المشاركات الجديدة
مواضيع مختلفة : أي موضوع لم يعنون سابقا

محاكمة سقراط

افتراضي محاكمة سقراط
محاكمة سقراط

خمسمائة قاض وقاض جلسوا ¡ الواحد بجانب الآخر ¡ على المدرج ذي المقاعد الخشبية المغطاة بالحصر ¡ وفي مواجهتهم ¡ رئيس المحكمة محاطاً بكاتبه والحرس . وفي اسفل المدرج وضع الصندوق الذي سيضع فيه القضاة أحكامهم بعد انتهاء المحاكمة . الجلسة علنية . ولا يسمح فيها لغير الرجال بالحضور . أما الطقس ¡ فقد كان جميلاً ¡ مما ادخل الارتياح إلى نفوس الجميع وجعلهم يأملون بجلسة كاملة لا يربك مجراها مطر يهطل على الرؤوس أو برد يعطل تواصل الأفكار . وإذا بدا لنا أن انعقاد محكمة في الهواء الطلق أمر مستغرب بل وطريف ¡ اليوم ¡ فلنتذكر أننا في أثينا ¡ في صباح من أصبحة ربيع عام 399 قبل الميلاد .
أثينا هذه التي قدمت الديمقراطية للعالم ¡ تعيش فترة عصيبة ¡ لقد هزمتها إسبارطة في حرب دامت بينهما سبعاً وعشرين سنة ¡ وفرضت عليها شروطاً قاسية . منها نظام "الثلاثين مستبداً " بقيادة أحد أبنائها ¡ كرينياس ¡ الذي تخلص منه الاثنيون منذ وقت ليس ببعيد . في هذا الجو من القنوط الوطني . كثرت الأحقاد وتعددت حوادث تصفية الحسابات لكن العدالة ظلت تعمل والقضاة في أثينا ¡ وعددهم ستة آلاف ¡ مواطنون متطوعون يجري أخبارهم سنوياً بشكل عشوائي . وهم يوزعون ¡ بعد الاختيار¡ في اثنتي عشرة محكمة في كل واحدة منها خمسمائة قاض وقاض .
متهم اليوم شيخ ذو لحية بيضاء وثياب رثة . انه ابن النحات سوفرونيسك والقابلة فيلا ريت وهو الملقب بسقراط . لكن ما هي التهمة التي سيحاكم اليوم على أساسها¿ لقد اتهمه أحد المواطنين ¡ ويدعى مليتوس ¡ بالكفر بالآلهة وبإدخال شياطين جديدة إلى المدينة وإفساد الشبيبة . وهي تهمة تستحق عقوبة الموت . ومن هو سقراط هذا ¿ انه رجل بلغ السبعين من عمره ¡ قبيح المنظر بعينية الجاحظين وانفه الأفطس ووجهه الممتلئ ناهيك عن ثيابه المهملة والمكونة من معطف صوفي لا أزرار له ولا حزام . وفوق كل ذلك ¡ فأنه لا يمشي إلا حافي القدمين ¡ في الصيف كما في الشتاء . ولد سقراط في أثينا عام 469 ق .م في عائلة تعمل في النحت وعبثاً حاول أبواه تعليمه المهنة . كان لا يميل إلا للحوار ومناقشة الآخرين حول مختلف المواضيع داعياً إياهم إلى التفكير معه والتأمل . كان يجوب المدينة يتحدث إلى المار ويستوقف الشباب يفقههم في أمور الوجود وجوانب الحياة . وأثينا في ذلك العصر من الديمقراطية ¡ كانت تعج بالفلاسفة ورجال السياسة والأخلاق يسعى الناس اليهم عنهم اصول الفكر وكان هؤلاء يتقاضون عن تعليمهم اتعاباً باهظة في معظم الاحيان . أما سقراط فكان يرفض بيع فكره كان يعتبر أن الفلسفة ممارسة عضوية ويومية ¡ وأنها وبالتالي ¡ نمط حياة . وغنى عن القول أن سقراط لم يكن مواطناً أثنيا كالآخرين . فهو لم يأبه لماديات الدنيا على الرغم من زواجه وإنجابه ثلاثه اولاد بل كان دائم الزهد في ما يشغل الناس . وهذا ما جعله غامضاً ¡ بل وموضع سخرية في الكثير من الأحيان . غير أن سقراط لم يعدم وسيلة لتوضيح حقيقة أمره كان يرد على مسامع محاوريه ان حقيقة الهية تدفعه للتصرف وان هذه الحقيقة يمكن ان لا تكون سوى ضميره القابع في اعماق نفسه . تلك المشاعر وهذه الأفكار هي التي لم ترق للبعض ¡ وهي التي أوصلته لان يمثل اليوم أمام المحكمة ¡ باعتبار انه " يفسد الشبيبة ولا يؤمن بآلهة المدينة " .
في بدء الجلسة ¡ ولم يكن في نظام المحاكمات آنذاك ما يسمى اليوم بالادعاء العام ¡ وقف المدعي الأول مليتوس يتكلم عن مفاسد سقراط في المجتمع . وأعقبه مدعيان آخران ليكون وانيتوس وكلهم طلبوا الحكم بالإعدام على " العجوز الشرير " . ولانيتوس هذا مبرر آخر للادعاء على سقراط فقد كان ابنه تلميذا من تلاميذ الفيلسوف و " مضللاً به " وهذا ما يفسر انشغاله عن صنعه ابيه وهي الاتجار بالجلود . يضاف إلى ذلك أن سقراط تهكم عليه مرة أمام الناس خلال مناقشة ظهر فيها الجاهل وحديث النعمة على قدر كبير من السخف . ومن سوء طالع العجوز أيضا ¡ إن كريتياس ¡ المستبد الدموي والعميل لإسبارطة ¡ كان من بين تلاميذه ¡ في فترة من فترات حياته . اتخاذه كريتياس وآخرين غيره ممقوتين في مجتمعهم تلامذة له هو من قبيل انفتاحه على الجميع ودون النظر إلى آرائهم السياسية والفلسفية أو إلى نمط الحياة التي يعيشون . وإذا توخينا الاختصار ¡ قلنا أن سقراط ¡ بأفكاره ومناقشاته ¡ بدأ يصبح شخصاً مزعجاً ¡ ليس للسلطات فقط ¡ بل للآباء الذين رأى بعضهم أبناءه يخرجون عن طاعته ويلحقون بالمعلم.
