسمعت صوتا و لم أر شخصا يقول يا نصر بن عبد العزيز قل لأهل مصر هل رأيتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فآمنتم به قال أبو الرجاء لم أعلم أن اسم أبي عبد ربه و ذلك أني ولدت بالمدائن فحملني أبو عبد الله النوفلي إلى مصر فنشأت بها فلما سمعت الصوت لم أعول على شي‏ء و خرجت .

و من ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن جرير الطبري بإسناد يرفعه إلى أحمد الدينوري الملقب بأستار قال : انصرفت من أردبيل إلى الدينور أريد الحج و ذلك بعد مضي أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) بسنة أو سنتين و كان الناس في حيرة فاستبشر
[240]
أهل الدينور بموافاتي و اجتمع الشيعة عندي و قالوا اجتمع عندنا ستة عشر ألف دينار من مال الموالي و نحن نحتاج أن تحملها معك و تسلمها لمن يجب تسليمها إليه فقلت يا قوم هذه أيام حيرة و لا يدري الباب في هذا الوقت فقالوا إنا اخترناك لحمل هذا المال لما نعرف من ثقتك و كرمك فاعمل على أن لا تخرجه من يدك إلا بحجة فحملوا إلي ذلك المال و خرجت فلما وافيت قرمسين كان أحمد بن الحسن بن الحسن مقيما بها فانصرفت إليه مسلما فلما رآني استبشر ثم أعطاني ألف دينار في كيس و تخوت ثياب ألوان معكمة لم أعرف ما فيها ثم قال احمل هذا معك و لا تخرجه من يدك إلا بحجة فقبضت المال و التخوت بما فيها من الثياب فلما وردت بغداد لم تكن لي همة غير البحث عمن أشير إليه بالنيابة فقيل إن هاهنا رجلا يعرف بالباقطاني يدعي بالنيابة و آخر يعرف بإسحاق الأحمر يدعي أيضا بالنيابة و آخر يدعى بأبي جعفر العمري يدعي أيضا بالنيابة فبدأت بالباقطاني و صرت إليه فوجدته شيخا مهيبا له مروة ظاهرة و فرس عربي و غلمان كثير و تجتمع إليه الناس فيتناظرون فدخلت إليه و سلمت عليه فرحب و قرب و سر و بر فأطلت القعود إلى أن خرج أكثر الناس فسألني عن إربتي فعرفته أني رجل من الدينور وافيت و معي شي‏ء من المال أحتاج إلى أن أسلمه فقال احمله فقلت أريد حجة قال تعود إلي في غد فعدت إليه من الغد فلم يأت بحجة و عدت في اليوم الثالث فلم يأت فصرت إلى إسحاق الأحمر فوجدته شابا نظيفا منزله أكبر من منزل الباقطاني و فرسه و لباسه و مروته أسرى و غلمانه أكثر و يجتمع عنده
[241]
أكثر مما يجتمع عند الباقطاني فدخلت و سلمت فرحب و قرب فصبرت إلى أن خف الناس فسألني عن حاجتي فقلت له كما قلت للباقطاني و وعدني بالحجة فعدت إليه ثمانية أيام فلم يأت بحجة فصرت إلى أبي جعفر العمري فوجدته شيخا متواضعا عليه منطقة بيضاء قاعد على لبد في بيت صغير ليس له غلمان و لا له من المروءة و الفرش ما وجدته لغيره فسلمت فرد السلام و أدناني و بسط مني ثم سألني عن حاجتي فعرفته أني وافيت من الجبل و حملت مالا فقال إن أحببت أن يصل هذا الشي‏ء إلى من يجب أن يصل إليه تخرج إلى سر من رأى و تسأل عن فلان بن فلان الوكيل و كانت دار ابن الرضا (عليه السلام) عامرة فإنك تجد هناك ما تريد فخرجت إلى سر من رأى و صرت إلى دار ابن الرضا (عليه السلام) و سألت عن الوكيل فذكر البواب أنه مشتغل بالدار و أنه يخرج آنفا فقعدت على الباب أنتظر خروجه فخرج بعد ساعة فقمت و سلمت عليه فأخذ بيدي إلى بيت كان له و سألني عن حالي و ما وردت له فعرفته أني حملت شيئا من المال من ناحية الجبل و أحتاج أن أسلمه بحجة فقال نعم ثم قدم إلي طعاما و قال تغد بهذا و استرح فإنك تعب و بيننا و بين الصلاة الأولى ساعة فإني أحمل إليك ما تريد فأكلت و نمت فلما كان وقت الصلاة قمت و صليت و ذهبت إلى المشرعة فاغتسلت و زرت و انصرفت إلى بيت الرجل و مكثت إلى أن مضى من الليل ربعه فجاءني و معه درج فيه بسم الله الرحمن الرحيم وافى محمد بن أحمد الدينوري و قد حمل ستة عشر ألف دينار في كذا و كذا صرة فيها صرة فلان بن فلان و فيها
[242]
كذا و كذا دينار و صرة فلان بن فلان و فيها كذا و كذا دينار إلى أن عدد الصرر كلها و فيها صرة فلان بن فلان الزراع ستة عشر دينارا قال فوسوس لي الشيطان و قلت في نفسي أن سيدي أعلم بهذا مني فما زلت أقرأ ذكر صرة صرة و ذكر صاحبها عليها حتى أتى على آخر صرة و ذكر بعد ذلك و قد حمل من قرمسين من أحمد بن الحسن المادراني أخي الصراف كيسا فيه ألف دينار و كذا و كذا تختا من الثياب ثوب لونه كذا و ثوب لونه كذا حتى وصف ألوان الثياب و نسبها إلى أصحابها عن آخرها قال فحمدت الله و شكرته على ما من به علي مما أزال الشك عن قلبي ثم أمرني بتسليم جميع ما حملت إلى حيث يأمرك أبو جعفر العمري قال فانصرفت إلى بغداد و صرت إلى أبي جعفر العمري و كان خروجي و انصرافي في ثلاثة أيام فلما بصر بي أبو جعفر قال لي أ لم تخرج قلت يا سيدي بلى و انصرفت من سر من رأى فأنا أحدث أبا جعفر إذ وردت رقعة إليه من صاحب الأمر (عليه السلام) و معها درج مثل الدرج الذي كان معي فيه ذكر المال و الثياب و أمره أن يسلم جميع ذلك إلى أبي جعفر محمد بن أحمد بن جعفر القطان القمي فلبس أبو جعفر ثيابه و قال لي احمل ما معك إلى منزل محمد بن أحمد بن جعفر القطان فحملت المال و الثياب إلى منزل القطان و سلمتها إليه و خرجت إلى الحج فلما رجعت إلى الدينور اجتمع عندي الناس فأخرجت الدرج الذي أعطانيه وكيل مولانا (عليه السلام) و قرأته على القوم فلما سمع ذكر الصرة باسم الزراع صاحبها سقط مغشيا عليه و ما زلنا نعلله حتى أفاق و لما
[243]
أفاق سجد شكرا لله عز و جل و قال الحمد لله الذي من علينا بالهداية الآن علمت أن الأرض لا تخلو من حجة هذه الصرة دفعها إلي هذا الزراع و لم يقف على ذلك إلا الله عز و جل قال و خرجت بعد ذلك فلقيت أبا الحسن المادراني و عرفته الخبر و قرأت عليه الدرج فقال يا سبحان الله مهما شككت في شي‏ء فلا تشك أن الله لا يخلي أرضه من حجة اعلم أنه لما غزا أزكوتكين يزيد بن عبد الله بشهرزور و ظفر ببلاده و احتوى على خزائنه صار إلى رجل و ذكر أن يزيد بن عبد الله جعل الفرس الفلاني و السيف الفلاني في باب مولانا فجعلت أنقل خزائن يزيد إلى أزكوتكين أولا فأولا و كنت أدافع عن الفرس و السيف إلى أن لم يبق شي‏ء غيرهما و كنت أرجو أن أخلص ذلك لمولانا (عليه السلام) فلما اشتدت مطالبة أزكوتكين إياي و لم يمكنني مدافعته جعلت في السيف و الفرس على نفسي ألف دينار و رتبتها و دفعتها إلى الخازن و قلت له ادفع هذه الدنانير في أوثق مكان و لا تخرجن إلي في حال من الأحوال شيئا منها و لو اشتدت الحاجة إليها و سلمت الفرس و السيف فأنا قاعد في مجلسي الذي أبرم فيه الأمور و أوفي القصص و آمر و أنهى إذ دخل أبو الحسن الأسدي و كان يتعاهدني في الوقت بعد الوقت و كنت أقضي حوائجه فلما طال جلوسه و علي بؤس كثير قلت له ما حاجتك قال أحتاج منك إلى خلوة فأمرت الخازن أن يهي‏ء لنا مكانا فدخلنا الخزانة فأخرج لي رقعة صغيرة من مولانا (صلى الله عليه وآله وسلم) فيها يا أحمد بن الحسن الألف دينار التي عندك ثمن الفرس و السيف سلمها
[244]
إلى أبي الحسن الأسدي فخررت لله ساجدا لما من به علي من معرفة حجة الله حقا لأنه لم يكن وقف على هذا أحد غيري فأضفت إلى ذلك المال ثلاثة آلاف دينار أخرى سرورا بما من الله به علي من معرفة هذا الأمر .

