المشاركات الجديدة
تواريخ وحوادث : لتكوين قاعدة بيانات بتواريخ الاحداث والمواليد

علم الكيمياء في الحضارات القديمة والحضارة العربية الإسلامية

Arrow علم الكيمياء في الحضارات القديمة والحضارة العربية الإسلامية
علم الكيمياء في الحضارات القديمة والحضارة العربية الإسلامية
العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط..
العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط..
18/09/2012
قراءات: 16768

الكيمياءوأصولها التاريخية.

تعريفالكيمياء:
يقصد بالكيمياء الدراسة العلمية لخصائص المادة وتركيبهاوبنيتها، والتغيرات التي تحدث في بنية المادة وتكوينها، والتغيرات المصاحبة فيالطاقة. ( )
أصل كلمة (كيمياء)
اختلف مؤرخو العلم حول أصل كلمة كيمياء. فمنهم من ردها إلى الفعل اليوناني chio الذي يفيد السبك والصهر، ومنهم من أرجعهاإلى أصول عبرية من اللفظة العبرية "شامان" وتعني الغموض والسر، أو أنها مأخوذةمنكلمة شم أو (chem) ويقصد بها الأرض السوداء أو الحرق.
ويقال أن قدماء المصريينكانوا يسمون بلادهم "كمت" ومعناها الأرض السوداء، وهي كلمة مأخوذة من الفعل "كم" بمعنى يسود لونه، وفي الكلمة إشارة إلى أن تربة مصر خصبة وغنية في عطائها، وقد حورتفي عهد البطالمة فأصبحت (chemis) وكان مدلولها على الصنعة أو السيمياء التي اشتهربها المصريون. ( )
ومنهم من يعزي اشتقاقها إلى كلمة مصرية قديمة (سيميا) معناهاالسواد، وقد أولها مؤرخو الكيمياء شتى التآويل، فمنهم من قال إن معناها الأرضالسوداء إشارة إلى الخصب والبركة، ومنهم من جعل السواد رمزاً إلى السر والخفاء.( )
"
ومنهم من يرى أنها مشتقة من كلمة كمى العربية أي ستر وخفى. ويقال، كمى الشهادةيكميها، إذا كتمها."( )
مرادفات كلمة كيمياء في المراجع القديمة:
اذا تتبعنامختلف المراجع القديمة نجد أن هذا العلم كانت تطلق عليه أسماء كثيرة منها: الكيمياء، السيمياء، الخيمياء، الصنعة، علم الصنعة، علم الحجر، علم التدبير، علمالميزان، صنعة الكيمياء، صنعة الأكسير، الصنعة الالهية، الحجر المكتوم، السرالمكتوم، السر الأعظم، وحجر الفلاسفة.
وتدلنا كثرة الأسماء التى كانت تطلق علىهذا العلم قديما على عدم نضجه قبل الإسلام.
أما علماء الكيمياء المسلمون فقدأطلقوا على هذا العلم أسماء كثيرة منها: علم الصنعة- صنعة الكيمياء- صنعة الأكسير- الحكمة- علم الحجر- علم التدبير- وعلم الميزان. ( )

بدايات علم الكيمياء أو ما يعرف ب(الخيمياء) أو (السيمياء):

الخيمياء أو السيمياء مزيج من الزَّيف والسحر والفلسفةالباطنية. اكتسبت شعبيتها منذ بداية النصرانية حتى القرن الثامن عشر الميلادي. حاولالخيميائيون تحويل المعادن الخسيسة إلى فضة وذهب، كما حاولوا إيجاد إكسير الحياةوهي مادة تشفي الأمراض، لكنهم انتهوا إلى الفشل. غير أن جهودهم في تحضير ودراسةالمواد الكيميائية ساعد في تطوير علم الكيمياء.
كان بعض هؤلاء الخيميائييندجَّالين، لكن بعضهم الآخر كانوا علماء. وكانت وجهتهم فلسفية أكثر منها كيميائية. فقد شعروا أنهم إذا تعلموا كيف يتحصلون على الذهب من المعادن الخسيسة سيكونباستطاعتهم إتقان أشياء أخرى. واعتبروا أن الذهب هو المعدن الكامل لجمال بريقهولمقاومته للصدأ.
دُرست الخيمياء في الصين والهند قبل ميلاد المسيح. لكنها تطورتكنظام رئيسي في مصر خلال الأعوام الثلاثمائة اللاحقة. فقد استخدمها العلماءالناطقون بالإغريقية في الإسكندرية في محاولة تفسير الكيفية التي تمكَّن بهاالحرفيون المصريون من صنع الأشياء. انتشرت الخيمياء الإغريقية المصرية من سورياوبلاد الفرس إلى العرب الذين كان لهم الفضل الأكبر في الانتقال من مرحلة الخيمياءإلى علم الكيمياء في نهاية القرن الثالث الهجري، بداية العاشر الميلادي، وانتقلتإلى أوروبا الغربية خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين.
استمدالخيميائيون نظرياتهم حول المادة من قدامى الإغريق. واعتقدوا أن المادة كلها مكونةمن مادة وحيدة عديمة الشكل. كما اعتقدوا أن هذه المادة أساس العناصر الأربعة: الأرضوالهواء والنار والماء عند اتحادها بالحرارة والبرودة، أو بفعل البلل أو الجفاف.
واعتقدوا أيضًا بإمكانية تغيير مادة ما إلى مادة أخرى بتغيير توازن هذهالعناصر. سميت هذه العملية بالتحول، أدت بهم هذه النظرية إلى محاولة إنتاج الذهب منالمعادن الأخرى. وفي بداية القرن السادس عشر الميلادي، حاول العالم السويسريباراسيلسس إحلال ثلاثة عناصر، الكبريت، الزئبق، الملح محل الأرض والنار والماء. وبحث الخيميائيون أيضًا عن حجر الفلاسفة، وهي مادة سحرية يُعتقد بقدرتها على تسهيلعملية التحول.
أدت ديمومة جودة الذهب إلى اعتقاد بعض الناس بإمكانية اكتشاف سرطول الحياة أو حتى الخلود، وذلك في حالة اكتشافهم كيفية صنع الذهب من الموادالخسيسة. وكان الصينيون يعتقدون أن تناول الطعام في أطباق ذهبية يطيلالعمر.
ارتبطت الخيمياء بالعديد من المعتقدات الدينية. ويُعتقد أن طرق صنع الذهبكانت تتصل رمزيا بالموت والتحلُّل والتجدد والنشور. ارتبطت الخيمياء برباط وثيق معالتنجيم، بسبب الاعتقاد القائل إن كل جسم سماوي يمثل ويسيطر على معدن محدد.
ظنبعض الناس أن الشمس تمثل الذهب، والقمر يمثل الفضة، والمريخ يمثل الحديد، والزهرةيمثل النحاس، والمشتري يمثل القصدير، وزحل يمثل الرصاص، وعطارد يمثل الزئبق. ( )

الفصل الثانيالكيمياء في الحضاراتالقديمةحاول الإنسان عبر العصور أن يبحث في طبيعة العالم الذي حوله،وذلك بدافع غريزة حب المعرفة، ومن خلال ذلك، تم الكثير من الاكتشافات المهمة التيساعدت على تطوير العلوم والتكنولوجيا ومن ضمنها علم الكيمياء وهو علم يعنى بطبيعةالمادة ومكوناتها، وكذلك بكيفية تفاعل المواد المختلفة مع بعضها بعضاً، وعلى هذاتكون وظيفة العالم الكيميائي الأساسية هي معرفة أكبر قدر ممكن من المعلومات عنطبيعة المادة التي أوجدها الله في هذا الكون.

منشأ علمالكيمياء:

تعود بدايات علم الكيمياء إلى زمن موغل في القدم،فلقدأختلف في مكان نشأته، قيل أن بداياته كانت في القرن الثالث قبل الميلاد، كما أنالحضارات القديمة التي سادة كلاً من الصين والهند كانت تعتبر المعالجة الكيميائية (تغيير المواد بالسوائل الكيميائية) من بين ما يتقنونه مهارة وحذقاً وأن هذهالمعرفة والبراعة انتشرتا غربا إلى إمبراطوريتي فارس ومصر القديمة. ( )

الكيمياء في الحضارة الصينيةالقديمة:

يرى بعض المؤرخين أن من الممكن اعتبار الصين الموطن الحقيقيالذي نبتت فيه الكيمياء. فمنذ القرن الثالث وما قبل ذلك بكثير ظهرت كتابات كيميائيةذات ملامح خاصة عند جماعة "الطاو". والتي تعتبر الكون كله مظهرا لجوهر حي تحكمه روحشاملة. وهذه الروح تتجلى في القوى الثنائية لمبدأي "الين" و "اليانج", فالمعادنكلها طبقا لهذه النظرية أصلها واحد واختلافها راجع إلى النسبة التي تقترب بها منعنصري "الين" و "اليانج" وعلى هذا الأساس عد الصينيون تحويل المعادن بعضها إلىالبعض الآخر ممكنا تماماً.
وقد سجل تاريخ الصين محاولات في الكيمياء لتحويلالمعادن بوسائل صناعية زمن الإمبراطور الشهير "ووتي" (140-86 ق.م).
واهم موضوعاتالكيمياء التي شغل بها الصينيون في تلك الفترة هو تدبير "إكسير الحياة المقدس" الذيأسموه " التان " (Tan).
وقد اختلفت الآراء حول حقيقة الكيمياء الصينية فهنالكشبه كبير بين كيمياء الصين والكيمياء العربية الأمر الذي يظهر معه أنهما إما أنيكونا قد نبعا من مصدر واحد أو أن يكون احدهما أصلا للآخر. ( )
ولا يزال السؤالغامضاً عن صلة الوصل بين الكيمياء الصينية والكيمياء المصرية القديمة، وهذا ما حأول الباحث جونسون Jhonson أن يبرهن عليه، حيث ذكر عن كاتب صيني قديم يرجع عهده إلىسنة 330 ق. م أنه حرّر عن الفلسفة التاتوئية والسيمياء، والأخيرة تحتوي على كيفيةتحويل المعادن إلى معادن ثمينة، وكيفية الحصول على إكسير الحياة. ( )
استعملتبعض المعادن الثقيلة والسامة في بعض المستحضرات الصينية بناء على اعتقادهم أنالسموم قد تشفي، ومنها الذهب وقد أكد هذه النظرية الاختصاصي الكيميائي "وي بوينغ" سنة 144م. حيث صرح أن الذهب غير قابل للفساد وكذا يعتبر من أثمن الأشياء... ويساعدعلى إمداد الحياة وحفظ سواد الشعر وسلامة الأسنان واستعادة الشباب.. ويقي من "بؤسهذا العالم".. وقد وصف هؤلاء الأخصائيون في الكيمياء مستحضراتهم بطريقة مبهمة حسبالمفهوم الحديث وقد شددوا على أهميتها في الحصول على الخلود والمحافظة على الصحةواستعادة الشباب الضائع. ( )
الصينيون وصناعة الورق: الورق المعروف حالياً، يعودتاريخه إلى القرن الثاني الميلادي. ففي عام 105 بعد الميلاد صنع الصيني تسي آي لونورقا من لحاء الشجر وشباك الأسماك. ثم توصل الصينيون إلى صنع الورق من عجائن لبابالشجر، فحلت بذلك مكان الحرير غالي الثمن، والغاب ثقيل الوزن اللذين قنع بهماالصينيون زمناً طويلاً.
بعد ذلك طور الصينيون هذه الصنعة باستخدام مادة ماسكةمن الغراء أو الجيلاتين مخلوطة بعجينة نشوية ليقووا بها الألياف ويجعلوا الورق سريعالامتصاص للحبر. ( )
واستفاد الصينيون القدماء من العناصر الطبيعية الثلاثة: النبات والحيوان والمعادن في الوصفات الطبية التي استعملوها، وجمعت الوصفات في أضخمكتاب يسمى (بن تساو) وهو (ألفار ماكوبيا الكبيرة)، والذي يقع في اثنين وخمسين جزءاًوتحتوي على أكثر من ألفي دواء وطرق تحضير ما يقارب من ثمانية آلاف وصفة طبية، إلىجانب استخدام بعض المعادن كالزئبق واليود في بعض الوصفات. ( )
كما أنه من الثابتتاريخياً أن الصينيين هم الذين اخترعوا البارود.. ولكنهم لم يسخروه للاستفادة منهفي استعماله كقوة دافعة في الأسلحة النارية. ( )
ويرى البعض أن الحضارة الصينيةعرفت البارود قبل المسلمين، واستعملوه في الألعاب النارية والأغراض الدينية. والذياستعمل في حقيقة الأمر لدى الصينيين هو ملح البارود وتركيبه الكيميائي (نتراتالبوتاسيوم)، وهو ما يعرف باسم (البارود الأسود الخام)، وسُمِّي بالبارود؛ لأنهقابل للاشتعال عند التسخين أو إذا لامسته النار.. فهذه المادة الخام هي التي عرفهاالصينيون واستعملوها كما هي في الطبيعة دون تركيب أو تحضير، وكان معروفًا في مصروسماه أهلها "الثلج الصيني" ، فيقول نيدهام في مؤلفه "العلم والحضارة في الصين": إنالمسلمين قد عرفوا ملح البارود "Salt peter" عن الصينيين وكانوا يسمونه "الملحالصيني"، وكان هذا الملح يؤخذ من الحجارة أي من الموارد الطبيعية في أواسط وشرقيآسيا". أما بارود المدافع Gun powder فهو تركيبة كيميائية اخترعها المسلمون فيمعاملهم، وتتركب من (نترات البوتاسيوم بنسبة 75% + كبريت بنسبة 10% + فحم بنسبة 15%). ( )

الكيمياء في الحضارةالإغريقية:

بدأ العلم عند اليونانيين القدامي بشكل حكايات وأساطير،ومن بين هذه الأساطير أسطورة الحكماء السبعة، وأول هؤلاء الحكماء هو طاليس (624-548ق.م) وهو مؤسسي المذهب الأيوني، وفيه المحاولة لتفسير الكون وتحليل نشأته، وخلاصةهذا المذهب: "إن الماء هو الأساس في قوام جميع الموجودات واختلافها يرجع إلى اختلافحالة الماء وكميته فيها، وأن الأرض قرص من ماء جامد، ومن الماء نشأت كل العناصر.."،ثم جاء الفيلسوف "أناكسيمنس" (585-528 ق.م) ونادى بنظرية أن الكون أصله من الهواء،ثم نادى أحد فلاسفة المدرسة الأيونية وهو "هيراقلايتوس" (567-480 ق.م) بنظرية أنالنار هي الأصل في تكوين المادة. وأخيراً ظهر الفيلسوف "امبيدوقلس) (483-430 ق.م)،وقال: إن أصل الكون يتكون من أربعة عناصر وهي: الماء والهواء والناروالتراب.
لقد شاعت هذه النظرية وتقبلها الفلاسفة، وكان على رأسهم "أفلاطون" (428-347 ق.م)، فسر أفلاطون منشأ الطبيعة بأنه حادث وكل حادث إنما يحدث بعلة،والجسم مركب من العناصر الأربعة، وكان العالم في البدء مادة رخوة غامضة قابلةللتغير والتحول، وكانت تتحرك اتفاقاً في الجهات الست، ثم انحدرت ذرات هذه المادةبحسب أشكالها، ومن اتحادها نشأت العناصر الأربعة وهي: النار والتراب والهواءوالماء، وأضاف عنصراً خامساً سماه: "الهيولي" أي المادة.
أخذ أرسطو بنظريةالعناصر الأربعة، وذهب إلى أن هذه العناصر تحوي في الحقيقة أسساً تكسب المادةالمكونة منها خصائص مميزة، ومن هذه الأسس اختار الحرارة والبرودة والسيولةواليبوسة، وأن كل عنصر من العناصر الأربعة ينتج من اتحاد زوجين من هذه الأسس،فمثلاً الأجسام التي من خصائصها السيولة أو البرودة يكون عنصرها الماء، والأجسامالتي من خصائصها الحرارة واليبوسة يكون عنصرها النار، وهكذا.. ( )
كان للإغريقاجتهاد في الكيمياء.. فوضعوا نظرية إمكانية تحويل المعادن الخسيسة كالرصاص والنحاسوالزئبق الي معادن نفيسة كالذهب والفضة. وتقول هذه النظرية أن جميع المواد على ظهرالأرض إنما نشأت من عناصر أربعة هي النار والتراب والهواء والماء. وان لكل عنصرمنها طبيعتين يشترك في احدها مع عنصر آخر.. فالنار جافة حارة والتراب جاف باردوالماء بارد رطب والهواء رطب جاف، وعلى ذلك فمن المحتم انه يمكن تحويل العناصر إلىبعضها.. وكان من رأي أرسطو أن جميع العناصر عندما تتفاعل في باطن الأرض وتحت ضغطمعين وحرارة فانه ينشأ عنها الفلزات، وتجمع آراء الباحثين على ان جهود الإغريق فيالكيمياء " كانت ضئيلة ومحدودة لأنهم درسوا العلوم من النواحي النظرية والفلسفية. ( )

الكيمياء عند قدماء المصريين (الفراعنة):