بعد انتهاء المدعين الثلاثة من كلامهم ¡ جاء دور المتهم . ومن إجراءات المحاكمة الاثينية في ذلك العصر أن يتولى المتهم شخصياً الدفاع عن نفسه . وإذا كان غير قادر ¡ فان محترفاً يقوم بتلقينه الدفاع وتحفيظه إياه عن ظهر قلب . يجب أن يستغرق الوقت الذي استغرقه الادعاء لا اكثر . بدأ سقراط دفاعه برد التهم ومن ثم ¡ بالانتقال إلى الهجوم ¡ قال أن من يدعي العلم ¡ من بين كل من ناقشت وحاورت ¡ وإنما هم جهلة ولا يفقهون من العلم شيئاً والحقيقة هي اني أعلم الناس . ذلك لان الناس يعتقدون انهم يعرفون شيئاً وهم ¡ في الواقع ¡ لا يعرفون أي شئ . أما أنا فأني اعرف أني لا اعرف . وانتهى سقراط بتحذير القضاة من الحكم عليه بالموت . وأن فعلوا فانهم لن يجدوا مثله وسيغرقهم الإله والاثنيين في سبات ابدي . أما إذا لم يفعلوا فسيعود إلى نشر أفكاره كما فعل دائماً وكما أوحى له ضميره . لم يستدر سقراط عطف القضاة كما يفعل عادة المتهمون الماثلون أمام مثل هذه المحكمة . لقد قال ما قاله وجلس دون أي انفعال . أما القضاة ¡ فقد بدءوا ينزلون المدرج ليضع كل واحد منهم حكمة في الصندوق . هذا الاقتراع هو أولي . انه ينحصر في تقرير تجريم أو عدم تجريم المتهم .
قضت نتيجة التصويت بتجريم سقراط بفارق بسيط في الأصوات : 281 صوتاً ضد 220 . ويقتضي القانون الاثيني ¡ في هذه الحال ¡ أن يعين المتهم نفسه العقوبة التي يراها ¡ هو مناسبة . وقف سقراط وأعلن انه يسره أن تتعهده البريتانية ! وتعالى الصخب وصياح الاستنكار من الحضور الذين رأوا في كلامه تهكماً وسخرية من هيئة المحكمة ومن كل الموجودين . ذلك لان البريتانية مؤسسة اثينية تتعهد عظام الرجال وتتولى تأمين معيشتهم بشكل لائق وكريم .
ما أن سمع القضاة كلام سقراط ¡ حتى قرروا أن يصوتوا بأنفسهم على نوع العقوبة ومستواها . نزلوا ثانية إلى حيث الصندوق وصوتوا على أن يكون الحكم بالإعدام هو الجزاء الذي يجب أن يناله سقراط وذلك بأغلبية كبيرة . لقد أوقع الرجل نفسه في التهلكة بعد أن كان يمكنه أن ينقذها بتصرف آخر أكد للجميع انه يسعى للموت بكل رغبة وحماس .
مضى شهر على صدور الحكم . أما طريقة للتنفيذ فهي الأسهل من بين لائحة لا يخلو بعض بنودها من العنف : تجرع كمية من سم يحضر خصيصاً للمناسبة . خلال هذا الشهر . جاءه كريتون ¡ أحد تلامذته المخلصين ¡ عرض عليه أن يقبل الهرب من السجن ¡ بعد أن يتدبر كريتون أمر رشوة الحراس ¡ فرفض سقراط قائلاً بوجوب احترام العدالة وقوانينها ¡ حتى ولو كانت هذه القوانين جائزة .
هذا الشهر الذي فصل بين صدور الحكم وتنفيذه ¡ أمضاه سقراط بهدوء أدهش المتصلين به من حراس ونزلاء . أما لماذا ابقي شهراً كاملاً ينتظر مصيره ¡ فهذا يعود إلى أن تنفيذ أحكام الإعدام لم يكن مسموحاً به في الشرائع الدينية آنذاك إلا بعد عودة الكهنة من جزيرة ديلوس .
وفي اليوم التالي لهذه العودة ¡ تجمهر تلامذته في السجن ووصلت زوجته . وما إن رأته والحراس يفكون أصفاده تمهيداً للإعدام ¡ حتى أجهشت بالبكاء ونتفت شعرها ومزقت ثيابها:
- آه يا زوجي ! هذه آخر مرة تتكلم وآخر مرة ترى فيها أصدقاءك ! .. تأثر سقراط وطلب إليها أن تذهب . ثم التفت نحو أصدقائه وبدأ يحدثهم ويتناقش وإياهم في مواضيع مختلفة في الفن والموت والروح .... وبينما هو كذلك ¡ إذ بالجلاد يقاطعه :
- لا تتحرك كثيراً يا سقراط ¡ وإلا يفقد السم مفعوله وللمرة الأولى ينفعل سقراط ويقول للجلاد:
- لماذا لا تضع كمية مضاعفة ¿ هذه مهنتك .
وعاد إلى التحدث مع تلامذته الذين لم يتمكنوا من إخفاء إعجابهم ودهشتهم . لقد استطاع هذا الإنسان أن ينتصر على غرائزه وعلى مخاوفه . وعندما اقترب الوقت المخصص لتجرع السم ¡ دخل سقراط غرفة مجاورة ليستحم وهو يقول :
- أريد أن أوفر على النساء تنظيف جثة ميت . طال الاستحمام والجلاد ينتظر على الباب . ولما خرج سقراط ¡ اقترب منه الجلاد وفي يده كأس السم . قدمه إليه وقال له :
- سقراط اعرف انك لن تشتمني كما يفعل الآخرون . أنت عاقل وتستطيع أن تتحمل قدرك .
- مرحى لك ! هيا . ماذا علي أن افعل ¿
- لا شئ سوى خطوات قليلة بعد التجرع . وعندما تشعر بثقل في ساقيك ¡ عليك أن تستلقي والباقي يتولاه السم نفسه .
وتناول سقراط الكأس وتجرعه دفعة واحدة بكل هدوء . لم يتمالك تلامذته مشاعرهم فانفجروا يجهشون بالبكاء مثيرين غضب المعلم :
- ماذا تفعلون ¿ لقد أمرت زوجتي بالرحيل حتى لا أرى ما يشبه مظاهر الضعف هذه أريد أن أموت بصمت الخشوع . فتمالكوا مشاعركم .
وصمت الجميع فوراً . بعدها استلقى سقراط كما أشار جلاده . وجاء الجلاد يقيد رجليه ويقول له :
- هل تشعر بشيء¿
- كلا
وطفق الجلاد يشرح للحاضرين أن الموت يصل إلى القلب بعدما تبلغ البرودة الرجلين والبطن.
وعندما شعر سقراط بهده البرودة تصل إلى بطنه ¡ أشار إلى تلميذه المخلص كريتون بالاقتراب ليقول له بصوت ضعيف :
- كريتون ¡ في ذمتنا ديك لا يسكولاب . ادفع له ثمنه دون نقاش .
- حاضر يا سيدي . هل تريد شيئاً آخر ¿
لم يجب سقراط . لقد أغمضت عيناه ...
" ديك لايسكولاب " إنها لا شك عبارة أراد بها سقراط التهكم على اله الطب . لم يوفر سخرياته على الآلهة ¡ حتى وهو على وشك أن يموت ! وما الموت بالنسبة له ¿ أليس هو التحرر ¿ أليس الشفاء من مرض هو الحياة ¡ كما كان يردد دائماً ¿
هذه الجملة التي قالها سقراط قبل موته ¡ والتي تمثل التشاؤم الهادئ والساخر بأبرز معانيه ¡ كانت عبارة رسالة من أول رجل أعدم في التاريخ بسبب أفكاره .