و من ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر الطبري أيضا من كتابه قال : كتب علي بن محمد السمري يسأل الصاحب (عليه السلام) كفنا يتبين ما يكون من عنده فورد الجواب إنك تحتاجه سنة إحدى و ثمانين فمات في الوقت الذي حده (عليه السلام) و بعث إليه الكفن قبل موته بشهر .

و من الكتاب أيضا ما لفظه قال القاسم بن العلا : كتبت إلى صاحب الأمر (عليه السلام) كتابا في حوائج و أعلمته أني رجل كبر سني و لا ولد لي فأجابني عن الحوائج و لم يجبني عن الولد بشي‏ء فكتبت إليه في الرابعة أسأله أن يدعو الله لي أن يرزقني الله ولدا فأجابني بحوائجي و كتب اللهم ارزقه ولدا ذكرا تقر به عينه و اجعله هذا الحمل الذي أردت فورد الكتاب و أنا لا أعلم أن لي حملا فدخلت على جاريتي و سألتها عن ذلك فأخبرتني أن علتها قد ارتفعت و أنها حامل فولدت غلاما .

و هذان الحديثان رويتهما عن الطبري و الحميري .

و من ذلك ما رويناه عن الشيخ أبي جعفر الطبري و الشيخ أبي العباس الحميري بإسنادنا إليهما قالا حدثنا أبو جعفر قال : ولد لي مولود فكتبت أستأذن في تطهيره يوم السابع فورد الجواب لا فمات المولود في اليوم السابع ثم كتبت إليه أخبره بموته فكتب في الجواب يخلف الله عليك غيره و غيره فسم أحمد و من بعد أحمد جعفرا فجاءا كما
[245]
قال (عليه السلام) .