وعرفت مصر في عهد الأسرات الأولى كيف تصنع البرنز بمزجالنحاس بالقصدير، وصنعت منه أو الأمر أسلحة برنزية كالسيوف، والخوذات والدروع؛ ثمصنعت منه بعدئذ أدوات برنزية كالعجلات، والهراسات، والرافعات، والبكرات، وآلات رفعالأثقال، والأوتاد، والمخارط، واللوالب، والمثاقب التي تثقب أقسى أحجار الديوريت،والمناشر التي تقطع ألواح الحجارة الضخمة لصنع التوابيت. وكان العمال المصريونيصنعون الآجر والأسمنت والمصيص، ويطلون الفخار بطبقة زجاجية، ويصنعون الزجاجوينقشونه هو والفخار بمختلف الألوان. وقد برعوا في حفر الخشب يصنعون منه كل ما يصلحلصنعه من قوارب وعربات وكراسي، وأسرة، وتوابيت جميلة تكاد تغري الأحياء بالموت. واتخذوا من جلود الأنعام ملابس وكنانات، ودروعاً، ومقاعد. وقد صورت على جدرانالمقابر كل الفنون المتصلة بدبغ الجلود، ولا يزال الأساكفة إلى الآن يستخدمونالسكاكين المقوسة المصقولة على تلك الجدران في أيدي دابغي الجلود. وصنع المصريون مننبات البردي الحبال والحصر والأخفاف والورق. وابتدعوا فن الطلاء بالميناء والورنيشواستخدموا الكيمياء في الصناعة. ومن الصناع من كان يعمل في نسج القماش من أدقالخيوط المعروفة في تاريخ النسج كله. وقد عثر المنقبون على نماذج من الكتان منسوجةمن أربعة آلاف عام، وعلى الرغم من عوادي الأيام فإن "خيوطها قد بلغت من الدقة حداًلا يستطيع الإنسان معه أن يميزها من خيوط الحرير إلا بمجهر. وإن أحسن ما أخرجتهالمناسج الآلية في هذه الأيام ليعد خشنا إذا قيس إلى هذا النسيج الذي كان يصنعهالمصريون الأقدمون بأنوالهم اليدوية. وفي هذا يقول بسكل: "إذا فاضلنا بين قدرةالمصريين الفنية وقدرتنا نحن، تبين لنا أننا كنا قبل اختراع الآلة البخارية لا نكادنفوقهم في شيء". ( )
واستخدم القدماء المصريين الرصاص في صناعة العملات ووحداتالموازين ومواد الزخرفة والأواني المنزلية وأسطح السيراميك وسبائك اللحام.( )
كيمياء التحنيط عند الفراعنة: أظهرت دراسة علمية جديدة أن قدماء المصريينكانوا يستخدمون خلطات معقدة من المستخرجات النباتية والحيوانية لتحنيط موتاهم. تجريبطرق تتفق والمركز الاجتماعي للميت، فالفرعون يحنط بطريقة تختلف عن حاشيته، وهيبصورة عامة تتطلب حفظ الجسم في درجة حرارة مناسبة ويحقن الجسم بمواد مطهرة أو معقمةلكي تنتشر في أنحاء الجسم ثم يجري تجفيف الجسم ويحفظ في معزل عن الرطوبة وتستعمللذلك مواد كيمياوية مثل الجير وبعض الأملاح والنطرون.إن عملية التحنيط تدل على مدىتقدم حضارة وادي النيل خصوصاً في مجال الكيمياء والتشريح. ( ) وقد أجرى باحثونبريطانيون تحاليل لثلاث عشرة عينة من المواد التي استخدمها قدماء المصريين في تحنيطمومياواتهم. وأظهرت التحاليل وجود مجموعة كبيرة جداً من المكونات من بينها أنواع منالدهون الحيوانية والزيوت النباتية وشمع العسل والأصماغ النباتية. وقد اكتشفالباحثون أن مواد التحنيط التي ابتكرها الفراعنة كانت عبارة عن مزيج من مواد رخيصةالثمن، وأخرى ثمينة ونادرة في ذلك الوقت مثل زيت الأرز والعرعر اللذين كانايستوردان من خارج مصر. ( )
كان دبغ الجلود وصناعة الأصباغ ومستحضرات التجميل منبين الفنون التي مارسها المصريون، وتعتبر الإسكندرية المركز الأول للكيمياء القديمةحيث تأثرت بفلسفة الإغريق بعد قيام الإسكندر الأكبر بفتح مصر (322ق.م)،حيث جذبإليها الكثير من الإغريق فارتبطت مهارة المصريين مع نظريات الإغريق مما أدى إلىظهور أولئك الذين يمارسون الكيمياء، ونسب إليها أنها موطن البحث لهذا العلم الذييحيل المعادن العادية إلى معادن ثمينة ويعيد الشباب إلى الإنسان، وتزامن مع ظهورالكيمياء القديمة ظهور التنجيم واختلط بها السحر كما سيطرة الرمزية على هذهالكيمياء في العصور الوسطى وأغرقها الغموض. ( )
وقد استخدم المصريون الزجاجللتزجيج منذ الأزمنة الحجرية الحديثة، وفي البداية كان الحرفيون يصنعون الزجاج منالرمل أو الكروارتز (ثاني أكسيد السيليكون)ن وكربونات الصوديوم الخام، والتي كانتتوجد في مصر في طبقات تحت البحيرات القريبة من الإسكندرية، ومن دون كربوناتالصوديوم فإن الأمر يحتاج إلى لهب درجة حرارته عالية إلى 1700 مئوية لصهر الرمل،ويذوب الزجام المنتج بالصوديوم إلى حد ما في الماء وهو الأمر الذي كثيراً ما استخدمفي الفن، ومع ذلك فقد كانت الأوعية الزجاجية تنتج لتخزين المراهم وقد وجد الحرفيونحوالي سنة 1300 ق.م أن إدخال أكسيد الكالسيوم وهو مركب كيميائي آخر كان معروفاًللقدماء يقلل من ذوبانية الزجاج، ويتكون من تسخين كربونات الكالسيوم الموجودة فيالأصداف أو بتسخين الرواسب الطبيعية للحجر الجيري أو الطباشير، وبمجرد اكتشاف هذهالتقنية بدأت على الفور مصانع الزجاج في مصر القديمة، وكان الزجاج يصب صباً ولاينفخ، وكان أزرق اللون (ملوناً بمركبات النحاس وأحيانا الكوبلت) مع بعض الألوانالأخرى التي يكتسبها الزجاج. ( )
مدرسة الإسكندرية:
كان بطليموس مولعاًبالعلوم والفلسفة، فأنشاً في الإسكندرية معهداً للعلوم سماه الموسيون، وقد عرف هذاالمعهد فيما بعد بأسماء كثيرة: أكاديمية الإسكندرية، جامعة الإسكندرية، مدرسةالإسكندرية، مكتبة الإسكندرية، وكل هذه الأسماء تشير إلى نفس المضمون، وضمت مدرسةالإسكندرية جميع أنواع الفكر والمعرفة، وخصص لكل علم جناح خاص به، وكان نصيب (الصنعة) أو (السيمياء) الطابق السفلي من المدرسة، باعتبارها أوطأ أنواع المعرفةلأنه القصد منها جمع المال والثروة. وكان من أشهر العلماء في هذه المدرسة:
هرمز: ويطلق عليه اسم هرمز المثلث العظمة، ويسميه ابن أبي أصيبعة، صاحب كتابطبقات الأطباء: "هرمس الهرامسة، المثلث بالحكمة"، وينسب إلى هرمز "الكتاب الموسومهرمتك" الذي جمعه "منيتوس" سنة 275 ق.م، وقد ذكر فيه 36.525 وصفة تتعلق بالصنعةوالمعادن وكيفية تحويلها من نوع إلى آخر، وكان وصفات هرمز محاطة بالسرية التامةوالغموض المبهم، فلا يستطيع أحد حل الرموز إلا هرمز نفسه، وبقي اسم هرمز فيالكيمياء والصيدلة لحد الآن، فيقال "الفن الهرمزي ومختوم بختم هرمز أي محكمالسداد". ويذكر أن أول من عثر على مؤلفات هرمز هو "الإسكندر المقدوني" فقد اكتشفقبره وأمر بفتحه، فوجد "حجر الزمرد" فيه، وقد دونت على الحجر جميع أصناف الصنعةوالمعرفة، ومن بين ذلك ستمائة اسم لأنواع مختلفة من الأحجار الكريمة.
زوسيموس: وهو مؤرخ يوناني عاش في القرن الثالث بعد الميلاد وقد ورد اسمه في كتاب "الفهرست" لابن النديم: "ذيسموس"، وله من الكتب "كتاب المفاتيح في الصنعة"، وهذا الكتاب أشبهما يكون بدائرة معارف أو موسوعة علمية وفيه كثيرمن القصص والأساطير الخيالية، كماجاءت أحاديث ووصفات لشرح الأدوات والآلات والأفران التي كانت تستعمل في "الصنعة"،ولقد استعان زوسيموس برموز ومصطلحات أطلق عليها فيما بعد اسم الرموز السلطانية وهذهتعتبر أول إشارة استعمال الرموز في الكيمياء.( )

الكيمياء في الهند:

وتقدمت الكيمياء بادئة طريقها منمصدرين: الطب والصناعة؛ وكانت براعتهم الكيماوية في صب الحديد في الهند القديمة،وفي الرقي الصناعي العظيم في عصور "جوبتا" ، حينما كان ُينظر إلى الهند- حتى منروما القيصرية- على أنها أمهر الأمم جميعاً في صناعات كيماوية مثل الصباغة والدبغوصناعة الصابون والزجاج والأسمنت؛ وبلغ من القدم القرن الثاني قبل الميلاد، خصص "ناجارجونا" كتاباً بأكمله للبحث في الزئبق؛ فلما أن كان القرن السادس كان الهنودأسبق بشوط طويل من أوربا في الكيمياء الصناعية، فكانوا أساتذة في التكليس والتقطيروالتصفية والتبخير واللحام وإنتاج الضوء بغير حرارة، وخلط المساحيق المنومةوالمخدرة، وتحضير الأملاح المعدنية، والمركبات والمخلوطات من مختلف المعادن؛ وبلغطرق الصلب في الهند القديمة حداً من الكمال لم تعرفه أوربا إلا في أيامنا هذه،ويقال أن الملك يورس، قد اختار هدية نفسية نادرة يقدمها للإسكندر ثلاثين رطلاً منالصلب، إذا آثرها على هدية من الذهب أو الفضة؛ ونقل المسلمون كثيراً مما كان للهنودمن علم الكيمياء والصناعة الكيماوية إلى الشرق الأدنى وأوربا؛ فمثلاً نقل العرب عنالفرس، وكان الفرس قد نقلوا بدروهم عن الهند سر صناعة السيوف "الدمشقية".
وكانالتشريح وعلم الوظائف الأعضاء- مثل بعض الجوانب الكيمياء- نتيجتين عرضيتين للطبالهندي؛ ففي القرن السادس قبل الميلاد- رغم أنه عهد يغوص في القدم، كان الأطباءالهنود يعرفون خصائص الأربطة العضلية ورتق العظام والجهاز اللمفاوي، والضفائرالعصبية واللفائف والأنسجة. ( )
وذكر البيروني عن علم الهنود بالكيمياء قائلاً: "ولم يختص الهند بالخوض في أمر الكيمياء فليس يخلو منه أمة ... وأصحاب هذه الصناعةمجتهدون في إخفائها ومنقبضون عمن ليس من أهلها، فلذلك لم يتفق لي من جهة الهندالوقوف على طرقهم فيها، وإلى أي أصل يرجعون منها: المعدنيات أو الحيوان أو النبات،إلا أني كنت أسمع منهم "التصعيد"، و"التكليس"، و"التحليل"، و"تشميع الطلق" وهوبلغتهم "تالك"، فأتفرس فيها أنهم يميلون إلى الطريق المعدني، ولهم منه شبيه بهذاالباب، قد اختص الهند به يسمونه "رساين" وهو اسم مشتق من الذهب فإنه "رَسُ" وهولصناعة مقصورة على تدابير ومعاجين وتراكيب أدوية أكثرها من النبات .." ( )

الكيمياء في بلاد الرافدين:

أول مااستخدم الزجاج لأغراض محدودة كان في بلاد الرافدين سنة (3000-2000 ق.م)، واستخدمالأشوريون أكسيد القصدير وأنتيمونات الرصاص لتلوين زجاج الزينة باللون الأبيضوالأصفر على التوالي، وساد الاعتقاد بأن الأشوريون كانوا يعرفون كيف يصنعون الماءالملكي (مزيج من حمض النيتريك والهيدروكلوريك) لأنهم استخدموا أملاح الذهب لإضفاءاللون الأحمر على زجاجهم وكان الماء الملكي ضرورياً لإذابة الذهب.( )
وعرفالأشوريون فلزاً يسمونه (الكبالتو) اشتق منه اسم الكوبالت المعروف اليوم، والذيكانوا يستعملونه قديماً في صبغ الخزف والزجاج باللون الأزرق اللازودي. ( )

الكيمياء في بلاد فارس:

كانت صناعةالزجاج رائجة في بلاد فارس، حيث "أخذ صناع الزجاج المسلمون الأساليب الفارسيةالقديمة في صناعة الزجاج من حيث تقطيعه وتشكيله، حيث أنتج المسلمون آنية ذات بروزعالية وكان الكثير من هذه البروز تصور موضوعات تتعلق بالحيوانات". ( )

الكيمياء عند الرومان:

يرجع استخدام العديد من موادالصابون والمنظفات إلى العصور السحيقة. ففي القرن الأول الميلادي تعرض المؤرخالروماني بلايني الكبير لوصف أنواع مختلفة من الصابون الذي يحتوي على أصباغ وقدكانت النساء تستعمله في تنظيف شعورهن وإضفاء ألوان براقة عليه.
كما كانت صناعةالزجاج منتشرة في مناطق متعددة من الإمبراطورية الرومانية، وقبل اختراع أنبوبة نفخالزجاج، كانت هناك عدة طرق لتشكيل وتزيين الأشياء المصنوعة من الزجاج الملون سواءالزجاج النصف شفاف أو المعتم، حيث تم تقطيع وتشكيل بعض الأشياء من كتل الزجاجالصلبة. ومن صانعي الآنية والمواد المعدنية، اقتبس صناع الزجاج عمليات السبك حيثكان يتم صب الزجاج المصهور في قوالب لإنتاج الحشو والتماثيل الصغيرة والآنيةالمفتوحة مثل الأكواب والأوعية. وكان يتم تسخين قضبان الزجاج المشكلة مسبقا وصهرهامعا في قالب للحصول على "شريط" زجاجي. وتم عمل نماذج معقدة جدا باستخدام تقنيةالفسيفساء حيث يتم صهر العناصر في قضيب ثم تؤخذ هذه العناصر لتعطي تصميما على شكلمتقاطع. كما كان يتم ترتيب شرائح من هذه القضبان في قالب لتشكيل وعاء أو لوحة ثمتسخن حتى تنصهر.
واستخدم الرومان قديما الرصاص في صناعة مواسير المياه حيث كانتعبارة عن مزيج من الرصاص الملحوم مع القصدير. وقد كان العبيد الرومان يقومونباستخلاص وتجهيز الرصاص، وأصيب هؤلاء العبيد بالتسمم بسبب الرصاص. ( )
النارالإغريقية: يطلق مصطلح نار الاغريق Greek fire على سائل محرق أستعمل كسلاح من قبلالبيزنطيين في حروبهم البحرية منذ 674 ميلادية. تسمى النار الاغريقية باللغةاليونانية "ايغرون بير" أي النار الرطبة. ولم تعرف بعد طبيعة هذه المادة، و لكنيرجح أنها كانت مزيجا مركبا من عدة مواد سريعة الاشتعال كالنفط و ملح الصخور والكبريت و القار. و كانت لهذه المادة خاصية الاحتراق حتى على سطح الماء، لذلك سميتأيضا بالنار السائلة أو البحرية. يذكر المؤرخ البيزنطي ثيوفانس Theophanes، أناختراع النار الإغريقية يرجع للمهندس الفينيقي كالّينيكوس Callinicus من بعلبك وذلك سنة 670 ميلادية (3). ويعتقد المؤرخون أنها من نتاج التأثيرات العلمية للحضارةالهيلينية، و خاصة مدرسة الاسكندرية في مجال الكيمياء.
استعملتالنار الإغريقيةعدة مرات للدفاع عن مدينة قسطنطينية وفكالحصار عنها في 674 وكذلك في معركة سيلايوم البحرية سنة 677، ضد الأسطول الأموي، وكذلك ضد البلغار سنة 941 ميلادية. و يوصف استعمالها بالطريقة التالية: كان المزيجالمحرق يعبأ في قدور كبيرة، على متن سفن حربية سريعة تسمى بالـ"درومون" (باليونانيةتعني العداء)، و عند الاستعمال يسخن و يضخ في سيفون من النحاس ينتهي بمحقن مركب فيمقدمة المركب (يعرف بالـ"سيفوناريوس" siphònariòs) ينفثالمادة السائلة على سفن الأعداء، و التي تلتهب بصفة تلقائية. ( )


الفصل الثالثعلم الكيمياء عند العربوالمسلمين:

البداية:
كان العرب يطلقونعلى هذا العلم أسماء كثيرة بعضها يشير إلى طبيعة العلم، والآخر يشير إلى منهج البحثلديهم، ومن ذلك علم الصنعة، وعلم التدبير، وعلم الحجر، وعلم الميزان، وهناك رأييقول: إن الكيمياء كانت نقلة تلت الصنعة، وحدث ذلك لأن الكيمياء العربية تأثرت فيطورها المبكر بالخيمياء اليونانية والسريانية التي لم تكن ذات قيمة. حيث اعتمدالإغريق والسريان آنذاك على الفرضيات والتحليلات الفكرية، إذ إن الخيمياء تلجأ إلىالرؤية الوجدانية في تعليل الظواهر والخوارق في التفسير، وترتبط بالسحر وهو ماسمّاه العرب علم الصنعة الذي كان يسعى منذ قديم الزمن إلى بلوغ هدفين بعيدين: أولاًتحويل المعادن الخسيسة كالحديد والنحاس والرصاص والقصدير إلى معادن نفيسة كالذهبوالفضة من خلال التوصل إلى حجر الفلاسفة. وثانيًا: تحضير إكسير الحياة ليكون بمثابةعلاج يقضي على متاعب الإنسان وما يصيبه من آفات وأمراض، ويطيل حياته وحياة الكائناتالحية الأخرى. ولذلك نستطيع القول إن الكيمياء بدأت مع علوم السحر والوهمياتالمبهمة لارتباط ذلك بالتنجيم؛ فعلى سبيل المثال كانت الشمس تمثل الذهب، والفضةتمثل القمر، والزئبق عطارد، والحديد المريخ، والقصدير هرميز، والنحاس الزهرة. وكانهذا هو الاعتقاد السائد في أوروبا إبان القرون الوسطى، حيث كان علماؤها يدَّعون أنعلم الكيمياء جزء لا يتجزأ من علم السحر.
وصلت الصنعة إلى العرب بوساطةالإسكندرانيين عندما استقدم خالد بن يزيد بن معاوية (ت 85هـ، 704م) بعض الأقباطالمتحدثين بالعربية مثل مريانوس، وشمعون، وإصطفان الإسكندري، وطلب إليهم نقل علومالصنعة إلى العربية. وتعلم خالد بن يزيد هذه الصنعة بهدف تحويل المعادن الخسيسة إلىذهب، وبذا يكون أول من نقل الكيمياء واشتغل بها. وهكذا نجد أن هذه الصنعة وصلت إلىالعرب. وقد تخلل ما كُتب فيها كثير من الأضاليل والطلاسم والأوهام، وكان هدفهاتحقيق غايات وهمية لا تمت إلى الكيمياء الحقيقية بصلة؛ إذ إن الأخيرة ترتكز علىقواعد وقوانين علمية.
الكيمياء العربية. في بادئ الأمر انتقلت الخيمياء بمفهومهاالخاطئ إلى العلم العربي، فاعتقد المشتغلون بها من العلماء المسلمين مثل اعتقاداليونان والسريان النسطوريين أن أصل جميع المعادن واحد: الماء، والهواء والنّار،والتراب. وأن طبائعها قابلة للتحويل ويعود سبب اختلافها فيما بينها إلى اختلاف نسبالعناصر المكونة لها، وما على من يرغب في الحصول على الذهب مثلاً إلا أن يعيد تركيبهذه العناصر من جديد بنسب صحيحة بعد تحليل المعدن إلى عناصره الأساسية. وعلى الرغممن أنه لم يتوصل أحد لذلك، سواء من العرب أو من سبقهم، إلا أن سعي العلماء المسلمينللوصول إلى هذا الهدف جعلهم يكتشفون مواد جديدة ـ عنطريق المصادفة ـ ويتوصلون إلىقوانين جديدة عديدة؛ مما مكنهم في النهاية من الانتقال من الخيمياء إلى الكيمياء. ( )
وكان أن انطلق العرب في ميدان الكيمياء واستخدموها في تركيب الأدوية، وبعضالصناعات العطور، وصبغ الملابس، ودبغ الجلود، وصناعة الورق، وعرفوا من خلال عملهمفيها التقطير والترشيح، والتبلور، وتوصلوا إلى الأحماض الكيميائية وساروا بهذاالعلم خطوات كبيرة لم يسبقوا إليه. ( )

أثر الكيميائيينالعرب والمسلمين في الحضارة الغربية:

يعتبر دور المسلمين في التدشينلعلم الكيمياء دوراً بالغ الأهمية، بل لم يكن للعالم غنى عنه خاصة في أوروبا، فقداستفاد الأوربيون من نظريات المسلمين وخبراتهم وتجاربهم في الكيمياء، وقاموا بترجمةكل كتب الكيمياء العربية إلى اللاتينية؛ ذلك أن المسلمين هم أول من وضع الأسسالعلمية للكيمياء المبنية على التجارب، وكان لجابر بن حيان اليد الطولى في نشأة علمالكيمياء، وهو الذي نظم كثيرا من طرق البحث والتحليل، وركب عددا من الموادالكيماوية، وكانت أبحاثه هي المراجع الأولى في أوربا حتى القرن الثامنعشر.
ويشهد على هذا التأثير الأستاذ (مييرهوف) فيقول: إن تأثير جابر بن حيان قدطبع تاريخ الكيمياء الأوروبية في العصور الوسطى وحتى العصر الحديث بطابع يمكنتتبعه، فقد كان اسم جابر بن حيان واحداً من أوائل الأسماء التي مجدها الغرب منذ أولعهده بالاتصال بعلوم العرب، فكانت كتبه تترجم إلى اللاتينية فور الحصول عليها، وكانكتابه "التراكيب" من أول الكتب العربية التي ترجمت إلى اللاتينية؛ إذ ترجمه روبرتالشستري في سنة (1144م) وترجم جيرار الكريموني كتاب "السبعين".
ولقد استمر تأثيرجابر في أوروبا والغرب بعد ذلك حتى ترجم له ريتشارد رسل الإنجليزي بعض أعماله مناللاتينية إلى الإنجليزية في سنة (1678م) تحت عنوان: "أعمال جابر أشهر الأمراءوالفلاسفة العرب" مترجمة بأمانة بواسطة ريتشارد رسل من محبي الكيمياء.
كما أنألبرت الكبير نقل أعمال جابر الكيماوية وغيره من الكيميائيين العرب في كتابه، ولميبتكر ألبرت شيئاً ولم يُضِفْ بإجماع الباحثين، وصار الكتاب مرجعاً للعالم فيمابعد.
وتأثير العرب المسلمين في مجال الكيمياء واضح في موسوعة "فانسيت دي بوقيه"،يقول الأستاذ مييرهوف: "إن المقالات المنسوبة إلى دي بوفيه مليئة بشواهد عن جابر"،ولا أحد ينكر مدى أهمية هذه الموسوعة لدى الغرب.
وهذا هنري كافندش عالم كيميائيكبير تأثر تأثراً شديداً بإحدى نظريات جابر في القرن الثامن عشر، يقول هوليمار: تكمن إحدى الإضافات الأساسية للنظرية الكيماوية المتعلقة بتكوين المعادن في آرائه (أي جابر)، قبل جابر على أية حال نظرية أرسطو في تكوين المعادن، ولكنه يلوح بأنهنظر فيها على أنها مبهمة بطريقة كبيرة تجعلها عاجزة عن أن تفسر الحقائق الملاحظة،ولا يمكن أن تنير السبيل إلى الوسائل العلمية للتحويل (أي التحويل من معادن رخيصةإلى ذهب) ولذلك عدلها بطريقة ما ليجعلها أقل إبهاماً وعاشت النظرية التي اقترحهابعد إضافة بعض التعديلات والإضافات حتى بداية عصر الكيمياء الحديثة في القرن الثامنعشر، فنظرية الفلوجستون نفسها بالرغم من قصورها قد وصفت بأنها الدليل والمصباحالمنير للكيماويين في القرن الثامن عشر، هذه النظرية التي وصفها البعض بأنها درةالعصر ما هي إلا مولود مباشر لنظرية ابن حيان في تكوين المعادن..
هذه هي شهادةأحد الأساتذة الغربيين، توضح إلى أي مدى أسهمت الحضارة الإسلامية وأثرت في الحضارةالغربية في مجال الكيمياء.
أما مبحث مسلمة المدريدي في الأندلس الذي وصف أكسيدالزئبق وقدم بياناً بطريقة تحضيره، يشهد هوليمار على أن هذه المادة لم يستفد منهاأحد مثلما استفاد منها بريستلي ولافوازييه.
وهناك تصريح ورد بالموسوعةالبريطانية الطبعة الحادية عشرة يقول: عرفت أول صناعة لملح النشادر في مصر، ومنهاتزودت أوروبا سنين طويلة بهذا الملح، وكان أهل البندقية ثم الهولنديون من بعدهم أولمن حمل هذه التجارة من مصر إلى أوروبا، وأما الطريقة التي كان يصنع بها المصريونملح النشادر فلم تكن معروفة في أوروبا حتى سنة (1719م)، حين أرسل د.ليمير القنصلالفرنسي في القاهرة إلى الأكاديمية الفرنسية الطريقة التي يصنع بها هذا الملح فيمصر.
يقول المستشرق دوستاولوبان: "إنه لولا ما وصل إليه العرب من نتائجواكتشافات ما استطاع لافوازييه أبو الكيمياء الحديثة أن ينتهي إلى اكتشافاته". ( )
ولا ننسى أن العرب المسلمون هم أول من استعمل البارود، إذ أن العالم المسلمحسن الرماح هو الرائد الأول لذلك فأقدم إشارة لتركيب البارود في أوربا ترجع إلىكتاب مارك الإغريقي نحو سنة 1300م فقد نسب إليه هذا الفضل. أما بالنسبة لحسن الرماحفهو قد ظهر قبل مارك الإغريقي أي قبل سنة 1300 فوصف المواد التي يتكون منها البارودواستعمالها في أحد كتبه بالإضافة إلى أن وصف حسن الرماح واضح الشبه بما ذكره ماركمما يدل بما لا يدع مجالاً للشك تأثر مارك بالرماح. ( )
فجوستاف لوبون وسارتونوزيجريد هونكه وغيرهم كثيرون أجمعوا على أن الأوروبيين قد عرفوا البارود عن طريقالعرب ونقلوه عنهم، وفي ذلك يقول جوستاف لوبون: "وعزي الاختراع إلى روجر بيكونزمنًا طويلاً.. مع أن روجر بيكون لم يفعل غير ما فعله ألبرت الكبير من اقتباسالمركبات القديمة، فقد عرف العرب الأسلحة النارية قبل النصارى بزمن طويل"، وتقررالمستشرقة هونكه "أن الخليط العربي العجيب الذي يحدث رعدًا وبرقًا قد وصل إلى بعضعلماء أوروبا أمثال روجر بيكون وفون بولشتدن"، وتضيف: "ثم حدث أن انتقلت النظريةإلى التجارب العلمية - لدى العرب - التي هزت كيان العالم، فالعرب في الأندلس هم أولمن استخدمه في أوروبا".
ويستشهد أصحاب الرأي السابق بما وجدوه في المخطوطاتالإسلامية التي تعود إلى القرن 4هـ/ 10م (أي قبل بيكون بثلاثة قرون، فقد جاء في وصفصناعة البارود: "تؤخذ عشرة دراهم من ملح البارود ودرهمان من الفحم ودرهم ونصف منالكبريت وتسحق حتى تصبح كالغبار، ويملأ بها ثلث المدفع فقط خوفًا من انفجاره، ويصنعالخراط من أجل ذلك مدفعًا من خشب تتناسب فتحته مع جسامة فوهته، وتدك الذخيرة بشدةويضاف إليها البندق (كرات الحديد)، ثم يشعل ويكون قياس المدفع مناسبًا لثقله". وفيكتاب حسن نجم الدين الرماح "الفروسية والمناصب الحربية" والذي يرجع للقرن 7هـ/ 13م،شرح وتفصيل لصناعة البارود في العالم الإسلامي، عن طريق استخلاص ملح البارود منالطبيعة وتنقيته في المختبرات الكيميائية، فهذا الكتاب يدلنا على أن تلك الصناعةكانت قد بلغت في العالم الإسلامي شأنًا كبيرًا من التطور. ( )