غير مبريء الذمه نقل الموضوع أو مضمونه بدون ذكر المصدر: منتديات الشامل لعلوم الفلك والتنجيم - من قسم: مواضيع مختلفة


...
....
صورة رمزية إفتراضية للعضو المشترى فى البيت السابع
المشترى فى البيت السابع
عضو
°°°
افتراضي
العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط..

سقراط (469 ـ 399 ق.م). فيلسوف ومعلم يوناني جعلت منه حياته وآراؤه وطريقة
موته الشجاعة، أحد أشهر الشخصيات التي نالت الإعجاب في التاريخ. صرف سقراط حياته تمامًا للبحث عن الحقيقة والخير. لم يترك أن سقراط أية مؤلفات، وقد عُرِفت معظم المعلومات عن حياته وتعاليمه من تلميذيه المؤرخ زينفون والفيلسوف أفلاطون، بالإضافة إلى ما كتبه عنه أريسطوفانيس وأرسطو. وُلد سقراط وعاش في أثينا. وكان ملبسه بسيطًا. وعُرف عنه تواضعه في المأكل والمشرب. وتزوج من زانْثِب التي عُرف عنها حسب الروايات أنها كانت حادة الطبع ويصعب العيش معها. وقد أنجبت له طفلين على الأقل.

كان سقراط يعلم الناس في الشوارع والأسواق والملاعب. وكان أسلوب تدريسه يعتمد على توجيه أسئلة إلى مستمعيه، ثم يُبين لهم مدى عدم كفاية أجوبتهم. قُدّمَ سقراط للمحاكمة وُوجهت إليه تهمة إفساد الشباب والإساءة إلى التقاليد الدينية. وكان سقراط يُلمحُ إلى أن الحكام يجب أن يكونوا من أولئك الرجال الذين يعرفون كيف يحكمون، وليس بالضرورة أولئك الذين يتم انتخابهم. وقد قضت هيئة المحلَّفين بثبوت التهمة على سقراط وأصدرت حكمها عليه بإلإعدام. ونفذ الحكم بكلِّ هدوء متناولاً كوبًا من سم الشوكران.

وكان سقراط يؤمن بأن الأسلوب السليم لاكتشاف الخصائص العامة هو الطريقة الاستقرائية المسماة بالجدلية؛ أي مناقشة الحقائق الخاصة للوصول إلى فكرة عامة. وقد أخذت هذه العملية شكل الحوار الجدلي الذي عرف فيما بعد باسم الطريقة السقراطية.

صورة رمزية إفتراضية للعضو المشترى فى البيت السابع
المشترى فى البيت السابع
عضو
°°°
افتراضي
العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط..

العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط..

العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط..

العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط..

العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط..

صورة رمزية إفتراضية للعضو المشترى فى البيت السابع
المشترى فى البيت السابع
عضو
°°°
افتراضي
العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط..

عاش سقراط بين الأعوام 469-399 ق. م. وكان مكتشف الفلسفة الأتيكية (العلية). وكان ابن سوفرونيكوس وفايناريت. أبيه كان مثال وأمه كانت قابلة. مارس سقراط النحت وقطع الحجر لفترة من الزمن.

خدم فى الجيش الآثينى خلال ثلاث حملات، فى بوتديا وديليون وأمفيبوليس. وفى هذه المعارك، أظهر الكثير من الشجاعة المعنوية.

فى بوتديا، حفظ المعرفة الآثينية الجيدة بالأسيبيادس العامة. فى البداية إهتم سقراط بالفلسفة العلمية، ولكن فى منتصف وأواخر أيام حياته، غير إهتمامه وإتجه للبحث فى علم السلوك الإنسانى.

كان سقراط مشهوراً بطريقته فى طرح الاسئلة و تعليم الطلبة طرق التفكير الصافى بعباراته المقتبسة الكثيرة، " هناك معنى جيد وحيد للمعرفة ومعنى سيىء وحيد للجهل". لقد كلف من قبل السلطات الآثينية للـ"الآلهة الغريبة" لمعالجة فساد الشباب.

سجن لمدة 30 يوما، وذات مرة رفض خطة معدة لهروبه. شعر الآثينيون بالأسى فيما بعد لمصير الفيلسوف العظيم وقرروا تكريس تمثال لذكراه، الذى يوجد الآن فى أكاديمية بلاتو فى آثينا.

صورة رمزية إفتراضية للعضو المشترى فى البيت السابع
المشترى فى البيت السابع
عضو
°°°
افتراضي
العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط..

العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط..

تمثل الحقبة التي عاش فيها سقراط نهاية المرحلة الثانية من تطور الفلسفة اليونانية وإنتهاء عصر السوفسطائيين؛ وقد افتتح سقراط بفلسفته مرحلة جديدة في ازدهار الفلسفة اليونانية، ومهَّد لتلميذه أفلاطون تطوير هذه الفلسفة الى مجالات واسعة، انتهت إلى ذروتها على يد تلميذ الأخير أرسطو.

حياته (469-399 ق.م):

سقراط بن سفرنيقوس، ولد في أثينا حـوالي469 ق. م، كـان والـده يشـتغل فـي صـناعة التماثيل، اشتغل سقراط في صباه بصناعة والده، ثم توجه إلـى الفكـر الذي أغرم به، واشتغل بالجدل والحوار، وإثارة المشاكل الفكرية، والشكوك في نفـوس الناس حول القضايا التي أثارها السوفسطائيون.

وقد كان سقراط حكيمًا، امتاز بسرعة الفهم وحدة الذهن، وحضور البديهة والبراعة في إخفاء سخريته، وطبع بمزيج غريب من الـتحكم فـي الـنفس، والمهـارة والحماس وبراعته في المناقشات، والدقة في كشف خداع الناس له.