و من الكتاب المذكور ما رويناه بإسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر الطبري قال حدثنا محمد بن يعقوب الكليني قال حدثني أبو حامد المراغي عن محمد بن شاذان بن نعيم قال : قال لي رجل من أهل بلخ تزوجت امرأة سرا فلما وطئتها علقت و جاءت بابنة فاستاءت و ضاق صدري فكتبت أشكو ذلك فورد الجواب ستكفاها فعاشت أربع سنين فماتت فوردني منه (عليه السلام) الله ذو أناة و أنتم تستعجلون .

و من الكتاب المذكور ما رويناه بإسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر الطبري قال حدثنا أبو جعفر محمد بن هارون بن موسى التلعكبري قال حدثني أبو الحسين بن أبي البغل الكاتب قال : تقلدت عملا من أبي منصور الصالحان و جرى بيني و بينه ما أوجب استتاري عنه فطلبني و أخافني فمكثت مستترا خائفا ثم قصدت مقابر قريش ليلة الجمعة و اعتمدت المبيت هناك للدعاء و المسألة و كانت ليلة ريح و مطر فسألت أبا جعفر القيم يقفل الأبواب و أن يجتهد في خلوة الموضع لأخلو بما أريده من الدعاء و المسألة خوفا من دخول إنسان لم آمنه و أخاف من لقائه ففعل و قفل الأبواب و انتصف الليل فورد من الريح و المطر ما قطع الناس عن الموضع فمكثت أدعو و أزور و أصلي فبينا أنا كذلك إذ سمعت وطئا عند مولانا موسى (عليه السلام) و إذا هو رجل يزور فسلم على آدم و على أولي العزم ثم على الأئمة واحدا واحدا إلى أن انتهى إلى صاحب الزمان فلم يذكره فعجبت من ذلك و قلت في نفسي لعله نسي أو لم يعرف أو هذا مذهب لهذا الرجل فلما فرغ من زيارته صلى ركعتين
[246]
و أقبل إلى مولانا أبي جعفر (عليه السلام) زار مثل تلك الزيارة و سلم ذلك السلام و صلى ركعتين و أنا خائف منه إذ لم أعرفه شابا من الرجال عليه ثياب بيض و عمامة محنك بها و له ذؤابة و رداء على كتفه فالتفت إلي و قال يا أبا الحسين بن أبي البغل أين أنت عن دعاء الفرج قلت فما هو يا سيدي قال تصلي ركعتين و تقول يا من أظهر الجميل و ستر القبيح يا من لم يؤاخذ بالجريرة و لم يهتك الستر يا عظيم المن يا كريم الصفح يا حسن التجاوز و يا واسع المغفرة يا باسط اليدين بالرحمة يا منتهى كل نجوى و غاية كل شكوى يا عون كل مستعين يا مبتدأ بالنعم قبل استحقاقها يا رباه عشر مرات يا منتهى غاية رغبتاه عشر مرات أسألك بحق هذه الأسماء و بحق محمد و آله الطاهرين إلا ما كشفت كربي و نفست همي و فرجت غمي و أصلحت حالي و تدعو بعد ذلك ما شئت و تسأل حاجتك ثم تضع خدك الأيمن على الأرض و تقول مائة مرة في سجودك يا محمد يا علي اكفياني فإنكما كافياي و انصراني فإنكما ناصراي ثم تضع خدك الأيسر على الأرض و تقول أدركني يا صاحب الزمان و تكرر ذلك كثيرا و تقول الغوث الغوث الغوث حتى ينقطع النفس و ترفع رأسك فإن الله بكرمه يقضي حاجتك إن شاء الله فلما أشغلت بالصلاة و الدعاء خرج فلما فرغت خرجت إلى أبي جعفر لأسأله عن الرجل و كيف دخل فرأيت الأبواب على حالها مقفلة فعجبت من ذلك و قلت لعل بابا هنا آخر لم أعلمه و انتهيت إلى أبي جعفر القيم فخرج إلي من باب الزيت فسألته عن الرجل
[247]
و دخوله فقال الأبواب مقفلة كما ترى ما فتحتها فحدثته الحديث فقال هذا مولانا صاحب الزمان و قد شاهدته دفعات في مثل هذه الليلة عند خلوتها من الناس فتأسفت على ما فاتني منه و خرجت عند قرب الفجر و قصدت الكرخ إلى الموضع الذي كنت مستترا فيه فما أضحى النهار إلا و أصحاب ابن أبي الصالحان يلتمسون لقائي و يسألوا عني أصحابي و أصدقائي و معهم أمان من الوزير و رقعة بخطه فيها كل جميل فحضرت مع ثقة من أصدقائي فقام و التزمني و عاملني بما لم أعهده و قال انتهت بك الحال إلى أن تشكوني إلى صاحب الزمان (عجل الله فرجه) فإني رأيته في النوم البارحة يعني ليلة الجمعة و هو يأمرني بكل جميل و يجفو علي في ذلك جفوة خفتها فقلت لا إله إلا الله أشهد أنهم الحق و منتهى الحق رأيت البارحة مولانا في اليقظة و قال لي كذا و كذا و شرحت ما رأيته في المشهد فعجب من ذلك و جرت منه أمور عظام حسان في هذا المعنى و بلغت منه غاية لم أظنها و ذلك ببركة مولانا (عليه السلام) .