بعض الألفاظ العربية المتداولة في حقل الكيمياء: ( )

اللفظ العربي مقابله اللفظ العربي مقابلهالإكسير Alixir قرمز Kermes
الأنبيق Alanbic القلقطار Colcothar
الأنيلين(النيل/النيلة) Aniline القلوي Alkali
البورق Borax القلي Alcali
التوتياء Tutty قيراط Carat
الخيمياء Alchemy الكافور Camphor
الرهج القار Realgar كبريت Kibrit
الزرنيخ Arsenic الكحل Kohl
الزعفر (الصفُّر) Zaffre الكحول Alcohol
زعفران Saffran كيمياء Chemistry
الزنجفر Cinnabar اللك Lacquer
الرُّب Rab المركزيت Marcasite
السكر Sugar المعجون Majoon
الصابون Sapon الملغم Amalgam
الطلق، تلك Tale النطرون Natron
عطر Attar النطفة Naphta
العنبر Amber النيل Anil
غرافة Carafe



الفصل الرابعأشهر العلماء المسلمين فيالكيمياء:

كما أسلفنا في الفصل السابق كيف أبدع المسلمون في مجالالكيمياء، ولهذا كان لزاماً علينا ذكر بعض علماء الكيمياء المبدعين من العربالمسلمين الذين قدموا للعالم خدمات جليلة في هذا المجال، وما زالت المدنية الحديثةتدين بالشكر لاكتشافاتهم واختراعاتهم في مجالات علم الكيمياء. ومن هؤلاءالعلماء:

جابر بن حيان:

هو أبو عبد اللهجابر بن حيان بن عبد الله الكوفي المعروف بالصوفي. ولد في طوس (خراسان ) وسكنالكوفة، حيث كان يعمل صيدلانياً. وكان أبوه عطاراً. بنسبته الطوسي أو الطرطوسي،وينحدر من قبيلة الأزد. ويقدّر الزمن الذي ولد فيه جابر بين 721 م - 722 م، أماتاريخ وفاته فغير معروف تماما. ويقال أنه توفي سنة 200 هـ أو ما يوافق 815 م.
رحل إلى الجزيرة العربية وأتقن العربية وتعلّم القرآن والحساب وعلوماً أخرى علىيد رجل عرف باسم (حربي الحميري) وقد يكون هو الراهب الذي ذكره في مصنفاته وتلقّنعنه بعض التجارب.
اتصل بالإمام جعفر الصادق (الإمام الخامس بعد علي بن أبي طالب ) ت 148 هـ، ويقال إنه أخذ علم الصنعة عنه، وتتلمذ على يديه، وعن طريقه دخل بلاطهارون الرشيد بحفاوة.
اختلف الرواة في أمر جابر، فقد أنكر قوم أمر وجوده، بينماأكد آخرون أنه رائد الكيمياء، لكن جابر، وقد أيّد هذه الحقيقة أبو بكر الرازي،عندما كان يشير إلى جابر في كتبه فيقول "أستاذنا". وتتجلى عبقرية جابر أنه درسالكتب ذات المحتوى السري جداً مثل كتب أبولينوس التيتاني. ( )
وترجع شهرة جابرإلى أنه أول من أخرج علم الكيمياء من أوهام الشعوذة إلى الحقيقة العلمية القائمةعلى التجربة والملاحظة والاستنباط، واستخدام العقل والاعتماد على الأدلة العقليةوالتجارب العملية، وخالف أرسطو في نظريته الخاصة بتكوين الفلزات حين رآها لا تساعدفي تفسير بعض التجارب. ( )
قام جابر بإجراء كثير من العمليات المخبرية، كانبعضها معروفًا من قبل فطوَّره، وأدخل عمليات جديدة. من الوسائل التياستخدمها: التّبخّر، والتكليس، والتقطير، والتبلر، والتصعيد، والترشيح، والصهر، والتكثيف،والإذابة. ودرس خواص بعض المواد دراسة دقيقة؛ فتعرف على أيون الفضة النشادريالمعقد. كما قام بتحضير عدد كبير من المواد الكيميائية؛ فهو أول من حضَّر حمضالكبريتيك التقطير من الشب. وحضّر أكسيد الزئبق، وحمض النتريك؛ أي ماء الفضة، وكانيسميه الماء المحلل أو ماء النار، وحضر حمض الكلوريدريك المسمّى بروح الملح. وهوأول من اكتشف الصودا الكاوية، وأول من استخرج نترات الفضة وقد سمّاها حجر جهنم،وثاني كلوريد الزئبق (السليماني)، وحمض النتروهيدروكلوريك (الماء الملكي)، وسمِّيكذلك لأنه يذيب الذهب ملك المعادن. وهو أول من لاحظ رواسب كلوريد الفضة عند إضافةملح الطعام إلى نترات الفضة. كما استخدم الشب في تثبيت الأصباغ في الأقمشة، وحضّربعض المواد التي تمنع الثياب من البلل؛ وهذه المواد هي أملاح الألومنيوم المشتقة منالأحماض العضوية ذات الأجزاء الهيدروكربونية. ومن استنتاجاته أن اللهب يكسب النحاساللون الأزرق، بينما يكسب النحاس اللهب لونًا أخضر. وهو أول من فصل الذهب عن الفضةبالحل بوساطة الحمض، وشرح بالتفصيل عملية تحضير الزرنيخ، والإثمد (الأنتيمون)،وتنقية المعادن، وصبغ الأقمشة، ويعزى إلى جابر أنه أول من استعمل الميزان الحساسوالأوزان المتناهية الدقة في تجاربه المخبرية؛ وقد وزن مقادير يقل وزنها عن1/100 منالرطل. وينسب إليه تحضير مركبات كل من كربونات البوتاسيوم والصوديوم والرصاصالقاعدي والإثمد (الأنتيمون)، كما استخدم ثاني أكسيد المنجنيز لإزالة الألوان فيصناعة الزجاج. كما بلور جابر النظرية التي مفادها أن الاتحاد الكيميائي يتم باتصالذرات العناصر المتفاعلة مع بعضها. ومثّل على ذلك بكل من الزئبق والكبريت عندمايتحدان ويكونان مادة جديدة.
تدل العمليات الكيميائية التي أوردها جابر فيمؤلفاته على براعته في الكيمياء وإبداعه في تصميم الأفران والبوتقات، ولا شك أنه لميكن ليصل إلى ما وصل إليه إلا بفضل تجاربه المخبرية. وقد كان يجري معظم هذه التجاربفي مختبر خاص اكتشف في أنقاض مدينة الكوفة في أواخر القرن الثاني عشر الهجري،الثامن عشر الميلادي؛ وهو أشبه بالقبو في مكان منعزل بعيدًا عن أعين الفضوليين، وبهمن الأثاث: منضدة وقوارير، وأفران، وموقد، وهاون، وبعض الأدوات مثل الماشق (الماسك)، والمقرض، والملعقة، والمبرد، والقمع، والراووق (المصفاة)، وأحواض،وإسفنجة، وآلة تكليس، وقطّارة، ومعدات للتقطير، وميزان وإنبيق وغيرها.
ولجابر بنحيان مؤلفات ورسائل كثيرة في الكيمياء. وأشهر هذه المؤلفات كتاب السموم ودفعمضارها، وفيه قسَّم السموم إلى حيوانية، ونباتية وحجرية، وذكر الأدوية المضادة لهاوتفاعلها في الجسم؛ وكتاب التدابير؛ وتعني التدابير في ذلك الوقت العمل القائم علىالتجربة، وكتاب الموازين وكتاب الحديد؛ وفيه يصف جابر عملية استخراج الحديد الصلبمن خاماته الأولى. كما يصف كيفية صنع الفولاذ بوساطة الصهر بالبواتق، ومن كتبه كذلكنهاية الإتقان، و رسالة في الأفران. وتُشكل مجموعة الكتب التي تحمل اسم جابر بنحيان موسوعة تحتوي على خلاصة ما توصل إليه علم الكيمياء حتى عصره. وقد تَرْجم معظمكتبه إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر الميلادي روبرت الشستري (ت 539هـ، 1144م) وجيرار الكريموني (ت 583هـ، 1187م) وغيرهما. ومثّلت مصنفاته المترجمة الركيزة التيانطلق منها علم الكيمياء الحديث في العالم. ( )