ولقد ذاع صيت سقراط، واشتهر أمره في زمانه، ورغم ذلك تألَّب الناس عليه لأنه نهى الرؤساء في زمانه عن الشرك وعبادة الأوثان، فاتهموه بالإلحـاد وإنكـار آلهـة اليونان، والدعوة إلى آلهة جدد، وإفساد عقول الشباب، نتيجة ذلك قُدِّم للمحاكمة؛ فحكـم عليه بالإعدام بسقايته سم الشوكران، مات وعمـره سبعين سـنة 399 ق.م.

فلسفة سقراط:

تدور فلسفة سقراط حول موضوع واحد هو الإنسان، وإذا ما تناولـت الكـون الطبيعي وموجوداته الحسية وظواهره؛ فإنما لكونها مركز الإنسان وبيئته، ومكان نشأته ونموه، ويمكن القول بأن الأساسين الكبيرين لكل آرائه هما:

1- اعتقاده بوجود الحقيقة، وبإمكان معرفتها.

2- ربطه العمل بالعلم، أي جعله المعرفة أساسًا للسلوك.

والذي يهمنا من فلسفة سقراط أمران، وهما اللذان يمثلان الصورة المتباينة عن فلسفة السوفسطائيين[1]:

الأول: تحديده لمنهج المعرفة لما يترتب عليه من تحول كبيـر فـي موضـوع الفلسـفة ومنهجها في تاريخ الفكر اليوناني.

الثاني: تحديده لمفهوم الفضيلة لما يترتب عليها من وجهة نظره الأخلاقية.



أولًا: المعرفة:

كان السوفسطائيون يرون أن المعرفة مقصورة على الإحسـاس، وهـي لـذلك تختلف باختلاف الأشخاص، فما يراه الشخص حقًا فهو عنده حـق، وإن رآه الآخـرون بخلافه، لأن الإحساسات تختلف باختلاف الناس.

فلما جاء سقراط أنكر قولهم في المعرفة، وأثبت أن العلم إنما هو في المدركات العقلية، وأن المعرفة تتكون من حقائق كلية، يستخلصـها العقـل لا الحـواس مـن الجزئيات المتغيرة، ولما كان العقل عنصًرا مشتركاً؛ لزم أن تكون الحقيقة عنـد شـخص معين هي نفسها الحقيقة عند شخص آخر، وهكذا.

ثانيًا: الفضيلة:

قال سقراط أن الفضيلة أمر بديهي في أساس تكوين الإنسان، لكن الإنسان حين يخطـيء معاينة الفضيلة يظن الباطل حقًا والشر فضيلة؛ لهذا فإن الحقيقة التي يراها سقراط أنه على الناس إعادة فحص ما هم متيقنون من معرفته.

وذهب سـقراط إلـى الربط بين الفضيلة والمعرفة، فالإنسان الذي يرغب أن يكون فاضلًا فلا بـد أن يكـون عارفًا، وبمقدار ما يتحصل المرء من المعرفة؛ معرفة عن نفسه وما تشتمل عليـه مـن مَلَكات وقوى، ومعرفة عن الكون؛ بمقدار ما يكون المرء فاضلًا.

وذلك لأن معرفة الخير ستدفع إلى فعله، ومعرفة الشر تحض المرء على تركه، والإنسان يبتعد عن فعل الخير ويسـلك الشر لأنه جاهل بالخير والشر.

ويرى سقراط أن الإنسان روح وعقل يُسيِّر الجسم ويدبره، ولـيس مركبـًا مـن الهوى والشهوة كما ذهب السوفسطائيون، وذهب إلى أن القوانين العادلة لا مصدر لها إلا العقل، وهي متفقة مع القوانين غير المكتوبة التي رسمتها الآلهة في قلوب البشر، فمـن يحترم القوانين العادلة إنما هو في الواقع يحترم العقل والنظام الإلهي.

بحثه فيما وراء الطبيعة:

بحث سقراط فيما وراء الطبيعة، فذهب إلى أن النفس ليست مجرد مبدأ الحيـاة، بل هي أهم من ذلك، هي" الذات الأخلاقية"، وقال بخلود النفس، وأقام الأدلة على وجـود الإله، وهو في نظره إله خير لا يدركه العقل، ولا يحيط به الوصف، ولا يصـدر عنه إلا كل صلاح، ولا يشبه الحوادث في قول أو فعل، وأنه واحد لا يتغير ولا يتبدل، والواجب على الإنسان أن يطيع أوامره مهما كلفه من مشقة وتعب[2].

وكان سقراط يتحدث كثيرًا عن "الإله "المفرد أو عن الألوهية، مخالفًا ما يتحـدث به الآخرون بلفظ الجمع" الآلهة"، وكان ينهى عن عبادة الأصنام، وشدد في نهيـه علـى الملك، وقال له: ( إن عبادة الأصنام نافعة للملك ضارة لسقراط، لأن الملك يصلح بها رعيته ويستخرج بها خراجه، وسقراط يعلم أنها لا تضره، ولا تنفعه، إذا كان مُقرًّا بأن له خالقًا يرزقه، وجازيه بما قدم من سيئ أو حسن )[3].

منهجه في البحث والتفكير:

ابتدع سقراط منهجًا جديدًا في التفكير والمحاورة يقوم على أمرين:

-1 التهكم: بناه على تصنُّع الجهـل، والتظـاهر بالتسـليم لوجهـة نظـر الخصوم، ثم الانتقال إلى إثارة الشكوك حولها، ثم يستخلص من آراء الخصوم لوازم لا يستطيعون الالتزام بها، لكونها متناقضة مع آرائهم ومعتقداتهم، وبذلك يوقعهم فـي الحرج والتناقض، وكان قصد سقراط من هذا تنقية أذهان النـاس مـن المعلومـات الفاسدة، وتطهيرها من القضايا الكاذبة والمعارف الخاطئـة التـي ورثوهـا عـن السوفسطائيين.

-2التولد: أي تولد الحقيقة من نفوس الخصوم، من خلال استنباطها عن طريق توجيـه الأسئلة إليهم في نسق منطقي وترتيب فكري، ولم يكن حـواره ينتهـي إلـى نتيجـة معينة، وإنما كان القصد منه تنبيه الأذهان إلى ضرورة التزام الدقة في اختيـار الألفـاظ، وإلى أن المعاني موجودة في النفس، ولا سبيل إلى استخراجها إلا بالحوار.