و مما روينا بإسنادنا إلى الشيخ أبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري في الجزء الثاني من كتاب الدلائل قال : و كتب رجل من ربض حميد يسأله الدعاء في حمل له فورد عليه الدعاء في الحمل قبل الأربعة أشهر و أنها ستلد ابنا فكان الأمر كما قال (عليه السلام) .

و من الكتاب المذكور قال الحسن بن علي بن إبراهيم السياري كتب علي بن محمد السمري يسأل الصاحب (عليه السلام) كفنا فورد عليه : أنك
[248]
تموت في إحدى و ثمانين فمات في تلك السنة و بعث إليه بالكفن قبل موته بشهرين .

و مما روينا بإسنادنا إلى الشيخ سعيد بن هبة الله الراوندي في الجزء الأول من كتاب الخرائج و الجرائح فقال عن رشيق الحاجب المادراني قال : بعث إلينا المعتضد و أمرنا أن نركب و نحن ثلاثة نفر و نخرج مخفين على السرج و بحيث لا نرى و قال ألحقوا بسامراء و اكبسوا دار الحسن بن علي فإنه توفي فمن رأيتهم بها فأتوني به فأتينا سامراء و كبسنا الدار كما أمرنا فوجدنا دارا سترته كان الأيدي رفعت عنها في ذلك الوقت فرفعنا السترة فإذا سرداب في الدار الأخرى فدخلنا فرأينا كان بحرا فيه و في أقصاه حصير قد علمنا أنه على الماء و فوقه رجل من أحسن الناس هيبة قائم يصلي فلم يلتفت إلينا و لا إلى شي‏ء من أسبابنا فسبق أحمد بن عبد الله ليتخطى فغرق في الماء و ما زال يضطرب حتى مددت يدي إليه فخلصته و أخرجته و غشي عليه و بقي ساعة و عاد صاحبي الثاني إلى فعل الأول فناله مثل ذلك فبقيت مبهوتا فقلت لصاحب البيت المعذرة إلى الله و إلى رسوله و إليك فو الله ما علمت كيف الخبر و إلى من نجي‏ء و أنا تائب إلى الله فما التفت إلي بشي‏ء مما قلت ثم عدنا إلى المعتضد فأخبرناه فقال اكتموه و إلا ضربت أعناقكم .