أبو بكرالرازي (ت 311هـ، 923م)

كانت لأبي بكر محمد بن زكريا الرازي إسهاماتكبيرة في الكيمياء، ويعود له الفضل في تحويل الكيمياء القديمة (كيمياء جابر) إلىعلم الكيمياء الحديث، وكانت مصنفاته أول المصنفات الكيميائية في تاريخ هذا العلم. وعلى الرغم من أن أستاذه جابر بن حيان كان أول من بشَّر بالمنهج التجريبي؛ إلا أنهكان يخلط ذلك بأوهام الرمزية والتنجيم. أما الرازي فقد تجرّد عن الغموض والإيهاموعالج المواد الطبيعية من منظور حقيقتها الشكلية الخارجية دون مدلولها الرمزي. ولذاكان الرازي بطبيعة الأمر أوسع علمًا وأكثر تجربة وأدق تصنيفًا للمواد من أستاذه. ونستطيع أن نقول : إنه الرائد الأول في هذا العلم، وذلك في ضوء اتجاهه العلمي،وحرصه على التحليل وترتيب العمل المخبري، وكذلك في ضوء ما وصف من عقاقير وآلاتوأدوات.
عكف الرازي ـ إلى جانب عمله التطبيقي في الطب والصيدلة والكيمياء ـ علىالتأليف؛ وصنَّف ما يربو على 220 مؤلفًا ما بين كتاب ورسالة ومقالة. وأشهر مصنفاتهفي حقل الكيمياء سر الأسرار نقله جيرار الكريموني إلى اللاتينية، وبقيت أوروباتعتمده في مدارسها وجامعاتها زمنًا طويلاً. بيًَّن في هذا الكتاب المنهج الذي يتبعهفي إجراء تجاربه؛ فكان يبتدئ على الدوام بوصف المواد التي يعالجها ويطلق عليهاالمعرفة، ثم يصف الأدوات والآلات التي يستعين بها في تجاربه؛ وسماها معرفة الآلات،ثم يشرح بالتفصيل أساليبه في التجربة وسماها معرفة التدابير. ولعل براعة الرازي فيحقل الطب جعلته ينبغ في حقل الكيمياء والصيدلة؛ إذ كان لابد للطبيب البارع آنذاك أنيقوم بتحضير الأدوية المركبة، ولا يمكن تحضير هذه المركبات إلا عن طريق التجربةالمعملية. ويبين سر الأسرار ميل الرازي الكبير واهتمامه العميق بالكيمياء العملية،وترجيح الجانب التطبيقي على التأمل النظري، ولا يورد فيه سوى النتائج المستفادة منالتجربة. وقسَّم المواد الكيميائية إلى أربعة : معدنية، ونباتية، وحيوانيةومشتقة.
كان الرازي من أوائل من طبقوا معارفهم الكيميائية في مجال الطب والعلاج،وكان ينسب الشفاء إلى إثارة تفاعل كيميائي في جسم المريض؛ فهو أول من استعمل الكحولفي تطهير الجروح، وابتكر طريقة جديدة لتحضير الكحول الجيد من المواد النشويةوالسكرية المتخمرة. كما كان أول من أدخل الزئبق في المراهم. ( )

الكندي (185-252 هـ / 801-866م):

هو أبو يوسف يعقوب بنإسحاق بن الصباح الكندي، من قبيلة كندة العربية، ولد في الكوفة وتوفي ببغداد، تعلمالكندي في البصرة وبغداد وأقام في بلاط العباسيين، ترجم كثيراً من الكتب اليونانيةإلى اللغة العربية، وقد ذكر "ابن النديم" في كتابه " الفهرست" حوالي مائتين وثلاثونكتاباً ورسالة ألفها الكندي، ومن أشهر رسائله في الكيمياء: "كتاب الجواهر الثمينة،وكتاب رسالة فيما يصبغ فيعطي لوناً، ورسالة فيما يطرح على الحديد والسيوف حتى لاتنثلم ولا تكل ( )، وكتاب كيمياء العطر والتصعيدات، طبعت في ليبزغ سنة 1948م معترجمتها، وكتاب رسالة في العطر وأنواعه، وكتاب التنبيه إلى خدع الكيميائيين ( ) وكتاب تلويح الزجاج.
وقد وضح رأيه في الصنعة فقال: "إن الاشتغال في الكيمياء (أيالحصول على الذهب) يذهب العقل والجهود، وقد وضع رسالة سماها "بطلان" دعا فيهاالمدعين ترك صنعة الذهب والفضة وخدعهم. ( )
حضّر الكندي أنواعًا من الحديدالفولاذ بأسلوب المزج والصهر؛ وهي طريقة لا زالت تستخدم حتى وقتنا الحاضر بنجاح. يتلخص هذا الأسلوب في مزج كميتين معلومتين من الحديد النرماهن (المطاوع) والحديدالشبرقان (الحديد الصلب). ويصهران معًا ثم يسخنان إلى درجة حرارة معلومة وخلال مدةزمنية مناسبة بحيث يكون الحديد الناتج محتويًا على نسبة من الكربون لا تقل عن 0,5% ولا تزيد كثيرًا على 1,5%. واستخدم الكندي أشهر السموم المعدنية المعروفة في وقتناالراهن؛ وهي التي تتكون من أيون السيانيد الموجود في ورق نبات الدفلي، وكذلكالزرنيخ الأصفر. فقد ذكر الكندي وصفة لتلوين حديد السيوف والسكاكين يدخل في تركيبهابعض المواد العضوية والأعشاب، من بينها نبات الدفلي الذي ثبت أن السم فيه عاليالتركيز لاحتوائه على مقدار كبير نسبياً من سيانيد الصوديوم أو البوتاسيوم، ويكسبالحديد لونًا أحمر يضرب إلى الزرقة.
قام كل من أرنالدوس وجيرار الكريموني بترجمةكتب الكندي في مجال الكيمياء والصيدلة إلى اللغة اللاتينية، وقال عنه الأخير إنهكان "خصب القريحة، وإنه فريد عصره في معرفة العلوم بأسرها". ( )

أبو الريحان البيروني: (973-1050 هـ):

ولد أبو الريحانمحمد بن أحمد البيروني بضاحية من ضواحي خوارزم بأوزباكستان وكان صديقاً لابن سينا،لم يؤمن البيروني بتحويل المعادن وهو من القائلين ببطلان الصنعة، وقد كان يؤمن فيوحدة الاتجاه العلمي في العالمين الإسلامي والعربي، وكان البيروني يستند في أبحاثهعلى تجاربه الشخصية، وهو بهذا أكد مبدأ التجربة في البحث العلمي، وهو المبدأ القويمفي الحضارة العربية والإسلامية الخالدة.
وقام البيروني بشرح عملية استخراجالمعادن وتحديد أوزانها النوعية في الهواء والماء، والتي جاءت قيمتها مطابقة للقيمالمعروفة اليوم كالزئبق والحديد والقصدير والرصاص والزمرد، وكذلك تعداده للمعادنوالغازات المعروفة في عصره وأماكن خاماتها، وطرق استخراجها من الخام. ( )
وأعرضنموذجاً صغيراً من العناصر التي استنتج البيروني ثقلها النوعي، ومقارنتها بما توصلإليه العلم الحديث: مثال:
العنصر ثقله النوعي عند البيروني ثقله النوعي في العلمالحديثالزئبق 13.59 13.59الذهب 19.05 19.26النحاس 8.83 8.85وقدحضّر البيروني ملغم الزئبق مع الذهب وصنع الفولاذ، وحضر كربونات الرصاص القاعدية،وهي الطريقة المعروفة الآن بالطريقة الهولندية. ( )

الجلدكي (....-1342م )