سقراط والحب والجمال

المكان : أثينا القديمة

الزمان : العام 407 ق.م
المناسبة : مأدبة أقامها الشاعر الأثيني أجاثون لأخلص أصدقائه إحتفالاً بفوزه بالجائزة الأولى لتأليف الدراما المسرحية
بين أحاديث السمر وتبادل الأنخاب ، إنتقلت دفة النقاش إلى موضوع من أحب الموضوعات التي يحلو فيها الحديث للسامرين (الحب) ، فبدأ كل يدلي برأيه فيه وفق فلسفته الخاصة


قال فيدراس الحب هو أقدم الألهة وواحداً من أقواها وأعظمها نفوذاً ، إنه يخلق من الأفراد العاديين أبطالاً بدافع خجل العاشق من إظهار الجبن في حضرة محبوبته .. فلتعطوني جيشاً من العاشقين وأنا الكفيل بأن أغزو به العالم


فقال المتحدث الثاني بوسانياس معلقاً .. هذا صحيح لكن ينبغي أن نفرق بين الحب الأرضي والحب السماوي .. بين الجاذبية بين جسدين من ناحية ، والتجاوب بين روحين من ناحية أخرى ، فعندما تذبل زهرة الشباب يتخذ الحب الجسماني الزائل لنفسه أجنحة ويطير إلى غير رجعة ، أما حب الروح النبيل فهو باق ودائم


وهنا يدخل الشاعر الفكه أريستوفان في الحديث فيأتي بنظرية جديدة في الحب إذ يقول .. في سالف الزمان كان الجنسان متحدين في جسم واحد ، مستدير كالكرة وله أربع أياد وأربع أقدام ووجهان ، وكان هذا الجسم سريع الحركة إلى درجة خارقة ، حيث يستخدم أطرافه الثمانية في الدوران الدائب كالعجلة ، وكان قوته رهيبة وطموحه لا يحد ، فبدأ يدبر الخطة لمحاصرة السموات ومهاجمة الألهة !! لكن زيوس كبير آلهة جبال الأوليمب أحس بالخطر المقترب ففكر في أن يشطر ذلك الجنس إلى شطرين .. إلى رجل وإمرآة كي تضعف قوته وينشغل كل نصف بالسعي إلى نصفه الآخر ! وقد كان ، ومنذ ذلك اليوم صار يلهب كلا من الشطرين شوق مضن إلى الإندماج في شطره الثاني ، وهذا الشوق الذي يجذب كل من الجنسين نحو الجنس الآخر هو ما نسميه الحب


وتلت هذا التفسير الهزلي للحب أراء وتعريفات أخرى لطيفة حتي سئل ضيف الشرف سقراط أن يدلي بدلوه في النقاش فقال .. بعد كل هذه الفصاحة لا أجد ما أقوله إذ كيف يتأتى لغبائي أن يحاجج مثل هذه الحكمة ؟ ، وبعد أن يلقى سقراط عن كاهله العبء بهذا التمهيد المنطوي على تواضع ساخر يستأنف حديثه لينسف بغبائه كل حكمة القوم ويمزق حججهم الواهية بسلسلة من أسئلته المحيرة التي لا جواب لها والتي كان أول من إبتدعها في المناقشة وبرع فيها ، فصارت اليوم أساساً من أسس التربية والتعليم ، وبعد أن يتم له هدم بنائهم المتداعي يشرع في التشييد والبناء على أنقاضه فيطلع على مجالسيه بهذه النظرية الجدية في الحب إذ يقول :


الحب هو جوع النفس البشرية للجمال الألهي ، فالعاشق لا يشتاق فقط إلى العثور على الجمال وإنما يشتاق أيضاً إلى خلقه ومواصلته ببذر بذرة الخلود في الجسد الفاني ، وهذا هو سر حب كل من الجنسين للأخر ، لرغبتهما في إعادة إنتاج نفسيهما من جديد ، وإطالة فسحة الزمن أمامهما إلى الأبد ، وهذا هو أيضاً سر حب الأباء لأطفالهم ، فكما يستمرىء جسم الوالد خلق طفله ، تستمرىء روحه متعة خلق روح جديدة تواصل بعدها حمل مشعل البحث الخالد عن الجمال


ويستطرد سقؤاط متسائلاً .. ما هو هذا الجمال الذي نسعى جميعاً إلى إستمراره عن طريق الحب ؟ إنه الحكمة والفضيلة والشرف والشجاعة والعدل والإيمان ، وبالإختصار فإن الجمال هو الحق ، والحق يقود رأساً إلى الله


وهنا يصفق الحضور للفيلسوف الحافي القديمين ويستمر برنامج سهرتهم حتى الصباح ثم يخرج سقراط ليبدأ جولته اليومية لنشر الحكمة بين أهل أثينا


سُقـــــــــراط
469 – 399 ق م


مازال سقراط، الذي يمكن اعتباره أبا الفلسفة الغربية، شخصية يكتنفها الغموض بشكل عام؛ وذلك عائد، ربما، إلى أنه لم يترك لنا أيَّ أثر مكتوب. فقد عرفناه إما من خلال المشنِّعين عليه كأرستوفانِس في كتابه السحب
Les Nuées
الذين صوَّروه كشخص مثير للسخرية أو كسفسطائي خطير، أو من خلال أتباعه المتحمِّسين.. ككسينوفانِس وأفلاطون وأرسطو، الذين صوَّروه، وفق المنقول المعروف، كـموقظ استثنائي للنفوس وللضمائر
لذلك نرى أفلاطون.. الذي كان تلميذه.. طارحًا عقيدته على لسانه؛ فسقراط كان بطل معظم حوارات هذا الأخير
من تلك الحوارات الأفلاطونية نذكِّر تحديدًا بدفاع سقراط وفيذون، اللذين تَرِدُ فيهما كلُّ المعلومات المتعلقة بحياة أبِ الفلسفة وموته
ونتذكَّر هنا، للطرافة، ما جاء على لسان ألكبياذِس في نهاية محاورة المأدبة، حين قارن بين قبح سحنة سقراط العجوز وبين جمال أخلاقه، مشبهًا إياه بالتمثال المضحك لسيليني الذي كان يتوارى خلفه أحد الآلهة
**********
ولد سقراط في أثينا من أب نحَّات وأمٍّ قابلة؛ وقد مارس في البداية مهنة والده، مكتفيًا بالعيش عيشة بسيطة برفقة كسانتيبي، زوجته التي لا تطاق، حتى وقع ذلك الحدث الذي أيقظ موهبته الفلسفية، حين أخبرت البيثيا، كاهنة هيكل ذلفُس، أحدَ أصدقائه ذات يوم بأن سقراط هو أكثر البشر حكمةً؛ الأمر الذي دفع به، وقد بدا مشكِّكًا في ذلك بادئ الأمر، لأن يندفع في محاولة تلمُّس أبعاد تلك الكلمات التي حدَّدتْ مسار حياته
وهكذا بدأ مسيرته، متلمسًا طريقه من خلال مواطنيه، محاولاً استكشاف مكامن تفوُّقه المفترَض – ذلك المسار الذي أوصله إلى تلك النتيجة التي مفادها أن: كل ما أعرفه هو أني لا أعرف شيئًا، بينما يعتقد الآخرون أنهم يعرفون ما لا يعلمون