و من الكتاب المذكور ما رويناه عن الشيخ المفيد و نقلناه عن نسخة عتيقة جدا من أصول أصحابنا قد كتبت في زمان الوكلاء فقال فيها ما هذا لفظه : قال الصفواني رحمه الله
[249]
رأيت القاسم بن العلاء و قد عمر مائة سنة و سبع عشرة منها ثمانون سنة صحيح العينين فيها لقي مولانا أبا الحسن و مولانا أبا محمد العسكري (عليه السلام) و حجب بعد الثمانين و ردت عيناه قبل موته بسبعة أيام و ذلك أني كنت مقيما عنده بمدينة أران من أرض آذربيجان و كان لا تنقطع عنه توقيعات مولانا صاحب الزمان (عجل الله فرجه) على يد أبي جعفر محمد بن عثمان العمري و بعده على يد أبي القاسم بن روح قدس الله روحيهما فانقطعت عنه المكاتبة نحوا من شهرين فقلق رحمة الله لذلك فبينا نحن عنده إذ دخل البواب مستبشرا و قال فيج العراق قد ورد و لا يسمي بغيره فاستبشر أبو القاسم و حول وجهه إلى القبلة فسجد و دخل رجل قصير بالصرر الفيوج عليه و عليه جبة مصرية و في رجليه نعل آملي و على كتفه مخلاة فقام إليه و عانقه و وضع المخلاة من عنقه و دعا بطست من ماء فغسل وجهه و أجلسه إلى جانبه فأكلنا و غسلنا أيدينا فقام الرجل و أخرج كتابا أفضل من نصف الدرج فناوله القاسم فقبله و دفعه إلى كاتب له يقال له عبد الله بن أبي سلمة فأخذه و فضه و قرأه و بكى حتى أحس القاسم ببكائه فقال القاسم له يا عبد الله خيرا قال ما يكره فلا قال فما هو قال ينعى الشيخ نفسه بعد ورود هذا الكتاب بأربعين يوما و إنه يمرض في اليوم السابع من ورود هذا الكتاب و إن الله يرد عليه بعد ذلك عينيه و قد حمل سبعة أثواب فقال القاسم في سلامة من ديني قال في سلامة من دينك فضحك رحمه الله و قال ما آمل بعد هذا العمر ثم قام الرجل الوارد فأخرج من
[250]
مخلاته ثلاثة أزر يمانية حمراء و عمامة و ثوبين و منديلا فأخذها الشيخ و كان عنده قميص خلعه عليه مولانا أبو الحسن ابن الرضا (عليه السلام) و كان له صديق يقال له عبد الرحمن بن محمد السري و كان شديد النصب و كان بينه و بين القاسم نضر الله وجهه مودة في أمور الدنيا شديدة و كان يوداه و كان عبد الرحمن وافى إلى أران للإصلاح بين أبي جعفر بن حمدون الهمداني و بين حيان العين فربما حضر عنده فقال لشيخين كانا مقيمين عنده أحدهما يقال له أبو حامد عمران بن المفلس و الآخر يقال له أبو علي محمد أريد أن أقرأ هذا الكتاب لعبد الرحمن فإني أحب هدايته و أرجو أن يهديه الله عز و جل بقراءة هذا الكتاب فقال لا إله إلا الله هذا الكتاب لا يحتمل ما فيه خلق من الشيعة فكيف عبد الرحمن فقال إني أعلم أني مفش سرا لا يكون لي إعلانه و لكن لمحبتي عبد الرحمن أشتهي أن يهديه الله لهذا الأمر فاقرأه له فلما مر ذلك اليوم و كان الخميس لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب سنة أربع و ثلاث مائة دخل عبد الرحمن و سلم عليه فقال له اقرأ هذا الكتاب و انظر لنفسك فقرأه فلما بلغ إلى موضع النعي به رمى الكتاب من يده و قال للقاسم يا أبا محمد اتق الله فإنك رجل فاضل في دينك متمكن من عقلك إن الله يقول وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ و يقول عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً فضحك القاسم و قال أتم الآية إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ و مولاي هذا المرتضى من رسول قد علمت أنك تقول هذا و لكن أرخ
[251]
هذا اليوم فإن أنا عشت بعد هذا اليوم المؤرخ في الكتاب فاعلم أني لست على شي‏ء و إن أنا مت فانظر لنفسك فأرخ عبد الرحمن اليوم و افترقوا فلما كان اليوم السابع من ورود الكتاب حم القاسم و اشتدت به العلة و استند في فراشه إلى الحائط و كان ابنه الحسن بن القاسم مدمنا على شرب الخمر و كان متزوجا إلى أبي عبد الله بن حمدون الهمداني و كان ابن حمدون الهمداني جالسا في ناحية من الدار و رداؤه على وجهه و أبو حامد في ناحية و أبو علي بن محمد و جماعة من أهل البلد يبكون إذ اتكأ القاسم على يديه إلى خلف و جعل يقول يا محمد يا علي يا حسن يا حسين إلى آخر الأئمة يا موالي كونوا شفعائي إلى الله عز و جل ثم قالها ثانية ثم قالها ثالثة فلما وصل إلى يا موسى يا علي تفرقعت أجفان عينيه كما تفرقع الصبيان شقائق النعمان و انفتحت حدقتاه و جعل يمسح بكمه عينيه و خرج من عينيه شي‏ء يشبه ماء اللحم ثم مد طرفه إلى ابنه فقال يا حسن إلي يا أبا حامد إلى يا أبا علي إلي فاجتمعوا حوله و نظر إلى حدقتيه صحيحين فقال أبو حامد تراني فجعل يده على كل واحد منا و شاع في الناس هذا فأتاه الناس ينظرون إليه و ركب إليه القاضي و هو عيينة بن عبيد الله أبو ثابت المسعودي قاضي القضاة ببغداد فدخل عليه و قال يا أبا محمد ما هذا الذي بيدي و أراه خاتما فصه فيروزج و قربه منه فقال خاتم فصه فيروزج عليه ثلاثة أسطر فتناوله القاسم فلم يمكنه قراءته و خرج الناس متعجبين يتحدثون بخبره فالتفت القاسم إلى ابنه الحسن فقال يا بني إن الله عز اسمه جعل منزلتك منزلتي و مرتبتك مرتبتي
[252]
فأقبلها بشكر فقال له الحسن قد قبلتها قال القاسم على ما ذا قال على ما تأمرني به قال على أن ترجع عما أنت عليه من شرب الخمر فقال يا أبة و حق من أنت في ذكره لأرجعن عن شرب الخمر و مع الخمر أشياء لا تعرفها فرفع القاسم يده إلى السماء و قال اللهم ألهم الحسن طاعتك و جنبه معصيتك ثلاث مرات ثم دعا بدرج و كتب وصيته رحمه الله بيده و كانت الضياع التي بيده لمولانا (عليه السلام) وقفها له أبوه فكان فيما أوصى الحسن أن قال له إنك إن أهلت الأمر يعني الوكالة لمولانا (عليه السلام) تكون مؤنتك من نصف ضيعتي المعروفة بفرجند و سائرها ملك لمولاي و إن لم تؤهل فاطلب خيرك من حيث يبعث الله لك فقبل الحسن وصيته على ذلك فلما كان يوم الأربعين و قد طلع الفجر مات القاسم فوافاه عبد الرحمن بن محمد يعدو في الأسواق حافيا حاسرا و هو يصيح وا سيداه فاستعظم الناس منه ذلك و جعلوا يقولون له ما الذي تفعل بنفسك فقال اسكتوا فإني رأيت ما لم تروا و شيعه و رجع عما كان عليه و وقف أكثر ضياعه فتجرد أبو علي بن محمد و غسل القاسم و أبو حامد يصب عليه الماء و لف في ثمانية أثواب على بدنه قميص مولانا و ما يليه السبعة أثواب التي جاءت من العراق فلما كان بعد مدة يسيرة ورد كتاب تعزية على الحسن من مولانا (عجل الله فرجه) و دعا له في آخره ألهمه الله طاعته و جنبه معصيته و هو الدعاء الذي كان دعا به أبوه و كان في آخره قد جعلنا أباك لك إماما و فعاله مثلا .