هو عز الدين أيدمر علي الجلدكيوينسب إلى قرية جلدك من قرى خرسان (إيران) قرب مدينة مشهد. وهو من علماء القرنالثامن الهجري (والرابع عشر ميلادي)، من العلماء المشهورين في الكيمياءوكان يحبنشر العلم، لذا نجد أن بيته مفتوح لطلاب العلم وصدره واسع لمن يستفتيه بمسألة تتعلقبعلم الكيمياء أو بأي فرع من فروع المعرفة. أشتهر بسعة إطلاعه لأنه لم يترك كتاباًفي حقل الكيمياء إلا درسه وعلق عليه.
استنتج من كل دراساته وأبحاثه أن الموادالكيميائية لا تتفاعل مع بعضها البعض إلا بأوزان معينة. ومما لا يقبل الجدل أن هذهالفكرة هي بحد ذاتها أساس ابتكار قانون النسب الثابتة في الاتحاد الكيماوي الذيادعى ابتكاره جوزيف براوست وقد جاء بعد الجلدكي بخمسة قرون.
أعطى الجلدكي وصفاًمفصلاً لطريقة الوقاية والاحتياطات اللازمة من خطر استنشاق الغازات الناتجة عنالتفاعلات الكيميائية، فهو بذلك أول من فكر في ابتكار واستخدام الكمامات في معاملالكيمياء، كما درس القلويات والحمضيات وخواص الزئبق. وتطرق لصناعة الصابون وأهميتهفي التنظيف وكان أول من فصل الذهب عن الفضة. ( )
وقد وصف الجلدكي بالتفصيلالأنواع المختلفة للتقطير، وشرح طريقة التقطير التي تسـتعمل حاليـا مثـل أوراقالترشـيح والتقطير تحت الحمام المائي والتقطير المزدوج. وفـي وصفـه للمـوادالكيميائية لا يترك خاصية للمادة إلا ذكرها وأوضحها، بل إنه يعتـبر أول عـالم تمكـنمـن معرفة أن كل مادة يتولد منها بالاحتراق ألوان خاصة. واسـتنتج مـن دراسـتهالمكثفة أن المواد الكيمياوية لا تتفاعل مع بعضها إلا بأوزان معينة، فوضع بذلك أساسقانون النسب الثابتة في الاتحاد الكيماوي.
وتطـرق الجـلدكي أيضـا إلـى دراسـةخواص الزئبق معتقدا أن هذا المعدن هو أصل جميع الأحجار. كما درس خواص المعادنالمكونة في الطبيعة وله أقوال في خواص معدن الرصاص .
ولـم تقتصـر بحوث الجلدكيعلى علم الكيمياء فحسب ، وإنما تطرقت إلى معارف شـتى فبحـث فـي الميكانيكـا وعلـمالصـوت والتمـوج المائي والهوائي. وكان في دراسـته للظواهر الطبيعية معتمدا على ماقرأه عن أساتذته ابن الهيثم ، و الطوسي ، و الشـيرازي وغـيرهم. كمـا اشـتغل بعلميالطب والصيدلة وله في هذين العلمين نتاج جيد.
تـرك الجلدكي عدداً كبيراً منالمؤلفات معظمها في الكيمياء من أشهرها كتاب التقـريب في أسرار تركيب الكيمياء، وهوموسوعة علمية تضمنت الكثير من المبـادئ والنظريـات والبحوث الكيميائية، واحتوى علىوصف للعمليات المستخدمة فيهـا كـالتقطير والتصعيد والتكليس، وفيـه اقتباسـات عديـدةمـن جـابر بـن حيـان. وكتـاب كـنز الاختصـاص ودرة الغـواص في معرفة الخواص، وهو فيقسمين، قسم في الحيوان وقسـم ثـان فـي الجمـاد. ( )
وكتاب المصباح في أسرار علمالمفتاح، وكتاب نتائج الفكر في علم (أو أحوال) الحجر (حجر الفلاسفة)، وكتاب بغيةالخبير في قانون طلب الإكسير، وكتاب البدر المنير في أسرار الإكسير، وكتاب البرهانفي أسرار علم الميزان، وكتاب غاية الشذور (شرح شذور الذهب في الإكسير لأبي الحسنعلي بن موسى الحكيم الأندلسي المتوفي سنة 593هـ)، وكتاب نهاية الطلب (شرح المكتسبفي صناعة الذهب لأبي القاسم العراقي). ( )
يقول عنه أحمد شوكت الشطي في كتابهمجموعة أبحاث عن تاريخ العلوم الطبيعة في الحضارة الإسلامية: «إن الجلدكى منالعلماء المشهورين في علم الكيمياء ليس فقط بين علماء الغرب والمسلمين ولكن بينعلماء الكيمياء بوجه عام».
ويقول عنه أ. ج. هولميارد في كتابه صانعو الكيمياء: «إن الجلدكي الذى قضى جزءا من حياته في القاهرة يعتبر بحق من العلماء الذين لهم دورعظيم في علم الكيمياء. واهتم الجلدكي اهتماما بالغا بقراءة ما كتب عن علم الكيمياء،فاتخذ من قراءاته وتحليله طريقة لبناء مسلك علمي في علم الكيمياء، وهذا ما يسمىبآداب علم الكيمياء العربية والإسلامية، وقام الجلدكى بتجارب علمية في حقلالكيمياء، وإن كان معظم عمله تحليليا، إلا أنه من العلماء الذين يدين لهم علماءالعصر الحديث بالكثير». ( )


جدول يظهر أشهرالكيميائيين العرب وأهم مؤلفاتهم: ( )

م الكيميائي تاريخ وفاته أهممؤلفاته
1
خالد يزيد بن معاوية 85هـ، 704م كتاب الحرارات؛ الصحيفة الكبيرة؛الصحيفة الصغيرة.
2
جابر بن حيان 200هـ، 815م التدابير؛ السّموم ودفع مضارها؛الموازين.
3
ذو النون المصري 245هـ، 859م الركن الأكبر؛ الثقة في الصنعة.
4
الكندي، يعقوب بن إسحاق 260هـ، 873م التنبيه على خدع الكيميائيين؛ كيمياء العطروالتصعيدات.
5
ابن وحشية، أبوبكر أحمد بن علي 296هـ، 908م كتاب الأصول الكبير؛الأصول الصغير؛ المذاكرة.
6
أبو قران النصيبيني بعد سنة 296هـ ،908م الخمائروالبلوغ؛ التمويه؛ شرح الأثير.
7
عثمان بن سويد الأخميمي 298هـ،910م الكبريتالأحمر؛ التصعيد والتقطير؛ الجحيم الأعظم.
8
الرازي، أبوبكر محمد بن زكريا 311هـ، 923 الأسرار؛ سر الأسرار؛ الحجر الأصفر
9
المجريطي، أحمد بن مسلمة 398هـ، 1007م رتبة الحكيم.
10
الزهراوي، أبو القاسم خلف بن عباس بعد سنة 400هـ، 1009م التصريف لمن عجز عن التأليف (يتضمن أبوابًا عن الكيمياء)
11
الصالحي،محمد بن عبدالملك الخوارزمي بعد سنة 426هـ، 1034م عين الصنعة وعون الصناع.
12
ابن سينا، أبو علي الحسين بن عبدالله 428هـ، 1036م الشفاء في المنطق والرياضيات (يتضمن فصولاً في الكيمياء)؛ رسالة في علم الإكسير.
13
السايح، أبوبكر علىالخراساني 438هـ، 1046م الحجر الطاهر؛ الحقير النافع؛ الأصول.
14
البيروني، أبوالريحان محمد بن أحمد 440هـ، 1048م الجماهر في معرفة الجواهر؛ مفاتيح الرحمةومصابيح الحكمة.
15
أبو العباس القيسي التيفاشي 661هـ، 1263م أزهار الأفكار فيجواهر الأحجار.
16
ابن كمونة، سعد بن منصور 676هـ، 1277م التذكرة في الكيمياء.
17
السيماوي، محمد بن أحمد بعد سنة 743هـ، 1342م المكتسب في زراعة الذهب.
18
الجلدكي، أيدمر بن علي 743هـ، 1342م بغية الخبير في قانون طلب الإكسير؛التقريب في أسباب التركيب؛ درة الغواص في معرفة الخواص.
19
ابن الأكفاني محمدبن إبراهيم الأنصاري 749هـ، 1348م نخب الذخائر في أحوال الجواهر.
20
محمدالمغوش المغربي التونسي 974هـ، 1566م رسالة في الكيمياء
.


منقول



غير مبريء الذمه نقل الموضوع أو مضمونه بدون ذكر المصدر: منتديات الشامل لعلوم الفلك والتنجيم - من قسم: تواريخ وحوادث


...
....
صورة رمزية إفتراضية للعضو baidoon
baidoon
شيخ
°°°
افتراضي
جزاكم الله خيرا

صورة رمزية إفتراضية للعضو mohamed gaber
mohamed gaber
عضو
°°°
افتراضي رد: علم الكيمياء في الحضارات القديمة والحضارة العربية الإسلامية
بارك الله فيكم وفي علمكم


مواقع النشر (المفضلة)
علم الكيمياء في الحضارات القديمة والحضارة العربية الإسلامية

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع
المواضيع المتشابهه
الموضوع
فيديو يكشف ادله على تطور الحضارات القديمة
مكتبة الحضارات والاديان القديمة
تقريب مصطلحات السكة والصياغة في الكيمياء العربية القديمة
الحضارات القديمة-خفايا وأسرار الماضي الكبرى
تفسير الأحلام في الحضارات القديمة.

الساعة الآن 05:48 AM.