تلك الحقيقة التي جعلت من فكره الثاقب أمرًا مزعجًا، حينما يقارَن بالامتثالية الفكرية للكثير من معاصريه.. فقد كانت نقاشاته التي لا تنتهي تلقى اهتمامًا كبيرًا من قبل الشبيبة، مما أثار قلق أولياء الأمور، الذين سرعان ما اتَّهموه بالإلحاد وبالتجديف وبإفساد أبنائهم؛ الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى محاكمته والحكم عليه بالموت – تلك المحاكمة الشهيرة التي حاول سقراط عبثًا الدفاع عن نفسه خلالها
**********
كانت فلسفة سقراط، أولاً وقبل كلِّ شيء، إجابة على طروحات أناكساغوراس، الذي كان يعتقد بأن فطنة الإنسان إنما تعود فقط لامتلاكه يدين.. أدوات عمل
أما سقراط فقد كان يعتقد بأن فطنة الكائن البشري إنما علَّتُها تلك الروح العاقلة القوَّامة على الجسد، والتي تشارك الإله في طبيعته. انطلاقًا من هذه القناعة ومن هذا الاعتقاد انبثق العديد من تعاليمه؛ لأنه إن كانت نفس الإنسان ذات أصل إلهي
ونشير هنا إلى أن سقراط، خلافًا للمعتقدات السائدة، لم يكن يعتقد بأن الآلهة تعاني من انفعالات بشرية، فإنه يصير بوسعنا قبول ذلك المفهوم الداعي إلى ضرورة تفهُّم أفضل للنفس، أي: اعرف نفسك، العبارة المنحوتة على واجهة هيكل ذلفُس، التي اتخذها سقراط شعارًا: حياة لا يُفحَص عنها لا تستحق أن تعاش.. لأن أكثر ما يشدِّد العزيمة، حينما يتعلق الأمر بفناء الجسد، هو الإيمان بخلود الروح
ونشير هاهنا، بالإضافة إلى ما سبق، إلى شجاعة سقراط وهدوئه قبل أن يجرع كأس السمِّ الذي وضع حدًّا لحياته؛ ونستذكر أقواله حين قارن نفسه بالبجعة التي تغني قبل أن تموت، ليس لأنها تخاف الموت، وإنما بدافع ما تتطلَّع إليه من سعادة ومن أمل


**********
يعتقد سقراط أن الكرامة الحقيقية للنفس إنما تنبثق من العلم الذي هو ميراثها الحق. لكن العلم الذي يعتقد به لم يكن يرتكز، كما هي حالنا اليوم، على ظواهر العالم الخارجي
فقد اتخذ سقراط، منذ البداية، موقفًا معارضًا من منظِّري الطبيعة لافتقارهم إلى الحسَّ الإنساني؛ واتخذ أيضًا، في الوقت نفسه، موقفًا معارضًا من مذهب السفسطائيين، الذين لا يمتلكون موهبة الحسِّ العلمي
فقد جمع سقراط بين المبادئ المقبولة للفيزياء وبين إتقان الجدل – جمع ما بين الشكل العلمي للمذهب الأول وبين الهمِّ الإنساني للثاني – جاعلاً من علم الأخلاق في القلب من مسعاه الفلسفي.. لأنه، وفق مفهومه، بات يجب على الروح، التي تخلَّت عن محاولة فهم الكون، الهبوطُ إلى أعماق نفسها، كي تستنبط الحقائق الأساسية الكامنة في تلك الأعماق على شكل حالات بالقوَّة.. الأمر الذي يجعل النفس قادرة على الإحاطة بالمعرفة، بدون أن تقع أسيرة للأشياء الخارجية.. وهذا ما سيبرهن عليه لاحقًا كلٌّ من ديكارت وكانت.. إذ إنه أضحى من واجب العلم الرافض للانفعالات البشرية أن يركِّز على ماهية المعاني المجردة
concepts
التي كان سقراط أول من اكتشف مفهومها. فعن طريق السكينة والاستقرار الداخليين، نتوصل إلى استنباط جوهر الأشياء، ونتمكَّن من التعبير عنه بواسطة التعريفات
وكان هذا ما فعله سقراط – ممهدًا بذلك الطريق للنظرية الأفلاطونية التي ستليه – حين حاول، على سبيل المثال، تعريف مفهومي: الشجاعة والصداقة

lysis ; lachès
**********

وبما أن موهبة فنَّ العيش السليم، كطريق إلى السعادة.. والخير هو السعادة وفق المأثور القديم، مرتبطة بمعرفة النفس، فإنها، متجاوزةً حذاقة السفسطائيين، تكشف ضلال البشر الذين لا يهتمون، في معظم الأحوال، إلا بالأشياء التافهة الزائلة.. كالثروة، والسمعة، إلخ، ويتجاهلون ما هو أساسي، أي الحقيقة الكامنة في نفوسهم
وتبدأ المعرفة، بحسب سقراط، بفعل تطهُّر.. سبق أن دعا إليه الأورفيون والفيثاغوريون، يُظهِر، من خلال التخلُّص من الأفكار المسبقة بإظهار بطلانها، مختلف الخصال الحميدة.. كالاعتدال، والعدالة، إلخ؛ تلك التي، إنْ أحسن المرء استعمالها، تتحول إلى فضائل؛ إذ: لا أحد شرير باختياره، وإنما بسبب الجهل
هذا وترفض طريقة سقراط لبلوغ المعرفة كلَّ وحي يتجاوز العقل – فـ"شيطان" سقراط هو في المقدرة على الإقناع، وليس في الإبداع – وتعتمد الجدلية

dialectique
لأن هذه الأخيرة، عِبْر مرحلتيها اللتين هما التهكُّم والتوليد.. الذي هو، على طريقة سقراط، استيلاد الحقيقة من النفس
maïeutique
تسمح – وسط أجواء من الصداقة – باستخلاص نقاط التلاقي بين المتحاورين، أي الحقائق الكونية المتعارَف عليها وفق متطلَّبات المنطق

**********

لقد كان سقراط بحق مؤسِّس فلسفة الأخلاق وأول منظِّر للعقلانية.. الأمر الذي سيُكسِبُه عداء نيتشه
كما كان داعية إلى حرية الرأي والتفكير الفردي؛ مما جعل منه، بالتالي، مثالاً يُحتذى في كلِّ موروث فلسفي لاحق


**********

عن قاموس ناثان الفلسفي
تأليف جيرار دوروزوي وأندريه روسيل
تعريب: أكرم أنطاكي




صورة رمزية إفتراضية للعضو sm
sm
عضو
°°°
افتراضي
شكراً جزيلاً أخ محمود على هذه المعلومات القيمة , وفقك الله ....