و روينا هذا الحديث الذي
[253]
ذكرناه أيضا عن أبي جعفر الطوسي رضوان الله عليه و من ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى الشيخ سعيد بن هبة الله الراوندي في الجزء الأول من كتاب الخرائج و الجرائح قال روي عن أبي الحسن المسترق الضرير قال : كنا يوما في مجلس الحسن بن عبيد الله بن حمدان ناصر الدولة فتذاكرنا أمر الناحية فقال كنت أزري عليها حتى حضرت مجلس عمي الحسين فأخذت أتكلم بذلك فقال يا بني كنت أقول بمقالتك هذه إلى أن ندبت إلى ولاية قم حين استصعبت على السلطان و كان كل من ورد إليها يحاربه أهلها فسلم إلى الجيش و خرجت نحوها فلما بلغت إلى ناحية نهر خرجت إلى الصيد ففاتتني طريده فأتبعتها و أوغلت في طلبها و أثرها حتى بلغت إلى نهر فسرت فيه و كلما سرت أتسع ذلك النهر فبينا أنا كذلك إذ طلع علي فارس تحته شهباء و هو متعمم بعمامة خز أخضر لا أرى منه سوى عينيه و في رجليه خفان أحمران فقال لي يا حسين لا هو لقبني و لا كناني قلت ما ذا تريد قال كم تزري على الناحية و لم تمنع أصحابي خمس مالك قال و كنت الرجل الوقور الذي لا يخاف شيئا فأرعدت و تهيبته و قلت أفعل يا سيدي ما تأمر به قال فإذا مضيت إلى الموضع الذي أنت متوجه إليه و دخلته و كسبت ما كسبت فيه فاحمل إلى من يستحق خمسه فقلت السمع و الطاعة قال فامض راشدا و لوى عنان دابته و انصرف فلم أدري أي طريق سلك فطلبته يمينا و شمالا فخفي علي أثره فازددت رعبا و انفلت راجعا إلى عسكري و تناسيت الحديث حتى بلغت قم و عندي أني محارب القوم فخرج إلي أهلها و قالوا كنا نحارب
[254]
من يجيئنا لخلافهم لنا فإذا وافيت أنت فلا خلاف بيننا و بينك ادخل البلد و دبرها كما ترى فدخلت البلد و أقمت فيها زمانا و اكتسبت أموالا زائدة على ما كنت أقدر ثم وشي القواد بي إلى السلطان و حدثوه بطول مقامي و كثرة ما اكتسبت فعزلت و رجعت إلى بغداد فابتدأت بدار السلطان فسلمت و أقبلت إلى منزلي فجاءني فيمن جاءني محمد بن عثمان العمري فتخطى الناس حتى اتكأ على متكاي فاغتظت من ذلك و لم يزل قاعدا ما يبرح و الناس داخلون و خارجون و أنا أزداد غيظا فلما تصرم المجلس دنا إلي و قال بيني و بينك سر فاسمعه قلت ما ذا قال صاحب الشهباء و النهر يقول هلا وفيت بما وعدتنا فذكرت الحديث و ارتعت و قلت السمع و الطاعة و قمت ففتحت الخزائن له و لم يزل يخمس إلى أن خمس شيئا كثيرا كنت أنسيته مما جمعته فذكرنيه و أخذ الخمس و انصرف فلم أشك بعد ذلك و تحققت الأمر قال فأنا منذ سمعت هذا الحديث من عمي أبي عبد الله زال ما كان عرض لي من شك بحمد الله .

و من ذلك ما رويناه بإسنادنا عن الشيخ سعيد الراوندي في كتابه المذكور قال و منها ما روي عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه رحمه الله قال : لما وصلت بغداد سنة سبع و ثلاثين و ثلاث مائة أردت الحج و هي السنة التي رد القرامطة فيها الحجر إلى مكانه من البيت لأنه يمضي في الكتب قصة أخذه و أنه ينصبه في مكانه الحجة في ذلك الزمان كما وضعه في مكانه زين العابدين (عليه السلام) في زمن الحجاج فاستقر في مكانه فاعتللت علة صعبة خفت منها على نفسي و لم
[255]
يتهيأ لي ما قصدت فأتيت ابن هشام و أعطيته رقعة مختومة أسأل فيها عن مدة عمري و هل تكون الميتة في هذه العلة أو لا و قلت له همي إيصال هذه الرقعة إلى من يضع الحجر في مكانه و يستقر و أخذ جوابه فإنما أندبك لهذا فقال الرجل المعروف بابن هشام لما وصلت مكة و عزم أهلها على إعادة الحجر مكانه بذلت لسدنة البيت جملة تمكنت معها من الوقوف بحيث أرى واضع الحجر في مكانه و أقمت معي منهم من يمنع عني ازدحام الناس فكلما عمد إنسان لوضعه اضطرب و لم يستقم فأقبل غلام أسمر اللون حسن الوجه فتناوله و وضعه في مكانه فاستقام و لم يزل عن مكانه فعلت لذلك الأصوات فانصرف خارجا من الباب فنهضت من مكاني أتبعه و أدفع الناس عني يمينا و شمالا حتى ظن الاختلاط بي في العقل و الناس يفرجون له و عيني لا تفارقه حتى انقطع عن الناس و كنت أسرع المسير خلفه و هو يمشي على تواده فلما حصل بحيث لا يراه أحد غيري وقف و التفت إلي و قال هات ما معك فناولته الرقعة فقال من غير أن ينظر إليها قل له لا خوف عليك في هذه العلة و سيكون ما لا بد منه بعد ثلاثين سنة قال فوقع علي الزمع حتى لم أطق حراكا و تركني و انصرف قال أبو القاسم فحضر و أعلمني هذه الجملة فلما كانت سنة الثلاثين اعتل أبو القاسم فأخذ ينظر في أمره بتحصيل جهازه في قبره و كتب وصيته و استعمل الجد في ذلك فقيل له ما ذا الخوف و نرجو أن يتفضل الله عليك بالسلامة فما علتك مما يخاف فقال هذه السنة التي خوفت فيها و مات في علته رحمه الله .

[256]
فيما نرويه عن أبي محمد عبد الله بن محمد بن أبي محمد عبد الله الحذاء الدعلجي منسوب إلى موضع خلف باب الكوفة ببغداد يقال لأهله الدعالجة و كان فقيها عارفا ذكره النجاشي في كتابه بما ذكرناه قال و عليه تعلمت المواريث و له كتاب الحج قال الشيخ سعيد بن هبة الله الراوندي في الجزء الأول من كتابه الخرائج و الجرائح ما هذا لفظه : إن أبا محمد الدعلجي كان له ولدان و كان من خيار أصحابنا و كان قد سمع الأحاديث و كان أحد ولديه على الطريقة المستقيمة و هو أبو الحسن و كان يغسل الأموات و الولد الآخر يسلك مع الفساق فدفع إلى أبي محمد حجة تحج بها عن صاحب الزمان (صلى الله عليه وآله وسلم) و كان ذلك عادة الشيعة في ذلك الوقت و تركت بعد ذلك فدفع منها شيئا إلى ولده المذكور بالفساد و خرج إلى الحج و لما عاد حكي أنه كان واقفا بالموقف رأى شخصا إلى جانبه حسن الوجه أسمر اللون ذا ذؤابتين مقبلا على شأنه في الابتهال و الدعاء حسن العمل و التضرع قال فلما نفر الناس التفت إلي و قال يا شيخ أ ما تستحي قلت من أي شي‏ء يا سيدي قال تدفع إليك حجة عمن تعلم فتدفع منها إلى فاسق يشرب الخمر يوشك أن تذهب عينك هذه و أومأ إلى عيني فأنا من ذلك على وجل و مخافة و سمع منه أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان ذلك فما مضى عليه إلا أربعون يوما من بعد ملاقاته مولانا (عليه السلام) حتى خرجت في عينه التي أومأ إليها قرحة فذهبت بها .

و من ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى الشيخ سعيد بن هبة الله الراوندي في كتابه
[257]
الخرائج و الجرائح في الجزء الثاني منه قال و منها ما روى عن أحمد بن أبي روح قال : وجهت إلي امرأة من أهل الدينور فأتيتها فقالت يا ابن أبي روح أنت أوثق من في ساحتنا دينا و ورعا و إني أريد أن أودعك أمانة اجعلها في رقبتك تؤديها و تقوم بها قلت أفعل إن شاء الله قالت هذه دراهم في هذا الكيس المختوم لا تحله و لا تنظر إليه حتى تؤديه إلى من يخبرك بما فيه و هذا قرطي يساوي عشرة دنانير و فيه ثلاث حبات لؤلؤ تساوي عشرة دنانير و لي إلى صاحب الزمان حاجة أريد أن يخبرني بها قبل أن أسأله عنها قلت و ما الحاجة قالت عشرة دنانير اقترضتها و لا أدري إلى من أدفعها فإن أخبرك فادفعها إلى من يأمرك فأتيت سامراء فقيل لي إن جعفر بن علي يدعي الإمامة فقلت أبدأ بجعفر ثم تفكرت فقلت أبدأ بهم فإن كانت الحجة عندهم و إلا أتيت جعفرا فدنوت من باب دار أبي محمد (عليه السلام) فخرج إلي خادم و قال أنت أحمد بن أبي روح قلت نعم قال فهذه الرقعة اقرأها فإذا فيها بسم الله الرحمن الرحيم أودعتك بنت الدينوري كيسا فيه ألف درهم بزعمك و هو خلاف ما تظن و قد أديت الأمانة و لم تفتح الكيس و لم تدر ما فيه ألف درهم و خمسون دينارا صحاحا و معك قرطان زعمت المرأة أنهما تساوي عشرة دنانير و هي تساوي ثلاثين دينارا فادفعها إلى جاريتنا فلانة فإنا قد وهبناها لها و صر إلى بغداد و ادفع المال إلى حاجز و خذ منه ما يعطيك لنفقتك فأتيت بغداد و دفعت المال إليه فأعطاني شيئا منه فأخذته و انصرفت إلى الموضع الذي نزلت
[258]
فيه فإذا بفيج فاجأني من المنزل يخبرني بأن حموي قد مات و أهلي يأمروني بالانصراف إليهم فرجعت فإذا هو مات و ورثت منه ثلاثة آلاف دينار و مائة ألف درهم .

و من ذلك ما ذكره الراوندي رحمه الله أيضا في الجزء الأول من كتاب الخرائج و الجرائح قال إن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه كانت تحته ابنة عمه و لم يرزق منها ولدا فكتبت إلى الشيخ أبي القاسم بن روح أن يسأل الحضرة ليدعو الله أن يرزقه أولادا فجاء الجواب : إنك لا ترزق من هذه و ستملك جارية ديلمية ترزق منها ولدين فقيهين ماهرين فرزق منها محمدا و الحسين و كان لهما أخ أوسط مشتغل بالزهد لا فقه له .