صورة رمزية إفتراضية للعضو المشترى فى البيت السابع
المشترى فى البيت السابع
عضو
°°°
افتراضي
لا شكر على واجب عزيزى ,,,, الفلسفة هى غاية كل انسان

صورة رمزية إفتراضية للعضو المشترى فى البيت السابع
المشترى فى البيت السابع
عضو
°°°
افتراضي
محاگمة سقراط بين الفلسفة والسياسة
الجمعة 1 شتنبر 2006
أثارت محاكمة سقراط جدالا واسعا لا زال مستمرا إلى يومنا هذا. وهذا راجع إلى مكانته المتميزة على الساحة الفلسفية والفكرية. غير أن محمد كريم يحاول في هذا المقال أن يستقرأ من خلال هذه المحاكمة مشكلة الوعي الذي يستطيع أن يحصله الإنسان عند ذاته وعن علاقاته بالآخر وموقعه داخل العالم

ليس من شك في أن الفيلسوف اليوناني سقراط يعد واحدا من الفلاسفة الذين أثاروا من الإعجاب والعداوة في آن واحد ما لا يتفق إلا للرجال الممتازين، وأن أثره كان من القوة بحيث إن اسمه يشطر الفلسفة اليونانية شطرين : ما قبله وما بعده. وهناك إجماع بين مؤرخي ودارسي الفلسفة على أن سقراط يعتبر نموذجا ممتازا للفيلسوف الوجودي لأنه عبر بحياته الخاصة عن ذلك الارتباط العميق بين الفلسفة والحياة. فهو يمثل الصورة العليا للفيلسوف، وفي هذا السياق نفهم ما قصده "كير كيجارد"، في رسالته حول مفهوم التهكم، حينما اعتبر سقراط نقطة استدلال ونقطة تحول في مجرى تاريخ الفلسفة، وأنه هو الذي أوقف هذا المجرى عندما افتتح عصرا جديدا ارتد فيه وعي الإنسان إلى نفسه لأول مرة، أما هيجل فيعتبره ثوريا في مجال الأخلاق، إذ يمثل المنعطف الرئيسي للفكر في داخليته. هناك ميزة خاصة انفرد بها سقراط، وهي أنه لم يكتب شيئا، لكن كتب عنه الكثير، ففي الخميسنيات من القرن الماضي تبين أن هناك أكثر من ستمائة عمل نقدي وأكاديمي حول ما اتفق على تسميته «المسألة السقراطية» ومن الصعب الجزم هل لذلك صلة بشخصية سقراط، أم أن ذلك راجع إلى كون اليونانيين كانوا يحذرون من المكتوب؟ (تجدر الإشارة هنا إلى أن سقراط أثناء محاكمته، استلم دفاعا مكتوبا، لكنه رفض استخدامه). كذلك، يُعرف عن سقراط أنه لم يؤسس مدرسة كما فعل أفلاطون وأرسطو، لأن طريقته في البحث لم تكن تتلاءم مع تقاليد إنشاء مدرسة، حيث يكون إلقاء الأفكار فيه نوع من التبعية للمعلم، في حين كان سقراط فيلسوفا متجولا، يسأل الناس في الأماكن العامة. من المناسب الآن أن ننظر في محاكمة سقراط في ظل الوضع الديمقراطي الذي عرفته اليونان، حيث تبدو هذه المحاكمة متناقضة مع إعلان العفو العام السائد، ومع طبيعة المبدأ الديمقراطي الأثيني الذي يقضي باحترام حرية الرأي والفكر... هذه المحاكمة التي خلدها أفلاطون في عدد من محاوراته، وخاصة محاورة «الدفاع» مما جعلها من أشهر المحاكمات في التاريخ. ومن المعروف أن أفلاطون حاول استغلال هذه المحاكمة للنيل من الديمقراطية اليونانية وبيان قصور نظامها القضائي، وقد أثرت الصورة التي رسمها أفلاطون بصفة خاصة على كثير من الكتاب والمفكرين إلى يومنا هذا في اتهام النظام القضائي في الديمقراطية الأثينية بالظلم وعدم احترام حرية الفكر.. نعرف من أفلاطون أقرب المقربين إلى سقراط أن المسؤولين عن اتهام الأخير كانوا ثلاثة : "أنيتوس" Anythos، وهو يمثل رجال الصناعة والسياسيين، و"ميلتوس" Melotos وهو يمثل الشعراء، و"ليكون" Lykon ويمثل الخطباء، وأن تحديد أدوارهم بهذا الشكل، يشعرنا بخطورة الموقف، مما يعني أن الخصومة أو العداوة ضد سقراط ذات طابع عام وليست شخصية بأي حال، وهنا نتساءل ما هو الإثم الذي يمكن أن يرتكبه فيلسوفنا ليثير ضده الحكومة الديمقراطية الجديدة التي أخذت بمبدأ التسامح على نحو ما ذكرنا سابقا؟ من المعروف أن صك الاتهام، الذي على أساسه حوكم سقراط، يتضمن عدة تهم أهمها أن سقراط لا يؤمن بآلهة المدينة، وأنه يدعو لآلهة جديدة، أما الاتهام الآخر فيشير إلى إفساد شباب المدينة. وفي رد سقراط على الاتهامين معا، فإنه أنكر اتهامه بعدم الإيمان بالآلهة إنكارا مطلقا أكثر من مرة. أما الاتهام الثاني فنجده يتناوله على أنه متعلق بنظريته التي مفادها أن الفضيلة والحكمة هما سبيل الرقي البشري وأنه يعلم ذلك للشباب. ثمة أسئلة تطرح بصدد هذه المحاكمة إن كانت فعلا حول الدين وخطورة الموقف الفلسفي الذي تبناه سقراط أم أن أعضاء المحكمة الشعبية وعددهم 501 عضو والذين اختيروا بالقرعة من عامة الشعب لم يكونوا من الثقافة والفهم بالقدر الذي يمكنهم من استيعاب كلام سقراط حول الفضيلة والخير والقانون... (وهذه المسألة في غاية الأهمية بالنسبة لطبيعة النظام الديمقراطي في أثنيا، وهنا لا بد من الرجوع إلى أفلاطون، وأرسطو للوقوف على مؤاخذتهما على الديمقراطية كما مورست عند اليونان) أم أن هذه المحاكمة كانت سياسية وتم تغليفها بالدين والفلسفة حتى تكون حافزا وتثير الجماهير التي غالبا ما يثيرها العنصر الديني، وحتى لا يفسر الاتهام بأنه مخالف لمبدأ العفو العام، وعدم إثارة خلافات سياسية قد تعصف بالديمقراطية...؟ لقد قيل لسقراط، عند اقتراب يوم المحاكمة: «ألا تعد دفاعك وتعنى بإعداده؟» فرد سقراط متجاهلا : «وماذا كنت أفعل إذن طوال حياتي؟ ما أظنني كنت أفعل شئا إلا إعداد ذلك الدفاع..!» إن مشروعية الأسئلة السابقة تؤكدها وقائع ثابتة ومؤكدة، وهي أن سقراط كان مواطنا بالمعنى الإغريقي للكلمة، كما عرف عنه أنه كان رجلا صادقا مع نفسه، ولذلك كان أمينا مع نفسه حين قرر أنه لا يستطيع ممارسة السياسة في ظل النظام الديمقراطي السائد، والذي لم يقتنع بطرق ممارسته، وهذا ما عبر عنه صراحة في المحاكمة على النحو التالي: «يجب أن تعلموا، أيها الأثينيون، لو أني كنت حاولت الاشتراك في شؤون الدولة، لكنت هلكت منذ زمن طويل، دون تحقيق أي مصلحة لكم أو لنفسي...، ليس هناك أي إنسان يمكنه أن يبقى آمنا، إذا عارضكم بأمان وصدق، وحاول منع وقوع تجاوزات كثيرة يمكن أن تحدث في الدولة، ضد العدل والقانون. لذلك يجب على من يريد أن يصارع من أجل الحق، إذا رغب أن يكون آمنا ولو لفترة قصيرة من الزمن، أن يحيا حياته الخاصة بعيدا عن معترك السياسة.» قد يتعب المرء في تعداد الأوصاف التي وصف بها سقراط، فالبعض اعتبره قديسا، وهناك من وصفه بـ"المعضلة" وكلمة سر، وفولتير اعتبره فيلسوفا دراميا. لقد بدا سقراط أثناء محاكمته، أنه مغتبط بالموت، وأنه لا يعتبره شرا، بل يرى فيه الخير كل الخير، سواء افترضناه سباتا أبديا، أم بعثا لحياة جديدة، وهذا ما دفع الكثيرين إلى تفسير تقبل سقراط لقرار الإعدام، وتمسكه بالبقاء في أثنيا- لأن مغادرتها يعني مخالفة قوانينها- على الطريقة الرواقية، أو على غرار البوذيين الذين عرف عنهم تضحيتهم بأنفسهم بعظمة لإثبات عدالة قضيتهم. أما الفيلسوف الفرنسي "ميشال فوكو"، فيرى أن سقراط كان ضحية للحقيقة، باعتبار أن قول الحقيقة يتطلب نوعا من الشجاعة، والقدرة، لما تثيره معرفة الحقيقة من نتائج وخيمة على قائلها، قد تؤدي به إلى الموت. والحقيقة هنا، مرتبطة بالالتزام والمخاطرة بكل شيء في سبيلها. إنها الحقيقة في أعلى درجات صورها La vérité par exellence، هنا فقط يصبح الموت كخاتمة فذة ونهاية مجيدة تكمل صورة الفيلسوف. (تجدر الإشارة إلى أن الموت عند "هوميروس"، وسائر التراجيديا اليونانية، كان تحقيقا للمصير، واكتمالا Accomplissement للحياة..) والموت، بهذا المعنى، هو الذي يخلع على حياة مثل هؤلاء العظماء طابع الجدية والخطورة، ويجعلهم يتقبلونه باطمئنان وشجاعة، هذا ما قاله سقراط بعد صدور حكم الإعدام عليه: «أما إذا حكم علي بالإعدام لعجزي عن الخطابة أو التملق، فأنا متأكد من أنكم ستجدونني أستقبل الموت هادئا مطمئنا..» لقد كان سقراط مقتنعا بأن على الإنسان أن يعود إلى ذاته، ويبحث داخل نفسه عن غايات لأفعاله، وللعالم في وقت واحد، وهنا نتساءل: ألا يضعنا المبدأ السقراطي الشهير :«أيها الإنسان، اعرف نفسك بنفسك»- الذي قرأه في معبد دلف- في قلب أكبر وأخطر مشكلة فلسفية، ألا وهي مشكلة الوعي الذي يستطيع أن يحصله الإنسان عن ذاته وعن علاقاته بالآخر وموقعه داخل العالم...؟!

محمد كريم

اعتمد الكاتب في مقاله هذا على المراجع التالية: Platon : Apologie de socrate-Trad. et Notes par : E CAmbry GEP.
André cresson: Socrate. PUF. 1962
François chatelet : De platon à St thomas: Collection Marabout Tom. 1.1979
إمام عبد الفتاح إمام : مفهوم التهكم عند كير كيجار جامعة الكويت 1983
محمد سبيلا وعبد السلام بن عبد العالي : الحقيقة إعداد وترجمة - دار توبقال - ضمن دفاتر فلسفية.

الاحدات المغربية

الصورة الرمزية nahid.fs
nahid.fs
خبير فلكي
علوم الفلك والتنجيم
°°°
افتراضي
شكرا أخي المشتري في البيت السابع .
مشاركتك تشرح الصدر , فيها إشباع الى حد ما , حيث تنوعت فيها الأفكار , فغدت كحديقة مختلفة الاشجار .
في الواقع مهما يكتب عن هذا الحكيم العملاق لم يوف حقه , فمنذ حوالي ال 24 قرنا لم تزل التحليلات من هنا وهناك عن تلك الشخصية التي تكاد لم تتكرر حتى الآن , ولم يتم الوصول الى عمق ما تمتع به من قيم وعلم ومعرفة .
بحق انه بحر لم يدرك قعره , ولم يسبر غوره . له فضل على البشرية جمعاء في تأسيس البنيان المعرفي , وتأصيل البذار الروحي .


مواقع النشر (المفضلة)
محاكمة سقراط

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
الانتقال السريع
الساعة الآن 09:12 PM.