و من الكتاب المذكور ما روي عن علي بن إبراهيم الفدكي قال : قال الأودي بينا أنا في الطواف طفت ستة أشواط و أريد أن أطوف السابع فإذا أنا بحلقة عن يمين الكعبة و شاب حسن الوجه طيب الرائحة هيوب مع هيبته متقرب إلى الناس و قالوا هذا ابن رسول الله يظهر للناس في كل سنة لخواصه يوما فيحدثهم فجئته و قلت مسترشدا فأرشدني هداك الله عز و جل فناولني حصاة فحولت وجهي فقال لي بعض خدامه ما الذي دفع إليك قلت حصاة فقال هو لي قد تبينت لك الحجة و ظهر الحق و ذهب عنك العمى أ تعرفني قلت اللهم لا قال أنا المهدي أنا قائم الزمان أملأها عدلا كما ملئت جورا إن الأرض لا تخلو من حجة و لا تبقى الناس في فترة أكثر من تيه بني إسرائيل فقد ظهر أيام خروجي فهذه أمانة في رقبتك تحدث بها إخوانك من أهل الحق .

[259]
يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس الحسني قد اقتصرت على هذه الأحاديث اليسيرة على ما كان و لو ذكرت ما في معناها كانت عدة مجلدات و اقتصرت على طريقين في الرواية من غير زيادة إلا ما استثنيته منهم (عليه السلام) لأجل السعادة و إني أرويه بعدة طرق من أهل المعرفة و السيادة و إنما ذكرت من هذه الأحاديث في هذا الكتاب المتعلق بأحاديث النجوم و ما في النجوم من خطإ و صواب لأني لما ذكرت أخبارا في صدق دلالات النجوم على الحادثات و صدق المخبرين بذلك فيما أوردناه من الحكايات اقتضى وجوب الاستظهار لنبوة جدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و لحرمة مقامه الشريف و بما دعا إليه من التكليف أن أبادر إلى التعريف لمن يقف على هذا التصنيف إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و من أكرمه الله جل جلاله من خاصته المنسوبة إليه كان منهم من أخبر عنه بالغائبات و شرف لأجله بالكرامات و بلغ ما بلغ الذين نقلوا عنه الأحكام المذكورات و ما كانوا معروفين بعلم النجوم و ما فيها من الدلالات على الكائنات و لا عرف لهم أستاذ من غيرهم تعلموا ذلك عليه و لا وجد لهم كتاب في علم النجوم ينظرون إليه و لا عرف أن ذاكرا ذكر أنهم افتقروا إلى الآلات من أصطرلاب و لا تقويم و لا زائجة و لا رمل و لا زجر و لا قيافة بل كان ذلك من فضل الله عليهم و الرحمة و الرأفة كما قال سبحانه في محكم الآيات أهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ .

[260]
******
و هذا آخر ما ورد على خاطري أن أذكره في كتاب فرج المهموم في معرفة منهج الحلال و الحرام من علم النجوم بما رجوت أن يكون صادرا عن رضا الله جل جلاله فاتح أبواب العلوم و أن يجعله ذخيرة و وسيلة إلى رحمته في اليوم المعلوم و كان الفراغ من تأليفه يوم الثلاثاء لعشرين من شهر المحرم سنة خمسين و ستمائة هلالية بمشهد مولانا الشهيد المعظم الحسين (عليه السلام) إلى يوم الدين و الحمد لله رب العالمين و صلاته على محمد و آله الطاهرين .

و فرغ من كتابته على نسخة كتبت بأصفهان لأمر السيد علي نظام الدين المكي الشيرازي سنة ألف و مائة و ثمان عشرة و قوبلت أقل العباد محاسن و أكثرهم مساوي محمد بن الشيخ طاهر السماوي في النجف سنة 1366- من الهجرة الموصوفة بأكرم وصف حامدا مصليا مسلما مستغفرا .

====
يقول مندوب النجف الأشرف:
احمد الله على نشر هذه التحفة النفيسة النادرة
نزولا لرغبة كثير من الأعضاء والأفاضل
و نرجو من ادارة الشامل
ان يصلح مشكلة بطئ ظهور صفحات المنتدى او نقصانها
وهي مشكلة بقيت تطل على المنتدى اكثر من سنة
ونرجو ان لا يحمل على مشكلة جهاز المتصفح او برنامجه او ...
والحمد لله رب العالمين

صورة رمزية إفتراضية للعضو خالد 999
خالد 999
عضو
°°°
افتراضي
شكرررررررررررررررررررررررررررررررر

الصورة الرمزية يناير
يناير
عضو
°°°
افتراضي
جزاكم الله خيرا

الصورة الرمزية محمد الشيمى
محمد الشيمى
المشرف العام
باحث في التراث العربي والاسلامي القديم
°°°
افتراضي
فرج الهموم في معرفة مناهج الحلال والحرام من علم النجوم
روابط شغالة باذن الله من ابو مريم
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط..
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط..
-----------------------------------------------------------------------------------------

صورة رمزية إفتراضية للعضو الكريم
الكريم
شاملي جديد
°°°
افتراضي
جزاكم الله خيرا
موضوع قيم


مواقع النشر (المفضلة)
مخطوطة فرج الهموم بمعرفة منهج الحلال والحرام من علم النجوم

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع
المواضيع المتشابهه
الموضوع
كتاب فرج الهموم في تاريخ علماء النجوم
مخطوطة فرج الهموم بمعرفة منهج الحلال والحرام من علم النجوم
كتاب فرج الهموم في علم النجوم
مخطوطة فرج الهموم بمعرفة منهج الحلال والحرام من علم النجوم
علم التنجيم بين ( الحلال والحرام ) .....!!!

الساعة الآن 02:31 AM.